شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

[ فضائل اسرة أمير المؤمنين ]

وقد ذكرنا من فضل علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فيما تقدم. وذكرنا من فضل جعفر بن أبي طالب ، أخي علي عليه‌السلام كثيرا. ونذكر في هذا الباب شيئا مما انتهى إلينا من ذلك ، ومن فضائل غيرهم من أهل بيته إن شاء الله تعالى.

[١١٢٩] محمد بن عباد بن يعقوب ، باسناده ، عن جعفر بن محمد ، أنه قال : كانت أم علي عليه‌السلام احدى أحد عشر امرأة بدرية. فلما أن ماتت نزع رسول الله قميصه فأعطاهم إياه. وقال : كفنوها فيه ، ليدفع عنها ضغطة القبر. ونزل في قبرها ، فاضطجع في لحدها. وقال : أردت أن يوسع عليها ، فانه لم ينفعني أحد بعد أبي طالب كنفعها.

[١١٣٠] محمد بن علي بن أعرابي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، أنه قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عام الحديبية فصالحهم على أن يقدم من قابل ، ولا يدخل مكة بفرس ولا سلاح ، ولا يخرج منها أحد ، فنزل بطن مرو. وتخلف علي عليه‌السلام بمكة ، فأخرج بنت حمزة (١) على بعير. فلقيه رجل من المشركين ، فلما علم أنه

__________________

(١) واسمها امامة. وقيل : إن امها زينب بنت عميس الخثعمية ، وقيل : امها : سلمى بنت عميس.

كما سيأتي إن شاء الله.

٢٠١

علي لم يجسر على مقاومته ، فكان اكثر ما قدر عليه أن شتم الجارية ، وشتم أباها.

وقدم بها علي بطن مرو على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنازعه فيها جعفر وزيد بن حارثة. فقال له جعفر : هي ابنة عمي وخالتها عندي ، والنساء عورة.

وقال زيد : هي مولاتي ، وقد آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيني وبين أبيها ، وأنا أحقكم بها.

قال علي عليه‌السلام : هي ابنة عمي ، وقد تركتموها بمكة تضرب ويشتم أبوها واخوتها ، وأنا أحقكم بها.

فسمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلامهم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أقضي بينكم فيها وفي غيرها. أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخلقي وأما أنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي : وأما أنت يا زيد فمولى الله ومولى رسوله ، فادفعوها الى خالتها فان النساء عورة.

[ جعفر بن أبي طالب ] (١)

[ الصدقة في الليل ]

[١١٣١] سعد بن طريف ، باسناده ، عن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام

__________________

(١) واستشهد من أولاد جعفر بن أبي طالب ثلاثة لم يذكرهم المؤلف وهم :

عون بن عبد الله بن جعفر : أمه : العقيلة زينب بنت علي عليهما‌السلام دخل ساحة الوغى مرتجزا :

إن تكروني فأنا ابن جعفر

شهيد صدق في الجنان أزهر

يطير فيها بجناح أخضر

كفى بهذا شرفا في المحشر

( ناسخ التواريخ ٢ / ٣٢١ )

٢٠٢

لما أن بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى النجاشي (١) ركب البحر ، فبيناهم يجرون في الليل إذ سمعوا قائلا يقول : اسمعوا ما أقول لكم يا أهل السفينة وأخبركم به من ربكم ، فتقدم جعفر عليه‌السلام الى مقدم السفينة.

فقال : أين مخبرنا عن ربنا؟ فاذا قائل يقول : إن الصدقات بالنهار تطفئ غضب الرب ، والصدقة بالليل تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.

__________________

قتله : عبد الله بن قطنة الطائي ( الكامل ٤ / ٧٥ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، مقاتل الطالبيين ص ٦٠ ، بحار الانوار ١٠١ / ٣٤١ ، الفتوح ٥ / ٣٠٤ ، الارشاد ص ٢٦٨ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

محمد بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة بنت ثقيف من بكر بن وائل.

دخل المعركة وهو يرتجز يقول :

نشكو الى الله من العدوان

قتال قوم في الردى عميان

قد بدّلوا معالم القرآن

ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فحمل عليه عامر بن نهثل التميمي فقتله. ( الارشاد ص ٢٦٨ ، الفتوح ٥ / ٢٠٤ ، ابصار العين ص ٤٠ ، مقتل الخوارزمي ٢ / ٤٧ ، عمدة الطالب ص ٢٠٠ ).

عبد الله بن عبد الله بن جعفر : أمه : الحوصاء بنت حفصة.

قال أبو الفرج الاصفهاني في المقاتل ص ٩٢ : ذكر يحيى بن الحسن العلوي فيما حدثني به أحمد بن سعيد عنه : أنه قتل مع الحسين بالطف. وذكره أيضا الخوارزمي في مقتله.

وأنكر بعض المؤرخين استشهاده في كربلاء ، ويؤيد هذا القول ما قاله عبد الله بن جعفر لما بلغه قتل الحسين عليه‌السلام دخل عليه بعض مواليه يعزونه والناس يعزونه. فقال مولاه : هذا ما لقيناه من الحسين. فحذفه ابن جعفر بنعله قائلا : يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا. والله لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه. والله إنه لما يسخي بنفس منهما ويهون على المصاب بهما أنهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه.

ثم قال : إن لم تكن آست الحسين يديّ فقد آساه ولدي ( الكامل ٤ / ٨٩ ، الطبري ٦ / ٢٦٨ ) حيث صرح بأن اثنين استشهدا في كربلاء ، والله اعلم.

(١) وهو أصحمة بن أبحر ملك الحبشة واسمه بالعربية عطية ، والنجاشي لقب له. أسلم على عهد

٢٠٣

[ قتال جعفر ]

[١١٣٢] عبد الملك بن هشام ، باسناده ، [ أن ] جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، أخذ اللواء يوم مؤتة بيمينه. فلم يزل يقاتل حتى قطعت يمينه. فأخذه بشماله ، فلم يزل يقاتل حتى قطعت شماله. فاحتضن اللواء بعضديه ، وجعل يقاتل حتى قتل عليه‌السلام.

[١١٣٣] محمد بن حميد ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام لم يزل يقاتل يوم مؤتة بيمينه حتى جرح سبعين جراحة بين ضربة وطعنة ، فأدركه الجرح ، فقتل رحمه‌الله.

[ مقام جعفر ]

[١١٣٤] خالد بن يزيد ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال :

رأيت جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام في الجنة ملكا يطير فيها بجناحين مضرّجين قوادمهما بالدماء ، يتبوأ منها حيث يشاء يطير فيها مع الملائكة.

[ بأيهما اسرّ؟ ]

[١١٣٥] الأجلح ، باسناده ، أن جعفر بن أبي طالب ، قدم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحبشة يوم فتح خيبر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أدري بأيهما أنا اسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ وضمه إليه ، وقبّل ما بين عينيه.

__________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . وتوفي ببلاده قبل فتح مكة ( اسد الغابة ١ / ١٢٠ ).

٢٠٤

[ الرسول وجعفر ]

[١١٣٦] سلمة ( بن شيش ) (١) ، باسناده ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام [ أنه ] قال : سمعت أبي يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خلق الناس بأشجار شتى وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة. وأنا وآل عبد المطلب من شجرة واحدة. وأنا [ و ] جعفر من غصن من أغصانها فأشبه خلقي خلقه وخلقه خلقي (٢).

[١١٣٧] محمد بن الحسن (٣) ، باسناده ، أن أبا طالب مرّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه علي عليه‌السلام وهما يصلّيان ، وجعفر مع أبي طالب. فقال أبو طالب له : ارجع فصل جناح ابن عمك. فأتى جعفر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسلم ، وصلّى معهما ، وكانت أول صلاة صلاّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في جماعة.

[ جعفر هاجر الهجرتين ]

[١١٣٨] وبآخر ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : ضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لجعفر بن أبي طالب بسهمه يوم بدر ، وهو بأرض الحبشة ، وهاجر الهجرتين ـ هاجر الى أرض الحبشة ، وهاجر الى المدينة ـ.

__________________

(١) ما بين القوسين من نسخة ز.

(٢) وفي حياة القلوب ٢ / ١٢٨ ، وذخائر العقبى ص ٢١٥ ، وكتاب ربيع الأبرار للزمخشري : عند ما كان يمرّ جعفر على جماعة يتصورون أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقولون له : السلام عليك يا رسول الله.

فكان جعفر يقول : أنا جعفر ولست رسولا.

(٣) وفي نسخة ز : يحيى بن الحسن.

٢٠٥

[ نعي جعفر ]

[١١٣٩] أحمد بن يحيى ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال : خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعيناه تذرفان ، فقال : أخذ الراية جعفر ، فقتل ، ثم أخذها زيد بن حارث (١) فقتل ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة (٢). فقتل ، ثم أخذها خالد بن الوليد (٣).

ثم علي عليه‌السلام التفت الى مؤتة (٤) وقال لهم : بايعهم ، إن

__________________

(١) وهو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، اختطف في الجاهلية صغيرا ، واشترته خديجة بنت خويلد ، فوهبته الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حين تزوجها ، فتبناه قبل الاسلام ، واعتقه ، وزوجه بنت عمته ، واستمر الناس يدعونه زيد بن محمد حتى نزلت الآية الكريمة ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) وقد جعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أحد الامراء في غزوة مؤتة ( خزانة الادب للبغدادي ١ / ٣٦٣ ، الروض الآنف ١ / ١٦٤ ).

(٢) وهو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الانصاري. كنيته : أبو محمد. شهد بدرا واحدا وخندق والحديبية ، واستخلفه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة في احدى غزواته ، وصحبه في عمرة القضاء وله فيها رجز ، وكان أحد الامراء في وقعة مؤتة ( امتاع الاستماع ١ / ٢٧٠ ، خزانة الادب ١ / ٣٦٢ ).

(٣) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، أسلم قبل الفتح سنة ٧ ه‍ ، ومات بحمص سنة ٣١ ه‍ ( الاصابة ١ / ٤١٢ ، طبقات ابن سعد ٤ / ٢٥٢ ).

(٤) واقعة وقعت في سنة ٨ للهجرة.

سبب الغزوة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث الحرث بن عمير الازدي الى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض له شرحبيل بن عمرو النسائي فقتله ، ولم يقتل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غيره. فشق عليه ذلك ، قندب الناس وعسكر بالجرف وهم ثلاثة آلاف وشيعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ثنية الوداع ، فساروا حتى نزلوا أرض مؤتة ، فالتقى بهم هرقل في أربعمائة ألف منهم أربعون ألف مقرنين ، فالتقوا ، فثبت المسلمون واستشهد زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب ( تذكرة الخواص ١٨٩ ).

مؤتة : قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، وقبر سيدنا جعفر في ضيعة كما قال المهلبي : مآب أذرح مدينتا الشراة على اثني عشر ميلا من أذرح من ضيعة تعرف مؤتة بها قبر جعفر. وقد وجد جثمانه بهيئته وثيابه وعليه الدم طريا والسيف في عنقه لم يتغير من بدنه شيء ، وذلك حينما ازمعوا على تجديد بناء المرقد الطاهر ( مراقد المعارف ١ / ٢٢٥ ).

٢٠٦

اصيب جعفر فأميركم زيد بن حارثة. فإن اصيب زيد فأميركم عبد الله بن رواحة ، ولم يذكر الامرة بعده غيره (١).

فلما اصيبوا ثلاثتهم رضي الله عنهم أخذ الراية خالد بن الوليد عن غير إمرة ، ففتح الله للمسلمين.

[ السنّة الحسنة ]

[١١٤٠] إبراهيم بن علي ، باسناده ، عن عائشة ، قالت : لما [ أتى ] نعي جعفر وعرفنا في وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحزن. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد جاءهم ما يشغلهم أن يصنعوا لأنفسهم.

فجرت بذلك السنّة من بعد بأن يصنع لأهل بيت خواصهم طعاما.

وقالت أسماء بنت عميس ترثي جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام بهذه الابيات :

يا جعفر الطيار خير مضرب

للخيل يوم تطاعن وتشاح

قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه

فتركتني أمشي بأجرد ضاحي

قد كنت ذات حمية ما عشت لي

أمشي البراز وأنت كنت جناحي

فاليوم أخشع للذليل وأتقي

منه وأدفع ظالمي بالراح

[ ضبط الغريب ]

قولها : تشاح ، يقال منه شجى فلان فاه : إذا فتحه. وشحا اللجام فم الفرس. قال الشاعر :

__________________

(١) قال اليعقوبي في تاريخه ١ / ٦٦ ط لندن ١٨٨٣ م : إن الامراء الذين عينهم الرسول ثلاثة : جعفر وزيد وعبد الله.

٢٠٧

كأن فاها ، واللجام شاحية

جنبا غبيط ملس نواحيه (١)

ويقال من ذلك : اقبلت الخيل شواحي وشواحيات : إذا أقبلت فاتحة أفواهها.

وقولها : فتركتني أمشي بأجرد ضاحي.

الأجرد : الذي لا نبات فيه من الجبال والارضين.

والضاحي : ما ليس له ظل. يقال منه : ضحا الرجل ضحيا إذا أصابه حرّ الشمس. وفي القرآن : ( وَلا تَضْحى ) (٢) أي : لا يصيبك حرّ الشمس يعني في الجنة.

وقولها : ألوذ. اللوذ : مصدر لاذ ، يلوذ ، لواذا ، ولواذا ، واللياذ مصدر اللواذة. الملاوذة أن تستتر بشيء مخافة من تراه وتخافه.

وقولها : وأدفع ظالمي بالراح.

الراح : جمع الراحة. والراحة باطن الكف ، وذلك مما يدفع به الضعيف الذليل من نفسه أن يتقي براحة كفه.

[ حسّان يرثيه ]

وقال حسّان بن ثابت (٣) يرثي جعفرا ومن قتل معه شعرا (٤) :

__________________

(١) هكذا صححناه من لسان العرب ١٤ / ٤٢٤ وفي الاصل :

فان فاها والحمام شاحية

حينا عبيط ملبس نواحيه

(٢) ( وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى ) طه : ١٩.

(٣) حسان بن ثابت بن المنذر من الشعراء المخضرمين ويعرف بشاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . كنيته : أبو الوليد. ولد قبل ولادة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بثمان سنين وعاش مائة وعشرين سنة. قال في المستدرك ٣ / ٤٨٦ : أربعة تناسلوا من صلب واحد عاش كل واحد منهم مائة وعشرين سنة ، وهم : حسان بن ثابت بن المنذر بن حزام ... الخ. عاش أبو الوليد ستين سنة في الجاهلية وستين في الاسلام ، وذهب بصره ، توفي سنة ٥٥ ه‍ ( اسد الغابة ٢ / ٧ ).

(٤) وهذه القصيدة ذكرها ابن هشام في سيرته ٤ / ٣٦. وأنهاها الى سبعة عشر بيتا ، ومطلعها :

٢٠٨

رأيت خيار المسلمين تتابعوا (١)

شعوبا وخلفا بعدهم يتأخر (٢)

فلا يبعدون الله قتلى تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر (٣)

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

بمؤتة فيهم ذو الجناحين جعفر

غداة (٤) غدا بالمؤمنين يقودهم

الى الموت ميمون النقية أزهر

أعزّ كضوء البدر من آل هاشم

أبي إذا سم (٥) الضلامة مجسر

فطاعن حتى مال غير موسد

بمعترك فيه القنا ينكسر

وصار مع المستشهدين (٦) ثوابه

جنان ومتلف الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر من محمد

وقارا (٧) وأمرا حازما حين يأمر

وما زال (٨) في الاسلام من آل هاشم

دعائم عزّ لا ترام (٩) ومفخر

هم جبل الاسلام والناس حولهم

قيام الى طود يروق ويبهر (١٠)

بها ليل منهم جعفر وابن أمه

علي ومنهم أحمد المتخير

وحمزة والعباس منهم وفيهم (١١)

عقيل وماء العود من حيث يعصر

__________________

تأويني نيل وبيثرب أعسر

وهم اذا ما نوم الناس مسهر

(١) وفي الاصابة ٤ / ٢٣٨ والسيرة ٤ / ٣٦ : تواردوا.

(٢) شعوب وقد خلقت ممن يؤخر ( الاصابة ٢ / ٢٣٨ ) وفي الديوان : شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر.

(٣) وقد ذكر ابن هشام في السيرة ٤ / ٣٦ ، هذا البيت والبيت الذي يليه هكذا.

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا

بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا

جميعا وأسباب المنية تخطر

(٤) وفي السيرة : غداة مضوا بالمؤمنين.

(٥) وفي السيرة : إذا سيم.

(٦) وفي نسخة ز : المتشهدين.

(٧) وفي السيرة : وفاء.

(٨) وفي الديوان : فلا زال. وفي السيرة : فما يزال.

(٩) وفي الديوان : عز لا تزول. وفي السيرة : لا يزلن.

(١٠) وفي السيرة : رضام الى طود يروق ويقهر.

(١١) وفي شرح النهج لابن أبي الحديد ١٥ / ٦٢ : وحمزة والعباس منهم ومنهم.

٢٠٩

[ ويرثيه أيضا كعب ]

وقال كعب بن مالك (١) يرثي جعفر وأصحابه شعرا :

نام (٢) العيون ودمع عينك يهمل

سحا كما وكفّ الضباب المخضل

وكأنما بين الجوانح والحشا

مما تأويني شهاب مدخل

وجدا على النفر الذين تتابعوا

سرعى بمؤتة غود روا لم ينقل (٣)

صلّى الاله عليهم من فتية

وسقى عظامهم الغمام المسبل

صبروا هنا لك (٤) للاله نفوسهم

حذرا له وحفيظة أن ينكلوا (٥)

فمضوا أمام المؤمنين (٦) كأنهم

فنق عليهن الحديد المرفل

إذ يهتدون بجعفر ولوائه

قدام أولهم ونعم (٧) الاول

حتى تفرقت الصفوف وجعفر

بين الصفوف لدى الحتوف مجدل (٨)

__________________

بعض الكلمات الغريبة :

شعب بضم الشين : وهي القبيلة. خلف : من يأتي بعده. أزهر : أبيض. أبي : عزيز الجانب. سيم : كلف وحمل. المجسر : المقدام الجسور. معترك : موضع الحرب. الرضام : جمع رضيم ، وهي الحجارة يتراكم بعضها على بعض. الطود : الجبل.

(١) وهو أحد شعراء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين كانوا يردون الاذى عنه. أسلم وشهد العقبة.

توفي في عهد معاوية ٥٠ ه‍ وهو ابن سبع وسبعين سنة.

أما القصيدة فهي مؤلفة من ٢٥ بيتا وقد ابتدأ المؤلف بالمطلع ثم انتقل الى البيت الرابع.

(٢) وفي السيرة : هدف العيون.

(٣) وفي السيرة : يوما بمؤتة اشتدوا لم ينقلوا.

(٤) وفي السيرة : صبروا بمؤتة.

(٥) وفي نسخة ز : عند الحمام وحفيظة أن ينكلوا. وفي السيرة : حذر الردى ومخافة أن يتكلوا.

(٦) وفي السيرة. امام المسلمين.

(٧) السيرة : فنعم الاول.

(٨) وفي السيرة :

حتى تفرجت الصفوف وجعفر

حيث التقى وعنت الصفوف مجدل

٢١٠

فتغيّر القمر المنير لقدره (١)

والشمس قد كسفت وكادت تأفل

قرم علا بنيانه من هاشم

فرع اشمّ وسؤدد ما ينقل (٢)

قوم بهم عصم الاله عباده (٣)

وعليهم نزل الكتاب المنزل

بيض الوجوه ترى بطون اكفهم

تندى إذا اعتذر الزمان الممحل

ويهديهم رضي الاله لخلقه

وبحدهم (٤) نصر النبي المرسل

[ ضبط الغريب ]

فأما قول حسان بن ثابت : رأيت خيار المسلمين تتابعوا شعوبا.

تتابعوا : أي اتبع بعضهم بعضا شعوب.

تفرقوا : فارقوا الدنيا وأهلها.

والشعب : يكون تفرقا ، ويكون اجتماعا. فمن الاجتماع ، قول الطرماح شعرا :

شتت شعب الحي بعد الالتيام

وسخال اليوم ربيع المقام (٥)

ويقول : شتت شملهم بعد الالتيام. ويقول : شعب بين القوم : إذا فرق بينهم. واشعب الطريق : إذا تفرق. واشعب أغصان الشجر : إذا تفرقت. وعصا في رأسها شعبتان. وشعب الجبال : ما تفرق من رءوسها.

وقوله : وخلفا بعدهم يتأخر.

الخلف ( بجزم اللام ) هم القرون من الناس. قال الشاعر :

__________________

(١) السيرة : لفقده.

(٢) السيرة : فرعا اشم وسؤددا ما ينقل.

(٣) السيرة : قوم بهم نصر الاله عباده.

(٤) السيرة : وبجدهم.

(٥) وفي لسان العرب ١ / ٤٩٨ :

شعث شعب الحي بعد التئام

وشجاك اليوم ربع المقام

٢١١

فبئس الخلق كان أبوك فينا

وبئس الخلق خلف أبيك خلفا

والخلف من الصالحين. قال تبارك وتعالى : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ ) (١).

وقوله : ميمون النقيبة أزهر. النقيبة من العمل ، يقول : إنه لميمون النقيبة كرم الفعال. الازهر : بمعنى المنير.

وقوله : أبي إذا سيم الظلامة مجسر.

الأبي : الذي يأبى من أن يظلم أو يظلم.

والمجسر ، الجسور والجسارة ، يقال منه رجل جسور وجسر ومجسر.

وقوله : بمعترك. فالمعترك الموضع الذي يعترك القوم فيه للقتال. اعتراكهم : اعتلاجهم. أخذ ذلك من عرك الاديم إذا عرك : لترطيبه.

والطود : الجبل العظيم.

وقوله : يروق. الروق : الاعجاب ، يقول : راقني هذا الامر فهو يروقني إذا أعجبه.

وقوله : يبهر : يقول يعجز من رؤيته ، ويقال للشيء إذا اعجزه الشيء قد أبهره ، وهو شيء يبهر : يعجز.

وأما قول كعب : وبها ليل : جمع بهلول. والبهلول : الرجل الحي : أي الكريم.

ودمع عينك يهمل ، يقال منه : همل الدمع ، وكل شيء ترك لا يستعمل فهو مهمل.

وقوله : سحا. تقول من ذلك سيح المطر ، والدمع. وهو سح سحا : اذا اشتدّ انصبابه.

قال امرؤ القيس :

فأضحى يسيح الماء من كل قبعة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل (٢)

__________________

(١) مريم : ٥٩.

(٢) وفي لسان العرب ١١ / ١٠٣ :

فأضحى يسح الماء من كل فيقة

يكبّ على الاذقان دوح الكنهبل

٢١٢

وقوله : كما وكفّ الضباب.

وكفّ : قطر. يقول : وكفّ الدار ، إذا قطر. وو كف الدمع يكفّ وكفا ووكيفا. ودمع واكف. والضباب جمع ضبة : شقة مستطيلة من المزادة والقربة.

وقوله : مخضل ، الخضل : البدن المبلول. اخضلتنا السماء : أي بلتنا بلا شديدا.

وقوله : تأويني ، يقول : راجعني وعاودني.

والشهاب : شعلة النار. الغمام : السحاب. المسبل : التام الطويل العام. والحفيظة : من المحافظة على المحارم والمكارم وضعها عن الحروب. يقال من ذلك رجل ذو حفيظة ، ورجال من أهل الحفاظ.

وقوله : أن ينكلوا : أي ينكلوا ويرجعوا. يقال منه : نكل الرجل عن الشيء ، إذا أحجم ورجع عنه. ويقال : نكل ينكل في لغة بني تميم. ونكل ينكل في لغة أهل الحجاز.

وقوله : فنق : شبههم بفحول الإبل. والفنيق : الفحل من الإبل الذي لا يؤدي ولا يركب بكرامته على أهله.

وقوله : عليهن الحديد المرفل.

يعني السابقة التامة التي يجرّ على من مشى فيها الترفل : جرّ الذيل.

وقوله في الشمس : وكادت تأفل. أي تغيب. وكل شيء غاب فهو آفل. والقرم : الفحل من الإبل.

[ وقوله : ] الزمان الممحل.

الماحل : القليل المطر. الممحل : انقطاع المطر ويبس الارض.

٢١٣

[ اسرة أبي طالب ]

وكان ولد أبي طالب الذكور أربعة :

طالب : وبه كان يكنى.

وعقيل : وبين مولدهما عشر سنين.

وجعفر : بينه وبين عقيل عشر سنين.

وعلي : أصغرهم ، بينه وبين جعفر عشر سنين.

وأعقبوا كلهم ما خلا طالب ، فانه لم يعقب.

وأم هاني : واسمها فاختة.

وجمانة.

وامهم فاطمة بنت أسد بن هاشم. أسلمت ، فكانت ربت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . وقد ذكرنا قوله عليه الصلاة والسلام فيها عند موتها. وهي أول هاشمية ولدت من هاشمي.

[١١٤١] [ السري ] بن سهيل (١) ، باسناده عن الزبير بن العوام ، قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو النساء الى البيعة لما أنزل الله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ... )

__________________

(١) هكذا صححناه وفي الاصل : السهل بن سهيل.

٢١٤

الآية (١). قال : فكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم أول امرأة بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[ وداعا يا أمّ أمير المؤمنين ]

[١١٤٢] بكر بن عبد الوهاب ، باسناده ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم علي عليه‌السلام بالروحاء وكفنها في قميصه ، ونزل في قبرها ، وتمعّك في لحدها. فقيل له في ذلك ، فقال : إن أبي هلك وأنا صغير ، وهلكت أمي ، وأخذتني هي وأبو طالب ، وكانا يوسعان عليّ ، ويؤثران لي على أولادهما ، فأحببت أن يوسع الله عليها في قبرها. وكانت مبايعة مهاجرة من أفضل المؤمنات ، ودعا لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجزاها خيرا (٢).

[١١٤٣] ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، باسناده ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال : أوصت فاطمة بنت أسد بن هاشم ، أم علي بن أبي طالب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقبل وصيتها ، فقالت له : يا رسول الله اني أردت أن أعتق [ جاريتي ] (٣) هذه.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما قدّمت من خير تجديه (٤).

فلما توفيت نزع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قميصه ، وقال : كفنوها [ فيه ]. واضطجع في لحدها ، وقال : أما قميصي فأمان لها يوم

__________________

(١) الممتحنة : ١٢.

(٢) قال ابن الصباغ في الفصول ص ٣١ : وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الله الذي يحيي ويميت وهو حي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : جارية.

(٤) وفي بحار الانوار ٣٥ / ٧٧ : فستجديه.

٢١٥

القيامة ، وأما اضطجاعي في قبرها فليوسع الله عليها.

[ أمّ هاني واختها ]

وأم هاني وجمانة ابنتا أبي طالب اختا علي عليه‌السلام المبايعتان ، ولما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة ، وندر دماء قوم سماهم ، وقال : اقتلوهم حيث وجدتموهم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب أم هاني بنت أبي طالب ، فاعتذرت إليه بأنها غيّرة لا تملك نفسها ، فعذرها.

[١١٤٤] فتزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي (١) وكان فيمن ندر رسول الله دمه رجلان من أحمائها بني مخزوم (٢) ، فاستجارا بها. فدخل علي عليه‌السلام ، فرآهما ، فأخذ سيفه ، وقام ليقتلهما ، فحالت فيما بينه وبينهما ، وكانت ايدة (٣) فلوت [ يده ] ، وانتزعت السيف منه ، فغلبته. وأغلقت عليهما باب بيتها ، فألحّ علي عليه‌السلام ، فقالت له : بيني وبينك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وانتهى الخبر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يصلا إليه ، فلما رآهما ضحك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقال لعلي عليه‌السلام : هيه يا أبا الحسن غلبتك أم هاني؟

قال عليه‌السلام : يا رسول الله ، والله ما ملكت من يدي شيئا

__________________

(١) هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم تزوج من أم هاني وقد ولدت له أولادا ، وهرب الى نجران ، ومات مشركا ( ذخائر العقبى ص ٢٢٣ ).

وقال ابن أبي الحديد : ولدت أم هاني لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة : جعدة وعمرا وهانئا ويوسف ( شرح نهج البلاغة ١٠ / ٧٩ ).

(٢) وهما عبد الله بن أبي ربيعة والحارث بن هشام ( المغازي ٢ / ٨٢٩. السيرة لابن هشام ٤ / ٥٣ ).

(٣) أي قوية.

٢١٦

حتى انتزعت السيف من يدي.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أن أبا طالب ولد الناس كلهم لكانوا أشداء.

ثم قال لام هاني ـ وهو مبتسم ـ : إنا قد ندرنا دمهما يا أم هاني.

قالت : يا رسول الله اني قد أجرتهما ، فهبهما لي.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قد أجرنا من أجرت يا أم هاني. وقال لعلي عليه‌السلام : أعرض عنهما ، ودعهما لها.

[ جمانة ]

وكانت جمانة عند ابن عمها أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (١). وكان أبو سفيان هذا أخا لرسول الله صلّى الله عليه

__________________

(١) روي أنه أحد الخمسة الذين كانوا يشبهون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجمعهم ابن سيد الناس في بيتين :

خمسة شبهة المختار من مضر

بأحسن ما خولوا من شبهه الحسن

بجعفر وأين عمّ المصطفى قثم

وسائب وأبي سفيان والحسن

وهو أبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ، ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأخوه من الرضاعة ( وقيل إن اسمه المغيرة ، وقيل إن المغيرة هو أخوه من أمه كما ورد في الذخائر ص ٢٤٣ ) ، وكان يألف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة ، وبعده عاداه وهجاه ، وكان شاعرا ، وقد ردّ عليه حسان بن ثابت بقوله :

هجوت محمدا فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء

قال أبو هشام : وأنشد أبو سفيان ابن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى عنه. فمن قوله :

لعمرك اني يوم أحمل راية

لتغلب خيل اللاّت خيل محمد

كالمدلج الحيران أظلم ليله

فهذا أواني حين اهدى واهتدي

توفي سنة ١٦ ه‍ ، وكان هو الذي حفر قبره بيده قبل أن يموت بثلاثة أيام ( سيرة ابن هشام ٤ / ٤٠١ ، الدرجات الرفيعة ص ١٦٧ ).

٢١٧

وآله من الرضاعة أرضعتهما حليمة (١) وكان يألف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسلم عام الفتح ، وشهد حنين ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرجو أن يكون أبو سفيان خلفا من عمه حمزة.

وقال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أبو سفيان من فتيان أهل الجنة. ومات بالمدينة ، وكان سبب موته`ثؤلول في رأسه ، فحلقه الحلاق بمنى ، فقطعه ، ولما احتضر قال لأهله : لا تبكوا عليّ ، فاني لم اصطف بخطيئة مذ أسلمت (٢) ، وكانت وفاته سنة عشرين ، ودفن بالبقيع ، ولم يبق له عقب (٣) وهو ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأبوه الحارث ، وهو اكبر ولد عبد المطلب وبه يكنى وشهد معه حفر زمزم وهو عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) حليمة السعدية بنت أبي ذؤيب من بني سعد بن بكر زوجها الحارث بن عبد العزي بن رفاعة من هوازن ( السيرة ٤ / ١٥٨. تفسير الرازي ٤ / ٢١٠ ، المغازي ٢ / ٨٠٦ ).

(٢) وفي الذخائر ص ٢٤٣ ، والاستيعاب ٤ / ٨٤ : قال : اني لم أنطف بخطيئة يوم أسلمت.

(٣) وقد ذكر المؤرخون له أولادا. قال صاحب الدرجات الرفيعة : انه خلف ثلاثة ذكور وبنتا وهم :

١ ـ عبد الله : قال محبّ الدين الطبري في الذخائر ص ٢٤٣ : ان عبد الله رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان معه مسلما بعد الفتح ، وقد مدح أمير المؤمنين في أبيات منها.

صلّى علي مخلصا بصلاته

لخمس عشر من سنيه كوامل

وخلى اناسا بعده يتبعونه

له عمل أفضل به صنع عامل

وقال ابن عساكر : بأن عبد الله لحق بعلي عليه‌السلام بالمدائن ، وكان شاعرا أجاب الوليد بن عقبة ، قائلا : ( منا علي الخير صاحب خيبر ) ... الخ. وقال المفيد عن الواقدي : قتل عبد الله بن أبي سفيان بكربلاء شهيدا مع الحسين عليه‌السلام ( الدرجات الرفيعة ص ١٨٩ ).

٢ ـ جعفر : وأمه جمانة بنت أبي طالب ، وقد شهد حنينا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يزل مع أبيه ملازما للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قبض ، وتوفي بدمشق سنة ٥٠ ه‍ ( ذخائر العقبى ص ٢٤٣ الدرجات ص ١٦٥ ).

٣ ـ أبو الهياج. وقيل اسمه علي ، وقيل اسمه عبد الله.

٤ ـ عاتكة تزوجها مقصب بن أبي لهب ، فولدت له ( الذخائر ص ٢٤٢ ) وأضاف أنه لم يكن من أولاده المغيرة بل هو أخوه من أبيه وأمه غذية بنت قريش بن طريف ، والله اعلم.

٢١٨

[ أولاد عبد المطّلب ]

وكان لعبد المطّلب بن هاشم (١) جدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الولد : عشرة ذكور ، ومن البنات : ست بنات.

فولده الاصغر عبد الله أبو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتوفي في حياة عبد المطّلب. والحارث وهو اكبر ولده. والزبير. وأبو طالب واسمه عبد المناف. والعباس. وضرار. وحمزة. والمقرم. وأبو لهب واسمه عبد العزى. والعبدان ، واسمه حجل ، ويقال : نوفل. فهؤلاء أعمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعبد الله وأبو طالب والزبير وعاتكة (٢) واميمة (٣) والبيضاء (٤) وبرة (٥)

__________________

(١) وكانت قريش تقول : عبد المطلب ابراهيم الثاني. ولد في المدينة وتوفي في مكة سنة تسع من عام الفيل ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من العمر ثمان سنين ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وأعظمت قريش موته ، وغسل بالماء والسدرة ، وكانت قريش أول من غسل الموتى بالسدر. ولفّ في حلتين من حلل اليمن وطرح عليه المسك حلى ستره ، وحمل على أيدي الرجل عدة أيام اعظاما واكراما واكبارا لتغيبه في التراب ( عيون الاثر ١ / ٤. تاريخ اليعقوبي ٢ / ١١ ).

(٢) وكانت عند أبي أميّة ابن المغيرة المخزومي ، فولدت له : عبد الله وقد أسلم وشهد فتح مكة وحنين والطائف وفيها رمي بسهم فقتل ( كما في الذخائر ص ٢٥٠ ) وزهير.

(٣) وكانت عند جحش ابن أخي بني غنم فولدت له : عبد الله ( وكان من المهاجرين الى الحبشة وتنصّر فيها ) وعبيد الله ( وهو الذي عقد له أول لواء في الاسلام ) وأبا أحمد وزينب وأم حبيبة وحمنة ( الذخائر ص ٢٥١ ).

(٤) وهى أم حكيم.

(٥) وكانت عند أبي دهم ابن عبد العزى العامري. ثم خلف عليها بعده عبد الاسد بن هلال المخزومي ،

٢١٩

سبعة منهم أشقاء ، وامهم فاطمة بنت عمرو بن عمران بن مخزوم (١).

والعباس وضرار شقيقان ، امهما نبيلة ، من ولد النمر بن قاسط.

وحمزة والمقرم وصفية (٢) أشقاء ، امهم هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.

والحارث وأروي (٣) شقيقان ، وامهما صفية (٤) ، امرأة من بني عامر بن صعصعة.

والعبد وحيد لامه ، وهي ممتنعة بنت عمر من خزاعة.

[ أبو طالب ]

ولما ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفله جده عبد المطّلب ، فلما مات

__________________

فولدت له : أبا سلمة ، وكان من المهاجرين الى الحبشة ثم الى المدينة وشهد بدرا وجرح يوم احد فمات منه.

(١) وهكذا ذكره فخار بن معد المتوفى ٦٢٠ ه‍ في كتابه الحجة على الذاهب ص ٢٥٤ ، أما ابن هشام في السيرة ١ / ١٠٩ : فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن مخزوم بن يقظة.

(٢) وهي أمّ الزبير ، أسلمت وشهدت الخندق ، وقتلت رجلا من اليهود ، عند ما تخلف حسان بن ثابت في المدينة وطلبت منه أن يذهب الى قتله ، فاستعذر ، ولما قتلته خوفا من أن يذهب الى قومه ويرشدهم على عورات المسلمين ضرب لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بسهم ، وروت الحديث.

وكانت في الجاهلية عند الحرث بن حرب بن أميّة فهلك ، فخلف عليها العوام بن خويلد ، أخو خديجة بنت خويلد ، فولدت له : الزبير والسابق وعبد الكعبة. توفيت في المدينة سنة عشرين وعمرها ثلاث وسبعون سنة ودفنت في البقيع ( المدخل لابن الحاج ١ / ٢٦٥ ، وفاء الوفاء ٢ / ١٠٥ ، المناقب ١ / ١٣٧ ).

(٣) وكانت عند عمير بن وهب ، فولدت له : طليبا ثم خلف عليها كلدة بن عبد المناف. أما طليب فقد أسلم ، وكان سبب اسلامه أمه. ذكر الواقدي : أن طليبا أسلم في دار الارقم ، ثم خرج فدخل على أمه اروى بنت عبد المطلب. فقال : اتبعت محمدا ، وأسلمت لله عزّ وجلّ. فقالت : إن أحق من واددت وعضدت ابن خالك ، والله لو قدرنا على ما يقدر عليه الرجال لمنعناه. ثم شهدت الشهادتين ( ذخائر العقبى ص ٢٥١ ).

(٤) صفية بنت جندب.

٢٢٠