شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

فقال مروان اللعين لحامل الرأس : هاته.

فدفعه إليه ، فأخذه بيده ، وقال :

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدّين

وهذه العداوة المحضة الأصيلة ، وطلب القديم من ثار الجاهلية ، لم يستطع مروان اللعين أن يخفيه ، وبعثه السرور بقتل الحسين صلوات الله عليه ، على أن أخذه بيده ، وقال ما قاله.

وقد كان علي عليه‌السلام أسره يوم الجمل ، فمنّ عليه وأطلقه ، فما راعى ذلك ولا حفظه بل قد شاور معاوية اللعين في نبش قبر علي صلوات الله عليه لما غلب على الأمر ، فتمثل بقول الأول :

أجنوا أخاهم في الحفير ووسدوا

أخاهم وألقوا عامرا لم يوسد

يحرضه بذلك على نبش قبر علي عليه‌السلام ، ويذكره قتلى بدر من بني عبد الشمس ، ومن قتل منهم على الكفر غير موسد ولا مدفون.

فأما عثمان لو كان أراده ، فقد كان عثمان ، فهذا ما لا ستر عليه ولا خفاء به من تنكله ذحول الجاهلية.

ثم استشار معاوية في نبش قبر علي عليه‌السلام عبد الله بن عامر بن كريز (١).

فقال : ما احبّ أن تعلم مكان قبره ، ولا أن تسأل عنه ، ولا احبّ أن تكون هذه العقوبة بيننا وبين قومنا.

فقبل معاوية من عبد الله ما أشار به عليه ، وأعرض عن رأي مروان اللعين فيما أشار به من نبش قبر علي عليه‌السلام الذي استحباه ومنّ عليه ، وأطلقه من

__________________

(١) وأظنه عبد الله بن عامر القرشي ولد بمكة ، اشترك في فتوح فارس وحاز أموالا كثيرة ، ولاه عثمان البصرة ، التزم جانب عائشة مخالفة لعلي ، ولاه معاوية البصرة مرة ثانية ، ثم صرفه عنها ، فأقام بالمدينة. توفي في مكة ٥٩ ه‍.

١٦١

الأسر ، ولكن غلب على اللعين الحقد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قتل من أهل بيته على الكفر بالله والشرك به ولعنه إياه ، ولأن عليا عليه‌السلام أتى به الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد نفيه يقوده باذنه. وقد ذكرنا فيما تقدم (١) خبره في ذلك وما كان منه.

__________________

(١) راجع الحديث ٥٩٩.

١٦٢

نعود الى ذكر شيء

من مصرع الحسين والوقائع بعد الشهادة

[١٠٩٠] الزبير بن بكار ، باسناده ، عن المدائني ، قال : لما قتل حول الحسين عليه‌السلام جمع من كان معه ، وبقي الحسين عليه‌السلام عامة النهار لا يتقدم عليه أحد إلا انصرف عنه ، وكره أن يتولى قتله حتى حمل رجل من كندة يقال له مالك بن بشير ، فضربه على رأسه ، وعلى رأسه برنس ، فقطع برنسه ووصل السيف الى رأسه ، فأدماه.

فقال له الحسين عليه‌السلام : لا أكلت بيمينك ولا شربت بها ، وحشرك الله مع الظالمين.

ورمى الحسين عليه‌السلام بالبرنس (١) ، ولبس قلنسوة ، واعتم عليها ، وتنحى فقصر. وأقبل الشمر بن ذي الجوشن لعنه الله ، فترك الحسين عليه‌السلام ومضى الى رحله فيمن تبعه ، فمشى إليهم الحسين بن علي صلوات الله عليه. فحالوا بينه وبين رحله ، وأقدموا عليه وأحاطوا به فقاتل صلوات الله عليه الرجالة حتى انكشفوا عنه بعد أن قتل منهم جماعة. ثم تصايح آخرون ، فأحاطوا به.

[١٠٩١] قال عبد الله بن عمارة بن عبد يغوث : ما رأيت [ مكثورا ] قط

__________________

(١) ثوب يكون غطاء الرأس جزء منه متصلا به.

١٦٣

أربط جأشا من الحسين عليه‌السلام (١) قتل ولده وجميع أصحابه حوله ، وأحاطت الكتائب به ، فو الله لكان يشدّ عليهم ، فينكشفوا عنه انكشاف المعز شدّ عليها الأسد.

فمكث مليا من النهار والناس يدافعون ، ويكرهون الاقدام عليه.

فصاح بهم (٢) شمر بن ذي الجوشن لعنه الله (٣) : ثكلتكم امكم ، ما تنظرون بالرجل؟ فاقدموا عليه.

وكان أول من انتهى إليه زرعة بن شريك التميمي ، فضرب كفه اليسرى ، فضرب الحسين صلوات الله عليه ، فطعنه ، فسقط ، وقد أثبته الجراح.

فقال الخولى بن يزيد : احتز رأسه ، فأكبّ عليه ، فارعد.

فقال له سنان بن مالك : أبان الله يدك.

فنزل فاحتزّ رأسه.

[١٠٩٢] ابن أبي أيسر ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، أنه قال :

وجد في الحسين عليه‌السلام بعد أن قتل ثلاث وثلاثين طعنة ، وأربعا وأربعين ضربة ورمية.

[١٠٩٣] الزبير بن بكار ، باسناده ، عن الشعبي ، أنه قال : وجد في الحسين عليه‌السلام بعد أن قتل مائة خرق وبضعة عشر خرقا من السهام ، وآثار الطعن والضرب بالسيوف.

__________________

(١) وفي تاريخ الامم ٤ / ٣٤٥ : فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته واصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنبا منه.

(٢) هكذا صححناه ، وفي الاصل : فصاح بينهم.

(٣) أبو السابغة شمر بن شرحبيل بن قرط الضبابي الكلابي قتله أبو عمرة من أصحاب المختار قرب قربة الكنانية بخوزستان سنة ٦٦ ه‍.

١٦٤

[١٠٩٤] وبآخر ، عن أبي مخنف ، أنه قال : أخذ بحر بن كعب سراويل الحسين عليه‌السلام فكانت يداه تقطران في الشتاء دما فاذا أصاف يبستا ، فكانتا كالعود اليابس.

وأخذ قطيفته كانت معه قيس بن الأشعث ، وكان يقال له : قيس قطيفة.

وأخذ برنسه مالك بن بشير الكندي ـ وكان من خز ـ فأتى به الى أهله.

وقالت امرأته ـ أمّ عبد الله بنت الحارث ـ : أسلب الحسين تدخله بيتي ، أخرجه والله لا دخل بيتنا أبدا.

فلم يزل فقيرا محتاجا حتى هلك (١).

[١٠٩٥] عبد الله بن الجبار بن العلى ، عن سفيان بن عيينة ، أنه قال : سمعت جدتي تقول :

كنت أيام قتل الحسين عليه‌السلام جويرية ، فذهبت أنظر إلى إبل الحسين عليه‌السلام لما أخذوها ، فنحروها ، فكنا ننظر الى لحمها كانت الجمر.

[١٠٩٦] يزيد بن هارون الواسطي ، عن أمه ، عن جدتها ، قالت :

إننا اوتينا بلحم جزور من إبل الحسين بن علي عليه‌السلام ، فوضعته تحت سريري ، وذهبت أنظر فإذا هو يتوقد نارا.

[١٠٩٧] محمد بن الزبير ، باسناده ، عن [ زيد ] (٢) بن أبي الزناد ، أنه قال :

كنت ابن أربع عشر سنة حين قتل الحسين صلوات الله عليه ،

__________________

(١) وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٣٤ : ـ وتدخل بيتي اخرج عني حشا الله قبرك نارا. وذكر أصحابه ، أنه يبست يداه ولم يزل فقيرا بأسوإ حال إلى أن مات.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : يزيد.

١٦٥

فرأينا السماء تقطر دما ، وصار الورس (١) رمادا.

[١٠٩٨] محمد بن [ الحكم ] (٢) ، باسناده ، عن بشار بن الحكم ، عن أمه ، أنها قالت :

انتهب الناس ورسا من عسكر الحسين عليه‌السلام ، فما استعملته امرأة إلا برصت.

[١٠٩٩] اسامة بن سمير ، باسناده عن أم سالم (٣) ، أنها قالت :

لما قتل الحسين بن علي عليه‌السلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرّت منه البيوت والحيطان ، فبلغ ذلك البصرة والكوفة والشام وخراسان حتى كنا لا نشك أنه سينزل العذاب.

[١١٠٠] محمد بن يوسف ، باسناده ، عن حماد بن سلمة ، أنه قال : مطر الناس ليالي قتل الحسين عليه‌السلام دما.

[١١٠١] محمد بن مخلد ، باسناده ، عن عمرو بن زياد ، أنه قال :

أصبحت جبابنا (٤) يوم قتل الحسين عليه‌السلام ملآنة دما.

[١١٠٢] محمد بن يوسف ، باسناده ، عن نصرة (٥) الأزدية ، أنها قالت :

لما قتل الحسين بن علي عليه‌السلام مطرت السماء دما ، وأصبح كل شيء لنا ملآنا دما.

[١١٠٣] سليمان بن شبيب ، باسناده ، عن محمد بن بشير (٦) ، أنه قال : لم

__________________

(١) الورس : نبات السمسم. وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ٩١ : وصار الورس الذي في عسكره رمادا.

(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : حاكم. وفي بحار الانوار ٤٥ / ٣٠٠ : محمد بن الحكم عن أمه ... الخبر.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : أمّ سلمة.

(٤) هكذا صححناه وفي الاصل : جناننا. وجباب جمع جب وهو البئر.

(٥) هكذا صححناه وفي الاصل : قصره.

(٦) هكذا في الاصل وأظنه : محمد بن سيرين.

١٦٦

تر هذه الحمرة [ التي ] في افق السماء حتى قتل الحسين عليه‌السلام.

[١١٠٤] محمد بن مخلد ، باسناده ، عن الأسود بن قيس ، أنه قال : كنت ليالي مقتل الحسين عليه‌السلام ابن عشرين سنة ، فارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب ، فكادتا تلتقيان في كبد السماء ستة أشهر.

[١١٠٥] عن مقاتل ، قال : سمعت أبا بكر بن عباس يقول :

رأيت في منامي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابراهيم الخليل عليه‌السلام يصلّيان على قبر الحسين عليه‌السلام.

[١١٠٦] الحسن بن داود ، باسناده ، عن أمّ سلمة ـ زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنها قالت :

رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في منامي ـ يبكي ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك؟

قال : قتل ابني الحسين.

فلما أصبحت جاءنا نعيه.

[١١٠٧] الحسن بن محمد ، باسناده ، عن أمّ سلمة ـ زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنها أصبحت ذات يوم ، فقالت لخادمها : لا أرى ابني الحسين إلا وقتل. ما سمعت نوح الجن مذ قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا البارحة ، فإني سمعتهم يقولون :

ألا يا عين جودي لي بجهد (١)

ومن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا

الى متجبر في ملك [ عبد ]

[١١٠٨] عبد الله بن مسلم المتلالي ، عن أبيه ، عن جده ، أنه قال :

سمعت نوح الجن على قتل الحسين عليه‌السلام يقولون :

__________________

(١) وفي مجمع الزوائد ٩ / ١٩٩ : ألا يا عين فاحتفلي بجهدي.

١٦٧

ابك ابن فاطمة الذي

من موته شاب الشعر

ولقتله زلزلتم

ولقتله كسف القمر (١)

[١١٠٩] داود بن قاسم ، عن هشام ، أنه قال : سمعت أبا جرثومة الكلبي قال :

لما قتل الحسين عليه‌السلام سمعت مناديا ينادي من جبانة ـ يعني المقبرة ـ

أيها القوم القاتلون جهلا حسينا

ابشروا بالعذاب والتنكيل

كل من في السماء يدعو عليكم

من نبيّ وحافظ ورسول

قد لعنتم على لسان ابن داود

وموسى وصاحب الانجيل

[١١١٠] محمد بن ميمون ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال :

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في النوم ـ أشعث أغبر ، ومعه قارورة فيها دم. فقال لي : لم أزل منذ الليل ألتقط دم الحسين وأصحابه. وكان ذلك يوم قتل الحسين عليه‌السلام.

[١١١١] إبراهيم بن محمد ، باسناده ، عن محمد بن الحنفية ، أنه قال :

قتل منا مع الحسين بن علي عليه‌السلام تسعة عشر شابا (٢) كلهم ارتكض في جوف فاطمة عليها‌السلام.

[١١١٢] محمد بن إبراهيم التميمي ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال :

أوحى الله الى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : إني قتلت بدم يحيى بن زكريا سبعين الفا ، واني اقتل بدم الحسين بن علي (٣) سبعين الفا وسبعين الفا.

[١١١٣] عبد الله بن زواق ، قال : سمعت رجلا من الانصار يحدّث معمرا ،

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٥ / ٢٣٦ : ( من قتله ) بدلا ( من موته ). وكذلك فيه ( خسف القمر ) بدلا من ( كسف القمر ).

(٢) وفي كشف الغمة ٢ / ٥٦ وطبقات ابن سعد : لقد قتلوا سبعة عشر إنسانا.

(٣) وفي مستدرك الصحيحين ٢ / ٢٩٠ : وإني قاتل على دم ابن بنتك.

١٦٨

قال : لما كان اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عليه‌السلام ( من رجل في بعض الليل في منى ، فسمع ) (١) صوتا على كبكب ، كأنه صوت امرأة تنوح :

ابك ابكي حسينا أيما.

فأجابتها اخرى من ثبير تقول :

( ابك ابكي ابن الرسول أيما ) قال الرجل : فكتبت تلك الليلة فاذا هي الليلة التي تتلو اليوم الذي قتل الحسين عليه‌السلام.

[ ضبط الغريب ]

فيه : كبكب : جبل مما يلي المسجد من منى.

وثبير : جبل أيضا هناك يقابله.

وقولهما : أيما.

كلمة تستعملها نوائح العرب إذا ذكرت من تنوح عليه ، قلت : أيما يردن ، أيما رجل كان. وهي كلمة تستعمل في المدح ، يقولون : فلان أيما فلان. وقد يسقطون الياء فيقولون فلان ما فلان. وفي الحديث عن أم زرع ، أنها قالت :

زوجي ما أبو زرع. تمدحه.

[١١١٤] عبد الرزاق ، قال : قلت لمعمر : أخبرني أبي ، أنه قال :

ما نجى أحد ممن قتل الحسين عليه‌السلام من القتل فمات حتى رمي بداء في جسده.

فقال : صدقت قد سمعت هذا الحديث من غير واحد.

[١١١٥] محمد بن معين الأصباغي ، عن أبي معمر ، قال : أخبرني من

__________________

(١) كذا في الأصل.

١٦٩

أدرك مقتل الحسين عليه‌السلام : مكثت السماء بعد مقتله شهرا حمراء.

[١١١٦] محمد بن حميد الأصباغي ، باسناده ، عن يوسف بن شهيب ، عن حبيب بن بشار ، قال :

لما اصيب الحسين عليه‌السلام قام زيد بن أرقم (١) على باب المسجد فقال :

أفعلتموها ، قتلتموه ، أما إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول للحسن والحسين عليهما‌السلام : اللهمّ أستودعكهما وصالح المؤمنين.

[١١١٧] خالد بن يزيد ، عن حزام بن عثمان قال : جيء برأس الحسين عليه‌السلام الى عبيد الله بن زياد وعنده زيد بن أرقم ، فجعل ينكث ثناياه بقضيب بيده ، ويقول : ما أحسن ثغر أبي عبد الله.

وكان قد أجلس زيد بن أرقم معه على السرير.

فقال : نحّ قضيبك ، أتضعه موضعا طالما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلثمه.

فقال له عبيد الله : إنك قد خرفت.

فوثب زيد بن أرقم عن السرير ولصق بالارض ، وقال : أشهد لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسن عليه‌السلام على فخذه اليمنى ويده اليمنى على رأسه ، والحسين عليه‌السلام على فخذه اليسري ، ويده اليسرى على رأسه. وهو يقول : اللهمّ إني أستودعكهما ، وصالح المؤمنين. وكيف كان حفظك لوديعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كنت مؤمنا.

[١١١٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن الربيع بن خثيم ، أنه لما انتهى إليه مقتل

__________________

(١) الصحابي المعروف المتوفى ٦٦ ه‍.

١٧٠

الحسين عليه‌السلام وأصحابه قال :

لقد قتلوا فتية لو أدركهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأقعدهم في حجره ، ووضع فمه على أفواههم (١).

[١١١٩] أبو نعيم ، باسناده ، عن أمّ سلمة ، أنها لما بلغها مقتل الحسين عليه‌السلام ضربت قبة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جلست فيها ولبست سوادا.

[١١٢٠] سلمان بن محمد بن أبي فاطمة ، باسناده ، عن جوير بن سعيد ، قال :

أمسى رجل من الحي صحيحا وأصبح أعمى ، فمررت ببابه بكرة ، والناس يسألون : ما الذي أصابك؟

فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي وبين يديه طشت وبيده سكين ، وهو يقول : ائتوني بقتلة الحسين. ولا يؤتى بأحد إلا ذبحه في ذلك الطشت ، وذهب بي إليه.

فقال لي : ما أنت ممن قتل الحسين؟

فقلت : يا رسول الله شهدته والله ، ما رميت بسهم ، ولا طعنت برمح ، ولا ضربت بسيف.

فقال لي : لا والله ، ولكنك سودت وكثرت (٢).

ثم أخذ من ذلك الدم بإصبعيه ، فأهوى به الى عيني ، فأصبحت كما ترون.

[١١٢١] سليمان بن أبي فاطمة ، باسناده ، عن الصلت بن الوليد ، قال : تذاكرنا يوما ونحن في مجلس ، أنه لم يفلت ممن شرك في قتل الحسين

__________________

(١) وفي طبقات ابن سعد ـ مخطوط ـ : فمه على افمامهم.

(٢) وفي مقتل الخوارزمي ٢ / ١٠٤ : ولكنك كثرت السواد.

١٧١

عليه‌السلام أحد إلا قتل أو أصابته عقوبة.

فقال رجل ـ ممن كان في المجلس ـ : قد شهدت قتل الحسين ، وما أصابني شيء أكرهه الى اليوم.

فما قام من المجلس حتى مرّ غلام بيده مجمرة فيها [ النار ] فطارت منها شرارة ، فتعلقت بثياب الرجل ، وهبّت ريح ، فأضرمتها نار ، فاحترقت ومات مكانه.

[١١٢٢] سفيان ، باسناده ، عن الربيع بن خثيم ، أنه لما انتهى إليه قتل الحسين عليه‌السلام فتح بابه ، وقد اجتمع الناس إليه ، فقالوا : قتلوا الحسين ابن رسول الله.

ثم رفع طرفه الى السماء. فقال : اللهمّ عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما يختلفون (١). ثم دخل فأغلق بابه فما خرج بعد ذلك.

__________________

(١) وفي طبقات ابن سعد ـ مخطوط ـ : تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.

المراثي

قال عقبة بن عميق السهمي :

مررت على قبر الحسين بكربلاء

ففاض عليه من دموعي غزيرها

وما زلت أبكيه وارثي لشجوه

ويسعد عيني دمعها وزفيرها

وبكيت من بعد الحسين عصائبا

أطافت به من جانبيه قبورها

اذا العين قرت في احياء وأنتم

تخافون في الدنيا فاظلم نورها

سلام على أهل القبور بكربلاء

وقل لها مني سلام يزورها

سلام بآصال العشي وبالضحى

توديه نكباء الرياح ومورها

ولا برح الوفاد زوار قبره

يفوح عليهم مسكها وعبيرها

وقال كميت بن زيد الاسدي :

أضحكني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطف قد غودروا

فيها جميعا رهن أكفان

وستة لا يتمارى بهم

بنو عقيل خير فرسان

١٧٢

[١١٢٣] علي بن صلت ، قال : جاء رجل الى السدي ، فقال له : إني كنت

__________________

وابن علي الخير مولاهم

فذكرهم هيّج أشجاني

وقال دعبل الخزاعي :

بكيت لرسم الدار من عرفات

وأذريت دمع العين بالعبرات

أبان عرى صبري وهاجت صبابتي

رسوم ديار قد عفت بشتات

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيت والتعريف والجمرات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

... الى قوله ...

أفاطم لو خلت الحسين مجدلا

وقد مات عطشانا بشط فرات

اذن للطمت الخد فاطم عنده

وأجريت دمع العين في الوجنات

أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي

نجوم سماوات بأرض فلاة

وقوله أيضا :

يا امة قتلت حسينا عنوة

لم ترع حقّ الله فيه فتهتدي

قتلوه يوم الطف طعنا بالقنا

سلبا ومبرا بالحسام المقصد

ولطالما ناداهم بكلامه

جدي النبي خصيمكم في الموعد

يا قوم إن الماء يلمع بينكم

واسوت ظمآن الحشى يتوقد

قد شفني عطشي وأقلقني الذي

أنا فيه من ثقل الحديد المجهد

فأتاه سهم من يد مشومة

من قوس ملعون خبيث المولد

يا عين جودي بالدموع واهملي

وابكي الحسين السيد ابن السيد

وقال السيد الرضي ره :

شغل الدموع عن الديار بكاؤها

لبكاء فاطمة على أولادها

وا لهفتاه لعصبة علوية

تبعت أميّة بعد عزّ قيادها

الله سابقكم الى أرواحها

وكسبتم الآثام في أجسادها

إن قوضت تلك القباب فانما

خرت عماد الدين قبل عمادها

في صفوة الله التي أوحى لها

وقضى أوامره الى أمجادها

يروي مناقب فضلها أعداؤها

أبدا ويسندها الى أضدادها

يا غيرة الله اغضبي لنبيه

وتزحزحي بالبيض عن أغمادها

من عصبة ضاعت دماء محمد

وفيه بين يزيدها وزيادها

١٧٣

من شهد قتل الحسين عليه‌السلام وما طعنت برمح ولا ضربت بسيف ، فرأيت في المنام ، كأن القيامة قد قامت وكان الناس قد حشروا ، فمررت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لي : أشهدت حسينا؟

قلت : نعم ، والله ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح.

فبخص بإصبعه في عيني ، فأصبحت أعمى.

فقال له السدي : فترد من الماء البارد.

[١١٢٤] امرأة كعب ، قالت : قيل له : قتل الحسين بن علي عليه‌السلام.

قال : لا والله ما قتل ولو قتل نهارا لما أمسيتم حتى تروا لذلك علامة ولو قتل ليلا أصبحتم حتى تروا لذلك علامة.

قالت : فلما أمسوا احمرّ افق المساء. فقال : ألا إنه قتل الحسين بن علي عليه‌السلام بكت السماء عليه كما بكت على يحيى بن زكريا.

تمّ الجزء الثاني عشر من كتاب شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار ، ما أضاء الليل وأضاء النهار.

__________________

صفدات مال الله ملء أكفّها

واكفّ آل الله في أصفادها

ضربوا بسيف محمد أبناءه

ضرب الغرائب عدن بعد ذبادها

يا يوم عاشوراء كم لك لوعة

تترقص الأحشاء من أبقادها

١٧٤

١٧٥
١٧٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( ذكر من قتل مع الحسين صلوات الله عليه من أهل بيته )

[ أولاد الحسين عليه‌السلام ]

قتل مع الحسين بن علي صلوات الله عليه يوم قتل ، ابنه علي بن الحسين (١). وقد ذكرنا خبره فيما مضى.

قتله : مرة بن منقذ بن النعمان [ العبدي ].

وعبد الله بن الحسين (٢).

وامهما الرباب بنت امرئ القيس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب. وكانت أم سكينة بنت الحسين أيضا. وكان يحبها ، وهو يقول فيها هذا البيت :

لعمرك انني لاحبّ دارا

تحلّ بها سكينة والرباب (٣)

__________________

(١) وكان له من العمر سبع وعشرين سنة ( وقيل : إنه كان متزوجا وله ولد ) وهو أول من قتل من بني هاشم في كربلاء.

أمه : ليلي بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي.

كنيته : أبو الحسن.

( ورد اسمه في الزيارة الرجبية المنقولة في بحار الانوار ١٠١ / ٣٤١. وذكره المفيد في الارشاد ، وابن الأثير في تاريخه ٤ / ٢٩٣ ، والخوارزمي في المقتل ٢ / ٤٧ ، وفي نسب قريش ص ٥٧ ، وأدب الطف ١ / ٢٧٣ وأنساب الاشراف ٣ / ٢٠٠ ).

(٢) هكذا في النسختين ، ولا يخفى أن أم علي بن الحسين هي ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، فلا حظ.

(٣) وذكر الاصفهاني في الأغاني ١٤ / ١٦٣ وابن الجوزي في تذكرة الخواص ص ٢٦٥ :

لعمرك إنني لا حبّ دارا

تكون بها سكينة والرباب

١٧٧

وكان عبد الله يومئذ صغيرا ، وكان في حجر أبيه الحسين عليه‌السلام ، فجاءه سهم فذبحه (١).

رماه به هاني (٢) بن ثبيت (٣) الحضرمي (٤)

وقتل معه يومئذ :

أبو بكر بن الحسين عليه‌السلام. رمي أيضا بسهم ، فأصابه ، فمات منه.

والذي رماه حرملة الكاهلي.

وهو لأمّ ولد (٥).

__________________

أحبهما وأبذل جلّ مالي

وليس لعاتب عندى عتاب

والرباب بنت امرئ القيس هي من خيار النساء وأفضلهن أدبا وجمالا وعقلا. أسلم أبوها في خلافة عمر وكان نصرانيا من عرب الشام ، فما صلّى صلاة حتى ولاه عمر على من أسلم من قضاعة ، وما أمسى حتى خطب إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته الرباب على ابنه الحسين. فزوجه إياها وجاء بها الحسين عليه‌السلام مع حرمه الى الطف ، وقتل ولدها وهي تنظر إليه. ( ابن الأثير في الكامل ٤ / ٤٥ ).

ورثت الحسين عليه‌السلام في الشام بعد أن أخذت رأسه وقبّلته ووضعته في حجرها ، وهي تقول :

وا حسينا فلا نسيت حسينا

أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

لا سقى الله جانبي كربلاء

( تاريخ الفرماني ص ٤ ) ولما رجعت الى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهارا من البكاء على الحسين ولم تستظل تحت سقف حتى ماتت بعد قتله كمدا سنة ٦٢ ه‍. وفي تذكرة الخواص ص ١٤٨ : إن رجلا من بعض الاشراف خطبها ، فأبت ، وقالت : ما كنت لأتخذ حما بعد رسول الله ٩. وذكره أيضا ابن الأثير في الكامل ٤ / ٣٦.

(١) قال الباقر عليه‌السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة الى الأرض ( اللهوف ص ٥٤ ).

(٢) هكذا في نسخة ـ ز ـ وفي الاصل : بهاني.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : ابن بنت.

(٤) قال الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧ والأصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٥٩ : رماه عقبة بن بشر ، فذبحه.

(٥) ذكره الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٥٧ : ولم يذكر قاتله. وذكر ابن الأثير في الكامل ٤ / ٧٥ : إن عبد الله بن الغنوي رمى أبا بكر بن الحسين بن علي. وقال الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧ : إنه

١٧٨

[ القاسم بن الحسن ]

قال حميد بن مسلم : وقتل معه يومئذ القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قتله عمرو بن سعيد بن عمرو بن نفيل الازدي (١) ، وهو لأمّ ولد.

قال حميد بن مسلم : رأيت القاسم بن [ ال ] حسن بن علي يوم الطف ، وقد خرج إلينا ، وهو غلام كأن وجهه شقة قمر (٢) ، عليه قميص ونعلان (٣) ، قد انقطع شسع نعله اليسرى.

فقال لي عمر [ و ] بن سعيد بن عمر [ و ] بن نفيل [ الأزدي ] ـ وهو الى

__________________

أبو بكر بن الحسن ، وهو الذي ارتجز في الميدان :

شيخي علي ذو الفخار الاطول ... الى آخر الابيات. وقال ابن الأثير في الكامل ٤ / ٩٢ : إنه ابن الحسن عليه‌السلام ، وأمه أمّ ولد ، قتله حرملة بن كاهل. وذكر في الزيارة الرجبية المنقولة في البحار ١٠١ / ٣٤١.

وفي الإرشاد وتاريخي الطبري والمسعودي أيضا. وذكر ذلك في مقاتل الطالبيين ص ٨٦ وأضاف : إنه قتل أيضا في كربلاء أبو بكر بن علي ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد. ونقل عن الباقر عليه‌السلام : أن رجلا من همدان قتله. وجاء في المناقب ٢ / ١٠٧. وبرز الى الميدان أبو بكر بن علي ، وهو يرتجز :

شيخي علي ذو الفقار الأطول

من هاشم الخير الكرام المفضل

هذا الحسين ابن النبيّ المرسل

عنه نحامي بالحسام المصقل

أفديه نفسي عن أخ منجل وقال الطبري في ذخائر العقبى ص ١١٧ : إن أمه ليلى بنت مسعود بن خالد النهشلي ، وهي التي تزوجها عبد الله بن جعفر خلف عليها بعد عمه ، وولدت له أولادا.

ويظهر من جميع ما ذكرنا ، أن ثلاثة كناهم : أبو بكر استشهدوا في كربلاء ، وهم :

١ ـ أبو بكر بن علي. ٢ ـ أبو بكر بن الحسن. ٣ ـ أبو بكر بن الحسين.

(١) قاله ابن الأثير في الكامل ٤ / ٧٥ والاصفهاني في مقاتل الطالبيين ص ٨٨. وقال الطبري : قتله سعد بن عمرو بن نفيل الازدي.

(٢) دخل المعركة وهو يترجز ويقول :

إني أنا القاسم من نسل علي

نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمر ذي الجوشن وابن الدعي ( المناقب ٤ / ١٠٦ )

(٣) وفي نسخة ز : نعلاه.

١٧٩

جانبي ـ : والله لأقتلنه.

قلت : وما تريد من قتل هذا؟

فلم يلتفت إليّ ، وحمل عليه ، فضربه ، فصرعه ، فنادى : يا عماه. فصار (١) الحسين إليه ، فضربه بالسيف. فاتقاه [ عمرو ] بيده ، فأبانها من المرفق ، وأدبر. وحملت عليه خيل الكوفة ليحملوه. فحمل عليهم الحسين عليه‌السلام ، فنكصوا عليه ، ووطئوه ، فقتلوه.

ووقف الحسين عليه‌السلام على الغلام ، وقد مات فعلا (٢) ، فقال : عزّ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا [ ينفعك ] ، وويل لقوم قتلوك ، ومن خصمهم (٣) فيك يوم القيامة (٤) [ جدك وأبوك ].

ثم أمر به فاحتمل (٥) فكأني أنظر إليه ورجلاه تخطان في الأرض ، حتى وضع مع علي بن الحسين عليه‌السلام. وسمعتهم يقولون : هذا القاسم بن الحسن بن علي عليه‌السلام.

[ عبد الله بن الحسن ]

وقتل معه يومئذ عبد الله بن [ الحسن ] (٦) عليه‌السلام ، لأمّ ولد ، وكان الحسين

__________________

(١) هكذا في نسخة ز وفي الاصل : فثار.

(٢) وفي الخوارزمي ٢ / ٢٨ والطبري ٦ / ٢٥٦ والكامل ٤ / ٣٣ واللهوف ص ٥٠ : وهو يفحص برجليه.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل ونسخة ز : خصهم.

(٤) وفي الارشاد ص ٢٦٨ ، والبداية ٨ / ١٨٦ : إن الحسين قال : بعدا لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك ، عزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت والله هذا يوم كثر واتره وقلّ ناصره.

(٥) ثم احتمله على صدره حتى ألقاه مع ابنه علي ومن قتل معه من أهل بيته ( الطبري ٥ / ٤٤٧ ، الخوارزمي في مقتله ٢ / ٤٧ ، الكامل ٤ / ٧٥ ، البستان الجامع ص ٣٥ ).

(٦) وهو عبد الله بن الحسن الأكبر ، قال الطبري في تاريخه ٦ / ٢٦٩ وهو المكنى بأبي بكر.

أمه : أمّ ولد ، يقال لها : رملة ( الدر النظيم ص ١٧٠ ، حياة الامام الحسن ٢ / ٤٦٢ ).

١٨٠