شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٣

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٩٩

وغيرهما من الأرض. والحظر : المنع.

ففضل الحسن والحسين عليهما‌السلام فضل لعلي وفاطمة عليهما‌السلام لأنهما أبواهما ، وفضل للأئمة من ولد الحسين صلوات الله عليهم أجمعين. لأن الحسين أبوهم والحسن عمهم. وفضل لمن تولاهم ، أو دان بحبهما وإمامتهما وتبرأ من أعدائهما ومن نصب لهما واستأثر بحقهما بقدر ما لكل امرئ منهم من ذلك باستحقاقه من الفضل والمثوبة والأجر ، وبقدر ذلك وعلى حبه يكون لأعدائهم ومناصبيهم وغاصبيهم حقهم وقاتليهم وخاذليهم والمتوثبين عليهم ولأعوانهم وأوليائهم من النقيصة والإثم والوزر كما جاء عن الحسين بن علي عليه‌السلام أنه قال :

من تولانا بقلبه وذبّ عنا بلسانه ويده فهو معنا في الرفيق الأعلى ، ومن تولانا بقلبه وذبّ عنا بلسانه وضعف أن يذبّ عنا بيده فهو معنا في الجنة دون ذلك ، ومن تولانا بقلبه وضعف أن يذبّ عنا بلسانه ويده فهو معنا في الجنة دون ذلك.

ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في الدرك الأسف من النار ، ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ولم يعن علينا بيده فهو في النار فوق ذلك ، ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا بيده فهو في النار فوق ذلك.

على هذه السبيل يكون درجات محبيهم في الجنة ومبغضيهم في النار.

١٢١

مصاب الحسن عليه السلام

[ ذكر ما قام به الحسن الى أن مات مسموما ]

فبعد الذي ذكرنا مما نصّ به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على امامة علي عليه‌السلام وفضله ، وما ذكرناه قبله ، وما ذكرناه في الباب الذي قبل هذا الباب من نصه على فضل الحسن والحسين صلوات الله عليهما ، والاخبار عن مكانهما وموضعهما منه ، والأمر بولايتهما ومحبتهما والترغيب في ذلك ، والنهي عن بغضهما وعداوتهما ، والتحذير من ذلك ، نذكر ما ارتكب به الحسن بن علي عليه‌السلام وما استحلّ منه.

[ أسباب صلح الحسن ]

إنه لما أصيب علي عليه‌السلام وأفضت الامامة الى الحسن عليه‌السلام جمع له معاوية جموع طغام الشام ، ومن استمع له بالبذل والإطعام من السحت والحرام ، وقد قتل أنصار الدين واكثر المؤمنين ، واستفحل أمر المتغلبين ، ومال اكثر الناس ميلهم لما به من الدنيا استمالوهم.

وأقبل معاوية بجموعه الى الحسن عليه‌السلام ولم يجد عليه‌السلام من الناس من يلقاه بمثلهم. وقد تقدم من القول فيما كان من أمير المؤمنين علي عليه‌السلام من استنهاضهم الى قتال معاوية وأصحابه ، وتحريضهم على ذلك

١٢٢

وتخلفهم عنه غير قليل لا يقوم له ما يريده بهم ، وهم الذين خلصوا للحسن عليه‌السلام.

ووجه إليه معاوية يسأله تسليم الأمر إليه ، ويدعوه الى ذلك ، ويبذل له ولشيعته وأنصاره الأمان والبر والإكرام ، والرغائب الجسام.

فلما لم يجد الحسن غير ذلك أجابه الى ما لم يجد بدّا منه ، وما ليس يقطعه عن حقه ، ولا يدفعه عن الإمامة له ، لأن الامامة حق من حقوق الله عزّ وجلّ وأمر من أمره ليس يوجبها لغير أهلها ترك أهلها لا تسليم اياها لمن تغلب عليهم فيها.

كما لم يجب ذلك لمن تقدم [ المستأثرين ] بها لتسليم صاحبها إياها لمن توثب عليها واغتصبها وذلك مثلما لا خلاف بين الامة أن الإمام إذ استقضى قاضيا أو استعمل عاملا ، فسلّم ذلك القاضي القضاء ، أو ذلك العامل العمالة الى غيرهما ، أو خرجا فما جعل من ذلك لهما أن ذلك لا يوجب لمن خرجا من ذلك إليه أخذه بخروجهما وتسليمهما عن رضا ولا عن كره. والإمامة أعلى وأجل من ذلك وأوجب أن لا يكون إلا لمن جعلها الله له وأقامه لها ، وليس التغلب على ظاهر أمرها ، مما يزيل من جعلت له عنها سلّمها أو لم يسلّمها. وعلى الامة ألا يأتمّون إلا بمن جعل الله عزّ وجلّ الإمامة له بنصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تقدم بذلك القول. وبنصّ إمام على إمام الى أن تقوم الساعة.

فاهتبل معاوية الفرصة وتغلب على ظاهر أمر الإمامة والامة.

ثم جعل معاوية يبغي بالحسن الغوائل ، ويحتال عليه بالحيل ليفتك به كما فتك بأبيه عليه‌السلام من قبله صلوات الله عليهما. فلم يمكنه من ذلك ما أراد إلا بأن دسّ إليه من سمه ، فمات مسموما عليه‌السلام.

[ معاويه يتآمر ]

[١٠٦٥] يحيى بن الحسين بن جعفر ، باسناده ، أن الحسن عليه‌السلام سقي السم ، وأن معاوية بعث الى امرأته جعدة بنت الاشعث بن

١٢٣

القيس (١) مائة الف درهم. وكان بينها وبين الحسن منازعة. وهمّ بطلاقها ـ فكان مطلاقا (٢) ـ ، فأرسل إليها سما لتسقيه إياه ، ووعدها بأن يزوجها من ابنه يزيد ، وأن ينيلها من الدنيا شيئا كثيرا ، فحملها ما كان بينها وبين الحسن عليه‌السلام ، وما تخوفت من طلاقه إياها ، وما عجله لها معاوية وما وعدها به على أن سقته ذلك السم.

فأقام أربعين يوما في علة شديدة.

[ الحسن يوصي ]

[١٠٦٦] وكان مما حكي عن الحسن عليه‌السلام أنه قام الى المثحم (٣) وعنده جماعة من شيعته ، [ وفيهم ] الحسين عليه‌السلام ثم جاءهم.

فقال : ما جئتكم حتى لفظت طائفة من كبدي ، ولقد سقيت السم مرارا ، فما كان بأشدّ عليّ من هذه المرة ، وأنا ميّت.

فقال الحسين عليه‌السلام : فمن [ فعل ] بك ذلك؟

قال : وما تريد من ذلك ، تريد أن تطلب بثاري؟ دعني ومن صنع بي ذلك الى يوم القيامة الوقوف معه بين يدي الله ، ولا تحدثن في ذلك بعدي حدثا (٤).

__________________

(١) قال الصادق عليه‌السلام : إن الاشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين ، وابنته جعدة سمت الحسن ، ومحمد ابنه شرك دم الحسين عليه‌السلام ( الكافي ٨ / ١٦٧ ).

(٢) هذه من التهم الاموية التي تنسب للامام الزكي سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان فعلتها ما كان تخوفا من الطلاق ، بل من خسة ذاتها ودناءة نفسها التي سولت لها في ارتكاب هذه الجريمة. ولذا لما جاءت الى معاوية تطالبه الوفاء بما وعدها ، فقال لها : إنا لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا.

(٣) هكذا في الاصل. وأظنه المخدع كما في بعض الروايات : وهو بيت صغير الذي يكون داخل البيت الكبير.

(٤) وفي مقاتل الطالبيين ص ٤٨ : وما تريد منه؟ أتريد أن تقتله إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك وإن لم يكن هو فما احب أن يؤخذ بي بريء.

١٢٤

وفوض الأمر إليه وأقامه المقام الذي أقامه الله عزّ وجلّ ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ونصّ عليه في محضر من شيعته ، وعرّفهم أنه القائم في مقام الامامة بعده مع ما سبق إليهم ، واطلعوا عليه فيهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأوصاه أن يدفنه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن لم ينازع في ذلك ، [ فإن ] نازعه في ذلك منازع ترك ذلك ودفنه في الجبانة الى جانب أمه فاطمة صلوات الله عليهما.

[ موقف عائشة من دفن الحسن ]

وقيل : إن ذلك انتهى الى عائشة ، واختلف القول فيه عنها.

فقال قوم : إنها قالت : ألا ما في البيت إلا مكان قبر واحد كنت أردته لنفسي ، والحسن أحقّ به مني (١).

وقيل : بل منعت من ذلك أشدّ المنع ، وركبت بغلا ، وخرجت الى جماعة بني أمية ، تقول : هكذا اغتصب علي بيتي (٢) ، ويدفن الحسن في مكان أعددته لنفسي.

وقيل : إن بعض الشعراء قال في ذلك شعرا يقول فيه :

( فيوما على بغل ويوما على جمل ) (٣).

__________________

(١) قال المحب الطبري في ذخائر العقبى ص ١٤١ : وقد كانت عائشة أباحت له أن يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتها وكان سألها ذلك في مرضه ، فلما مات منع من ذلك مروان وبنو أمية.

(٢) رواه بتفاوت المجلسي في بحار الانوار ٤٤ / ١٥٤ في ذيل حديث ٢٤.

(٣) وقال آخر :

أيا بنت أبي بكر

لا كان ولا كنت

لك التسع من الثمن

ففي الكل تصرّفت

تجمّلت تبغّلت

وإن عشت تفيّلت

١٢٥

والله أعلم أيّ ذلك كان منهما.

وكان سعيد بن العاص عاملا لمعاوية على المدينة (١) ، وكان بها يومئذ مروان بن الحكم. فانتهى الذي قاله الحسن عليه‌السلام الى سعيد ، وقال له بنو أميّة : ما أنت صانع في ذلك؟ هؤلاء يريدون أن يدفنوا الحسن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم قد منعوا عثمان من ذلك.

فقال سعيد : ما كنت بالذي أحول بينهم وبين ذلك.

فغضب مروان بن الحكم ، وقال : إن لا تصنع في هذا شيئا فخلّ بيني وبينهم.

فقال : أنت وذلك.

فجمع مروان بني أميّة وحشمهم ومواليهم وأخذوا السلاح.

فبلغ ذلك الحسن ، فقال للحسين عليه‌السلام : أناشدك الله أن تهيج في هذا الأمر ، وادفني مع أمي.

وتأكيد ذلك عليه ، واستحلفه فيه. ومات الحسن عليه‌السلام.

وبلع الحسين عليه‌السلام اجتماع من جمعه مروان ، وأنهم قد أخذوا السلاح ووقفوا ليمنعوا من دفن الحسن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فحمي لذلك واهتاج له.

وكان عليه‌السلام أبيّ النفس شهما شجاعا. وجاءه مواليه وشيعته ، فأمرهم فأخذوا سلاحهم.

واحتمل سرير الحسن عليه‌السلام ليصلّي عليه. وخرج سعيد بن العاص ، فدفع الحسين عليه‌السلام في قفاه ، وقال له : تقدم لو لا السنّة ما قدمتك (٢).

__________________

(١) ولاه عثمان الكوفة ثم المدينة ، اعتزل الجمل وصفين مات بالعقيق ٥٩ ه‍.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٥٠.

١٢٦

يعني على ظاهر الأمر أن السلطان أو من أقامه للصلاة بالناس ، إذا حضر الجنازة كان أحق بالصلاة عليها من وليها.

فصلّى عليه سعيد بن العاص ، فلما انصرف قام عبد الله بن جعفر الى الحسين عليه‌السلام ، فقال له : عزمت عليك لما امتثلت وصية أخيك ولم تخالفه ، وتلقح شرا.

ووقف الى جمع بني أميّة ، فقال : قد علمتم الحسين بن علي عليه‌السلام ، وإنه لا يقرّ على الضيم ، وقد أوصاه أخوه أن يدفنه بالبقيع (١) ، فلا تلجئوه الى أن يلقح شرا بوقوفكم ، فانصرفوا.

وتقدم عبد الله بن جعفر (٢) فأخذ بمقدم السرير ولم يزل بالحسين عليه‌السلام حتى أجابوا. ومضى نحو البقيع ، فدفنه الى جنب فاطمة عليها‌السلام ، كما اوصي بذلك ، وانصرفوا. وسبق الخبر الى معاوية بموت الحسن عليه‌السلام في الوقت الذي مات فيه قبل أن يدفن ، وإنه أوصى أن يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأظهر لموته سرورا. وقال : إن صدق ظني بمروان فبمنعه من دفنه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعل يقول : إيها مروان.

فلما دفن أرسلوا رسولا إليه ثانيا بالخبر ، ففرح لذلك ، وأثنى على مروان خيرا.

[ بنت الأشعث قاتلة وخائنة ]

[١٠٦٧] يحيى ، باسناده ، عن مغيرة ، أنه ذكر وفاة الحسن عليه‌السلام فقال :

__________________

(١) بقيع الغرقد وهو مقبرة أهل المدينة. ( عمدة الاخبار ص ٢٧٦ ).

(٢) ولد في الحبشة ابن أخي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، جاء مع أبيه الى المدينة ، لقب ببحر الجود لكرمه ، كان مع علي يوم صفين ، وهو زوج عقيلة بني هاشم زينب الكبرى ، توفي بالمدينة ٨٠ ه‍.

١٢٧

أرسل رجل (١) الى امرأته جعدة بنت أشعث بمائة ألف درهم.

وقال لها : إني ازوجك ابني. وبعث إليها شربة سم لتسقيه إياها.

ففعلت. فصوغها الدراهم ، ولم يزوجها ابنه.

كنى عن ذكر معاوية للتقية.

قال : فتزوجها بعد الحسن رجل من آل طلحة وأولدها أولادا ، وكانوا يعيرون بذلك. [ وقالوا : يا بني مسمة الازواج ] (٢).

[١٠٦٨] وبآخر ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : كان الحسن عليه‌السلام قد سقي السم ، سقته امرأته إياه ـ جعدة بنت الاشعث ـ فكانت نفسه فيه ، واعطيت على ذلك مالا كثيرا.

فو الله ما خار الله لها ، وكان الخيرة والغبطة لابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيما أصان الله إليه من نعيم الآخرة ، وكان الذي أعطاها ذلك ، وأرسله إليها على ذلك غير مصيب ولا موفق ، وخرج من الدنيا ملوما مذموما ، قد سلب الله ما كان فيه ، وأخرجه منه الى ضيق ما استودع من حضرته ، وكان الله حسيبه.

[١٠٦٩] وبآخر ، عن يحيى ، قال : توفي الحسن عليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص (٣) بعد ما مضت من إمارة معاوية عشر سنين ، أنهما سقيا السم.

وقيل : إن رجلا بعث الى زوجة الحسن عليه‌السلام ـ بنت الأشعث بن القيس ـ مائة ألف درهم وشربة من سم أن تسقيه الحسن عليه‌السلام ، ففعلت ، فمات منها ، وأوصى أن يدفن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلا أن يخاف أن يهراق في ذلك دم. وأرادوا

__________________

(١) وفي بحار الانوار ٤٤ / ١٥٥ الحديث ٢٥ : صرح في الحديث اسم معاوية.

(٢) ما بين المعقوفتين من مقاتل الطالبيين ص ٤٨.

(٣) القرشي وكان من أفراد الشورى توفي بالمدينة ٥٥ ه‍.

١٢٨

ذلك ، فجمع لهم مروان من كان هناك من بني أميّة وحشمهم ومواليهم وأخذوا السلاح. فبلغ ذلك الحسين عليه‌السلام فجاءهم ومن معه من مواليه وشيعته في السلاح ليدفنوا الحسن عليه‌السلام في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأقبل مروان هو وأصحابه ، وهو يقول :

يا رب هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في البقيع ، ويدفن الحسن بن علي في بيت النبي!؟ والله لا يكون ذلك أبدا وأنا أحمل السيف (١) ، وكادت أن تقع الفتنة. وأبى الحسين عليه‌السلام إلا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلّمه عبد الله بن جعفر والمسور بن مخرمة في أن يدفنه في البقيع كما عهد إليه. وقال له عبد الله بن جعفر :

عزمت عليك بالله أن تكلمني كلمة (٢).

وأخذ بمقدم السرير ومضى نحو البقيع ، فانصرف مروان. وبلغ معاوية ما كان أراده من دفن الحسن عليه‌السلام في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

فقال : ما أنصفنا بنو هاشم حيث يريدون دفن الحسن في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد منعوا عثمان من ذلك (٤) ، ولئن كان ظني بمروان صادقا ، فلن يصلوا الى ذلك.

__________________

(١) أيتذكر هذا الرجل عثمان وينسى صفح وعفو أمير المؤمنين في يوم البيعة ويوم الجمل وما قاله في ذلك اليوم. راجع الجزء الرابع الحديث ٣٣٣. هكذا يرد الجميل؟ ونعمّ ما قاله الشاعر :

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل إناء بما فيه ينضح

(٢) راجع مقاتل الطالبيين ص ٤٨.

(٣) مقتل الخوارزمي ص ١٣٨.

(٤) لانه أقرب من الحسن الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو لأمر آخر لا نعرفه لعله العصبية القبلية التي نبذها الاسلام والتزم بها المنافقون.

١٢٩

وجعل يقول : إيها مروان ، أنت لها.

[١٠٧٠] الزبير بن عباد ، باسناده ، عن [ يحيى بن ] عبد الله بن علي : أن الحسن عليه‌السلام أصابه بطن. فلما أيقن بالموت ، أرسل الى عائشة أن يدفن مع رسول الله.

فقالت : نعم (١) ، وما بقي إلا موضع قبر واحد كنت أردته لنفسي.

فلما سمع بذلك بنو أميّة استلأموا السلاح هم وبنو هاشم للقتال. فبلغ ذلك الحسن عليه‌السلام ، فقال لأهله :

أما إذا كان هذا فلا حاجة لي بذلك ، ادفنوني في جانب أمي فاطمة عليها‌السلام.

[ ضبط الغريب ]

استلأموا السلاح.

اللامة : الدرع. فاذا لبسها الرجل ، قيل : استلأم مهموز.

[ نعي الحسن ]

[١٠٧١] وبآخر ، عن أبي اليقظان (٢) ، قال :

قدم البصرة بوفاة الحسن عليه‌السلام عبد الله بن سنان الهزلي مسرعا في السير بذلك.

فقال الجارود بن أبي سيرة في ذلك :

اذا ما يريد السوء أقبل نحونا

بإحدى الدواهي الربد سار فأسرعا

__________________

(١) وفي ذخائر العقبى ص ١٤٢ : نعم حبا وكرامة.

(٢) وأظنه عمار بن أبي الاخوص.

١٣٠

فان كان شرا سار يوما وليلة

وان كان خيرا أقسط السير أربعا

[ ضبط الغريب ]

قوله : الربد.

جمع ربداء. والربدة لون بين السواد والصفرة كلون الرماد. وهو لون قبيح ، فنسب الداهية إليه ووصفها به كأنه قال : داهية مظلمة.

وقوله : أقسط السير أربعا.

قسمه على أربع مراحل. يقال منه : قد قسط القدم الشيء بينهم إذا قسموه على العدل. والقسط : بالسوية.

ولما جاء خبره نعاه زياد لجلسائه. وخرج الحكم بن العاص الثقفي ، فنعاه الناس ، فعلت الأصوات بالبكاء عليه.

[ متى ذلّ الناس؟ ]

[١٠٧٢] وبآخر ، عن عمرو بن بشير (١) ، قال : قلت لأبي إسحاق : متى ذلّ الناس؟

قال : لمّا مات الحسن بن علي عليه‌السلام وقتل حجر بن عدي (٢) وادعى زياد (٣).

[ وداعا يا أبا محمد ]

[١٠٧٣] وبآخر ، أن الحسن بن علي عليه‌السلام توفي وهو ابن ثماني

__________________

(١) وفي مقاتل الطالبيين ص ٥٠ : عمر بن بشر.

(٢) وقد مرّ خبره.

(٣) زياد بن أبيه ادعاه معاوية أنه ابن أبي سفيان.

١٣١

وأربعين سنة. وكانت وفاته في شهر ربيع الاول سنة تسع وأربعين.

وقيل : في صفر من سنة خمسين بعد سنة احدى وخمسين (١).

__________________

(١) انساب الاشراف ٣ / ٦٤.

المراثي

رثاه الامام الحسين عليه‌السلام قائلا :

أأدهن رأسي أم تطيب مجالسي

ورأسك معفور وأنت سليب

أو أستمتع الدنيا لشيء احبه

ألا كل ما أدنا إليك حبيب

فلا زلت أبكي ما تغنت حمامة

عليك وما هبّت صبا وجنوب

وما هملت عيني من الدمع قطرة

وما اخضرّ في دوح الحجاز قضيب

بكائي طويل والدموع غزيرة

وأنت بعيد والمزار قريب

غريب وأطراف البيوت تحوطه

ألا كل من تحت التراب غريب

ولا يفرح الباقي خلاف الذي مضى

وكل فتى للموت فيه نصيب

فليس حريب من اصيب بماله

ولكن من وارى أخاه حريب

نسيبك من أمسى يناجيك طيفة

وليس لمن تحت التراب نسيب

وقال سليمان بن قتة :

يا كذب الله من نعى حسنا

ليس لتكذيب قوله ثمن

أحول في الدار لا أراك وفي النا

ر اناس جوارهم غبن

كنت خليلي وكنت خالصتي

لكل حيّ من أهله سكن

وقال النجاشي :

يا جعد بكيه ولا تسأمي

بكاء حق ليس بالباطل

على ابن بنت الطاهر المصطفى

وابن ابن عم المصطفى الفاضل

كان اذا شبت له ناره

يوقدها بالشرف القابل

كيما يراها بائس مرمل

أو ذو اغتراب ليس بالآهل

لن تغلقي بابا على مثله

في الناس من حاف ولا ناعل

نعم فتى الهيجاء يوم الوغى

والسيد القائل والفاعل

وقال رجل من غطفان :

بنو حسن كانوا مناخ ركابنا

قديما وما كنا ابن عمران نتبع

وقال أبو اليقظان :

أتاني فوق العال من أرض مسكن

بأن إمام الحق أمسى مسالما

١٣٢

فهذه جملة من القول فيما اوتي الى الحسن بن علي عليه‌السلام وما ارتكب بنو أميّة منه لعداوتهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأهل بيته عليهم‌السلام ولمطالبتهم إياهم بثأر من قتل منهم على أيديهم من المشركين من آبائهم وأوليائهم وحقد الجاهلية المتقدم فيهم عليهم.

__________________

فما زلت مذ نبئته بكآبة

أراعي النجوم خاشع الطرف واجما

فراجعت نفسي ثم قلت لها اصبري

فإن الإمام كان بالله عالما

١٣٣

[ مقتل الحسين عليه السلام ]

[ ذكر ما ارتكبوه من الحسين عليه‌السلام ]

[١٠٧٤] محمد بن إبراهيم ، باسناده ، عن عائشة ، قالت : أجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحسين على فخذه ، فأتاه جبرائيل عليه‌السلام ، فقال له : [ تحبه؟

قال : ألا احبّ ابني ] (١).

[ قال : ] يا محمد ، إن امتك ستقتل ابنك هذا من بعدك.

فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال له جبرائيل عليه‌السلام : إن شئت أتيتك بتربة الأرض التي يقتل فيها.

قال : نعم.

فأتاه بتراب من تراب الطف.

[ الرسول وأمّ سلمة ]

[١٠٧٥] أبو غسان ، باسناده ، عن زينب بنت جحش زوج النبي صلّى الله

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من المناقب ٤ / ٥٥.

١٣٤

عليه وآله : رأيت عمة [ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ] أميمة بنت عبد المطلب ، أنها قالت :

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نائما في بيتي ، والحسين عليه‌السلام صبي صغير يجول في البيت. فجاء حتى جلس على بطن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبال. فبادرت لأخذه. فقال : دعي ابني.

فتركته حتى إذا فرغ. فصبّ عليه ماء ، ثم احتضنه (١). وقام يصلّي ، وكان إذا قام احتضنه [ إليه ، واذا ركع ] وسجد وجلس وضعه على الأرض ، حتى قضى صلاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يدعو ويرفع يديه (٢).

فقلت : يا رسول الله لقد رأيتك تصنع في صلاتك شيئا ما رأيتك تصنعه قط! قال : إن جبرائيل عليه‌السلام أتاني فأخبرني أن ابني هذا يقتل بعدي. وقال : إن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها.

فقلت أرني.

فأراني تربة حمراء.

[١٠٧٦] سعد بن طريف ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، أنه قال :

دخل الحسين عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو غلام صغير ، فوضعه على بطنه. فأتاه جبرائيل عليه‌السلام ، فقال :

يا محمد إن ابنك هذا تقتله امتك على رأس ستين سنة من هجرتك.

__________________

(١) وفي تاريخ دمشق ١ / ١٨١ : ثم دعا بماء وقال : إنه يصب من الغلام ويغسل من الجارية فصبوا صبا ، ثم توضأ وقام يصلّي.

(٢) وفي مفتاح النجاة ص ١٣٥ : فلما جلس جعل يدعو ويرفع يديه.

١٣٥

ثم أراه التربة التي يقتل عليها.

[١٠٧٧] الأعمش (١) ، عن أبي عبيد ، أنه قال : [ دخلنا على أبي هرثم الضبي حين أقبل من صفين وهو مع علي وهو جالس على دكان ] (٢) كنا جلوسا (٣) ، فدخلت شاة فبعرت. فقال بعض أصحاب علي عليه‌السلام : لقد ذكرني هذا البعر حديثا سمعته من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقيل له : هات بعض هناتكم معاشر الشيعة.

قال : أقبلنا مع أمير المؤمنين عليه‌السلام من صفين حتى نزل كربلاء ، فصلّى بنا الفجر بين شجرات حرمل ، فلما قضى الصلاة ، انفتل فإذا هو ببعر غزال ، فأخذه ، ففته ، وجعل يشمه.

ثم قال : يحشر من هذا المكان يوم القيامة قوم يدخلون الجنة بغير حساب (٤).

[ ضبط الغريب ]

قوله : بعض هناتكم.

يقال : ما رأيت من فلان هناة : أشياء مكروهة. ولا يقال في الخير هناة.

[١٠٧٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن كعب ، أن عليا عليه‌السلام مرّ به وهو جالس مع قوم.

__________________

(١) أبو محمد سليمان بن مهران الاسدي الكاهلي الكوفي الاعمش ولد بالكوفة ، وتوفي ١٤٥ ه‍.

(٢) طبقات ابن سعد ـ مخطوط ـ.

(٣) وفي مقتل الخوارزمي ص ١٦٥ : عن أبي فاطمة ، قال : جاء مولاي أبو هرثمة من صفين ، فسلّمنا عليه ، فمرت شاة ، فبعرت ...

(٤) قال : قالت جرداء ( امرأته وكانت أشد حبا لعلي وأشد لقوله تصديقا ) : وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك ـ نادت بذلك وهو في جوف البيت ـ.

١٣٦

فقال لهم : يقتل ولد لهذا في عصابة لا يجف عرق خيولهم حتى يردوا على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

فمرّ الحسن عليه‌السلام ، فقالوا له : هو هذا يا أبا إسحاق؟

قال : لا.

ثم مرّ الحسين عليه‌السلام ، فقالوا له : هو هذا؟

قال : نعم وهذا ما سمعه كعب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[ فتية تبكي عليهم السماء والأرض ]

[١٠٧٩] الدغشي ، باسناده ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال :

سرنا مع علي عليه‌السلام الى شاطئ الفرات ، فمرّ راهب ، فقال له : يا راهب ، أين العين التي هاهنا؟

قال : لا أعلم بها إلا بالخبر ، فانه يقال : إنه لا يعلم مكانها إلا نبي أو وصيّ نبي.

فأخذ علي عليه‌السلام مع الوادي ، وجعل ينظر يمينا وشمالا ، ثم قال : احفروا هاهنا.

فحفروا فوجدوا حجرا ، فقال : ارفعوه.

فرفعوه ، فإذا عين ماء تحته. فشربنا وسقينا دوابنا.

ثم قال علي عليه‌السلام لنا : يقتل هاهنا من آل محمد فتية تبكي عليهم السماء والأرض.

__________________

(١) وفي أمالي الصدوق ص ١٢١ : سمعت كعب الأحبار يقول : إن في كتابنا ، أن رجلا من ولد محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقتل ولا يجف ...

١٣٧

[ أمير المؤمنين يحدّد موضع الشهادة ]

[١٠٨٠] القاسم بن محمد المروزي ، باسناده ، عن شيب بن محزوم (١) ، أنه قال :

بينا نحن نسير مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام إذ بلغ كربلاء. فقال : ما اسم هذا المكان؟

قالوا : كربلاء.

قال : كرب وبلاء.

ثم نزل ، فقعد علي على رابية ، ثم قال : يقتل في هذا الموضع خير شهداء على ظهر الأرض بعد شهداء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . ثم قام ، فنظرت فإذا عظام حمار.

[ قال : قلت : بعض كذباته وربّ الكعبة ]

فقلت لغلامي : خذ عظما. فأخذه ، وجاءني به. فقلت له : احفر له هاهنا. حيث جلس أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، فحفر هنالك حفيرا ، فدفنت فيه العظم ، وأبقيت منه شيئا يسيرا على وجه الأرض ليرى موضعه (٢).

فلما قتل الحسين عليه‌السلام ، قلت لأصحابي : انطلقوا بنا الى المكان الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام. فإذا جسد الحسين عليه‌السلام على العظم الذي دفنت ، وأصحابه [ ربضة ] حوله.

__________________

(١) وفي مقتل الخوارزمي ١ / ١٦١ : شيبان بن محزم. وكان عثمانيا. وفي طبقات ابن سعد : وكان عثمانيا يبغض عليا.

(٢) وأضاف في مقتل الخوارزمي : ثم ضرب الدهر ضرباته.

١٣٨

[ لا بارك الله في يزيد ]

[١٠٨١] الليث بن سعد ، باسناده ، عن معاذ بن جبل (١) ، قال :

خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن ببابه ـ أنا وأبو عبيدة ـ فقال :

إني محمد النبي ، أوتيت مفاتيح الكلام ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله فاحلّوا حلاله وحرّموا حرامه.

ألا وإن أمامكم فتن كقطع الليل ، وقد نعي إليّ حبيبي الحسين ، واخبرت بقاتله وموضع مصرعه. والذي بعثني بالحق لا يقتل بين ظهراني قوم فلا يمنعوه إلا خالف (٢) الله بين كلامهم ، وألبسهم شنعا.

ويح لأفراخ محمد من جبار عفريت مترف يقتل خلفي وخلف خلفي.

ثم قال : يزيد لا بارك الله في يزيد. ودمعت عيناه.

[١٠٨٢] إبراهيم بن ميمون ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام : أنه قال :

جاء جبرائيل عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله إن الرعد ملك السحاب قد استأذن الله في زيارتك ، وهو آتيك.

فبينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله معنا إذ أتاه ، فسلّم عليه ، فقال له : يا رعد هل لك المنزل؟

__________________

(١) الأنصاري الخزرجي شهد المشاهد كلها مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مات بطاعون عمواس ١٨ ه‍ نقل السيد الخوئي في رجاله ١٨ / ١٨٤ : عن كتاب سليم بن قيس الهلالي أنه من أصحاب الصحيفة ( وأصحاب الصحيفة هم الذين كتبوا صحيفة والتزموا فيها بازالة الامامة عن علي عليه‌السلام ).

(٢) هكذا في الاصل والاصلح : خالفوا.

١٣٩

قال : نعم.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والرعد معه حتى انتهيا الى المنزل ، ثم دخلا الحجرة. فدخل رسول الله البيت ، ووقف الرعد في [ باب ] الحجرة.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ادخل.

فقال : أنا لا أدخل بيتا فيه تصاوير.

قال : وكان نمط (١) لبعض أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه صور ، موضوع على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : فما نصنع به البيعة؟

قال : لا ، ولكن ابسطوا وطئوا عليه.

ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . ودخل الرعد البيت واستلقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجاء الحسين عليه‌السلام فقعد على بطنه.

فقال له الرعد : من هذا يا رسول الله؟

قال : هذا ابني وابن ابنتي.

قال : إن امتك ستقتله من بعدك. فإن شئت ارينك تربة البلاد التي يقتل بها.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

فبسط جناحه نحو المشرق ، وجاء بقبضة من تراب أحمر من كربلاء ، فأعطاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . فخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي ويقول :

هذا المنبئ [ بأن ] الحسين يقتل من بعدي.

__________________

(١) ثوب من صوف ، ويطرح أيضا على الهودج.

١٤٠