التشيّع

الدكتور محمد زين الدين

التشيّع

المؤلف:

الدكتور محمد زين الدين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-514-4
الصفحات: ٢١٩

فممن رأى الجامعة عند الإمام الباقر عليه‌السلام : أبو بصير (٥) وعبدالملك بن أعين ومحمد بن مسلم وعذافر الصيرفي (٦) ، وآخرون.

ونقل عنها غير واحد من علماء أهل السنّة أمثال :

ـ ابن سعد في آخر كتابه (الجامع).

ـ البخاري ، ذكرها في ثمانية مواضع من (الصحيح) (١) ، وذكرها أحمد في المسند في عشرة مواضع (٢).

الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب ، جمع ما نقل عنها في كتب الحديث السنية ، ودرسه دراسة توثيقية فقهية ضمن كتاب مستقل عنونه بـ (صحيفة علي ابن أبي طالب عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : دراسة توثيقية فقهية). وطبع أول مرة سنة ١٤٠٦ه ـ ١٩٨٦ م.

وكان لسلمان مدونا في الحديث ، وهو المعروف بـ «حديث الجاثليق» الذي أورد أسئلة الجاثليق وردود الإمام علي عليها في مجلس أبي بكر (٣).

__________________

(١) بصائر الدرجات : الحسن بن الصفار : ١٦٤ / ٩ و ١٦٥ / ١٧ (باب ١٢).

(٢) وسائل الشيعة ٢٦ : ٧٣ ، ٧٤ ، ٨١ ، ١٢٥ ، ١٣٠ ، ١٧٠ ، ٢١٢ (الباب السادس ـ كتاب الفرائض والمواريث).

(٣) انظر : صحيح البخاري٢ : ٢٢١ ، دارالفكر ، بيروت ، ١٤٠١ هـ.

(٤) مسند أحمد١ : ٧٩ ، ٨١ ، ١٠٠ ، ١٠٢ ، ١١٠ ، ١١٨ ، ١١٩ ، ١٢٩ ، ١٥١ ، ١٥٢.

(٥) الذريعة / الطهراني٦ : ٣٧٦ ، وانظر الفهرست للطوسي : ٨ / ٣٢٨.

٦١

وعلي بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من (فقهاء الشيعة) وخواص أمير المؤمنين ، وكان كاتبا له ، وحفط كثيرا ، وجمع كتابا في فنون الفقه كالوضوء والصلاة ، وسائر الأبواب وكانوا يعظمون هذا الكتاب (١).

وفي كتاب الكافي عن يحيى بن جرير قال : (أبو عبداللّه الصادق عليه‌السلام) :

كان سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبيبكر ، وأبو خالد الكابلي من ثِقات (علي بن الحسين عليهما‌السلام) (٢) وكانوا من أئمة الحديث والفقه في المدينة.

والإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، له من الآثار الخاصة ما بقي محفوظا بعده ، فعد من أهم وأغنى آثار القرن الأوّل الهجري على الاطلاق ، وهو ما دونه عنه تلاميذه في ما هو معروف بـ «الصحيفة السجادية» و «رسالة الحقوق» ، وهما عملان خالدان ينبغي اعطاء صورة موجزة عنهما :

١ ـ الصحيفة السجادية :

وتعرف بـ (الصحيفة السجادية) و (الصحيفة الأولى). وتحتوي أربعة وخمسين دعاء في موضوعات شتى.

يقول الطهراني : وللأصحاب اهتمام بروايتها ويخصونها بالذكر في إجازاتهم.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥.

(٢) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام : ٢٩٩.

٦٢

وهي من المتواترات عند الأصحاب لاختصاصها بالإجازة والرواية في كل طبقة وعصر.

ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وزيد الشهيد رضي‌الله‌عنه ابني علي بن الحسين عليه‌السلام عن أبيهما علي بن الحسين عليهما‌السلام (١).

واستنسخ منها نسخ لاتعد ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل ، والمزينة بجداول الذهب على ورق الترمة وما ضاهاه (٢).

طبعت كثيرا على الحجر وعلى الحروف ، وترجمت إلى غير اللغة العربية كالإنجليزية ، وشرحت بأكثر من شرح ، ذكر منها الشيخ الطهراني في كتابه أكثر من ستين شرحا (٣).

٢ ـ رسالة الحقوق :

رواها عنه عليه‌السلام تلميذه أبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية دينار الكوفي المتوفى سنة ١٥٠ هـ.

قال أبو العباس النجاشي في ترجمة الثمالي : «وله : رسالة الحقوق عن علي بن الحسين عليه‌السلام ».

ثم ذكر سنده إليه بقوله : «أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن

__________________

(١) الذريعة١٥ : ١٨.

(٢) أعيان الشيعة١ : ٦٣٨.

(٣) الذريعة ١٣ : ٣٤٥ ـ ٣٥٩ و ٦ : ١٥٤ ـ ١٤٦.

٦٣

حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبرهيم عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه‌السلام » (١).

وقال السيد الأمين : «أوردها الصدوق في (الخصال) بسند معتبر ، وأوردها الحسن بن علي بن شعبة الحلبي في (تحف العقول) ، وبينهما تفاوت في الزيادة والنقصان وغيرهما ، ورواية تحف العقول أطول ، وقد تزيد عنها رواية الخصال» (٢).

ثم أورد الرسالة كاملة في المصدر المذكور برواية تحف العقول.

وتشتمل الرسالة على خمسين حقا ، أولها حق اللّه وآخرها حق أهل الذمة.

وطبعت مستقلة ببغداد سنة ١٩٥٠ م بتحقيق عبد الهادي المختار.

وللخطيب السيد حسن القبانجي شرح لها بعنوان (شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين).

ومن كل ما تقدم نستطيع أن نلخص أهم أحداث هذا العهد بالتالي :

١ ـ تشديد الخناق على مدرسة أهل البيت من قبل معاوية ويزيد وآلهما لئلا تنشر شيئا من فكرها.

٢ ـ سلوك الإمام الحسين عليه‌السلام وسيلة التضحية لإيقاف الانحراف الواسع

__________________

(١) الرجال / النجاشي١ : ٢٩١

(٢) أعيان الشيعة ١ : ٦٣٨.

٦٤

الذي أحدثه الأمويون في ميادين الدين والادارة ، بتعددها.

٣ ـ توالي الثورات بعد ثورة الإمام الحسين عليه‌السلام حتى الإطاحة بعرش أمية.

٤ ـ حفاظ الإمام زين العابدين عليه‌السلام على مسيرة تلك المدرسة رغم ما لحق بها على أيدي السلطة الأموية الغاشمة ، ممّا مهّد بجهاده الفكري الطريق للانفتاح في عطاء ولده الإمام الباقر عليه‌السلام من بعده.

ومهما يكن من أمر فقد كان (فقهاء الشيعة) وعلى رأسهم أئمة المسلمين من (أهل البيت) صلوات اللّه عليهم يقودون الحركة الفكرية في العالم الإسلامي ، وتنطلق هذه الحركة من المدينة المنورة بشكل خاص.

وبلغ هذا الإزدهار الفكري غايته في عهد (الإمام الصادق عليه‌السلام) ، حيث ازدهرت المدينة المنورة في عصره ، وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية ، وانتظمت فيها حلقات الدرس وكان بيته جامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم ، وحملة الحديث من مختلف الطبقات ، ينتهلون موارد علمه.

قال ابن حجر : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، وانتشر صيته في جميع البلدان ، وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ، ومالك والسفيانيين ، وأبي حنيفة وشعبة وايوب السختياني (١).

إذن كانت (المدينة المنورة) في عهد (الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام)

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٩٩ والصحيح السجستاني.

٦٥

(مدرسة للفقه الشيعي) ، ومركزا كبيرا من مراكز الاشعاع العقلي في العالم الإسلامي.

ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نحصي عدد الفقهاء الشيعة في هذه الفترة ، وما تركوا من آثار ، ويكفي الباحث أن يرجع إلى كتب (أعيان الشيعة) ، و (رجال النجاشي) ، و (الكشي) ، و (تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام) ليعرف مدى الأثر الذي تركه فقهاء الشعية في هذه الفترة التي تكاد تبلغ قرنا ونصف القرن من تاريخ الإسلام في الدراسه الفقهية ، والمحافظة على السنّة النبوية.

٢ ـ مدرسة الكوفة

في أخريات حياة الإمام الصادق عليه‌السلام انتقلت مدرسه الفقه الشيعي من (المدينة) إلى (الكوفة) ، وبذلك بدأت حياة فقهية جديدة في الكوفة.

وكانت الكوفة حين ذلك مركزا صناعيا وفكريا كبيرا ، تقصده البعثات العلمية والتجارية.

وقد أثر وفود العناصر المختلفة إلى الكوفة ، طلبا للعلم أو التجارة ، في التلاقح العقلي والذهني في هذه المدرسة ، كما كان لها الأثر البالغ في تطوير الدراسات العقلية فيها.

وقد هاجر إليها فوق ذلك وفود من الصحابة والتابعين والفقهاء وأعيان المسلمين ، من مختلف الأمصار ، وبذلك كانت (الكوفة) حين انتقل إليها الإمام الصادق عليه‌السلام وانتقلت إليها (مدرسة الفقه الشيعي) من أكبر العواصم الإسلامية.

٦٦

وقد عدَّ البراقي في تاريخ الكوفة ١٤٨ صحابيا من الذين هاجروا إلى الكوفة واستقروا فيها ، ما عدا التابعين والفقهاء الذين انتقلوا إلى هذه المدينة ، والذين كان يبلغ عددهم الآلاف ، وما عدا الأسر العلمية التي كانت تسكن هذا القطر. وقد أورد ابن سعد في الطبقات ترجمة لـ (٨٥٠) تابعيا ممن سكن الكوفة (١).

في مثل هذا الوقت انتقل الإمام الصادق عليه‌السلام إلى الكوفة أيام (أبي العباس السفاح) واستمر بقاءه فيها مدة سنتين.

وقد اشتغل الإمام الصادق عليه‌السلام هذه الفترة بالخصوص في نشر علوم الشريعة.

قال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد ، يعني مسجد الكوفة ، تسعمائة شيخٍ ، كل يقول : حدثني جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٢).

وكان من بين أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام من فقهاء الكوفة : أبان بن تغلب ابن رباح الكوفي ، نزيل كندة ، روى عنه عليه‌السلام (٣٠٠٠٠) حديثا.

ومنهم : محمد بن مسلم الكوفي ، روى عنه وعن أبيه الإمام الباقر عليهما‌السلام (٤٠٠٠٠) حديثا.

__________________

(١) طبقات ابن سعد ، المجلد السادس.

(٢) رجال النجاشي ترجمة (الوشا) : ٣١.

٦٧

وقد صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي ، المتوفى سنة ٣٣٣ هـ ، كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام فذكر ترجمة (٤٠٠٠) رجل (١).

كل ذلك بالاضافة إلى البيوتات العلمية الكوفية التي عرفت بانتسابها إلى الإمام الصادق عليه‌السلام ، واشتهرت بالفقه والحديث ، كبيت (آل أعْيَن) ، وبيت (آل حَيَّان التغلبي) ، وبيت (بني عطِّية) وبيت (بني دراج) ، وبيت (آل نهيك) وغيرهما من البيوتات العلمية الكوفية التي عُرفت بالتشيع ، واشتهرت بالفقه والحديث (٢).

وقد أدى كلُّ هذا إلى أن يأخذ (الجهاز العباسي) الحاكم حذره منه! فخشي (المنصور الدوانيقي) أن يفتتن به الناس (على حد تعبيره) لما رأى من إقبال الفقهاء والناس عامة عليه ، واحتفائهم به ، وإكرامهم له ، فطلبه إلى (بغداد) في قصة طويلة لايهمنا نقلها.

ومهما يكن من أمر فقد ازدهرت (مدرسة الكوفة) على يد الإمام الصادق عليه‌السلام وتلاميذه ، وبتأثير من الحركة العلمية القوية التي أوجدها الإمام الصادق عليه‌السلام في هذا الوسط الفكري.

ولم تبق الكوفة إلى حين (الغيبة الكبرى) مقاما للأئمة عليهم‌السلام ولم يتمركز

__________________

(١) تاريخ الكوفة للبراقي : ٤٠٨.

(٢) تاريخ الكوفة للبراقي : ٣٩٦ ـ ٤٠٧.

٦٨

فقهاء الشيعة كلهم بعد ذلك في الكوفة ، ولم تستمر طول هذه المدة المدرسة التي أنشأها الإمام الصادق في الكوفة ، إلاّ أن الكوفة كانت هي منطلق (الحركة العقلية) في (العصر الثاني) من عصور تاريخ (الفقه الشيعي) ومبعث هذه الحركة ، ومركز الاشعاع ، وظلت مع ذلك بعدُ من أهم مراكز (الفقه الشيعي).

ورغم العقبات الكبرى التي اصطدم بها (أئمة الشيعة) من أهل البيت عليهم‌السلام ، وفقهاء الشيعة ورواة الحديث من ضغط الجهاز الحاكم ، حتى كان بعضهم يُعرِض إذا رأى الإمام في الطريق ، لئلا يُتَّهم بالتشيع! وبعضهم يلتقي بالامام ليلاً ، خوفا من الرقابة المسلَّطة على بيوت (أئمة أهل البيت عليهم‌السلام).

رغم ذلك كله ، تقدمت الدراسة الفقهية الشيعية ، وتقدم تدوين الحديث شوطا كبيرا في هذه الفترة ، وتركت لنا هذا التراث التشريعي الضخم الذي تمتلئ به المكتبات ، وتحتفل به الدورات الضخمة ، كدورات (الجواهر) ، و (الحدائق) ، و (وسائل الشيعة) الكبيرة.

وصنف قدماء (الشيعة الاثني عشرية) المعاصرون للائمة في الاحاديث المروية من طرق أهل البيت ما يزيد على (ستة آلاف وستمائة كتاب) مذكورة في كتب الرجال ، على ما ضبطه (الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي) في آخر الفائدة الرابعة من الوسائل (١).

ومن بين هذا العدد من الكتب الذي يُعتبر وحده مكتبة ضخمة في

__________________

(١) وسائل الشيعة٣٠ : ٥٣٣.

٦٩

الحديث والفقه والتفسير من آفاق الفكر الإسلامي امتازت أربعمائة كتاب اشتهرت بعد ذلك بـ : (الأصول الأربعمائة).

وقد بقي شيء كثير من هذه الأصول الأربعمائة ، فكان شيء كثير منها محفوظا عند الشيخ الحر العاملي ، وبعضها عند العلامة المجلسي ، وبعضها عند العلامة النوري ، وفقد مع ذلك أكثرها (١).

ومهما يكن من أمر فقد توسعت في هذه الفترة رواية الحديث وتدوينه وازدهرت بما لا مثيل له في أيّ عصر آخر ، وفي أيّ مذهب من المذاهب الاسلامية عامة :

فلهشام الكلبي : أكثر من مائتي كتاب.

ولابن شاذان : مائة وثمانون كتابا.

ولابن دؤل : مائة كتاب.

ولابن أبي عمير : أربعة وتسعون كتابا (٢).

ولم تزدهر (المدرسة الحديثة) في مذهب من المذاهب الإسلامية كما ازدهرت عند (الشيعة) ، حتى رأينا الذهبي يقول : لو رُدّ حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية (٣).

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ ـ القسم ٢ : ٣٧.

(٢) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١ : ١٧.

(٣) ميزان الاعتدال ١ : ٥ وقد تقدم.

٧٠

العلوم والمعارف الأخرى :

وفي أبواب المعارف والعلوم المتعددة كان للبارزين من علماء الإمامية الدور الريادي والواسع ، والأثر الخالد. نقف بإيجاز عند اثنين من أبرز علوم ذلك العهد ، لنتعرف على انجازاتهم فيهما ، وهي :

القراءات ، والحكمة أو الكلام.

أولاً : القراءات : ومن أبرز قراء الشيعة في هذا العهد :

١ ـ محمد بن الحسن بن أبي سارة الرؤاسي الكوفي المتوفى بعد المائة بقليل ، له من الكتب : معاني القرآن ، إعراب القرآن ، الوقف والابتداء الكبير ، الوقف والابتداء الصغير.

٢ ـ زيد بن علي بن الحسين المتوفى سنة ١٢١ هـ ، له قراءة.

٣ ـ يحيى بن يعمر العدواني المتوفى سنة ١٢١ هـ ، له كتاب القراءات.

٤ ـ عاصم بن أبي النجود الكوفي المتوفى سنة ١٢٨ هـ ، أحد القراء السبعة. وقد استقر المصحف الشريف عند المشارقة على قراءته برواية حفص.

قال السيد الأمين : «قرأ عاصم على أبي عبد الرحمن السلمي القارئ ، على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولذا كانت قراءة عاصم أحب القراءات إلى علمائنا» (١).

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ : ١٣١.

٧١

٥ ـ حمران بن أعين الكوفي المتوفى حدود سنة ١٣٠ هـ.

٦ ـ أبان بن تغلب الكوفي المتوفى سنة ١٤١ هـ ، له : كتاب القراءات.

٧ ـ سليمان بن مهران الأعمش الكوفي المتوفى سنة ١٤٨ هـ.

٨ ـ زرارة بن أعين الكوفي المتوفى سنة ١٥٠ هـ.

٩ ـ أبو عمرو بن العلاء المازني البصري المتوفى سنة ١٥٤ هـ ، أحد القراء السبعة.

١٠ ـ حمزة بن حبيب الزيات الكوفي المتوفى سنة ١٥٦ هـ ، أحد القراء السبعة ، له من الكتب : القراءات ، الوقف والابتداء ، مقطوع القرآن وموصوله.

قال السيد الأمين : «وجد بخط الشهيد محمد بن مكي عن الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن الحداد الحلي ماصورته : قرأ الكسائي على حمزة ، وقرأ حمزة على أبي عبداللّه الصادق ، وقرأ على أبيه ، وقرأ على أبيه ، وقرأ على أبيه ، وقرأ على أمير المؤمنين» (١).

١١ ـ الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري المتوفى سنة ١٧٠ هـ ، له كتاب النقط والشكل.

١٢ ـ علي بن حمزة الكسائي الكوفي المتوفى سنة ١٨٩ هـ ، أحد القراء السبعة ، وله من الكتب : القراءات ، معاني القرآن ، مقطوع القرآن وموصوله.

ثانيا : الحكمة والفلسفة وعلم الكلام : كان الإمام الصادق عليه‌السلام مؤسس

__________________

(١) أعيان الشيعة ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٢) الفهرست / الطوسي : ١٠ / ٣.

٧٢

مدرسة الفلسفة الإسلامية ، وقد تخرج في مدرسته من عظماء الفلسفة والكلام الاسلاميين ، وكبراء المنظرين وذوي الرأي فيهما ، أمثال :

١ ـ حمران بن أعين الكوفي.

٢ ـ زرارة بن أعين الكوفي.

وقد تقدم ذكرهما.

٣ ـ إبراهيم بن سلميان بن أبي داحة المزني البصري :

قال النجاشي والطوسي : كان وجه أصحابنا البصريين في الفقه والكلام والأدب والشعر (٢).

٤ ـ مؤمن الطاق :

محمد بن علي بن النعمان البجلي الكوفي ، الملقب عند الشيعة بـ (مؤمن الطاق) ، وهو من شخصيات الكلام البارزة في منتصف القرن الثاني الهجري ، ومن رجالات الشيعة العلمية ، ذات الصلة الوثيقة بالإمام الصادق عليه‌السلام ، ومن تلاميذه الذين يثق بهم ، ويعتمد عليهم ، وهو معدود في التابعين.

ومن مؤلفاته :

ـ كتاب الإمامة. ـ كتاب الرد على المعتزلة في إمامة المفضول.

ـ كتاب المعرفة. ـ كتاب في أمر طلحة والزبير وعائشة.

ـ كتاب افعل ولا تفعل. ـ كتاب افعل لِمَ فعلت.

__________________

(١) الفهرست / الطوسي ١٠ / ٣.

٧٣

ـ كتاب الاحتجاج في إمامة علي عليه‌السلام. ـ كتاب كلامه مع الخوارج.

ـ كتاب مجالسه مع أبي حنيفة والمرجئة (١).

٥ ـ هشام بن الحكم :

من أبرز المفكرين والمتكلمين في القرن الثاني الهجري ، وأشهر شخصية علمية شيعية في عصره ، تتجسد فيه الروح العلمية والفكرية ، ويتمثل في آرائه ونظرياته الكثير من مبادئ الشيعة واتجاهاتهم تمثيلاً صريحا.

وهو من أعمدة الشيعة في العلم والكلام والآثار ، ومن خاصة الإمام الصادق عليه‌السلام ، وتلاميذه البارزين الذين أخذوا عنه وقاموا بأداء تعاليمه.

واشتهر بعمق تفكيره وقوة جدله ، وشدة عارضته ، وحدة ذكائه.

ذكر له من المؤلفات :

ـ كتاب الإمامة. ـ كتاب الدلالات على حدوث الأشياء.

ـ كتاب التوحيد. ـ كتاب الرد على أصحاب الإثنين.

ـ كتاب الجبر والقدر. ـ كتاب الرد على الطبيعيين.

ـ كتاب المعرفة. ـ كتاب الرد على أرسطاطاليس.

ـ كتاب الاستطاعة. ـ كتاب الرد على الزنادقة.

ـ كتاب الرد على المعتزلة ـ كتاب الحكمين.

ـ كتاب الميزان. ـ كتاب الوصية والرد على من أنكرها (٢) ،

__________________

(١) الشيخ عبداللّه نعمة / فلاسفة الشيعة : ٤٥٠.

(٢) الطوسي / الفهرست : ٤٩٣ / ٧٨٣ ، النديم / الفهرست : ٢١٧ ، فلاسفة

٧٤

وغيرها.

وفي مجال العلوم الأخرى : كانت مدرسة الإمامين الصادقين مدرسة جامعة لم يقتصر التدريس فيها على أصول العقيدة والفقة وأصوله ، وإنما تعدى هذه إلى تدريس الفلسة والكلام والعلوم الأخرى كالطب والفلك والكيمياء والفيزياء.

وأشهر من اشتهر من تلامذة هذه المدرسة الجامعة في هذا المجال : (جابر ابن حيان الكوفي) الذي دوّن محاضرات الإمام الصادق عليه‌السلام في علمي الكيمياء والطب في خمسمائة رسالة.

ونخلص في ختام حديثنا عن هذا العهد الزاهر إلى النتائج التالية :

١ ـ اعتبار هذا العهد ـ تاريخيا ـ عهد الانفراج بالنسبة إلى مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وانتشار علومهم وآثارهم.

٢ ـ ارتفاع وازدياد نسبة الرواة ارتفاعا ملحوظا لم تشهده مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام في عهودها الأخرى.

٣ ـ توسع مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام في مواد التعليم حيث أضافت إلى العلوم الشرعية : المعارف العقلية والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.

٤ ـ ارتفاع وازدياد نسبة التأليف ونسبة التوسع في نوعية محتويات

__________________

الشيعة : ٦٣٣.

٧٥

المؤلفات.

٥ ـ بروز حرية الرأي في الحوار والمناقشة والنقد وطرح الآراء حول ما كان يدور من قضايا ومسائل علمية في حلقات ولقاءات الدرس.

٦ ـ تغيير أسلوب التعليم من الحفظ والاستظهار إلى البحث والاستقراء ، وبانَ هذا بشكل واضح في حلقات التعليم.

٧ ـ وضع الأساس لتقعيد القواعد الأصولية والفقهية.

٨ ـ بروز مدينة الكوفة مركزا علميا للشيعة الامامية الاثني عشرية.

نتائج عامة

أما النتائج العامة التي نخرج بها ـ هنا ـ بعد مواكبتنا لمسيره تاريخ التشريع الإسلامي الإمامي ، منذ عهد علي المرتضى عليه‌السلام حتى نهاية عهد أبناء الرضا عليه‌السلام ، فتتلخص بالتالي :

١ ـ إن النصوص الشرعية عند مدرسة أهل البيت كانت بالقدر الوافي بتزويد الفقيه في مجال الاستنباط بالمادة العلمية لاستخلاص الأحكام الشرعية الفرعية منها.

٢ ـ إن كثرة الرواة عن أئمة أهل البيت يعطينا مدى اهتمام مدرسة أهل البيت بأمر التشريع الإسلامي. وقد صعد الرقم البياني أيام الإمام الصادق عليه‌السلام صعودا كبيرا ، وملحوظا ، وذلك للأسباب التي ذكرناها في موضعها.

٧٦

٣ ـ مدرسة قم والري

يبتدئ هذا العصر من الغيبة الكبرى ، (سنة / ٣٢٩ هـ) إلى النصف الأول من القرن الخامس.

في هذه الفترة انتقلت حركة التدريس والكتابة ، والبحث إلى مدينتي (قم والري) وظهر فيهما شيوخ كبار من اساتذة الفقه كان لهم أكبر الأثر في تطوير (الفقه الشيعي) فقد كانت (قم) منذ أيام الأئمة عليهم‌السلام حصنا من حصون الشيعة ، وموضع عناية خاصة من أهل البيت عليهم‌السلام.

وكانت (الري) في هذا التاريخ بلدة عامرة بالمدارس والمكاتب وحافلة بالعلماء والفقهاء والمحدثين (١).

وقد كان أحد أسباب انتقال مدرسة أهل البيت من العراق إلى ايران هو الضغط الشديد الذي كان يلاقيه فقهاء الشيعة وعلماؤهم من قبل العباسيين ، ومن قبلهم الأمويين لاسيّما في زمان السفّاك الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد كانوا يطاردون من يظهر باسم الشيعة بمختلف ألوان الأذى والتهمة. فالتجأ فقهاء الشيعة وعلماؤها إلى قم والري ، ووجدوا في هاتين البلدتين ركنا آمنا يطمئنون إليه لنشر فقه أهل البيت عليهم‌السلام وحديثهم.

وكانت (قم والري) بعد (سنة / ٣٣٤ هـ) تحت حكومة سلاطين آل بويه ، وعرف آل بويه في التاريخ بنزعتهم الشيعية وولائهم لأهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ٩٢ ـ ٩٣.

٧٧

وفي (تاريخ قم) للحسن بن محمد بن الحسن القمي المتوفى سنة ٣٧٨ هـ : الباب السادس عشر ـ في ذكر أسماء بعض علماء قم ، وشيء من تراجمهم. يترجم لـ ٢٨٠ علما في قم ، بينهم من الشيعة ٢٦٦ علما ، و ١٤ من الفرق الأخرى.

فقد حفلت (قم والري) في هذه الفترة (القرن الرابع الهجري) بشيوخ كبار في الفقه والحديث : أمثال (الشيخ الكليني) المتوفى سنة ٣٢٩ هـ ، و (ابن بابويه والد الصدوق) المتوفى سنة ٣٢٩ هـ والمدفون بقم ، ومحمد بن الحسن بن الوحيد (ت / ٣٤٠ هـ) ، و (ابن قولويه) أستاذ (الشيخ المفيد) المتوفى سنة ٣٦٩ هجرية ، و (ابن الجنيد) المتوفى سنة ٣٨١ هجرية بالري ، و (الشيخ الصدوق) المتوفى سنة ٣٨١ هـ والمدفون بالري ، وغيرهم من كبار مشايخ الشيعة في الفقه والحديث.

ونشطت في هذه الفترة حركة التأليف والبحث الفقهي ، وتدوين المجاميع الحديثية الموسعة ، كـ (الكافي) و (من لايحضره الفقيه) ، وغيرهما من المجاميع الحديثية ، والكتب الفقهية.

وذكر ابن النديم في الفهرست جملة من كتب فقهاء هذه المدرسة. ويكفي في هذا أن كان للصدوق وحده نحوا من ثلاثمائة مؤلف (١). الأمر الذي يشير إلى وجود نشاط فكري وفقهي كبير في هذه المدرسة.

__________________

(١) الكنى والألقاب ١ : ٢١٢.

٧٨

وكتاب (من لايحضره الفقيه) هو الموسوعة الحديثية الجامعة الثانية التي وصلتنا من كتب الفقه المؤلّفة في هذه الفترة بعد (الكافي) للكليني. ولا نريد أن نستقصي أسماء فقهاء ومحدثي هذه المدرسة.

ويكفي القارئ أن يراجع كتاب (مجالس المؤمنين) للقاضي نور اللّه التستري ، ليلمس سعة هذه المدرسة وضخامتها ، وما انجبته هذه المدرسة من كبار الفقهاء والمحدثين ، وما خلقته من موسوعات فقهية وحديثية وتراث فكري ضخم.

ملامح المدرسة :

وأولى هذه الملامح وأهمها : التوسعة في تدوين الحديث وجمعه في موسوعات حديثية شاملة.

وظهر في هذه الفترة لون جديد من الكتابة الفقهية ، وهي الرسائل الجوابية ، في المسائل الفقهية الواردة من السائلين ، وهي رسائل غالبا ما تكون استدلالية مفصلة تستقصي الأحاديث الواردة في المسألة.

وقد أسهم ذلك في تطوير البحث الفقهي في هذه الفترة ، فكانت نقطة بداية للرأي والنظر إن صح هذا الاعتبار.

ومع ذلك فقد كان البحث الفقهي في هذه الفترة يقضي مراحل نموه الأولية. ولم يتجاوز في الغالب حدود الفروع الفقهية المذكورة في حديث (أهل البيت عليهم‌السلام) ، ولم يفرغ الفقهاء بصورة كاملة لتفريع فروع جديدة

٧٩

للمناقشة والرأي. وكانت الفتاوى فيالغالب نصوص الأحاديث مع إسقاط الأسناد وبعض الألفاظ في بعض الحالات.

٤ ـ مدرسة بغداد

في القرن الخامس الهجري انتقلت المدرسة من (قم والري) إلى (بغداد) حاضرة العالم الاسلامي عامة. وكان لهذا الانتقال أسباب عديدة :

الأول : ضعف جهاز الحكم العباسي ، حيث ضعفت سيطرتهم في هذه الفترة ، ودبَّ الانحلال في كيانه ، فلم يجد القوة الكافية لملاحقة الشيعة والضغط عليهم ، كما كان المنصور والرشيد والمتوكل والمعتصم وأضرابهم ، فوجد فقهاء الشيعة مجالا للظهور ونشر الفقه الشيعي ، وممارسة البحث الفقهي بصورة علنية.

الثاني : ظهور شخصيات فقهية من بيوتات كبيرة ، كالشيخ المفيد والسيد المرتضى ، فقد كان هؤلاء يستغلون مكانة بيوتهم الاجتماعية ، ومكاناتهم السياسية في نشر الفقه الشيعي وتطوير دراسة الفقه.

الثالث : كانت هذه البيئة الجديدة ـ بغداد ـ صالحة لتقبل هذه المدرسة ، وتطويرها وخدمتها. فهي مركز ثقافي كبير من مراكز الحركة العقلية في العالم الإسلامي ، يقطنها الآلاف من الفقهاء والمحدثين ، وتنتشر فيها آلاف المدارس والمكاتب والمساجد التي كان يحتشد فيها جماهير الطلاب والمدرسين والعلماء كل يوم للدرس والمطالعة ، والبحث والمناقشة.

٨٠