التشيّع

الدكتور محمد زين الدين

التشيّع

المؤلف:

الدكتور محمد زين الدين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-514-4
الصفحات: ٢١٩

الدولة) ، وعلى أخيه علي بلقب (سيف الدولة).

وفي بغداد تولى ناصر الدولة إمرة الأمراء وسكن القصور وضرب دنانير جديدة وبدأ نجمه يصعد نتيجة لانتصاره مع أخيه سيف الدولة على البريديين في عدة مواقع ، ولعل من نتيجة ذلك أن زوّج الخليفة المتقى ابنه أبا منصور من إبنة ناصر الدولة ، وبذلك ارتفع مقام الأسرة الحمدانية إلى مقام سام سمح لهم بمصاهرة الخلفاء.

سيف الدولة قبل توليته حلب

ولد الأمير علي بن حمدان في ديار ربيعة سنة ٣٥١ هـ وكان أبوه عبداللّه ابن حمدان الذي لقب لفرط شجاعته بأبي الهيجاء يلي أمر الولايات حينا في فارس وأحيانا في الموصل على ما أسلفنا.

ثم يقتل أبوه ولم يزل الأمير لين العود فيرعاه أخوه الحسن الذي عرف فيما بعد باسم ناصر الدولة.

ويعيش الأمير الصغير بين الموصل ونصيبين وميافارقين مسقط رأسه ثم يوليه أخوه ناصر الدوله إمرة نصيبين.

وينشأ الأمير الصغير محبا للأدباء والشعراء ، فيلتف حوله منهم عدد صغير في مستهل حياته لايلبث أن يزداد مع الزمن حتى يصل إلى ما يقارب عدد شعراء الرشيد عندما تتحقق أمنياته في ملك كبير بعد ذلك.

وكما نشأ الأمير أدبيا ، فإنه نشأ فارسا أيضا.

ولا يكاد يبلغ سيف الدولة الخامسة والعشرين من عمره حتى ينطلق

١٨١

على رأس جيش كبير مقتحما بلاد الروم (البيزنطيين).

فيخرج إليه ملك الروم في مائتي ألف مقاتل ، وهو عدد لا قبل للأمير المغامر الصغير بملاقاته ، فيعمل فكره ويلجأ إلى المراوغة والتقهقر المنتظم حتى يطمع فيه الجيش المدافع ، حتى إذا سحب جيش الأعداء إلى الأرض التي يريدها بين حصني زياد وسلام انقض الأمير الفارس عليهم فأعمل فيهم الضرب والقتل ، وأنزل بهم شر الهزائم وأسر منهم سبعين بطريقا ، كما أخذ سرير الدمستق وكرسيه ، وكان ذلك موافقا لعيد الأضحى لسنة ٣٢٦ هـ.

وينشغل الأمير الحمداني في محاربة أعداء مملكة أخيه ويقيم تارة في الموصل وتارة أخرى في نصيبيين ولا يكاد يمضي عامان على غزوته الظافرة لبلاد الروم حتى يقدم على غزوة جديدة فيتجه من نصيبين نحو بلاد الروم حتى يصل إلى قاليقلا ، وكان بالقرب منها مدينة جديدة يجد الروم في إنشائها وأطلقوا عليها اسم «هفجيج» ، ولا يكاد الروم يحسون بمسير الأمير العربي إلى مدينتهم التي لم ينتهوا من إنشائها بعد ، حتى يخربوها ويولوا الأدبار ، ويتوغل سيف الدولة في أرض البيزنطيين ، وتطأ أقدامه مواطئ لم يصل إليها أحد من المسلمين قبله ، وفي تلك الأثناء يصل إلى الأمير كتاب من ملك الروم يحوي بعض التهديد فيرسل سيف الدولة إليه بالجواب السريع العزيز العنيف ، ولا يكاد يقرأه ملك الروم حتى يستبد به الغيظ ، ويستنكر أن يخاطب بمثل ذلك الذي خاطبه به الأمير الشاب ويردف قائلاً : يكاتبني هذه المكاتبة كأنه قد نزل على قلونيه؟! إستفظاعا للأمر ، ويبلغ القول مسامع سيف

١٨٢

الدولة القائد الجريء فلا يضيع من وقته يوما واحدا ، بل يمضي متوغلاً إلى قلونيه البعيدة الحصينة المتأبية ، ويستعظم بعض قواد سيف الدولة الأمر ، ويكادون يثنونه عن هذه المخاطرة ، ولكن الأمير الجريء العنيد يجيبهم قائلاً : لست أقلع عن قصد هذه المدينة ، فإما الظفر وأما الشهادة ، وينطلق الأمير إلى هناك يفتحها ويحرق رساتيقها ويكتب إلى ملك الروم من هناك مستهزءا به وبمنعة بلاده ، وبعد أن يشبع سيف الدولة في نفسه هواية الفتح والظفر والانتصار يعود بجيشه إلى بلاده فيحاول الدمستق أن يتحرش به على رأس جيش كثيف ، فيوقع به سيف الدولة ، ويقتل من الجنود البيزنطيين مقتلة عظيمة ، ويصل بجيشه سليما إلى أرض العرب بعد أن أوقع بالروم الفزع والرهبة ، وبعد أن توغل في بلادهم مسافات لم يدخلها أحد قبله ، وبعد أن أسقط من مدنهم أكثرها حصانة وأشدها منعة.

ومجمل القول أن سيف الدولة يقف موقف المتحفز ثم يفكر مليا ولا يلبث أن يقتطع لنفسه ملكا يخلد به على الزمان.

وفي سنة ٣٣٢ هـ تقرر بين توزون أحد قواد الخليفة وبين ناصر الدولة الحمداني أن يكون للأول أعمال البصرة وما إليها وللثاني الموصل وأعمال الشام.

وفي سنة ٣٣٣ هـ سار الأخشيد إلى مصر وولى حلب أبا الفتح عثمان بن سعيد الكلالي فحسده إخوته الكلاليون واستدعوا سيف الدولة عليا بن حمدان ليولوه على حلب فقدم إليها سيف الدولة بالاتفاق مع أخيه ناصر

١٨٣

الدولة ، ثم سار منها إلى حمص فلقيه بها عسكر الأخشيد محمد بن طغج صاحب الشام ومصر مع مولاه كافور واقتتلوا فانهزم عسكر الأخشيد وكافور وملك سيف الدولة مدينة حمص وسار إلى دمشق فحصرها فلم يفتحها أهلها له فرجع وكان الأخشيد قد خرج من مصر إلى الشام وسار خلف سيف الدولة فالتقيا بقنسرين فلم يظفر أحد العسكرين بالآخر ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة ، فلما عاد الأخشيد إلى دمشق رجع سيف الدولة إلى حلب. ولما ملك سيف الدولة حلب سارت الروم إليها فخرج إليهم فقاتلهم بالقرب منها فظفر بهم وهزمهم.

ويقول الدكتور فيصل السامر : لعل أهمية الدولة الحمدانية (في حلب) لا يكمن في كونها مجر دولة مستقلة من تلك الدويلات الكثيرة التي ظهرت أبان ضعف السلطة المركزية وضياع هيبة الخلفاء العباسيين فحسب ، ولا مجرد كونها مركزا هاما من مراكز الاشعاع الثقافي والجذب الفكري في تلك الحقبة الزاهرة حضاريا من تاريخ الدولة العربية الاسلامية ، بل لكونها إحدى الدويلات العربية القلائل التي قامت على حساب الخلافة العباسية. ولأنها وقفت سدا منيعا في وجه الغزو البيزنطي الذي كان يستهدف بيت المقدس.

ويقول الدكتور فاروق عمر : في الجزيرة الفراتية ظهر الحمدانيون ويمثل ظهورهم قوة نفوذ القبائل العربية في هذه المنطقة بحيث استطاعت أن تكون كيانات سياسية واضحة ، حيث استطاعت قبيلة تغلب أن تكون الدولة الحمدانية في الموصل وحلب.

١٨٤

كانت الشجاعة والفروسية وروح المغامرة بالإضافة إلى الكرم والفصاحة والشعر والسماحة هي الصفات التي اتصف بها أفراد الأسرة الحمدانية.

لقد كانوا محاربين ، يخوضون المعارك بقلوب من حديد ، وهم بعد ذلك فصحاء يقولون الشعر عذبا ، فمنهم أبو فراس الشاعر الأمير ، ومنهم أبو زهير المهلهل الذي يشهد له المتنبي ، على بخله في إطراء الشعر ، قائلاً : «قد تحوزت في قولي وأعفيت طبعي ، واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان ، وفيهم من يقول :

وقد علمت بما لاقته منا

قبائل يعرب وبني نزار

لقيناهم بأرماح طوال

تبشرهم بأعمار قصار

ولم يكن أبو الطيب يقصد بهذه الإشارة إلاّ أبا زهير مهلهلاً.

ومنهم أبو العشائر ، ابن عم سيف الدولة ، وهو صاحب شعر جميل ، ومنهم أبو وائل تغلب بن داوود بن حمدان الشاعر الرقيق ، وغير أولئك كثيرون.

ثم هم بعد ذلك أصحاب كرم وسماحة ونجدة وغيرة.

وبطل الحمدانيين هو علي بن عبداللّه بن حمدان الملقب بسيف الدولة المولود سنة ٣٠٣ هـ (٩١٥ م) والمتوفى سنة ٣٥٦ هـ في عاصمته (حلب). وكانت مملكة تشمل جند حمص وجند قنسرين والثغور الشامية والجزيرة وديار مضر وديار بكر ، وكان ابتداء وصوله إلى حلب سنة ٣٣٣ هـ وانقرضت دولة بني حمدان سنة ٤٠٦ هـ وآخرهم في حلب المنصور. وقد دامت دولتهم زهاء سبعين سنة ، كانت كما قال أحد المؤرخين : «عزيزة مستقلة في أولها ،

١٨٥

ذليلة خاضعة في آخرها».

قال سامي الكيالي متحدثا عن سيف الدولة الحمداني : من البطولات الفذة التي كان لها شأنها الخطير في دفع الغزو البيزنطي عن الأرض العربية ، بطولة سيف الدولة الحمداني هذا القائد العربي المغوار الذي وقف وحده في الميدان يحارب جيوش الامبراطورية البيزنطية الكبرى في فترة كانت الدولة العباسية قد تمزقت شذر مذر ، وتهددتها الأطماع من كل طرف.

نعم كانت مهمة سيف الدولة في غاية الخطورة. ولكنه كان من أولئك الأفذاذ الذين تتضاءل الأحداث أمامهم مهما عصفت ومهما عظم شأنها.

خاض سيف الدولة مع البيزنطيين أكثر من أربعين معركة ووصلت طلائع جيشه إلى قلب الأناضول حتى كادت تصل إلى القسطنطينية نفسها. وكانت معاركه وغزواته أناشيد في فم الشعراء ، ومن يرجع إلى قصائدهم التي تغنوا فيها ببطولاته يرى العجب ، فما كان شعر أكثرهم مدحا بقدر ما كان وصفا للمعارك. وكان يروق لسيف الدولة أن يصطحب معه الشعراء ليروا بأعينهم المعارك ، فإذا وصفوا وصفوا معاركه وحقيقة غزواته وبطولاته ولم يهيموا في أودية الخيال.

يقول Schlumberger في كتابه عن (نقفور فوكاس) مشيرا إلى سيف الدولة : «والمتصفح لمقتطفات التاريخ البيزنطي في منتصف القرن العاشر ولأكثر من عشرين عاما من ٩٤٥ ـ ٩٦٧ م (٣٣٤ ـ ٣٥٦) يجد اسما وحيدا ـ وأكرر ذلك ـ يطفو على كل صفحة من صفحات ذلك التاريخ كإنسان شجاع

١٨٦

لايمل ولا يكل ولا يتعب ، وكان عدوا لدودا للإمبراطورية البيزنطية ، ذلك هو أمير حلب سيف الدولة بن حمدان الذي كان قاسيا طموحا لايعبأ بأي الوسائل في سبيل الحصول على المال للإنفاق على جيوشه ، وكان يتمتع بشجاعة فائقة لايعرف الخور إليها سبيلاً».

لقد استطاع هذا البطل الشيعي بالرغم من الحروب الداخلية التي شنها عليه الأخشيديون ، وبالرغم من الفتن التي أثارها رجال القبائل ، استطاع هذا البطل المغوار أن يرد البيزنطيين على أعقابهم وأن يصون سوريا من غزوهم. وقد كان في صيانة سورية صيانة بلاد الاسلام كلها لاسيما مصر والعراق ، فلو استطاع البيزنطيون احتلال سورية لنفذوا منها إلى كل مكان.

هذا القائد المجاهد لم تصرفه المعارك عن أن يجعل من حلب بيئة خصبة للآداب والفنون والعلوم. فقد فتح قصره أيضا لكل فنان موهوب وأديب ، فوفدوا عليه من جميع الأطراف. وكان يستمع إلى الشعراء ويتحبب إلى الكتاب والمصورين ويمنح المؤرخين الشيء الكثير من عطاياه ، فيعود هؤلاء إلى بلادهم حاملين إلى شعوبهم صورة رائعة من خلق الرجل العالي وشخصيته العجيبة.

ويذكر الثعالبي أنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ الشعر ونجوم الدهر ، كما يذكر الغزولي أنه قد اجتمع له ما لم يجتمع لغيره من الملوك ، فكان خطيبه ابن نباتة الفارقي ، ومعلمه ابن خالويه ، ومطربه الفارابي ، وطباخه كشاجم ، وخزان كتبه الخالديان

١٨٧

والصنوبري ، ومدّاحه المتنبي والسلامي والوأواء الدمشقي والببغاء والنامي وابن نباتة السعدي والصنوبري وغيرهم.

ولقد تخرج في ندوة سيف الدولة كثير من علماء العصر ، كما كانت هذه الندوة سببا في صقل كثير من المواهب الشعرية ، وفي مقدمة الذي تخرجوا في ندوة الأمير من الأدباء؛ الكاتب الشاعر أبوبكر الخوارزمي ، شيخ أدباء نيسابور ، الذي كان يقول : ما فتق قلبي وشحذ فهمي وصقل ذهني وأرهف لساني وبلغ هذا المبلغ بي إلاّ تلك الطرائف الشامية ، واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي ، وامتزجت بأجزاء نفسي.

وممن ضمتهم هذه الندوة وتخرجوا فيها من غير الشعراء المشهورين؛ أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني ، الناقد ، صاحب كتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه) ، وأبو الفتح بن جني ، اللغوي النابه ، وأبو الطيب اللغوي ، وأبو علي الفارسي ، الذي كان مؤدبا لعضد الدولة البويهي.

ولم تكن ندوة الأمير مدرسة يتخرج فيها من يسعده الحظ بالتردد عليها وحسب ، بل لقد تتلمذ عليها على بعد الشقة كثير من الأدباء الذي كانوا يلتقطون ما يصدر عنها من بدائع وذخائر ، حتى أن أديبا كبيرا كالصاحب بن عباد وكان صاحب ندوة لا تقل كثيرا عن ندوة سيف الدولة ، هذا الأديب الكبير كان يحرص ـ فيما يقول الثعالبي ـ على تحصيل الجديد من الشعر الذي يصدر عن شعراء الندوة ويستملي الطارئين عليه من حلب ما يحفظونه من البدائع واللطائف ، حتى كتب دفترا ضخم الحجم كان لا يفارق مجلسه ، ولا

١٨٨

يملأ أحد منه عينيه غيره ، وصار ما جمعه منه على طرف لسانه يحاضر منه ويستشهد به.

وكان من نجوم هذه الندوة اللامعين؛ أبو نصر الفارابي ، الذي لقب في الفلسفة بالمعلم الثاني.

وكان سيف الدولة أديبا بفطرته ، وقد نمى هذه الهواية بتلمذته على ابن خالويه الذي كان يعتبر مؤدب أمراء بني حمدان ، وكان قصره يضم مكتبة كبيرة زاخرة بأسباب المعرفة وأدوات الاطلاع ، وكان أمين مكتبته الشاعر البارع أبابكر الصنوبري ، ومن بعده تولاها الشاعران الأديبان أبوبكر وأبو عثمان الخالديان ، اللذان قدما للمكتبة العربية بفضل وظيفتهما في مكتبة سيف الدولة عدة كتب ، أهمها : الديارات ، وحماسة الخالديين ، والمختار من شعر بشار وغيرها. وكثيرا ما كان الأمير يستفسر من علماء اللغة المحيطين به عن مسائل بعينها فينتشر الجميع في أرجاء المكتبة باحثين منقبين حتى يمدوه بما طلب من معلومات.

كان مجتمع حلب أكثره على مذهب أبي حنيفة النعمان ، وبعضه الآخر كان شافعي المذهب.

ولكن ما يلبث الحمدانيون أن يمتلكوا حلب وكانوا شيعة ، فحافظ المجتمع في أول الأمر على عقيدته السنية ثم غلب التشيع على حلب وغيرها ، مع بقاء الكثير من السنيين ، ومما هو جدير بالذكر أننا لم نسمع عن مشاحنات جرت بين السنة والشيعة في حلب مثل التي جرت في أمصار

١٨٩

أخرى ، مما يدل على أن هذا المجتمع من الناحية العقيدية كان مجتمعا خاليا من التعصب المذهبي حتى أن أحمد بن إسحاق الملقب بأبي الجود الذي ولي قضاء حلب بعد أبي الحصين كان حنفي المذهب.

لعل من الخير وقد تحدثنا عن السماحة التي كانت تسود العلاقات بين فرقتي الاسلام من سنة وشيعة في مملكة سيف الدولة أن نشير أيضا إلى وضع غير المسلمين من النصاري واليهود.

لقد عاشوا حياة آمنة مطمئنة في ظل سيف الدولة ، وبالرغم من الاتجاه العدواني الصليبي الذي تمثل في هجمات البيزنطيين على الإمارة العربية ، وما كان يحمل في ثناياه من روح التعصب الشديد على كل غير مسلم فقد شملت سماحة الحمدانيين كل غير مسلم أقام بين ظهرانيهم فعاشوا في مزارعهم ومنازلهم الريفية ، وتمسكوا بتقاليدهم الثقافية وحافظوا على لغاتهم الأصلية ، وهي الآرامية والسريانية.

ولم يكن نشاط غير المسلمين محصورا في المجتمع الشعبي وحده ، بل كانوا يلقون التسامح في قصر الأمير الذي لم يتردد في تقريب كثير منهم إليه ، حتى إن ابن دنحا أكثر خدامه صلة به وإخلاصا إليه كان نصرانيا ، وكان كبير أطبائه عيسى الرقي نصرانيا ، وكان الأمير يجزل له العطاء ويعطيه أربعة أرزاق أو أربعة مرتبات ، كما لمع منهم تحت رعاية سيف الدولة مهندسون ورياضيون فلكيون ، وأشهرهم ديونيسيوس بطريرك اليعاقبة ، والمجتبى الانطاكي ، وقيس الماروني.

١٩٠

الدّولة البويهية

(٣٣٤ ـ ٤٤٧ هـ)

حكم آل بويه رقعة من العالم الاسلامي وأقاموا دولة كبيرة عرفت بالدولة البويهية ، ابتدأ تكوينها منذ عام إحدى وعشرين وثلاثمائة للهجرة وشملت بلاد إيران والعراق ، وبدأ حكم البويهيين للعراق سنة ٣٣٤ هـ وانتهى حكمهم بسيطرة السلاجقة على ممتلكاتهم ودخولهم بغداد سنة ٤٤٧ هـ.

كان الأب صيادا فقيرا على بحر قزوين ، وله ثلاثة أولاد وقد اشتغل أولئك في خدمة مرداويج بن زيار الذي أسس الدولة الزيارية ، وقد أظهر (علي بن بويه) كفاية ومقدرة وتبوأ مناصب رفيعة في تلك الدولة ، وتولى ولاية الكرج وصار أهل الولاية يظهرون له الحب على أنه أثار شكوك مرداويج ومخاوفه ، فبدأت المنافسة بينه وبين مرداويج ، وتنفس البويهيون الصعداء بمقتل مرداويج سنة ٣٢٣ هـ ، فاغتنم الإخوة الفرصة ، فاستولى الحسن على أصفهان والري وهمذان وشيراز ، وسيطر أحمد بن بويه على كرمان ، ونجح البويهيون في تأسيس دولتهم في إيران ، وبعد فترة قصيرة هاجموا العراق ونزل أحمد بن بويه في معسكره بباب بغداد ، وأخذت عليه البيعة للمستكفي العباسي واستحلف له بأغلظ الأيمان ، وخلع عليه الخليفة الخلع ولقبه (معز الدولة) ولقب أخاه عليا (بعماد الدولة) كما لقب أخاه الحسن (بركن الدولة) ، وأمر الخليفة بأن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم.

١٩١

قال ابن الأثير في حوادث سنة ٣٢٢ هـ : حين استولى علي على شيراز نادى في الناس بالأمان وبث العدل (١).

ويقول ابن الأثير وهو يتحدث عن سنة ٣٥٦ هـ : في هذه السنة ابتدأ معز الدولة في بناء المارستان (المستشفى) وأرصد له أوقافا جزيلة وتصدق بأكثر أمواله وأعتق ممالكيه ورد شيئا كثيرا على أصحابه. وكان حليما كريما عاقلاً (٢).

وقال ابن الأثير : كان ركن الدولة حليما كثير البذل ، بعيد الهمة متحرجا من الظلم ، عفيفا من الدماء ، يرى حقنها واجبا إلاّ فيما لابد منه. وكان يجري الأرزاق على أهل البيوتات ويصونهم عن التبذل ويتصدق بالأموال الجليلة ويلين جانبه للخاص والعام ، رضي‌الله‌عنه وأرضاه ، وكان له حسن عهد ومودة وإقبال (٣). وفي جلال الدولة يقول صاحب النجوم الزاهرة : كان جلال الدولة ملكا محبا للرعية حسن السيرة ، وكان يحب الصالحين.

ولكي ندرك مدى ما جبلوا عليه من احترام حرية الرأي ننقل هذه الحادثة التي رواها عنه ابن الأثير في أحداث سنة ٤٢٩ هـ ، وخلاصتها أن الفقيه أبا الحسن الماوردي رأى أنه لا يجوز أن يلقب جلال الدولة بلقب ملك الملوك ، بينما أفتى بقية الفقهاء بجواز ذلك ، وكان الماوردي أخص الناس

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٧ : ٩٥.

(٢) الكامل في التاريخ ٧ : ٢٩٨ «نحوه».

(٣) الكامل في التاريخ ٧ : ٣٦٥.

١٩٢

بجلال الدولة وأقربهم منزلة منه ، فلما أفتى بهذه الفتوى انقطع عن جلال الدولة ولزم بيته خائفا. وفي ذات يوم استدعاه جلال الدولة فلبس وهو موقن بالهلاك ولكن جلال الدولة أكرمه وعظمه وقال له فيما قال : إني أعلم بأنك ما قلت وما فعلت إلاّ مرضاة للّه والحق ، وأنك أعز لدي من الجميع (١).

لقد شجع البويهيون الروح الأدبية وعضدوا مدرسة بغداد التي كان قد اضمحل شأنها في أثناء تدهور الخلافة ، وحفروا الجداول وهيؤوها للملاحة حتى مدينة شيراز فأزالوا بذلك خطر الفيضانات الدورية التي كان تغمر المناطق ، كما شيد عز الدولة مستشفى فخما وفتح عدة كليات في بغداد.

وقال الغناوي في كتاب (الأدب في ظل بني بويه) :

امتاز عهد آل بويه بالخصب العلمي والأدبي بتأثيرهم الخاص أو بتأثير وزرائهم ، ذلك أنهم استوزروا أبرع الكتاب وأبرزهم ، واعتمدوا عليهم في تدبير شؤون الحرب وأمور السياسة والإدارة والمال جميعا ، فلمعت أسماؤهم وعظمت هيبتهم وطار صيتهم في الآفاق فقصدهم أهل العلم والأدب فأفادوا منهم كثيرا وأنتجوا كثيرا في ميدان الأدب والفلسفة والعلم ، فكان أثرهم في الحياة الفكرية قويا جدا.

ويقول الدكتور حسين أمين :

قد لا أكون مغاليا إن قلت إن العصر البويهي هو العصر الذي بلغت فيه الحياة الثقافية العربية الاسلامية ذروتها ، حيث سمت الآداب نثرا وشعرا

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

١٩٣

وتطورت الدراسات اللغوية وازدهرت الحياة العقلية وتكاملت دراسات الفقه المختلفة ، وظهرت البحوث الموضوعية العلمية في التاريخ والجغرافيا ، كما برزت الحركة الصوفية والدراسات الدينية على اختلاف مواضيعها من تفسير القرآن الكريم ودراسات للحديث النبوي الشريف ، كما تميزت تلك الفترة بأن الدراسات أصبحت تعتمد على منهج علمي وأسلوب موضوعي.

وأشهر رجال الدولة البويهية هو عضد الدولة ، وقد جاء عنه في كتاب (الحضارة الاسلامية في القرن الرابع) لآدم متز ، تعريب محمد عبد الهادي أبي ريده ما يلي :

كان عضد الدولة يمثل الحاكم تمثيلاً حقيقيا ، وقد عني بمعرفة الأخبار وسرعة وصولها شأن كل من يريد أن يحكم دولة كبيرة حكما صحيحا ، وكانت الأخبار تنتقل بين شيراز وبغداد في سبعة أيام ، أي أنها كانت تقطع في كل يوم ما يزيد على مائة وخمسين كيلومترا.

وقد طهر السبل من اللصوص ومحا أثر قطاع الطرق ، وأعاد النظام إلى صحراء جزيرة العرب وصحراء كرمان وكانت مخيفة وكان سكانها يضعون الضرائب على قوافل الحج ، فارتفعت وتحقق الأمن ، وأقام للحجاج السواقي في الطرق واحتفر لهم الآبار وفجر الينابيع وأدار السور على مدينة الرسول. وأمر بعمارة منازل بغداد وأسواقها ، وابتدأ بالمساجد الجامعة وكانت في نهاية الخراب وهدم ما كان متهدما بنيانها وأعادها جديدة قوية ، وألزم أرباب العقارات بالعمارة فمن قصرت يده أقرضه من بيت المال. وفي عهده امتلأت

١٩٤

الخرابات بالزهر والخضر والعمارة بعد أن كانت مأوى الكلاب ومطارح الجيف والأقذار ، وجلبت إليها الغروس من فارس وسائر البلاد.

وكانت الأنهار ببغداد قد دفنت مجاريها وعفيت رسومها ، فأمر بحفرها من جديد وأقام القناطر والجسور وعملت عملاً محكما وحضر كثير من أهل البادية فزرعوا وعمروا البرية. ومع هذا لم تكن العراق مركز الدولة ، بل كان مركزها في فارس ، وبنى سوقا للبزازين (تجار الأقمشة) وكان نقل إلى بلاده ما لايوجد فيها من الأصناف ، وشيد مارستانا (مستشفى) كبيرا في بغداد ، وأمر بإدرار الأرزاق على قوام المساجد والمؤذنين وأئمة الصلاة والقراء ، وإقامة الجرايات لمن يأوي إليها من الغرباء والضعفاء ، وتجاوزت صدقاته أهل الإسلام إلى غير المسلمين. وأذن للوزير في عمارة المعابد لليهود والأديرة للنصارى وإعطاء الأموال لكل محتاج وإن لم يكن مسلما.

وكان ينفق كل جمعة عشرة آلاف درهم على الضعفاء والأرامل ، ويصرف كل سنة ثلاثة آلاف دينار ثمن أحذية للحفاة من الحجاج وعشرين ألف درهم كل شهر لتكفين موتى الفقراء ، واستحدث ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء ، ولم يمر بماء جار إلا بنى عنده قرية ، وكان ينفق على أهل مكة والمدينة وطرقهما ومصالحهما مائة ألف دينار كل سنة. وكان يبذل مالاً كثيرا على عمارة المصانع وتنقية الآبار ويعطي سكان المنازل التي في الطرقات ليقدموا العلف لدواب المسافرين.

وكان يحب العلم والعلماء ، ويجري الأرزاق على الفقهاء والمحدثين

١٩٥

والمتكلمين والمفسرين والنحاة والشعراء والنسابين والأطباء والحساب والمهندسين. وأفرد لأهل الاختصاص من العلماء والحكماء موضعا يقرب من مجلسه ، وأنشأ مكتبة تحتوي على كل كتاب صنف إلى وقته من جميع أنواع العلوم.

وفي كتاب (الكنى والألقاب) ما يلي :

وقد ألف له ـ أي لعضد الدولة ـ العلماء العديد من الكتب وقصده فحول الشعراء ومدحوه بأحسن المدائح ، منهم أبو الطيب المتنبي الذي قال فيه :

وقد رأيتُ ملوك الأرضِ قاطبةً

وسرتُ حتى رأيتُ مولاها

ومن آثاره تجديد عمارة مشهد علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان قد أوصى بدفنه فيه ، فدفن بجواره ، وكتب على لوح قبره : «هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة أبي شجاع بن ركن الدولة أحب مجاورة هذا الإمام المعصوم لطمعه في الخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ، وصلاته على محمد وعترته الطاهرين».

هذه الأعمال العظيمة التي مر ذكرها فيما تقدم جرت كلها خلال فترة قصيرة إذ إنه مات ولم يبلغ الخمسين.

ويقول الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه (العالم الإسلامي في العصر العباسي) : إن البويهيين أظهروا احتراما للخليفة في المواقف والمحافل الرسمية ، وكانوا أكثر اتباعا للأصول والمجاملات من القادة العسكريين الذين سبقوهم. ويستند على قول ابن كثير في البداية والنهاية :

١٩٦

«أظهر عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان دارسا ، وجدد دار الخلافة حتى صار كل محل منها آنسا» ويرى الأستاذ الشريف أن العصر البويهي عصر «حرية المذاهب» ويستند على أقوال الصاحب ابن عباد في رسائله حيث يقول : «وقد كتبت في ذلك كتابا أرجوه أن يجمع على الألفة ويحرس من الفرقة وينظم على تلك المنازعة والجنوح إلى الموادعة ، فإنّ المهادنة تجمل بين الملتين فكيف بين النحلتين ، واللّه نسأل توفيقنا لأنفسنا وأنفسهم».

ويعلق على ذلك الدكتور فاروق عمر وهو ينقل هذا الكلام في كتابه (الخلافة العباسية في عصر الفوضى العسكرية) قائلاً : «على أن لهذه السياسة جانبها الإيجابي حيث لجأت المذاهب المتنازعة إلى المنطق والفلسفة وعلم الكلام لتأييد آرائها ، فحدثت نهضة علمية وكثرت التصانيف في المناظرات وأسست دور العلم».

بغداد في عهد بني بويه

قال الأستاذ طه الراوي في رسالته عن بغداد : في عهد بني بويه وصل العلم والأدب في بغداد إلى القمة العليا فنشأ أكابر المفسرين والمحدثين والفقهاء والمتكلمين والمؤرخين والكتاب والشعراء وأساطين علوم العربية والحذاق في المعارف الكونية. وكان لبعض ملوكهم آثار في العمران وحسنات على أهل الفضل وأقمار الأدب ، ففي عهدهم تولى الوزارة في إيران أبوالفضل بن العميد وابنه أبو الفتح والصاحب ابن عباد ، وفي بغداد أبو محمد المهلبي الذي أفاض على رجالات العلم والأدب شيئا من حسناته وفيضا من نعمه.

١٩٧

الدّولة المزيدية

(٤٠٨ ـ ٥٤٥ هـ)

قامت في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر) دولة بني مزيد في الحلة بالعراق على يد مؤسسها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي.

وعن صدقة هذا يقول ابن الأثير : «كان جوادا حليما صدوقا كثير البر والإحسان ، ما برح ملجأً لكل ملهوف ، يلقى من قصده في أمن ودعة ، وكان عفيفا عادلاً لم يتزوج على امرأته ولا تسرى عليها ، ولم يصادر أحدا من نوابه ولم يأخذهم بإساءة قديمة ، وكان أصحابه يودعون أموالهم في خزانته ويدلون عليه إدلال الولد على أبيه. ولم ير رعية أحبت أميرها كحبها له. وكان متواضعا يبادر إلى النادر. وكان حافظا للأشعار ، وكانت له مكتبة تحوي ألوف المجلدات وكانت منسوبة الخط» (١).

والواقع أن الإمارة المزيدية قامت قبل صدقة ، وكان أول أمرائها أبوالحسن علي بن مزيد المتوفى سنة ٤٠٨ وجاء بعده ولده دبيس الذي كان عند وفاة أبيه علي في الرابعة عشرة من عمره. فأقره بهاء الدولة البويهي على ملك أبيه ، واستمر في الحكم سبعا وستين سنة وتوفي سنة ٤٧٤. فقام بعده ولده منصور أبو كامل وكانت الدولة البويهية قد زالت وحل محلها السلاجقة. ودام حكم منصور خمس سنين وتوفي سنة ٤٧٩ فتولى بعده ولده

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٩ : ١٨٨ سنة ٥٠١ هـ.

١٩٨

سيف الدولة صدقة. وكانت مدة ولايته اثنتين وعشرين سنة.

وقد خضعت له القبائل الفراتية وامتدت إمارته إلى البصرة وواسط والبطيحة والكوفة وهيت وعانة والحديثة ، وسيطر على أقوى القبائل العراقية لذلك العهد مثل خفاجة وعقيل وعبادة وقبيلة جاوان الكردية.

وقد اهتم بالشؤون الإدارية والعمرانية والثقافية. ورأى أفضل ما يعينه على ذلك هو العدل في الحكم. هذا عدا عما كان يلقاه العلماء والأدباء في كنفه من الرعاية فأقبلوا عليه من كل ناحية.

وانتهت حياة صدقة سنة ٥٠١ قتلاً في حربه مع السلاجقة. وبعد وفاة السلطان محمد السلجوقي أطلق ولده محمود ، دبيسا بن صدقة الذي كان في أسر أبيه وأعاده إلى الحلة سنة ٥١٢ فأنشأ الدولة من جديد.

قال فيه ابن خلكان في وفيات الأعيان : « ملك العرب صاحب الحلة المزيدية ، كان جوادا كريما ، عنده معرفة بالأدب والشعر وتمكن في خلافة المسترشد واستولى على كثير من بلاد العراق ، وهو من بيت كبير. ودبيس هو الذي ذكره الحريري صاحب المقامات في المقامة التاسعة والثلاثين بقوله : والأسدي دبيس ، لأنه كان معاصرا له فرام التقرب إليه في مقاماته ولجلالة قدره ، وله نظم حسن ... » (١).

وقال فيه ابن الطقطقا في الآداب السلطانية « كان صاحب الدار والجار والحمى والذمار ، وكانت أيامه أعيادا ، وكانت الحلة في زمانه محط الرحال

__________________

(١) وفيات الأعيان ٢ : ٤٩٠.

١٩٩

وملجأ بني الآمال ومأوى الطريد ومعتصم الخائف الشريد ... » (١).

وقد تمكنت سلطته في البلاد واجتمعت عليه القبائل العربية والكردية. وأغضبه الخليفة المسترشد فجمع جيوشه ودخل بغداد وضرب سرادقه بإزاء دار الخلافة وهدد المسترشد ، فاسترضاه المسترشد فرجع إلى الحلة.

وقام صراع بينه وبين السلاجقة فانتصر عليهم عند نهر بشير شرقي الفرات سنة ٥١٦.

وامتد الصراع إلى أن اضطر دبيس للجلاء عن الحلة ، ثم عاد إليها وتكرر الجلاء والعودة. إلى أن دعاه إليه السلطان مسعود السلجوقي وبعد أن أكرمه عاد فغدر به وقتله سنة ٥٢٩. وقد استمرت الإمارة المزيدية بعده حتى سنة ٥٤٥ إذ انتهت بموت علي بن دبيس.

وفي رجال هذه الدولة يقول العماد الأصفهاني «ملوك العرب وأمراؤها بنو مزيد الأسديون النازلون بالحلة السيفية على الفرات : كانوا ملجأ اللاجئين ، وثمال الراجين ، وكنف المستضعفين تشد إليهم رحال الآمال وتنفق عندهم فضائل الرجال ، وأثرهم في الخيرات أثير ، والحديث عن كرمهم كثير. وكان صدقة يهتز للشعر اهتزاز الاعتزاز ، ويخص الشاعر من جوده بالاختصاص والامتياز ، ويؤمنه مدة عمره من طارق الأعواز ، يقبل على الشعراء ويمدهم ، جميل الإصغاء ، وجزيل العطاء».

__________________

(١) الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية : ٢٨٢ ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، تحقيق ممدوح حسن محمد.

٢٠٠