التشيّع

الدكتور محمد زين الدين

التشيّع

المؤلف:

الدكتور محمد زين الدين


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-514-4
الصفحات: ٢١٩

الفصل الثّالث

تاريخ الشيعة السياسي

في العهدين الأموي والعباسي

العهد الأموي

لحق أمير المؤمنين بأخيه المصطفى صلوات اللّه عليهما ، واعتزل الإمام الحسن عليه‌السلام في بيته ، وحكم معاوية جميع الاقطار والامصار الإسلامية بأمره لابأمر اللّه ولا بأمر الشعب ، وماذا كان ينبغي له أن يفعل بعد أن أصبح الامبراطور الباغي الاوحد دون مزاحم ورقيب؟

دخل معاوية الكوفة وصعد على المنبر ، وخطب يشكر اللّه على النصر ، فقال : «يا أهل الكوفة ، أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم .. وكل شرط شرطته للحسن فتحت قدمي هاتين» (١).

أما الشروط التي اشترطها الإمام الحسن عليه‌السلام ، وأمضاها معاوية ، ثم نقضها ، فهي : «أن يعمل معاوية بكتاب اللّه وسنّة نبيه ، وأن لايعهد لأحد من بعده ، وأن

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ : ١٣١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٦ : ١٤ ـ ١٥.

١٠١

يكون الناس آمنين حيث كانوا ، لهم كل الحق في صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وأن يدع سب أمير المؤمنين عليه‌السلام » (١). وبالفعل قد نقضها معاوية. وإليك بعض الأرقام :

السب :

سب الوغدُ معاويةُ عليا عليه‌السلام ، وكتب إلى البلدان يأمر عماله وموظفيه بالسب ، فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل منبر يلعنون عليا ، ويبرأون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته (٢) ، قال له بعض الصحابة : لقد بلغت ما أمّلت ، فلو كففت عن سب علي ، فأجاب : لا ، حتى يربو عليه الصغير ويهرم الكبير!! (٣)

التنكيل والتقتيل :

استعمل معاوية زياد بن سمية على العراق ، فكان يتتبع الشيعة ، وهو بهم عارف ، لأنـّه كان منهم ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل وطردهم وشردهم عن العراق ، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لايجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة! (٤)

__________________

(١) تاريخ الطبري ١٠ : ٥٨ حوادث سنة ٢٨٤ ، جلاء العيون : ٣٩٣ ، الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة : ١٦٣ ، الإمامة والسياسة : ١٨٤.

(٢) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ١٣ : ٢٢٢ ، النصائح الكافية : ٩٧.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٢ : ٤٥ ، النصائح الكافية لمن يتولى معاوية : ٩٨.

١٠٢

إنّ سن قوانين القتل والسجن ، ونهب الأموال ، وهدم الدور ، وسبّ وصي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأهل بيته عليهم‌السلام وهتك الأعراض والاستخفاف بالسنّة المطهّرة ، وارتكاب الفواحش ، لم يؤثر عن أحد من ذي قبل إلاّ عن معاوية مع شيعة علي ، ولا ذنب لهم إلاّ انهم يوالون النبي وأهل بيته! وهذه نماذج من بعض تلك الأساليب مع بعض رموز الشيعة :

حجر بن عدي : كان حجر بن عدي من أصحاب رسول اللّه ، وأصحاب علي والحسن ، وكان زاهدا عابدا ، وقد وصفه صاحب المستدرك بأنه «راهب أصحاب محمد» (١). وكان بطلاً شجاعا ، حارب في الجيش الذي فتح الشام ، والجيش الذي فتح القادسية ، وشهد مع الإمام يوم الجمل وصفين والنهروان ، وقد بايع معاوية ، ولم يخرج من طاعته ، ولكنه أبى أن يشتم عليا ، وانكر شتمه على المنابر ، وهذا هو الجرم الذي استحق به القتل هو وأصحابه.

وترك مقتل حجر أسوأ الأثر في النفوس ، فمات الربيع بن زياد غما حين سمع بذلك (٢).

وقيل لأبي اسحق السبيعي : متى ذل الناس؟ قال : حين مات الحسن ، وادعي زياد ، وقتل حجر بن عدي (٣).

وقالت عائشة : سمعت رسول اللّه يقول : سيقتل بعذراء اناس يغضب اللّه

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ٤٦٨.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٥١ باب ٣١.

(٣) مقاتل الطالبيين : ٨٣.

١٠٣

لهم وأهل السماء (١). فويل لقاتلهم من غضب اللّه.

عمرو بن الحمق : كان عمرو بن الحمق من أصحاب رسول اللّه ، وقد أسلم قبل الفتح ، وكان مقربا لدى النبي ، وقد دعا له أن يمتعه اللّه بشبابه ، فبلغ الثمانين من العمر ، ولم تبيض له شعرة واحدة (٢). ودعا له أمير المؤمنين بقوله : «اللهم نوِّر قلبه بالتقوى ، واهده إلى صراطك المستقيم» (٣).

وحين تولى زياد إمارة الكوفة من قبل معاوية طلب عمرا ، فهرب منه ، فاعتقل زوجته آمنة بنت الشريد وسجنها ، ثم تعقب عمرا حتى ظفر به جلاوزة زياد ، وقطعوا رأسه ، فبعث به زياد إلى معاوية ، وهو أول رأس طيف به في الاسلام! وكان ما فعله معاوية أن بعث بالرأس إلى زوجته السجينة ، فأُلقي في حجرها ، فوضعت كفها على جبهته ، ولثمت فمه ، وقالت غيبتموه عني طويلاً ، ثم أهديتموه لي قتيلاً ، فأهلاً به من هدية غير قالية ولا مقلية (٤).

صيفي بن فسيل : كان صيفي بن فسيل من أصحاب حجر ، فجيء به إلى زياد فقال له : يا عدو اللّه! ما تقول في أبي تراب؟

قال صيفي : ما أعرف أبا تراب.

قال زياد : ما أعرفك به.

__________________

(١) الاصابة ١ : ٣١٥ / ١٦٢٩ ، اعلام الورى : ٣٣.

(٢) اسد الغابة ٤ : ٢٣١ ، الاصابة ٢ : ٥٣٣.

(٣) شرح نهج البلاغة ٣ : ١٨١ باب ٤٦.

(٤) ترجمة عمرو بن الحمق في : الاستيعاب ٢ : ٥٢٤ ، اسد الغابة ٤ : ٢٣١ ، الاصابة ٢ : ٥٣٣.

١٠٤

قال : ما أعرفه.

قال زياد : أما تعرف علي بن طالب؟

قال : بلى.

قال زياد : فذاك أبو تراب.

قال : كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين.

قال زياد لجلاوزته : عليَّ بالعصا ، فأتي بها. فالتفت إلى صيفي ، وقال : ما قولك؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد اللّه المؤمنين. فقال زياد : اضربوه حتى يلصق بالأرض! فضربوه حتى لزم الأرض. وعندها قال له زياد : ما تقول في علي؟ قال : واللّه لو شرحتني بالموسى والمدي ما قلت إلاّ ما سمعت مني. قال زياد : لتلعننه .. أو لأضربن عنقك. قال : إذن واللّه لتضربها قبل ذلك (٢).

رشيد الهجري : كان من تلاميذ الإمام وخواصه ، عرض عليه زياد البراءة واللعن ، فأبى ، فقطع يديه ورجليه ولسانه ، وصلبه (١).

جويرية بن مسهر العبدي : أخذه زياد ، فقطع يديه ورجليه ، وصلبه على جذع نخلة (٢).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٣٠ حوادث سنة ٥١ هـ ، حجر بن عدي : ٢٢٨ ، نشر مركز المصطفى.

(٢) الغارات ٢ : ٨٠ تحقيق جلال الدين المحدث ، شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩٤ ، اختيار معرفة الرجال ١ : ٢٩٠ ـ ٢٩٢ ، انظر : أسد الغابة ٢ : ٢٦٤ ـ ٢٦٥ / ١٦٧٨.

(٣) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٩١.

١٠٥

لاجديد عند يزيد!

ولو كان معاوية حيا في السنوات الثلاث التي حكم فيها ولده يزيد ، ورأى ما فعله في السنة الاولى من قتل الحسين ، وذبح أطفاله وأنصاره ، وسبي نسائه (١). وفي السنة الثانية من إباحة مدينة الرسول ، وانتهاك حرمة ألف عذراء أو أكثر ، وقتل أحد عشر ألفا من أهلها بينهم سبعمئة من المهاجرين والأنصار ، أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢). وفي السنة الثالثة من رمي الكعبة في المنجنيق (٣). لو رأى معاوية هذه المخزيات من ولده يزيد لقبّل ما بين عينيه ، وقال له : أنت مني وأنا منك ، وكلانا من هند آكلة الأكباد! ..

ولم يكتف بما أحدثه في كربلاء المقدسة والمدينه المنورة ، ومكة المكرمة ، حتى ولّى عبيداللّه بن زياد على الكوفة ، ليمثل الدور الذي مثله أبوه زياد مع البقية الباقية من الشيعة ، فسجن وشرد وقتل وصلب وقطع الأيدي والأرجل.

قال لميثم التمار ، تلميذ الإمام وصاحبه : لتبرأنَّ من علي أو لأقطعنَّ يديك ورجليك وأصلبنّك. فما كان من ميثم إلاّ أن امتدح عليا ، ولعن ابن زياد والأمويين ، فقطع يديه ورجليه ولسانه ، وصلبه ميتا (٤)!

وأي شيء أفظع من الخطة التي رسمها لوقعة الطف ، كتب لعميله عمر بن سعد : «ازحف إليهم ـ الحسين عليه‌السلام وأصحابه ـ حتى تقتلهم ، وتمثّل بهم ، فإنَّهم

__________________

(١ـ٣) تاريخ الخلفاء / السيوطي : ١٥٩ ـ ١٦٢.

(٤) انظر : الأصابة ٣ : ٥٠٤ ـ ٥٠٥ / ٧٤٧٢ ، أعيان الشيعة ١٥ : ٩٢.

١٠٦

لذلك مستحقون ، فإن قتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنّه عاق مشاق قاطع ظلوم ، وليس دهري في هذا أن يُضرّ بعد الموت شيئا ، ولكن عليَّ قول لو قد قتلته فعلت هذا به ، إن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام» (١).

كانت أيام يزيد في الحكم ثلاث سنين وثمانية أشهر إلاّ ثماني ليالٍ ، وعلى كثرة ما مرَّ بالتاريخ من المظالم والمخزيات فانها لم تترك من الذكريات الرهيبة ما تركته أيام يزيد : قتل الحسين وأصحابه ، وسبي أهل بيته .. ومجزرة المدينة المنورة ، وإباحة نسائها للجند .. ومجزرة مكة المكرمة ورمي الكعبة بالمنجنيق!!

معاوية الثاني : وقبل أن يموت يزيد أخذ البيعة على الناس لولده معاوية ولكن معاوية استقال منها بعد وفاة أبيه ، قال أبو المحاسن : «خطب معاوية بن يزيد الناس ، وقال : أيها الناس إنَّ جدي معاوية نازع الأمر أهله ، ومن هو أحق به لقرابته من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو علي بن أبي طالب ، وركب لكم ما تعلمون حتى اتته منيته ، فصار في قبره رهينا بذنوبه ، وأسيرا بخطاياه ، ثم تقلد أبي الأمر ، فكان غير أهل لذلك ، وركب هواه ، واخلفه الأمل ، وقصر به الأجل ، وصار في قبره رهينا بذنوبه ، وأسيرا بجرمه.

ثم بكى معاوية بن يزيد حتى جرت دموعه على خديه ، وقال : إنَّ من

__________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤١٥ حوادث سنة ٦١ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٤١٤.

١٠٧

أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول اللّه ، وأباح الحرم ، وخرب الكعبة ، وما أنا بالمتقلد ولا بالمتحمل تبعاتكم ، فشأنكم وأمركم» (١).

ومات بعد أيام قصيرة ، مسموما!! (٢)

بنو مروان : انتقل الحُكم من بني سفيان بعد هلاك يزيد إلى مروان بن الحكم (٣) ، وكانت أيامه تسعة أشهر ، قضاها بالمشاكل ، والحروب الداخلية مع السفيانيين من جهة وابن الزبير من جهة أخرى ، وعلى قصر أيامه فقد انتهج سنّة معاوية ويزيد من سب الإمام علي عليه‌السلام على المنابر ، وإيواء الجلادين أمثال عبيداللّه بن زياد ، والحصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، آواهم وجهزهم لقتال التوابين ، وفيهم سليمان بن صرد الخزاعي (٤) ، والمسيب بن نجبة الفزاري ، وعبداللّه الازدي وغيرهم من رؤوس الشيعة ، وكانوا خمسة آلاف ، وهم أول خلق اللّه نادى بثارات الحسين عليه‌السلام ، فقتلوهم ونكلوا بهم ، ولم ينج منهم إلاّ قليل (٥).

وأفضى الأمر بعد مروان لولده عبد الملك ، وكان يحكم الشام ، وعبداللّه بن

__________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٥٤ ، النجوم الزاهرة ١ : ١٦٣ ـ ١٦٤.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٥٤ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٤٦٨ أحداث سنة ٦٤.

(٣) انظر ترجمته في : أسد الغابة ٥ : ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٤) انظر : الاصابة ٢ : ٧٥ ـ ٧٦ / ٣٤٥٨ ، الاستيعاب ٢ : ٦٣ ـ ٦٥.

(٥) انظر : تاريخ الطبري ٥ : ٥٥٢ ـ ٥٦٣ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٣ ـ ١٢ ، المنتظم ٦ : ٣٧ ـ ٣٥ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

١٠٨

الزبير يحكم الحجاز ، وكانا يتنازعان العراق. وقامت بين الطرفين حروب دامية ، وعلى ما بينهما من العداء والقتال ، فقد اتفقا على التنكيل بشيعة علي ، فعبد الملك ووالده مروان أعانا عبيداللّه بن زياد على قتل التوابين ، وابن الزبير قتل المختار وجماعته (١).

عبد الملك : انتهت المعركة بين عبد الملك وابن الزبير بقتل الثاني وانتصار الأوّل ، وحاول عبد الملك أن ينهج منهجا جديدا مع أبناء علي يخالف نهج أسلافه ، فكتب إلى عامله الحجاج : «انظر دماء بني عبد المطلب ، فاحقنها واجتنبها ، فإني رأيت آل أبي سفيان لما ولغوا فيها لم يلبثوا إلاّ قليلاً» (٢).

أوصى عبد الملك جزاره أن يجتنب دماء بني عبد المطلب فقط لاغير ، أما غير آل عبد المطلب ، أما من آمن باللّه والرسول ، أما شيعة أهل البيت فدماؤهم حلال ما دامت لاتضر بالملك وتثبيت الحكم!

قال الإمام محمد الباقر عليه‌السلام : «قُتلت شيعتنا بكل بلد ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ، وكان من يُذكر بحبنا والانقطاع إلينا سُجن أو نهب ماله ، أو هدمت داره ، ثم لم يزل البلاء يشتد ، ويزداد إلى زمن عبيداللّه بن زياد قاتل الحسين ، ثم جاء الحجاج ، فقتلهم كل قتله ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى ان الرجل ليقال له : زنديق أو كافر أحب إليه من أن يقال شيعة علي» (٣).

__________________

(١) انظر : الكامل في التاريخ ٤ : ٢٧ ـ ٤٦.

(٢) الاختصاص / المفيد : ٣١٥.

(٣) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٤ ، النصائح الكافية : ١٥٢ ـ ١٥٣.

١٠٩

قنبر مولى أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال الحجاج لجلاوزته : أحب أن أصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب! فقالوا : ما نعلم أحدا كان أطول صحبة له من مولاه قنبر. فبعث في طلبه ، وقال له : أنت قنبر؟ قال : نعم. قال له : ابرأ من دين علي. فقال : هل تدلني على دين أفضل من دينه؟! قال : إني قاتلك فاختر أية قتلة أحب إليك. قال : أخبرني أمير المؤمنين أن ميتتي تكون ذبحا بغير حق. فأمر به فذبح كما تذبح الشاة (١).

كميل بن زياد : كان كميل من خيار الشيعة وخاصة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، طلبه الحجاج ، فهرب منه ، فحرم قومه عطاءهم ، فلما رأى كميل ذلك قال : أنا شيخ كبير ، وقد نفذ عمري ، ولا ينبغي أن أكون سببا في حرمان قومي ، فاستسلم للحجاج ، ولما رآه قال له : كنت أحب أن أجد عليك سبيلاً. فقال له كميل : لا تبرق ولا ترعد ، فواللّه ما بقي من عمري إلاّ مثل الغبار ، فاقض ، فإنّ الموعد اللّه عز وجل ، وبعد القتل الحساب ، ولقد أخبرني أمير المؤمنين أنك قاتلي. فقال الحجاج : الحجة عليك إذن! فقال : ذاك إن كان القضاء لك. قال : بلى ، اضربوا عنقه (٢).

سعيد بن جبير : كان سعيد بن جبير من التابعين ، وكان معروفا بالعفة والزهد والعبادة وعلم التفسير ، وكان يسمى جهبذ العلماء ، وكان يصلي خلف الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، فأخذه خالد بن عبداللّه القسري ، وأرسله إلى

__________________

(١) رجال الكشي : ٦٨ ـ ٦٩ / ٢١.

(٢) انظر : تاريخ الطبري ٦ : ٣٦٥ ، الاصابة ٣ : ٣١٨.

١١٠

الحجاج؛ فلما رآه قال له : أنت شقي بن كُسَير! فقال : أُمي أعرف باسمي منك.

قال له الحجاج : ما تقول في أبي بكر وعمر ، هما في الجنة أو في النار؟ قال : لو دخلت الجنة لعلمت من فيها ، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها.

قال : ما تقول في الخلفاء؟ قال : لست عليهم بوكيل.

قال : أيهم أحب إليك؟ قال : أرضاهم للّه.

قال : فأيهم أرضى للّه؟ قال : علم ذلك عند ربي ، يعلم سرهم ونجواهم.

قال : أبيت أن تصدقني. قال : بل لم أحب أن أكذب.فأمر الحجاج بقتله ، فقال سعيد : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين.

فقال الحجاج : شدوه إلى غير القبلة. فقال : أينما تولوا فثم وجه اللّه.

فقال : كبوه على وجهه. قال : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ، ثم ضربت عنقه.

قال الطبري : «لما قتل سعيد بن جبير فَنَدر رأسه للّه ، هلل ثلاثا : مرّة يفصح بها ، وفي الثّنتين يقول مثل ذلك فلا يفصح بها. فلم يلبث الحجاج بعده إلاّ نحوا من أربعين يوما ، فكان إذا نام يراه في منامه يأخذ بمجاميع ثوبه فيقول : يا عدو اللّه ، لم قتلتني ، فيقول : مالي ولسعيد بن جبير! مالي ولسعيد بن جبير» (١).

الوليد بن عبد الملك : مات عبد الملك سنة ٨٦ هـ ، وكانت ولايته احدى

__________________

(١) تاريخ الطبري ٦ : ٤٨٩ ـ ٤٩١.

١١١

وعشرين سنة ، وشهرا ونصفا ، وتولى بعده ابنه الوليد.

وفي أيام الوليد قتل الحجاج سعيد بن جبير.

ومن إعجاب الوليد بالسفاح الحجاج أنّه طلب منه أن يسمّي من يشاء لتولية الحجاز ، فأشار عليه بالجلاد خالد بن عبد اللّه القسري ، فولاه على مكة المكرمة.

وكان خالد بن عبداللّه القسري أحد عملاء الأمويين لا يكني بلعنه عليّا عليه‌السلام بأبي تراب كما كان أسلافه يفعلون بل يسمّيه باسمه هكذا حين اللعن : (علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول اللّه على ابنته ، وأبا الحسن والحسين) ، ثم يقبل على الناس ، ويقول : هل كنيت؟! ثم يتبع سب علي بسب الحسن والحسين!! فقال عبيد اللّه السهمي يهجوه :

لعن اللّه من يسب عليا

وحسينا من سوقة وإمامِ

أيُسَبّ المطهرون جدودا

والكرام الآباء والأعمامِ

ويأمن الطيرُ والحمامُ ولا

يأمنُ آل الرسول عند المقامِ

طبتَ بيتا وطاب أهلك أهلاً

أهل بيت النبي والاسلامِ

رحمةُ اللّه والسلامُ عليهم

كلما قام قائمٌ بسلامِ (١)

عمر بن عبد العزيز : وبقيت هذه السنّة الملعونة إلى أن قام عمر بن عبد العزيز فأزالها ومنع عنها ، أما السبب لذلك فيحدثنا عنه عمر نفسه ، قال : وكنت أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود ، فمر بي يوما ، وأنا ألعب مع الصبيان ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٥ : ٢٥٦ باب ٢٨.

١١٢

ونحن نلعن عليا ، فكره ذلك ، ودخل المسجد ، فتركت الصبيان ، وجئت إليه ، لأدرس عليه ، فلما رآني قام فصلى ، وأطال في الصلاة شبه المعرض عني ، حتى أحسست منه ذلك ، فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي ، فقلت له : ما بال الشيخ؟ فقال : أنت اللاعن عليا منذ اليوم؟! قلت : نعم .. قال : متى علمت أن اللّه سخط على أهل بدر ، وبيعة الرضوان بعد أن رضي عنهم؟! فقلت : هل كان علي من أهل بدر؟

قال : ويحك ، وهل كانت بدر كلها إلاّ له؟!

فقلت : لا أعود. فقال : تعطيني عهد اللّه أنك لا تعود؟ قلت : نعم فلم ألعنه بعدها (١).

وقال عمر بن عبد العزيز : ثم كنت احضر تحت منبر المدينة؛ وأبي يخطب يوم الجمعة ، فكنت أراه يهدر في خطبته ، حتى يأتي إلى لعن علي فيجمجم ، ويتلعثم ويفهفه ويحصر ، فكنت أعجب من ذلك ، فقلت له يوما : أنت أخطب الناس وأفصحهم ، ولكنك إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عييا!

فقال لي : أفطنت لذلك؟ قلت : نعم.

قال : يا بني ، لو علم أهل الشام وغيرهم من فضل علي ما نعلمه لم يتبعنا منهم أحد ، وتفرقوا عنا إلى أولاد علي! فبقيت كلمته في صدري مع ما كان قاله معلمي أيام صغري ، فأعطيت اللّه عهدا ، لأن كان لي هذا الأمر لاغيرنّه (٢).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ : ٥٩.

١١٣

وقد غيره حيث كان اللعن يقام في خطبة كلّ صلاة فأمر بأن يكون مكانه قوله تعالى : «إِنَّ اللّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاْءِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (١) ، ولم يحدّثنا التاريخ قط أنّه نهى عن اللعن بغير أوقات الصلاة ، ولهذا بقيت تلك السنّة الخبيثة جارية بغير أوقات الصلاة عند بني أمية وأتباعهم قاطبة.

وولي بعده يزيد بن عبد الملك فانتزع فدكا من أبناء فاطمة بعد أن ردها عليهم عمر بن عبد العزيز (٢).

هشام بن عبد الملك : كتب إلى عماله بالتشديد والتضييق على الشيعة ، وحبسهم ومحو آثارهم والفتك بهم ، وحرمانهم من العطاء. وكتب إلى عامله بالمدينة خالد بن عبد الملك أن يحبس بني هاشم ، ويمنعهم من الخروج منها ، ونفّذ خالد أمر هشام ، واشتد على الهاشميين. وأسمع زيد ابن الإمام زين العابدين ما يكره.

وفي أيّام هشام كان خروج زيد بالكوفة الذي انتهى بمصرعه عليه‌السلام.

ولم يكتف الامويون بقتل زيد ، حتى أخرجوه من قبره ، ومثلوا به ، فقطعوا رأسه ، وصلبوه على خشبة ، وبقي خمس سنوات مصلوبا عريانا إلى أن جاء الوليد بن يزيد فكتب إلى عامله في الكوفة أن أحرق زيدا بخشبته ، واذر رماده ففعل وأذرى رماده على شاطئ الفرات (٣).

__________________

(١) النحل : ١٦ / ٩٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

(٣) انظر : تاريخ الطبري ٧ : ١٨٨ ـ ١٨٩ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٤٥٥.

١١٤

قال الشيخ أبو زهرة : كان ابنه يحيى حريصا على أن يدفن أباه بحيث لايعلم بموضعه أحد ، فدفنه في ساقية وردمها؛ ووضع عليها النبات ، لكيلا يعلم أحد بمكان جثمانه الطاهر ، ولكن أحد الذين عرفوا ذلك أنبأ والي الأمويين ، فارتكبوا إثما كبيرا فوق آثامهم ، نبشوا القبر ، وأخرجوا الجثمان ، ومثلوا به ، ونصبوه بكناسة الكوفة بأمر هشام بن عبد الملك.

الوليد بن يزيد بن عبد الملك : هلك هشام بعد أن حكم تسع عشرة سنة وأشهرا ، وتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. واتفق المؤرخون على أن الوليد عكف على حب البطالة والصيد والملاهي والشراب والنساء ، وهو أول من حمل المغنين من البلدان إليه ، وكان خليعا متهتكا.

ومن أشهر أفعاله الشنيعة ، أنه قرأ ذات يوم قوله تعالى : «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِن وَرآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ» (٢) ، فدعا بالمصحف ، ونصبه غرضا للنشّاب ، وأقبل يرميه بالسهام ويقول :

أتوعِد كلَّ جبارٍ عنيدٍ؟!

فها أنا ذاك جبارٌ عنيدٌ

إذا ما جئتَ ربك يومَ حشرٍ

فقل يا رب خرّقني الوليدُ!! (٢)

إن الزنا والشراب واللهو والغناء ، وما إلى ذلك من الموبقات لم تمنع الوليد عن الظلم ، وتتبع أولاد الأنبياء ، فقد أمر أن تحرق جثة زيد وخشبته ، ويذرّى رماده في الهواء!

__________________

(١) سورة إبراهيم : ١٤ / ١٥ ـ ١٦.

(٢) مروج الذهب ٣ : ١٥٥.

١١٥

وفي أيامه ظهر يحيى بن زيد بالجوزجان من بلاد خراسان ، منكرا للظلم وما عم الناس من الجور ، فسير إليه نصر بن سيار عامل الوليد على خراسان ، رجلاً اسمه سلم بن أحوز المازني ، فقتل يحيى في المعركة ، بسهم أصابه في صدغه ، واحتز رأسه ، وأرسل إلى الوليد ، وصلب جسده بالجوزجان ، فلم يزل مصلوبا إلى أن خرج أبو مسلم الخراساني ، فقتل أبو مسلم سلمَ بن أحوز الذي قتل يحيى ، وأنزل جثة يحيى فصلى عليها ، ودفنت هناك ، وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيام في سائر أعمالها ، ولم يولد في تلك السنة بخراسان مولود إلاّ سمي بيحيى أو زيد. وقبره الآن مشهور مزور إلى هذه الغاية (١).

هذي هي حقيقة الأمويين وسياستهم ، وأفعالهم وجرائمهم ، فلا بدع إذن أن يحدث الانفجار ، وتهب العاصفة ، لتدمر ملكهم العضوض الكسروي ، وتسحق كل ما فيه من آثارهم.

العهد العباسي

استغل بنو العباس سخط الرعية على بني أمية ، ومعارضة الشيعة لحكمهم وتعلق الناس بالعلويين ، وأظهروا أن غايتهم الأولى إسقاط الأمويين ، وإراحة الناس من ظلمهم ، ثم يختارون من تتفق عليه الكلمة من آل بيت

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ١٥٠ وقصته في الكامل في التاريخ ٤ : ٤٧٢ ، والبداية والنهاية / ابن كثير ١٠ : ٦.

١١٦

الرسول ، فالعباسيون لم يقدموا في بدء الأمر أشخاصا منهم ولا من غيرهم ، وإنما قدموا المبدأ الذي يدافعون عنه ، وهو «الرضا من آل محمد» ، وكانوا يتذرعون بثأر الحسين وزيد وولده يحيى! وهذه نبذة من أخبارهم :

أبو العباس السفاح : كان من المتوقع أن يحابي السفاح أبناء علي وشيعتهم ، ويقربهم ويفضلهم على الناس أجمعين ، لأنهم كانوا والعباسيين حلفاء وحزبا واحدا ضد الأمويين ، وكان العباسيون يموهون على الناس بأنهم يدعون إلى أبناء علي ، لأنهم أقرب إلى القلوب من العباسيين وأعظم شأنا ومنزلة عند المسلمين ، ولكن بني العباس غيروا سياستهم بعد أن أصبحت السيادة في أيديهم ، فتنكروا للعلويين وشيعتهم ، وأوعزوا إلى الشعراء أن يعرضوا بأولاد علي ، وينفوا عنهم حق الخلافة.

لكن هذه الفترة ، من اُخريات الأمويين ، وأوليات العباسيين كانت فرصة مواتية للإمام محمد الباقر ، وولده الإمام جعفر الصادق عليهما‌السلام إلى بث علوم أهل البيت ، ونشرها على الناس ، وكان من أثرهما هذه الأحاديث التي أغنت المكتبة العربية في شتى العلوم بخاصة التشريع والفلسفة والتفسير والأخلاق. المنصور : قال المؤرخون : كان أخوه «أبو العباس السفاح» أول خلفاء البيت العباسي ، ولكن المنصور يعد في الواقع المؤسس الحقيقي لتلك الدولة ، ومشيد مجدها ، وإليه يعزى تمكين الأسرة العباسية من الحكم الذي زاولته طوال هذه المدة ، والنفوذ الذي تمتعت به. واتفق المؤرخون على أن أخلاقه كانت مزيجا من الخير والشر ، وانه كان ملما بطبائع الناس.

١١٧

قال السيوطي : قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه ، وهو الذي ضرب أباحنيفة على القضاء ، ثم سجنه فمات بعد أيام ، وقيل : إنه قتله بالسم لكونه أفتى بالخروج عليه ، وكان فصيحا بليغا مفوّها خليقا للإمارة ، وكان غاية في الحرص والبخل ، فلقب «أبا الدوانيق» لمحاسبته العمال والصناع على الدوانيق والحبات (١).

وكان المنصور أول من أوقع الفتنة بين العباسيين والعلويين ، وكانوا قبل شيئا واحدا. وفي عهده كان خروج الأخوين محمد وإبراهيم ابني عبداللّه بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فظفر بهما المنصور فقتلهما وجماعة كثيرة من آل البيت ، فإنا للّه وإنا إليه راجعون (١).

ولقسوته واسرافه في الدماء ابتعد عنه الكثير من كبار أئمة وعلماء المسلمين ، ومن الذين ابتعدوا عن المنصور الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام على الرغم من جميع المحاولات التي بذلها لاقناعه ، ومنها كتابه الذي أرسله إلى الإمام ، وقال له فيه لم لاتغشانا كما يغشانا الناس؟ وجواب الإمام له : «ليس لدينا من الدنيا ما نخافك عليه ، ولا من الآخرة ما نرجوك به» (٢).

المنصور والعلويون : كان البيت العباسي بين جهل وخمول بعد عبداللّه ابن عباس ولولا انتسابهم إلى عم الرسول لم يرد لأحد منهم ذكر في التاريخ؛

__________________

(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٠٠.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٠٢.

(٣) كشف الغمة ٢ : ٤٢٧ ، مستدرك الوسائل ٢ : ٤٢٧ / ١٤١٦١.

١١٨

اما البيت العلوي فكان في جميع الادوار بيت العلم والدين ، ومهوى أفئدة المسلمين ، فمن علي أمير المؤمنين إلى ولديه الحسنين ، ومنهما إلى الإمام زين العابدين ومنه إلى الصادقين : محمد الباقر وجعفر الصادق الخ ، وكان العباسيون يعتزون بقرابتهم من علي بن أبي طالب وابنائه ، كاعتزازهم بالنبي الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانوا يحضرون مجالس ابناء علي متأدبين متعلمين ، وكان إذا ركب محمد بن عبداللّه بن الحسن يأخذ المنصور بركابه ، ويسوي ثيابه على السرج.

وحين اضطربت أمور بني أمية اجتمع بنو الحسن وبنو العباس ، وعقدوا البيعة لمحمد (النفس الزكية) بن عبداللّه بن الحسن ، وكان فيمن بايعه إبراهيم والسفاح والمنصور ، وكان المنصور أشدهم حماسا لهذه البيعة ، وأرسل المجتمعون إلى الإمام جعفر الصادق ، فلما حضر رغبوا إليه في أن يبايع محمدا ، فقال : إن هذا الأمر لايتم إلاّ لهذا ، وضرب على ظهر السفاح ، ثم لهذا ، وأشار إلى المنصور ، وقال لعبداللّه بن الحسن : ان ولديك إبراهيم ومحمدا سيقتلهما المنصور! ثم نهض وخرج من المجلس (١).

ولما دارت الدوائر على الأمويين ، واستخلف المنصور ، اختفى محمد بن عبداللّه بن الحسن خوفا على نفسه ، فطلبه المنصور من أبيه ، وحاول قتله بكل وسيلة ، ليتخلص من البيعة التي في عنقه ، واجتهد في البحث عنه وعن أخيه إبراهيم ، ونصب العيون ، وبذل الأموال ، فعرف مكانهما ، ولم يعد أمامهما إلاّ الاستسلام أو الخروج ، فخرج محمد في المدينة ، وإبراهيم في البصرة ، وحاربا

__________________

(١) انظر : مقاتل الطالبيين : ١٨٥ ـ ١٨٦.

١١٩

حتى قتلا ، وكان محمد يعرف بصاحب النفس الزكية. وقتل معه خلق كثير من ابناء الانصار والمهاجرين ، وأبناء جعفر بن أبي طالب ، ومن أبناء الحسين قتل معه الحسين وعلي أبناء زيد بن علي بن الحسين.

كان معاوية بن أبي سفيان يدفن الاحياء خنقا تحت الأرض. وكان المنصور يقيم عليهم البناء فوق الأرض ، على أننا لانعرف أمويا واحدا سجن جماعة تحت الأرض؛ وتركهم يموت الواحد منهم بعد الآخر بين الفضلات والقذرات ، ولهذا قال الشاعر :

واللّه ما فعلت أُميةُ فيهمُ

معشار ما فعلت بنو العباس

وفي كتاب النزاع والتخاصم ، لأبي الفرج ابن الجوزي :

إن المنصور دلّ امرأة ابنه وولي عهده المهدي على بيت ، واستحلفها أن لاتفتحه إلاّ بعد وفاته بحضور زوجها ، وبعد هلاكه فتحه المهدي ، وإذا فيه من قتلى الطالبيين ، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم ، وفيهم أطفال!

ثم قال صاحب النزاع والتخاصم : أين هذا الجور والفساد من عدل الشريعة المحمدية ، وسيرة أئمة الهدى؟! (١)

مع الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : إن أول من أطلق لقب الصادق على الإمام جعفر بن محمد هو رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن بني العباس المنصور ، بعد أن تحقق قوله بأن المنصور سيملك ويقتل محمدا وإبراهيم ابني عبداللّه بن الحسن.

وكان الإمام الصادق في عهد المنصور يوصي شيعته ، ويقول لهم : عليكم

__________________

(١) النزاع والتخاصم : ٧٦.

١٢٠