شرح الحلقة الثّالثة - ج ٢

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي

شرح الحلقة الثّالثة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن محمّد فيّاض حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

قد يجعل الأمارة الفلانيّة حجّة بينه وبين أبنائه بلحاظ أغراضه التشريعيّة التي يطلبها منهم ، ولا معنى لأن يجعلها حجّة بالنسبة إلى سائر الآباء الآخرين مع أبنائهم ، وهكذا يتّضح أنّ الحجّيّة المتبانى عليها عقلائيّا إنّما هي في حدود الأغراض التشريعيّة لأصحاب البناء أنفسهم فلا يضرّ الشارع ذلك.

كان الجواب : أنّ فرض دخول الشارع في البناء والاتّفاق العقلائي مصادرة على المدّعى ؛ وذلك لأنّ جعل قول اللغوي مثلا حجّة ومنجّزا ومعذّرا لا يعقل صدوره وجعله واتّخاذ قرار به إلا من قبل نفس الجاعل للحجّيّة بينه وبين مأموريه ومواليه ، ولا ربط لذلك ببقيّة الآمرين وليس ملزما لهم إلا أن يكون داخلا معهم في الاتّفاق المذكور ، وهنا الاتّفاق إنّما صدر من الموالي العرفيّين ولا يعلم بدخول الشارع معهم في سيرتهم ، فلا يكون بناؤهم حجّة عليه وملزما له ويجب قبوله وإمضاؤه ؛ لأنّ كلّ آمر وحاكم هو الذي يحدّد كيفيّة العلاقة بينه وبين مأموريه ولا شأن له بالآخرين ، كما أنّه لا شأن للآخرين به.

فمثلا الأب له ولاية على أبنائه فإذا جعل الأب بينه وبين أبنائه أمارة معيّنة حجّة منجّزة ومعذّرة كان ذلك ملزما له فقط ، ولا يكون ملزما لسائر الآباء مع أبنائهم ، فإنّ كلّ أب منهم له الحقّ بأن يجعل الأمارة التي يراها مناسبة بينه وبين أبنائه ، ولا يضرّه الاتّفاق المبرم بين ذاك الأب وأبنائه.

وهنا الاتّفاق والبناء المذكور إنّما صدر من الآمرين العقلائيّين العرفيّين فيكون حجّة وملزما لكلّ آمر وحاكم من العقلاء والموالي العرفيّين ، ولا يكون ملزما للشارع الأقدس ليكون سكوته عنه إمضاء وقبولا ، أو ليجب الردع عنه إذا كان مخالفا لما يراه حجّة بينه وبين مأموريه.

فالاستدلال بالسيرة إذا غير تامّ للفارق الكبير بين العقلاء والشارع الأقدس.

والأسس الثلاثة المذكورة سابقا لا تجري هنا ؛ لأنّ تفويت الغرض إنّما يضرّ لو كانت السيرة مضرّة بأغراض الشارع التشريعيّة ، وقد تبيّن أنّها غير مضرّة بغرضه فسكوته ليس نقضا للغرض ، مضافا إلى أنّها ليست منكرا لينهى عنه ؛ إذ هي خارجة عن نطاق تشريعاته.

وأمّا ظهور حاله في مجتمع صالح فهو غير تامّ ؛ لأنّ العقلاء ليسوا مخالفين للطريق

١٠١

القويم ؛ إذ هم متّبعون لما يرونه بعقولهم صحيحا ولا يضرّ ذلك بالأغراض التشريعيّة للشارع الأقدس.

وليس بالإمكان تصحيح الاستدلال بالسيرة على الحجّيّة بأفضل من القول بأنّها تمسّ الشارع ؛ لأنّها توجب على أساس العادة الجري على طبقها حتّى في نطاق الأغراض التشريعيّة لمولى لم يساهم في تلك السيرة ، وتوحي ولو ارتكازا وخطأ بأنّ مؤدّاها مورد الاتّفاق من الجميع ، وبذلك تصبح مستدعية للردع على فرض عدم التوافق ، ويكون السكوت عندئذ كاشفا عن الإمضاء.

والصحيح : أنّ الاستدلال بالسيرة العقلائيّة بلحاظ الأحكام الظاهريّة تامّ ، وبالتالي تكون حجّة مع عدم الردع عنها.

وبيان ذلك : أنّ السيرة والبناء متّفق عليه من جميع العقلاء سواء الآمرين والمأمورين فعلا وقوّة كما تقدّم ، وهذا البناء والاتّفاق معناه أنّ كلّ آمر وحاكم حتّى وإن لم يكن داخلا فعلا في هذا الاتّفاق والبناء ، إلا أنّه يعتبر مساهما ومشاركا فيه ويكون بنظرهم ملزما بالجري على طبق هذا البناء والاتّفاق.

وعلى هذا فيرتكز في أذهان العقلاء ولو خطأ واشتباها أنّ الشارع الأقدس أيضا يسير وفقا لهذا البناء في تنظيم علاقاته بينه وبين مأموريه عند الشكّ وعدم العلم ، ويعتبرون أنّه موافق لبنائهم واتّفاقهم ؛ لأنّه لو لم يكن موافقا لهم لكان عليه أن يردعهم ويبيّن لهم الطريق الذي يجعله حجّة بينه وبين مواليه ومأموريه.

ولذلك تكون هذه السيرة من شأنها الإضرار بالأحكام التشريعيّة للشارع الأقدس فيما إذا لم يكن موافقا لها ؛ لأنّ هذا الارتكاز يمسّ بصورة مباشرة أحكام الشارع أيضا ؛ لأنّ هذا الارتكاز يوحي أنّ الشارع موافق على بنائهم ، إذ لو لم يكن موافقا لبيّن ذلك ، فسكوته وعدم ردعه يعتبر إمضاء عندهم وإن كان خطأ واشتباها. إلا أنّه بعد حصوله وتحقّقه يكون مضرّا بالأحكام التشريعيّة للشارع ومفوّتا لغرضه في حالة عدم التوافق معهم ، وهذا يحتّم عليه الردع والنهي وعدم السكوت ، فالسكوت إذا يكشف عن الإمضاء.

وبهذا نعرف أنّ الشرط في الاستدلال بالسيرة العقلائيّة على الحجّيّة بمعناها الأصوليّ ـ المنجّزيّة والمعذّريّة ـ أن تكون السيرة العقلائيّة في مجال التطبيق قد

١٠٢

افترضت ـ ارتكازا ـ اتّفاق الشارع مع غيره في الحجّيّة ، وجرت في علاقاتها مع الشارع على أساس هذا الافتراض ، أو أن تكون على الأقلّ بنحو يعرّضها لهذا الافتراض والجري.

وبهذا ظهر أنّه يشترط للاستدلال بالسيرة العقلائيّة على الحجّيّة بالمعنى الأصوليّ أي المنجّزيّة والمعذّريّة أن تكون السيرة مرتكزة عند العقلاء ، ويكون هذا الارتكاز يفترض ـ ولو خطأ واشتباها ـ أنّ الشارع قد اتّفق مع العقلاء ببنائهم هذا وأمضاه بمجرّد سكوته عن سيرتهم.

وهذا يتطلّب أن تكون السيرة مستحكمة عند العقلاء لا يشذّ عنها عاقل ، فإنّها إذا صارت بهذه الكيفيّة من الاستحكام والارتكاز فسوف تشكّل ضررا على أحكام الشارع فيما إذا كان غير راض عنها ، ويتوجّب الردع عنها والنهي عنها في حالة مخالفتها مع المجعول حجّة من قبل الشارع.

أو تكون على الأقلّ بنحو يجعلها لأن تكون مستحكمة ومرتكزة بحيث توجب افتراض أنّ الشارع معهم.

وحينئذ يمكن الاستدلال بها على إمضاء الشارع ؛ لأنّه لو سكت عنها ولم يردع لكان العقلاء يتعاملون مع الأحكام الشرعيّة للشارع كما يتعاملون مع أحكامهم أنفسهم نتيجة لهذا الافتراض الارتكازي ، بل يمكن القول أكثر من ذلك وهو :

وهذا معنى قد يثبت في السيرة العقلائيّة على العمل بالأمارات الظنيّة في المقام الأوّل أيضا أي في مجال الأغراض الشخصيّة التكوينيّة ، فإنّها كثيرا ما تولّد عادة وذوقا في السلوك يعرّض المتشرّعة بعقلائيّتهم إلى الجري على طبق ذلك في الشرعيّات أيضا ، فلا يتوقّف إثبات الحجّيّة بالسيرة على أن تكون السيرة جارية في المقام الثاني ومنعقدة على الحجّيّة بالمعنى الأصوليّ.

بل يمكن الاستدلال بالسيرة العقلائيّة المنعقدة على العمل بالأمارات الظنيّة في المقام الأوّل ، أي في مجال الأغراض الشخصيّة التكوينيّة بتقريب : أنّ هذه السيرة وإن كانت بلحاظ الأغراض الشخصيّة وليست منعقدة فعلا على الحجّيّة بالمعنى الأصوليّ ، إلا أنّها إذا كانت مستحكمة ومرتكزة فهي توحي وتفترض لدى المتشرّعة

١٠٣

من العقلاء بوصفهم عقلاء أن يسيروا ويجروا على طبق هذه السيرة في الأغراض التشريعيّة أيضا ، حتّى وإن كان هذا الإيحاء والارتكاز مخطئا.

وهذا معناه أنّ هذه السيرة في الأغراض التكوينيّة من الممكن في كثير من الأحيان أن تؤثّر وتمسّ الأغراض التشريعيّة ولو في اعتقاد المتشرّعة الخاطئ ، حيث إنّهم يحسّون نتيجة لارتكاز السيرة عندهم بأنّ الشارع يقبل بها ويرضاها في مجال أغراضه التشريعيّة بلحاظ مرحلة الظاهر أي الحجّيّة الأصوليّة ، ممّا يعرّض أحكامه للضياع ويكون مفوّتا لغرضه إذا لم يردع عنها فيما إذا كانت مخالفة لما يجعله حجّة ، وبالتالي يكون السكوت عنها إمضاء لهذا الارتكاز الخاطئ عند المتشرّعة وبالتالي يكون تطبيقه على التشريعيّات ممضى ومقبولا عند الشارع ؛ لأنّه سكت ولم يردع عنها.

وبهذا نعرف أنّه لا يتوقّف الاستدلال بالسيرة على كونها منعقدة فعلا على الحجّيّة ، بل حتّى لو كانت منعقدة على الأغراض التكوينيّة ولكنها كانت مستحكمة ومرتكزة ، وتفترض اتّفاق الشارع بإسراء هذا البناء على أحكامه التشريعيّة ، لكانت حجّة أيضا على الاستدلال بأنّ الشارع قد جعل الحجّيّة الأصوليّة لقول اللغوي ولخبر الثقة.

والحاصل : أنّ الاستدلال بالسيرة بقسميها يتوقّف على وجود هذا المرتكز والإيحاء ولو كان خاطئا ؛ لأنّه يمسّ مباشرة أو بالالتزام الأحكام التشريعيّة للشارع فالسكوت عنها إمضاء لها.

ومهما يكن الحال فلا شكّ في أنّ معاصرة السيرة العقلائيّة لعصر المعصومين عليهم‌السلام شرط في إمكان الاستدلال بها على الحكم الشرعي ؛ لأنّ حجّيّتها ليست بلحاظ ذاتها ، بل بلحاظ استكشاف الإمضاء الشرعي من التقرير وعدم الردع ، فلكي يتمّ هذا الاستكشاف يجب أن تكون السيرة معاصرة لظهور المعصومين عليهم‌السلام لكي يدلّ سكوتهم على الإمضاء.

وهنا شرط آخر مضافا إلى وجود الارتكاز الموحي ولو خطأ برضا الشارع بقبول البناء العقلائي ، وهو اشتراط معاصرة السيرة للمعصوم عليه‌السلام ، وهذا الشرط واضح ؛ لأنّ السيرة ليست دليلا على الحكم الشرعي بنفسها ، وإنّما بعد ضمّ الإمضاء المستكشف من سكوت المعصوم وعدم ردعه ، وهذا يفترض وجود المعصوم وكونه

١٠٤

حاضرا ومعاصرا لهذه السيرة لتكون على مرأى ومسمع منه ، لكي يكون سكوته عنها موجبا للإمضاء.

وأمّا إذا لم تكن السيرة معاصرة للمعصوم فلا تكون حجّة لاختلال الركن الثاني ، إذ ما دام المعصوم غير حاضر وغير معاصر للسيرة فكيف يحرز أنّه أمضاها ، فإنّ الإمضاء تابع لسكوته وسكوته فرع وجوده ومعاصرته ، فإذا لم يكن موجودا كانت حجيّة السيرة منتفية من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وهذا واضح.

وأمّا أنّه كيف يمكننا نحن في هذا العصر أن نثبت أنّ السيرة المتحقّقة فعلا من العقلاء كانت معاصرة للمعصوم؟ فهذا الأمر يمكن إثباته بعدّة طرق تقدّمت مفصّلا في الحلقة السابقة ، ولذلك قال الشهيد :

وأمّا السيرة المتأخّرة فلا يدلّ عدم الردع عنها على الإمضاء كما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، وأمّا كيف يمكن إثبات أنّ السيرة كانت قائمة فعلا في عصر المعصومين فقد مرّ بنا البحث عن ذلك في الحلقة السابقة (٢).

قد يقال : إنّه بالإمكان الاستدلال بالسيرة القائمة فعلا على الحكم الشرعي ، وذلك من خلال سكوت الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ عنها فإنّه معاصر لهذه السيرة فيكون سكوته عنها إمضاء لها.

ويرد عليه : أنّ نفس مرحلة الغيبة والاختفاء وعدم الظهور يمنع من الاستدلال بسكوته ؛ لأنّ هذه المرحلة تحتّم عليه عدم التعرّض لشئون الناس والتدخّل في تصرّفاتهم وإلا لما احتيج إلى الغيبة.

وقد يقال : إنّ المعصوم قد أمضى السيرة العقلائيّة لا بما هي سيرة شخصيّة منعقدة على أمر معيّن فحسب ، بل أمضاها بما هي نوع أي أنّ كلّ سيرة عقلائيّة تنعقد على أمر فهي حجّة.

وفيه : أنّ السيرة ليست دليلا لفظيّا كما أنّ الإمضاء المستكشف من السكوت ليس دليلا لفظيّا ، ولذلك لا يكون هناك إطلاق ولا عموم أصلا.

__________________

(١) ضمن البحث عن تحديد دلالات الدليل الشرعي غير اللفظي ، تحت عنوان : السيرة.

(٢) ضمن البحث عن وسائل الإثبات الوجداني ، تحت عنوان : الإحراز الوجداني للدليل الشرعي غير اللفظي.

١٠٥

وبهذا نعرف أنّ السيرة المتأخّرة المعاصرة للحجة عليه‌السلام لا يمكن الاستدلال بها على الحكم الشرعي من خلال سكوته عنها ؛ لأنّه ليس مكلّفا بالأمر والنهي ، وليس مكلّفا بإرشاد وهداية المجتمع وتوجيهه ، وإلا لما كان غائبا. نعم ، يمكن الاستدلال بهذه السيرة المعاصرة لنا بعد إثبات كونها معاصرة للمعصومين عليهم‌السلام غير الحجّة ( عجّل الله فرجه ).

وقد تقدّم سابقا عدّة طرق لإثبات معاصرتها ، نشير إليها إجمالا :

١ ـ إثبات المعاصرة بالنقل التاريخي والشهادة.

٢ ـ إثبات عدم التغيّر والتبدّل أو أصالة الثبات ، وذلك إذا كانت السيرة معتمدة على نكات فطريّة عامّة لكلّ العقلاء.

٣ ـ استقراء الأوضاع الاجتماعيّة في مختلف المجتمعات وملاحظة النقاط المتّفق عليها ، بحيث يمكننا تعميم الحكم من خلال ذلك إلى سائر المجتمعات الأخرى الآتية والماضية.

٤ ـ أن يكون هناك لازم إذا لم تكن هذه السيرة معاصرة وكان الموضوع محلّ ابتلاء للناس عادة ، وهذا اللازم هو كثرة السؤال عنه ، والحال أنّ هذا اللازم منتف ، إذا ينتفي الملزوم فتثبت المعاصرة.

٥ ـ أن يكون هناك بديل إذا لم تكن السيرة معاصرة وكان مهمّا بحيث يجب نقله تاريخيّا ؛ لأنّه سوف يكون سلوكا غريبا مخالفا للعادة ، وحيث إنّ هذا البديل لم ينقل مع توفّر الدواعي لنقله ، فيدلّ على عدم وجوده وأنّ السيرة كانت معاصرة.

إلا أنّ اشتراط المعاصرة إنّما هو في السيرة التي يراد بها إثبات حكم شرعي كلّي ، والكشف بها عن دليل شرعي على ذلك الحكم ، وهي التي كنّا نقصدها بهذا البحث بوصفها من وسائل إثبات الدليل الشرعي.

وهذا الشرط ـ المعاصرة ـ إنّما هو في السيرة التي يراد بها اكتشاف الحكم الشرعي الكلّي وإثباته ، أو الكشف عن دليل شرعي كلّي يصلح للاستدلال والاستنباط في كلّ الحالات والظروف والعصور.

وما تقدّم من بحوث إنّما كان يقصد هذا النوع من السيرة ، فإنّ التملّك بالحيازة أو جواز التصرّف استنادا على الرضا القلبي حكم شرعي كلّي يعمّ كلّ الأزمنة

١٠٦

والعصور ، وكذلك الاستناد إلى قول اللغوي وخبر الثقة ليس مختصّا بزمان دون آخر ، فهي كلّها أحكام شرعيّة كلّيّة.

فهذا النوع من السيرة يحتاج إلى إثبات المعاصرة ليكون السكوت إمضاء لها ، وكاشفا عن هذا الحكم الشرعي الكلّي.

ولكن هناك نحو آخر من السيرة لا يكشف عن الدليل الشرعي على حكم كلّي ، وإنّما يحقّق صغرى لحكم شرعي كلّي قد قام عليه الدليل في المرتبة السابقة.

إلا أنّه يوجد نحو آخر من السيرة العقلائيّة وهو السيرة العقلائيّة على تحقيق صغرى الحكم الشرعي ، بعد أن كان الحكم الشرعي الكلّي مفروغا من ثبوته لقيام الدليل الخاصّ عليه في مرتبة سابقة ، والمقصود من كون السيرة محقّقة لصغرى الحكم هو :

أنّ السيرة تارة تكون منقّحة لفرد حقيقي من أفراد الموضوع ، بمعنى أنّها توجد مصداقا حقيقيا لموضوع الحكم الكلّي.

فمثلا قوله تعالى : ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) المقصود من المعروف هو ما كان معروفا وشائعا ، وهذا الموضوع له مصاديق عديدة ، فإذا قامت السيرة على أنّ هذا الشيء معروف كانت بذلك موجدة لمصداق حقيقي لهذا الموضوع الذي هو موضوع لحكم شرعي كلّي بوجوب الإمساك.

وأخرى تكون منقّحة لفرد ادّعائي بمعنى أنّها توجد فردا اعتباريّا كما في الاتّفاقيّات بين المتعاملين ، فإنّ غالب الاتّفاقيّات تشكّل صغرى لحكم شرعي كلّي المدلول عليه بقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند شروطهم » فتكون كلّ الشروط الضمنيّة دخيلة في العقد وإن لم تذكر في متنه ، وذلك لقيام السيرة على مدخليّتها واعتبارها.

وبهذا يتّضح أنّ هذا النحو من السيرة لا يحتاج إلى إثبات كونها معاصرة ؛ لأنّه لا يراد بها اكتشاف حكم شرعي كلّي ، بل يراد بها اكتشاف تطبيقي ومصداقي لموضوع الحكم الشرعي ، ومن المعلوم أنّ تشخيص الموضوع والمصداق خارجا بيد المكلّف ولا مدخليّة للشارع به ، ولذلك لم نحتج إلى معاصرتها للمعصوم ، وإلى ذلك أشار السيّد الشهيد بقوله :

وإلى هذا النحو من السيرة ترجع على الأغلب البناءات العقلائيّة التي يراد بها

١٠٧

تحليل مرتكزات المتعاملين ومقاصدهما النوعيّة في مقام التعامل بنحو يحقّق صغرى لأدلّة الصحّة والنفوذ في باب المعاملات.

فإنّ أغلب البناءات العقلائيّة ترجع إلى هذا النحو من السيرة ، أي إلى تحقيق الصغرى وإثبات الموضوع أو مصداق هذا الموضوع ، خصوصا البناءات العقلائيّة في موارد التعامل والعقود ، حيث إنّ السيرة تحقّق لنا المقاصد التي يقصدها المتعاملين نوعا ، أي أنّ كلّ متعاملين باعتبارهما النوعي يقصدان شروطا ضمنيّة وهي ما قامت عليه السيرة والبناء العرفي العقلائي وإن لم تذكر في متن العقد. ولذلك تكون هذه الشروط الضمنيّة موضوعا للأحكام الشرعيّة بوجوب الوفاء بها وبصحّتها ونفوذها شرعا ، وترتيب الآثار عليها.

ومثال ذلك : ما يقال من انعقاد السيرة العقلائيّة على اشتراط عدم الغبن في المعاملة ، بنحو يكون هذا الاشتراط مفهوما ضمنا وإن لم يصرّح به ، وعلى هذا الأساس يثبت خيار الغبن بالشرط الضمني في العقد ، فإنّ السيرة العقلائيّة المذكورة لم تكشف عن دليل شرعي على حكم كلّي ، وإنّما حقّقت صغرى لدليل : « المؤمنون عند شروطهم » (١).

ومثال ذلك : قيام السيرة والبناء العقلائي على اشتراط عدم الغبن في المعاملة ، فإنّ العقلاء يحكمون بأنّ كلّ متعاملين يبنيان على عدم الغبن ، بحيث إنّ كلّ واحد منهما لا يرضى بأن يكون مغلوبا ومقهورا وخاسرا في المعاملة ، بل يصرّ دائما لتحقيق الربح والفائدة ، فإذا علم أنّ هذه المعاملة فيها خسارة محقّقة فلا يقدم عليها.

ولذلك كان عدم الغبن شرطا ضمنيّا عند كلّ متعاملين ، وهذا معناه أنّ المعاملة تقع مشروطة من أساسها بأن لا يكون هناك غبن ، فإذا ظهر كون أحدهما مغبونا بنحو لا يرضى به العرف ـ حيث إنّه لا بدّ أن يكون هناك تفاوت في كلّ معاملة ـ ولا يتسامح بمقداره كان له خيار فسخ المعاملة بنظرهم واعتقادهم ؛ لأنّ الآخر يجب عليه الوفاء بتعهّده وشروطه ومن جملة هذه الشروط هو عدم الغبن الذي هو شرط ضمني.

فإذا حكم العقلاء بذلك تحقّقت صغرى لحكم شرعي كلّي وهو وجوب الوفاء بالشروط والالتزامات والتعهّدات لكلّ مؤمن ؛ لقوله عليه‌السلام : « المؤمنون عند

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠ ، أبواب المهور ، ب ٢٠ ، ح ٤.

١٠٨

شروطهم ». وهذا الشرط ـ عدم الغبن ـ كان موجودا ضمن العقد لبناء العقلاء واتّفاقهم وسيرتهم على ذلك ، وعليه فيجب الوفاء به ، ومقتضاه جواز فسخ المعاملة للطرف الآخر ، فكانت هذه السيرة محقّقة لشرط من الشروط في المعاملة وهو عدم الغبن فيطبّق عليها الحكم الشرعي المفروغ عن ثبوته وهو وجوب الوفاء بالشرط.

وكلّ سيرة من هذا القبيل لا يشترط في تأثيرها على هذا النحو أن تكون معاصرة للمعصومين عليهم‌السلام ؛ لأنّها متى ما وجدت أوجدت صغرى لدليل شرعي ثابت ، فيتمسّك بإطلاق ذلك الدليل لتطبيق الحكم على صغراه.

ومن هنا نعرف أنّ كلّ سيرة من هذا القبيل لا يشترط فيها أن تكون معاصرة للمعصوم عليه‌السلام ؛ وذلك لأنّها لا تثبت الحكم الشرعي الكلّي ليقال باحتياجها إلى الإمضاء المستكشف من السكوت ، وإنّما هذه السيرة تثبت لنا مصداقا وتطبيقا من تطبيقات الحكم الشرعي وتفترض أنّ هذا موضوع ومصداق لذاك الحكم ، إمّا حقيقة وإمّا ادّعاء واعتبارا.

وهذا معناه أنّها تشخّص موضوع الحكم أو مصداقه أو فرد من أفراد الموضوع ، وهذا لا مدخليّة للشارع به ليسكت أو يردع عنه ؛ إذ الشارع لا يتدخّل في تحقيق وتشخيص المواضيع إلا إذا كانت هذه المواضيع من اختراع الشارع ، وأمّا إذا كانت موضوعات أحكامه واضحة ومفهومة عرفا فمصداقها يكون بيد العقلاء ، فمتى ما وجدت السيرة بهذا النحو كان معناها أنّها توجد الصغرى للدليل الشرعي بتطبيق الكبرى عليها ، وينتج من ذلك ترتيب آثار الحكم الشرعي على هذا الموضوع والمصداق. ومن هنا كان دليل خيار الغبن ثابتا باشتراطه الضمني المستكشف من جريان السيرة العقلائيّة عليه.

وبهذا نفرّق بين هذه السيرة وبين السيرة السابقة التي كنّا نتحدّث عنها ، فإنّها كانت تثبت الحكم الشرعي الكلّي من خلال سكوت المعصوم وعدم ردعه ، ولذلك احتاجت لمعاصرة المعصوم ليتحقّق سكوته ويحرز إمضاؤه.

وهناك فوارق أخرى بين السيرتين ، فإنّ السيرة التي يستكشف بها دليل شرعي على حكم كلّي تكون نتيجتها ملزمة حتّى لمن شذّ عن السيرة ، فلو فرض أنّ شخصا لم يكن يرى ـ بما هو عاقل ـ أنّ طيب نفس المالك كاف في جواز

١٠٩

التصرّف في ماله وشذّ في ذلك عن عموم الناس ، كانت النتيجة الشرعيّة المستكشفة بسيرة عموم الناس ملزمة له ؛ لأنّها حكم شرعي كلّي.

ومن جملة الفوارق بين السيرتين :

إنّ السيرة التي يستكشف بها حكم شرعي كلّي كالتملّك بالحيازة وجواز التصرّف بملك الغير بمجرّد رضاه القلبي وحجيّة خبر الثقة وقول اللغوي ، إذا ثبت بالإمضاء المستكشف من السكوت وعدم الردع ، كانت هذه السيرة مثبتة للحكم الشرعي الكلّي ، ومن المعلوم أنّ الأحكام الشرعيّة الكليّة عامّة لكلّ الناس في مختلف العصور والأزمنة إلى يوم القيامة.

وهذا معناه أنّه لو شذّ بعض الأشخاص عن هذه السيرة ولم يعتبروا أنّ الحيازة سبب للملكيّة ، أو أنّ خبر الثقة ليس حجّة لم يكن رأيهم صحيحا ، بل كان مخالفا للحكم الشرعي ؛ لأنّ هذه السيرة قد ثبت بها الحكم الشرعي فلا يحقّ لأحد من الناس أن يشذّ عنه ويخالفهم بحجّة أنّه لم يدرك هذا الأمر ، أو أنّه لم يكن من أبناء السيرة التي انعقدت على هذا الأمر ، أو أنّه لم يساهم في الاتّفاق والبناء ، إذ مثل هذه الدعوى لا تسمع ويكون ملزما بالجري وفقا لما ثبت بالسيرة ، وهذا معناه أنّ هذه السيرة ملزمة لكلّ الناس ؛ لأنّها تثبت حكما شرعيّا كلّيّا والأحكام الشرعيّة الكلّيّة شاملة لكلّ المكلّفين كالصلاة والصيام.

وأمّا السيرة التي تحقّق صغرى لمفاد دليل شرعي فلا تكون نتيجتها ملزمة لمن شذّ عنها ؛ لأنّ شذوذه عنها معناه أنّ الصغرى لم تتحقّق بالنسبة إليه فلا يجري عليه الحكم الشرعي.

ففي المثال المتقدّم لخيار الغبن إذا شذّ متعاملان عن عرف الناس وبنيا على القبول بالمعاملة والالتزام بها ولو كانت غبنيّة لم يثبت لأي واحد منهما خيار الغبن ؛ لأنّ هذا يعني عدم الاشتراط الضمني ومع عدم الاشتراط لا يشملهما دليل « المؤمنون عند شروطهم » مثلا.

وأمّا في السيرة التي يستكشف منها صغرى لحكم شرعي ، أي يعرف بها المصداق والموضوع للحكم الشرعي الكلّي ، فهذه السيرة ليست ملزمة لكلّ الناس حتّى الذين لا يرون ولا يبنون على هذا الأمر ، بل كانوا يبنون على خلافه ؛ وذلك لأنّه في فرض

١١٠

شذوذهم عن هذه السيرة وعدم البناء عليها معناه أنّ هذه الصغرى والمصداق لم يتحقّق بالنسبة إليهم ، فإذا لم تتحقّق الصغرى فلا يمكن تطبيق الكبرى ؛ إذ من الواضح أنّه مع عدم تحقّق الموضوع لا معنى لفرض تحقّق الحكم وإلزامهم بالعمل به ، بل يكون منتفيا لانتفاء موضوعه.

فمثلا إذا شذّ بعض المتعاملين عن السيرة القائلة باشتراط عدم الغبن في المعاملة ورضيا فيما بينهم على القبول بالمعاملة حتّى وإن كانت غبنيّة وإن لم يصرّحا بذلك ، فإنّ هذا معناه عدم ثبوت خيار الغبن لأي منهما ؛ لأنّهما قد رضيا بالغبن. وهذا معناه أنّه لا يوجد شرط ولو ضمنا لأحدهما بالخيار عند ظهور الغبن ، بل الشرط على خلاف ذلك ، أي أنّهما اشترطا ضمنا عدم الفسخ وقبول المعاملة وإن ظهر الغبن فيها ، وهذا بمثابة إسقاط للخيار أو بمثابة عدم الاشتراط الضمني فلا يشمله « المؤمنون عند شروطهم » ؛ لأنّ الحكم الشرعي الذي يوجب الوفاء بالشروط سواء الصريحة أو الضمنيّة لا يمكن تطبيقه في المقام ؛ لأنّ صغراه وهي وجود الشرط غير متحقّقة ؛ لأنّ الشرط قد ألغي ببنائهم على قبول المعاملة مطلقا أو صار هناك شرط آخر وهو إسقاط الخيار وإن ظهر الغبن فيما بعد ، وبالتالي لا يمكن إلزامهما بفسخ المعاملة إذا رضيا بها إذ لا موضوع لذلك.

* * *

١١١
١١٢

البحث الثاني

إثبات صغرى ، الدليل الشرعي

١١٣
١١٤

البحث الثاني

إثبات صغرى الدليل الشرعي

بعد أن تكلّمنا عن الدلالات العامّة للدليل الشرعي نريد أن نتكلّم الآن عن وسائل إثبات صدور الدليل من الشارع.

وهي على نحوين :

أحدهما : وسائل الإثبات الوجداني.

والآخر : وسائل الإثبات التعبّدي.

فالكلام يقع في قسمين :

كان الحديث فيما تقدّم من بحوث حول إثبات الدلالات العامّة للدليل الشرعي ، أي أنّ الدليل الشرعي ما هو مفاده وما هو مدلوله ، وذكرنا لذلك مباحث الألفاظ من عموم وإطلاق ومفهوم إلى آخره.

وبعد ذلك ننتقل إلى النقطة الثانية من البحث وهي إثبات صدور الدليل من الشارع ، أي أنّ هذا الدليل الذي دلّ على هذا المطلب هل هو صادر من الشارع أم لا؟ وكيف يمكننا أن نثبت كونه صادرا من الشارع؟

وهنا يوجد طريقان لإثبات صدور الدليل من الشارع :

الأوّل : الوسائل الوجدانيّة وهي الطرق التي تثبت لنا صدور الدليل من الشارع بنحو اليقين والقطع والجزم كالتواتر والإجماع.

الثاني : الوسائل التعبّديّة وهي الطرق والأمارات التي جعلها الشارع حجّة لإثبات الأدلّة عند الشكّ والاحتمال وانسداد باب العلم والواقع كخبر الثقة مثلا. فالبحث يقع في مقامين :

١١٥
١١٦

القسم الأوّل

وسائل الإثبات الوجداني

١١٧
١١٨

القسم الأوّل : وسائل الإثبات الوجداني

تمهيد :

المقصود بالإثبات الوجداني : اليقين ، ولمّا كانت وسائل الإثبات الوجداني للدليل الشرعي بالنسبة إلينا كلّها وسائل تقوم على أساس حساب الاحتمال كالتواتر والإجماع ونحوهما على ما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، فمن المناسب أن نتحدّث بإيجاز عن كيفيّة تكوّن اليقين على أساس حساب الاحتمال فنقول :

المقصود من الإثبات الوجداني هو حصول القطع واليقين ، فهذه الوسائل توجب القطع واليقين بصدور الدليل من الشارع وجدانا وتكوينا ، ونحن نرى أنّ وسائل الإثبات الوجداني كالتواتر والإجماع كلّها تعتمد على حساب الاحتمال وهو حساب رياضي ذكر مفصّلا في كتاب ( الأسس المنطقيّة للاستقراء ).

ولذلك كان لا بدّ لنا من الحديث ولو بصورة موجزة وإجماليّة عن هذا المبدأ لنرى كيف يحصل اليقين والقطع على أساسه.

وهذا المبنى خلافا لمشهور الأصوليّين حيث اعتمدوا على حصول اليقين من التواتر والإجماع على قضايا بديهيّة منطقيّة ، بينما في الحقيقة لا بدّ أن يحصل اليقين من قضايا استنتاجيّة حدسيّة ، وسنرى أنّ كلّ ما ذكروه يعود في نهايته إلى كونه مصادرة أوّليّة.

ولهذا سوف نعقد البحث أوّلا للحديث عن هذا المبدأ ثمّ كيفيّة تطبيقه على تلك الوسائل التي تثبت وجدانا الدليل الشرعي ، فنقول :

__________________

(١) ضمن البحث عن وسائل الإثبات الوجداني ، تحت عناوين : الخبر المتواتر والإجماع وسيرة المتشرّعة.

١١٩

إنّ اليقين ـ كما عرفنا في مباحث القطع ـ موضوعي وذاتي ، ونحن حينما كنّا نتكلّم عن حجّيّة القطع بعد افتراض تحقّقه لا نفرّق بين القسمين ، إذ نقول بحجّيّتهما معا كما تقدّم (١) ، ولكن حينما نتكلّم عن الوسائل الموجبة للإثبات والإحراز فمن المعقول أن نهتمّ بالتمييز بين أدوات اليقين الموضوعي وغيرها ؛ ابتعادا بقدر الإمكان عن التورّط في غير اليقين الموضوعي.

تقدّم سابقا أنّ اليقين يقسّم إلى قسمين : موضوعي وذاتي.

فاليقين الذاتي هو اليقين الحاصل من عوامل ذاتيّة ونفسيّة يتأثّر بها القاطع ولا يكون ناشئا من مبرّرات منطقيّة.

واليقين الموضوعي هو اليقين الحاصل من مبرّرات منطقيّة وموضوعيّة تفترض على الإنسان أن يقطع بالقضيّة.

وعند ما كنّا نتحدّث سابقا عن حجّيّة القطع لم نفرّق بين هذين النحوين من اليقين ؛ لأنّ اليقين بعد تحقّقه وحصوله يكون حجّة منجّزا ومعذّرا ولا يمكن للشارع أن يردع عنه ، نعم يمكنه أن يردع عن مقدّماته ومناشئه كما تقدّم.

وأمّا هنا فلا بأس من التفرقة بين هذين النحوين من اليقين لنعرف الطرق والوسائل والأدوات التي تثبت لنا اليقين الموضوعي لكي نسير معها ونبتعد بالتالي عن كلّ المبرّرات والأدوات التي توجب القطع الذاتي.

ومن هنا كان للتفرقة بين النحوين وجه معقول. ولذلك نتحدّث عن اليقين الموضوع وكيفيّة حصوله لكي لا نتورّط باليقين الذاتي ، فنقول :

واليقين الموضوعي قد يكون أوّليّا ، وقد يكون مستنتجا ، واليقين الموضوعي المستنتج بقضيّة ما له سببان :

ثمّ إنّ اليقين الموضوعي يقسّم إلى قسمين :

الأوّل : اليقين الموضوعي الأوّلي أي البديهي والضروري ، وهو اليقين الحاصل من مجرّد التوجّه إلى طرفي القضيّة بحيث لا يحتاج فيه إلى إعمال الفكر والنظر ، وإنّما يشترط فيه فقط سلامة الحواس ، كاليقين الحاصل من القضيّة القائلة بأنّ النقيضين لا

__________________

(١) في هذه الحلقة ، ضمن البحث عن حجّيّة الظهور ، تحت عنوان : حجّيّة القطع غير المصيب وحكم التجرّي.

١٢٠