شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

صوتي : يا معشر المسلمين ، ابشروا هذا رسول الله صلوات الله عليه وآله!! ، فأشار إليّ بيده أن انصت.

ومضى رسول الله صلوات الله عليه وآله يلتمس حمزة رضوان الله عليه ، فوجده ببطن الوادي ، فقال ـ حين رآه ـ : أما إنه لو لا أن تحزن صفية (١) ويكون سنة بعدي لتركته حتى يكون (٢) في بطون السباع وحواصل الطير. ثم قال : والله ما وقفت موقفا قط أغيظ لي من هذا الموقف. فهبط جبرائيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد إنه مكتوب في أهل السماوات إن حمزة أسد الله وأسد رسوله. ثم أمر به صلوات الله عليه فسجي ببردة ، ثم صلّى عليه ، فكبر سبع تكبيرات ، ثم أتى بالقتلى يوضعون الى حمزة فيصلي عليه وعليهم حتى صلّى اثنين وسبعين صلاة.

وقيل لرسول الله صلوات الله عليه وآله إن صفية بنت عبد المطلب جاءت لتنظر الى أخيها حمزة. فقال للزبير إيها : ألقها ، فأرجعها لئلا ترى ما صنع بأخيها ، فلقيها ، فقال : يا امة إن رسول الله صلوات الله عليه وآله يأمرك أن ترجعي ، قالت : ولم؟ وقد بلغنى أنه مثّل بأخي وذلك في الله عز وجل فما أرضانا بما كان من ذلك!! لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله خلّ بينها وبينه. فأتت ، فنظرت إليه ، وصلّت عليه واسترجعت واستغفرت له.

ثم أمر به رسول الله صلوات الله عليه وآله فدفن في مصرعه وأمر بالقتلى كذلك أن يدفنوا في مصارعهم. وقال : أنا أشهد على هؤلاء أنه ما من أحد يجرح في الله إلا والله عز وجل يبعثه يوم القيامة بدم جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك.

__________________

(١) وهي صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . كما سيأتي.

(٢) وفي النسخة الألمانية : حتى يكون أو يحشره من بطون السباع.

٢٨١

ثم انصرف صلوات الله عليه وآله راجعا الى المدينة ، وانصرف الناس معه فلما دخل المدينة مرّ على دور الأنصار وهم يبكون قتلاهم ، فذرفت عيناه صلوات الله عليه وآله ، فبكى ، ثم قال : لكن حمزة لا بواكي له. فأمر الأنصار نساءهم أن يبكين عليه (١) ، ففعلن ، فخرج رسول الله صلوات الله عليه وآله وهن يبكين حمزة على باب المسجد فقال : ارجعن رحمكن الله ، فقد آسيتن (٢) بأنفسكن ، ونهاهن عن النوح ( وقال : كل نادبة كاذبة إلا نادبة حمزة ) (٣).

فلما دخل رسول الله صلوات الله عليه وآله (٤) منزله تلقته فاطمة صلوات الله عليها ، فدفع إليها سيفه ، وقال لها : اغسلي يا بنية عن هذا دمه ، فلقد صدقني اليوم ، وناولها علي صلوات الله عليه ذا الفقار ، وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله أعطاه إياه ذلك اليوم. وقال لها مثل ذلك.

وقيل إن عليا صلوات الله عليه لما أبلى ذلك اليوم وأثخن بالقتل في المشركين نادى مناد يسمعونه ولا يعرفونه : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (٥). ثم قال رسول الله صلوات الله عليه وآله لعلي صلوات الله عليه إنه لا يصيب المشركون منّا مثلها حتى يفتح الله علينا.

__________________

(١) قال ابن هشام في السيرة ٣ / ٤٢ فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير الى دار بني عبد الأشهل أمر نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبن فيبكين على عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

(٢) آسيتن : عاونتن.

(٣) هذه الزيادة لم تكن في الاصل ونسخة ب وهي من النسخة الألمانية.

(٤) هكذا في نسخة ـ ب ـ.

(٥) وقد قيل ان النداء كان يوم بدر ، والله أعلم.

٢٨٢

[ غزوة حمراء الأسد ]

فلما كان من الغد ـ يوم الأحد ـ أذّن مؤذن رسول الله صلوات الله عليه وآله في الناس أن يخرجوا لطلب العدو وأن لا يخرج منهم إلا من خرج بالأمس ، ( وإنما خرج رسول الله صلوات الله عليه ـ فيما قيل ـ مرهبا للعدو وليبلغهم أنه قد خرج في طلبهم ) (١) ليظنوا به قوة والذي أصابهم لم يوهنهم وليعلموا طاعة الناس له ، فخرج ، وخرجوا معه من غد يوم الإثنين حتى انتهى إلى حمراء الأسد (٢) ـ وهي من المدينة على ثمانية أميال ـ فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء.

ومرّ به معبد بن أبي معبد الخزاعي ـ وكانت خزاعة مسلمهم ومشركهم عيينة نصح لرسول الله صلوات الله عليه وآله بتهامة ، لا يخفون عنه شيئا بها ، ومعبد يومئذ مشرك ـ فقال : يا محمد ، والله لقد عزّ علينا ما أصابك في أصحابك ، ولوددنا أن الله عز وجل عافاك فيهم ، ثم مضى يريد مكة ورسول الله بحمراء الأسد. فلقي أبا سفيان ومن معه بالروحاء (٣) وقد اجتمعوا للرجوع الى

__________________

(١) ما بين القوسين ـ ما عدى ما ذكرناه من النسخة الآلمانية ـ سقط من نسخة الأصل ـ أ ـ وموجودة في نسخة ـ ب ـ.

(٢) وفي نسخة الأصل ـ أ ـ حمر الاسمد.

(٣) الروحاء بالفتح ثم السكون والحاء المهملة ، قال المجد : موضع من عمل الفرع على نحو أربعين ميلا من المدينة. ( وفاء الوفاء ص ١٢٢٢ ).

٢٨٣

رسول الله صلوات الله عليه وآله وأصحابه ، وذلك أنهم اجتمعوا هنالك ، وقالوا : والله ما صنعنا شيئا أصبنا جلّ القوم وقادتهم وأشرافهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم (١).

فلما رأى أبو سفيان معبدا قال له : ما وراءك يا معبد؟؟ قال : محمد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم ذلك ، وندموا على ما صنعوا ، وبهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط.

قال : ويلك ما تقول؟؟ قال : والله ما أرى أن ترحل حتى نرى نواصي الخيل. قال : فو الله لقد أجمعنا الكرّة عليهم حتى نستأصل بقيتهم. قال : فاني أنهاك عن ذلك فو الله لقد حملني ما رأيت [ منهم ] أن قلت أبياتا أردت أن أبعث بها إليك ثم جئت بنفسي. قال : وما قلت؟؟ قال :

كادت تهدّ من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تردى بأسد كرام لا تنابلة

عند اللقاء ولا ميل معازيل

[ ضبط الغريب ]

الأبابيل : القطع ، تردى : تجرى ، التنابلة : القصّار ، المعازيل : الذين لا سلاح معهم

فظلت عدوا أظن الأرض مائلة

لما سمعوا برئيس غير مخذول

وقلت : ويل ابن حرب من لقائكم

إذا تغطمطت البطحاء بالجيل

إني نذير لأهل الحزم ضاحية

لكل ذي إربة منهم ومعقول

__________________

(١) وفي النسخة الألمانية : نستأصل شأفتهم.

٢٨٤

من جيش أحمد لا احصي تنابلة

وليس يوصف ما أنذرت بالقبل (١)

فساء ذلك أبا سفيان ومن معه ، وقال لهم صفوان بن أميّة بن خلف : إن القوم قد حزبوا ـ أي غضبوا ـ وقد خشيت إن عاودتموهم أن يكون لهم قتال غير الذي كان ، وقد أصبتم ما أصبتم فارجعوا! ، فرجعوا.

ولقى أبو سفيان ركبا من عبد القيس يريدون المدينة يمتارون (٢) منها. فقال : هل تبلغون عني محمدا رسالة وأنا أحمل لكم أجمالكم إذا انصرفتم زبيبا [ بعكاظ ]؟؟ قالوا : نعم. قال : تخبروه إنا أزمعنا الرجوع إليه والى أصحابه لنستأصل شافتهم ، فمروا برسول الله صلوات الله عليه وآله وهو بحمراء الأسد ، فقالوا ذلك. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كالأمس الذاهب. وانصرف الى المدينة.

فهذه جملة مما ذكره أصحاب المغازي ـ ابن إسحاق وابن هشام (٣) والواقدي (٤) ، وقد ذكرت فيها ما جاء من مقام علي صلوات الله عليه في يوم احد ومقام حمزة عمه عليه‌السلام وما أكرمه الله عز وجل به ( من الشهادة في ذلك المقام الأعظم والموقف الأكرم ) (٥) ، ونذكر بعد ذلك ما جاء من ذلك وغيره نبذا كما شرطت ، وقد ذكرت بعض ذلك فيما تقدم.

[٢٨٠] ومن ذلك في رواية ثانية مما رواه أحمد بن علي بن سهل البغدادي

__________________

(١) الجرد : العتاق من الخيل. الميل : الذين لا رماح معهم. تغطمطت : اهتزت. الجيل : الصنف من الناس. أهل الحزم : قريش. الضاحية : الظاهرة للشمس. الاربة : العقل.

(٢) أي يمتنعون.

(٣) في السيرة النبوية ج ٣ من ص ١٤ الى ص ٩٢.

(٤) في كتاب المغازي ج ١ من ص ١٩٩ الى ص ٣٤٠.

(٥) ما بين القوسين زيادة في النسخة الألمانية.

٢٨٥

بإسناده عن أبي رافع (ره) أنه قال : لما كان يوم أحد ـ وكان من أمر الناس ما كان ـ جاء علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فوقف بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : اذهب يا علي!!. فقال : يا رسول الله ، إلى أين أذهب؟ وأدعك؟؟ ـ فهو على ذلك إذ نظر الى كتيبة مقبلة ـ فقال له رسول الله : فاحمل على هذه الكتيبة ، فحمل عليها ، فقتل فيها هشام بن أميّة المخزومي ، وكشفها.

ثم أقبلت كتيبة ثانية. فقال : احمل على هذه ، فحمل عليها ، فقتل عمر بن عبد الله الحجمي ، وكشفها.

ثم مرت كتيبة ثالثه. فقال : احمل على هذه ، فحمل عليها ، فقتل فيها شيبة بن مالك أخا بني عامر بن لؤي.

فقال جبرائيل للنبيّ صلوات الله عليه وآله : يا محمّد ( الرب يقرؤك السلام ويقول لك : ) (١) إن هذه للمواساة. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : إنه مني وأنا منه.

قال جبرائيل عليه‌السلام : وأنا منكما.

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة في النسخة الألمانية.

٢٨٦

[ غزوة الخندق ]

ثم كان بعد ذلك يوم الخندق فمما جاء منه فيه عليه‌السلام.

[٢٨١] ما رواه محمد بن سلام بإسناده عنه صلوات الله عليه فيما ذكره مما امتحنه الله عز وجل في حياة رسوله صلوات الله عليه وآله ، فقال :

وأما الخامسة (١) فإن العرب اجتمعت وعقدت بينها عقدا ألاّ ترجع عنا حتى تقتل رسول الله صلوات الله عليه وآله وتقتلنا معه معشر بني عبد المطلب لما استجاشها أبو سفيان وأقبل بها وبكافة قريش ، فأتى جبرائيل الى النبيّ صلوات الله عليه وآله ، فأخبره بالخبر.

وأمره بالخندق! فخندق على نفسه وعلى من معه من المهاجرين والأنصار خندقا.

وأقبلت قريش وسائر العرب حتى أناخوا علينا بالمدينة موقنين في أنفسهم بالظفر ، فنزلوا على الخندق ، وفارس العرب يومئذ عمرو بن عبد ودّ يهدر كالبعير المغتلم على فرسه يدعو الى البراز ويرتجز ، ويخطر برمحه مرة ، وبسيفه مرة ، لا يتقدم عليه منا متقدم ولا يطمع فيه منا طامع لا حمية تهيجه ولا بصيرة تشجعه.

__________________

(١) وفي الاختصاص للمفيد ص ١٦٠ والخصال للصدوق ٢ / ٣٦٨ : واما الرابعة.

٢٨٧

فأنهضني إليه رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فعمّمني ببردة بيده ، وأعطاني سيفه هذا ـ واومي الى ذي الفقار ـ فخرجت أمشي ونساء المدينة ورجالها بواك إشفاقا عليّ من عمرو بن عبد ودّ ، فقتلته! ، والعرب لا تعدل به فارسا غيره ، وضربني هذه الضربة ـ وأومأ بيده الى هامته ، ووضع يده على الضربة (١) ـ ، وهزم الله المشركين.

وهذا يوم الاحزاب الذي ذكر الله عز وجل في كتابه فيه ما ذكر من قوله : « إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا » (٢) الى ما ذكر عز وجل في سورة الأحزاب.

وكان سبب الأحزاب ـ وهم الذين تحزبوا على رسول الله صلوات الله عليه وآله من قبائل العرب فيما حكاه ، ورواه أهل السير من العامة ، إنه كان بالمدينة وما حولها كثير من اليهود ، وهم أهل نعم وأموال وذوي رئاسة وأصحاب حصون اطام ، وكانوا أهل كتاب ، وغيرهم من العرب على عبادة الأوثان والتكذيب بالبعث والجزاء في الآخرة بالثواب والعقاب إلا أنهم مع ذلك مقرون بأن الله عز وجل ربهم وخالقهم ، ويزعمون إنهم يتقربون إليه بعبادة ما نصبوه من الأوثان.

فلما صار رسول الله صلوات الله عليه وآله إلى المدينة ، وأسلم أهلها وأكرمهم الله عز وجل بنبيه وفضلهم بدينه حسدهم اليهود على ذلك لأنهم كانوا يرون قبل ذلك أنهم أهل الكتاب ودين وإنهم بذلك أفضل منهم ، فكذبوا رسول الله صلوات الله عليه وآله وجحدوه وهم يجدونه

__________________

(١) ما بين الشارحتين زيادة في النسخة الألمانية.

(٢) الأحزاب : ١٠.

٢٨٨

مكتوبا عندهم كما أخبر الله سبحانه بذلك في كتابه (١) فدخل على أكثر العرب الشك من أمرهم ، وقالوا هؤلاء أهل الكتاب ، فلو كان محمد رسول الله كما زعم لعرفوه.

وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله يجهد نفسه في دعاء اليهود ، وأنزل الله سبحانه كثيرا من القرآن في ذلك (٢) فمنّ الله عز وجل الاسلام

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧ : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ... ) الآية.

(٢) استقصيت الآيات النازلة في اليهود نذكرها حسب العناوين.

أ ـ بنو إسرائيل :

سورة البقرة ٤٠ / ٥٤ / ٦٣ / ١٢٢ ، وسورة المائدة ٢٢ ، وسورة الأعراف ١٣٦ / ١٥٩ / ١٦٠ ، وسورة يونس ٩٣ ، وسورة إبراهيم ٦ ، وسورة طه ٨٠ ، وسورة القصص ٤ / ٦ ، وسورة الدخان ٣٠ / ٣٣ ، وسورة الجاثية ١٥.

ب ـ معاندتهم وتكذبيهم وقتلهم الأنبياء :

سورة البقرة ٥٩ / ٦١ / ٦٥ / ٧٥ / ٨٥ / ٩٩ / ١١٩ / ١٤٠ / ١٤٥ / ٢١١ / ٢٤٦. وسورة آل عمران ١٩ / ٢٣ / ١١٠ / ١٨١ ، وسورة النساء ٥٠ / ٥٩ / ٦٥ / ١٥٢ / ١٥٩ ، وسورة المائدة ٢٣ / ٣٥ / ٤٤ / ٦٢ / ٧٣ / ١١٣ ، وسورة الأعراف ١٦٠ ، وسورة الجاثية ١٦ ، وسورة الصف ٥.

ج ـ تحريفهم لكلام الله :

سورة البقرة ٧٥ ، سورة النساء ٤٥ ، سورة المائدة ١٤ / ٤٤ ، وسورة الأنعام ٩١.

د ـ أخذ الميثاق عليهم وإلقاء العداوة بينهم :

سورة البقرة ٦٣ / ٨٣ / ٩٣ ، سورة آل عمران ١٨٧ ، سورة النساء ١٥٣ ، سورة المائدة ١٣ / ٦٧ / ٧٣.

هـ ـ شدة حرصهم على الحياة :

سورة البقرة ٩٤ ، سورة الجمعة ٦.

و ـ عداوتهم لله والملائكة والمؤمنين :

سورة البقرة ٩٧ ، سورة المائدة ٨٥.

ز ـ غرورهم وأمانيهم :

سورة البقرة ١١١ / ١٣٥ ، سورة آل عمران ٢٤ / ٧٥ ، سورة النساء ١٢٢ ، سورة المائدة ٢٠ ، سورة

٢٨٩

على كثير منهم فأسلموا. ونصب العداوة والبغضاء لرسول الله صلوات الله عليه وآله أكثرهم وبغوه الغوائل وأعملوا فيه الحيل ، فأوقع ببغضهم ووادعه آخرون منهم. إذ خافوه ، وهم على ذلك يعتقدون له المكروه.

فلما كان من أمر أحد ما كان رأوا أنها كانت فرصة ، وأن الذين أتوه من المشركين لو أقاموا على المدينة وعلى حرب لرسول الله صلوات الله عليه وآله لظفروا به وبأهلها ، وكان في ذلك راحتهم منه ، وندموا إذ لم يعينوا المشركين عليه وأرسلوا الى أبي سفيان بذلك ، ووعدوه أن ينصروه وأن يكونوا بجماعتهم معه ، فأصاب بذلك فرصة ، وقال لهم : أنتم أهل كتاب ، والعرب تركن الى ما تقولون من تكذيب محمد ، فلو حاجوهم وجوهكم واستفزوهم (١) وقرروا تكذيبه وما جاء به من الباطل عندهم

__________________

النحل ٦٢.

ح ـ عدم رضاهم عمّن لم يتبع ملّتهم :

سورة البقرة ١٢٠.

ط ـ أقوالهم وجرأتهم على الله والأنبياء :

سورة المائدة ٦٧ ، وسورة التوبة ٣١.

ي ـ ما حرم عليهم ببغيهم :

سورة الأنعام ١٤٦.

ك ـ قضاء الله إليهم إنهم سيفسدون مرتين :

سورة الاسراء ٤.

ل ـ جزاؤهم لو آمنوا :

سورة البقرة ١٠٣ ، سورة آل عمران ١١٠ ، سورة النساء ٤٥ / ٦٣ / ٦٥ ، سورة المائدة ١٣ / ٦٨.

م ـ أصحاب السبت :

سورة البقرة ٦٥ سورة النساء ٤٦.

(١) وفي الاصل : استنفزوهم.

٢٩٠

لنفروا إليه بجماعتهم ، ففعلوا.

ومضى وجوههم وساداتهم حتى وصلوا الى مكة واجتمع إليهم أهلها فذكروا ذلك لهم فقال لهم أهل مكة : أنتم معشر يهود أهل كتاب ومحمد يدعو الى مثل ما أنتم عليه ، ونحن على ما تعلمون ، نسألكم بالله أيّنا أهدى سبيلا نحن أم محمد؟؟ فقالوا : بل أنتم. ففيهم أنزل الله عز وجل فيما قالوا : « وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » (١). هذا كما ذكرنا فيما تقدم يجري فيهم وفيمن قال مثل قولهم.

فلما سمع أهل مكة ذلك ووعدهم القيام والنصرة وثقوا بذلك واشتد عزمهم ومشوا معهم على قبائل العرب بمثل ذلك ، فأجابتهم غطفان من قيس بن غيلان ومن خفّ من سائر العرب ، واتعدوا (٢) على أن يرجعوا بأجمعهم الى المدينة فلا يبرحوا منها حتى يقتلوا رسول الله صلوات الله عليه وآله ومن فيها وتعاقدوا على ذلك واجتمعوا فيه.

وكان أبو سفيان رئيس قريش ومن كان من أهل مكة من حلفائهم وقائدهم وخرج بهم. وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن ابن حذيفة بن بدر من بني فزارة (٣) ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المزني في بني مرة ، ومسفر بن دخيلة بن نميرة فيمن تابعه من قومه من أشجع واجتمع الجميع في عدد عظيم وعدة وقوة عتيدة (٤).

__________________

(١) ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ ... ) ( النساء : ٥١ ).

(٢) اي : اجمعوا.

(٣) واسم عيينة حذيفة ، وسمّي : عيينة لشتر كان بعينه وهو الذي قال فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله الأحمق المطاع لانه كان من الجرارين تتبعه عشرة آلاف قناة.

(٤) عتيدة : قاهرة.

٢٩١

وانتهى أمرهم الى رسول الله صلوات الله عليه وآله فأمر بحفر الخندق على المدينة وما والاها مما يحتاج الى حياطته والتفسح فيه ، فبادر المسلمون الى ذلك ، وكان من بعضهم فيه تقصير فعمل فيه رسول الله صلوات الله عليه وآله بيده ، وكان علي صلوات الله عليه وشيعته أكثر الناس عناء ، وفيه عملا ، وكان في ذلك من الأخبار ما يطول ذكره. فلم تأت جموع الأحزاب إلا بعد أن فرغ رسول الله صلوات الله عليه وآله منه فأناخوا حول المدينة من كل جانب وخرج إليهم اليهود وبعض من كان منهم قد حالف رسول الله صلوات الله عليه وآله حلفه ـ وهم بنو قريظة ـ وصاروا مع الأحزاب إلبا على رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فارجف المنافقون من أهل المدينة لذلك.

وأمر رسول الله صلوات الله عليه وآله المسلمين بالثبات في مكانهم ولزوم خندقهم وبادخال النساء والولدان والضعفاء من الرجال في أطام المدينة وحصونها لتسكن أنفسهم ووعدهم نصر الله عز وجل إياهم.

ونظر المشركون الى الخندق فتهيّبوا القدوم عليه ولم يكونوا قبل ذلك رأوا مثله ، وقالوا إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تعرفها ، فجعلوا يدورون حوله بعساكرهم وخيلهم ورجلهم ويدعون المسلمين ألا هلمّ للقتال والمبارزة ، فلا يجيبهم أحد الى ذلك ولا يرد عليهم فيه شيئا ولزموا مواضعهم كما أمرهم رسول الله صلوات الله عليه وآله قد عسكروا في الخندق وأظهروا العدة ولبسوا السلاح ووقفوا في مواقفهم وتهيّب المشركون أن يلجوا الخندق عليهم.

فلما طال ذلك بهم ونفذت أكثر أزوادهم (١) اجتمعوا وندبوا من

__________________

(١) وفي الأصل : أزدادهم.

٢٩٢

ينتدب منهم الى اقتحام الخندق على رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فانتدب لذلك عمرو بن عبد ودّ وكان أشد من فيهم وأنجدهم يعرف له ذلك جميعهم ، وكان عمرو بن عبد ودّ قد شهد بدرا مع المشركين واثخن جراحة ونجي بنفسه فيمن نجا ولم يشهد احدا فأراد أن يبين بنفسه من قريش من أبطالهم بما يفعله فتعلّم بعلامة ليشهر نفسه وجاء فيمن قصده من بين قريش من أبطالهم ورجالهم.

وكان ذلك بعد أن أقاموا شهرا لم يكن بينهم قتال إلا نضح بالنبل ورمي بالحجارة من وراء الخندق ، فجاء القوم الى الخندق ، فمشوا حوله ، حتى أتوا الى موضع ضيق منه ، فأقحموا خيلهم فيه ، فدخلوا ، ووقف الجميع من وراء الخندق ينتظرون ما يكون منهم ، وثبت الناس في معسكرهم حسبما أمرهم به رسول الله صلوات الله عليه وآله ولما تداخلهم من الخوف وما عاينوه من الجموع.

وقد أرسل رسول الله صلوات الله عليه وآله الى عيينة بن حصن ، فبذل له ثلث ثمرة المدينة في ذلك العام على أن يرجع عنه بغطفان لما رآه من جزع المسلمين وفساد المنافقين وما تخوّفه من أن يكون المكروه ، ولان المسلمين قد صاروا الى حيث وصفهم الله عز وجل في كتابه بقوله : « إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً. وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً » (١). فلم ينعقد بين رسول الله صلوات الله عليه وآله وبين عيينة بن حصن في ذلك عقد ، وسمعت به الأنصار وجالت أكثر

__________________

(١) الاحزاب : ١٠.

٢٩٣

القلوب ، قال الله عز وجل : « وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً. وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها » (١) وتسلّل عن رسول الله صلوات الله عليه وآله أكثر أهل المدينة ، فدخلوا بيوتهم كالملقين بأيديهم.

فاقتحم عمرو بن عبد ودّ وأصحابه (٢) الخندق على المسلمين ـ وهم على هذه الحال ـ فلما نظر رسول الله صلوات الله عليه وآله الى ذلك وأن خيلهم جالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع (٣) وقربوا من مناخ رسول الله صلوات الله عليه وآله تخوّف أن يمدهم سائر المشركين فيقتحموا الخندق فدعى عليا صلوات الله عليه. فقال : يا علي ، امض بمن خفّ معك من المسلمين فخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها فمن قاتلكم عليها فاقتلوه.

فمضى علي صلوات الله عليه في نفر جمعوا معه يريدون الثغرة ، وقد كان المشركون هموا أن يلحوها فلما رأوهم ـ وهم أقل من الذين اقتحموها منهم ـ توقفوا لينظروا ما يكون من أمر أصحابهم معهم وعطف عليهم عمرو بن عبد ودّ بمن كان معه تعتو بهم خيلهم حتى قربوا منهم.

فنادى علي صلوات الله عليه عمرو بن عبد ودّ ، فأجابه فقال له علي صلوات الله عليه : إنه بلغني إنك كنت عاهدت الله أن لا يدعوك أحد الى

__________________

(١) الاحزاب : ١٣.

(٢) وهم : عكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزومي وضرار بن أبي الخطاب ومرداس الفهري ( المغازي ١ / ٤٧٠ ).

(٣) السخة من الارض : ما يعلوه الملوحة ولا ينبت إلا بعض الاشياء. والسلع ـ بالفتح ثم السكون آخره عين مهملة جبل معروف بالمدينة.

٢٩٤

إحدى خلّتين إلا أجبت الى احداهما (١).

قال : نعم ، يا ابن أخي ، فما تريد بذلك ـ وكان عمرو بن عبد ودّ مؤالفا لأبي طالب ـ.

قال : فاني أدعوك الى خلّتين.

قال : وما هما؟؟

قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

قال عمرو : وما لي بهذه من حاجة.

قال : فإني أدعوك الى البراز.

قال : يا ابن أخي والله ما أحب أن أقتلك! ، وقد كان بيني وبين أبيك من المودة ما قد علمت.

فقال له علي صلوات الله عليه : فاني والله يا عمرو أحب أن أقتلك على ذلك إذ قد أبيت ما دعوتك إليه ـ فغضب عمرو من قوله ـ.

ونزل عن فرسه ، ثم عقره ، وضرب وجهه ، واخترط سيفه ـ وقد حمي ـ وتقدم الى علي صلوات الله عليه.

ووقف رسول الله صلوات الله عليه وآله والمسلمون معه ، ووقف المشركون من وراء الخندق ينظرون ما يكون منهما.

ورفع رسول الله صلوات الله عليه وآله يده الى السماء يدعو الله عز وجل لعلي

__________________

(١) وفي الارشاد للمفيد ص ٥٤ : فلما انتهى أمير المؤمنين عليه‌السلام إليه ، فقال له : يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني أحد الى ثلاث واللات والعزى إلا قبلتها أو واحدة منها؟ قال : أجل.

قال : فاني أدعوك الى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وأن تسلم لرب العالمين. قال : يا ابن الأخ أخر هذه عني. فقال له أمير المؤمنين : أما أنها خير لك لو أخذتها. ثم قال : فهاهنا اخرى. قال :

وما هي؟ قال : ترجع من حيث جئت. قال : لا نحدّث نساء قريش بهذا أبدا. قال : فهاهنا اخرى! قال : وما هي؟ قال : تنزل فتقاتلني.

٢٩٥

بالظفر. فتجاولا ساعة ، ثم اختلفا ضربتين ، فضرب عمرو عليا على أم رأسه وعليه البيضة فقدها وأثر السيف في هامته ، وضربه علي صلوات الله عليه فوق طوق الدرع ، فرمى برأسه ، وثارت بينهما لذلك عجاجة فما انكشفت إلا وهم يرون عليا صلوات الله عليه يمسح سيفه على ثياب عمرو ـ وقد خرّ صريعا ـ.

ثم حمل وأصحابه على أصحاب عمرو ، فولّوا بين أيديهم هاربين عن الثغرة التي اقتحموها حتى خرجوا وانكشف المشركون عن الخندق وعلموا أن لا حيلة لهم فيه ، وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه وهو منهزم في الخندق إذ أثقله ـ وكان ممن كان مع عمرو بن عبد ودّ ـ وكبّر المسلمون وفرحوا وزال عنهم أكثر الخوف الذي كان بهم.

وانصرف علي صلوات الله عليه الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وهو يقول :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت ربّ محمد بصواب

فصددت حين تركته متجدلا

كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو إنني

كنت المصرع (١) بزني أثوابي

لا تحسبن الله خاذل دينه

وبنيه يا معشر الأحزاب

وقال حسان بن ثابت لعكرمة بن أبي جهل في إلقائه رمحه من الخوف وهروبه :

ففرّ وألقى لنا رمحه

لعلّك عكرم لم تفعل

وولّيت تعدو كعدو الظليم

ما إن تجوز عن المعدل

ولم تلو (٢) ظهرك مستأنسا

كأن قفاك قفا فرعل

__________________

(١) وفي السيرة لابن هشام ٣ / ١٣٤ : كنت المقطر بزني.

(٢) وفي السيرة أيضا ٣ / ١٣٤ : ولم تلق.

٢٩٦

[ ضبط الغريب ]

الفرغل : الصغير من الضباع (١).

فلما كان من علي صلوات الله عليه ما كان ، وفتح به على المسلمين ما فتحه قويت قلوبهم ، وعلموا أن المشركين قد يئسوا من أن يلجوا الخندق عليهم ، ووقع اليأس والخوف في المشركين ، ونفدت أزوادهم ، واختلفت آراؤهم في المقام والانصراف.

[ نعيم بن مسعود ]

وأتى رسول الله صلوات الله عليه وآله نعيم بن مسعود بن عامر ـ رجل من غطفان ممن كان مع المشركين ـ فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم قومي بإسلامي ، فقد جئت إليك ، فأمرني بما شئت.

فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : إنما أنت فينا رجل واحد ، فما عسى أن تغني عنا ، ولكن انصرف الى قومك واخذلهم (٢) عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة.

فمضى على ذلك ، وكان نديما لبني قريظة ، فأتاهم كالزائر لهم ، فرحبوا به ووقروه ، فلما خلا بهم قال : قد عرفتم مودتي لكم ، وقد جئت إليكم ناصحا إن قبلتم مني.

قالوا : جزاك الله خيرا ، ما نتهمك بل نحن ممن نثق بمودتك ونقبل نصيحتك ، فقل ما أردت!

__________________

(١) والحجارة : الانصاب التي كانت تعبدها قريش. الدكادك : الرمال الليّنة. الظليم : ولد النعام.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ واحذرهم.

٢٩٧

قال : إنكم قد فعلتم فعلا لم تحسنوا النظر فيه لأنفسكم ، نقضتم حلف محمد وصرتم مع قريش وغطفان ، ولستم كمثلهم ، إن قريشا وغطفان إنما جاءوا لحرب محمد وأصحابه على ظهور دوابهم فإن أصابوا منه ما أرادوا وإلا انصرفوا عنه ، وتركوكم معه ، وأنتم تعلمون أنه لا طاقة لكم به وبأصحابه إن خلا بكم ، وقد تداخل أصحابنا الفشل والاختلاف وطال مقامهم وخفت أزوادهم ، وكان من أمر ابن عبد ودّ وأصحابه ما قد عرفتم وإنما كان المعتمد عليهم والنظر الى ما يكون منهم عند اقتحامهم الخندق ، فإذا قد كان من ذلك ما كان فقد تداخل اليأس قلوب الناس واكثر ما يقيمون أياما قليلة فإن رأوا فرصة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وتركوكم!! قالوا : لقد صدقت ونصحت فيما قلت ، فجزاك الله خيرا. فما الحيلة بعد هذا؟؟

قال : الحيلة ألا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهائن من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم أن لا ينصرفوا عنكم ويدعوكم.

قالوا : لقد أشرت بالرأي ، فأحسن الله عنا جزاك.

ثم أتى عيينة بن حصن وأبا سفيان ، فقال : إن بني قريظة بيني وبينهم ما قد علمتم ، وقد بتّ عندهم فاطلعت منهم على سرّ خشيت منه علينا!.

قالوا : وما هو؟؟

قال : إن القوم قد ندموا على ما نقضوا من حلف محمد لما رأوا مقامنا ولم نصنع شيئا ، ونظروا الى ما كان من أمر عمرو بن عبد ودّ وأصحابه ، وخافوا أن ننصرف عنهم فيطؤهم محمد ، فأرسلوا إليه يرغبون في سلمه ويذكرون ندامتهم على ما كان منهم. وقالوا : نحن نرضيك بأن نأخذ من القبيلتين رجالا من أشرافهم ، فنسلّمهم إليك ، فتضرب أعناقهم أو تفعل فيهم ما رأيت ، ثم نكون معك على من بقي منهم ، فإياكما أن يخدعكما يهود أو أن يظفروا بأحد منكم.

٢٩٨

فأرسل أبو سفيان وعيينة إليهم عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يستخبرونهم ذلك (١) ويدعونهم الى القتال معهم ويقولون إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخفّ والحافر ونفذ الزاد وأبى محمد وأصحابه إلا لزوما لخندقهم ، وأنتم أعلم بعورة الموضع ، فاخرجوا إلينا بجماعتهم لنناجز محمدا وأصحابه ، ونقتحم عليهم الخندق بجماعتنا.

فلما جاء القوم بني قريظة بذلك قالوا : قد كنا مع محمد على حلف ولم نكن نرى منه إلا خيرا. ونقضنا ما كان بيننا وبينه ونحن نخشى ونخاف أن ضرستكم (٢) الحرب أن تشمروا الى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا ، ولا طاقة لنا به ، فلسنا بالذي نقاتل معكم حتى تعطونا رهائن من وجوه رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا.

فلما انصرف بذلك القوم الى أبي سفيان وعيينة علما أن الأمر ما قاله نعيم بن مسعود ، وأبوا أن يدفعوا إليهم أحدا.

وقالت بنو قريظة هذا مصداق قول نعيم بن مسعود ولزموا معاقلهم ، واستوحش بعض القوم من بعض وتنافرت قلوبهم ولم يجد الأحزاب إلا الرحيل الى بلادهم ، فرحلوا ، وافترقوا.

وانصرف رسول الله صلوات الله عليه وآله على بني قريظة ، فقتلهم وسبى ذراريهم ، وكان ذلك بصنع الله لرسوله صلوات الله عليه وآله وللمسلمين وبما أجراه الله على يدي وليه علي صلوات الله عليه وكان مقامه ذلك من أشهر المقامات وأفضلها.

[٢٨٢] أبو هارون العبدي عن ربيعة السعدي ، قال : أتيت حذيفة بن

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ب ـ وفي الأصل : يبحثون ذلك.

(٢) هكذا في نسخة ـ ب ـ وفي الأصل : سنرنبتكم.

٢٩٩

اليماني ، فقلت : يا أبا عبد الله إنا لنحدّث عن علي صلوات الله عليه ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة : إنكم تفرطون في علي صلوات الله عليه ، فهل أنت محدّثي بحديث في علي صلوات الله عليه؟ قال :

فقال لي حذيفة : يا ربيعة ، ما تسألني عن رجل ـ والذي نفسي بيده ـ لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد صلوات الله عليه وآله في كفة ميزان ووضع عمل علي صلوات الله عليه في الكفة الاخرى لرجح عمله على أعمالهم. فقال ربيعة : وأبو بكر وعمر؟ قال : نعم. فقلت : هذا الذي لا يقام له ولا يقعد ولا يحمل له. قال : فقال لي حذيفة : يا لكع ، وكيف لا يحمل؟؟ وأين كان أبو بكر وعمر ثكلتك امك وجميع أصحاب محمّد صلوات الله عليه وآله يوم عمرو بن عبد ودّ حين نادى للمبارزة ، فأحجم الناس كلهم ما خلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقتله الله على يده ( وفرق جميع ـ الأحزاب بسببه ـ والذي نفسي ) (١) بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من جميع أعمال أمة محمّد صلوات الله عليه وآله الى يوم القيامة.

__________________

(١) هذه الزيادة ـ ما بين القوسين ـ من نسخة ـ ب ـ.

٣٠٠