شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

يَمْكُرُ اللهُ ، وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ » (١). وقوله عز وجل : « أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ » (٢).

فهذه رواية العامة في ذلك جاءت ، كما جاء عن علي صلوات الله عليه ، فكان ذلك أول جهاد بذل فيه نفسه دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقام فيه في مضجعه موطئا نفسه على القتل دونه ، وقام في وجوه من أرادوه بذلك ـ وهم عدد كثير ـ في حداثة من سنّه وقرب من عهده.

[ الهجرة ]

ودخل رسول الله صلوات الله عليه وآله المدينة يوم الاثنين قبل زوال الشمس شيء يسير لاثنتي عشرة ليلة مضين من شهر ربيع الاول (٣) وهو أول التاريخ. وكذلك ولد صلوات الله عليه وآله يوم الإثنين لا ثنتي عشرة ليلة مضين من شهر ربيع الاول ، وكانت سنّه يوم دخل المدينة أن كان ابن ثلاث وخمسين سنة كاملة ، وذلك بعد أن أقام بمكة ثلاث عشر سنة بعد أن بعثه الله عز وجل بالنبوة ، وكان مبعثه أيضا بالنبوة يوم الإثنين ، وهو ابن أربعين سنة (٤).

__________________

(١) الانفال : ٣٠.

(٢) الطور : ٣٠.

(٣) وفي إعلام الورى ص ١٨ : الحادي عشر من ربيع الأول وروى في ص ٧٤ عن ابن شهاب الزهري في شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه يوم الاثنين.

(٤) وقبض يوم الإثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة ١١ ه‍. إعلام الورى ص ١٨.

٢٦١

[ غزوة بدر ]

ثم لحق به علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لما قضى ما أمره ، وأقام حولا بالمدينة (١). ثم أذن له في الجهاد فغزا ثلاث غزوات : ـ غزوة الأبواء ، وغزوة العشيرة ، وغزوة بدر الاولى ، وعلي صلوات الله عليه وآله معه ، ولم يلق كيدا ولا حارب أحدا في الغزوات إلا وهو معه صلوات الله عليهما. ثم غزا بدرا في الغزوة الثانية ـ التي أصاب فيها ما أصاب من صناديد قريش وكانت أول غزوة قاتل فيها المشركون.

وبرز من المشركين ـ لقتال رسول الله صلوات الله عليه وآله ومن معه من المسلمين ـ رؤساء قريش : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة ، فأنهض رسول الله صلوات الله عليه وآله عليا عليه‌السلام وحمزة رضوان الله عليه وعبيدة بن الحارث رضي‌الله‌عنه ، وعلي صلوات الله عليه أحدث القوم سنا ـ ابن ثمان عشرة سنة ، وقيل لم يبلغ العشرين ـ. فبارز الوليد بن عتبة ، فقتله الله بيده ، وبارز حمزة شيبة بن ربيعة ، فقتله الله بيده ، وما أمهلاهما ، وبارز عبيدة بن الحارث وكان أسنّهم عتبة بن ربيعة ، فأثبت كل واحد منهما صاحبه جراحة ،

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ لما أقام من أمره وأقام حولا في المدينة.

٢٦٢

فعطف علي وحمزة عليهما‌السلام على عتبة فقتلاه (١) ، وفيه أنزل الله تعالى : « هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ » (٢).

[ من قتلهم علي عليه‌السلام في يوم بدر ]

[٢٧٨] محمّد بن سلام باسناده عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه يرفعه الى علي صلوات الله عليه إنه ذكر فيما امتحنه الله تعالى به : إن ابني ربيعة والوليد دعوا الى البراز ، وهم يومئذ فرسان قريش وشجعانها ، فأنهضني رسول الله صلوات الله عليه وآله مع صاحبيّ رضي الله عنهما ـ وقد فعل وأنا أحدث القوم سنّا وأقلّهم للحرب تجربة فقتل الله تعالى بيدي شيبة وعتبة والوليد سوى من قتلت يومئذ من جحاجحة (٣) قريش وفرسانها وسوى من أسرت ، وكان مني في ذلك اليوم اكثر ما كان من أحد من أصحابي.

وممن ذكره أصحاب المغازي : إن عليا صلوات الله عليه قتل يوم بدر من قريش غير عتبة (٤) والوليد ، حنظلة بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة بن عبد شمس قتله صلوات الله عليه (٥) ، وقال بعضهم : بل أشرك فيه

__________________

(١) المغازي للواقدي ١ / ٦٩.

(٢) الحج : ١٩. راجع الحديث ٢٩٣ من هذا الجزء.

(٣) الجحجاح بالفتح : السيد والجمع الجحاجح وجمع الجحاجح جحاجحة. مختار الصحاح ص ٩٢.

(٤) وفي نسخة ـ ب ـ : شيبة والوليد.

(٥) روى جابر بن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لقد تعجبت يوم بدر من جرأة القوم وقد قتلت الوليد وعتبة إذ أقبل إليّ حنظلة بن أبي سفيان فلما دنى مني ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلا. إعلام الورى ص ٨٦.

٢٦٣

علي وحمزة عليهما‌السلام (١) وزيد بن الحارث (٢).

قالوا جميعا : وقتل علي صلوات الله عليه يومئذ العاص بن سعيد ابن العاص بن أميّة.

قالوا : وقتل علي صلوات الله عليه أيضا عقبة بن أبي معيط بن أبي عمر بن أميّة بن عبد شمس.

قالوا : وقتل علي صلوات الله عليه يومئذ عامر بن عبد الله من بني أنمار حليفا لقريش.

قالوا : وقتل علي صلوات الله عليه أيضا يومئذ طعيمة بن عدي بن نوفل.

( قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وقال قوم : اشترك فيه حمزة عليه‌السلام وعلي ، وثابت بن الجزع ) (٣).

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا عقيل بن الأسود بن المطلب ، وقال بعضهم : شاركه حمزة رضوان الله عليه في قتله.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه نوفل بن خويلد بن أسد ، وكان من شياطين قريش (٤) وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة لما أسلما في حبل وعذبهما ، وكانا يسميان القرينين.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه النضر بن الحارث بن كلدة

__________________

(١) المغازي للواقدي ١ / ١١٤.

(٢) كشف الغمة للاربلي ١ / ١٨٢.

(٣) وما بين القوسين موجودة في نسخة ـ ب ـ.

(٤) وهو عم الزبير بن العوام. إعلام الورى ص ٨٦.

٢٦٤

بن علقمة بن مناف (١) ، قتله صبرا بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ [ عمير ] (٢) بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم (٣).

( قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أبو مسافر الأشعري حليف لقريش كان معهم.

وقالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا مسعود بن [ أبي ] أميّة بن المغيرة ) (٤).

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه حرملة بن الأسد.

( قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه أبو قيس بن الوليد بن المغيرة ابن هشام ) (٥).

قالوا : وممن قتله يومئذ علي صلوات الله عليه أبو قيس بن الفاكة بن المغيرة (٦).

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة بن عابد (٧).

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا حاجب بن

__________________

(١) من بني عبد الدار بن قصي ، المغازي للواقدي ١ / ١٤٩.

(٢) وفي الاصل : عمر.

(٣) من بني تيم بن مرة.

(٤) من بني أميّة بن المغيرة ، وما بين القوسين زيادة في نسخة ـ ب ـ.

(٥) هكذا في نسخة ـ ب ـ ومن المحتمل : أبو قيس بن الوليد من بني الوليد بن المغيرة.

(٦) من بني الفاكة بن المغيرة. قال الواقدي في المغازي ١ / ١٥٠ : قتله حمزة بن عبد المطلب.

(٧) وفي المغازي : عبد الله بن أبي رفاعة.

٢٦٥

الشائب بن عويمر بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم ، ويقال : هو حاجز بن الشائب (١).

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا ، العاص بن [ امنية ] (٢) بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا ، أبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه يومئذ أيضا [ أويس بن المعير ] (٣) بن لوذان بن سعد بن جمح.

قالوا : وممن قتله علي صلوات الله عليه معاوية بن عامر حليف لبني عامر بن لؤي وهو من عبد القيس.

فهؤلاء المعدودون من قتلى قريش المشركين يوم بدر ممن ثبت أن عليا عليه‌السلام قتلهم غير من لم يوقف على صحيح قتله إياه ومن أثبته جراحة ، فمات. ومن أسر يومئذ هم ـ قبل ـ أكثر ممن قتل ، وهذا وما يذكره بعده ممن قتله علي عليه‌السلام من المشركين في جهاده بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله هو الذي أورثه عداوة أهل النفاق من قريش وغيرهم الذي قتل أولياءهم في ذات الله عز وجل.

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ب ـ وذكر الواقدي : حاجز بن السائب بن عويمر بن عائذ قتله علي عليه‌السلام وعويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم قتله النعمان بن أبي مالك.

(٢) وفي الأصل : أميّة.

(٣) وفي الاصل نسخة ـ ب ـ مغيرة بن ودان بن جميح. وما صححناه عن البلاذري في أنساب الأشراف ١ / ٣٠٠.

٢٦٦

[ غزوة أحد ]

ثم كانت وقعة احد استنفر لها أبو سفيان ، جميع قريش وأحلافها ومن أمكنه أن يستنفره من قبائل العرب ، وأقبل الى المدينة طالبا بثار يوم بدر في جمع عظيم وانتهى ذلك الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وكان من رأيه المقام بالمدينة وأن يحاربهم منها ووافقه على ذلك بعض أهلها ، وأبى أكثرهم ذلك وقالوا : نخرج إليهم فنقاتلهم عن بعد من المدينة حيث لا يروع أمرهم نساؤنا وصبياننا ولا يرون إنا خفناهم واحتصرنا لذلك وأبوا أن يقبلوا من رسول الله صلوات الله عليه وآله ما رآه لهم. فدخل منزله ولبس لامته وخرج مغضبا وأمرهم بالخروج ، فلما رأوا ذلك منه قالوا : يا رسول الله ، إنا نخاف إن أسخطناك بخلافنا عليك! ، فارجع ، وافعل ما رأيته.

فقال : إن النبي إذا لبس لامته وأخذ سلاحه لم يكن له أن يرجع حتى يقاتل ، ومضى صلوات الله عليه وآله نحو أحد وخرجوا معه وانصرف عنه الذين كانوا رأوا معه المقام بالمدينة ، وقالوا : عصانا (١) واتبع هؤلاء ، وتنازعوا ، فقال لهم الناس : ما هذا! ترجعون عن رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وقد خرج لقتال أعداء الله وأعداء دينه؟؟

__________________

(١) وفي نسخة ـ أ ـ أغضبنا.

٢٦٧

فقال عبد الله بن أبي ـ وهو الذي رجع ورجع معه ـ فيما قيل ـ قدر ثلث من خرج من الناس ممن كان على النفاق لم يخرج لقتال ـ : ولو علمنا أنه يقاتل لا تبعناه. ففيهم أنزل الله عز وجل : « قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ » (١).

قال عبد الله بن أبي لمن رجع معه : أطاعهم وعصانا ففيم نقتل أنفسنا معه؟؟ ، ورجعوا دون أن يبلغوا أحدا.

[ حمزة سيد الشهداء ]

ومضى رسول الله صلوات الله عليه وآله حتى بلغ احدا ، فعبّا الناس على مراتبهم ، واستقبل المشركين وتقدم علي وحمزة صلوات الله عليهما للقتال وكان منهما في ذلك اليوم ما لم ير من أحد قبلهما ، وأمعنا في قتل الشركين فانهزموا بهم فلما رأى الهزيمة من كان في المراتب التي رتبها رسول الله صلوات الله عليه وآله بين يديه انكشفوا عنه وذهبوا يطلبون الغنائم ، ورمى حمزة عليه السّلام وحشي الأسود عبد لجبير بن مطعم (٢) بحربة من حيث لا يراه ، فقتله.

قال وحشي : رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق (٣) يهدّ الناس بسيفه هدّا ما يقوم له أحد ، فاستترت بشجرة ـ أو قال : بحجر ـ منه ليدنو إليّ فأرميه بالحربة من حيث لا يراني إذ لم أكن أقدر على مواجهته فاني على ذلك إذ بسباع بن عبد العزى (٤) قد سبقني إليه يريد نزاله ، فلما رآه حمزة مقبلا إليه قال :

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧.

(٢) قال الواقدي في المغازي ١ / ٢٨٥ : وكان وحشي عبدا لابنة الحارث بن عامر بن نوفل.

(٣) الاورق : مغبّر اللون.

(٤) الخزاعي.

٢٦٨

هلمّ إليّ يا بن مقطعة البظور ، ـ وكانت أمه تخفص الجواري ـ ثم حمل عليه حمزة حملة أسد ، فضربه بالسيف فكأنما أخطى رأسه ووقف عليه وقد خرّ ميتا وهو لا يراني ، وأرسلت الحربة إليه ، فأصبته في مقتل ، فسقط ميتا.

يخبر وحشي بذلك رسول الله صلوات الله عليه وآله وقد جاء مسلما ، وسأله عن ذلك ، فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : يا وحشي غيّب عني وجهك فلا أراك.

فلما قتل حمزة رضي‌الله‌عنه ، ورأى المشركون أن أصحاب رسول الله صلوات الله عليه وآله قد انكشفوا عنه وتفرقوا خالفوا إليه ، فقتلوا من كان بين يديه وجرحوه وكسروا ثنيّته (١) اليمنى السفلى ، وكلموا شفته وهشموا البيضة على رأسه وضرب نيفا وستين ضربة.

وكان رسول الله صلوات الله عليه وآله قد ظاهر يومئذ بين درعين ووقف على صخرة وانكشف الناس عنه.

[٢٧٩] وبقى علي صلوات الله عليه وحده بين يديه ، فقال له : امض يا علي. فقال : الى أين أمضي يا رسول الله؟ أرجع كافرا بعد أن أسلمت؟ وكانت كراديس المشركين تأتيهما ، فيحمل رسول الله صلوات الله عليه وآله على بعض (٢) ، ويقول لعلي : احمل أنت (٣) على هؤلاء الآخرين ، فيكشفان من آتاهما ويردانهم بعد أن يبليا فيهم ، وكان منهما صلوات الله عليهما يومئذ ما لم يكن أحد قبلهما مثله حتى كشف الله عز وجل المشركين وهرمهم بهما.

__________________

(١) وفي الأصل : سنه.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : بعضها.

(٣) وفي الاصل : احمل أنت يا أسد الله على هؤلاء.

٢٦٩

وانصرف عامّة المسلمين الى المدينة يقولون : قتل محمد وعلي!!. وأرجف الناس بذلك ولم يروا إلا أنه قد كان ، ثم أقبل علي صلوات الله عليه على رسول الله صلوات الله عليه وآله فغسل وجهه مما به من الدم ، وأقبل معه.

وقيل : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله كان أعطى الراية يومئذ عليا صلوات الله عليه وآله فلما رأى من أشراف المشركين ما رآه قال : تقدم يا علي. فتقدم ، ووقف رسول الله صلوات الله عليه وآله مع لواء الأنصار وهو بيد مصعب بن عمير ، كان لواء المشركين بيد أبي سعيد بن طلحة (١) ، فلما رأى عليا عليه‌السلام بيده لواء رسول الله صلوات الله عليه وآله ، برز إليه [ قائلا ] :

إن على أهل اللواء حقا

أن تخضب الصعدة أو تندقا (٢)

[ ضبط الغريب ]

الصعدة : القناة المستوية تنبت كذلك لا تحتاج الى تثقيف.

فبرز إليه علي صلوات الله عليه ـ فبرز كل واحد منهم على صاحبه ـ فقتله علي صلوات الله عليه. فعندها انهزم المشركون ثم عطفوا على رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فقتلوا مصعب بن عمير وبيده راية الأنصار بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله وكان من أمرهم ما كان ، وقتل يومئذ سبعون رجلا من المسلمين ، وكانوا قد قتلوا وأسروا يوم بدر من المشركين مائة وأربعين

__________________

(١) إن لواء المشركين كان اولا بيد طلحة بن أبي طلحة ثم أبي سعيد بن طلحة قتلهما علي عليه‌السلام ( كشف الغمة ١ / ١٩٢ تفسير القمي ١ / ١١٢ المغازي ١ / ٢٢٦ ).

(٢) ونسب الواقدي في المغازي ١ / ٢٢٦ هذا البيت الى عثمان بن أبي طلحة ـ أبي شيبة ـ.

٢٧٠

رجلا ، ففي ذلك أنزل الله تعالى : « وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ. ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ. فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ. لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ

٢٧١

آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ » (١).

[ حنظلة غسيل الملائكة ]

وبارز يومئذ أبو سفيان حنظلة بن أبي عامر الغسيل من الأنصار ، فصرع حنظلة أبا سفيان وعلاه ليقتله فرآه شداد بن الأسود فجاءه من خلفه ، فضربه ، فقتله ، وقام أبو سفيان من تحته ، وقال : حنظلة بحنظلة ـ يعني ابنه حنظلة ـ المقتول ببدر الذي ذكرت أن عليا صلوات الله عليه قتله يومئذ.

ولما انهزم المشركون عن أحد ، وقف رسول الله صلوات الله عليه وآله على قتلى المسلمين ، وأمر بدفنهم في مصارعهم وردّ من حمل منهم فدفن هناك ، وأمر بدفنهم في ثيابهم وبدمائهم من غير أن يغسلوا كما يفعل بالشهداء. فرأى الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر الأنصاري.

فلما قدم المدينة ، قال : سلوا عنه امرأته. فقالت : فلما سمع بخروج رسول الله صلوات الله عليه وآله خرج مبادرا وهو جنب من قبل أن يغتسل.

فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : فلذلك ما رأيت من غسل الملائكة إياه.

وكانت هند بنت عتبة ـ أمّ معاوية ـ في ذلك اليوم مع المشركين تحرضهم ،

__________________

(١) آل عمران : ١٥٢ ـ ١٦٧.

٢٧٢

وتقول :

إيها بني عبد الدار

إيها حماة الأدبار (١)

ضربا بكل بتار

وقالت أيضا متمثلة ، وهي تضرب بالدف :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق (٢)

والدرّ في المخانق

والمسك في المفارق

إن تقبلوا نعانق

ونفرش النمارق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق (٣)

[ أبو دجانة الأنصاري ]

وأخذ رسول الله صلوات الله عليه سيفا بيده فهزّه ، وقال : من يأخذ هذا السيف بحقه؟؟ فقال الزبير بن [ ال ] عوام : أنا يا رسول الله. فأعرض عنه رسول الله صلوات الله عليه وآله. وقال : من يأخذ بحقه؟؟

فقام إليه أبو دجانة الأنصاري ـ وكان من أبطال الأنصار ـ فقال : وما حقه يا رسول الله؟؟ قال : ألا يقف به في الكبول ( يعني أواخر الصفوف ) وأن يضرب به في العدو حتى ينحني. فقال : أنا آخذه يا رسول الله صلّى الله عليك

__________________

(١) وقال الواقدي : النساء كنّ ينشدن خلف أبي سعد بن أبي طلحة :

ضربا بني عبد الدار

ضربا حماة الأدبار

ضربا بكلّ بتّار

( المغازي ١ / ٢٢٧ )

(٢) النمارق : الوسائل الصغيرة وكل ما يجلس عليه.

(٣) وفي الروض الأنف ٢ / ١٢٩ : ويقال إن هذا الرجز لهند بنت طارق بن بياضة الايادية. الموامق : المحب.

٢٧٣

وآلك. فدفعه إليه.

فأخذه أبو دجانة ـ وهو مالك بن حرشة أخو بني سعدة من الأنصار ـ ثم أخرج عصابة معه حمراء ، فتعصّب بها ( فقالت الأنصار : تعصّب أبو دجانة عصابته قد نزل الموت ، وكان إذا تعصّب بها قبل ، كان ذلك من فعله ) (١).

ثم خرج يتبختر بين الصفين ، ويقول :

اني امرؤ عاهدني خليلي

ونحن بالسفح لذي النخيل

ألا أقوم الدهر في الكبول

أضرب بسيف الله والرسول (٢)

فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : إنها مشية يبغضها الله عز وجل إلا في مثل هذا المقام.

قال الزبير : فقلت : منعني رسول الله السيف وأعطاه أبا دجانة ، والله لأتبعنه حتى لأنظر ما يصنع ، فاتبعته حتى هجم في المشركين فجعل لا يلقى منهم أحدا إلا قتله ، فقلت : الله ورسوله أعلم.

قال : وكان في المشركين رجل قد أبلى ولم يدع منّا جريحا إلا دقّ عليه ـ أي قتله ـ فجعل كل واحد منهما يدنو من صاحبه ، فدعوت الله أن يجمع بينهما ، فالتقيا واختلفا بضربتين ، فضرب المشرك أبا دجانة ضربة بسيفه (٣) ، فاتقاها أبو دجانة بدرقته ، فعضب السيف ، وضربه أبو دجانة فرمى برأسه ، ثم رأيته حمل السيف على مفرق رأس هند ابنة عتبة ثم عدله عنها. فقيل : لأبي دجانة في ذلك!. فقال : رأيت إنسانا يخمش الناس خمشا شديدا ـ يعني يحركهم القتال ـ ،

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

(٢) ورواه ابن هشام في سيرته ٣ / ٢٠ :

أنا الذي عاهدني خليلي

ونحن بالسفح لدى النخيل

الا اقوم الدهر في الكبول

..........

(٣) وفي نسخة الأصل : بالسيف.

٢٧٤

فصدرت إليه ـ يعني قصدته ـ فلما حملت السيف على رأسه لأضربه ولول ، فإذا به امراة ، فأكرمت سيف رسول الله من أن أضرب به امرأة.

[ التمثيل بحمزة ]

ولما قتل حمزة رضي‌الله‌عنه أتت إليه هند ، فبقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده ، فرمت بها في فيها ولاكتها لتأكلها ، فلم تستطع أن تبتلع (١) منها شيئا ، فلفظتها ، وذلك لأنه قتل يوم بدر أباها. ومثّلت به ، فأخبر بذلك رسول الله صلوات الله عليه وآله. فقال : ما كانت لتأكلها ، ولو أكلتها ، لما أصابتها نار جهنم (٢) وقد خالط لحمها لحم حمزة عليه‌السلام.

ولما وقف صلوات الله عليه وآله على حمزة ورأى تمثيلهم به ، قال : لئن أمكنني الله تعالى منهم لامثلن منهم بسبعين رجلا. فأنزل الله عز وجل : « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (٣).

وقال رسول الله صلوات الله عليه وآله للمسلمين : إنهم لن يصيبوا منكم مثلها أبدا وإن كنتم من أنفسكم اوتيتم.

[ حوار شداد مع أبي سفيان ]

وقال بعد ذلك شداد بن الأسود بن شعوب يذكر عند أبي سفيان لما خلصه من حنظلة [ بن أبي عامر ] وقد قعد عليه ليقتله ونجاه من تحته ، شعرا :

ولو لا دفاعي يا بن حرب ومشهدي

لألفيت يوم النعف (٤) غير مجيب

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ : تبلع.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : النار.

(٣) النحل : ١٢٥.

(٤) النعف : أسفل الجبل. إشارة الى واقعة احد.

٢٧٥

ولو لا مكرى المهر بالنعف قرقرت

عليك ضباع أو ضراء كليب (١)

[ ضبط الغريب ]

قرقرت : أي صاحت. الكليب ، الكلاب : أي صاحت الكلاب. الضراء : الكلاب الضارية (٢).

فقال أبو سفيان شعرا.

ولو شئت بختني كميت طمرة

ولم أحمل النعماء لابن شعوب

وما زال مهري مزجر الكلب منهم

لدن غدوة حتى دنت لغروب (٣)

__________________

(١) وفي السيرة لابن هشام ٣ / ٢٦ العجز هكذا : ضياع عليه أو ضراء كليب.

(٢) هذه الزيادة لم تكن في نسخة ـ ب ـ.

(٣) وروى ابن هشام في السيرة ٣ / ٢٥ بقية الأبيات :

اقاتلهم وأدعي بالغالب

وادفعهم عني بركن صليب

فبكي ولا ترعي مقالة عاذل

ولا تسأمي من عبرة ونحيب

أباك واخوانا قد تتابعوا

وحق لهم من عبرة وبنصيب

وسلي الذي قد كان في النفس أني

قتلت من النجار كل نجيب

ومن هاشم قرما كريما ومصعبا

وكان لدى الهيجاء غير هيوب

ولو أنني لم أشف نفسي منهم

لكانت شجا في القلب ذات ندوب

فأبوا وقد أودى الجلابيب منهم

بهم خدب من معطب وكئيب

أصابهم من لم يكر لدمائهم

كفاء ولا في خطة بضريب

فأجابه حسان بن ثابت :

ذكرت القروم الصيد من آل هاشم

ولست لزور قلته بمصيب

أتعجب أن قصدت حمزة منهم

نجيبا وقد سميته بنجيب

ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه

وشيبة والحجاج وابن حبيب

غداة دعا العاصي عليا فراعه

بضربة عضب بله بخضيب

والجلابيب : جمع جلباب. والجلباب في الأصل : الإزار الخشن ، وكان المشركون يسمون من أسلم الجلاليب. والخدب : الطعن النافذ.

٢٧٦

المزجر : الهرب.

فظنّ الحارث بن هشام أن أبا سفيان عرض به لما ذكر من صبره إذ قد هرب الحارث يوم بدر. فقال الحارث مجيبا لأبي سفيان في ذلك يذكر له وقعة بدر لأنه لم يكن شهدها ، شعرا :

وإنك لو عاينت ما كان منهم

لأبت بقلب ما بقيت نخيب

لدى صحن بدر أو أقمت نوائحا

عليك ولم تحفل مصاب حبيب (١)

[ صمود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ]

وقيل : إن الذي كسر رباعية رسول الله صلوات الله عليه وآله وكلم شفته عتبة بن أبي وقاص (٢) رماه بحجر فأصاب ذلك منه. وإن عبد الله بن شهاب الزهري (٣) شجّه في جبهته. وان ابن قميئة جرحه في وجنته (٤).

قالوا : وسقط رسول الله صلوات الله عليه وآله يومئذ في حفرة من الحفر التي

__________________

(١) وروى ابن هشام في السيرة ٣ / ٢٦ هذه الأبيات بتقديم وتأخير بعد البيتين الذين سلف ذكرهما ( ولو لا دفاعي ) وهي :

جزيتم يوما ببدر كمثله

على سائح ذي ميعة وشبيب

لدى صحن بدر أو أقمت نوائحا

عليك ولم تحفل مصاب حبيب

وإنك لو عاينت ما كان منهم

لأبت بقلب ما بقيت نخيب

السائح : الفرس السريع. والميعة : الخفة. والشبيب : أن يرفع الفرس يديه جميعا في الجري. النخيب : الجبان.

(٢) كشف الغمة ١ / ١٨٩ إعلام الورى ص ٩٢.

(٣) وفي نسخة ب : أبا عبد الله بن شهاب الزهري.

(٤) روى الاربلي في كشف الغمة ١ / ١٨٩ عن أبي بشير المازني قال : حضرت يوم احد وأنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله صلوات الله عليه وآله بالسيف ، فوقع على ركبتيه في حفرة امامه حتى توارى ، فجعلت اصيح وأنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا إليه.

٢٧٧

حفرها أبو عامر [ كالخنادق ] (١) ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون.

قالوا : فأخذ علي صلوات الله عليه بيده حتى خرج منها واستوى قائما ، وأتاه مالك بن سنان أبو سعيد الخدري ـ فمصّ الدم من وجهه ، ثم ازدرده (٢). فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله : من مسّ دمي دمه لم تصبه النار ودخلت في وجنة رسول الله صلوات الله عليه وآله حلقتان من حلق المغفرة للضربة التي ضربه ابن قميئة ، فانتزعهما أبو عبيد بأسنانه ، فسقطت ثنيتاه لشدتهما.

ورمى رسول الله صلوات الله عليه وآله يومئذ عن قوسه حتى اندقت سيتها (٣).

قالوا : وانتهى أنس بن النضر ـ وهو عم أنس بن مالك ، وبه سمّي ـ الى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار منصرفين الى المدينة ، قد ألقوا بأيديهم ، فقال [ أنس ] : ما لكم؟؟. قالوا : قتل رسول الله صلوات الله عليه وآله!. قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ ارجعوا ، وموتوا على ما مات عليه رسول الله صلوات الله عليه وآله. ثم استقبل القوم ، فقاتل حتى قتل رحمه‌الله.

قالوا : وأتى أبي بن خلف ، عدوّ الله الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، وهو يقول : أين محمد؟؟ لا نجوت إن نجى! (٤) ، فقال علي صلوات الله عليه : يا رسول الله ، هذا ابي بن خلف ، أقوم إليه؟ فقال : بل ، أنا أقوم إليه!. فأمسكه علي صلوات الله عليه ومن معه ـ إشفاقا عليه ـ فانتفض من بينهم انتفاضة

__________________

(١) المغازي ١ / ٢٤٤.

(٢) المغازي ١ / ٢٤٧.

(٣) سيت القوس ـ بالكسر مخففة ـ : ما تمطى من طرفيها ، جمع سيات.

(٤) إعلام الورى ٩١ / ١ ، سيرة ابن هشام ٣ / ٣١.

٢٧٨

تطايروا منها حوله ، وأخذ حربة كانت بيد أحدهم ، ثم استقبله ، فطعنه بها ـ طعنة في عنقه ـ كاد أن يسقط لها عن فرسه ، وولّى هاربا. وكان قد لقي رسول الله صلوات الله عليه بمكة ، فقال : يا محمد ، والله لإن لم تنته عما أنت عليه لأقتلنك ، فنظر رسول الله صلوات الله عليه وآله إليه ، وقال : بل أنا والله أقتلك يا أبي فلما لحق بأصحابه جعل يتغاشى (١). فقالوا له : ما بك ، وما الذي أرعب فؤادك؟؟ وإنما هو خدش. قال : ويحكم ، إنه قال لي بمكة : أنا أقتلك.

فو الله لو بصق عليّ لقتلني. فمات عدوّ الله بسرف (٢) ، وهم قافلون (٣) الى مكة.

وقيل : إن رسول الله صلوات الله عليه وآله صلّى الظهر يوم احد جالسا لما به من ألم الجراح ، ولم يستطع القيام ، وصلّى معه من كان من المسلمين جلوسا.

قالوا : ولما لم يجد المشركون من رسول الله صلوات الله عليه وآله ما أرادوه كفوا واحتجزوا ، وبقى رسول الله صلوات الله عليه وآله بالشعب (٤) من أحد. وتسامع الناس بأنه حيّ لم يمت فأتاه كثير منهم وأتاه عمر فيمن أتاه وتحدث المشركون بأن رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلّم قد قتل ، وأتى ابن قميئة أبا سفيان ، وقال : أنا قتلته! ، فركب أبو سفيان فرسه ، وأتى نحو الشعب ، فوقف عن بعد منه ونظر الى عمر بن الخطاب. فدعاه ، فقال له رسول الله صلوات الله عليه وآله : قم ، فانظر ما يريد. فوقف إليه عمر ، فقال له أبو سفيان : اناشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا؟

قال : اللهم لا ، وانه ليسمع الآن كلامك!.

__________________

(١) أي مرتعدا فزعا خائفا.

(٢) السرف : مكان على ستة أميال من مكة.

(٣) أي عائدون.

(٤) الشعب بالكسر واحد الشعاب للطريق بين الجبلين ، أو ما انفجر بينهما. وشعب احد : هو الذي نهض المسلمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه يوم احد. ( وفاء الوفاء للسمهودي ص ١٢٤٣ ).

٢٧٩

قال أبو سفيان : أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر (١) ، وذلك لقول ابن قميئة له : إنه قتل رسول الله صلوات الله عليه وآله. وانصرف. فقال رسول الله صلوات الله عليه وآله لعلي صلوات الله عليه : قم يا علي في آثار القوم ، فانظر ما ذا يصنعون. فان كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة ، والذين نفسي بيده لأن أرادوها لأسيرن إليهم ، ثم لأناجزنهم دونها ، فخرج علي صلوات الله عليه (٢) في آثارهم حتى لحق بهم ، وقد جنبوا الخيل وامتطوا الابل وساروا نحو مكة. فانصرف الى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، فأخبره.

ولما رأى الناس انصرافهم جاءوا الى قتلاهم. وخرج رسول الله صلوات الله عليه وآله من الشعب فيمن كان معه ممن لحق به ، فلما رآهم الناس مالوا إليهم ليعرفوا أمر رسول الله صلوات الله عليه وآله. قال كعب بن مالك (٣) : فعرفت عينيه صلوات الله عليه وآله تزهران (٤) من تحت المغفر ، فناديت بأعلى

__________________

(١) روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ١ / ١١٧ : فقال أبو سفيان وهو على الجبل : أعل هبل.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين : قل له : الله أعلا وأجل. فقال : يا علي إنه قد أنعم علينا!!. فقال علي عليه‌السلام : بل الله أنعم علينا. ثم قال أبو سفيان : يا علي ، أسألك باللات والعزى ، هل قتل محمّد؟؟. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك ، والله ما قتل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يسمع كلامك. فقال : أنت أصدق. لعن الله ابن قميئة زعم انه قتل محمّدا.

(٢) وفي تفسير القمي أيضا ص ١ / ١٢٤ : فمضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما به من الألم والجراحات حتى كان قريبا من القوم. وفي إعلام الورى أيضا ص ٩٣.

(٣) وفي السيرة النبوية لابن هشام ٣ / ٣١ عن ابن إسحاق قال : وكان أول من عرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الهزيمة وقول الناس : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ـ كعب بن مالك قال : عرفت عينيه تزهران ...

(٤) أي تضيئان.

٢٨٠