شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

قريش ـ سمّاهم ، فلما قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تغشّاه الوحي ، فنظروا إلى عينيه قد انقلبتا. فقالوا : ما هو إلا جن. فأنزل الله تعالى فيهم : « وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ » (١).

ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لو لا إنك جمّال لم احدّثك بهذا.

[٢٥٩] وبآخر ، معاوية بن وهب ، قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، يقول : لما كان يوم غدير خم وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في علي عليه‌السلام ما قال ، قال أحد الرجلين لصاحبه : والله ، ما أمره الله بهذا ، ولا هو إلا شيء تقوّله.

فأنزل الله تعالى : « وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ، لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ ، فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ، وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ » يعني عليا عليه‌السلام ، « وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ » يعني بولايته « وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ ، وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » (٢).

[٢٦٠] وبآخر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه ، إنه قال في قول الله عز وجل : « سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ ، لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ ، مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ » (٣).

قال : نزلت والله بمكة للكافرين بولاية علي عليه‌السلام ، وكذلك هي في مصحف فاطمة صلوات الله عليها.

وانه قال في قال الله عز وجل : « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى )

__________________

(١) القلم : ٥١.

(٢) الحاقة : ٤٤ إلى آخر السورة.

(٣) المعارج : ١.

٢٤١

( يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (١).

قال : يعني فيما قضيت من أمر الولاية لعلي عليه‌السلام.

[٢٦١] وبآخر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ » (٢).

قال : بولاية علي عليه‌السلام وفيها نزلت.

[٢٦٢] وبآخر ، ابن إسباط ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : « وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا » (٣).

قال : يعني عن ولاية علي عليه‌السلام.

[٢٦٣] وبآخر ، سليمان الديلمي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ » (٤).

قال : نزل جبرائيل في ثلاثين الفا من الملائكة ليلة القدر بولاية علي عليه‌السلام وولاية الأوصياء من ولده صلوات الله عليهم أجمعين.

[٢٦٤] وبآخر ، أبو شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة علي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام. فسأله رجل عن قول الله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً » (٥).

فقال : السلم والله ولاية علي بن أبي طالب من دخل فيها سلم.

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) النساء : ١٧٠.

(٣) النساء : ١٣٥.

(٤) القدر : ٤.

(٥) البقرة : ٢٠٨.

٢٤٢

قال وقوله تعالى : « وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ » يعني من فارق عليا (١).

قال : وكل شيطان ذكر في كتابه (٢) فهو رجل بعينه معروف سمّاه شيطانا.

وانه قال عليه‌السلام في قول الله تعالى : « الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ » (٣).

قال : يعني صدوا عن ولاية علي عليه‌السلام ، وعلي عليه‌السلام هو السبيل.

وقال في قول الله تعالى : « الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً ، إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ » (٤).

قال : الذين كفروا بولاية علي عليه‌السلام وظلموا آل محمد ، ولا يهديهم الله الى ولايتهم ولا [ يتولّون ] إلا أعداءهم الذين هم الطريق الى جهنم.

[٢٦٥] سليمان الديلمي ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا ، وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، افترق الناس في ذلك ثلاث فرق ، فرقة قالوا : ضلّ محمد ، وفرقة قالوا : غوى ، وفرقة قالوا : قال محمد في ابن عمه بهواه.

فأنزل الله تعالى : « وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى » (٥).

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ هي والله ولاية من فارقه.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ ذكر في القرآن.

(٣) محمّد : ١.

(٤) النساء : ١٦٨.

(٥) النجم : ١.

٢٤٣

[٢٦٦] وعنه ، إنه قال في قول الله تعالى : « وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ » (١).

قال : قطعوا ولايتنا وتركوا القول بها ، ونهوا عنها واتبعوا ولاية الطواغيت واستمسكوا بها وصدّوا الناس عنا ومنعوهم من اتباعنا فذلك سعيهم بالفساد في الارض.

[٢٦٧] وبآخر ، العلا ، قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام عن قول الله تعالى : « وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » (٢).

قال : هو أمير المؤمنين علي ( صلوات الله عليه ) اوتي الحكمة وفصل الخطاب وورث علم الأولين وكان اسمه في الصحف الاولى وما أنزل الله تعالى كتابا على نبي مرسل إلا ذكر فيه اسم رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله واسمه وأخذ العهد بالولاية له عليه‌السلام.

[٢٦٨] وبآخر ، عن محمد بن سلام ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه ، إنه قال في قول الله تعالى : « وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ » (٣).

قال : يقول لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وما ظلمونا بترك ولاية أهل بيتك ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

[٢٦٩] وبآخر ، المفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال في قول الله تعالى : « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ » (٤).

قال : السكينة ولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام والتسليم له ، والمؤمنون هم شيعته الذين سكنوا إليه.

__________________

(١) البقرة : ٢٧.

(٢) الزخرف : ٤.

(٣) البقرة : ٥٧.

(٤) الفتح : ٤.

٢٤٤

[٢٧٠] وبآخر ، أبو جميلة ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : « فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ » (١).

قال : فانصب ـ بكسر الصاد ـ إذا فرغت من إقامة الفرائض فانصب عليا عليه‌السلام ، ففعل صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[٢٧١] وبآخر ، المفضل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إنه قال : في قول الله تعالى : « وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ » (٢). قال : هو إصرارهم على البراءة من ولاية علي عليه‌السلام ، وقد أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليهم فيها.

[٢٧٢] وبآخر ، عنه عليه‌السلام إنه قال في قول الله تعالى : « كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ » (٣).

قال : الذين أشركوا بولاية علي عليه‌السلام كبر عليهم ما دعوا إليه من ولايته.

[٢٧٣] وبآخر ، علي بن سعيد ، قال : كنت عند [ أبي جعفر ] محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ، وعنده قوم من أهل الكوفة ، فسألوه عن قول الله تعالى : « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ » (٤).

فقال : لما قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بولاية علي عليه‌السلام بغدير خم ، قام إليه معاذ بن جبل ، فقال : يا رسول الله لو أشركت معه أبا بكر وعمر حتى يسكن الناس لكان في ذلك ما يصلح أمرهم ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأنزل الله تعالى : « وَلَقَدْ أُوحِيَ

__________________

(١) الشرح : ٧.

(٢) الواقعة : ٤٦.

(٣) الشورى : ١٣.

(٤) الزمر : ٦٥.

٢٤٥

إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ » الآية. ففي هذا نزلت ، ولم يكن الله تعالى ليبعث رسولا يخاف عليه أن يشرك به ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكرم على الله عز وجل من أن يقول له : لئن أشركت بي ، وهو جاء بإبطال الشرك ورفض الأصنام وما عبد مع الله عز وجل غيره ، وإنما عنى : الشركة بين الرجال في الولاية ، ولم يكن ذلك تقدم لأحد قبله من النبيين.

[٢٧٤] وبآخر ، سعد بن حرب ، عن محمد بن خالد ، قال : سئل الشعبي عن قول الله تعالى : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » (١).

قال الشعبي : أقولها ولا أخاف إلا الله تعالى ، هي والله ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فهذا بعض ما جاء في القرآن من ذكر الولاية ، مما آثرته والذي جاء في التأويل من ذلك ما يخرج ذكره عن حدّ هذا الكتاب (٢). وفيه إيضاح ما ذكر في هذا الباب من ذلك وبيانه وشرحه ، وليس هذا موضع ذكره.

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) ولهذه العلة لا نتعرض الى بقية الآيات الواردة بهذا الصدد عن الائمة عليهم‌السلام فمن أراد الزيادة فليراجع.

١ ـ شواهد التنزيل للحسكاني تحقيق المحمودي.

٢ ـ غاية المرام للبحراني الفصل الاول في الآيات النازلة في علي عليه‌السلام من الخاصة والعامة.

٣ ـ ما نزل من القرآن في علي عليه‌السلام للحسين بن الحكم الحبري تحقيق أخي السيد محمد رضا الجلالي.

٤ ـ تفسير فرات الكوفي.

٥ ـ تفسير البرهان للبحراني.

٢٤٦

فإن قال قائل : إن بعض ما جاء مما ذكر في هذا الباب من آي القرآن في الولاية ، قد جاء إنه نزل في غير ذلك من الإسلام والإيمان فمن أنكر ذلك ودفعه قيل له : كذلك القرآن ينزل في الشيء ويجري فيما يجري مجراه بما جرى فيه.

وقد تكرر القول بأن الإسلام لا يصح إلا مع الولاية ، لأن الله تعالى قرن طاعة ولاة الأمر وطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ». فكما لا تصلح طاعة الله عز وجل مع معصية الرسول فكذلك لا يصح الإقرار بالرسول مع إنكار اولي الأمر.

والولاية حدّ من حدود الدين ، ومن أنكر حدا من حدود الدين لم يكن من أهله.

ومثل ذلك ما ذكرناه آخرا من قول الشعبي ، إن قول الله تعالى : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها » ... إنها نزلت في ولاية علي عليه‌السلام.

وهي مع ذلك تجمع الأمر بأداء جميع الأمانات مما ائتمن الله عز وجل العباد عليه من فرائضه عليهم ، وما ائتمن الله عز وجل عليه بعضهم بعضا.

[٢٧٥] وقد آثرنا عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، إنه سئل عن قول الله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) فكان جوابه ، أن قال : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ

__________________

(١) النساء : ٥٩.

٢٤٧

أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً » (١).

قال : يقولون لائمة الضلال والدعاة الى النار هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا.

« أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ، وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً ، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ».

يعني الامامة والخلافة ، « فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً » (٢).

نحن والله الناس الذين عنى الله تعالى. ( والنقير : النقطة التي في وسط النواة ).

« أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ».

نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من فضله ، وهي الامامة والخلافة دون خلق الله جميعا.

« فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » (٣).

أي : جعلنا منهم الرسل والأنبياء والائمة الى قوله : « ظِلًّا ظَلِيلاً » (٤).

ثم قال : « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ، وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً » (٥).

__________________

( ١ ـ ٢ ـ ٣ ) النساء : ٥١ ـ ٥٤.

(٤) وهي آيات ٥٥ ـ ٥٧ من سورة النساء وتمامها ( ... فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً ).

(٥) النساء : ٥٨.

٢٤٨

فإيانا عنى بهذا أن يؤدي الأول منا الى الامام الذي يكون بعده الكتب والعلم والسلاح.

« وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ » ، يقول : اذا ظهرتم أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم « إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ، إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً ».

ثم قال للناس : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » لجميع المؤمنين الي يوم القيامة ـ « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) إيانا عنى بهذا.

فهذا أيضا من الأمانات التي أصلها ، ما ذكر الشعبي من أنها ولاية علي عليه‌السلام وما كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه فقد قام به وأداه وبلغه واستودعه العلم والحكمة وكذلك فعل هو صلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن خلّفه من بعده من الائمة. والائمة واحدا بعد واحد ـ على ما جاء عن أبي جعفر صلوات الله عليه وكل أمانة مع ذلك يجب أداؤها فقد ائتمن الله مع عباده على ما افترضه عليهم من الصلاة والزكاة والصوم وولاية الائمة من أهل بيت نبيه صلوات الله عليهم أجمعين وغير ذلك من فرائضه فأداء ذلك واجب عليهم ، وما ائتمن بعضهم بعضا عليه واجب ( على مؤتمن ) أن يؤدي ما ائتمن عليه الى من ائتمنه بنصّ الآية.

وجرى ذلك فيمن خوطب به في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويجري الى يوم القيامة في جميع الناس.

فالقرآن على هذا انزل ، وبذلك تعبّد الله العباد ، فما جاء مما ذكر في ولاية علي عليه‌السلام فذلك لازم للعباد في ولاية الله عز وجل وولاية رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وولايته الائمة من أهل بيت رسول الله صلّى الله

__________________

(١) النساء : ٥٩.

٢٤٩

عليه وآله الى يوم القيامة.

وكذلك ما جرى من القول فيمن أنكر ولاية من ذكرناه ، وعلى مثل هذا جرى حكم جميع ما أنزل الله عز وجل وتعبّد العباد به ، إنه خوطب به في وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كان في عصره ، ثم جرى ذلك فيمن أتى ويأتي من بعدهم الى يوم القيامة ، تجرى عليهم فرائض الله تعالى في ذلك ، وأحكامه وحلاله وحرامه.

وكذلك ما ذكرناه في هذا الفصل من أمر الولاية ، فمن أغناه ما ذكرناه فقد شرحناه له وأوضحناه ، وأما ما تضمنه هذا الباب مما ثبت فيه من الأمر بولاية علي عليه‌السلام فذلك مما يوجب على جميع الخلق من المسلمين أن يقولوه ، وأن لا يلي أحد منهم عليه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أقامه مقامه ، وجعل له من الولاية ما كان له ، وذلك واضح بيّن لمن وفّق لفهمه وهدي إليه بفضله ورحمته عز وجل.

تمّ الجزء الثاني من شرح الأخبار. والحمد لله رب العالمين ، وصلواته على رسوله سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير (١).

__________________

(١) وجاء في آخر النسخة ب ما يلي : اختتم هذا الجزء الثاني من كتاب شرح الأخبار المروي فيها الروايات والآثار على يد الأقل الأذل الاحقر الحقير ذي الخطاء [ و ] التقصير في اليوم الثاني عشر من شهر شعبان الكريم من سنة ١٣١٦ ه‍. ولي چي بن راج بهائي بن نور بهائي. وثبته على طاعته وطاعة إمام عصره. وفي وقت سيدنا ومولانا محمد برهان الدين طول الله عمره الى يوم الدين. في درس الرئيس الباذل في نفسه وماله في سبيل [ الله ] بخالص نيته وطيب طويته أدم چي بن المرحوم القدس فيربهائي سلمه الله تعالى وقرّ عينه في بنيه بحق سيدنا محمّد وآله الطاهرين. كتب لنفسه ولاخوانه الذين هم يطلبون العلم ويعملون الأعمال الصالحات بحق سيدنا محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

٢٥٠

٢٥١
٢٥٢

[ جهاد علي صلوات الله عليه ]

قد ذكرت فيما مضى من هذا الكتاب إن عليا عليه‌السلام أول من آمن بالله ورسوله من ذكور امته ، وإنه أقام كذلك مدة من السنين لم يؤمن به ـ بعد أن أرسله الله عز وجل إليهم ـ أحد غيره. وقد ذكرت في غير هذا الكتاب ، إن الإسلام بني على سبع دعائم ، وهي : الولاية ، والطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد.

[ مواقف علي عليه‌السلام المأثورة أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ]

وكان علي عليه‌السلام أول من آمن بالله عز وجل وتولى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأول من صلّى معه وتزكى وصام ، وأول من جاهد في سبيل الله ، وبذل مهجته دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما حجّ رسول الله أشركه في هديه ، فكان بذلك أفضل من حجّ معه. فجمع الله عز وجل له السبق الى كل فضيلة أبانة له بالفضل عمن سواه. وإنه أقرب الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله تبارك اسمه في كتابه تبارك اسمه : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (١). فكان علي عليه‌السلام أسبق الخلق الى كل فضيلة بعد

__________________

(١) الواقعة : ١٠.

٢٥٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما يؤثر من سبقه الى الجهاد وعنائه فيه ، وإنه أوفر الامّة حظا منه ، بما أبان الله عز وجل به فضله على سائر الامّة لقوله عز وجل : « لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً » (١).

[ ليلة المبيت ]

[٢٧٦] ما رواه محمّد بن سلام (٢) بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي صلوات الله عليه : ان عليا صلوات الله عليه ذكر ما امتحنه الله عز وجل في حياة رسول الله صلوات الله عليه وآله وبعد وفاته في حديث طويل ، قال فيه :

وأما الثالثة : (٣) فإن قريشا لم تزل تعمل الآراء والحيل في رسول الله صلوات الله عليه وآله حتى كان آخرها ما اجتمعت عليه يوما بدار الندوة وإبليس الملعون معهم حاضر ، فلم تزل تضرب امورها ظهرا وبطنا ، فاجتمعت [ أراؤها ] على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفا ثم يأتون النبيّ صلوات الله عليه وآله وهو نائم على فراشه ، فيضربونه [ بأسيافهم جميعا ] ضربة رجل واحد [ فيقتلوه ] ، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ، فلم تسلمها ، فيمضي دمه هدرا.

فهبط جبرائيل ـ عليه‌السلام ـ على النبيّ صلوات الله عليه وآله ،

__________________

(١) النساء : ٩٥.

(٢) وفي نسخة ـ أ ـ محمد بن محمد بن سلام.

(٣) وفي الخصال للصدوق ٢ / ٣٦٧ وفي الاختصاص للمفيد ص ١٥٩ : اما الثانية.

٢٥٤

فأنبأه بذلك. وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها إليه [ والساعة التي يأتون فراشه فيها ] وأمره بالخروج ، [ و ] بالوقت الذي [ ي ] خرج فيه الى الغار.

قال : فأتاني رسول الله صلوات الله عليه وآله بذلك ، وأمرني بأن أضطجع في مضجعه [ وأن اقيه بنفسي ] فسارعت الى ذلك مطيعا ، وبنفسى على أن اقتل دونه موطنا ، ومضى رسول الله صلوات الله عليه وآله ، واضطجعت في مضجعه أنتظر مجيء القوم إليّ حتى دخلوا عليّ ، فلما استوى بي وبهم البيت نهضت إليهم بسيفي ، فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الناس.

فكان علي صلوات الله عليه أول من جاهد في سبيل الله وبذل نفسه موطنا لها على القتل دون رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وهذا خبر معروف مشهور ، قد رواه أصحاب الحديث ، وأثبته أصحاب المغازي في كتب المغازي وأصحاب السير في كتب السير. ومما أثرناه عنهم في ذلك ، وجملة ما أجمعوا عليه أن الله تعالى لما أكرم نبيه بالرسالة (١) واختصه بالنبوة. دعا قومه بمكة فكان أول من أجابه منهم وصدقه ـ كما تقدم القول (٢) من إجابته بذلك في الباب الذي قبل هذا الباب ـ علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، ثم أسلم بعده بسنين من أسلم من قريش وغيرهم ، وجمع بني عبد المطلب كما ذكرناه في هذا الكتاب وعرض عليهم الإسلام والمؤازرة فكان من إنكارهم ذلك عليهم ما قد ذكرناه ، ولما فشى الإسلام بمكة قام المشركون على من أسلم منهم ، فمن كان له من يحميه من أهل بيته حماه ، وبعضهم حبس وعذّب ،

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ بالرخصة.

(٢) راجع الجزء الأول الحديث ٢٧.

٢٥٥

وبعضهم خرج مهاجرا الى أرض الحبشة (١) ، ثم الى أرض المدينة بعد أن أسلم من أسلم من أهلها من الأنصار وبايعوا رسول الله صلوات الله عليه وآله بمكة. وهمّ المشركون من أهل مكة برسول الله صلوات الله عليه وآله ليقتلوه بعد أن اجتمعوا إليه وعدوه ورغبوه وأعطوه ما يريده من أموالهم ، وأن يرأسوه عليهم إن هو رجع عما هو عليه ليصدّوه بذلك عن رسالة ربه ، فأبى إلا إبلاغها صلوات الله عليه وآله ومنعه عمه أبو طالب ، وحماه منهم فيمن يطيعه من قريش ، فلم يجدوا إليه سبيلا ، فاجتمع منهم بدار الندوة (٢) يوما.

[ دار الندوة ]

وهي دار قصي بن كلاب ، فكانت قريش إذا أرادت أمرا تبرمه أو تجتمع له إنما يكون اجتماعهم يومئذ فيها : عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو سفيان بن حرب (٣) ، والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي وحبير بن [ مطعم ] (٤) ، والنضر بن [ ال ] حارث بن كلدة (٥) ، ومطعم بن النصراني ، وأبو

__________________

(١) إشارة الى جعفر بن أبي طالب وأصحابه.

(٢) وهي دار بناها قصي حين صار أمر مكة إليه ليحكم فيها بين قريش وكانت أول دار بنيت بمكة ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا من أتى عليه أربعين سنة آتى الاربعين سنة للمشورة ، وأما ولد قصي فيدخلونها كلهم وحلفاؤهم. ولم تزل دار الندوة بيد عبد الدار ثم جعلها بعده لولده عبد مناف بن عبد الدار ثم صارت لبنيه من بعده دون ولد عبد الدار وانما سميت دار الندوة لاجتماع فيها لأنهم كانوا يندونها فيجلسون فيها لتشاورهم وابرام أمرهم وعقد الالوية لحروبهم ، وهذه الدار في الرواق الشامي من المسجد الحرام بالزيادة. وهي معروفة مشهورة. ( الجامع اللطيف ص ١١٧ )

(٣) وهم من بني عبد شمس.

(٤) وفي الأصل جبير بن ربيع. وهم من بني نوفل بن عبد مناف

(٥) من بني عبد الدار بن قصي

٢٥٦

البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود [ بن المطلب ] وحكيم بن حزام (١) ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج (٢) ، وأبو جهل بن هشام (٣) ، وأميّة بن خلف (٤) ، وهؤلاء يومئذ رجال قريش من كل بطن من بطونها بمكة ، واجتمع إليهم جماعة منهم ليدبروا الحيلة في أمر رسول الله صلوات الله عليه وآله وذلك بعد أن مات أبو طالب إلا أنه بقى من بني عبد المطلب من خافوا أن يقوم دونه ويحميه ويمنعه منهم (٥) ويطلبهم بما يكون منهم فيه ، فلما صاروا الى باب دار الندوة نظروا الى شيخ لا يعرفونه في جماعتهم ، فأنكروه وسألوه! ، ممن هو؟ ، فقال : رجل من أهل نجد ، بلغني ما اجتمعتم له فأردت أن أكون معكم فيه ، وعسى أن لا تعدموني رأيا ونصحا ، فقالوا : ادخل ، فكان ذلك الشيخ ـ فيما ذكروا ـ إبليس اللعين لعنه الله تصور لهم.

[٢٧٧] فلما أخذوا مجالسهم ، قال بعضهم لبعض : إن هذا الرجل ـ يعنون رسول الله صلوات الله عليه وآله ـ قد كان من أمره ما قد رأيتم ، وانتهى إليكم (٦) وقد اتبعه من قد علمتم ، ونحن فلا نأمن منه أن يتوثب علينا بمن اتبعه منا ومن غيرنا إن نحن تركناه الى أن يقوى أمره ويكثر تبّعه (٧) فأجمعوا رأيكم فيه ـ فتشاوروا بينهم ـ ثم قال قائل منهم : احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا وتربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء

__________________

(١) وهم من بني أسد بن عبد العزى.

(٢) وهما من بني سهم ..

(٣) من بني مخزوم.

(٤) من بني جمح ، ولم يذكر المؤلف العاص بن وائلة كما ذكره الاربلي في كشف الغمة ١ / ٤٣.

(٥) من المنع ، وهو الحماية والحيطة ، ومنه الحصن المنيع : اي الحصين.

(٦) انتهى إليكم موجودة في نسخة ـ ب ـ.

(٧) اي أتباعه وأنصاره.

٢٥٧

الذين كانوا قبله مثل : زهير ، والنابغة (١) ، ومن مضى منهم بالموت الى أن يصيبه ما أصابهم. فقال الشيخ النجدي : لا والله ما هذا لكم برأي ، ولئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه ، ولا وشك أصحابه أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم ثم يكابروكم حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي. فانظروا في غيره ـ فتشاوروا ـ ثم قال قائل منهم : نخرجه من بين أظهرنا وننفيه عن بلدنا ، فإذا خرج عنا لم نبال أين ذهب ، ولا حيث وقع إذا غاب ، وأصلحنا أمرنا وأنفسنا كما كانت. قال الشيخ النجدي : ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حسن حديثه وبلاغة منطقه وحلاوته وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، ولو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحلّ على حيّ من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وفعله (٢) وحديثه حتى يبايعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم فيطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراده. أديروا فيه رأيا غير هذا!.

فقال أبو جهل بن هشام : والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه.

قالوا : وما هو يا أبا الحكم؟؟ قال : أرى أن تأخذوا من كل قبيلة منكم فتى شابا جلدا وسيطا من القبيلة ، فيعطى كل فتى منهم سيفا صارما ثم يأتونه ليلا في مرقده ، فيضربونه كلهم ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه بأجمعهم تفرق دمه في قبائل قريش جميعا ، فيرضى بنو عبد المطلب بالعقل (٣) فيه.

__________________

(١) أضاف في تفسير القمي : ١ / ٢٧٤ : وامرؤ القيس.

(٢) موجودة في نسخة ـ أ ـ فقط.

(٣) عقل القتيل : أعطى ديته ( مختار الصحاح ص ٤٤٧ ).

٢٥٨

فقال الشيخ النجدي : القول ما قاله الرجل هذا الرأي لا أرى غيره ، فتفرق القوم على ذلك.

فأتى جبرائيل النبي صلوات الله عليه وآله ، فأخبره الخبر (١) ، وقال له في ذلك ما فعلوه ، فدعا علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأطلعه على ذلك وأخبره أنه مهاجر الى المدينة ، وأمره أن يتوشح ببردة وينام على فراشه ، ليرى من يأتيه من الذين أرادوا قتله إنه هو ، إلى أن يبعد ، وأمره بالمقام في أهله وبأن يؤدي أمانات كانت عنده وديونا عليه ، ثم يلحق به ، فهو على ذلك يوصيه الى أن أحسّ القوم قد أحاطوا بمنزله ، وقائل منهم يقول لهم (٢) : إن محمدا هذا يزعم إنكم [ إن ] بايعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم ما عشتم ، ثم اذا متم بعثتم وادخلتم جنانا كجنان الأردن (٣) وإن لم تفعلوا كان لكم القتل ثم تبعثون الى نار جهنم تحرقون فيها ، فعجّلوا أنتم ذلك له.

فأمر رسول الله صلوات الله عليه وآله عليا فاضطجع على فراشه ووشحه ببردة الحضرمي (٤) الذي كان ينام فيه وجعل يقرأ سورة يس وأخذ بيده كفا من تراب ، فرماه في وجوههم ، وخرج فأخذ الله عز وجل على أبصارهم ولم يكونوا تكاملوا ومضى نحو الغار وقد واعد أبا بكر وعامر بن فهيرة (٥) وعبد الله ابن اريقط إليه ليمضوا معه الى المدينة وما يحتاج إليه

__________________

(١) وفي ذلك نزل قوله تعالى ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... ) الانفال : ٣٠.

(٢) وهو أبو جهل بن هشام. ( سيرة ابن هشام ٢ / ٩١ ).

(٣) وفي الهامش : بضمتين وشد الدال : كورة بالشام عن القاموس.

(٤) وفي الجوهرة لمحمد التلمساني ص ١١ : الحضرمي الاخضر.

(٥) عامر بن فهيرة مولى أبي بكر.

٢٥٩

ويدلّوه على الطريق ، ليمضوا معه الى المدينة (١).

وجعل القوم ينظرون من خلال الباب الى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وهو مضطجع على فراش رسول الله صلوات الله عليه وآله في بردة ولا يشكّون إنه هو. فلما اجتمعوا وهمّوا بالقيام لما أتوه ، أتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال : ما تنتظرون هاهنا وما تريدون؟؟ فقالوا : نقتل محمّدا!. قال : لقد خيّبكم الله ، لقد خرج عليكم محمد وما ترك منكم أحدا ممن حضر وقت خروجه حتى سفا عليه التراب ، فنظروا الى التراب على رءوس أكثرهم ، ونظروا الى علي صلوات الله عليه مكان رسول الله صلوات الله عليه وآله في بردة ، فقالوا : هذا محمّد ، ودخلوا إليه ، فلما أحسّ بهم علي صلوات الله عليه أخذ السيف ـ ذا الفقار ـ (٢) ووثب في وجوههم.

فلما رأوه وعرفوه أحجموا عنه ، وقالوا : ليس إياك أردنا يا ابن أبي طالب. وقال بعضهم لبعض : ليس في محاصرتنا هذا ، يقتل منا ونقتله فائدة ، وانصرفوا.

قالوا : وكان مما أنزل الله عز وجل في ذلك قوله تعالى : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَ

__________________

(١) وعبارة ليمضوا معه الى المدينة مكررة في نسخة ـ ب ـ.

(٢) هكذا في الاصل كما في النسخ الاخرى وحسب تتبعنا الناقص المشهور المعروف لدى أصحاب السير والمغازي إن سيف ذي الفقار نحله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام ، في غزوة احد أو بدر. قال علي بن إبراهيم القمي في تفسيره ١ / ١١٦ : فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه‌السلام [ في غزوة احد ] جاء الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي ، فدفع إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيفه « ذا الفقار ».

٢٦٠