شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

الصلاة فاجتمع الناس ، فقام فيهم خطيبا ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، وذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو أهله ، وأخبرهم بأمر علي وما كتب به إليه ، وقال : قد والله وليّكم أمير المؤمنين حقا ، ورددها سبع مرات ، ويحلف لهم بالله على ذلك ، فقام إليه رجل (١) ، فقال : أيها الأمير ، متى كان أمير المؤمنين اليوم حين ولي ، أو قد كان قبل ذلك ، فإنا نسمعك كررت ذلك سبعا تحلف عليه ، ولا أظنّ ذلك إلا لأمر تقدم عندك فيه. قال له حذيفة : إن شئت أخبرتكم وإلا فبيني وبينك علي عليه‌السلام فانه أعلم الناس بما أقوله. قال : فخبّرني. فقال حذيفة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول لنا : إذا رأيتم دحية الكلبي عندي جالسا فلا يقربني أحد منكم ، وكان جبرائيل يأتيه في صورة دحية الكلبي وأني أتيته يوما لاسلّم عليه فرأيته نائما ، ورأسه في حجر دحية الكلبي ، فغمضت عيني ورجعت فلقيني علي بن أبي طالب ( صلوات الله عليه ) ، فقال لي : من أين جئت؟ قلت : من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبرته الخبر. فقال لي : ارجع معي فلعلّك أن تكون لنا شاهدا على الخلق ، فمشى ومشيت معه حتى أتينا باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلست من وراء الباب ، ودخل علي ( صلوات الله عليه ) فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فأجابه دحية الكلبي : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، يا أمير المؤمنين ادن مني فخذ رأس ابن عمّك من حجري فأنت أولى به مني. فوضع رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجر علي عليه‌السلام ، ثم نظرت فلم أره. ومكث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مليا ثم انتبه ، فنظر الى علي عليه‌السلام. فقال : يا علي من حجر من أخذت

__________________

(١) وفي بحار الأنوار ط قديم ٨ / ١٩ : فتى يقال له : مسلم.

٢٠١

رأسي؟ قال : من حجر دحية الكلبي يا رسول الله. قال : بل أخذته من حجر جبرائيل ، فأيّ شيء قلت حين دخلت؟ وما الذي قال لك؟ قال : قلت : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال لي : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا أمير المؤمنين ادن مني فخذ رأس ابن عمّك من حجري فأنت أولى به منى. فقال : صدق ، أنت أولى [ بي ] منه فهنيئا لك يا علي رضي عنك أهل السماء وسلّمت عليك الملائكة بامرة المؤمنين ، فليهنئك هذه الفضيلة والكرامة من الله جلّ وعز. وما لبث أن خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرآني من وراء الباب ، فقال لي : يا حذيفة أسمعت شيئا؟ فقلت : اي والله سمعته ، وأخبرته الخبر. فقال لي : حدّث بما سمعت من جبرائيل عليه‌السلام.

[١٦٦] وبآخر ، عن أسماء ابنة مخزومة أمّ عبد الله بن العباس (١) إنها قالت لابنها : يا بني الزم علي بن أبي طالب ، فانه ليس أحدا من الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلم ولا أفضل منه.

[١٦٧] وبآخر ، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، إنه قال : انزلت في علي عليه‌السلام وشيعته آية : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » (٢) قال : هو علي وشيعته.

[١٦٨] وبآخر عن أمّ سلمة ( رضوان الله عليها ) قالت : نزلت هذه الآية : « إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (٣) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيتي وأنا على باب

__________________

(١) هكذا في الأصل وأظن انها أسماء بنت سلامة ( سلمة ) بن مخربة بن جندل. وهي أمّ عياش بن عبد الله كما في الإصابة لابن حجر ( ٤ / ٢٣٢ ).

(٢) البيّنة : ٧.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

٢٠٢

البيت ، ومعه في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فتلاها. فقلت. يا رسول الله ؛ من أهل البيت؟ قال : أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين. قالت : قلت : فهل أنا من أهل البيت؟ قال : إنك على خير ، إنك من أزواج النبيّ. ما قال لي : إنك من أهل البيت.

[١٦٩] وبآخر ، عن ربعي بن خراش ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : جاء سهيل بن عمرو الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمد ، إنه قد خرج إليك قوم من عبيدنا ، فارددهم علينا. فقال أبو بكر وعمر : صدق يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : لن تنتهوا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم رجلا قد منح (١) الله قلبه الايمان يضرب رقابكم على هذا الدين وأنتم عنه مجفلون إجفال النعم.

قوله : إجفال النعم. الجفول سرعة العدو في السير.

قال عمر : فأنا هو يا رسول الله؟ قال : لا. ولكنه خاصف النعل.

قال علي عليه‌السلام : وكان في يدي نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخصفها (٢).

[١٧٠] وبآخر ، عن سعيد بن جبير ، قال : رأيت عبد الله بن عباس جالسا على شفير زمزم إذ وقف إليه رجل وهو يحدّث الناس فقام بين يديه. وقال : يا بن عباس ، إني امرؤ من أهل الشام ، أتيتك أسألك. فقال ابن عباس : أعوان كل ظالم إلا من عصم (٣) الله منهم ، سل عمّا بدا لك! قال :

__________________

(١) بمعنى أعطى الله. وفي كشف الغمّة ١ / ٢١٢ : امتحن الله قلبه على الإيمان.

(٢) وفي كفاية الطالب ص ٩٧ إضافة : قال : ثم التفت إلينا علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار.

(٣) وفي رواية غاية المرام ص ١٤١ : من عصم الله أيضا ، وفي نسخة ـ أ ـ خصّهم الله.

٢٠٣

أتيتك أسألك عن علي بن أبي طالب ، وقتاله وقتله أهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة ولا بصيام ولا بزكاة ولا حج. فقال ابن عباس : يا شامي سل عمّا يعنيك؟ قال : إني لم آتك أضرب (١) من حمص (٢) لحج ولا لعمرة ، ولا جئت إلا أن أسألك عمّا سألتك عنه ، ولتشرحه لي. فقال له ابن عباس : إن علم العالم صعب لا يحتمل ولا تقربه اكثر القلوب ، إن مثل علي فيكم كمثل العالم وموسى عليهم‌السلام. قال الله عز وجل لموسى : « يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (٣) وقال : « وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » (٤). وكان موسى عليه‌السلام يرى أن الأشياء كلها أثبتت له في الألواح ، كما ترون أنتم أن علماءكم قد أثبتوا لكم الأشياء كلها ، وإنّما قال الله عز وجل أنه كتب لموسى عليه‌السلام من كل شيء ولم يقل أنه كتب له فيها كل شيء. فلما أتى موسى الساحل ولقى العالم وكلّمه عرف فضله ولم يحسده على علمه كما حسدتم أنتم عليا عليه‌السلام على علمه وفضله الذي جعله الله عز وجل له فرغب موسى إليه وأحبّ صحبته كما أخبر الله عز وجل بذلك عنه في كتابه فعلم أن موسى عليه‌السلام لا يصبر على ما يكون منه ما لم ينته إليه علمه ، فتقدم في ذلك إليه ، وقال : « فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً » (٥) فخرق السفينة وكان خرفها لله سبحانه رضا وسخط بذلك موسى عليه‌السلام وأنكره عليه ، وقتل الغلام وكان قتله لله

__________________

(١) ضرب يضرب ضربا ومضربا بفتح الراء أي سار ( مختار الصحاح ٣٧٨ ).

(٢) مدينة في سوريا.

( ٣ ـ ٤ ) الأعراف : ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٥) الكهف : ٧٠.

٢٠٤

عز وجل رضا وسخط ذلك موسى عليه‌السلام وأنكره عليه ، وأقام الجدار وكان إقامته لله عز وجل رضا ، وسخط ذلك موسى عليه‌السلام وأنكره عليه (١) كما سخطتم أنتم فعل علي عليه‌السلام وأنكر تموه ولم يفعل من ذلك إلا ما رضيه الله عنه وأمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ ولأهل الجهالة من الناس سخط ] (٢). فاجلس يا أخا أهل الشام احدّثك ببعض فضائله ، وبقليل من كثير. فجلس الرجل.

فقال له ابن عباس : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما تزوج زينب بنت جحش ، أولم (٣) عليها ، وكانت وليمته الحيس (٤) ، وكان يدعو المؤمنين عشرة عشرة فإذا أصابوا طعام نبيّهم استأنسوا لحديثه والنظر إليه ، فجلسوا ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحب أن تخلو له الدار ، ويكره أذى المؤمنين فأنزل الله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ » (٥). فلما نزلت هذه الآية كان الناس إذا دعوا الى طعام نبيّهم ، فطعموا ، لم يلبثوا.

__________________

(١) كل هذه مفاد الآيات التالية : « فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً. قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. قالَ لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً. فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ قالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً » ... سورة الكهف الآيات ٧١ ـ ٧٨.

(٢) هذه الزيادة موجودة في غاية المرام ص ١٤١.

(٣) وفي مختار الصحاح ص ٧٣٦ الوليمة : طعام العرس وقد أولم. وفي الحديث : أولم ولو بشاة.

(٤) طعام يستحضر من تمر وسمن وسويق.

(٥) الأحزاب : ٥٣.

٢٠٥

فمكث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيت زينب بنت جحش سبعة أيام ولياليهن ، ثم تحول من بيت زينب بنت جحش الى بيت أمّ سلمة [ بنت أميّة ] ، فمكث عندها يوما وصبيحة الغد.

فلما تعالى النهار أتى علي عليه‌السلام الى الباب ، فدقّه دقّا خفيفا ، فعرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ دقّه ] وأنكر [ ته ] أمّ سلمة.

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قومي يا أمّ سلمة فافتحي الباب.

قالت : يا رسول الله ، ومن هذا الذي قد بلغ من خطره أن أقوم ، فأفتح له وأستقبله بوجهي ومعاصمي؟

فقال : يا أمّ سلمة ، من يطع الرسول فقد أطاع الله!! قومي فافتحي الباب فان بالباب رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، وإنك متى فتحت الباب لم يلج (١) حتى يسكن حسّ وطئك عن الباب.

فقامت وهي تقول : بخ بخ لرجل يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ففتحت الباب.

فلما أحسّها علي أمسك الباب أن ينفتح وأقام حتى انصرفت ، ففتح الباب ودخل ، فسلّم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فردّ عليه أحسن رد ، وسأله عن حاله. ثم قال : يا أمّ سلمة ، هل تعرفين هذا الرجل؟

قالت : نعم هذا ابن عمك علي بن أبي طالب ، يا رسول الله.

فقال : يا أمّ سلمة ، هو ابن عمي حقا وهو أخي ووزيري وخير من أخلف في أهلي وسيد المسلمين وأمير المؤمنين من بعدي وقائد الغرّ المحجّلين يوم القيامة الي وصاحب حوضي ورفيقي في الجنة وسبطاي ابناه وقرة عيني وثمرة قلبي وريحانتي

__________________

(١) ولج يلج ولوجا أي دخل ( مختار الصحاح ٧٣٥ ).

٢٠٦

من الدنيا ، اشهدي بذلك يا أمّ سلمة وبأن زوجته فاطمة سيدة نساء العالمين.

اشهدي يا أمّ سلمة بأن حربه حربي وسلمه سلمي.

اشهدي يا أمّ سلمة إنه النائد عن حوضي من أبغضه وعاداه كما تذاد غريبة الإبل.

اشهدي يا أمّ سلمة إنه يبعث يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة مسايرا لي يصل ركبته ركبتي.

اشهدي يا أمّ سلمة إنه معي على الصراط يقول لأعدائنا أهل البيت ـ وهم في النار ـ تعستم تعستم (١).

اشهدي يا أمّ سلمة إنه يقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.

اشهدي يا أمّ سلمة إنه مع الحق يزول حيث ما زال ويدور حيث ما دار ، لا أخاف عليه فتنة ولا بلاء حتى يلقاني وعد وعدني ربي فيه ولن يخلف الله وعده أن يحفظني فيه وتسلم له دينه حتى يلحق بي.

[ فقال الشامي : فرّجت عليّ يا عبد الله بن العباس ، أشهد أن علي بن أبي طالب مولاي ومولى كلّ مسلم ] (٢).

[١٧١] أبو نعيم ، باسناده ، عن أمّ سلمة رضوان الله عليها ـ إنه ذكر عندها علي عليه‌السلام ومن كان معه ومن فارقه ـ فقالت : كان والله علي صلوات الله عليه على الحق فمن اتبعه اتبع الحق ومن فارقه فارق الحق (٣).

[١٧٢] شريك بن عبد الله ، باسناده ، عن عطاء بن رياح ، قال : قلت لجابر

__________________

(١) تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا ( مختار الصحاح ٧٧ ).

(٢) ما بين المعقوفتين مأخوذ من غاية المرام ص ٢٤٢.

(٣) وفي كشف الغمة للإربلي ١ / ١٤٤ زيادة : عهدا معهودا قبل يومه هذا.

٢٠٧

بن عبد الله : ما كانت حال علي عليه‌السلام فيكم في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : كان بمنزلة الأمير ، إن شهد عظم وسوّد ، وإن غاب انتظر.

[١٧٣] الحارث بن نصر ، عن عمرو بن الحمق ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما وأنا بين يديه في المسجد : يا عمرو ، ألا اربك آية الجنة وآية النار ، يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق. قلت : نعم ، بأبي أنت وامّي يا رسول الله فأرنيهما. فأقبل علي عليه‌السلام يمشي حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلّم وجلس بين يديه ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عمرو هذا وقومه آية الجنة. ثم أقبل معاوية فسلّم وجلس ، فقال : يا عمرو هذا وقومه آية النار.

[١٧٤] علي بن أبي القاسم ، باسناده ، عن عباد بن كثير : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : يا علي إن الله تعالى أمرني أن ابشرك إنك نور الهدى وإمام الأئمة ، وإنك تقاتل عدوي من بعدي.

[١٧٥] راشد بن خالد ، باسناده : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلا يوما بيت من بيوته ، فأمر عليا عليه‌السلام بأن يحجب الناس عنه ، فجاء عمر ، فقال لعلي عليه‌السلام : استأذن لي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فقال هو مشغول عنك ، فانصرف ، ومكث ساعة ، ثم أتاه [ في ] الثانية. فقال له مثل ذلك [ فانصرف ] ، ثم أتاه الثالثة. فقال له مثل ذلك ، فانصرف عمر وهو يقول : يا عجباه جئت ثلاث مرات أستأذن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم يؤذن لي. فقال له علي عليه‌السلام : على رسلك يا عمر إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في داره مائة وستون ملكا (١) وهو معهم مشغول عنك وعن غيرك. فلما خرج رسول الله

__________________

(١) وفي تفسير فرات الكوفي ص ٢٣ : ثلاثمائة وستون ملكا.

٢٠٨

صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلمه عمر بذلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أقلت ذلك يا علي؟ قال : نعم ، يا رسول الله. قال : كيف علمت إنه زارني هذا العدد من الملائكة؟ قال : يا رسول الله ، أحصيت سلامهم عليك وكان ذلك عددهم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وسمعت ذلك؟ قال : نعم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ زده فضلا وعلما وإيمانا.

[١٧٦] وبآخر ، عن يحيى بن سلمة ، باسناده ، عن كميل باسناده عن علي عليه‌السلام إنه قال : إن حسبي حسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرضي عرضه ، ودمي دمه ، فمن أصاب مني شيئا فإنما أصابه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[١٧٧] وبآخر ، عن أبي سعد الحجاف ، رفعه الى أبي أيوب الأنصاري ، قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عرفة ، فقال : أيها الناس إن الله عز وجل باهى بكم في هذا اليوم ، فغفر لكم عامة ولعلي خاصة. فأما العامة منكم فمن لم يحدث بعدي حدثا وهو قول الله عز وجل : « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ » (١).

وأما الخاصة : فطاعة علي طاعتي فمن عصاه فقد عصاني. ثم قال : قم يا علي ، فقام. فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفه في كفه. ثم قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) ، فطاعتي مفروضة وإني غير خائف لقومي ولا محاب لقرابتي منهم وإنما أنا رسول الله : « وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ » (٢) الا إن هذا جبرائيل يخبرني عن ربي عز وجل إن السعيد حقّ

__________________

(١) الفتح : ١٠.

(٢) المائدة : ٩٩.

٢٠٩

السعيد من أحبّ عليا في حياته أو بعد وفاته. وإن الشقي حقّ الشقي من أبغض عليا في حياته أو بعد وفاته.

[١٧٨] وبآخر ، الحكم بن سليمان باسناده عن أبي سعيد الخدري ، قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخوارج فوصفهم ثم قال : يقتلهم خير البرية علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

[١٧٩] وبآخر ، الحسين بن الحكم عن أبي الحمراء خادم رسول الله صلوات الله عليه وآله. قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لما اسري بي إلى السماء نظرت الى ساق العرش فإذا هو مكتوب عليه : لا إله إلا الله محمّد رسول الله (١) أيدته بعلي ونصرته به.

[١٨٠] وبآخر ، أبو غسان ، باسناده ، عن ابن عباس ، إنه سئل عن سوابق علي عليه‌السلام. فقال : والله لقد سبقت له سوابق لو كان بعضه لامّة من الامم لرأت إن الله عز وجل قد منحها فضلا عظيما.

[١٨١] وبآخر ، عن حذيفة بن اليمان ، إنه قال : لما قتل عثمان ، أتاه قومه فقالوا : يا أبا عبد الله إن أمير المؤمنين قد قتل ، فما تأمرنا؟ قال : آمركم أن تتبعوا عمّار بن ياسر فتكونوا حيث كان. قالوا : إن عمّار مع علي لا يفارقه. قال حذيفة : إن الحسد أهلك الجسد وإنما يقربكم من عمّار قربه من علي عليه‌السلام ، فو الله لعلي أخير من عمّار بأبعد ما بين التراب والسحاب ، وأن عمّارا لمن الأخيار.

[١٨٢] وبآخر ، إبراهيم بن الحسين ، باسناده عن سالم بن أبي الجعد ، قال :بعث علي عليه‌السلام إلى عائشة بعد أن انقضى أمر الجمل وهي بالبصرة ، أن ارجعي الى بيتك ، فأبت ، ثم أرسل إليها ثانية ، فأبت ، ثم

__________________

(١) وفي البحار ٣٩ / ٥٣ : محمد رسولي وصفيي من خلقي.

٢١٠

أرسل إليها ثالثة (١) : لترجعن أو لأتكلم بكلمة يبرأ الله بها منك ورسوله. فقالت : أرحلوني أرحلوني. فقالت لها امرأة ـ ممن كان عندها من النساء (٢) : يا أمّ المؤمنين ما هذا الذي ذعرك من وعيد علي عليه‌السلام إياك. قالت : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله استخلفه على أهله وجعل طلاق نسائه بيده.

[١٨٣] وبآخر ، عن أنس بن مالك (٣) ، قال : لما انزلت : « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ » (٤) قلنا لسلمان : سل نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى من يسند أمرنا بعده؟ فأتاه ، فسأله ، فسكت. فلما كان بعد عشرة أيام دعاه. فقال : يا سلمان ـ يا أبا عبد الله ـ ألا أخبرك عما سألتني عنه؟ فقال : بلى ، بأبي أنت وامّي ، ولقد خشيت لما أمسكت عني أن تكون مقتّني أو وجدت عليّ فيه ، فقال : لا مقتّك ولا وجدت عليك في شيء إلا أن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي وأفضل من أخلف في أهلي بعدي (٥) ويقضي ديني وينجز عداتي علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[١٨٤] وبآخر ، رواه مطير ، عن أنس بن مالك. قال يحيى : حدثناه وقد انصرف من صلاة العصر ، ثم رفع يده نحو السماء ، وبكى. وقال : إن قوما يقولون لي : اتّق الله ولا تحدث إلا بما سمعت ، اللهمّ سلني عنه يوم ألقاك

__________________

(١) المرسل هو الإمام الحسن عليه‌السلام كما في البحار ٣٨ / ٧٤.

(٢) امرأة من المهالبة : أتاك ابن عباس شيخ بني هاشم وخرج من عندك مغضبا وأتاك غلام فأقلعت.

(٣) وفي الإصابة ١ / ٢١٧ قال : كنا إذا أردنا أن نسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شيء أمرنا عليا أو سلمان أو ثابت بن معاذ لأنهم كانوا أجرأ أصحابه عليه فلما نزلت ...

(٤) النصر : ١.

(٥) وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ١ / ١١٥ : خير من تركت بعدي.

٢١١

يوم أقف بين يديك إني حدثت بما سمعت عن أنس بن مالك (١).

[١٨٥] وبآخر ، عن أبي إسحاق ، قال : قلت لقثم (٢) بن عباس : كيف ورث علي عليه‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبوك حي؟ قال : لأنه كان أشدنا به لزوقا وأسرعنا به لحوقا.

[١٨٦] وبآخر ، عن جابر بن عبد الله ، إنه سئل عن فضل علي عليه‌السلام فقال : وهل يشكّ فيه إلا كافر.

[١٨٧] وبآخر ، إسماعيل بن موسى ، باسناده عن الحسن البصري ، قال : قيل له : يا أبا سعيد ، صف لنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقال : كان سهما من سهام الله صائبا لأعداء الله ليس بالنومة عن أمر الله ولا بالسرقة لمال الله ، ورهباني هذه الامّة في فضلها وشرفها ، أعطى القرآن حقائقه فأحلّ حلاله وحرّم حرامه حتى أورده ذلك رياضا مونقة وحدائق مورقة [ ذاك علي بن أبي طالب ، يا لكع ] (٣).

[١٨٨] وبآخر ، عن عائشة إنها سألت : أيّ الناس أفضل منزلة عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوثق به؟ فقالت : لا أعرف أفضل منزلة عنده ولا من هو أوثق به من علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[١٨٩] وبآخر ، عن عطية العوفي ، قال : سألت جابر بن عبد الله ـ بعد ما كبر وسقط حاجباه على عينيه ـ : أي رجل ، كنتم تغدون علي بن أبي طالب فيكم ـ فرفع رأسه ـ وقال : أليس ذلك خير البرية.

__________________

(١) هكذا في الأصل.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ القاسم بن عباس.

(٣) هذه الزيادة موجودة في بحار الأنوار ٤٢ / ١٤٤ الحديث ٦.

٢١٢

[١٩٠] وبآخر ، عن أبي البحتري ، قال : أتى رجل عليا عليه‌السلام فذكر فضله وأثنى عليه وتجاوز في القول ، وكان يعلم منه غير ما يقول ، فقال له : أنا دون ما قلت ، وفوق ما في نفسك.

[١٩١] وبآخر ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، إنه قال لعمرو بن ضمرة : ما ذا ألقاه من إخوانك من الشيعة ، يأتوني فيسألوني عن مناقب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فأقول : ما تسألوني عن مناقب رجل صفته ما أقول لكم : من المهاجرين والأنصار الأولين ، ومن أهل بدر ، ومن أهل بيعة الرضوان ، ومن أصحاب الشورى ، وابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوج فاطمة ابنته ، وأبو الحسن والحسين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، فيقولون هذا قد عرفناه.

اختصرت في هذا الباب جملا من القول في فضائل علي ( صلوات الله عليه ) وكل ما ذكرته وأذكره في هذا الكتاب فهو مما آثرته من فضائله والذي اختصرته ، ولم آثره أكثر من ذلك لأنه عبد أنعم الله عز وجل عليه بأفضل مما أنعم به على أحد من الامّة ، وقد قال جلّ من قائل : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها » (١). كذلك لا يحصي أحد وإن اجتهد فضل علي عليه‌السلام ، فلا يرى من نظر في هذا الكتاب إنا لما رسمنا هذا الباب بذكر فضائله عليه‌السلام إنا قد أتينا على جميعها كما رأى ابن [ أبي ] ليلى ، إن الذي ذكر من فضائله لمن سأله من الشيعة عنها فيه ما يأتي عليها بأسرها ، وأنكر قولهم هذا قد عرفناه كما ذكرنا عنه هذا الخبر وهو خاتمة هذا الباب ، وكان أحقّ بالانكار عليه إذ اقتصر لمن سأله عن فضائل علي عليه‌السلام ـ على ما ذكره في الخبر ـ وهو بلا شك

__________________

(١) النحل : ١٨.

٢١٣

يعلم أكثر مما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب من فضائله ، إذ هي من المشهور المعروف عند الخاصّ والعام.

ومما لا يكاد مثله أن يخفى عن ابن أبي ليلى لقرب عهده بزمانه ، ولأنه من أهل العراق محل شيعته وأنصاره ، ولأنه ممن عني بجمع الآثار ، وقد آثرنا عنه فيما اختصرناه من الأسناد فيما ذكرناه كثيرا غير ما جاء به في هذا الحديث ، فإما أن يكون ترك ذكر ذلك تقيّة ، أو لما الله عز وجل أعلم به. وكان القصد في إثبات هذا الباب في هذا الكتاب الى العلم بأن عليا عليه‌السلام أفضل الامّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد أقرّ بذلك وقال به أكثر العوام.

[ الفاضل والمفضول ]

لكن زعم بعضهم إنه يجوز أن يؤمّ المفضول الفاضل لعلّة من تقدم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحذرا منهم من أن ينكروا أشياء من أفعالهم على نحو ما قدمنا ذكره من إجازتهم الخطاء على أنفسهم واستكبارهم إجازته على غيرهم لما هم عليه من الضعف وقلّة العلم بالواجب ، وقولهم إن امامة المفضول للفاضل جائزة ، ردّ لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمره الذي أمر الله سبحانه باتباعه ونهى عن خلافه وهو فيما يؤثرون عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : يؤمكم أفضلكم ، ويقول : وائمتكم شفعاؤكم ، ولا تقدموا الى الله بين أيديكم إلا أفضلكم. وهم مجمعون فيما يروونه من تقديم الائمة بآرائهم واختيارهم إنهم متى أرادوا ذلك لم يقدموا إلا من يختارونه وإن الاختيار لا يقع إلا على من هو أفضل ، فلما ثبت عندهم أن عليا عليه‌السلام أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يجدوا إلى دفع ذلك سبيلا ، قالوا بما قالوه إنه يجوز للمفضول أن يتقدم الفاضل تهيّبا من الإنكار على من فعل ذلك وخالفوا بقولهم

٢١٤

هذا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفعل الجماعة منهم. وفي هذا الباب من الاحتجاج عليهم ما يخرج عن حدّ هذا الكتاب. وقد بسطنا كثيرا من ذلك في كتاب الإمامة وغيرهما مما بسطناه من الكتب. فمن آثر علم ذلك وجده فيما بسطناه من ذلك إن شاء الله تعالى.

٢١٥

[ إطاعة علي عليه السلام وعدم مفارقته ]

ذكر بعض ما جاء من الأمر بطاعة علي ( صلوات الله عليه ) والنهي عن مفارقته.

[١٩٢] الدغشي ، باسناده ، عن مجاهد ، يرفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنه قال : من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارق عليا فقد فارقني.

[١٩٣] حصن ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام إنه قال : من شك في حرب علي عليه‌السلام فقد شك في حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له : حربك حربي وسلمك سلمي.

[١٩٤] وبآخر ، الحكم ، باسناده ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه‌السلام ، إنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي : يا علي ، من خالفك فقد خالفني.

[١٩٥] وبآخر ، أبو محمد عبد الله بن محمد بن عابد ، يرفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنه قال : إن الله عز وجل عهد إليّ في علي [ عهدا ]. فقلت : ربّ بيّن لي. فقال : اسمع. فقلت : سمعت يا رب. فقال : يا محمد إن عليا راية الهدى وإمام أوليائي ونور من أطاعني وهو الكلمة التي

٢١٦

ألزمتها المتّقين ، فمن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ، فبشره بذلك.

[١٩٦] وبآخر ، يحيى بن اليعلى ، باسناده ، عن أبي ذر رحمة الله عليه ، إنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : يا علي من أطاعك فقد أطاعني ومن أطاعنى فقد اطاع الله. ومن عصاك فقد عصاني [ ومن عصاني ] فقد عصى الله ، ومن عصى الله ورسوله فهو من الكافرين.

[١٩٧] وبآخر ، عن إسماعيل بن موسى ، باسناده ، عن أبي الحجاف ، قال : سمعت عمار بن ياسر ( رحمة الله عليه ) يقول : أيها الناس الزموا عليا عليه‌السلام فانه لم يخطئ بكم طريق الحق ، وإن رأيتموني خالفته يوما من الدهر فاعلموا إنه على الحق وإني على الباطل.

[١٩٨] وبآخر ، محمد بن إسماعيل ، باسناده ، عن عقيل (١). قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول : افترقت اليهود على كذا وكذا فرقة والنصارى على كذا وكذا فرقة ولا أرى هذه الامّة إلا ستختلف كما اختلفوا (٢) ويزيدون عليهم فرقة ، إلا إن الفرق كلها على ضلال إلا أنا ومن اتبعني ـ يقول ذلك ثلاثا ـ.

هذا باب رسمناه في هذا الكتاب لنذكر به من غفل ، وأكثر ما ذكرناه فيه ونذكره مما يوجب طاعة علي عليه‌السلام والنهي عن مخالفته والتقدم عليه مثل الأمر بولايته ، وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهمّ

__________________

(١) وفي أمالي المفيد ص ١٣٣ : أبي عقيل.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ ألا ستفترق كما افترقوا.

٢١٧

وال عن والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وقوله : أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأن عليا عليه‌السلام مولى من كان الرسول مولاه.

وكلما ذكرناه ونذكره إنه يوجب إمامته ، فهو يوجب طاعته لأن الولاية والإمامة موجبتان للطاعة ، واذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أوجب طاعته على جميع المؤمنين ، فمن أين يجوز لأحد بعده أن يتقدم عليه ويوجب عليه أن يطيعه؟ أوليس هذا ردا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافا عليه إذ كان قد أمر بطاعته وولايته جميع المؤمنين ، فيدعي ذلك غيره لنفسه ويوجب عليه طاعته؟ أو ليس قد أبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما أمر به من طاعته وولايته بأنه وليّ الأمر من بعده إذا كانت الطاعة إنما تجب لولاة الأمر لقول الله عز وجل : « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (١) وهذا أبين وأوضح من أن نحتاج الى بيانه وايضاحه لمن وفّق لفهمه ، وكذلك كلما أدخلناه وندخله في تضاعيف هذه الأخبار ولكنا أردنا بذلك تنبيه من لعله غفل ، وتعليم من لعله جهل. رجاء لثواب الله تعالى على ذلك والله يثيبنا عليه بفضله ورحمته.

__________________

(١) النساء : ٥٩.

٢١٨

[ ولاية علي عليه السلام ]

ذكر الأمر بولاية علي ( صلوات الله عليه ) وولاية الائمة من ذريته ( عليهم أفضل السّلام ).

قد تقدم في هذا الكتاب وما يتلوه هذا الباب من إيجاب ولاية علي عليه‌السلام كثير من الأخبار مثل قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، ولكنا أردنا أن نفرد بابا في هذا الكتاب بذكر الولاية لنبيّن بعد ما نذكره فيه ما يوجبه ، وقد قال الله عز وجل لجميع المؤمنين : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » (١) الذين آمنوا يدخل في جملتهم الأنبياء والأوصياء وجميع من آمن بالله عز وجل فهم من الذين آمنوا ، ولكن قد يقع القول على شيء دون شيء على المراد به منهم ، فالمراد بالذين آمنوا هاهنا : الذين قرنهم الله عز وجل في الولاية برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهم ائمة الهدى من آل الرسول.

[١٩٩] وكذلك آثرنا عن أبي جعفر ( محمد بن علي بن الحسين عليه‌السلام ) ، إنه سئل عن قول الله : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ » ، فقال : إيانا

__________________

(١) المائدة : ٥٥.

٢١٩

عنى بالذين آمنوا هاهنا ، وعلي عليه‌السلام أوّلنا وأفضلنا.

[٢٠٠] وعن سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه قال : خلقت أنا وعلي من نور واحد قبل أن خلق الله آدم عليه‌السلام بأربعة آلاف عام ، فركّب ذلك فيه ، ولم يزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب (١).

ومن هذا قول الله عز وجل :

« الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ » (٢).

لأن اسم الإيمان قد جمع الائمة منهم والمأمومين فبعضهم الذين عنى الائمة أولياء سائر المؤمنين ، ولو كان ذلك لعامّتهم كما توهّم من قصر علمه وفهمه لكانت طاعتهم كلهم واجبة ، ولم يدر من الولي منهم ولا من المولى عليه ، وذلك ما لا بدّ من معرفته ولا يقوم أمر العباد إلا به ، فأبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير بقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه.

[٢٠١] وفي بعض الروايات : من كنت وليه فعلي وليه ، وإن عليا عليه‌السلام ولي جميع المؤمنين ، ونصّ ذلك فيه ، وفي الائمّة من ذريته بما نذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى.

[٢٠٢] فمن ذلك ما رواه الدغشي ، باسناده عن عمران (٣) بن حصين ، إنه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليّ مني وأنا منه ، فهو وليّ كل مؤمن من بعدي.

__________________

(١) وهذا الحديث لم ينقل في نسخة ـ ب ـ.

(٢) التوبة : ٧١.

(٣) وفي الاصل : عمرو بن حصين.

٢٢٠