شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ١

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ثلاث سنين ليس فيه إلا ثلاثة : رسول الله صلوات الله عليه وآله وعلي عليه‌السلام وخديجة رضوان الله عليها.

وهذه الأخبار ثابتة واكثر المنسوبين الى العلم من العامة (١) يقولون بذلك ، وأن عليا عليه‌السلام أول من أسلم من ذكور هذه الامة ولم يسبقه بالإسلام إلا خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلوات الله عليه وآله ، وكان ذلك لأمر قد يقدم عندها أراد الله به سعادتها.

وذلك أن رسول الله صلوات الله عليه وآله مات أبوه عبد الله بن عبد المطلب وأمه آمنة حاملة به ، فلما ولدته كفله جده عبد المطلب. ثم توفي عبد المطلب ورسول الله صلوات الله عليه وآله ابن ثمان سنين. وكفله بعده أبو طالب عمّه ، وكان شقيق أبيه. امهما فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم (٢).

وكان عبد المطلب قد عهد في ذلك (٣) إليه ، فلما أراد الله عز وجل لمحمد صلوات الله عليه وآله من كرامة النبوة أنشأه على الطهارة ومكارم

__________________

(١) قال الثعلبي ( في تفسير قوله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ ). ( التوبة : ١٠٠ ) : قد اتفق العلماء على أن أول من آمن بعد خديجة من الذكور برسول الله ٩ علي بن أبي طالب ، وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وزيد بن أرقم ومحمد بن المنكدر وأبي جارود المدني وربيعة التميمي.

(٢) ذكر ذلك المؤلف في الجزء ١٣ مفصلا فراجع.

(٣) قال لأبي طالب واسمه عبد مناف :

اوصيك يا عبد مناف بعدي

بمفرد بعد أبيه فرد

فارقه وهو ضجيع المهد

فكنت كالامّ له في الوجد

تدنيه من أحشائها والكبد

فانت من أرجى بنيّ عندى

لدفع ضيم أو لشدّ عقد

( تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٣ )

١٨١

الأخلاق ، وكان أفضل الناس مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأصدقهم حديثا ، وأجملهم صحبة وجوارا ، وأعظمهم حلما ، وأكرمهم حسبا ، وله في ذلك من مكارم أخلاقه وفضله وبرهان نبوته ودلائلها ما يخرج ذكره عن حدّ هذا الكتاب حتى إنهم كانوا يسمّونه الأمين لما رأوا من أمانته وطهارته ومكارم أخلاقه ونزاهته وبراءته من كل فاحشة ونقيصة.

[١٤٦] وكان مما يؤثر عنه صلوات الله عليه وآله ، إنه قال : كنت يوما وأنا صبي ألعب مع الصبيان من قريش ، فجعلت أنقل حجارة لبعض ما كنا نلعب ، فرأيت كل واحد من الصبيان قد نزع إزاره فألقاه على عاتقه لمكان الحجر الذي يحمله ليقيه منه ، وبقوا عراة ، فذهبت لأفعل مثل ما فعلوا (١) فلما أن مددت يدي لأحل إزاري لكمني لاكم لكمة (٢) وجيعة ، وقال : لا تحل إزارك واشدده على نفسك ولا تكشف سوأتك ، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فلا أرى أحدا ، فتركت ما أردته من أخذ إزاري وشددته على نفسي حسب ما كان ، وجعلت أنقل الحجارة على عاتقي.

وبلغ رسول الله صلوات الله عليه وآله مبلغ الرجال وقد استفاضت الأخبار عنه في الناس بطهارته ومكارم أخلاقه وصيانته وعفافه وورعه ،

__________________

(١) وقد ذكر علي بن برهان الحلبي في السيرة الحلبية ١ / ١٩٩ ما مفاده إنه حل إزاره ومشى عاريا ( راجع تخريج الأحاديث ) وهذا ينافي عصمته وما أثر عنه من العفة والحياء. وقد روى ابن شهر اشوب في مناقبه ١ / ٣٦ : عن ابن عباس : قال أبو طالب لأخيه : يا عباس ، أخبرك عن محمد ، اني ضممته فلما افارقه ساعة من ليل أو نهار فلم آتمن احدا حتى نومته في فراشي ، فأمرته أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت في وجهه الكراهية. فقال : يا عماه اصرف بوجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ، فقلت له : ولم ذلك؟ فقال : لا ينبغي لأحد أن ينظر الى جسدي ، فتعجبت من قوله وصرفت بصري عنه. الحديث.

(٢) اللكمة : الضرب بجميع الكف.

١٨٢

وما شوهد من بواهره وأعلام النبوة فيه ، واتصل عن المخبرين بذلك عنه ، ممن شاهده من الأخبار والرهبان (١) وغيرهم ممن كان عنده علم من علوم دين الله سبحانه وكتبه وإعلام أنبيائه. وكانت خديجة بنت خويلد امرأة لها شرف ومال وقد تأيّمت من زوج كان لها هلك (٢). وكانت قد تبضع البضائع مع عبيد لها ومضاربين الى الشام في التجارة ، وكانت قريش كذلك تجارا يخرجون في تجارتهم الى الشام وغيره.

ولما انتهى إليها عن رسول الله صلوات الله عليه وآله ما قد فشى واستفاض عنه من الخبر ، أرسلت إليه في أن تعطيه مالا يتّجر لها به الى

__________________

(١) ومن هؤلاء الرهبان والأحبار والكهان :

أ ـ ربيعه بن مازن الكاهن المعروف ب سطيح ، قصد مكة ليبشرهم بالنبيّ ( الأنوار لابن الحسن البكري ص ٢٧٥ ).

ب ـ زرقاء اليمامة : عند ما جاءت الى مكة لأجل أن تدبر الحيلة في اغتيال آمنة مع امرأة ماشطة.

قالت الماشطة : سمعت رجلا يقول لزرقاء هذه الأبيات :

كاهنة جاءت من اليمامة

أزعجها ذو همة همامة

لما رأت نورا على تهامة

وهو لإظهار النبي علامة

محمد الموصوف بالكرامة

ستدرك الزرقاء به الندامة

لهفي على سيدة اليمامة

إذا أتاها صاحب الغمامة

ج ـ الفيلق بن اليونان بن عبد الصليب وكان يكنى بأبي بحيرة الراهب.

د ـ سعد بن قمطير من أحبار اليهود ( إعلام الورى للطبرسي ص ٢٦ ).

(٢) والمعروف إنها تزوجت قبله برجلين.

اولهما : عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ، فولدت له بنتا اسمها هند ( وهي أمّ محمد بن صيفي المخزومي ).

ثانيهما : أبو هالة ( واسمه : هند بن زرارة التيمي ) ، فولدت له ولدا اسمه هالة وولدا اسمه هند أيضا ، فهو هند بن هند ، وكان يقول : أنا اكرم الناس أبا واما وأخا واختا. أبي رسول الله ( لأنه زوج أمه ) وأمي خديجة ، وأخي القاسم ، واختي فاطمة. قتل هند مع علي يوم الجمل.

١٨٣

الشام ، ففعل (١) وأرسلت معه عبدا يقال له : ميسرة (٢) فنزلوا منزلا بقرب دير فيه راهب ونزل الناس ، وذهب رسول الله صلوات الله عليه وآله الى شجرة (٣) بعيدة عنهم ، فنزل تحتها ، ورآه الراهب ، فنزل حتى أتاه ، ورأى ميسرة يخدمه ويحدثه ، فخلا به ، وقال : من أين هذا الشاب الذي أراك معه؟ فقال : من أهل مكة حرم الله ، قال : من قريش؟؟ قال : نعم ، من أوسطها نسبا ، فما تريد منه؟؟ قال : إنا نأثر أنّ نبيا يبعث من العرب وانه ينزل تحت هذه الشجرة في هذا اليوم ، وانه ما نزل تحتها قط في مثله إلا نبي. قال له ميسرة : والله لقد دلّت عليه بذلك عندنا (٤) أخبار كثيرة بمثل ما ذكرت. قال له الراهب (٥) : تكتم عليه ما

__________________

(١) وهو ابن خمس وعشرين سنة ( مروج الذهب ٢ / ٢٧٥ ).

(٢) ذكر الحلبي في السيرة ١ / ١٩٧ عن ابن مندة : إن الذي كان مع الرسول في سفره إلى الشام وما جرى بينه وبين الراهب وجلوس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الشجرة هو أبو بكر وليس ميسرة.

وقال ابن حجر : ويحتمل أن يكون سفر أبي بكر معه صلى‌الله‌عليه‌وآله في سفرة اخرى بعد سفر أبي طالب.

أقول : ولكن المتفق عليه إنه لم يسافر أكثر من مرتين مرة مع أبي طالب والاخرى مع ميسرة.

وقال : أبو الحسن البكري في كتاب الانوار ص ٢٥٨ ما مضمونه : انها ارسلت عبدين مع الرسول وهما : ميسرة وناصح وأمرتهما بالإطاعة له.

(٣) وكانت الشجرة يابسة لم تخضر. فقال الراهب لا ولادة : يا أولادي إن كان هذا النبي المنعوت في الكتب والمبعوث في هذا الزمان في هذا الركب فإنه ينزل تحت هذه الشجرة اليابسة ويجلس تحتها ، وقد جلس تحتها عدة من الأنبياء ، وإنها من عهد عيسى بن مريم يابسة لم تخضر. وهذه البئر لها عدة سنين لم يكن فيها ماء فانه قد يأتي إليه ويشرب منه قال : فما كان إلا ساعة وإذا بالركب قد أقبل ونزلوا حول البئر وحطوا الأحمال عن الأحمال وكان النبيّ يحبّ الخلوة بنفسه فأقبل حتى نزل تحت الشجرة فأخضرت وأثمرت من وقتها وساعتها. ( الأنوار للبكري ص ٢٧٨ )

(٤) محمد وعلي والأوصياء ١ / ١٣٤ ـ ١ / ٤١.

(٥) قال ابن شهر اشوب في المناقب والمسعودي في المروج ٢ / ٢٧١ يقال للراهب نسطور.

١٨٤

قلت لك ، فانه له اعداء من اليهود (١). ثم نظر ميسرة بعد ذلك في يوم قد اشتد حر الشمس (٢) ، فما يملك أحد ممن كان معهم الكلام من شدة الحر ، وغمامة قد أظلّت رسول الله صلوات الله عليه وآله وهو وادع لم يصبه شيء مما أصاب القوم.

وربح في تلك التجارة ما لم يربح أحد مثله (٣) فلما قدم بذلك على خديجة قالت لغلامها ميسرة : ما أعظم أمانة محمد وبركته ، ما ربحت في تجارة قط كربحي فيما أبضعته معه. فقال لها ميسرة : وأعظم من ذلك ما سمعته فيه ورأيته منه. قالت : وما هو؟ فأخبرها بخبر الراهب وخبر الغمامة (٤).

وكان لخديجة ابن عم قد ذكرت له وذكر لها ـ وهو ورقة بن نوفل ـ وكان على دين النصرانية وكان يذكر إنه أزف (٥) وقت ظهور نبيّ من العرب يبعثه الله عز وجل على جميع الامم مع ما سمعته من الأخبار عن رسول الله صلوات الله عليه وآله فقالت : والله إن هذا أولى بي من ورقة وغيره ، فأرسلت إليه ، فتزوجته. وكانت من أفضل نسائه ، وكل ولده منها خلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية ، وولدت له أكبر ولده وهو القاسم

__________________

(١) الأنوار للبكري ص ٢٨٤.

(٢) قال السكي :

و ميسرة قد عاين الملكين ذا

إظلاك لما سرت ثاني سفره

٣) قال ابو جهل : يا قوم ما رأيت ربحا أكثر من ربح محمد لخديجة ( الأنوار للبكري ص ٢٩٠ ).

(٤) قال ابن شهر اشوب في المناقب ١ / ٤١ : فاعتقت ميسرة وأولادها واعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة.

(٥) قال الرازي في مختار الصحاح : ازف الرحيل دنا. ومنه قوله تعالى : ( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) يعني القيامة.

١٨٥

وبه كان يكنى صلوات الله عليه وآله وهو أكبر الذكور من ولدها منه ثم الطيّب ثم الطاهر ، وأكبر بناتها منه رقية ثم زينب ثم أمّ كلثوم ثم فاطمة ( عليها وعليهم‌السلام ) ، ولما تزوجها رسول الله صلوات الله عليه وآله لم تزل ترى منه ويخبرها بمثل ما استفاض الخبر به عنه من إعلام النبوة ، فتذكر ذلك لابن عمها ورقة (١) فيبشرها ويغبطها ويعظمها به ويقول : والله إنه لهو النبيّ المنتظر. ومات ورقة قبل أن يبعث رسول الله صلوات الله عليه وآله وكان شاعرا. وكان كلما أخبرته خديجة بما تشاهده منه ويخبرها به رسول الله صلوات الله عليه وآله يستبطئ أمره ويقول : حتى متى يبعث رسول الله صلوات الله عليه وآله فاومن به؟ وفي ذلك يقول :

لججت وكنت في الذكرى لجوجا

لهمّ طال ما بعث النشيجا

لوصف من خديجة بعد وصف

فقد طال انتظاري يا خديجا

بما خبرته من قول قسّ (٢)

من الرهبان يكبر أن يعوجا

ببطن المكتين على رجائي

حديثك ان أرى منه خروجا

__________________

(١) وهو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى. وقد قال عند ما أخبرته خديجة : ما أراه إلا نبيّ هذه الامّة الذي بشّر به موسى وعيسى. وقد قال هذه الأبيات :

يا للرجال وصرف الدهر الغدر

هذي خديجة تأتيني لأخبرها

وما لنا بخفيّ الغيب من خبر

بأن أحمد ياتيه فيخبره

جبريل إنك مبعوث الى البشر

فقلت على ترجين ينجزه

له الا له فارجى الخير وانتظرى

( الإصابة لابن حجر ٣ / ٦٣٤ ) أقول : وهذا ينافي ما صرح به المؤلف : إنه مات قبل البعثة.

(٢) قس بن ساعدة الأيادي : وهو خطيب العرب قاطبة. والمضروب به المثل في البلاغة والحكمة كان يدين بالتوحيد. وسمعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل البعثة يخطب في عكاظ ، فأثنى عليه ، جواهر الادب للهاشمي ٢ / ١٩. وفي نسخة ـ ب ـ من قول قيس.

١٨٦

بأن محمدا سيسود قوما

ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر في البلاد ضياء نور (١)

يقيم به البرية إن تموجا

فيلقى من يحاربه خسارا

ويلقى من يسالمه فلوجا

فيا ليتي إذا ما كان ذاكم

شهدت وكنت أولهم ولوجا

ولوجا في الذي كرهت قريش

ولو عجت بمكتها عجيجا

أرجّي بالذي كرهوا جميعا

الى ذي العرش إن سفلوا عروجا

وهل أمر السفالة غير كفر

بمن يختار من سمك البروجا

فإن يبقوا وأبق تكن امور

يضجّ الكافرون لها ضجيجا

وإن أهلك فكلّ فتى سيلقى

من الأقدار مبلغه خروجا

[ ضبط الغريب ]

النشيج من البكاء ، يقال : نشج الباكي إذا غصّ البكاء في حلقه.

فهذا سبب (٢) خديجة رضوان الله عليها ورحمته.

__________________

(١) وفي نسخة ـ ب ـ ضياء عدل.

(٢) هكذا في الأصل.

١٨٧

[ اختصاص عليّ بالرسول صلى الله عليه وآله ]

أما علي بن أبي طالب ( صلوات الله عليه ) فإن سببه في ذلك إن أشراف العرب وأهل [ السيادة ] (١) منهم كانوا إذا شبّ لأحدهم الولد ، وأراد تقويمه وتأديبه دفعه الى شريف من أشراف قومه ليلي ذلك منه ويستخدمه فيما يقوّمه به لئلاّ يدلّ في ذلك عليه دلالة الولد على الوالد.

وكان لأبي طالب ثلاثة من الولد (٢) أكبرهم سنّا عقيل ابن أبي طالب ، وأوسطهم جعفر ، وبينه وبين عقيل عشر سنين ، وأصغرهم علي ( صلوات الله عليه ) ، وبينه وبين جعفر عشر سنين فلما شبّ عقيل دفعه أبو طالب إلى عباس أخيه ، ولما شبّ جعفر دفعه إلى حمزة أخيه ، ولما شبّ علي دفعه إلى رسول الله صلوات الله عليه وآله.

وفي رواية اخرى إنه دفع جعفر إلى عباس وعليا عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبقى عقيلا عنده.

فلما لحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرجال وبان بنفسه وتأهّل ، فكان

__________________

(١) وفي الأصل : السادات.

(٢) ولم يذكر المؤلف طالبا الولد الأرشد لأبي طالب وقد ذكره في ج ١٣ مفصلا عند الحديث عن اسرة أبي طالب فراجع.

١٨٨

علي عليه‌السلام عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما أتى رسول الله صلوات الله عليه وآله جبرائيل عليه‌السلام بالرسالة عن الله عز وجل ، وذلك في يوم الإثنين ، أطلع خديجة على ذلك حسبما كان يطلعها عليه مما يراه ويتصل به من مواد الله عز وجل أناه بمخائل النبوة التي أهّله لها ، فكان ذلك مما تقدم عندها على ما ذكرناه وتأكد لديها ، فلم تزل مستشرفة إليه منتظرة له ، فلما أتاها به رسول الله صلوات الله عليه وآله أسلمت في الوقت.

[١٤٧] ثم دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غد يوم الثلاثاء عليا عليه‌السلام وهو صغير لا علم عنده بذلك ولا خبر.

فقال له : بأبي أنت وامّي انظرني ساعة (١) فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أنظرك ما شئت ولكن يكون ما قلته لك أمانة عندك أن لا يطلع عليه أحد غيرك. فقال علي عليه‌السلام : إنما أردت أن لا أتقدم في ذلك إلا عن رأي أبي ، فإذا ما قلت فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسوله.

فكانت نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الإثنين وأسلم علي عليه‌السلام من غد يوم الثلاثاء كما جاء ذلك مأثورا في أول هذا الباب ، وهو كما ذكرنا مما يؤثره أكثر العوام وبإسنادهم حكيت أكثر ما حكيته منه ، وكان ذلك مما امتحن الله عز وجل به قلب علي عليه‌السلام بالإيمان به وبرسوله على حداثة سنّه وقرب عهده ، فوجده عند ما ارتضاه منه وأرضاه.

وقد طعن قوم من العامة من مبغضيه الذين أبغضهم الله عز وجل ، وأخبر بذلك على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : إن إسلامه

__________________

(١) أقول : أهذا هو جواب طفل غير رشيد؟ أم هو من نبوغ العقل لذا تقدم.

١٨٩

يومئذ لا يعدّ إسلاما لأنه لم يكن بالغا مكلّفا ، وهذا منهم طعن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان قد دعاه إلى الإسلام ، وقبله منه. وهو بزعمهم غير مقبول ، ولا واجب عليه مع جهل هؤلاء بدين الله عز وجل ، وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أنزله عليه عز وجل في كتابه ، فقد قال جلّ ثناؤه : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (١) والحكم درجة بعد الاسلام ولا يكون إلا لمن يستحقه ، وقد رووا عن عبد الله بن عمر هو وأمثاله من الصحابة عندهم ممن يجب اتباعه ولا يجوز عندهم مخالفة قوله ، إنه قال : إذا بلغ الصبي سبع سنين كتب إيمانه وكفره. وحجته في ذلك عندهم اسلام علي عليه‌السلام [ وذكروا ] بأجمعهم قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه (٢). وأجمعوا كذلك أن حكم الولد حكم أبويه ودينه على دينهما حتى يختار الخروج منه ، فاذا كان مولودا على الفطرة لم يجز أن ينقل عنها حتى يبلغ ، وهو اذا بلغ عندهم على الإسلام ثم اختار غيره استتيب فان تاب وإلا قتل. وفي هذا كلام يطول ذكره.

[١٤٨] ومما رووه في نفس هذا المعنى عن عمرو بن سلمة ، إنه قال : كنا بحاضرا يمرّ بنا من جاء من عند النبيّ صلوات الله عليه وآله ، فيحدّثون عنه عليه الصلاة والسّلام ، فحفظت قرآنا كثيرا ، فوفدوا بي الى النبيّ في نفر من قومي ، فعلّمهم الصلاة ، وقال : ليؤمّكم أقرأكم ، فقدموني ، وكنت اؤمّهم وأنا ابن ثمان سنين ، وكان عليّ بردة إذا سجدت انكشف سوءتي. فقال امرؤ من القوم : واروا سوءة إمامكم ، فكسوني عمامة معقدة ،

__________________

(١) مريم : ١٢.

(٢) أي يسلك الطريقة المجوسية في حياته العملية.

١٩٠

فما فرحت بشيء بعد الإسلام مثل ما فرحت بها.

فهذا عمرو بن سلمة أحد الصحابة الذين لا يجوز خلاف قولهم عندهم يخبر أنه أسلم ووفد على رسول الله صلوات الله عليه وآله وأمّ الناس بعد ذلك وهو ابن ثمان سنين.

إنما قال من قال : بأن إسلام علي عليه‌السلام لم يكن إسلاما ليدفع بذلك فضله بزعمه على أبي بكر وعمر وغيره ممن تقدم عليه لأن الله عز وجل يقول : « وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (١) ، ولا يجوز أن يكون المقرّب عند الله يتقدمه من يكون هو أقرب إليه منه ، ورسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : إمام القوم وافدهم الى الله ، وكذلك إنما يتقدم القوم في كلّ شيء إمامهم ولا يكون ذلك إلا لمن هو أقربهم الى الله عز وجل والى رسوله ... (٢) بينه وبين علي عليه‌السلام.

[١٤٩] بإسناد آخر عن حبة العرني ، قال : قال علي عليه‌السلام بعرفة : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، لم يقلها أحد قبلي ولا يقولها أحد بعدي إلا كاذب.

[١٥٠] وبآخر عن عبد الله بن عمر ، قال : آخى رسول الله صلوات الله عليه وآله بين أصحابه ولم يذكر عليا عليه‌السلام ، فقام وعيناه تهملان.

فقال : يا رسول الله ، مالي تركتني بلا أخ. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لنفسي تركتك ، أنت أخي في الدنيا والآخرة (٣).

[١٥١] بآخر عن أسماء بنت عميس ، قالت : وقف رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الواقعة : ١٠.

(٢) هكذا في الاصل.

(٣) وهذا الحديث لم يكن في نسخة ـ أ ـ.

١٩١

عليه وآله بجمع امراد مزدلفة في حجة الوداع مستقبلا ثبير (١) ، فقال : اللهمّ اني أقول كما قال أخي موسى : اللهمّ اغفر لي ذنبي واشرح لي صدري ويسّر لي أمري ، واحطط عني وزري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي اشدد به أزري وأشركه في أمرى كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا (٢).

[١٥٢] وبآخر ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : خطبنا علي عليه‌السلام فقال : أيها الناس أنا ابن عمّ رسول الله صلوات الله عليه وآله وأخو رسول الله صلوات الله عليه وآله ووصيّ رسول الله ، ووارث رسول الله ، وابنته زوجتي وخير نساء امّته ، فمن زعم أن وحيا ينزل بعد محمّد صلوات الله عليه وآله فقد كفر بالرحمن عز وجل.

[١٥٣] وبآخر ، عن أبي يحيى ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام وهو على المنبر يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها أحد غيري إلا كذاب. فقال رجل (٣) : وأنا عبد الله وأخو رسوله ، فأصابته جنّة.

[١٥٤] وبآخر ، عن كثير بن سعد ، عن أبي يحيى ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام ما لا احصيه ، أو قال : أكثر من الف مرة يقول ـ على المنبر ، ما صعد عليه إلا قال ـ : أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يقولها بعدي إلا كاذب.

__________________

(١) وفي تفسير فرات بن إبراهيم ص ٢١٦ : أشرق ثبير أشرق ثبير ، اللهمّ إني أسألك ما سألك أخي موسى. وفي ص ٩٢ الرواية منقولة أيضا عن إبراهيم بن أحمد عن عمر الهمداني إلا إن الجملة الاخيرة لم يذكرها.

(٢) وقد ورد شطرا من ذلك في سورة طه الآيات : ٢٩ ـ ٣٣.

(٣) وفي البحار للمجلسي ٤١ / ٢٠٥ : رجل من عبس.

١٩٢

[ الاخوّة ]

وهذه الأخبار أيضا ثابتة ، قد رواها الخاصّ والعام من طرق كثيرة ، ولم يختلفوا في صحتها ، ولم يكن علي عليه‌السلام أخا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اخوّة نسب في الظاهر لأبيه ولا لامّه ، ولا كان أخا شقيقا ، وإنما قال ذلك فيه إبانة (١) لمنزلته وإمامته وفضله على سائر المسلمين لئلاّ يتقدمه أحد منهم ولا يتأمّر عليه بعده إذ قد آخى بينهم أجمعين ، وقرن بين كلّ واحد منهم وصاحبه وأفرده هو من بينهم باخوّته. والعرب تقول للشيء إنه أخو الشيء إذا أشبهه أو قاربه أو وافق معناه. وقد قالوا في قوله الله عز وجل حكاية عن الذين أنكروا على مريم عليه‌السلام ولادة عيسى عليه‌السلام : « يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا » (٢). قالوا : كان هارون هذا في ذلك الوقت رجلا عاهرا فشبهوها به بأن قالوا : يا اخت هارون : يا شبيهة هارون في عهره. وهذا معروف في لسان العرب.

فلما كان عليه‌السلام وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في امّته وخليفته عليها من بعده ، والقائم فيها مقامه. وكان أقرب الناس شبها في المنزلة به ، وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى منزلة منه وقدرا ، وإنه أقربهم إليه في ذلك كما ذكرناه إنه يجوز أن يقال للشيء إذا قارن الشيء وشاكله إنه أخوه ، فأكّد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما جعله له من الإمامة بذلك ، وبغيره مما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب من وجوه شتى مع النصّ عليه الذي ذكرناه.

وأما الاخوّة في النسب الظاهر فليست بموجبة لهذا المقام بلا نص ، لأنه قد يكون المؤمن أخا للكافر وللمنافق في النسب ويختلفان في الحال والمذهب. وإنما

__________________

(١) إظهارا.

(٢) مريم : ٢٨.

١٩٣

اخوّة الدين فإنما تكون لاعتقاده والتشابه فيه والاجتماع عليه ، لذلك قال الله عز وجل : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » (١) لاتفاقهم على الايمان ، فكانوا إخوة فيه لاتفاقهم عليه ، وأبان الله عز وجل عليا عليه‌السلام على لسان رسوله بأن جعله مشاكلا موافقا له إذ قد خصّه باخوّته من بين جميع المؤمنين ، ولم يكن لأحد منهم مع ذلك أن يتقدمه ولا يتأمّر عليه كما لم يكن لهم أن يفعلوا ذلك مع رسول الله صلوات الله عليه وآله.

__________________

(١) الحجرات : ١٠.

١٩٤

[ تفضيل علي عليه السلام ]

ومما جاء النصّ به من تفضيل علي عليه‌السلام باسمه :

[١٥٥] بإسناد آخر ، عن أنس بن مالك ، قال : كنا نتهيب أن نسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نزلت : « إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ » (١) رأينا (٢) أن نفسه نعيت إليه. فقلنا : يا رسول الله أرأيت إن كان شيء فمن نسأل بعدك؟! فقال : أخي ووزيري وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

[١٥٦] وبآخر عن السدي ، قال : دخل علي صلوات الله عليه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعائشة جالسة فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا بسيد العرب. فقالت عائشة : يا رسول الله أولست سيد العرب؟.

قال : أنا سيد ولد آدم عليه‌السلام ولا فخر ، وعلي سيد العرب (٣).

[١٥٧] وبآخر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري : إنه ذكر عنده علي عليه‌السلام فقال : ذلك خير البرية أو قال : خير البشر. يعني عليا

__________________

(١) النصر : ١.

(٢) علمنا ، كما في تاريخ دمشق لابن عساكر ١ / ١١٥.

(٣) هذا الحديث لم يكن في نسخة ـ أ ـ.

١٩٥

صلوات الله عليه.

[١٥٨] وبآخر أيضا عنه إنه ذكر عليا عليه‌السلام فقال : علي عليه‌السلام خير البشر لا يشكّ فيه إلا منافق.

[١٥٩] وبآخر ، عن عمّار بن ياسر رحمه‌الله إنه قال يوما لقوم اجتمعوا إليه : من أخير الناس وأفضلهم عندكم؟ قالوا : عمر ؛ أمير المؤمنين ؛ فتح الفتوح ، ومصّر الأمصاء ، وذلك في أيامه. فسكت. فقالوا : ما تقول يا أبا اليقظان؟ قال : أقول ما قد سمعت من رسول الله صلوات الله عليه وآله ، إنه قال : علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر. وسمعته صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ما من قوم ولّوا امورهم رجلا وفيهم من هو خير منه إلا كان أمرهم الى سفال.

[١٦٠] وبآخر ، عن محمد بن قيس ، عن أبيه ، قال : كنا عند الأعمش (١) ـ فتذاكرنا الاختلاف ـ فقال : أنا أعلم من أين وقع الاختلاف. قلت : من أين وقع؟ قال : ليس هذا موضع ذكر ذلك. قال : فأتيته بعد ذلك فخلوت به. وقلت : ذكرنا الاختلاف الواقع ، وذكرت إنك تعلم من أين وقع. فسألتك عن ذلك ، فقلت : ليس هذا موضع ذلك. وقد جئتك خاليا. فأخبرني من أين وقع الاختلاف؟ قال : نعم ، وليّ أمر هذه الامة من لم يكن عنده علم فسئل. فسأل (٢) الناس فاختلفوا فلو ردوا هذا الأمر في موضعه ما كان اختلاف. قلت : الى من؟ قال : الى من كان يسأل بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما سئل أحد غيره ، إلى من كان يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، وإنكم لن تجدوا أعلم بما بين اللوحين

__________________

(١) سلمان بن مهران الاسدي ـ راجع قسم التراجم ـ.

(٢) وفي الأصل فسئل فبال الناس.

١٩٦

مني ، إلى من كان يضرب بيده على صدره ، ويقول : إن هاهنا لعلما جمّا لم أجد له حمله ، الى من قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه : أقضاكم علي بن أبي طالب.

[١٦١] وبآخر ، عن الحسن البصري ، قال : دخلت مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فجلست الى عبد الله بن عمر ، وذلك في يوم الجمعة الى أن طلع علينا مروان ، فخطب ، وصلّى ، فجعل عبد الله بن عمر يقول : رحمك الله يا سلمان. ويكرر ذلك. فقلت له : يا أبا عبد الرحمن ، لقد ذكرت من سلمان شيئا. قال : نعم ، خرج علينا عشية بايع الناس لأبي بكر ، فقال : أما والله لقد أطمعتم فيها أولاد العتل (١) ولو وليتموها أهل بيت نبيّكم ما طمع فيها غيرهم ، وذكرت قوله هذا لما رأيت مروان (٢) على المنبر.

[١٦٢] وعن أبي صالح ، قال : لما حضرت عمر الوفاة جمع أهل الشورى ـ فاجتمع عنده علي صلوات الله عليه وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص واناس من المهاجرين والأنصار : ـ فحمد الله تعالى وأثنى عليه. وقال : إني مفارقكم كالذي فارقكم من قبلي ، وإني أسألكم بالله هل تعلمون عليّ مظلمة أو تباعة لأحد من الناس من المسلمين والمعاهدين؟ فقالوا جميعا : اللهمّ ، لا. وسكت علي صلوات الله عليه. فقال : ألم تكونوا راضين الى يومكم هذا؟ قالوا : نعم. ولم يقل علي عليه‌السلام شيئا. فنظر إليه عمر ، وقال : ما تقول يا أبا الحسن. قال : أقول : غفر الله لي ولك يا عمر أنت الى رضا من تقدم عليه أحوج منك

__________________

(١) العتل : الغليظ الجافي وغيره.

(٢) وهو الذي لعنه الرسول ونصبه معاوية أمير المدينة ( تذكرة الخواص ص ١٧ ).

١٩٧

الى رضانا ، فقال له الزبير بن العوام : يا أبا الحسن ، إن في صدر أمير المؤمنين هاجسا ، ولم يقبل عليك بالمسألة من بيننا إلا لتسمعه خيرا. فقال علي عليه‌السلام : إن يكن فيما كان منه إليّ خاصة ـ ما قد عرفت ـ فقد أحسّ فيما ولّي من امور العامة ، وقد أوصاني خليلي أن تغفر المظلمة في خاصتنا ، وأنا أقول كما قال يوسف : « لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ » (١). قال عمر : ولك يغفر الله ، يا أبا الحسن ، فقديما كنت سباقا الى الخير. ثم قال : يا معشر المهاجرين والأنصار إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرنا من قبل أن يقبض : إن الله مولى رسوله ، وإن رسوله مولى كل مؤمن ، وأولى المؤمنين من أنفسهم ، وإن علي بن أبي طالب مولى من كان رسول الله صلوات الله عليه وآله مولاه.

[١٦٣] محمد بن سنان عن [ أبي ] الجارود [ زياد بن المنذر ] عن عمر المرادي قال : كنت أرى رأي الخوارج لأني لم أر قوما أشدّ منهم اجتهادا ولا أسخى نفوسا بالموت ، وكنت آتي القضاة والفقهاء ، فقال لي رجل يوما من الأيام : هل أدلّك على امرأة ليس بالبصرة فقيه ولا مجتهد إلا وهو يأتيها؟ قلت : وددت ذلك. فوصف لي منزلها ، فدخلت عليها ، فإذا بامرأة قد طعنت في السن ، عليها أثر العبادة ، في ناحية من دارها رجل (٢) ملتفّ في خلق ، فظننت أنه بعض من يخدمها. فقالت لي : ما حاجتك يا عبد الله؟ قلت : إني رجل أرى رأي الخوارج لأني رأيتهم أشدّ الناس اجتهادا وأسخاهم نفوسا بالموت ، فرفع إليّ الشيخ رأسه ، وقال : إنك لتحطب في حبل قوم في النار يسبّون الله ورسوله بسبّهم أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فأقبلت عليه كالمنكر لما قال. فقالت لي

__________________

(١) يوسف : ٩٢.

(٢) وفي نسخة ـ ب ـ : شيخ.

١٩٨

المرأة : يا عبد الله أتدري من هذا الشيخ؟ هذا أبو الحمراء خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . فقلت له : ما عرفتك. فأخبرني عمّا عندك في علي عليه‌السلام. قال : أخبرك بما رأت عيناي وسمعت اذناي ومشت فيه قدماي ، بينا أنا بين يدي رسول الله صلوات الله عليه وآله أخدمه ، إذ قال لي : يا أبا الحمراء اخرج فأتني بمائة رجل من العرب ، وسمّاهم لي ، وخرجت فأتيته بهم ، فصفهم صفا بين يديه. ثم قال لي : اخرج فأتني بكذا وكذا (١) من العجم ، وسمّاهم لي. فأتيته بهم فصفهم صفا خلف صفّ العرب ، ثم قال لي : اخرج فائتني بقوم من القبط ، وسمّاهم لي ، فأتيته بهم ، فصفهم وراء العجم ، ثم قال لي : ائتني بنفر من الحبش وسمّاهم لي ، فأتيته بهم ، فصفهم من وراء القبط ، ثم أقبل على جميعهم ، وقال : (٢) أتشهدون إني مولى المؤمنين ، وأولى بهم من أنفسهم؟ قالوا : اللهمّ نعم ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ، هل سمعتم وأطعتم. قالوا : نعم ، يا رسول الله! قال : اللهمّ اشهد ، ثم قال لي : يا أبا الحمراء (٣) ، ائتني بأديم ودواة. فأتيته بذلك ، ثم قال لي : أكتب :

__________________

(١) وفي أمالي الصدوق ص ٣١٣ : وخمسين رجلا من العجم وثلاثين رجلا من القبط وعشرين رجلا من الحبشة.

(٢) وفي البحار ٣٨ / ١٠٦ : ثم قام ، فحمد الله وأثنى عليه ومجد الله بتمجيد لم يسمع الخلائق بمثله ، ثم قال : يا معشر العرب والعجم والقبط والحبشة أقررتم بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا عبده ورسوله ، فقالوا : نعم. فقال : اللهمّ اشهد ، حتى قالها ثلاثا.

(٣) وفي الأمالي والبحار : ثم قال لعلي عليه‌السلام : يا أبا الحسن ، انطلق فائتني بصحيفة ودواة ، فدفعها الى علي بن أبي طالب ، ثم قال له : اكتب.

أقول : أظن بنظري القاصر العبارة في الكتابين مصحّفة.

١٩٩

بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أقرّت به العرب والعجم والقبط والحبش إن الله جلّ ثناؤه مولى رسوله ، ورسوله مولى المؤمنين وأولى بهم من أنفسهم ، وإن من كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

ثم أخذ الكتاب فختمه ودفعه إلى علي فو الله ما أدري ما صنع به.

وقد روى أيضا هذا الحديث محمد بن جرير الطبري في كتابه الذي قدمنا ذكره.

[١٦٤] وبآخر ، عن علي بن حزور ، يرفعه ، قال : لما فرغ أمير المؤمنين صلوات الله عليه من قتال أهل البصرة ، فوقف صلوات الله عليه على أفواه ثلاث سكك ، ووقف الناس من حوله ، فقال عليه‌السلام : ألا أخبركم بخير الخلق عند الله يوم القيامة. قالوا : نعم ، يا أمير المؤمنين فخبّرنا ، فقال : هم شيعة من ولد عبد المطلب. قال له عمّار [ بن ياسر ] : سمّهم لنا يا أمير المؤمنين. قال : ما حدثتكم إلا وأنا اريد أن أخبركم بأسمائهم. هم : رسول الله وصاحبكم وصيّه وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهديّ منا أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.

[١٦٥] [ الحسين ] (١) بن الحكم الحبري ، باسناده ، عن ربيعة السعدي ، قال : لما كان من أمر عثمان ما كان بايع الناس عليا عليه‌السلام ، وكان حذيفة اليماني على المدائن يوم قتل عثمان ، فبعث إليه علي عليه‌السلام بعهده ، وأخبره بما كان من أمر الناس وبيعتهم إياه. فنادى حذيفة

__________________

(١) وفي الأصل : الحسن ، ولم يكن أحد بهذا الاسم أما الحسين بن الحكم الحبري هو صاحب كتاب ( ما نزل من القرآن في علي ) ويذكر المؤلف منه فيما بعد.

٢٠٠