الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-51-5
الصفحات: ٣١١

المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطوية والسريرة ، ومن ثم قيل فيه : هو باقر العلم وجامعه ، وشاهر عَلمه ورافعه ، صفا قلبه ، وزكى عمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه ، وعمرت أوقاته بطاعة اللّه ... (١).

وذكر سبط ابن الجوزي رأياً غريباً في سبب هذا اللقب ، قال : وإنّما سمّي الباقر من كثرة سجوده ، من بقر السجود جبهته ، أي فتحها ووسعها. وقيل : لغزارة علمه (٢). والقول الأول الذي ذكره السبط معارض بما سنذكره من بشارة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بولادته ، وذكره اسمه ولقبه ، وكونه يبقر العلم بقراً ، ومعارض بإجماع غالب العلماء في معنى هذا الاسم المبارك ، فضلاً عن أن اللغة لا تساعد على ما يقول.

بشارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بالباقر عليه‌السلام :

روي بطرق عدّة أنّ النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بشّر جابر بن عبد اللّه الأنصاري بأنّه يدرك زمان الباقر عليه‌السلام ، وسمّاه له ولقّبه ، وذكر بأنّه يبقر العلم بقراً ، وأنّ اللّه يهب له النور والحكمة ، وأبلغه سلامه.

روى الطبري عن أبان بن تغلب ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «جاءني جابر ابن عبد اللّه وأنا في الكتّاب ، فقال لي : اكشف لي عن بطنك ، فكشفت له عن بطني فقبله ، ثم قال : إن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن أقرئك السلام» (٣).

وروى جابر عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : «يا جابر ، يوشك أن تبقى حتى

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٢٠.

(٢) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣٤٦.

(٣) المنتخب من ذيل المذيل / الطبري : ١٢٩ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧٥.

٦١

تلقى ولداً من ولدي ، يقال له محمد بن علي بن الحسين ، يبقر العلم بقراً ، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام. قال جابر رضي‌الله‌عنه : فأخّر اللّه تعالى مدّتي حتّى رأيت الباقر ، فأقرأته السلام عن جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

وروى المديني عن جابر ، أنّه قال للباقر عليه‌السلام وهو صغير : رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يسلّم عليك ، فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره ، وهو يداعبه ، فقال : «يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين ، فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر ، فأقرئه منّي السلام».

وفي بعض الأحاديث : وإن لقيته فاعلم أنّ بقاءك بعده قليل ، فلم يعش جابر رضي‌الله‌عنه بعد ذلك إلاّ قليلاً (١) ، وذلك من أعلام النبوة.

__________________

(١) هذا الحديث مروي بطرق وألفاظ متعدّدة ، قال ابن شهرآشوب : حديث جابر مشهور معروف ، رواه فقهاء المدينة والعراق كلّهم ، وقد أخبرني جدي شهرآشوب وابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيب ، وسليمان الأعمش ، وأبان ابن تغلب ، ومحمد بن مسلم ، وزرارة بن أعين ، وأبي خالد الكابلي ، ثم روى الحديث. راجع : تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ٨٠ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠ ، الكافي ١ : ٤٦٩ ، معاني الأخبار : ٢٨٠ ، عيون الأخبار / الدينوري ١ : ٢١٢ ، الإرشاد ٢ : ١٥٨ ، الاختصاص : ٦٢ ، رجال الكشي : ٤١ / ٨٨ ، الأمالي / الطوسي : ٦٣٦ / ١٣١٤ / ١٦ ، دلائل الإمامة : ٢١٨ ، الهداية : ٢٣٧ ، روضة الواعظين : ٢٠٢ و ٢٠٦ ، تذكرة الخواص : ٣٤٧ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٧ ، مطالب السؤول : ٨١ ، الصواعق المحرقة : ١٢٠ ، كشف الغمة ٢ : ٣٣٠ و ٣٤٩ ، الكامل / ابن عدي : ٦ / ٢٤٠ ، تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام / ابن الخشاب : ٢٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٤ ، إعلام الورى ١ : ٥٠٥ ، لسان الميزان ٥ : ١٦٨ ، نور

٦٢

وقالوا في معنى يبقر العلم بقراً الواردة في حديث رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أي يفجّره تفجيراً ، ويظهره إظهاراً.

ونقل في بعض الأحاديث أنّ آباء الباقر عليهم‌السلام قد أبلغوه سلام جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً ، ففي وصية أمير المؤمنين علي إلى ولده الحسن عليهما‌السلام : أنّه أخذ بيد علي بن الحسين ، وقال : «وأمرك رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي ، فأقرئه من رسول اللّه ومنّي السلام» (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «أجلسني جدّي الحسين بن علي في حجره ، وقال لي : رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرئك السلام. وقال لي علي بن الحسين : أجلسني علي بن أبي طالب في حجره ، وقال لي : رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرئك السلام» (٢).

وفي حديث عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه أقبل على الحسين عليه‌السلام ، فقال : «سيولد محمّد بن عليّ في حياتك ، فأقرئه منّي السلام» (٣).

أصل اللقب :

روي في الحديث أنّ الإمام أبا جعفر عليه‌السلام معروف في كتاب التوراة بالباقر ، منه ما رواه جابر عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث ورد فيه النصّ على الأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، قال : «ثم محمد بن علي المعروف في التوراة

__________________

الأبصار : ١٤٣ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٢٢ ، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب / السويدي : ٣٢٩ وغيرها كثير.

(١) كتاب سليم : ٤٤٤ ، الكافي ١ : ٢٩٧ ، التهذيب ٩ : ١٧٦ / ٧١٤.

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧٥ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٤.

(٣) الغيبة / النعماني : ٨٠ / ١٠.

٦٣

بالباقر» (١).

وعن أبي خالد الكابلي ، أنّه سأل الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام عن الإمام بعده ، فقال : «ابني محمد ، واسمه في التوراة باقر» (٢).

وعن ابن بابويه القمّي ، عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، قال : «اسم جدّي أبي جعفر عليه‌السلام في التوراة باقر» (٣).

هشام يخالف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أصبح من الواضح والمسلّم أن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي بشّر بولادة الإمام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، وسمّاه محمداً ، ولقّبه الباقر ، غير أن هشام بن عبد الملك بن مروان بلغ من الجرأة على اللّه ورسوله إلى الحدّ الذي سمّي باقر العلم وفالق صبحه في زمان الجهل الأموي بالبقرة ، وذلك في محضر أخيه زيد بن علي حين وفد على هشام ، فقال له هشام : ما يصنع أخوك البقرة؟ فغضب زيد ، حتى كاد يخرج من إهابه ، ثم قال : لشدّ ما خالفت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمّاه رسول اللّه الباقر ، وتسميه أنت البقرة! لشدّ ما اختلفتما! لتخالفنّه في الآخرة كما خالفته في الدنيا ، فيرد الجنة وترد النار (٤).

قال الشاعر (٥) :

تبّاً له تاللّه باللّه كفر

مذ بدل الباقر كفراً بالبقر

__________________

(١) إكمال الدين : ٢٥٣ / ٣.

(٢) علل الشرائع ١ : ٢٣٤ / ١ ، إكمال الدين : ٣١٩ / ٢.

(٣) الإمامة والتبصرة : ٦٤.

(٤) عمدة الطالب : ١٩٤ ، شرح نهج البلاغة ٣ : ١٣٢ و ٢٨٦ ، عيون الأخبار / ابن قتيبة ١ : ٢١٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٧.

(٥) هو الشيخ محمد حسين الأصفهاني.

٦٤

وكذب النبي في مقالته

وتاه في الغي وفي ضلالته (١)

مخالفة لابن تيمية :

ليس هشام وحده مخالفاً لما جاء عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل درج ابن تيمية في غالب ما صنفه على الإنكار للمسلمات والمخالفة للبديهيات ، مما أوقعه في مطبّات وتناقضات عديدة أحصاها عليه حتّى أتباعه ، ومع ما قدّمناه من مصادر حديث تسمية محمد بن علي عليهما‌السلام بالباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن بينها مصادر اعتمد ابن تيمية عليها ، مثل عيون أخبار ابن قتيبة ، ذكر ابن تيمية أنّه حديث موضوع.

وقال : ونقل تسميته بالباقر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة ، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام ، هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث (٢).

ولكن لا عتب على ابن تيمية بعد أن كفّره الكثير من علماء أهل السنّة وحكموا بردّته وأباحوا دمه ، وبعضهم صرّح بنصبه وتحامله على أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام كابن حجر وغيره ، ولا زالت شرذمة الوهابية التي ابتدعت لها ديناً جديداً يجوز لها قطع رؤوس المسلمين وتهديم مساجدهم ، يبجّلونه ويعدونه إماماً لهم.

نعم .. لا عتب عليه ولا على أمثاله من الذين لا يعرفون عن الإمام الباقر عليه‌السلام إلاّ كما يعرف ابن كثير كما مرّ قوله من أنه عليه‌السلام استُشهد بكربلاء!!!

__________________

(١) الأنوار القدسية : ٧٧.

(٢) منهاج السنّة ٢ : ١٥٣.

٦٥

شمائله وحليته عليه‌السلام :

كان الإمام الباقر عليه‌السلام يشبه جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في شمائله وأخلاقه وهديه وسمته ، وقد وصفه بذلك جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل مولده ، وجاء ذلك على لسان الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي‌الله‌عنه بعد أن رآه في أكثر من مناسبة ، ففي تاريخ اليعقوبي ، قال جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي‌الله‌عنه : قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّك ستبقى حتّى ترى رجلاً من ولدي أشبه الناس بي اسمه على اسمي ، إذا رأيته لم يخل عليك ، فأقرئه مني السلام ، فلما كبرت سنّ جابر ، وخاف الموت ، جعل يقول : يا باقر ، يا باقر ، أين أنت؟ حتى رآه فوقع عليه يقبّل يديه ورجليه ، ويقول : بأبي وأُمّي شبيه أبيه رسول اللّه ، إنّ أباك يقرئك السلام» (١).

وروى أبان بن تغلب ، عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام قال : «إنّ جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي‌الله‌عنه كان يقعد في مسجد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معتجر بعمامة سوداء ، وكان ينادي : يا باقر العلم ، وكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر ، فكان يقول : لاواللّه ما أهجر ، ولكنّي سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّك ستدرك رجلاً منّي ، اسمه اسمي ، وشمائله شمائلي ، يبقر العلم بقراً» (٢).

وفي حديث آخر أن جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي‌الله‌عنه رأى الباقر عليه‌السلام يتردّد ذات يوم في بعض طرق المدينة ، فقال : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : شمائل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفسي بيده (٣). ومن هنا كان عليه‌السلام

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٧ ، إعلام الورى ١ : ٥٠٥.

(٣) الكافي ١ : ٤٦٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٧٩.

٦٦

يُدعى الشبيه ، لأنّه كان يشبه جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

قال الشاعر :

وكان كالنبي في شمائله

وفي صفاته وفي دلائله

ففي محيّاه حياة العرفا

وكيف لا وهو شبيه المصطفى

ووجهه الوجيه قبلة الورى

من كلّ ما يرى وما ليس يرى

وعينه عين عيون المعرفه

أسرارها بنورها منكشفه (٢)

ومن صفاته عليه‌السلام أنّه كان معتدل القامة ، أسمر اللون (٣) ، جعد الشعر ، رقيق البشرة ، ربع القامة ، ضامر الكشح ، مطرق الرأس ، حسن الصوت ، له خال على خدّه ، وخال أحمر في جسده.

وروي أنّه كان على جبهته وأنفه أثر السجود ، وكان يختضب بالحناء والكتم ، ويأخذ عارضيه ويبطن لحيته ، وروي أنّه كان يدوّرها (٤). وفي صفة ملبسه روي أنّه كان يلبس جبّة خزّ ومطرف خزّ ، ويرسل عمامته خلفه (٥).

زوجاته :

كان لدى الإمام الباقر عليه‌السلام من الزوجات الدائمة اثنتان ، هما : أُمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقيل : إنّ

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢١٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩.

(٢) الأنوار القدسية : ٧٥.

(٣) أخبار الدول ١ : ٣٣٢.

(٤) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢٢ و ٢٩٧ ، سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب / السويدي : ٣٢٩.

(٥) الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٧ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٧.

٦٧

اسمها فاطمة ، وأُمّ فروة كنيتها ، وتُعرف أيضاً باسم قريبة (١) ، وهي أُمّ الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام وعبد اللّه. وكانت من ذوات الإيمان والتقوى والعمل الصالح ، وهكذا أنبتها اللّه نباتاً حسناً كرامة لجدّها محمد رضي اللّه تعالى عنه.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «كانت أُمّي ممن آمنت واتّقت وأحسنت ، واللّه يحبّ المحسنين» (٢).

قال ابن أبي الحديد : وإلى أُمّ فروة أشار الرضا أبو الحسن عليه‌السلام بقوله :

يفاخرنا قوم بمن لم نلدهم

بتيم إذا عد السوابق أو عدي

وينسون من لو قدّموه لقدّموا

عذار جواد في الجياد مقلّد

فتى هاشم بعد النبي وباعها

لمرمى علا أو نيل مجد وسؤدد

ولولا علي ما علوا سرواتها

ولا جعجعوا فيها بمرعىً ومورد

أخذنا عليكم بالنبي وفاطم

طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي أحمد ووصيه

رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحزنا عتيقاً وهو غاية فخركم

بمولد بنت القاسم بن محمد (٣)

وزوجته الثانية هي أُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة بن الأخنس بن شريف الثقفي (٤) ، وهي أُمّ إبراهيم وعبيد اللّه.

والمعروف من السراري وأُمّهات الأولاد ، أُمّ ابنته أُمّ سلمة ، وأُمّ أولاده علي وزينب ، ويبدو من حديث الكافي عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أن

__________________

(١) إكمال الدين ١ : ٣٠٧ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، بحار الأنوار ٤٧ : ٥ / ١٥.

(٢) الكافي ١ : ٤٧٢ / ١ ، إثبات الوصية / المسعودي : ١٥٤.

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ : ٥٤.

(٤) كشف الغمّة ٢ : ١٣١ ، نور الأبصار : ١٥٩ ، التتمّة في تاريخ الأئمة عليهم‌السلام : ٩٥.

٦٨

زوجته أم علي كانت ترى رأي الخوارج ، فأراد منها الإمام عليه‌السلام أن ترجع عن رأيها ، فامتنعت فطلّقها (١). وسأله بعض مواليه عن سبب فراقها ، فقال : إنّي ذكرت عليّاً فتنقّصته ، فكرهت أن ألصق جمرة من جمر جهنم بجلدي (٢).

لكن يظهر من حديث مالك بن أعين في الكافي أيضاً أن الثقفية هي التي سمعها تبرأ من علي عليه‌السلام ، فطلّقها ولم يسعه أن يمسكها ، وهي تبرأ منه (٣).

ولم يرد في مصادر النسب وغيرها أنّ للثقفية ولداً اسمه علي ، بل المذكور أنّها أُمّ إبراهيم وعبيد اللّه ، وعليه فإنّ أُمّ علي غير الثقفية ، إلاّ أن نقول أن أُمّ ولده علي ثقفية أيضاً ، وأنّ الحديثين يدلاّن عليها ، أو نقول أنّه عليه‌السلام طلّقهما جميعاً.

نقش خاتمه :

وردت عدّة ألفاظ لنقش خاتمه عليه‌السلام ، ولا شك أن تعدّد النقوش يعود إلى تعدّد الخواتيم ، فروي عن الإمام الرضا عليه‌السلام أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام كان يتختّم بخاتم جدّه الحسين عليه‌السلام وكان نقشه : إنّ اللّه بالغ أمره (٤).

وعن أبي عبداللّه الصادق عليه‌السلام ، قال : «كان على خاتم محمد بن علي عليهما‌السلام :

ظنّي باللّه حسن

وبالنبـي المؤتمـن

وبالوصي ذي المنن

وبالحسين والحسن» (٥)

__________________

(١) الكافي ٦ : ٤٧٧ / ٦.

(٢) الكافي ٦ : ٥٥ / ١.

(٣) الكافي ٦ : ٤٤٧ / ٧.

(٤) بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢١.

(٥) كشف الغمّة ٢ : ٣٣١ ، مكارم الأخلاق : ٩٢ ، نور الأبصار : ١٥٨ ، مطالب السؤول : ٨١ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢١ ، التتمّة : ٩٤ ، سبائك الذهب : ٣٢٩ ، أخبار الدول ١ : ٣٣٢ ، نور الأبصار : ١٥٩.

٦٩

وعنه عليه‌السلام قال : «كان نقش خاتم أبي : القوّة للّه جميعاً» (١).

وعنه عليه‌السلام قال : «كان في خاتم أبيمحمدبن علي ، وكان خيرمحمديرأيته بعيني : العزّة للّه جميعاً» (٢). وروي أنّ نقش خاتمه عليه‌السلام : ربّ لاتذرني فرداً (٣).

شعراؤه :

جاء في تراجم الإمام الباقر عليه‌السلام أنّ الشعراء الذين يتواصلون مع الإمام الباقر عليه‌السلام هم : الكميت الأسدي ، والورد أخو الكميت ، وكثير عزّة ، ووجدت أنّ من الشعراء الذين عاصروه وأنشده بعضهم : أبو هريرة العجلي ، والشاعر الحجازي مالك بن أعين الجهني ، وسديف بن مهران بن ميمون المكّي.

وعدّ الشبلنجي من شعراء الإمام الباقر عليه‌السلام السيد الحميري (٤) ، غير أنّ السيّد الحميري ، وإن كان من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، لكنّه أكثر اختصاصاً بالإمام الصادق عليه‌السلام كما يبدو من أخباره ، لأنّه أدرك الإمام الباقر عليه‌السلام وعمره نحو تسع سنين ، حيث ولد سنة ١٠٥ هـ ، وتوفّي الإمام الباقر عليه‌السلام سنة ١١٤ هـ.

ولا ريب أنّ اتّصال أكثر من شاعر بالإمام الباقر عليه‌السلام ، يعني أنّه لم يهمل دور الشعر في إيصال ما يريد من أفكار واعتقادات ، ولم يترك أُسلوباً يتيح له التواصل بالأُمّة وإيصال رسالته العلمية والإصلاحية إلاّ وسلكه ، ولعلّ قراءة

__________________

(١) حلية الأولياء / أبو نعيم ٣ : ١٨٦ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٤٤.

(٢) قرب الإسناد : ٧٢ ، التهذيب ١ : ٣١ / ٢٢ ، الاستبصار ١ : ٤٨ / ٢ ، دلائل الإمامة : ٢١٦ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٢ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢٢٣.

(٣) نور الأبصار : ١٥٩ ، سبائك الذهب : ٣٢٩ ، أخبار الدول ١ : ٣٣٢.

(٤) نور الأبصار : ١٥٧.

٧٠

آثار بعض الشعراء الذين اتّصلوا بالأئمّة عليهم‌السلام كالكميت الأسدي والسيد الحميري وكثير عزّة والفرزدق وغيرهم ، تبيّن حجم المحتوى الفكري والتعبيري للشعر ، وأنّه احدى وسائل الإيصال الفكري المهمّة لعقائد الإسلام فضلاً عمّا يشتمل عليه من عناصر الجمال والإبداع.

وسوف نذكر أهمّ الشعراء الذي عُدّوا من شعرائه عليه‌السلام مع بيان اليسير من قصائدهم وأبياتهم ، كالآتي :

١ ـ الكميت الأسدي :

عن زرارة قال : أنّ الكميت أنشد الإمام أبا جعفر الباقر عليه‌السلام قصيدته التي مطلعها :

من لقلب متيّم مستهام

غير ما صبوة ولا أحلام

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا تزال مؤيّدا بروح القدس ما دمت تقول فينا (١).

ثم توجّه الإمام عليه‌السلام إلى الكعبة فقال : اللّهمّ ارحم الكميت واغفر له ، ثلاث مرّات. ثم قال : يا كميت ، هذه مائة ألف ، قد جمعتها لك من أهل بيتي. فقال الكميت : لا واللّه لا يعلم أحد أنّي آخذ منها حتّى يكون اللّه عزّوجلّ الذي يكافيني ، ولكن تكرمني بقميص من قمصك ، فأعطاه» (٢).

وروى جابر الجعفي أنّ الكميت قال للإمام الباقر عليه‌السلام : «يا سيدي ، واللّه ما أنشدك طلباً لعرض من الدنيا ، وما أردت بذلك إلاّ صلة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما أوجبه اللّه علي من حقّكم. فدعا له أبو جعفر عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) رجال الكشي : ٢٠٨ / ٣٦٦ ، إعلام الورى ١ : ٥٠٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٩.

(٣) دلائل الإمامة : ٢٢٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢١.

٧١

وروى الخزّاز في حديث أنّ الكميت دخل على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في أيّام الحجّ فأنشده :

أضحكني الدهر وأبكاني

والدهر ذو صرف وألوان

لتسعة بالطفّ قد غودروا

صاروا جميعاً رهن أكفان

وستّة لا يتجارى بهم

بنو عقيل خير فرسان

ثمّ علي الخير مولاهم

ذكرهم هيّج أحزاني

فبكى الباقر عليه‌السلام وبكى أبو عبد اللّه عليه‌السلام ، فلمّا بلغ إلى قوله :

من كان مسروراً بما مسّكم

أو شامتاً يوماً من الآن

فقد ذللتم بعد عزّ فما

أدفع ضيماً حين يغشاني

أخذ بيده ثم قال : اللّهمّ اغفر للكميت ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فلمّا بلغ إلى قوله :

متى يقوم الحقّ فيكم متى

يقوم مهديكم الثاني

قال : سريعاً إن شاء اللّه سريعاً. ثم قال : يا أبا المستهل ، إنّ قائمنا هو التاسع من ولد الحسين ، لأنّ الأئمّة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر ، الثاني عشر هو القائم.

قال : فمتى يخرج يا بن رسول اللّه؟ قال : لقد سئل رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فقال : إنّما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة (١).

وممّا يدلّ على صدق ولاء الكميت وشدّة تعلّقه بأهل البيت عليهم‌السلام ، قصيدته العينية التي أنشدها الإمام الباقر عليه‌السلام حين وفد إليه ، وهي تتضمّن ذكر النص على خلافة علي عليه‌السلام بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم ، يقول فيها :

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٤٨.

٧٢

نفى عن عينك الأرق الهجوعا

وهم يمتري منها الدموعا

دخيل في الفؤاد يهيج سقماً

وحزناً كان من جذل منوعا

وتوكاف الدموع على اكتئاب

أحل الدهر موجعه الضلوعا

لفقدان الخضارم من قريش

وخير الشافعين معاً شفيعا

لدى الرحمن يصدع بالمثاني

وكان له أبو حسن قريعا

وأصفاه النبي على اختيار

بما أعيى الرفوض له المذيعا

ويوم الدوح دوح غدير خم

أبان له الولاية لو أطيعا

ولكن الرجال تبايعوها

فلم أرَ مثلها خطراً مبيعا

فلم أبلغ بها لعناً ولكن

أساء بذاك أولهم صنيعا

فصار بذاك أقربهم لعدل

إلى الجور وأحفظهم مضيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلّوا

وأقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقّه وبغوا عليه

بلا ترة وكان لهم قريعا

فقل لبني أُمية حيث حلّوا

وإن خفت المهند والقطيعا

ألا أفٍ لدهر كنت فيه

هدانا طائعاً لكم مطيعا

أجاع اللّه من أشبعتموه

وأشبع من بجوركم أجيعا (١)

وذكر المؤرّخون أنّ الإمام أبا جعفر عليه‌السلام لما سمع هذه القصيدة قال : اللّهمّ أكف الكميت ، وأخذ يكرّرها ثلاثاً.

__________________

(١) الهاشميات : ٧٩ ، شرح الهاشميّات لأبي رياش القيسي : ١٩٧ ، كنز الفوائد ١ : ٢٣٣ ، كشف الغمّة ١ : ٥٠ ، الغدير ٢ : ١٨٠.

٧٣

٢ ـ الورد بن زيد الأسدي :

وهو أخو الكميت ، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام (١) ، وأنشد الإمام أبا جعفر الباقر عليه‌السلام حين وفد عليه قصيدة ، عبّر فيها عن حبّه وولائه له ، يقول فيها :

كم جزت فيك من أحواز وأيفاع (٢)

وأوقع الشوق بي قاعا إلى قاعِ

ياخير من حملت أُنثى ومن وضعت

به إليك غدا سيري وإيضاعي (٣)

أما بلغتك فالآمال بالغة

بنا إلى غاية يسعى لها الساعي

من معشر شيعة للّه ثم لكم

صور (٤) إليكم بأبصارٍ وأسماعِ

وعاة أمر ونهي عن أئمّتهم

يوصي بها منهم واع إلى واعِ

لا يسأمون دعاء الخير ربّهم

أن يدركوا فيلبّوا دعوة الداعِ

وأظهر فيها حسن اعتقاده بالغيبة ، وعبّر عن لسان الغيب الذي سمعه من رواة أهل البيت الثقات ، فذكر الوليد بسامراء قبل بنائها ، ويريد به الإمام الثاني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام ، يواصل القول فيها :

متى الوليد بسامرا إذا بنيت

يبدو كمثل شهاب الليل طلاعِ

حتى إذا قذفت أرض العراق به

إلى الحجاز أناخوه بجعجاعِ (٥)

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣١٧.

(٢) الأحواز : جمع حوزة ، الناحية. الأيفاع جمع يَفاع : وهو المرتفع من الأرض.

(٣) أوضعت الناقة إيضاعا : أسرعت في سيرها.

(٤) صُور : جمع أصْوَر ، وهو المائل العنق ، يقال : صار عنقه إليه : أي أقبل به عليه.

(٥) الجعجاع : المكان الضيّق ، والمُناخ السَّيء الذي لا يقرّ فيه صاحبه.

٧٤

وغاب سبتا (١) وسبتا من ولادته

مع كل ذي جوبٍ (٢) للأرض قطّاعِ

لا يسأمون به التجواب قد تبعوا

أسباط هارون كيل الصاع بالصاعِ

شبيه موسى وعيسى في مغابهما

لو عاش عمريهما لم ينعه ناعِ

تتمّة النقباء المسرعين إلى

موسى بن عمران كانوا خير سراعِ

أو كالعيون التي يوم العصا انفجرت

فانصاع منها إليه كل منصاعِ (٣)

إنّي لأرجو له رؤيا فأدركه

حتى أكون له من خير أتباعِ

بذاك أنبأنا الراوون عن نفر

منهم ذوي خشية للّه طواعِ

روته عنكم رواة الحقّ ما شرعت

آباؤكم خير آباء وشرَّاعِ (٤)

٣ ـ كثير عزّة :

وهو كثير بن عبد الرحمن بن الأسود الخزاعي المدني ، من فحول الشعراء ومتقدّميهم ، ينسب إلى عزّة امرأة أحبّها وشبّب بها ، روي أن الإمام الباقر عليه‌السلام شيّعه ورفع جنازته بيده الشريفة وعرقه يجري ، وكان يعد من أصحابه ، غير أنّه كان على مذهب الكيسانية ، كما هو واضحٌ من قوله :

ألا إن الأئمّة من قريش

ولاة الحقّ أربعة سواءُ

عليٌّ والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاءُ

فسبط سبط إيمان وبر

وسبط غيّبته كربلاءُ

__________________

(١) السبت : الدهر أو برهة منه.

(٢) الجوب : القطع. يقال : جاب الأرض جوبا وتجوابا : قطعها سيرا.

(٣) انصاع : تفرَّق.

(٤) مقتضب الأثر / ابن عياش الجوهري : ٤٦ ، وبعض المصادر تنسبها إلى الكميت.

٧٥

وسبط لا يذوق الموت (١)

حتّى يقود الخيل يقدمها اللواءُ

يغيبُ فلا يرى منهم (٢) زمانا

برضوى (٣) عنده عسل وماءُ (٤)

ورغم اعتقاده الكيساني إلاّ أنّه كان على مودّة من الإمام الباقر عليه‌السلام ، يدلّ عليه ما رواه السيد المرتضى أنّ رجلاً نظر إلى كثير وهو راكب ، والإمام أبو جعفر عليه‌السلام يمشي ، فأنكر عليه ذلك وقال له : أتركب وأبو جعفر يمشي؟! فأجابه كثير قائلاً : هو أمرني بذلك ، وأنا بطاعته في الركوب ، أفضل من عصياني إيّاه بالمشي (٥).

ويبدو أنّ كثيراً لم يكن جادّاً في مدح بني أمية ، ولا مؤمناً بما يقوله فيهم ، روى المرزباني عن أبي عبد الرحمن الخزاعي ، قال : إنّ الباقر عليه‌السلام قال له : «تزعم أنّك من شيعتنا وتمدح آل مروان؟!» فقال : إنّما أسخر منهم ، وأجعلهم حيّات وعقارب ، وآخذ أموالهم ، ألم تسمع إلى قولي في عبد العزيز بن مروان :

وكنت عتبت معتبة فلجت

بي الغلواء في سنن العتاب

فما زالت رقاك تسل ضغني

وتخرج من مكامنها ضبابي

ويرقيني لك الراقون حتّى

أجابك حيّة تحت الحجاب

__________________

(١) في الأغاني : وسبطٌ لا تراه العينُ.

(٢) في الأغاني والشعر والشعراء : تغيَّبَ لا يُرى عنهم ، وفي إكمال الدين : يغيب فلا يُرى عنّا.

(٣) رضوى : جبل بالمدينة ، وهو الجبل الذي تزعم الكيسانية أنَّ محمّد بن الحنفية مقيم به حي يرزق. معجم البلدان ٣ : ٥١.

(٤) المقالات والفرق : ٢٩ ، شرح ديوان كثير ٢ : ١٨٦ ، الأغاني ٨ : ٣١ ، الشعر والشعراء : ٣٥٠ ، إكمال الدين : ٣٢ ، تذكرة الخواص : ٢٩٣ ، الفصول المختارة : ٢٤٢.

(٥) الأمالي / السيد المرتضى ١ : ٢٠٤.

٧٦

قال : فقال له عبد الملك بن مروان : ما مدحك إنّما جعلك راقياً للحيّات ، قال : فذكر عبد العزيز ذلك لي ، قلت : واللّه لأجعلنّه حيّة ، ثمّ لا ينكر ذلك ، فقلت له :

يقلب عيني حيّة بمجارة

أضاف إليها الساريات سبيلها

يصيد ويغضي وهو ليث خفية

إذا أمكنته عدوة لا يقيلها

قال : فأجزل لي عبد الملك الصلة (١).

وذكر ابن شهر آشوب أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام قال لكثير : امتدحت عبد الملك؟ فقال : ما قلت له يا إمام الهدى ، وإنّما قلت يا أسد والأسد كلب ، ويا شمس والشمس جماد ، ويا بحر والبحر موات ، ويا حية والحية دويبة منتنة ، ويا جبل وإنّما هو حجر أصمّ. قال : فتبسّم عليه‌السلام (٢).

٤ ـ مالك بن أعين الجهني :

شاعر حجازي سكن الكوفة ، له أبيات في مدح أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، ومثلها في رثاء جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام (٣) ، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام (٤) ، توفّي سنة ١٤٨ هـ ، وممّا قاله في الإمام الباقر عليه‌السلام :

إذا طلب الناس علم القرآ

ن كانت قريش عليه عيالا

وإن قيل أين ابن بنت النبي

نلت بذاك فروعاً طوالاً

__________________

(١) مختصر أخبار شعراء الشيعة / المرزباني : ٦٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٧.

(٣) الأعلام / الزركلي ٥ : ٢٥٧.

(٤) رجال الشيخ : ١٤٥.

٧٧

نجوم تهلّل للمدلجين

جبال تورث علماً جبالا (١)

٥ ـ أبو هريرة العجلي :

عدّه ابن شهر آشوب في شعراء أهل البيت عليهم‌السلام المجاهرين (٢) ، وأنشد الإمام محمد الباقر عليه‌السلام قصيدة تدلّ على متابعته وطاعته له ، ورصده الحديث الصحيح وتمييزه عمّن سواه ممّا يحدثه المبتدعة أمثال المغيرة بن سعيد :

أبا جعفر أنت الولي أحبّه

وأرضى بما ترضى به وأتابع

أتتنا رجال يحملون عليكم

أحاديث قد ضاقت بهنّ الأضالع

أحاديث أفشاها المغيرة فيهم

وشرّ الأُمور المحدثات البدائع (٣)

بوّابه :

بوّابه : جابر بن يزيد الجعفي (٤).

أولاده عليه‌السلام :

المشهور بين المؤرّخين والمحدّثين ورجال النسب أنّ للإمام الباقر عليه‌السلام سبعة أولاد ، خمسة ذكور وابنتان ، وهم : أبو عبد اللّه جعفر الصادق عليه‌السلام ويُكنّى به ، وعبد اللّه ، وأُمّهما أُم فروة بنت القاسم ، وإبراهيم وعبيد اللّه درجا (٥) ، أُمّهما أُم حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية ، وعلي وزينب ، لأُم ولد ، وأُم سلمة

__________________

(١) معجم الشعراء / المرزباني : ٢٦٨ ، الإرشاد ٢ : ١٥٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٥ ، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧١ ، عمدة الطالب : ١٩٥.

(٢) معالم العلماء : ١٨٣.

(٣) عيون الأخبار / ابن قتيبة ٢ : ١٥١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٤١.

(٤) تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٤٨ ، دلائل الإمامة : ٢١٧ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٢ ، التتمّة في تاريخ الأئمة عليهم‌السلام : ٩٦.

(٥) درج الرجل : إذا مات ولم يخلف نسلاً ، ويقال : درج في حياته ، إذا مات.

٧٨

لأُم ولد.

وهناك اختلاف في اللذين درجا ، فروي : عبيد اللّه وعلي ، ويوجد اختلاف في ترتيبهم على الأُمّهات ، فقيل : علي وأُم سلمة وزينب من أُم ولد ، وقيل : زينب لأُم ولد أُخرى.

وهناك اختلاف في العدد أيضاً ، فمنهم من ذكر تسعة ، ستّة ذكور وهم : جعفر الصادق عليه‌السلام وعبد اللّه وعلي وزيد وعبيد اللّه وإبراهيم ، وثلاث بنات ، وذكر منهنّ : زينب وأُم سلمة ، ولم يذكر الثالثة.

وقيل : خلّف ثمانية ، ستّة ذكور وبنتان ، فأضاف إلى الذكور المذكورين أولاً أحمد.

وقيل : خلف ستّة ، أربعة ذكور وبنتان ، فأسقط من المذكورين عبيد اللّه ، وجعل بعضهم أُم سليمان بدل أُم سلمة.

ومنهم من ذكر أربعة من الذكور ، وثلاث بنات ، وهم : جعفر الصادق عليه‌السلام وعبد اللّه وإبراهيم وعبيد اللّه ، وأُم سليمان وزينب وواحدة غير مشهورة.

وقيل له خمسة اولاد ، أربعة ذكور وبنت ، وهم : جعفر الصادق عليه‌السلام وعلي وعبد اللّه وإبراهيم وأُم سلمة.

وقيل : له أربعة أولاد ، ثلاثة ذكور وبنت ، وهم : جعفر الصادق عليه‌السلام وعبد اللّه وإبراهيم وأُم سلمة ، واسمها زينب.

أما العقب ، فذكر بعضهم أنّ عقبه في اثنين من الذكور فقط ، وهما جعفر الصادق عليه‌السلام وعبد اللّه ، وقيل : العقب من جعفر الصادق عليه‌السلام فقط (١).

__________________

(١) راجع : تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام : ١٠٤ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٦ ، جمهرة أنساب

٧٩

وعدّا الذين ذكرناهم من أولاد الإمام الباقر عليه‌السلام ، هناك بعض المصادر تكاد تنفرد بذكر أسماء أو مزارات ومشاهد ادُّعي أنّها منسوبة إلى أولاد صلبيين للإمام الباقر عليه‌السلام ، ولم تذكرهم المصادر المشهورة ، ومنهم زيد بن الإمام محمد الباقر عليه‌السلام ، عدّه العمري من أولاد الثقفية ، وذكر أنّه درج مع أشقائه عبيد اللّه وإبراهيم (١). ومنهم آمنة بنت الإمام الباقر عليه‌السلام ، قال ياقوت : بين مصر والقاهرة مشهد يقال : إنّ فيه قبر آمنة بنت محمد الباقر (٢). وخديجة بنت الإمام الباقر عليه‌السلام ، فقد عدّها الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٣) ، وذكر العمري أنّها أُم يحيى بن الحسين ذي الدمعة بن زيد الشهيد (٤). وفيما يلي نذكر بعض أخبار أولاد الإمام الباقر عليه‌السلام.

١ ـ أبو عبد اللّه جعفر الصادق عليه‌السلام :

وكان من بين اخوته سيد ولد أبيه ، وخليفته ووصيه ، والإمام القائم بالإمامة من بعده ، ولد عليه‌السلام في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ٨٣ هـ ، وهو اليوم الذي وُلد فيه جدّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان ذلك إيذاناً بإحياء السنّة ونشر

__________________

(١) المجدي : ٩٤.

(٢) معجم البلدان ٥ : ١٤٢.

(٣) رجال الشيخ : ١٠٢.

(٤) المجدي : ١٦٦.

٨٠