الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-51-5
الصفحات: ٣١١

١ ـ من وصيته لابنه الصادق عليهما‌السلام :

قال عليه‌السلام : «يا بني ، إذا أنعم اللّه عليك نعمة فقل : الحمد للّه ، وإذا أحزنك أمر فقل : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم ، وإذا أبطأ عليك الرزق فقل : استغفر اللّه» (١).

٢ ـ ومن وصيته له أيضاً :

قال عليه‌السلام : «إن اللّه خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء : خبأ رضاه في طاعته ، فلا تحقرن من الطاعة شيئاً ، فلعل رضاه فيه ، وخبأ سخطه في معصيته ، فلا تحقرن من المعصية شيئاً ، فلعل سخطه فيه ، وخبأ أولياءه في خلقه ، فلا تحقرن أحداً ، فلعله ذلك الولي» (٢).

٣ ـ من وصيته لجابر :

وهي طويلة جمع فيها مكارم الأخلاق ، اخترنا منها : «يا جابر ، اغتنم من أهل زمانك خمساً : إن حضرت لم تعرف ، وإن غبت لم تفتقد ، وإن شهدت لم تشاور ، وإن قلت لم يقبل قولك ، وإن خطبت لم تزوج. وأوصيك بخمس : إن ظلمت فلا تظلم ، وإن خانوك فلا تخن ، وإن كُذِّبت فلا تغضب ، وإن مُدِحتَ فلا تفرح ، وإن ذُمِمت فلا تجزع ... يا جابر ، استكثر لنفسك من اللّه قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة للّه إزراء على النفس وتعرضاً للعفو ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر

__________________

(١) البيان والتبيين : ٢٥٧.

(٢) كشف الغمة ٢ : ٣٦١ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٨.

٢٨١

العلم بخالص العمل ، وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقّظ ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف ... واعلم أنّه لا علم كطلب السلامة ، ولا سلامة كسلامة القلب ، ولا عقل كمخالفة الهوى ، ولا خوف كخوف حاجز ، ولا رجاء كرجاء معين ، ولا فقر كفقر القلب ، ولا غنى كغنى النفس ، ولا قوة كغلبة الهوى ، ولا نور كنور اليقين ، ولا يقين كاستصغارك الدنيا ، ولا معرفة كمعرفتك بنفسك ، ولا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق ، ولا شرف كبعد الهمة ، ولا حرص كالمنافسة في الدرجات ، ولا عدل كالإنصاف» (١).

٤ ـ ومن وصيته لمحمد بن مسلم :

«يا محمد بن مسلم ، لا يغرّنك الناس من نفسك ، فإنّ الأمر يصل إليك دونهم ، ولا تقطع النهار عنك كذا وكذا ، فإنّ معك من يحصي عليك ، ولا تستصغرن حسنة تعمل بها ، فإنّك تراها حيث تسوءك ، وأحسن فإنّي لم أرَ شيئاً قط أشدّ طلباً ، ولا أسرع دركاً ، من حسنة محدثة لذنب قديم» (٢).

٥ ـ ومن وصيته لرجل :

عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : «جاءه رجل فقال : أوصني. قال : هيء جهازك ، وقدم زادك ، وكن وصي نفسك» (٣).

__________________

(١) تحف العقول : ٢٨٤.

(٢) علل الشرائع ٢ : ٥٩٩ / ٤٩.

(٣) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٩٢.

٢٨٢

ثالثاً ـ الرسائل والمكاتيب :

للإمام الباقر عليه‌السلام رسائل بعث بها إلى أصحابه ومواليه وغيرهم ، تشتمل على وصايا قيمة في السلوك والآداب ، ويحث فيها على اتباع التقوى والعمل الصالح ، ويشرح حال الأمة بعد رحلة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ودور العلماء في تلبية حاجات الأمة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومواضيع أخرى مختلفة.

وعلى رأس تلك الرسائل ، هناك رسالتان كتبها إلى سعد بن عبد الملك الأُموي نسبا ، المعروف بسعد الخير (١).

كتب أبو جعفر عليه‌السلام بعد البسملة ، « أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى اللّه ، فإن فيها السلامة من التلف ، والغنيمة في المنقلب ، إن اللّه عزّوجلّ يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ، ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله ، وبالتقوى نجا نوح ومن معه في السفينة ، وصالح ومن معه من الصاعقة ، وبالتقوى فاز الصابرون ، ونجت تلك العصب من المهالك ... » (٢).

وكتب رسالة ثانية جوابية إلى سعد الخير ، ومنها : «يا أخي ، إن اللّه عزّوجلّ جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون معهم على الأذى ، يجيبون داعي اللّه ، ويدعون إلى اللّه ، فأبصرهم رحمك اللّه ، فإنهم في منزلة رفيعة ، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة ، أنهم يحيون بكتاب اللّه الموتى ، ويبصرن بنور اللّه من العمى ، كم

__________________

(١) للاطلاع على المزيد من الرسائل ، راجع : معادن الحكمة في مكاتيب الأئمة عليهم‌السلام لمحمد بن الفيض الكاشاني.

(٢) الكافي ٨ : ٥٢ / ١٦.

٢٨٣

من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من تائه ضال قد هدوه ، يبذلون دماءهم دون هلكة العباد ، وما أحسن أثرهم على العباد ، وأقبح آثار العباد عليهم» (١).

١٠ ـ حوارات ومناظرات :

ناظر الإمام الباقر عليه‌السلام العديد من أهل النظر والكلام ، وأثبت لهم بصائب الدليل وصحيح البرهان عقائد الإسلام الأصيل ، قال الشيخ المفيد : «ناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء ، وحفظ عنه الناس كثيراً من علم الكلام» (٢).

وفيما يلي نماذج من مناظراته المسكتة مع بعض الأعلام في زمانه :

١ ـ نافع بن الأزرق الخارجي :

للإمام الباقر عليه‌السلام على المستوى العقائدي مناظرة أفحم فيها نافع بن الأزرق. قال الشيخ المفيد : جاءت الأخبار أن نافع بن الأزرق جاء إلى محمد بن علي عليهما‌السلام ، فجلس بين يديه ، فسأله عن مسائل في الحلال والحرام ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : «قل لهذه المارقة بم استحللتم فراق أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته والقربة إلى اللّه بنصرته؟! فسيقولون لك : إنّه حكّم في دين اللّه ، فقل لهم : قد حكّم اللّه تعالى في شريعة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله رجلين من خلقه فقال تعالى : «فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِن يُّرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا» (٣) وحكّم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله سعد بن

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥٦ / ١٧.

(٢) الارشاد ٢ : ١٦٣.

(٣) سورة النساء : ٤ / ٣٥.

٢٨٤

معاذ في بني قريظة ، فحكم فيهم بما أمضاه اللّه.

أو ما علمتم أن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّما أمر الحكمين أن يحكما بالقرآن ولا يتعدّياه ، واشترط ردّ ما خالف القرآن من أحكام الرجال ، وقال حين قالوا له : حكمت على نفسك من حكم عليك. فقال : ما حكّمت مخلوقاً ، وإنّما حكّمت كتاب اللّه ، فأين تجد المارقة تضليل من أمر بالحكم بالقرآن واشترط رد ما خالفه؟! لولا ارتكابهم في بدعتهم البهتان. فقال نافع بن الأزرق : هذا كلام ما مر بسمعي قط ، ولا خطر مني ببال ، وهو الحقّ إن شاء اللّه» (١).

٢ ـ عبد اللّه بن نافع :

قال ابن شهرآشوب : روي أن عبد اللّه بن نافع بن الأزرق كان يقول : «لو عرفت أن بين قطريها أحداً تبلغني إليه الإبل يخصمني بأن علياً قتل أهل النهروان وهو غير ظالم لرحلت إليه.

قيل له : ائت ولده محمد الباقر ، فأتاه فسأله فقال عليه‌السلام بعد كلام : الحمد للّه الذي أكرمنا بنبوته ، واختصّنا بولايته. يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار ، من كان عنده منقبة في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فليقم فليحدّث. فقاموا ونشروا من مناقبه ، فلما انتهوا إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية غداً رجلاً يحب اللّه ورسوله ، ويحبه اللّه ورسوله ، كراراً غير فرار ، لا يرجع حتى يفتح اللّه على يديه ، سأله أبو جعفر عليه‌السلام عن صحّته ، فقال : هو حقّ لا شكّ فيه ، ولكن عليّاً أحدث الكفر بعد.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن اللّه أحبّ عليّ بن بي طالب يوم أحبّه وهو يعلم أنّه يقتل أهل النهروان ، أم لم يعلم؟ قال : إن قلتَ : لا

__________________

(١) الارشاد ٢ : ١٦٤ ، روضة الواعظين : ٢٠٤ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧.

٢٨٥

كفرتَ.

قال : فقال : قد علم. قال : فأحبّه على أن يعمل بطاعته ، أو على أن يعمل بمعصيته؟ قال : على أن يعمل بطاعته. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : قم مخصوماً. فقام وهو يقول : «حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاْءَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ» (١) اللّه يعلم حيث يجعل رسالاته» (٢).

٣ ـ عمرو بن عبيد :

قال الشيخ المفيد : روى العلماء أن عمرو بن عبيد ، وهو من أئمّة الاعتزال ، وفد على محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ليمتحنه بالسؤال ، فقال له : «جعلت فداك ، ما معنى قوله عزّ اسمه : «أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالاْءَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا» (٣) ما هذا الرتق والفتق؟ فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : كانت السماء رتقاً لا تنزل القطر ، وكانت الأرض رتقاً لا تخرج النبات ، فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضاً» (٤).

٤ ـ احتجاج علّمه لأبي الجارود :

وله عليه‌السلام احتجاج لقنه أبا الجارود في ردّ المنكرين بأن الحسن والحسين ابنا رسول اللّه من الصلب ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «واللّه يا أبا الجارود لأعطينّكم من كتاب اللّه آية تسمّيها أنّهما لصلب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يردّها إلاّ كافر. قال : قلت :

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٢ ، وورد مفصلاً في الكافي ٨ : ٣٤٩ / ٥٤٨.

(٣) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٠.

(٤) الارشاد ٢ : ١٦٥ ، الاحتجاج ٢ : ٦١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٩ ، روضة الواعظين : ٢٠٣.

٢٨٦

جعلت فداك ، وأين؟ قال : حيث قال : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ـ إلى قوله ـ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ» (١) فسلهم ـ يا أبا الجارود ـ هل يحلّ لرسول اللّه نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا : نعم ، فكذبوا واللّه ، وإن قالوا : لا ، فهما واللّه ابنا رسول اللّه لصلبه ، وما حرمن عليه إلاّ للصلب» (٢).

٥ ـ مناظرة حول ظلم الأمة لعلي عليه‌السلام :

وله مناظرة مع رجل في مجلس أبيه السجاد عليه‌السلام ، حول مظلومية أمير المؤمنين ، قال له الباقر عليه‌السلام : «يا عبد اللّه ، ما أكثر ظلم كثير من هذه الأُمّة لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأقلّ أنصارهم ، إنّهم يمنعون علياً عليه‌السلام ما يعطونه سائر الصحابة ، وعلي أفضلهم ، فكيف يمنع منزلة يعطونها غيره؟!

قيل : وكيف ذاك يا بن رسول اللّه؟ قال : لأنّكم تتولّون محبّي أبي بكر بن أبي قحافة ، وتتبرّءون من أعدائه كائناً من كان ، وكذلك تتولّون عمر بن الخطّاب ، وتتبرّءون من أعدائه كائناً من كان ، وتتولّون عثمان بن عفّان ، وتتبرّءون من أعدائه كائناً من كان ، حتّى إذا صار إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قالوا : نتولّى محبّيه ، ولا نتبرّأ من أعدائه ، بل نحبّهم ، فكيف يجوز هذا لهم ، ورسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في علي عليه‌السلام : اللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله. أفترونه لا يعادي من عاداه ، ولا يخذل من خذله؟! ليس هذا بإنصاف.

ثم أخرى : إنّهم إذا ذكر لهم ما أخصّ اللّه به عليّاً عليه‌السلام بدعاء رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرامته على ربّه تعالى جحدوه ، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٥٨.

٢٨٧

الصحابة ، فما الذي منع علياً عليه‌السلام ما جعله لسائر أصحاب رسول اللّه؟

هذا عمر بن الخطّاب ، إذا قيل لهم : إنّه كان على المنبر بالمدينة يخطب ، إذ نادى في خلال خطبته : يا سارية الجبل. وعجب القوم ، وقالوا : ما هذا من الكلام الذي في هذه الخطبة ، فلما قضى الخطبة والصلاة قالوا : ما قولك في خطبتك : يا سارية الجبل؟

فقال : اعلموا أنّي وأنا أخطب إذ رميت ببصري نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزوة الكافرين بنهاوند ، وعليهم سعد بن أبي وقاص ، ففتح اللّه لي الأستار والحجب ، وقوّى بصري حتى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك ، وقد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية ، وساير من معه من المسلمين ، فيحيطوا بهم فيقتلوهم ، فقلت : يا سارية الجبل ، ليلتجئ إليه ، فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به ، ثم يقاتلوا ، ومنح اللّه إخوانكم المؤمنين أكتاف الكافرين ، وفتح اللّه عليهم بلادهم ، فاحفظوا هذا الوقت ، فسيرد عليكم الخبر بذلك ، وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة أكثر من خمسين يوماً.

قال الباقر عليه‌السلام : فإذا كان مثل هذا لعمر ، فكيف لا يكون مثل هذا لعلي ابن أبي طالب عليه‌السلام؟! ولكنّهم قوم لا ينصفون ، بل يكابرون» (١).

٦ ـ عالم النصارى :

ناظره بالشام حين أشخصه هشام بن عبد الملك إلى هناك ، أخرجه ثقة

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٦٧ ، وحديث سارية الجبل من الأحاديث الموضوعة بنظر أهل البيت عليهم‌السلام ولكن لاعتقاد جهلة العامّة بصحّتها ذكرها الإمام عليه‌السلام من باب الاحتجاج عليهم بما صحّ عندهم ، فلاحظ.

٢٨٨

الإسلام الكليني عن عمر بن عبد اللّه الثقفي ، والطبري في دلائل الإمامة عن أبي بصير ، وأجاب فيها الإمام عليه‌السلام عن عدّة تساؤلات ، منها : قال النصراني : «أنتم الذين تزعمون أنّكم تذهبون إلى الجنّة فتأكلون وتشربون ولا تحدثون؟ قال عليه‌السلام : نعم ، الجنين يأكل في بطن أُمّه من طعامها ، ويشرب من شرابها ولا يحدث.

قال : أخبرني عن رجلين ولدا في ساعة واحدة ، وماتا في ساعة واحدة ، عاش أحدهما خمسين ومئة سنة ، وعاش الآخر خمسين سنة. قال عليه‌السلام : هما عزير وعزرة ، عاش عزرة مع عزير ثلاثين سنة ، ثم أمات اللّه عزيراً مائة سنة ، وبقي عزرة يحيا ، ثم بعث اللّه عزيراً فعاش مع عزرة عشرين سنة.

قال النصراني : يا معشر النصارى ، ما رأيت أحداً قط أعلم من هذا الرجل ، لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام» (١).

وللإمـام الباقـر عليه‌السلام حوارات أُخـرى مع آخريـن ، منـهم : سالم التمّار من البترية (١) ، وقتادة بن دعامة البصـري (٢) ، وطاوس اليماني (٣) ، وهشام ابن عبد الملك (٤) ، والأبرش بن الوليد الكلبي وزير هشام بن

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٢٢ / ٩٤ ، دلائل الإمامة : ٢٢٩ ، الخرائج والجرائح ١ : ٢٩١.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٦٣.

(٣) الكافي ٦ : ٢٥٦.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٦١ و ٦٤ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٢.

(٥) دلائل الإمامة : ٢٣٥ ، نوادر المعجزات : ١٣١ ، الارشاد ٢ : ١٦٣ ، تاريخ دمشق

٢٨٩

عبد الملك (١).

* * *

__________________

٤٥ : ٢٧٩ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨٠ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٥ ، روضة الواعظين : ٢٠٣.

(٥) الكافي ٦ : ٢٨٦ / ١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٩.

٢٩٠

الفصل الثامن

شهادة الإمام الباقر عليه السلام

تاريخ شهادته :

انتقل الإمام الباقر عليه‌السلام إلى رضوان بارئه بالحميمة من الشراة ، ثم نقل إلى بقيع المدينة يوم الإثنين ، السابع من ذي الحجة ، في ملك هشام بن عبد الملك ، سنة ١١٤ هـ ، وسنّه يومئذ سبع وخمسون سنة ، وهو المشهور عند غالبية المؤرخين والمحدثين (١) ، والموافق لما قرّر في المشهور من تاريخ ولادته ، وما قدّر من عمره.

واختلفوا في تعيين اليوم والشهر والسنة التي توفّي فيها على أقوال عدة ، فقيل : الثالث أو السابع من ذيالحجة ، والثالث والعشرون من صفر ، والسابع من ربيع الأول أو من ربيع الآخر. وقيل في ذكر سنة وفاته : ١٠٥ و ١١٢ و ١١٣ و ١١٥ و ١١٦ و ١١٧ و ١١٨ و ١١٩ و ١٢٤ و ١٢٥ من الهجرة (٢).

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٦٩ و ٤٧٢ / ٦ ، الارشاد ٢ : ١٥٨ ، دلائل الإمامة : ٢١٥ ، الهداية الكبرى ٢٣٨ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩ ، روضة الواعظين : ٢٠٧ ، كشف الغمة ٢ : ٣٤٧ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٢ ، اعلام الورى ١ : ٤٩٧ ، تاج المواليد : ٤١ ، التتمة : ٩٦ ، تاريخ مواليد الأئمّة / ابن الخشاب : ٢٦ ، اثبات الوصية : ١٥٣ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٧.

(٢) راجع إضافة لما تقدّم : الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠ ، تاريخ

٢٩١

واختلف في الحاكم الذي توفي في زمانه ، فهناك أخبار تصرح بوفاة الإمام عليه‌السلام في زمان عبد الملك بن مروان (١). وهو غريب ، لأن خلافة عبد الملك ابن مروان كانت من سنة ٦٥ إلى ٨٦ هـ ، ولم يقل أحد بهذا التاريخ ، بل الأخبار الصحيحة صرحت بوفاته سنة ١١٤ هـ ، أي بعد مضي نحو تسع سنين من أيام هشام بن عبد الملك ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ. واستظهر العلاّمة المجلسي كونه هشام بن عبد الملك بن مروان ، فسقط اسم هشام من الرواة أو النساخ ، وبقي عبد الملك ابن مروان (٢).

وذكر الطبري أنه قبض في أول ملك إبراهيم بن الوليد (٣) ، وذكر القرماني وابن شهرآشوب عن أبي جعفر بن بابويه أنّه سمّه إبراهيم بن الوليد (٤).

وروى الطبري عن أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ، أنّ سبب وفاته عليه‌السلام أنّ إبراهيم بن الوليد سمّه (٥).

وقال السيد بن طاوس في الزيارة الكبيرة : وضاعف العذاب على من

__________________

مدينة دمشق ٤٥ : ٢٧١ و ٢٩٧ و ٢٩٩ ، الهداية الكبرى : ٢٣٧ و ٢٤١ ، مروج الذهب ٣ : ٢٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٩ ، نور الأبصار : ١٩٥ ، تذكرة الخواص : ٣٥٠ ، مطالب السؤول : ٨٠ ، كفاية الطالب : ٣٠٦ ، تاريخ أهل البيت / رواية كبار المحدثين والمؤرخين : ٧٩ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨٨ ، المنتظم ٧ : ١٦١ ، صفة الصفوة ٢ : ١٠٨.

(١) الثاقب في المناقب : ٣٨٩ ، الصراط المستقيم : ١٨٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٢٩ / ١٢.

(٢) بحار الأنوار ٤٦ : ٣٣١.

(٣) دلائل الإمامة : ٢١٥.

(٤) أخبار الدول ١ : ٣٣٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩.

(٥) دلائل الإمامة : ٢١٦.

٢٩٢

شرك في دمه ، وهو إبراهيم بن الوليد (١).

فإذا كان الباقر عليه‌السلام قبض سنة ١١٤ هـ ، على المشهور ، فوفاته في ملك هشام ١٠٥ ـ ١٢٥ هـ ، لا في ملك إبراهيم الذي ولي وقتل سنة ١٢٧ هـ ، فهذا القول معارض بالمشهور ، إلاّ أن نقول أن إبراهيم بن الوليد قد نفذ هذه الجريمة العظمى في زمان هشام بن عبد الملك ، وبإشارة منه ، وليس في زمان ملك إبراهيم.

وذكر المسعودي أن وفاة أبي جعفر الباقر عليه‌السلام كانت أيام الوليد بن يزيد ١٢٥ هـ ، ثم قال : وقد تنوزع في ذلك ، فمن الناس من رأى أن وفاته كانت على أيام هشام بن عبد الملك ، وذلك سنة ١١٧ هـ ، ومن الناس من رأى أنه مات في أيام يزيد بن عبد الملك (٢) ، وكانت أيام يزيد من سنة ١٠١ إلى ١٠٥ هـ.

مقدار عمره الشريف :

الرواية المشهورة في مقدار عمر الإمام الباقر عليه‌السلام هي سبع وخمسون سنة ، بناءً على القول المشهور في ولادته ووفاته ، وهناك أقوال أخرى تتفاوت بحسب تعدّد الأقوال المتقدمة في الولادة والوفاة ، والمذكور منها ٥٥ و ٦٠ و ٥٦ و ٥٨ و ٦٣ و ٧٣ سنة (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٨.

(٢) مروج الذهب ٣ : ٢٤٤.

(٣) الثقات / ابن حبان ٥ : ٣٤٨ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩ ، البداية والنهاية ٩ : ٣٣٨ ، طبقات الحفاظ / السيوطي : ٥٦ ، كشف الغمة ٢ : ٣٣١ و ٣٣٢ و ٣٦١ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٧٢ ، تاج المواليد : ٤٠ ، اسعاف الراغبين : ٢٥٤ ، عمدة الطالب : ١٩٤ ، تاريخ ابن خلدون ٤ : ٢١٧ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠ ، نور الأبصار : ١٩٥ ، ذيل تاريخ أبي الفداء / ابن الوردي ١ : ٢٧٧ ، تاريخ أهل البيت / رواية كبار المحدثين : ٧٩ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨٨.

٢٩٣

ورجّح سبط ابن الجوزي وفاته عن ثمان وخمسين سنة ، لما روي عنه عليه‌السلام : أنّ علياً عليه‌السلام قتل وهو ابن ثمان وخمسين ، ومات لها الحسن عليه‌السلام ، ومات لها الحسين عليه‌السلام ، ومات لها علي بن الحسين عليه‌السلام.

وروي عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقول : سمعت أبي يقول لعمتي فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام : قد أتت علي ثمان وخمسون ، فتوفّي لها (١) ، وروي نحو ذلك ابن سعد ، والجنابذي ، وابن عساكر ، والقاضي النعمان (٢).

شهادته عليه‌السلام :

رغم ابتعاد الإمام الباقر ، ومن قبله أبوه الإمام السجّاد عليهما‌السلام ، عن كل ما يمت بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها ، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة للسلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء ، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الأبناء عن الآباء من رجالات السلطة ، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النشاط الذي يمارسه عليها ، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة ، التي تكنّ له التبجيل والاحترام ، فعملت السلطة على تصفيته جسدياً ، ولجأت إلى سلاحها المعهود فاغتالته بالسم في زمان هشام بن عبد الملك ، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر عليه‌السلام ولأهل بيته (٣). ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته.

__________________

(١) تذكرة الخواص : ٣٥٠.

(٢) الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٨ ، كشف الغمة ٢ : ٣٣١ عن الحافظ عبد العزيز الجنابذي ، تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٩٥ ، شرح الأخبار ٣ : ٢٨٨.

(٣) الهداية الكبرى : ٢٣٧.

٢٩٤

ومهما يكن فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض ، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر عليه‌السلام استُشهد مسموماً كأبيه ، ولم تذكر الذي باشر ذلك ، في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه ، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه (١).

غير أنّ هناك رواية طويلة لأبي بصير عن أبي عبد اللّه الصادق عليه‌السلام ، جاء فيها أنّ سبب إقدام السلطة على قتل الإمام عليه‌السلام هو وشاية زيد بن الحسن إلى عبد الملك بن مروان ، وأنّه قال له حين دخل عليه : أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه ، وأنّ عنده سلاح رسول اللّه وسيفه ودرعه وخاتمه وعصاه وترِكته ، مما أثار حفيظة عبد الملك بن مروان ، وذلك لأنّ زيداً خاصم الإمام الباقر عليه‌السلام في ميراث رسول اللّه إلى القاضي ، ثمّ أنّ عبد الملك بعث بسرج إلى الإمام الباقر عليه‌السلام ، فلما أسرج له نزل متورّماً ، وعاش ثلاثاً ، ثم مضى إلى كرامة ربّه (٢).

وتقدّم أنّ الرواية تذكر الأحداث في زمان عبد الملك ، ولا يصحّ إلاّ بافتراض السقط والتحريف ، لتكون أجواء الرواية في أيام هشام بن عبد الملك.

وممّا يدلّ على إصرار هشام على قتل الإمام عليه‌السلام ، أنّه كتب إلى عامل المدينة بعد أن أشخص الإمام مع ولده الصادق عليهما‌السلام أن يحتال في سمّ أبي جعفر عليه‌السلام عند

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩. دلائل الإمامة : ٢١٥ و ٢١٦ ، نور الأبصار : ١٩٥ ، الصواعق المحرقة : ٢٠١ ، اسعاف الراغبين : ٢٥٤ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٢ ، أحسن القصص / الشريف علي فكري ٤ : ٢٧٢ ، الفصول المهمة : ٢٢٢ ، بحار الانوار ٤٦ : ٢١٧ / ١٩ ، التتمة : ٩٦.

(٢) الثاقب في المناقب : ٣٨٩ ، الصراط المستقيم : ١٨٤ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٣٢٩ / ١٢.

٢٩٥

عودته في طعام أو شراب ، فلم يتهيّأ له شيء من ذلك (١).

قال الشاعر :

هلم بنا نبكي على باقر العلم

سليل النبي المصطفى الأُمّي

على لذّة العيش العفا بعد ما قضى

شهيداً بلا ذنب أتاه ولا جرم

له طول حزني ما حييت وحرقتي

ونوحي ولو أنّ البكا قد برى عظمي

سقاه على رغم الوقى السمّ خفية

هشام ردي الأب والجدّ والأُم

عليه من الرحمن لعن مؤبّد

بما سرّ من بغي وما سنّ من ظلم (٢)

وصاياه وجهازه :

كان الإمام الباقر عليه‌السلام قد نعى نفسه المقدسة لولده الصادق عليه‌السلام ، وأوصاه عدّة وصايا تتعلّق بالإمامة وبجهازه ودفنه ، في أكثر من مناسبة ، ففي الليلة التي قبض فيها ، أدنى ولده الصادق عليه‌السلام فناجاه ، فلما فرغ من المناجاة ، قال : يا بني هذه الليلة التي وُعدت أن أُقبض فيها.

ولما حان حينه ، وتيقن وفاته ، وعزم إلى أن يصير إلى روح اللّه وريحانه ، ويعرج إلى معارج فوزه وجنانه ، أوصى إلى ابنه أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه‌السلام بجميع ما يحتاج إليه الناس ، واستودعه ما كان محفوظاً عنده من الكتب والسلاح وآثار الأنبياء وودائعهم ، وأوصاه بأشياء في غسله وكفنه ودخوله قبره.

وكان فيما أوصى إليه أن قال : «يا بني ، إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد غيرك ، فإنّ الإمام لا يغسله إلاّ إمام».

وفي خبر آخر أنّه أمر حين حضرته الوفاة بإدخال أربعة من قريش من

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٢٤٠.

(٢) وفيات الأئمة : ٢١٠.

٢٩٦

أهل المدينة فأشهدهم ، وكان منهم نافع مولى عبد اللّه بن عمر ، ثم قال : «اكتب : هذا ما وصى به يعقوب بنيه «يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» (١) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ، وأمره أن يكفّنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلّي فيه الجمع ، وثوب آخر ، وقميص ، وأن يعمّمه بعمامته (٢) ، وأن يربّع قبره ، ويرفعه أربع أصابع ، ثم يخلى عنه ، ويرشّه بالماء ، وأن يحلّ عنه أطماره عند دفنه. وأوصاه أيضاً أن يحفر له ويشقّ له شقّ ، وقال : إن قيل لكم : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لُحّد له ، فقد صدقوا» ، وعلّل الإمام الصادق عليه‌السلام بقوله : وشققنا له الأرض من أجل أنّه كان بادناً.

وحين سأله الإمام الصادق عليه‌السلام عن سبب الإشهاد على وصيّته قال : «يا بني ، أردت أن لا تنازع» ، وفي خبر آخر : «كرهت أن تغلب ، وأن يقال إنّه لم يوصَ إليه ، فأردت أن تكون لك الحجّة».

ومن جملة وصاياه أنه أوصى بثمان مئة درهم لمأتمه ، لأنّه السنّة ، لأن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اتّخذوا لآل جعفر طعاماً فقد شُغلوا.

وفي يوم وفاته قام الإمام الصادق عليه‌السلام بتهيئته ، فغسله كما أمره وحنّطه بحنوطه ، وأدرجه في أكفانه ، وصلى عليه مع شيعته ، وروي أنه كان على نعشه برد حبرة ، وخرج الناس لجنازته بالبكاء والعويل ، وكان يوماً عظيماً مشهوداً ، وأخرجه إلى بقيع الغرقد بالمدينة ، في القبر الذي فيه أبوه علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وعمّ أبيه الحسن عليه‌السلام ، في القبّة التي فيها قبر العباس رضي‌الله‌عنه ، وهكذا رحل باقر العلم إلى كرامة ربه الأعلى سبحانه صابراً محتسباً ، شاهداً وشهيداً (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ١٣٢.

(٢) وروي : ليس تعد العمامة من الكفن ، انما تعد مما يلف به الجسد.

(٣) راجع : الكافي ١ : ٣٠٧ / ٨ و ٣٧٨ / ٢ و ٤٦٩ ، و ٣ : ١٤٠ / ٣ و ٢١٧ / ٤ ، من

٢٩٧

ما قيل فيه من الشعر :

فيما يلي نخبة من الأشعار التي قيلت في مدح أو رثاء الإمام الباقر عليه‌السلام ، مرتبة على وفق حرف الروي.

١ ـ قال زيد بن علي عليه‌السلام في رثائه :

ثوى باقر العلم في ملحد

إمام الورى طيب المولد

فمن لي سوى جعفر بعده

إمام الورى الأوحد الأمجد

أبا جعفر الخير أنت الإمام

وأنت المرجى لبلوى غد (١)

٢ ـ وأنشد الكميت الأسدي بحضرته عليه‌السلام :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

لم يبقَ إلاّ شامت أو حاسد

وبقى على ظهر البسيطة واحد

فهو المراد وأنت ذاك الواحد (٢)

٣ ـ وقال الشيخ حسين البحراني :

سأقضي حياتي بالكآبة والشجا

على باقر العلم الذي ليس يوجد

له شبه في العالمين وقد حوى

فنون علوم اللّه فهو الموحّد

فيا قاتل اللّه الغوي الذي سعى

له بسموم فهو باغ ومخلد

__________________

لا يحضره الفقيه ١ : ١٨٢ / ٥٤٦ ، الإرشاد ٢ : ١٨١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٣٠٠ / ٨٧٦ ، بصائر الدرجات : ٥٠٢ / ٦ ، روضة الواعظين : ٢٠٨ ، الطبقات الكبرى ٥ : ٢٤٨ ، دلائل الإمامة : ٢١٦ ، الهداية الكبرى : ٢٣٨ ، مروج الذهب ٣ : ٢٤٤ ، كشف الغمّة ٢ : ٣٣١ و ٣٤٩ و ٣٥٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٩ و ٣٩٨ ، الفصول المهمّة : ٢٢٢ ، كفاية الطالب : ٣٠٦ ، إعلام الورى ١ : ٤٩٧ ، تاج المواليد : ٤١ ، التتمّة : ٩٧ ، نور الأبصار : ١٥٩ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٢١٢.

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٢٩.

(٢) روضات الجنات ٦ : ٥٦.

٢٩٨

أيقتل نفس المصطفى ووصيه

ونجل حسين وابنه ويشرد

فذاك كتاب اللّه يبكي لفقدهم

وهذا رسول اللّه حزناً يعدد

وتلك محاريب المساجد قد خلت

فلا عابد فيها ولا متهجّد (١)

٤ ـ وقال الشيخ علي بن عيسى الإربلي :

عرج على طيبة وانزل بها

وقف مقام الضارع الصاغر

وعج على أرض البقيع الذي

ترابه يجلو قذى الناظر

وبلغن عني سكانه

تحية كالمثل السائر

قوم هم الغاية في فضلهم

فالأول السابق كالأخر

هم الألى شادوا بناء العلى

بالأسمر الذابل والباتر

وأشرقت في المجد أحسابهم

إشراق نور القمر الباهر

وبخلوا الغيث ويوم الوغى

راعوا جنان الأسد الخادر

بدا بهم نور الهدى مشرقاً

وميز البر من الفاجر

فحبهم وقف على مؤمن

وبغضهم حتم على كافر

كم لي مديح فيهم شائع

وهذه تختص بالباقر

إمام حقّ فاق في فضله

العالم من باد ومن حاضر

أخلاقه الغرّ رياض فما

الروض غداة الصيب الماطر

ما ضرّ قوماً غصبوا حقّه

والظلم من شنشنة الجائر

لو حكموه فقضى بينهم

أبلج مثل القمر الزاهر

جرى على سنّة آبائه

جري الجواد السابق الضامر

وجاء من بعد بنوه على

آثاره الوارد كالصادر

__________________

(١) وفيات الأئمة : ١٨٩.

٢٩٩

قد كثرت في الفضل أوصافه

وإنّما العزّة للكاثر

محمد الخير استمع شاعراً

لولاكم ما كان بالشاعر

قد قصر المدح على مجدكم

وليس في ذلك بالقاصر (١)

٥ ـ وقال السيد محسن الأمين العاملي :

واذرِ دموع العين فيها دماً

على ضريح السيد الباقر

على إمام ما جرى ذكره

في خاطري إلاّ جرى ناظري

على إمام لم يدع رزؤه

صبراً لجلد في الورى صابر

على إمام هدّ ركن الهدى

مصابه بالقاصم الفاقر

وبدر تم في الثرى غائب

وبحر علم في الثرى غائر

يا أقبراً منها البقيع اغتدى

يسمو سنام الفلك الدائر

سقاك يا أقبر رب السما

من الحيا بالصيب الماطر

لا ينقضي وجدي ولا حسرتي

لساكني مربعك العاطر (٢)

٦ ـ وقال أيضاً :

جلّت مصيبته على كل الورى

فالكل بات لها بطرف ساهر

يذري الدموع على مصيبة سيد

من آل أحمد بذ كل مفاخر

للّه أيّ مصيبة جلت فلا

يلفى لها في الكون بعض نظائر

ذهبت بركن الدين مصباح الهدى

غوث المؤمّل والإمام الطاهر

الصبر عزّ لها فكم من جازع

تهفو جوانحه ولا من صابر (٣)

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ٣٦٦.

(٢) المجالس السنية ٥ : ٤٥٨.

(٣) المجالس السنية ٥ : ٤٥٩.

٣٠٠