الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-51-5
الصفحات: ٣١١

ساق الراعي قطيعه ، أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بهافصاح بها الراعي : ألحقي براعيك ، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها ، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها ، فأكلها.

وكذلك واللّه يا محمد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من اللّه عزّوجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالاً تائهاً ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق.

واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللّه ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، لا يقدرون مما كسبوا على شيء ، ذلك هو الضّلال البعيد» (١).

كيف يُعْرَف الإمام؟

تحدث الإمام الباقر عليه‌السلام عن الوسائل التي يتمكّن المرء من التعرّف على الإمام ، أو الخصال التي يجب توافرها في الإمام ، لكي يسحب البساط عن كل من يدعي هذا المنصب الخطير.

عن أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام : «بم يعرف الإمام؟ قال : بخصال أولها : نص من اللّه تبارك وتعالى عليه ، ونصبه علماً للناس حتى يكون عليهم حجة ، لأن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله نصب علياً عليه‌السلام وعرفه الناس باسمه وعيّنه ، وكذلك الأئمة عليهم‌السلام ينصب الأول الثاني ، وأن يُسأل فيجيب ، وأن يسكت عنه فيبتدئ ، ويخبر الناس بما يكون في غد ، ويكلم الناس بكل

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٣ / ٨ و : ٣٧٤ / ٢ ، المحاسن ١ : ٩٢ / ٤٧.

٢٠١

لسان ولغة» (١).

أئمة أهل البيت عليهم‌السلام :

عمل الإمام الباقر عليه‌السلام على تشخيص المراد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكر أنّ اللّه تبارك وتعالى أرسل محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الجن والإنس ، وجعل من بعده اثني عشر وصياً ، منهم من مضى ، ومنهم من بقي (٢) ، وذكر أنهم اثنا عشر إماماً من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكلهم محدثون ، ومنهم علي بن أبي طالب وهو أولهم (٣) ، وبقية الأئمة من ولد علي وفاطمة إلى أن تقوم الساعة (٤) ، وهم الحسن والحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين عليه‌السلام (٥) ، وهم تسعة من صلبه (٦) ، وتاسعهم قائمهم (٧).

وروى الإمام الباقر عليه‌السلام عن الصحابي الجليل جابر عبد اللّه الأنصاري حديث اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجنّة ، فأعطاه فاطمة عليها‌السلام ، وفيه أسماء الأئمة من بعده ، وفيه اثنا عشر اسماً هي أسماء الأوصياء أولهم علي عليه‌السلام وبعده أحد عشر من ولده ، وآخرهم القائم عليه‌السلام (٨).

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٠١ / ٣.

(٢) اكمال الدين : ٣٢٥ / ٤.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٦٠ / ٢٤.

(٤) اكمال الدين ١ : ٢٢٢ / ٨.

(٥) الكافي ١ : ٥٣٣ / ١٦ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٥٩ / ٢٢ ، الخصال : ٤٧٨ / ٤٤.

(٦) كفاية الأثر : ٢٤٥.

(٧) الخصال : ٤١٩ / ١٢.

(٨) اكمال الدين : ٣١١ / ٢ و ٣ ، الارشاد ٢ : ١٥٩ ، اعلام الورى ١ : ٥٠١.

٢٠٢

الوصية :

وذكر الإمام الباقر عليه‌السلام الوصية باعتبارها أهم ما يعهد به النبي إلى القائد الرسالي الذي يخلفه في قيادة الأمة في مسيرتها الرسالية ، ويكون حجةً للّه على العباد ، ووريثاً للنبوة ، ومحافظاً على ديمومة حركة الرسالة ، ولم يتخلف أحد من الأنبياء عن هذه القاعدة الإلهية منذ أبينا آدم عليه‌السلام حتى رسولنا المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتماشياً مع هذه السنن الإلهية خلّف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً عليه‌السلام وصياً له من بعده ، في أحاديث كثيرة منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لكلّ نبي وصيّ ووارث ، وأنّ علياً وصيي ووارثي» (١) ، وبيّن أن أولاده المعصومين هم الأوصياء من بعده.

وجاء في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام ما يؤكّد هذه المضامين ، ففي حديث عنه عليه‌السلام ذكر فيه اتصال الوصية منذ هبة اللّه وصيّ آدم عليهما‌السلام إلى سام بن نوح عليه‌السلام (٢).

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام جاء فيه : « فلمّا انقضت نبوة آدم عليه‌السلام واستكمل أيامه ، أوصى اللّه تعالى إليه ، أن يا آدم قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والايمان والاسم الأعظم وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة اللّه ابنك ، فإني لم أقطع العلم والإيمان والاسم الأعظم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ، ولن أدع الأرض إلاّ وفيها عالم يُعرَف به ديني ، وتُعرَف به طاعتي ، ويكون نجاةً لمن يولد بينك وبين نوح .. » (٣).

__________________

(١) الرياض النضرة ٣ : ١١٩ ، ذخائر العقبى : ٧١ ، فتح الباري ٨ : ١٥٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٢٨ / ١٢٣٧ ، قصص الأنبياء / الراوندي : ٦٢ / ٤٣.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٣٢ / ١٢٣٨ ، روضة الكافي ٨ : ١١٣ / ٩٢ ، اكمال الدين : ٢١٣ / ٢.

٢٠٣

وفي حديث آخر عنه عليه‌السلام ذكر فيه وصية موسى عليه‌السلام إلى فتاه يوشع بن نون (٢).

وأخرج العلامة ابراهيم بن محمّد الصنعاني في كتابه (إشراق الأصباح) عن محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام : عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث طويل ، وفيه : «وهو ـ يعني علياً ـ وصيي ووليي» (٣).

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن أقرب الناس إلى اللّه عزوجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا ، فإن الحقّ فيهم ، وهم الأوصياء ، ومنهم الأئمة» (٤).

التمسك بالأئمة وطاعتهم عليهم‌السلام :

تحدّث الإمام أبو جعفر عليه‌السلام عن حقوق أهل البيت الواجبة على الأُمّة ، والتي تسالم الحكام على الاعتداء عليها وتجاوزها ، ومن ذلك فرض طاعتهم ومولاتهم والتمسّك بهديهم ومودّتهم.

عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه ، وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته ، ثم قال : إن اللّه تبارك وتعالى يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً» » (٥).

__________________

(٢) تفسير العياشي ٣ : ٩٨ / ٢٦٦٦ ، اكمال الدين : ٢١٧ / ٢.

(٣) العقد الثمين / الشوكاني : ٤١.

(٤) اكمال الدين : ٣٢٨ / ٨.

(٥) الكافي ١ : ١٨٥ / ١ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ٨٠.

٢٠٤

وعن أبي بصير أنه سأل الإمام الباقر عليه‌السلام عن قول اللّه تعالى : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (١) ، فقال : «نزلت في علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قلت : إنّ الناس يقولون : فما منعه أن يسمّي علياً وأهل بيته في كتابه؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : قولوا لهم : إنّ اللّه أنزل على رسوله الصلاة ولم يسمّ ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول اللّه هو الذي فسّر ذلك ، وأنزل الحجّ فلم ينزل طوفوا سبعاً حتى فسّر ذلك لهم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنزل : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» فنزلت في علي والحسن والحسين ، وقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، اني سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك» (٢).

وجاء في حديث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «وطاعتنا فريضة» (٣).

وقال عليه‌السلام موضحاً أن التمسك بهم هو سبيل النجاة ، والتخلف عنهم هو سبيل الغواية والضلال : «نحن صراط اللّه المستقيم ، نحن رحمة اللّه للمؤمنين ، بنا يفتح اللّه ، وبنا يختم اللّه ، من تمسّك بنا نجا ، ومن تخلّف عنا غوى» (١).

ومثلما ذكر حقوق الإمام على الرعية ، تحدث عن حق الرعية على الإمام.

عن أبي حمزة الثمالي ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حق الإمام على الناس؟

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٢) الكافي ١ : ٢٨٦ / ١ ، شواهد التنزيل / الحسكاني ١ : ١٨٩ / ٢٠٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢٠٥

قال : حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا. قلت : فما حقهم عليهم؟ قال : يقسم بينهم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، فإذا كان ذلك في الناس ، فلا يبالي من أخذ هاهنا وهاهنا» (٢).

إخلاص الموالاة لهم عليهم‌السلام :

وحيث أن الإمامة منصب خطير ، به تقام الفرائض وتنتظم الأمور ، صارت الولاية أحد أركان الإسلام ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه» (٣).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال زرارة : فقلت : وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل ، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن» (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من سره أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر الى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم» (٥).

وعن الفضيل ، قال : نظر أبو جعفر عليه‌السلام إلى الناس يطوفون حول الكعبة ، فقال : « هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية ، إنما أمروا أن يطوفوا بها ، ثم ينفروا

__________________

(١) عيون المعجزات : ٦٧.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٥ / ١.

(٣) الكافي ٢ : ١٨ / ٣.

(٤) الكافي ٢ : ١٨ / ٥.

(٥) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٦

الينا فيعلمونا ولايتهم ومودتهم ، ويعرضوا علينا نصرتهم ، ثم قرأ هذه الآية «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» » (١).

وفي قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (٢).

جاء عن الإمام الباقر عليه‌السلام في هذه الآية قوله : «كونوا مع آل محمد عليهم‌السلام» (٣).

وقال عليه‌السلام : «من سرّه أن لا يكون بينه وبين اللّه حجاب حتى ينظر إلى اللّه وينظر اللّه إليه ، فليتول آل محمد ويبرأ من عدوهم ، ويأتم بالإمام منهم ، فإنه إذا كان كذلك نظر اللّه إليه ونظر إلى اللّه» (٤).

مودتهم عليهم‌السلام :

لا يختلف اثنان أن مودة أهل البيت عليهم‌السلام عقيدة مستمدة من كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومبدأ رسالي ينطوي على آثار مهمة في حياة الفرد والمجتمع ، من هنا حرص الإمام الباقر عليه‌السلام على نفض غبار التناسي والنسيان عن ذاكرة الأُمّة ، وإزالة تراكمات الحكام الذين عملوا على تبديل ذلك الودّ المفروض بالقتل والقمع والإرهاب والترويع والبغض والنصب ، فذكّرهم بضرورة من ضرورات الدين ، وحق من حقوق أهل البيت الثابتة لهم لطهارتهم وعصمتهم وقربهم من ربهم ، مبيناً أن حبهم من الإيمان ، بل هو أصل الإيمان.

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٣٩٢ / ١ ، والآية من سورة إبراهيم : ١٤ / ٣٧.

(٢) سورة التوبة : ٩ / ١١٩.

(٣) ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٢١ / ٩٣٠.

(٤) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٧

قال عليه‌السلام : «حبنا إيمان ، وبغضنا كفر» (١).

وقال عليه‌السلام : «إنّما حبنا أهل البيت شيء يكتبه اللّه في قلب العبد ، فمن كتبه اللّه في قلبه لم يستطع أحد أن يمحوه ، أما سمعت اللّه يقول : «أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (٢) فحبنا أهل البيت من أصل الإيمان» (٣).

آثار مودّتهم عليهم‌السلام :

بيّن الإمام الباقر عليه‌السلام عمق الآثار المترتبة على حب آل البيت ، ومنها أنه دليل على طهارة القلب وطيب المولد ، ويؤدي بالمرء إلى غفران الذنوب والخلاص من شديد الحساب والأمن من فزع يوم القيامة.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «لا يحبّنا عبد ويتولانا حتى يطهّر اللّه قلبه ، ولا يطهّر اللّه قلب عبد حتى يسلّم لنا ويكون سلما لنا ، فإذا كان سلما لنا سلّمه اللّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر» (٤).

وعنه عليه‌السلام ، قال : «من أصبح يجد برد حبنا على قلبه فليحمد اللّه على بادئ النعم. قيل : وما بادئ النعم؟ قال : طيب المولد» (٥).

وقال عليه‌السلام : «محبنا في الجنة ، ومبغضنا في النار» (٦).

__________________

(١) الكافي ١ : ١٨٨ / ١٢ ، المحاسن ١ : ٢٤٧ / ٤٦٣.

(٢) المجادلة : ٥٨ / ٢٢.

(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٣٣٠ / ٩٧١.

(٤) الكافي ١ : ١٩٤ / ١.

(٥) معاني الأخبار : ١٦١ / ٢.

(٦) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢٠٨

وقال عليه‌السلام : «بحبّنا تغفر لكم الذنوب» (١).

وإخلاص حبهم هو دليل على بلوغ حقيقة الإيمان ، روى فضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة ، والفقر أحب إليه من الغنى ، والمرض أحب إليه من الصحة. قلنا : ومن يكون كذلك؟ قال : كلكم. ثم قال : أيما أحب إلى أحدكم؛ يموت في حبنا ، أو يعيش في بغضنا؟ فقلت : نموت واللّه في حبكم أحب إلينا. قال : وكذلك الفقر والغنى والمرض والصحة. قلت : إي واللّه» (٣).

ونقل الإمام الباقر عليه‌السلام عن جده رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام كثيراً من الأحاديث في هذا الاتجاه (٤).

الصلاة عليهم :

الصلاة على النبي وآله من الحقوق التي جاءت صريحة لأهل البيت عليهم‌السلام في محكم الكتاب الكريم في قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (٤) ، وثبت في السنن المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه حينما سئل عن كيفية الصلاة قال : «قولوا اللهم صل على محمد

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٤٥٢ / ١٠١٠.

(٢) معاني الأخبار : ١٨٩.

(٣) راجع : أمالي الطوسي : ٤٢٣ / ٩٤٧ ، تفسير البرهان / البحراني ٣ : ٢١٢ في تفسير قوله تعالى : «من جاء بالحسنة فله خير منها» ، مناقب ابن المغازلي : ١٣٨ ، بحار الأنوار ٢٦ : ٢٢٧ / ١ و ٢٧ : ٧٧ / ٨.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.

٢٠٩

وآل محمد».

ونقل عن الإمام الباقر عليه‌السلام ما يؤكد هذا الحق الثابت والمضيع ، أو المنقول بصور مشوهة ومبتورة تزلفاً للحكام الذين استخدموا شتى الوسائل في حرب مفتوحة على أهل هذا البيت الطاهر.

وقد صرّح الإمام الباقر عليه‌السلام بوجوب الصلاة عليهم في التشهّد (٢).

ورويت أحد صور الصلاة على النبي والآل عليهم‌السلام عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، وبين فضلها ، بالاسناد عن ناجية ، قال : «قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الأوصياء المرضيّين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته. فإنّه من قالها بعد العصر ، كتب اللّه له مائة ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، وقضى له بها مائة ألف حاجة ، ورفع له بها مائة ألف درجة» (٣).

فضل أهل البيت عليهم‌السلام ومنزلتهم :

واستغرق الإمام أبو جعفر عليه‌السلام في الحديث عن عظمة منصب الإمامة وسمو منزلتها عند اللّه تعالى في جملة أحاديث بين فيها أن الإمامة عهد من اللّه لشخص محدّد متميّز بخصال وصفات تؤهله لهذا المنصب العظيم ، منها أنه معصوم متنزّه من الظلم بجميع صوره. روى جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن اللّه اتّخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبياً ، واتّخذه نبياً قبل أن يتّخذه رسولاً ، واتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً ، واتّخذه خليلاً قبل أن يتّخذه

__________________

(١) جلاء الأفهام / ابن قيم الجوزية : ٢٥٣.

(٢) أمالي الصدوق : ٤٨٣ / ٦٥٦ ، أمالي الطوسي : ٤٤٠ / ٩٨٦.

٢١٠

إماماً ، فلمّا جمع له هذه الأشياء ـ وقبض يده ـ قال له : يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماماً فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام قال : يا رب ، ومن ذريتي؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين» (١).

وتحدث عن خصوص منزلة أهل بيت النبي عليهم‌السلام المعصومين الذين فرض اللّه طاعتهم ، وعن فضائلهم التي حباهم اللّه بها في أحاديث عدّة ، منها حديث خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : نحن جنب اللّه ، ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن مستودع مواريث الأنبياء ، ونحن أمناء اللّه عزوجل ، ونحن حجج اللّه ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ، ونحن من رحمة اللّه على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح وبنا يختم ، ونحن أئمة الهدى ، ونحن مصابيح الدجى ، ونحن منار الهدى ، ونحن السابقون ، ونحن الأخرون ، ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسك بنا لحق ، ومن تخلف عنا غرق ، ونحن قادة الغر المحجلين ، ونحن خيرة اللّه ، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى اللّه عزوجل ، ونحن من نعمة اللّه عزوجل على خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنة ... » (٢).

وعنه عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع

__________________

(١) الكافي ١ : ١٧٥ / ٤.

(٢) اكمال الدين : ٢٠٥ / ٢٠ ، بصائرالدرجات : ٨٢ / ١٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

٢١١

سر اللّه ، ونحن وديعة اللّه في عباده ، ونحن حرم اللّه الأكبر ، ونحن عهد اللّه ، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بذمة اللّه ، ومن وفى بعهدنا فقد وفى بعهد اللّه ، ومن خفرنا فقد خفر ذمة اللّه وعهده» (١).

وعن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم؟ قال : نحن خزان علم اللّه ، ونحن تراجمة وحي اللّه ، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض» (٢).

وعن جابر الجعفي ، قال : قال الباقر عليه‌السلام : «نحن ولاة أمر اللّه ، وخزان علم اللّه ، وورثة وحي اللّه ، وحملة كتاب اللّه» (٣).

وعن الفضيل بن يسار ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا فضيل ، ما ينقم الناس منا ، فواللّه إنّا لشجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وبيت الرحمة ، ومعدن العلم» (٤).

وعنه عليه‌السلام : «نحن الأُمّة الوسطى ، ونحن شهداء اللّه على خلقه ، وحججه في أرضه» (٥).

فضل الحسين عليه‌السلام وزيارته :

الحسين عليه‌السلام مفجّر ثورة تصحيح المسار في الزمن العصيب ، كان له نصيب وافر من حديث الإمام الباقر عليه‌السلام الذي شهد الثورة وهو غلام رباعي ، وحمل

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٧٧ / ٣.

(٢) الكافي ١ : ١٩٢ / ٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٣٦.

(٤) بصائر الدرجات : ٧٧ / ٥.

(٥) الكافي ١ : ١٤٦ / ٢ و ١٤٧ / ٤ ، بصائر الدرجات : ١٨٣ / ١١ و ١٠٢ / ٣.

٢١٢

منارها طوال حياته لاستثمار النصر الذي حققه جده الحسين عليه‌السلام بدمه الزكي ، واستكمال الخطوات التي حمل السجاد عليه‌السلام أعباءها في الدفاع عن أهداف نهضة الحسين عليه‌السلام وتأصيل مبادئها في أذهان الأمة ، عن طريق التحديث بفضائل قائد النهضة وفضل التواصل مع دلالات ثورته وتعهده بالزيارة تصديقاً لما رغب فيه.

روى محمد بن مسلم عن الباقر والصادق عليهما‌السلام : «أن للحسين عليه‌السلام ثلاث فضائل يتميز بها عن سواه من الخلق ، فضلاً عن سائر فضائله الأخرى ، وهي : أن جعل اللّه الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، واجابة الدعاء عند قبره» (١).

وعنه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمدّ في العمر ، ويدفع مدافع السوء ، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه» (٢).

وعن داود الرقي ، قال : «قال الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام : من زار الحسين عليه‌السلام في ليلة النصف من شعبان غفرت له ذنوبه ، ولم تكتب عليه سيئة في سنته حتى تحول عليه السنة ، فإن زاره في السنة المستقبلة غفرت له ذنوبه» (٣).

الغيبة :

__________________

(١) اعلام الورى ١ : ٤٣١.

(٢) تهذيب الأحكام ٦ : ٤٢ / ١ ، كامل الزيارات : ٢٨٤.

(٣) الإمالي / الطوسي : ٤٧ / ٥٩.

٢١٣

استغرق موضوع الغيبة كثيراً من حديث الإمام الباقر عليه‌السلام وجهوده ، ويبدو أن واحدة من دواعي ذلك هو اعتقاد بعض الناس بمهدويته هو عليه‌السلام ، وما أرجف به الأمويون من ادعاء مهدوية عمر بن عبد العزيز ، وصنع الوضاعون روايات عن الباقر عليه‌السلام وفاطمة بنت علي عليه‌السلام تؤيد مهدوية عمر بن عبد العزيز ، ومنها الحديث المزعوم عن الباقر عليه‌السلام : النبي منّا ، والمهدي من بني عبد شمس ، ولا نعلمه إلاّ عمر بن عبد العزيز ، ونحو ذلك (١). لأجل الطعن بهذه العقيدة وإضعافها في نفوس معتقديها.

وعلى ضوء ذلك عمل الإمام الباقر عليه‌السلام في اتجاهين ، الأول : نفي مهدويته ومهدوية غيره من المدعين. الثاني : تشخيص هوية مهدي أهل البيت الذي بشّر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الميامين من قبل ، وبيان خصاله التي لا تنطبق إلاّ عليه.

١ ـ نفي ادعاء مهدويته عليه‌السلام :

كان ردّ الإمام الباقر عليه‌السلام على من ادعى المهدوية له أو لغيره ، يبتني على جملة أمور ، هي :

أ ـ تأكيد أن كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قائم بأمر اللّه ، ويهدي إلى اللّه عزّوجلّ ، لكنه ليس القائم أو المهدي الموعود صاحب السيف الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

ب ـ تأكيد أن المهدي عليه‌السلام يظهر في صورة شاب أقل عمراً منه عليه‌السلام ، وأنى يكون هو المهدي وقد دنى أجله؟!

روي أن الحكم بن أبي نعيم كان يعتقد مهدوية الإمام الباقر عليه‌السلام ، قال : «أتيت أبا جعفر عليه‌السلام بالمدينة فقلت له : جعلت فداك ، إني جعلت عليّ نذر صيام

__________________

(١) راجع : الطبقات الكبرى ٥ : ٣٣٣ ، تاريخ دمشق ٤٥ : ١٨٧.

٢١٤

وصدقة إن أنا لقيتك لم أخرج من المدينة حتى أعلم أنك قائم آل محمد عليه‌السلام أو لا ، فإن كنت أنت رابطتك ، وإن لم تكن انتشرت في الأرض وطلبت المعاش؟

فقال عليه‌السلام : يا حكم ، كلنا قائم بأمر اللّه عزّوجلّ. فقلت : وأنت المهدي؟ قال : كلنا نهدي إلى اللّه عزّوجلّ. قلت : فأنت صاحب السيف ووارث السيف ، وأنت الذي تقتل أعداء اللّه وتعزّ أولياءه ، ويظهر بك دين اللّه؟ قال : يا حكم ، أكون أنا هو وقد بلغت هذا! أليس صاحب الأمر أقرب عهداً باللين مني؟! ثم قال بعد كلام طويل : سر في حفظ اللّه والتمس معاشاً» (١).

وعن الأعمش عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «يزعمون أني أنا المهدي ، وإني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون ، ولو أن الناس اجتمعوا على أن يأتيهم العدل من باب ، لخالفهم القدر حتى يأتي به من باب آخر» (٢).

ج ـ تأكيد أن المهدي الموعود عليه‌السلام يتميز بصفات لا تنطبق على أحد ممن أدّعي له هذا الأمر ، سواء كان من أهل البيت عليهم‌السلام أو من غيرهم ، منها :

أولاً : خفاء ولادته :

قال الشيخ المفيد : روي عن الباقر عليه‌السلام : أن الشيعة قالت له يوماً : «أنت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟ قال : لست بصاحبكم ، انظروا من خفيت ولادته ، فيقول قوم ولد ، ويقول قوم ما ولد ، فهو صاحبكم» (٣).

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : «لا تزالون تمدون أعناقكم إلى الرجل منا تقولون : هو هذا ، فيذهب اللّه به ، حتى يبعث اللّه لهذا

__________________

(١) الهداية الكبرى : ٢٤٢.

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٩١.

(٣) رسائل في الغيبة ٢ : ١٣.

٢١٥

الأمر من لا تدرون ولد أم لم يولد ، خلق أم لم يخلق» (١).

وعن عبد اللّه بن عطاء ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : «إن شيعتك بالعراق كثيرون ، فواللّه ما في أهل بيتك مثلك ، فكيف لا تخرج؟! فقال : يا عبد اللّه بن عطاء ، قد أمكنت الحشو من أذنيك! واللّه ما أنا بصاحبكم. قلت : فمن صاحبنا؟ قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته ، فهو صاحبكم» (٢).

ثانياً : الفتنة والتمحيص :

ذكر عليه‌السلام في أحاديث كثيرة مرور شيعته خلال غيبة الإمام المهدي عليه‌السلام بمرحلة طويلة من التمحيص والابتلاء ، ومنه عن محمد بن منصور الصيقل ، عن أبيه ، قال : «دخلت على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدث وهو على بعض أصحابه مقبل ، إذ التفت إلينا وقال : في أي شيء أنتم؟ هيهات هيهات ، لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تمحّصوا ، هيهات ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميّزوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تغربلوا ، ولا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس» (٣).

٢ ـ تشخيص هوية المهدي عليه‌السلام وبيان خصاله :

وأخبر أبو جعفر الباقر عليه‌السلام أن الإمام الحجة عليه‌السلام هو الثاني عشر من الأئمة عليه‌السلام ، وشخص بعض صفاته التي لا تنطبق إلاّ عليه ، كما ذكر الملاحم والفتن وعلامات الظهور ، وقيام دولة الحق على يديه.

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ١٨٨.

(٢) اكمال الدين : ٣٢٥ / ٢.

(٣) الغيبة / النعماني : ٢١٦.

٢١٦

ولكي لا يطول بنا المقام هنا ، اقتصر على ذكر بعض مضامين حديث الإمام الباقر عليه‌السلام في هذا الاتجاه ، فقد ورد عنه أن الإمام المهدي عليه‌السلام من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وهو رجل من ولد الحسين عليه‌السلام (٢) ، وهو الإمام التاسع من بعد الحسين بن علي عليهما‌السلام (٣) ، والسابع من بعد الباقر عليه‌السلام (٤) ، وهو ابن أمة (٥) ، وله غيبتان (٦) ، وأن قيامه عليه‌السلام من المحتوم الذي لا تبديل له عند اللّه (٧).

وفيه شبه بالأنبياء عليهم‌السلام وسنن من سننهم ، منهم يونس بن متى عليه‌السلام في غيبته وعودته ، ويوسف عليه‌السلام في حبسه وغيبته ، وموسى عليه‌السلام بكونه خائفاً يترقب ، وعيسى عليه‌السلام في اختلافهم به ، بين قائل : انه مات ، وقائل : انه لم يمت ، ومحمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله في خروجه بالسيف ، وقتله أعداء اللّه وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجبارين والطواغيت ، وأنه ينصر بالسيف والرعب ، وأنه لا ترد له راية (٨).

وروي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنه يصلح اللّه له أمره في ليلة واحدة (٩) ، ويخرج في آخر الزمان فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ٢٣٤ ، الارشاد ٢ : ٣٧١.

(٢) عقد الدرر : ١٢٦ ، الارشاد ٢ : ٣٤٧.

(٣) الغيبة / النعماني : ٩٤ ، كفاية الأثر : ٢٥١.

(٤) الغيبة / النعماني : ٩٦ ، كفاية الأثر : ٢٥١.

(٥) الغيبة / النعماني : ١٦٦ و ٢٣٣ و ٣٢٩.

(٦) الغيبة / النعماني : ١٧١ و ١٧٨ ، دلائل الإمامة : ٥٣٥.

(٧) الغيبة / النعماني : ٨٨.

(٨) اكمال الدين : ٣٢٦ / ٦ و ٧ و ١١ ، الغيبة / النعماني : ١٦٧.

(٩) الغيبة / النعماني : ١٦٦ و ٢٣٣ و ٣٢٩.

٢١٧

وظلماً (١) ، وأنه منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوي له الأرض وتظهر له الكنوز ، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر اللّه عزّوجلّ به دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرض خراب إلاّ قد عمّر ، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم عليه‌السلام فيصلّي خلفه (٢) ، ويهدم ما قبله كما صنع رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويستأنف الإسلام جديداً (٣) ، وإذا قام قسم بالسوية ، وعدل في الرعية (٤) ، وذكر علامات ظهوره المقدس وأخبار أصحابه ودولته في أخبار طويلة (٥).

٣ ـ كلماته عليه‌السلام في الموت والجنّة والنار :

معنى الموت :

قيل لمحمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «ما الموت؟ قال عليهما‌السلام : هو النوم الذي يأتيكم في كل ليلة ، إلاّ أنه طويل مدته ، لا ينتبه منه إلاّ يوم القيامة» (٦).

عظمة الجنة والنار :

عن المنهال بن عمرو ، عنه عليه‌السلام ، قال : «اذكروا من النار ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أشد منه ، واذكروا من الجنّة ما شئتم ، ولا تذكرون منها شيئاً إلاّ وهي أفضل» (٧).

__________________

(١) كفاية الأثر : ٢٥١.

(٢) اكمال الدين : ٣٣٠ / ١٦.

(٣) الغيبة / النعماني : ٢٣٧.

(٤) الغيبة / النعماني : ٢٤٢.

(٥) الغيبة / النعماني : ٢٨٨ و ٣١٥ ، عقد الدرر ١ : ٤٩ و ٦٤.

(٦) الاعتقادات / الشيخ الصدوق : ٣١.

(٧) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٥.

٢١٨

وصف النار وأهلها :

عن عمرو بن ثابت ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : «إن أهل النار يتعاوون فيها كما يتعاوى الكلاب والذئاب ممّا يلقون من ألم العذاب.

ما ظنّك ـ ياعمرو ـ بقومٍ لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يُخفف عنهم من عذابها ، عطاش فيها جياع ، كليلة أبصارهم ، صم بكم عمي ، مُسودّة وجوههم ، خاسئين فيها نادمين ، مغضوبٌ عليهم فلا يرحمون ، ومن العذاب لا يُخفّف عنهم ، وفي النار يُسجرون ، ومن الحميم يشربون ، ومن الزقوم يأكلون ، وبكلاليب النار يخطمون ، وبالمقامع يضربون ، والملائكة الغلاظ الشداد لا يرحمون ، فهم في النار يسحبون على وجوههم ، ومع الشياطين يقرنون ، وفي الأنكال (٢) والأغلال يصفدون ، إن دعوا لم يُستجب لهم ، وإن سألوا حاجة لم تقضَ لهم ، هذه حال من دخل النار» (٣).

وعن زرارة ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، قال : «إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث أسري به إلى السماء لم يمر بخلق من خلق اللّه إلاّ رأى منه ما يحب من البِشر واللطف والسرور به حتى مرّ بخلق من خلق اللّه ، فلم يلتفت إليه ، ولم يقل له شيئا ، فوجده قاطبا عابسا ، فقال : يا جبرئيل ، ما مررت بخلق من خلق اللّه إلاّ رأيت البشر واللطف والسرور منه إلاّ هذا ، فمن هذا؟ قال : هذا مالك خازن النار ، وهكذا خلقه ربّه. قال : فإنّي أحبّ أن تطلب إليه أن يريني النار. فقال له جبرئيل : إنّ هذا محمّدا رسول اللّه ، وقد سألني أن

__________________

(٢) الأنكال : جمع نكل ، القيد الشديد.

(٣) أمالي الصدوق : ٦٥١ / ٨٨٦.

٢١٩

أطلب إليك أن تريه النار. قال : فأخرج له عنقا منها (١) فرآها ، فما افترَّ ضاحكا (٢) حتى قبضه اللّه عزّوجلّ» (٣).

٤ ـ مجابهة البدع والمفاهيم الخاطئة :

الابتداع شرك وضلال :

قام الإمام الباقر عليه‌السلام بدور بارز في الدفاع عن العقيدة الإسلامية المتمثلة بالكتاب الكريم وسنة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجعلهما الميزان في تقييم الأعمال وإن كل ما خالفهما فهو بدعة وضلال (٤).

وعلى ضوء ذلك بين لأصحابه عدم مشروعية صلاة الضحى وصلاة التراويح جماعة في شهر رمضان ، فقد سأل زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل أبا جعفر الباقر وأبا عبد اللّه الصادق عليهما‌السلام عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل جماعة ، فقالا : «إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي ، فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي ، كما كان يصلّي ، فاصطفّ الناس خلفه ، فهرب منهم إلى بيته وتركهم ، ففعلوا ذلك ثلاث ليال ، فقام صلى‌الله‌عليه‌وآله في اليوم الثالث على منبره ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى ، فإن تلك معصية ، ألا

__________________

(١) أي طائفة منها.

(٢) أي ابتسم وبدت ثناياه.

(٣) أمالي الصدوق : ٦٩٧ / ٩٥٢.

(٤) يُنظر : أُصول الكافي ١ : ٥٦ / ٨ ، وعقاب الأعمال : ٥٧٨ / ٣.

٢٢٠