الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-51-5
الصفحات: ٣١١

كتاب (١).

٣٨ ـ شجرة بن ميمون. أبو أراكة النبال الوابشي ، كوفي ، هو وابنه علي بن شجرة ، والحسن بن شجرة ، كلهم ثقات وجوه أعيان أجلة ، وله كتاب (٢).

٣٩ ـ شهاب بن عبد ربه الأسدي الصيرفي الكوفي. ثقة له كتاب يعد من الأصول (٣).

٤٠ ـ صباح بن يحيى. أبو محمد المزني الكوفي ، ثقة ، له كتاب (٤).

٤١ ـ عامر بن عبد اللّه بن جذاعة. من حواري الباقر والصادق عليهما‌السلام (٥).

٤٢ ـ عباد بن صهيب. أبو بكر التميمي ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام كتاباً ، وعده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٦).

٤٣ ـ عبد الرحمن بن أعين بن سنسن الشيباني. له كتاب ، روى الكشي عن الحسن بن علي بن يقطين عن مشايخه أنه كان مستقيماً (٧).

٤٤ ـ عبد الغفار بن القاسم بن قيس. أبو مريم الأنصاري ، ثقة ، له كتاب (٨).

٤٥ ـ عبد اللّه بن ابراهيم بن محمد الجعفري. ثقة ، صدوق ، له كتب ، منها :

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٣ ، الذريعة ٦ : ٣٣٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٥ ، رجال الطوسي : ١٣٨ ، خلاصة الأقوال : ١٦٩ و ١٨٩.

(٣) خلاصة الأقوال : ٥٦ ، في ترجمة اسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربه ، الذريعة ٢ : ١٥٩.

(٤) رجال النجاشي : ٢٠١ ، الذريعة ٦ : ٣٣٩.

(٥) رجال ابن داود : ١١٣.

(٦) رجال النجاشي : ٢٩٣ ، رجال الطوسي : ١٤٢ ، الفهرست : ١٩٢.

(٧) رجال النجاشي : ٢٣٧ ، نقد الرجال ٣ : ٤٣.

(٨) رجال النجاشي : ٢٤٦ ، الذريعة ٦ : ٣٤٣.

١٨١

كتاب خروج محمد بن عبد اللّه ومقتله ، وكتاب خروج صاحب فخ ومقتله (١).

٤٦ ـ عبد اللّه بن سنان بن طريف. ثقة جليل ، له كتاب الصلاة الكبير (٢).

٤٧ ـ عبد اللّه بن غالب الأسدي. شاعر فقيه ، ثقة ثقة ، له كتاب تكثر الرواة عنه ، قال له أبو عبد اللّه الصادق عليه‌السلام : «إن ملكاً يلقي الشعر عليك ، وإني لأعرف ذلك الملك» (٣).

٤٨ ـ عبد المؤمن بن القاسم بن قيس الأنصاري. كوفي ، ثقة ، هو وأخوه أبو مريم عبد الغفار بن القاسم ، توفي سنة ١٤٧ هـ ، له كتاب (٤).

٤٩ ـ عبيد بن محمد بن قيس البجلي. له كتاب يرويه عن أبيه ، عرضه على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، فقال : «هذا قول أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٥).

٥٠ ـ عبيد اللّه بن الوليد الوصافي. ثقة ، له كتاب (٦).

٥١ ـ علي بن أبي المغيرة الزبيدي. ثقة ، وله كتاب مفرد (٧).

٥٢ ـ عنبسة بن بجاد العابد. عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وكان قاضياً ، ثقةً خيراً فاضلاً ، له كتاب (٨).

٥٣ ـ غياث بن ابراهيم التميمي. بصري وسكن الكوفة ، عده الشيخ من

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢١٦.

(٢) الذريعة ١٥ : ٥٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٢٢ ، الذريعة ٦ : ٣٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٩.

(٥) الفهرست : ١٧٦.

(٦) رجال النجاشي : ٢٣١.

(٧) نقد الرجال ٣ : ٢٢٥.

(٨) رجال النجاشي : ٣٢٠ ، رجال الطوسي : ١٤١.

١٨٢

أصحاب الباقر عليه‌السلام ، ثقة ، له كتاب في الحديث ، وكتاب مقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

٥٤ ـ فضيل بن يسار النهدي البصري. ثقة عين ، جليل القدر ، له كتاب (٢).

٥٥ ـ الفيض بن المختار الجعفي الكوفي. ثقة عين ، له كتاب (٣).

٥٦ ـ كثير بن كلثم. كوفي ، ثقة (٤).

٥٧ ـ الكميت بن زيد الأسدي. شاعر الإمام الباقر عليه‌السلام ، وقد قدمنا ترجمته في الفصل الثاني ، وقيل : في الكميت عشر خصال لم تكن في شاعر : كان خطيب بني أسد ، وفقيه الشيعة ، وحافظ القرآن ، وكاتباً حسن الخط ، ونسابة ، وكان جدلياً ، وهو أول من ناظر في التشيع مجاهراً بذلك ، وكان رامياً لم يكن في بني أسد أرمى منه ، وكان فارساً شجاعاً ، وكان سخياً ديناً (٥).

٥٨ ـ ليث بن البختري المرادي. ثقة عظيم الشأن ، وله كتاب (٦).

٥٩ ـ مالك بن عطية الأحمسي. عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، ثقة ، وله كتاب (٧).

٦٠ ـ محمد بن الحسن بن أبي سارة الرواسي. أصله كوفي ، وسكن هو وأبوه قبله النيل ، روى هو وأبوه عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما‌السلام ، وابن عمه معاذ بن

__________________

(١) الفهرست : ١٩٦ ، خلاصة الأقوال : ٣٨٥.

(٢) رجال النجاشي : ٣٠٩ ، رجال الطوسي : ١٤٣ ، خلاصة الأقوال : ٢٢٨.

(٣) رجال النجاشي : ٣١١.

(٤) رجال النجاشي : ٣١٩.

(٥) الغدير ٢ : ١٦٩ عن خزانة الأدب ٢ : ٦٩ وشرح الشواهد : ١٣.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢١ ، معالم العلماء : ١٢٩ ، رجال ابن داود : ٢١٤.

(٧) رجال النجاشي : ٤٢٢ ، رجال الطوسي : ١٤٥ ، الفهرست : ٢٥٠.

١٨٣

مسلم بن أبي سارة ، وهم أهل بيت فضل وأدب ، وعلى معاذ ومحمد تفقّه الكسائي علم العرب ، والكسائي والفراء يحكون عنهما في كتبهم كثيراً ، وهم ثقات لا يطعن عليهم بشيء. ولمحمد هذا كتاب الوقف والابتداء ، وكتاب الهمز ، وكتاب إعراب القرآن (١).

٦١ ـ محمد بن السائب الكلبي. له كتاب أحكام القرآن ، والتفسير ، وقيل : هو أول من صنف في هذا الفن ، توفي سنة ١٤٦ هـ (٢).

٦٢ ـ محمد بن شريح الحضرمي. ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، وله كتاب (٣).

٦٣ ـ محمد بن قيس البجلي. ثقة ، وجه من وجوه العرب بالكوفة ، له كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام رواه عن الباقر عليه‌السلام ، وكتاب آخر نوادر (٤).

٦٤ ـ محمد بن مرازم الساباطي. ثقة ، له كتاب (٥).

٦٥ ـ محمد بن مسلم بن رباح الطحان. وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللّه عليهما‌السلام ، وروى عنهما ، وكان من أوثق الناس. له كتاب يسمى الأربع مئة مسألة في أبواب الحلال والحرام (٦).

٦٦ ـ مسكين. ثقة ، عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢٤.

(٢) الذريعة ١ : ٤٠ و ٤ : ٣١١.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٦ ، رجال الطوسي : ١٤٥ ، الفهرست : ٢٣٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٢٢ ، الفهرست : ٢٠٦ ، خلاصة الأقوال : ٢٥٢.

(٥) الذريعة ٦ : ٣٦٤.

(٦) رجال النجاشي : ٣٢٣ ، الذريعة ١ : ٤٠٧.

(٧) رجال الطوسي : ١٤٥.

١٨٤

٦٧ ـ مسمع بن عبد الملك. أبو سيار ، الملقب كردين ، شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها ، وسيد المسامعة ، وكان أوجه من أخيه عامر بن عبد الملك وأبيه ، له كتاب نوادر كبير ، وروى أيام البسوس. وقال له أبو عبد اللّه عليه‌السلام : «إنّي لأعدك لأمر عظيم ، يا أبا السيار» (١).

٦٨ ـ معاذ بن مسلم بن أبي سارة النحوي. نحوي مشهور ، وثقه النجاشي عند ترجمة محمد بن الحسن بن أبي سارة (٢).

٦٩ ـ منصور بن حازم أبو أيوب البجلي. كوفي ، ثقة ، عين ، صدوق ، من أجلة أصحابنا وفقهائهم. عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، له كتب منها : أصول الشرائع ، وكتاب الحج (٣).

٧٠ ـ معمر بن يحيى بن سام العجلي. ثقة ، متقدم ، له كتاب (٤).

٧١ ـ موسى بن الحسن بن عامر الأشعري القمي. أبو الحسن ، ثقة ، عين ، جليل. صنف ثلاثين كتاباً ، منها : كتاب الطلاق ، كتاب الوصايا ، كتاب الفرائض ، كتاب الفضائل ، كتاب الحج ، كتاب الرحمة ، كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الحج ، كتاب الصيام ، كتاب يوم وليلة ، كتاب الطب. روى عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، وعده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٥).

٧٢ ـ نصر بن مزاحم المنقري. مستقيم الطريقة ، صالح الأمر ، له مصنفات

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢٠ ، نقد الرجال ٤ : ٣٧٥.

(٢) نقد الرجال ٤ : ٣٨٤.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٣ ، معالم العلماء : ١٥٦ ، رجال الطوسي : ١٤٧.

(٤) رجال النجاشي : ٤٢٥ ، نقد الرجال ٤ : ٤٠٢.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠٦ ، رجال الطوسي : ١٤٧ ، خلاصة الأقوال : ٢٧٢.

١٨٥

حسان (١).

٧٣ ـ هارون بن حمزة الغنوي. ثقة ، عين ، له كتاب ، عده الشيخ من أصحاب الباقر عليه‌السلام (٢).

٧٤ ـ هيثم بن أبي مسروق النهدي. قريب الأمر ، له كتاب نوادر (٣).

٧٥ ـ وهب بن عبد ربه الأسدي. ثقة ، له كتاب (٤).

٧٦ ـ يحيى بن أبي العلاء الرازي. له كتاب (٥) ، وهو ثقة مشهور.

٧٧ ـ يحيى بن القاسم الأسدي. أبو بصير ، ثقة وجيه ، له كتاب يوم وليلة ، كتاب مناسك الحج ، وتفسير أبي بصير (٦).

٧٨ ـ أبو خالد القماط. كوفي ، ثقة ، له كتاب (٧).

وكان كل هؤلاء وغيرهم من الرجال الأفذاذ يشكلون حجر الزاوية في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام التي اكتمل بناؤها على يد الإمام الصادق عليه‌السلام ، الذي كان حلقة الوصل في نقل علوم الشريعة بشكل لم يسبق له مثيل ، قال الحسن بن علي الوشاء يصف مسجد الكوفة : اني أدركت في هذا المسجد تسع مئة شيخ كلٌّ يقول حدثني جعفر بن محمد (٨).

__________________

(١) نقد الرجال ٥ : ١١.

(٢) رجال النجاشي : ٤٣٧ ، رجال الطوسي : ١٤٨ ، الفهرست : ٢٦٠.

(٣) رجال النجاشي : ١٦١ ، نقد الرجال ٥ : ٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٤٣٠.

(٥) نقد الرجال ٥ : ٦٠.

(٦) رجال النجاشي : ٤٤١ ، الذريعة ٤ : ٢٥١.

(٧) نقد الرجال ٥ : ٨٦.

(٨) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٠.

١٨٦

الفصل السادس

دوره عليه السلام في تأصيل عقائد الإسلام

في أصول الاعتقاد :

تعرض الإمام الباقر عليه‌السلام لمسائل كلامية دقيقة ذات صلة بالتوحيد وصفات الذات الإلهية والإمامة والمعاد وغيرها من المسائل التي كانت مثار جدل في عصره ، وهي تكتسب أهمية قصوى في ذلك العصر إذا لوحظ حجم التحديات

التي تواجه الإسلام من قبل الحكام الذين استباحوا كل وسائل القمع والإرهاب ضد القائلين بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان الإمام عليه‌السلام بصدد إعادة المسار إلى نصابه في سبيل إعلاء كلمة الدين ، وتنمية الأفكار والمفاهيم الإسلامية الصحيحة في وعي المسلم ووجدانه.

قال الشاعر :

وشيد الدين الحنيف السامي

حتى علت دعائم الإسلام

قامت به قواعد التوحيد

واستحكمت برأيه السديد

فرّقَ جمعَ الغيِّ والضلالِ

بجمع شمل العلم والكمال (١)

وقد ورد في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام تبيين أصول العقيدة لبعض أصحابه ، حيث سأله أبو الجارود عن دينه الذي يدين اللّه به هو وأهل بيته.

١٨٧

قال أبو الجارود : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يا بن رسول اللّه ، هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال : نعم. قال : فقلت : فإني أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإني مكفوف البصر ، قليل المشي ، ولا استطيع زيارتكم كل حين. قال : هات حاجتك. قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّوجلّ به أنت وأهل بيتك ، لأدين اللّه عزّوجلّ به. قال : إن كنت أقصرت الخطبة ، فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين اللّه عزّوجلّ به ، شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن محمداً رسول اللّه ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه ، والولاية لولينا ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع» (٢).

١ ـ كلماته في التوحيد ومعرفة الخالق :

يشكل التوحيد الحجر الأساس في البناء الفكري والعقيدي والأخلاقي ، وهو المحور الذي تدور عليه العقائد والشرائع الإلهية ، من هنا كان للإمام الباقر عليه‌السلام كلمات كثيرة في بيان معنى التوحيد الخالص من شوائب الشرك ومقولات التشبيه والتجسيم ، وتأكيد أن المعبود سبحانه لم يزل ولا يزال واحداً صمداً قدوساً تفرّد بالعبودية ، وتعالى عن صفات الخلق.

إخلاص التوحيد :

قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة ، وهو الانفراد ، والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : ان بناء العدد من الواحد ، وليس الواحد من العدد ، لأن العدد

__________________

(١) الأنوار القدسية : ٧٢.

(٢) الكافي ٢ : ٢١ / ١٠.

١٨٨

لا يقع على الواحد ، بل يقع على الإثنين ، فمعنى قوله : اللّه أحد ، المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته ، فرد بالهيته ، متعال عن صفات خلقه» (١).

وقال محمد بن مسلم : سأل نافع بن الأزرق أبا جعفر عليه‌السلام قال : «أخبرني عن اللّه عزّوجلّ متى كان؟ قال : متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟! سبحان من لم يزل ولا يزال فرداً صمداً ، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً» (٢).

وأكد الإمام عليه‌السلام على إخلاص التوحيد للّه وما يترتب عليه من حسن الثواب ، روى جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «جاء جبرئيل إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا محمد ، طوبى لمن قال من أمتك : لا إله إلاّ اللّه ، وحده وحده وحده» (٣).

وعن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، إنّ اللّه عزّوجلّ لا يعدله شيء ، ولا يشركه في الأمور أحد» (٤).

وحذّر عليه‌السلام من الشرك لأنه من الظلم الذي لا يغفره اللّه ، قال عليه‌السلام : « الظلم ثلاثة : ظلم لا يغفره اللّه ، وظلم يغفره اللّه ، وظلم لا يدعه اللّه ، فأما الظلم الذي لا يغفره اللّه فالشرك باللّه ... » (٥).

__________________

(١) التوحيد : ٩٠.

(٢) الكافي ٨ : ١٢٠ / ٩٣ ، الاحتجاج ٢ : ٥٤.

(٣) التوحيد : ٢١ / ١٠.

(٤) الكافي ٢ : ٥١٦ / ١ ، التوحيد : ١٩ / ٣.

(٥) تحف العقول : ٢٩٣ ، الخصال : ١١٨ / ١٠٥.

١٨٩

وحاول عليه‌السلام غرس هذه المفاهيم عن طريق الدعاء الذي جعل منه ميداناً لتعليم العقائد وعلى رأسها التوحيد ، ومن ذلك الدعاء وقت الزوال الذي علمه الباقر عليه‌السلام محمد بن مسلم : «لا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر ، وسبحان اللّه ، والحمد للّه الذي لم يتخذ ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً.

قال محمد بن مسلم : فقلت : جعلت فداك ، أحافظ على هذا الكلام عند الزوال؟ قال : نعم ، حافظ عليه كما تحافظ على عينيك» (١).

العقول لا تدرك كنه الذات :

يؤكد الإمام الباقر عليه‌السلام امتناع عقول المخلوقين وحواسهم عن إدراك حقيقة الذات الالهية ، أو توهمه بالمحسوسات ، لأنه سبحانه فوق ما يدركه العقل ، وفوق ما تتصوره الأوهام والحواس ، عن المنهال بن عمرو ، عنه عليه‌السلام قال : «اذكروا من عظمة اللّه ما شئتم ، ولا تذكرون منه شيئاً إلاّ وهو أعظم منه» (٢).

وقال عليه‌السلام : «اللّه معناه المعبود الذي أَلْهَ الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته» (٣).

وعن عبد الرحمن بن أبي نجران ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التوحيد ، فقلت : أتوهم شيئاً. فقال : نعم ، غير معقول ولا محدود ، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه ، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام ، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل ، وخلاف ما يتصور في الأوهام؟! إنّما يتوهم

__________________

(١) فلاح السائل : ٩٦ ، بحار الأنوار ٨٧ : ٥٤ ، مستدرك الوسائل ٣ : ١٢٦ / ٣١٧٤.

(٢) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٠٥.

(٣) التتوحيد : ٨٩.

١٩٠

شيء غير معقول ولا محدود» (١).

وعن المدائني ، قال : «بينما محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام في فناء الكعبة أتاه أعرابي فقال له : هل رأيت اللّه حيث عبدته؟ فأطرق وأطرق من كان حوله ، ثم رفع رأسه إليه ، فقال : ما كنت لأعبد شيئاً لم أره. فقال : وكيف رأيته؟ قال : لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، معروف بالآيات ، منعوت بالعلامات ، لا يجور في قضية ، بان من الأشياء وبانت الأشياء منه ، ليس كمثله شيء ، ذلك اللّه لا إله إلاّ هو. فقال الأعرابي : اللّه أعلم حيث يجعل رسالاته» (٢).

ونهى عليه‌السلام عن الكلام في كنه الذات لأنه يؤدي إلى الخوض في التشبيه والتجسيم ، وإنزال ذات الإله وكأنها شيء من الأشياء التي تخضع لوصف الحواس وسائر المدركات العقلية ، الأمر الذي يتبعه الضُلاَّل والتِّيه.

عن محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا محمد ، إن الناس لا يزال لهم المنطق حتى يتكلموا في اللّه ، فإذا سمعتم ذلك فقولوا : لا إله إلاّ اللّه» (٣).

وعنه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «تكلموا فيما دون العرش ، ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فإنَّ قوماً تكلموا في اللّه فتاهوا ، حتى كان الرجل ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه» (٤).

__________________

(١) التوحيد : ٨٩.

(٢) الكافي ١ : ٨٢ / ١ ، التوحيد : ١٠٦ / ٦.

(٣) تاريخ دمشق ٤٥ : ٢٨٢ ، البدء والتاريخ ١ : ٧٤ ، ونحوه في التوحيد : ١٠٨ / ٥ ، الاحتجاج ١ : ٥٤ ، أمالي المرتضى ١ : ١٠٤.

(٤) المحاسن ١ : ٢٣٧ / ٢٠٩.

١٩١

وعن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «تكلموا في خلق اللّه ، ولا تتكلموا في اللّه ، فإن الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلاّ تحيراً».

وفي رواية أخرى عن حريز : «تكلموا في كل شيء ، ولا تتكلموا في ذات اللّه» (٢).

وعنه عليه‌السلام : «كلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه ، مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم» (٣).

صفات الذات :

نفى الإمام الباقر عليه‌السلام ما قاله بعض متكلمي العراق من تعدد صفات الذات ، وأنّه تعالى يسمع بغير ما يبصر ، ويبصر بغير ما يسمع ، شأنه في ذلك شأن مخلوقاته ، وقد عمل الإمام عليه‌السلام على وضع هذه المسألة في إطارها الصحيح ، مؤكّداً وحدة الصفات ، وكونها عين الذات الإلهية المقدّسة.

روى محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ـ في صفة القديم ـ إنّه واحد صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعان كثيرة مختلفة. قال : «قلت : جعلت فداك ، إنّه يزعم قوم من أهل الع راق أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع. قال : فقال : كذبوا وألحدوا ، وشبهوا اللّه تعالى ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما به يبصر ، ويبصر بما به يسمع. قال : فقلت : يزعمون أنّه بصير على ما يعقله. قال : فقال : تعالى اللّه ، إنما يعقل من كان بصفة المخلوق ، وليس اللّه

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٣٨ / ٢١١.

(٢) الكافي ١ : ٩٢ / ١.

(٣) بحار الأنوار ٦٦ : ٢٩٢.

١٩٢

كذلك» (١).

أزلية الذات :

ورد في كلام الإمام الباقر عليه‌السلام ما يؤكد أزلية واجب الوجود وتوحيده ، وتنزيهه عن المشابهة لمخلوقاته المفتقرة إلى الزمان والمكان والعلّة.

قال الإمام محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : «إن اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نوراً لا ظلام فيه ، وصادقاً لا كذب فيه ، وعالماً لا جهل فيه ، وحياً لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبداً» (٢).

وعن أبي بصير ، قال : «جاء رجل إلى أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال له : أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال : ويلك إنما يقال لشيء لم يكن متى كان ، إنّ ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف ، ولم يكن له كان ، ولا كان لكونه كيف ، ولا كان له أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكاناً ، ولا قوي بعد ما كون الأشياء ، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً ، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً ، ولا يشبه شيئاً مذكوراً ، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه ، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه ، لم يزل حياً بلا حياة ، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً ، وملكاً جباراً بعد إنشائه للكون ، فليس لكونه كيف ، ولا له أين ، ولا له حدّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم لطول البقاء ، ولا يصعق لشيء ، بل لخوفه تصعق الأشياء كلّها ، كان حياً بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أين

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٥٤.

(٢) التوحيد : ١٤١.

١٩٣

موقوف (١) عليه ، ولا مكان جاور شيئاً ، بل حي يعرف ، وملك لم يزل له القدرة والملك ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته ، لا يحدّ ولا يبعّض ولا يفنى ، كان أولاً بلا كيف ، ويكون آخراً بلا أين ، وكل شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر ، تبارك اللّه ربّ العالمين.

ويلك أيّها السائل ، إنّ ربّي لا تغشاه الأوهام ، ولا تنزل به الشبهات ، ولا يحار ولا يجاوزه شيء (٢) ، ولا تنزل به الأحداث ، ولا يسأل عن شيء يفعله ، ولا يندم على شيء ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى» (٣).

معنى الصمد :

ذهب المشبهة إلى أن معنى الصمد هو المصمت الذي لا جوف له ، وذلك لا يكون إلاّ من صفة الأجسام المصمتة التي لا أجواف لها ، واللّه جلّ ذكره متعال عن ذلك ، ليس كمثله شيء ، وهو أعظم وأجلّ من أن تقع الأوهام على صفته ، أو تدرك كنه عظمته.

من هنا أكّد الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام على أن معنى الصمد هو أن اللّه سبحانه يعبده كل شيء ، ويصمد إليه كل شيء (٤). وقال عليه‌السلام : «الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناهٍ» (٥). أي هو السيد الصمد الذي جميع الخلق

__________________

(١) في التوحيد : ولا أثر مقفو.

(٢) في التوحيد : ولا يجار من شيء ، ولا يجاوره شيء.

(٣) الكافي ١ : ٨٨ / ٣ ، التوحيد : ١٧٣ / ٢.

(٤) الكافي ١ : ١٢٣ / ٢.

(٥) التوحيد : ٩٠ ، معاني الأخبار : ٧.

١٩٤

من الجن والإنس إليه يصمدون في الحوائج ، وإليه يلجأون عند الشدائد ، ومنه يرجون الرخاء ودوام النعماء ، ليدفع عنهم الشدائد (١).

وورد عنه عليه‌السلام تفسير لحروف كلمة الصمد ، ينسجم مع المعنى الذي يؤكده في وحدانية الخالق ، وأزلية ملكه ودوامه ، وعجز حواس وأوهام الخلق عن درك ماهيته وكيفيته.

قال وهب بن وهب القرشي : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «قدم وفد من أهل فلسطين على الباقر عليه‌السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ، ثم سألوه عن الصمد ، فقال : تفسيره فيه ، الصمد خمسة أحرف : فالألف دليل على إنّيته ، وهو قوله عزّوجلّ : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ» (٢) وذلك تنبيه وإشارة إلى الغائب عن درك الحواس ، واللام دليل على إلهيته بأنه هو اللّه.

والألف واللام مدغمان لا يظهران على اللسان ، ولا يقعان في السمع ، ويظهران في الكتابة ، دليل على أن إلهيته بلطفه خافية لا تدرك بالحواس ، ولا تقع في لسان واصف ، ولا أذن سامع ، لأن تفسير الإله هو الذي ألْهَ الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحسّ أو بوهم ، لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس ، وإنما يظهر ذلك عند الكتابة ، دليل على أن اللّه سبحانه أظهر ربوبيته في إبداع الخلق وتركيب أرواحهم اللطيفة في أجسادهم الكثيفة ، فإذا نظر عبد إلى نفسه لم ير روحه ، كما أن لام الصمد لا تتبين ولا تدخل في حاسة من الحواس الخمس ، فإذا نظر إلى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف ، فمتى تفكر العبد في ماهية الباري وكيفيته ، ألْهَ فيه وتحيّر ، ولم تحط فكرته بشيء يتصور له ، لأنه

__________________

(١) راجع : الكافي ١ : ١٢٤.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.

١٩٥

عزّوجلّ خالق الصور ، فإذا نظر إلى خلقه ثبت له أنه عز وجل خالقهم ومركب أرواحهم في أجسادهم.

وأما الصاد فدليل على أنه عز وجل صادق وقوله صدق وكلامه صدق ، ودعا عباده إلى إتباع الصدق بالصدق ، ووعد بالصدق دار الصدق.

وأما الميم فدليل على ملكه ، وأنه الملك الحق لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه.

وأما الدال فدليل على دوام ملكه ، وأنه عزّوجلّ دائم ، تعالى عن الكون والزوال ، بل هو عزّوجلّ يكوّن الكائنات ، الذي كان بتكوينه كل كائن» (١).

العلم الإلهي :

جاء في حديث الباقر عليه‌السلام ما يؤكد أزلية علمه تعالى ، وأنه محيط بكل شيء ، وليس في علمه تفاوت ولا اختلاف وليس له حدود ، فهو عالم بالأشياء قبل وبعد كونها على حد سواء ، لأنه الخالق والمكوّن له.

عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «سمعته يقول : كان اللّه عزّوجلّ ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه» (٢).

وعن فضيل ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : «جعلت فداك ، إن رأيت أن تعلمني هل كان اللّه جل ذكره يعلم قبل أن يخلق الخلق أنه وحده؟ فقد اختلف مواليك. فقال بعضهم : قد كان يعلم تبارك وتعالى أنه وحده قبل أن يخلق شيئاً من خلقه ، وقال بعضهم : إنما معنى يعلم يفعل ، فهو اليوم يعلم أنه لا غيره قبل

__________________

(١) التوحيد : ٩٢ ، معاني الأخبار : ٧.

(٢) الكافي ١ : ١٠٧ / ٢ ، التوحيد : ١٤٥ / ١٢.

١٩٦

فعل الأشياء ، وقالوا : إن أثبتنا أنه لم يزل عالماً بأنه لاغيره ، فقد أثبتنا معه غيره في أزليته ، فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني ما لا أعدوه إلى غيره ، فكتب عليه‌السلام : ما زال اللّه تعالى عالماً تبارك وتعالى ذكره» (١).

٢ ـ كلماته في الإمامة :

تحدث الإمام أبو جعفر الباقر عليه‌السلام عن كثير من جوانب الإمامة ، باعتبارها من أصول الدين وأركان الإسلام في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي القاعدة الصلبة التي ترتكز عليها بنى الإسلام ، وكان ذلك في وقت عصيب عملت فيه السلطة بكل ما أوتيت من قوة على طمس معالم الإمامة ، وإقصاء أهلها.

وكان من مضامين حديثه في هذا الاتجاه بيان ضرورة ووجوب الإمامة ، ووجه الحاجة إلى الإمام ، وكون معرفته من ضرورات الدين ، التي بدونها يموت المرء ميتة جاهلية ، وتحدث عن منزلة الإمام وعظمته وكرامته عند اللّه ، وأكد على أن الأئمة الذين فرض اللّه طاعتهم هم المعصومون الإثنا عشر من أهل البيت عليهم‌السلام حصراً ، وهم الأوصياء ، الذين أوجب اللّه سبحانه التمسك بهم وطاعتهم وإخلاص الولاية لهم ، وفرض حبهم ومودتهم والصلوات عليهم.

ضرورة ووجوب الإمامة :

أكّد الإمام الباقر عليه‌السلام على ضرورة الإمامة ووجوبها من اللّه تعالى ، ذلك لأن الإمام حجته على عباده ، وهو الذي يهتدى به إليه سبحانه ، من هنا لا تخلو الأرض من إمام حي معروف ظاهر أو غائب منذ بدء الخليقة إلى آخر الدهر.

عن أبي هراسة ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال : «لو أن الإمام رُفِعَ من

__________________

(١) التوحيد : ١٤٥ / ١١.

١٩٧

الأرض ساعة لساخت بأهلها وماجت ، كما يموج البحر بأهله» (١).

عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال : «واللّه ما ترك اللّه أرضه منذ قبض اللّه آدم إلاّ وفيها إمام يهتدى به إلى اللّه ، وهو حجته على عباده ، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة للّه على عباده» (٢).

وجه الحاجة إلى الإمام :

لتأكيد ضرورة النبوة والإمامة ، ذكر الإمام الباقر عليه‌السلام العلّة التي من أجلها يحتاج إلى النبي والإمام ، وهي تحقيق صلاح العالم وأمان أهل الأرض.

عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : «قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام؟ فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أن اللّه عزوجل يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو إمام ، قال اللّه عزّوجلّ : «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ» (٣) وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون. يعني بأهل بيته الأئمة الذين قرن اللّه عزوجل طاعتهم بطاعته ، فقال : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الاْءَمْرِ مِنْكُمْ» (٤) وهم المعصومون المطهرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيدون

__________________

(١) الغيبة / النعماني : ١٣٩ ، بصائر الدرجات : ٥٠٨ / ٣ ، الإمامة والتبصرة : ٣٤ ، الكافي ١ : ١٧٩ / ١٢ ، اكمال الدين : ٢٠٢ / ٣ و ٩.

(٢) الغيبة / النعماني : ١٣٨.

(٣) سورة الأنفال : ٨ / ٣٣.

(٤) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

١٩٨

الموفّقون المسدّدون ، بهم يرزق اللّه عباده ، وبهم تعمر بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم يخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ، ولا يعجل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم ، صلوات اللّه عليهم أجمعين» (١). وقد شخص عليه‌السلام في هذا الحديث أيضاً هوية الأئمة مفترضي الطاعة من قبل اللّه عزّوجلّ.

وجوب معرفة الإمام :

تحدّث الإمام الباقر عليه‌السلام عن وجوب معرفة إمام العصر ، لارتباط هذه المعرفة بمعرفة اللّه ، قال عليه‌السلام : «إنّما كلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه» (٢).

وعن جابر ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّما يعرف اللّه عزّوجلّ ويعبده من عرف اللّه وعرف إمامه منا أهل البيت ، ومن لا يعرف اللّه عزّوجلّ ولا يعرف الإمام منا أهل البيت ، فإنّما يعرف ويعبد غير اللّه ، هكذا واللّه ضلالاً» (٣).

وأكّد حديث آبائه عليهم‌السلام «أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، من هنا فإن الحجة لا تقوم للّه عزّوجلّ على عباده إلاّ بإمام حي معروف.

عن فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «من مات وليس له

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ١٢٣ / باب ١٠٣.

(٢) الكافي ١ : ٣٩٠ / ١.

(٣) الكافي ١ : ١٨١ / ٤.

١٩٩

إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر ، ومن مات وهو عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه» (١).

وعن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «من مات لا يعرف إمامه ، مات ميتة جاهلية كفر ونفاق وضلال» (٢).

وفي لفظ آخر عنه وعن سالم بن أبي حفصة ، أنهما سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الحجّة لا تقوم للّه عزّوجلّ على خلقه إلاّ بإمام حي يعرفونه» (٤).

الآثار المترتبة على عدم المعرفة :

وشرح الإمام عليه‌السلام الآثار المترتبة على عدم معرفة الإمام ، وعلى رأسها عدم قبول الأعمال إلاّ بتلك المعرفة ، ضارباً أروع الأمثلة في هذا السياق.

عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «كل من دان اللّه عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللّه ، فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، واللّه شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنت إليها واغترت بها ، فباتت معها في مربضها ، فلما أن

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٧١ / ٥.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٨٢.

(٣) الكافي ١ : ٣٩٧ / ١ ، بصائر الدرجات : ٢٧٩ و ٥٢٩ و ٥٣٠.

(٤) قرب الاسناد : ٣٥١.

٢٠٠