الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام موسى الكاظم عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-37-9
الصفحات: ٢٣٤

الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلنكم أحد عنها. يا بني ، انه لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به ، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ، ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحّ من هذه لاتبعوه » (١).

وعن العباس بن عامر القصباني ، قال : « سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : صاحب هذا الأمر من يقول الناس : لم يولد بعد » (٢).

عن داود بن كثير الرقي ، قال : « سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام عن صاحب هذا الأمر ، قال : هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله ، الموتور بأبيه عليه‌السلام » (٣).

وعن يونس بن عبد الرحمن ، قال : « دخلت على موسى بن جعفر عليهما‌السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ، أنت القائم بالحق ؟ فقال : أنا القائم بالحق ، ولكن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ ، ويملأها عدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ، هو الخامس من ولدي ، له غيبة يطول أمدها ، خوفاً على نفسه ، يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.

ثم قال : طوبى لشيعتنا ، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا ، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم ، قد رضوا بنا أئمة ، ورضينا بهم شيعة ، فطوبى لهم ، ثم طوبى لهم ، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة » (٤).

__________________

(١) إكمال الدين : ٣٥٩ / ١.

(٢) إكمال الدين : ٣٦٠ / ٢.

(٣) إكمال الدين : ٣٦١ / ٤.

(٤) إكمال الدين : ٣٦١ / ٥.

١٦١

عن أبي أحمد محمد بن زياد الأزدي ، أنه قال للإمام الكاظم عليه‌السلام : « يكون في الأئمة من يغيب ؟ فقال عليه‌السلام : نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه ، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره ، وهو الثاني عشر منا ، يسهّل الله له كل عسير ، ويذلل له كل صعب ، ويظهر له كنوز الأرض ، ويقرب له كل بعيد ، ويبير به كل جبار عنيد ، ويهلك على يده كل شيطان مريد ، ذلك ابن سيدة الإماء الذي تخفى على الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتى يظهره الله عزّ وجلّ ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً » (١).

مناظرات في الإمامة :

دافع الإمام الكاظم عليه‌السلام من خلال عدّة مناظرات ذكرنا بعضها في الفصل الثاني (٢) عن الاُسس التي تقوم عليها الإمامة وعن أهم قواعدها ، كما ردّ على المزيد من الشبهات المثارة حولها ، نقتصر هنا على ذكر بعض ما جاء منها مع هارون في موضوعين مهمين بالنسبة إلى خلفاء بني العباس ، هما تفضيل آل أبي طالب على آل العباس ، وسبب وراثتهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دون بني العباس.

عن أبي أحمد هاني بن محمد بن محمود العبدي ، عن أبيه ، بإسناده عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام ـ في حديث ـ قال : « قال الرشيد : أخبرني لِمَ فضّلتم علينا ونحن وأنتم من شجرة واحدة ، وبنو عبد المطلب ونحن وأنتم واحد ، وإنا بنو العباس ، وأنتم ولد أبي طالب ، وهما عمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرابتهما منه سواء ؟ فقلت : نحن أقرب. قال : وكيف ذلك ؟! قلت : لأن عبد الله

__________________

(١) إكمال الدين : ٣٦٨ / ٦.

(٢) في موقفه عليه‌السلام من الرشيد أجابه عن سبب نسبة أهل البيت عليهم‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أن المرء يُنسب إلى أبيه ، وكيف قيل لهم عليهم‌السلام ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مع أن العقب للذكر ، وهم عليهم‌السلام أولاد البنت.

١٦٢

وأبا طالب لأب وأم ، وأبوكم العباس ليس هو من أم عبد الله ، ولا من أم أبي طالب.

قال : فلم ادعيتم أنكم ورثتم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعم يحجب ابن العم ، وقبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد توفي أبو طالب قبله ، والعباس عمه حي ؟ فطلب الإمام الكاظم عليه‌السلام الأمان من الرشيد قبل الجواب فأمنه.

فقلت : إن في قول علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ليس مع ولد الصلب ذكراً كان أو أنثى لأحد سهم إلاّ للأبوين والزوج والزوجة ، ولم يثبت للعم مع ولد الصلب ميراث ، ولم ينطق به الكتاب ، إلاّ أن تيماً وعدياً وبني أمية قالوا : العم والد. رأياً منهم بلا حقيقة ، ولا أثر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إلى أن قال الرشيد : زدني يا موسى. فقلت : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يورث من لم يهاجر ، ولا أثبت له ولاية حتى يهاجر. فقال : ما حجتك فيه ؟ فقلت : قول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا ) (١) وإن عمي العباس لم يهاجر » (٢).

المبحث الثاني

دوره عليه‌السلام في التشريع والتصنيف

أسهم الإمام الكاظم عليه‌السلام في الدفاع عن مصادر التشريع ، فأكد على اتباع الكتاب والسنة ، وإبطال القياس والرأي والاستحسان ، ورفض كل أشكال الابتداع في دين الله ، وأثرت عن الإمام الكاظم عليه‌السلام كثير من الأخبار التي تتحدث عن سيرته وسننه التي تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وفي

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٧٢.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٨١ / ٩ ، تحف العقول : ٤٠٤ ، الاختصاص : ٤٨ ، الاحتجاج ٢ : ١٦٨.

١٦٣

نفس السياق نجد عدّة كتب ورسائل ومسائل رويت عنه في مجال الأحكام والشرائع ، لا يزال بعضها ماثلاً إلى اليوم ، هذا فضلاً عن سعة الرواية عنه في كافة أبواب الفقه ، فقد روى عنه العلماء في فنون العلم من علم الدين وغيره ما ملأ بطون الدفاتر ، وألّفوا في ذلك المؤلفات الكثيرة المروية عنه بالأسانيد المتصلة ، وكان يُعرف بين الرواة بالعالم. ويمكن أن نطلع على دور الإمام عليه‌السلام في تبليغ أحكام الشريعة مما يلي :

مصادر التشريع :

١ ـ موقفه عليه‌السلام من القياس :

عاش الإمام الكاظم عليه‌السلام في مرحلة ظهر فيها اتجاه القياس والرأي والاستحسان بقوة في خط الاجتهاد ، والقياس هو إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر للظن بأن أساس الحكم هنا هو أساس الحكم هناك ، وقد بدأ القياس كقاعدة من قواعد الاستنباط في عصر الإمام الصادق عليه‌السلام من قبل المذهب الحنفي ، ووقف الإمام الصادق عليه‌السلام ومن بعده الإمام الكاظم عليه‌السلام ضد هذه القاعدة الاجتهادية ، لأن القياس وكذلك الرأي والاستحسان إنما هي تعويل على العقل ، ودين الله سبحانه لا يُصاب بالعقول ، كما أنه لا توجد واقعة إلاّ ويمكن إدراجها تحت الأحكام الكلية المستنبطة من الكتاب والسنة ، روى سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : « قلت : أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه ، أم تقولون فيه برأيكم ؟ فقال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه » (١).

وعنه ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : « قلت : أصلحك الله ، إنا نجتمع

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٢١ / ١.

١٦٤

فنتذاكر ما عندنا ، فما يرد علينا شيء إلاّ وعندنا فيه شيء مسطّر ، وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير وليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه ، أفنقيس على أحسنه ؟ فقال عليه‌السلام : وما لكم والقياس ! إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس. ثم قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه (١). فقلت : أصلحك الله ، أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الناس بما يكتفون به في عهده ، قال : نعم ، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. فقلت : ضاع من ذلك شيء ؟ فقال : لا ، هو عند أهله » (٢).

وهنا يضع الإمام عليه‌السلام اصبعه على موضع الجرح ، فإن مشكلة المسلمين هي أنهم تركوا أهله فلم يرجعوا إليهم فتاهوا في لجّة البحر ، وقد قيل إن أبا حنيفة لم يوثق إلاّ (١٧) أو (١٨) حديثاً ، لذلك لجأ إلى القياس ، ولو كان قد رجع إلى أهل البيت عليهم‌السلام الذين نزل الوحي في بيوتهم وتوارثوا الحديث كابراً عن كابر ، لاستغنى عن الرأي والظن في أحكام الله.

وفي حديث آخر يؤكد الإمام عليه‌السلام سبب ترك القياس ، وهو أن الكتاب والسنة لم يتركا فراغاً في التشريع في أي موضوع ، عن أبي المغرا ، عن عبد صالح عليه‌السلام ، قال : « سألته فقلت : إن أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك وسمعوا منهما الحديث ، فربما كان الشيء يُبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء ، وعندهم ما يشبهه ، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال : لا ، إنما هلك من كان قبلنا بالقياس. فقلت له : لم تقول ذلك ؟ فقال : لأنه ليس من

__________________

(١) أي اسكتوا.

(٢) الكافي ١ : ٥٧ / ١٣ ، الاختصاص : ٢٨٢ ، بصائر الدرجات : ٣٢٢ / ٤.

١٦٥

شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة » (١).

وإنما هلك من هلك بالقياس لأنهم لم يرتكزوا على حجة شرعية في الأحكام التي استنبطوها انطلاقاً مما ظنوه ملاكاً للحكم في الأصل فنقلوه إلى الفرع لوجود الملاك فيه ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.

أمثلة في إبطال القياس :

عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابه. قال : « قال أبو يوسف (٢) للمهدي وعنده موسى بن جعفر عليهما‌السلام : تأذن لي أن أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شيء ؟ فقال له : نعم. فقال لموسى بن جعفر عليهما‌السلام : أسألك ؟ قال : نعم. قال : ما تقول في التظليل للمحرم ؟ قال : لا يصلح. قال : فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت ؟ قال : نعم. قال : فما الفرق بين هذين ؟ قال أبو الحسن : ما تقول في الطامث ، أتقضي الصلاة ؟ قال : لا. قال : فتقضي الصوم ؟ قال : نعم. قال : ولِمَ ؟ قال : هكذا جاء. قال أبو الحسن عليه‌السلام : وهكذا جاء هنا. فقال المهدي لأبي يوسف : ما أراك صنعت شيئاً. قال : رماني بحجر دامغ » (٣).

ويتكرر نفس المشهد ولكن بمحضر الرشيد ، فجاء في جواب الإمام عليه‌السلام لمحمد بن الحسن الشيباني لما أبطل قياسه : « أتعجب من سنة رسول الله ! إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كشف ظلاله في إحرامه ، ومشى تحت الظلال وهو محرم ، إن أحكام الله تعالى يا محمد لا تُقاس ، فمن قاس بعضه على بعض فقد ضل

__________________

(١) المحاسن : ٢١٢ ، الاختصاص : ٢٨١ ، بصائر الدرجات : ٣٢٢ / ٣.

(٢) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، من أصحاب الحديث ، ثم غلب عليه الرأي ، أخذ الفقه عن ابن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة ، وولي القضاء لهارون الرشيد.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٨ / ٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٩ ، الاحتجاج : ٣٩٤.

١٦٦

عن سواء السبيل. فسكت محمد بن الحسن ، ولم يحُر جواباً » (١).

٢ ـ موقفه عليه‌السلام من الاستحسان والرأي :

ذكرنا آنفاً أن الإمام عليه‌السلام وقف بوجه هذا التيار المدمر للشريعة مثلما وقف بوجه القياس ، ففي حديثه عليه‌السلام ليونس بن عبد الرحمن قال : « يا يونس ، لا تكونن مبتدعاً ، من نظر برأيه هلك ، ومن ترك أهل بيت نبيه ضل ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر » (٢).

والمقصود من النظر بالرأي هو اعتبار الاستحسانات الذاتية أساساً للحكم الشرعي من غير حجة شرعية من كتاب أو سنة ، وهو عين الابتداع في الدين ، ولا يعني ذلك رفض الإمام عليه‌السلام لحركة الرأي في الإنسان كوسيلة من وسائل التفكير في معرفة موضوعات الأحكام من الأشياء ، بل انه يريد التأكيد على أن الاستحسان في الحكم الشرعي لا يُعد من الوسائل التي جعلها الشارع أساساً للاستنباط ، ولأن حجيته لم تثبت من كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما ترك حديث أهل البيت عليهم‌السلام وما رووه عن جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه يؤدّي إلى الضلال ، لأنهم يملكون الحقيقة مما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في التفسير وتشريع الأحكام ، بكونهم حجة إلى جانب القرآن إلى يوم الدين كما جاء في حديث الثقلين.

ومن الأمثلة العملية على رفض الإمام عليه‌السلام لكافة أنواع الابتداع في الدين ، ما حكي أن المنصور تقدّم إليه عليه‌السلام بالجلوس للتهنية في يوم النيروز ، وقبض ما يحمل إليه ، فقال عليه‌السلام : « إني قد فتشت الأخبار عن جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم أجد لهذا العيد خبراً ، وإنه سنّة للفرس ومحاها الإسلام ، ومعاذ الله أن

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٣٥ ، اعلام الورى ٢ : ٣٠ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٦.

١٦٧

نحيي ما محاه الإسلام. فقال المنصور : إنما نفعل هذا سياسة للجند ، فسألتك بالله العظيم إلاّ جلست » (١).

على أن يوم النيروز الذي دخل في تقاليدنا الإسلامية ، قد جاءت به أحاديث تؤكد كونه من الأيام المباركة ويستحب الغسل والصلاة فيه ، ولا تؤكد كونه عيداً لأنّ أعياد المسلمين معروفة ، وليس هذا منها كما جاء في جوابه عليه‌السلام للمنصور ، وقد سكت المنصور عن الرد على الإمام عليه‌السلام إلاّ التذرّع بسياسة الجند ، لكون أغلب الجيش وقادته كانوا من الموالي ، وفي هذا المجال يُروى أنه أُهدي إلى أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فالوذج ، فقال : « ما هذا ؟ قالوا : يوم نيروز. قال عليه‌السلام : فنيرزوا إن قدرتم كل يوم. يعني تهادوا وتواصلوا في الله » (٢).

فلم يعطه الإمام عليه‌السلام أهمية إلاّ بمقدار اعتباره مناسبة لتوزيع الحلوى والتواصل بين المسلمين ، والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحث العلمي الدقيق ، لأن إدخال أي يوم ليكون عيداً في التقاليد الإسلامية ، أمر يحتاج إلى التأكد من خلال المصادر الأصلية ، أما من القرآن أو السنة الشريفة ، أو من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، ويبقى الاشكال قائماً لكل من يحتفل به كعيد شرعي إسلامي ، أما الاحتفال به كيوم لمطلع الربيع فهو أمر لا بأس به.

٣ ـ عرض الحديث على الإمام عليه‌السلام :

عرضت على الإمام الكاظم عليه‌السلام بعض الأحاديث إما بأمر منه عليه‌السلام ، أو من السائل لغرض الاستيضاح عن التعارض بين الأحاديث ، وكان موقفه عليه‌السلام من الأحاديث المعروضة عليه إما أن يسقط الحديث جملة ، أو يضعّفه ويطعن

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣.

(٢) دعائم الإسلام / القاضي النعمان المغربي ٢ : ٣٢٦.

١٦٨

بإسناده ويعرضه على الكتاب والسنة ، وقد يؤيده غير أنه يدل السائل على أن مورد الحديث خاص.

ومن ذلك ما رواه محمد الرافقي ، قال : « كان لي ابن عمّ يقال له الحسين بن عبد الله ، وكان زاهداً ، فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : اذهب فتفقّه واطلب الحديث. قال : عمّن ؟ قال : عن فقهاء أهل المدينة ، ثمّ اعرض عليّ الحديث... قال : فذهب فكتب ، ثم جاء فقرأه عليه فأسقطه كله » (١).

وعن أبان الأحمر ، قال : « سأل بعض أصحابنا أبا الحسن عليه‌السلام عن الطاعون يقع في بلدة وأنا فيها ، أتحول عنها ؟ قال : نعم. قال : ففي القرية وأنا فيها ، أتحوّل عنها ؟ قال : نعم. قال : ففي الدار وأنا فيها ، أتحول عنها ؟ قال : نعم. قلت : إنا نتحدث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف ؟ قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما قال هذا في قوم كانوا يكونون في الثغور في نحو العدو ، فيقع الطاعون ، فيخلّون أماكنهم ويفرون منها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك فيهم » (٢).

ونقل السيد ابن طاوس عن كتاب ( نزهة الكرام وبستان العوام ) لمحمد بن الحسين بن الحسن الرازي ، قال : « إن هارون الرشيد أنفذ إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام فأحضره ، فلما حضر عنده قال : إن الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم ، وإن معرفتكم بها معرفة جيدة ، وفقهاء العامة يقولون : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إذا ذكرني أصحابي فاسكتوا ، وإذا ذكروا القدر فاسكتوا ، وإذا ذكروا النجوم فاسكتوا. وأمير المؤمنين عليه‌السلام كان أعلم الخلائق بعلم

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٥٣ / ٨ ، الإرشاد ٢ : ٢٢٣.

(٢) معاني الأخبار : ٢٥٤ / ١.

١٦٩

النجوم ، وأولاده وذريته الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها.

فقال له الكاظم عليه‌السلام : هذا حديث ضعيف ، وإسناده مطعون فيه ، والله تعالى قد مدح النجوم ، ولولا أن النجوم صحيحة ما مدحها الله عزّ وجلّ ، والأنبياء عليهم‌السلام كانوا عالمين بها ، وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام : ( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (١). وقال في موضع آخر : ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ ) (٢). فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها ، وما قال : ( إِنِّي سَقِيمٌ ). وإدريس عليه‌السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم. والله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم ( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) (٣). وقال في موضع آخر : ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) إلى قوله : ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) (٤) ... » (٥).

سيرة الإمام الكاظم عليه‌السلام وسننه :

الإمام الكاظم عليه‌السلام في سيرته وسننه نسخة من سيرة وسنن آبائه صلوات الله عليهم ، لأنها ترتوي من منهل واحد ، هو سيرة جدهم المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تجسد مبادئ الإسلام وشريعته السمحاء ، وقد تحدث الرواة في عشرات الأحاديث عن صور كثيرة من سننه وسيرته العملية التي تدخل في صميم مصادر التشريع ، ومنها صلاته ومصلاّه وسجوده ، ودعائه واستغفاره وتلاوته وحفظه ، وحجّه وعمرته وكتابته ، ولباسه وخاتمه ، ومطعمه وآداب أكله

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٧٥.

(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ٨٨ و ٨٩.

(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٦.

(٤) سورة النازعات : ٧٩ / ١ ـ ٥.

(٥) فرج المهموم : ١٠٧ / ٢٥.

١٧٠

ووليمته وتخلله ، وحمامه وخضابه ، وحلق شعره ومشطه وتجمره ، وراحلته وزراعته ، وسيرته مع غلمانه وجواريه ، وسعيه في قضاء حاجات المسلمين ، وطبه وحجامته وعلاجاته بعض الأمراض.

وذكرنا في الفصل الخامس سيرته في العبادة والحلم وكظم الغيظ والزهد والتواضع ، وكلها تعكس جوانب وضّاءة من مظاهر العظمة التي يتحلّى بها إمامنا كاظم الغيظ عليه‌السلام ، مما يتوجب علينا أن نحوّل ما نتمكن منها إلى برامج عمل في حياتنا ، كي نرتبط بالخطوط الفكرية والعملية التي انطلق بها في الحياة ، ونتحرك في خط الاستقامة الذي ارتضاه الإمام عليه‌السلام لشيعته ، وهذا هو معنى الولاء للإمام ، لأن إمامتهم هي أن يكونوا أمامنا في مسيرة الإسلام التي تبدأ من الله وتنتهي إليه.

المصنفات المنسوبة إليه عليه‌السلام :

ذكر المؤرخون لسيرة الإمام الإمام الكاظم عليه‌السلام والمترجمون لأصحابه من علماء الرجال عدّة كتب ورسائل ومسائل ونسخ ، رواها عنه أصحابه في مجالات شتى منها الأحكام والشرائع والتفسير والدعاء والحكم والمواعظ والوصايا وغيرها ، وقد وصل بعضها إلينا مثل مسنده عليه‌السلام برواية المروزي (١) ، ومسائل أخيه علي بن جعفر (٢) ، وفيما يلي نذكر أهم إسهامات الإمام أبي الحسن موسى الكاظم عليه‌السلام في هذا الاتجاه :

١ ـ كتاب الحج ، رواه عنه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن علي بن الحسين (٣).

__________________

(١) طبع بتحقيق السيد محمد حسين الجلالي ، ويشتمل على (٥٩) حديثاً.

(٢) طبع مع مستدرك عليه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) رجال النجاشي : ٢٥٦ / ٦٧١ ، الذريعة / الطهراني ٦ : ٢٥١ / ١٣٧٣.

١٧١

٢ ـ دعاء الجوشن الصغير ، أورده السيد ابن طاوس في ( مهج الدعوات ) (١) وذكر أنه قد كتبه عن إملائه عليه‌السلام جمع من شيعته الحاضرين مجلسه الذين كانوا يحملون معهم في أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فيكتبون كلما نطق بكلمة ، أو أفتى في نازلة كما سمعوا منه (٢).

٣ ـ أدعية أيام الأسبوع ، أوردها هبة الله بن أبي محمد الحسن الموسوي في ( المجموع الرائق من أزهار الحدائق ).

٤ ـ كتاب الحديث ، رواه عنه أبو اسماعيل بكر بن الأشعث الكوفي (٣).

٥ ـ كتاب رواه عنه أبو جعفر محمد بن صدقة العنبري البصري (٤).

٦ ـ كتاب رواه عنه القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن (٥).

٧ ـ كتاب رواه عنه خلف بن حماد بن ياسر الكوفي (٦).

٨ ـ وله مسائل عدّة رواها عنه إبراهيم بن أبي محمود الخراساني ، وهي قدر خمس وعشرين ورقة (٧) ، وأخرى رواها الحسن بن علي بن يقطين مولى بني هاشم (٨) ، وثالثة رواها عبد الله بن محمد الأهوازي (٩) ، ورابعة رواها أخوه

__________________

(١) وطبع في لكهنو سنة ١٨٧١ م.

(٢) الذريعة / الطهراني ٥ : ٢٨٧ / ١٣٣٧.

(٣) رجال النجاشي : ١٠٩ / ٢٧٥ ، الذريعة / الطهراني ٦ : ٣١٦ / ١٧٤٥.

(٤) رجال النجاشي : ٣٦٤ / ٩٨٣.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٤ / ٨٥٩.

(٦) رجال النجاشي : ١٥٢ / ٣٩٩.

(٧) رجال الكشي : ٥٦٧.

(٨) رجال النجاشي : ٤٥ / ٩١ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٩٨ / ١٦٦.

(٩) الذريعة / الطهراني ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٥٨.

١٧٢

أبو الحسن علي بن جعفر العريضي ، وهي باقية إلى الآن ، وتعد من الأصول المعتبرة بين الطائفة (١) ، وخامسة رواها علي بن يقطين ، الذي قال عنه النجاشي : روى عن موسى عليه‌السلام فأكثر (٢) ، وسادسة رواها يونس بن عبد الرحمن مولى آل يقطين (٣).

٩ ـ مسند الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، رواه عنه أبو عمران موسى بن إبراهيم المروزي ، وروي أنه سمع هذا الكتاب وأبو الحسن عليه‌السلام محبوس عند السندي بن شاهك ، وكان هو معلماً لولد السندي بن شاهك (٤).

١٠ ـ رسالة كتبها عليه‌السلام إلى علي بن سويد السائي (٥) وأوردها ثقة الإسلام الكليني في ( الكافي ) (٦).

١١ ـ وصية إلى هشام بن الحكم ، أوردها ثقة الإسلام الكليني في ( الكافي ) ، وابن شعبة في ( تحف العقول ) (٧).

ولإسماعيل بن موسى بن جعفر عدة كتب يرويها جميعاً عن أبيه ، سنذكرها

__________________

(١) الفهرست : ١٥١ / ٣٧٧ ، الذريعة / الطهراني ٢٠ : ٣٦٠ / ٣٤٠٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٣ / ٧١٥ ، الفهرست : ١٥٤ / ٣٨٨ ، الذريعة ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٥٩ ، كشف الحجب والأستار / اعجاز حسين : ٥١٠ / ٢٨٧١.

(٣) الفهرست : ٢٦٦ / ٨١٣ ، كشف الحجب والأستار : ٥١٠ / ٢٨٧٢ ، الذريعة ٢٠ : ٣٦٩ / ٣٤٨٦ و ٣٧٣ / ٣٤٦٠.

(٤) رجال النجاشي : ٤٠٧ / ١٠٨٢ ، الفهرست : ٢٤٣ / ٧٢٢ ، معالم العلماء / ابن شهرآشوب : ١٥٥ / ٧٩٩ ، كشف الظنون / حاجي خليفة ٢ : ١٦٨٢. وقال : رواه أبو نعيم الأصفهاني ، وروى عنه هذا المسند موسى بن إبراهيم.

(٥) رجال النجاشي : ٢٧٦ / ٧٢٤.

(٦) الكافي ٨ : ١٢٤.

(٧) الكافي ١ : ١٠ ـ ١٥ / ١٢ ، تحف العقول : ٣٨٣ ـ ٤٠٢.

١٧٣

في المبحث الرابع (١).

وهناك نسخ عديدة تُنسب إلى الإمام الكاظم عليه‌السلام رواها عنه علي بن حمزة ابن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) ، وأخرى رواها محمد ابن ثابت (٣) ، وثالثة رواها محمد بن زرقان (٤) ، ورابعة رواها محمد بن فضيل بن كثير الصيرفي الأزدي (٥).

المبحث الثالث

إسهامات علمية اُخرى

١ ـ في تفسير القرآن :

يعدّ حديث أهل البيت عليهم‌السلام من أهم مصادر تفسير آيات الكتاب الكريم ، وبيان أبعاد معانيه ، وتصاريف أغراضه ومراميه ، وقد أثبتت الدلائل والوقائع أنهم عليهم‌السلام الأقدر على تفسير الكتاب وإدراك مضامينه وفهم دقائقه ، لأن القرآن نزل في بيوتهم ، ولأنهم الذين قرن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بينهم وبين الكتاب ، وذكر أنهما لن يفترقا حتَّى يردا عليه الحوض ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « والله ما نزلت آية إلاَّ وقد علمت فيما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إنَّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً ، ولساناً طلقاً سؤولاً » (٦).

ومن تتبع التفسير الأثري الوارد عن أهل البيت عليهم‌السلام يجد أن هناك خطوطاً

__________________

(١) راجع : رجال النجاشي : ٢٦ / ٤٨ ، الفهرست / الشيخ الطوسي : ٤٥ / ٣١.

(٢) رجال النجاشي : ٢٧٢ / ٧١٤ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٧٩.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٩ / ١٠٠٣ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨٠.

(٤) رجال النجاشي : ٣٧٠ / ١٠٠٦ ، الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨١.

(٥) الذريعة / الطهراني ٢٤ : ١٥٢ / ٧٨٢.

(٦) كنز العمال ١٣ : ١٢٨ / ٣٦٤٠٤.

١٧٤

أساسية رسموها لفهم القرآن الكريم ، يمكن أن نصطلح عليها منهج أهل البيت عليهم‌السلام في التفسير ، وهي تتمثل في تفسير القرآن بالقرآن ، وقولهم بسلامة الكتاب الكريم من التحريف ، وأنه الذي بأيدي المسلمين ما بين الدفتين ، وتفسير الآيات على ضوء القول بتنزيه الخالق عن التجسيم والوصف والرؤية ، وتنزيه الأنبياء عن المعاصي وغيرها من عقائد الإسلام الأصيل.

وقد تركوا عليهم‌السلام تراثاً ضخماً من الروايات والأخبار التي تدخل في باب التفسير ، جمعها السيد هاشم البحراني المتوفى سنة ( ١١٠٧ ه‍ ) في كتابه ( البرهان في تفسير القرآن ) ، والشيخ عبد علي بن جمعة العروسي المتوفى سنة ( ١١١٢ ه‍ ) في تفسيره ( نور الثقلين ) ، فضلاً عن تفاسير الأثر المتقدمة الواصلة إلينا مثل تفسير فرات الكوفي ، والعياشي ، وعلي بن إبراهيم القمي ، وجميعها تقتصر على حديثهم الوارد في هذا الشأن.

وللإمام الكاظم عليه‌السلام نصيب وافر من هذا الكم التفسيري الهائل الوارد في التفاسير الأثرية ، أما تفسيره المبثوث في مصادر الحديث ، فقد راجعنا معجم تفسير أهل البيت عليهم‌السلام (١) الذي أُعدّ بعد تتبّع (١٧٧) مصدراً من مصادر الرواية الأوّلية من كتب الفريقين ، عدا مصادر التفسير ، فوجدنا فيه (٦٨٨) مورداً منقولاً عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في تفسير القرآن ، وهو يعكس عظمة جهود الإمام عليه‌السلام ومزيد اهتمامه بتفسيرالكتاب الكريم ، وفيما يلي نماذج من تفسيره عليه‌السلام :

عن سليمان الفراء ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) (٢) ، قال : « الصبر : الصوم ، إذا نزلت بالرجل الشدة أو النازلة فليصم ، فإن الله يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) ، الصبر :

__________________

(١) أعدّه قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، ولم يطبع إلى الآن.

(٢) سورة البقرة : ٢ / ٤٥.

١٧٥

الصوم » (١).

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ) (٢) ، قال عليه‌السلام : « هو التضييع » (٣).

وعن الحسن بن راشد ، قال : «سئل أبو الحسن موسى عليه‌السلام عن معنى قول الله تعالى : ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) (٤) ، فقال : استولى على ما دقّ وجلّ » (٥).

وفي قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (٦) ، قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : « إن الله عزّ وجلّ لما فتح على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدك وما والاها ، لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) فلم يدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هم ، فراجع في ذلك جبرئيل عليه‌السلام ، فسأل الله عزّ وجلّ عن ذلك ، فأوحى الله إليه : أن ادفع فدك إلى فاطمة. فدعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال لها : يا فاطمة ، إن الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدك. فقالت : قد قبلت يا رسول الله ، من الله ومنك ، فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما ولي أبو بكر أخرج عنها وكلاءها ، فأتته فسألته أن يردها عليها ، فقال لها : ائتيني بأسود أو أحمر ليشهد لك بذلك. فجاءت بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم‌السلام وأم أيمن ، فشهدوا

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٤٣ / ٤١.

(٢) سورة الماعون : ١٠٧ / ٥.

(٣) نور الثقلين ٥ : ٦٧٨ / ٩.

(٤) سورة طه : ٢٠ / ٥.

(٥) التوحيد : ٢٣٠ / ٤.

(٦) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٦.

١٧٦

لها بذلك ، فكتب بترك التعرض ، فخرجت بالكتاب معها فلقيها عمر ، فقال لها : ما هذا معك يا بنت محمد ؟ قالت : كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة. فقال لها : أرينيه ، فأبت ، فانتزعه من يدها » (١).

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) (٢) ، قال : « ما كان من الإيمان المستقر فمستقر إلى يوم القيامة ، وما كان مستودعاً سلبه الله قبل الممات » (٣).

وعن أبي إسحاق المدائني ، قال : « كنت عند أبي الحسن عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال له : جعلت فداك ، إن الله يقول : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الاْءَرْضِ فَسَادا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الاْءَرْضِ ) (٤) ... فأي شيء الذي إذا فعله استحق واحدة من هذه الأربع ؟ فقال له أبو الحسن عليه‌السلام : أربع ، فخذ أربعاً بأربع ، إذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً فقَتل قُتل ، فإن قَتل وأخذ المال قُتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتُل قُطعت يده ورجله من خلاف ، وإن حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فساداً ولم يأخذ المال نفي من الأرض. فقال له الرجل : جعلت فداك ، وما حدّ نفيه ؟ قال : يُنفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى غيره ، ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر أن ينادى عليه بأنه منفي ، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تناكحوه ، فإذا خرج من ذلك

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٥٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٤٨ / ٤١٤.

(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩٨.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٧١ / ٧٢.

(٤) سورة المائدة : ٥ / ٣٣.

١٧٧

المصر إلى غيره ، كتب إليهم بمثل ذلك ، فيفعل به ذلك سنة ، فإنه سيتوب من السنة وهو صاغر... » (١).

٢ ـ قصار الحكم :

ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام المزيد من قصار الحكم ، وهي تتسم بجزالة اللفظ ومتانة الأسلوب وعمق المحتوى ، وتختزن مضامين اجتماعية وأخلاقية وتربوية راقية ، تدعو إلى تقويم السلوك وتهذيب النفوس وتحصينها ، وتنمية نوازعها الخيّرة ، لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وفي ما يلي مختار منها :

قال عليه‌السلام : « ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل خيراً استزاد الله منه ، وحمد الله عليه ، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب إليه ».

« أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج ».

« مثل المؤمن كمثل كفّتي الميزان ، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه ، ليلقى الله عزّ وجلّ ولا خطيئة له ».

« المؤمن أخو المؤمن لاُمه وأبيه وإن لم يلده أبوه ، ملعون من اتهم أخاه ، ملعون من لم ينصح لأخيه ، ملعون من استأثر على أخيه ، ملعون من احتجب عن أخيه ، ملعون من اغتاب أخاه ».

« من لك بأخيك كله ، لا تستقصِ عليه فتبقى بلا أخ ».

« إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته ، ولا تحقد عليه وإن أساء ، وأجب دعوته إذا دعاك ، ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس ، وإن كان أقرب إليه منك ، وعده في مرضه ».

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٣١٧ / ٩٨.

١٧٨

« ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم لا ظل إلاّ ظله : رجل زوج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سراً ».

المؤمن أعز من الجبل ، الجبل يستقل بالمعاول ، والمؤمن لا يستقل دينه بشيء ».

« نعم المال النخل ، الراسخات في الوحل ، المطعمات في المحل ».

« المغبون من غبن من عمره ساعة ».

« لا تحدثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر ، فإنه من حدث نفسه بالفقر يبخل ، ومن حدثها بطول العمر يحرص ، أداء الإمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق ».

« لكل شيء زكاة ، وزكاة الجسد صيام النوافل ».

« لا عزّ إلاّ لمن تذلّل لله ، ولا رفعة إلاّ لمن تواضع لله ، ولا أمن إلاّ لمن خاف الله ، ولا ربح إلاّ لمن باع الله نفسه ».

« وجدت علم الناس في أربع : أولها أن تعرف ربك ، والثانية أن تعرف ما صنع بك ، والثالثة أن تعرف ما أراد بك ، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من ذنبك ».

« اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم ».

« من لم يجد للإساءة مضضاً لم يكن للإحسان عنده موقع ».

« كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان ».

« ما استبّ اثنان إلاّ انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل ».

١٧٩

« من أبطرته النعمة وقّره زوالها ».

« من ولده الفقر أبطره الغنى ».

« من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت عنه النعمة ».

« المعروف تلو المعروف غلّ لا يفكه إلاّ مكافأة أو شكر ».

« التحدث بنعم الله شكر ، وترك ذلك كفر ، فاربطوا نعم ربكم تعالى بالشكر ، وحصنوا أموالكم بالزكاة ».

« من أحزن والديه فقد عقهما ».

« من كثر قلقه لم يعرف بِشره ».

« إياك أن تمنع في طاعة الله فتنفق مثليه في معصية الله ». « يعرف شدة الجور من حكم به عليه ».

« ليس حسن الجوار كف الأذى ، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى ».

« المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان ».

« الله ينزل المعونة على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة ».

« لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال ».

« التدبير نصف العيش ».

« التودد إلى الناس نصف العقل ».

« العجلة هي الخرق ».

« قلة الوفاء عيب بالمروءة ».

« كفى بالتجارب تأديباً ، وبمر الأيام عظة ، وبأخلاق من عاشرت

١٨٠