أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

سواء صدق العلم التفصيلي أم لا ، وهذا حد اطلاقي في متعلق العلم الإجمالي غير منطبق على متعلق العلم التفصيلي الذي هو علم بالجامع أيضاً مع العلم بالخصوصية.

الثاني : ما يناسب منهج تعلق العلم بالواقع وانّ الفرق بين العلمين من ناحية الإشارة الإجمالية والتعيينية ، وحاصله : انّ مجرد وحدة الجامع المعلوم بالإجمال وانطباقه على الجامع المعلوم بالتفصيل ضمن العلم التفصيلي لا يكفي لزوال العلم الإجمالي ما لم تتعين الإشارة الإجمالية ، حيث يبقى الجامع صالحاً للاشارة الإجمالية المردّدة به إلى الفردين ، والذي معناه انّه حتى إذا كانت الإشارة التفصيلية غير مطابقة للواقع الإشارة الإجمالية تامة وثابتة.

وهذا يعني عدم انحلال العلم الإجمالي ، بمعنى بقاء طرفية الطرف غير المعلوم تفصيلاً للعلم الإجمالي ، واحتمال انطباق المعلوم بالإجمال فيه فليس شبهة بدوية بل مقرونة بالعلم.

نعم ، لو كان العلم التفصيلي سبباً لزوال منشأ العلم الإجمالي انحلّ لا محالة ، وهذا تارة : يكون من خلال نظر العلم التفصيلي إلى العلم الإجمالي وتعيين معلومه بالتفصيل وكاملاً. واخرى : يكون من خلال تعيين معلومه في الجملة بحيث يخرج الطرف المعلوم تفصيلاً عن الطرفية والإشارة الترديدية ، كما في مثال مدعيي النبوة فإنّ مردّ هذا العلم الإجمالي هو العلم بتحقق احدى حالات ثلاث ، كذبهما معاً أو كذب زيد دون عمرو أو بالعكس ، فالتردد والإجمال بين هذه الحالات الثلاث كانت منشأ الترديد بين الفردين والعلم الإجمالي ، فإذا زالت وسقطت احدى تلك الحالات وهي حالة كذب عمرو وصدق زيد مثلاً ،

٤١

فيكون حاله حال ما إذا علمنا من أوّل الأمر بكذب زيد ، والذي له حالتان بلحاظ عمرو من حيث انّه قد يكون كاذباً وقد لا يكون ، وهو من الشك البدوي في كذبه ، ونفس الشيء يقال في العلم الحاصل من حساب الاحتمال ، وهذا هو معنى زوال منشأ العلم الإجمالي.

وبهذا يظهر اندفاع ما في هامش الكتاب ص ٢٤٩.

وهكذا يتضح انّ الحق من الناحية المنطقية مع المحقق العراقي قدس‌سره من حيث عدم كفاية كون النسبة بين المعلومين الأقل والأكثر للانحلال الحقيقي وزوال العلم الإجمالي ـ كما هو في أكثر الفروض ـ وأنّ الملاك الصحيح للانحلال امّا كون المعلوم بالتفصيل ناظراً إلى المعلوم بالإجمال ـ وهذا ما وافق عليه حتى المحقق العراقي قدس‌سره كما تقدم ـ أو كون العلم الإجمالي حاصلاً عن تجميع الاحتمالات والحالات واشتراكها في جامع ، فإنّه ينحل العلم الإجمالي حينئذٍ بزوال المبنى المنطقي لحصول العلم الإجمالي.

وقد يقال انتصاراً لمدرسة الميرزا قدس‌سره بأنّ تعدد العلمين وعدم انحلال أو زوال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي إنّما هو بلحاظ عالم المعلوم بالذات ، والحدود الذهنية التي يمكن لحاظها في متعلّق العلمين في الذهن ، وامّا بلحاظ عالم المعلوم بالعرض

والخارج والذي هو الحكم الشرعي وهو موضوع التنجيز ، لا يوجد معلومان بالعرض ، بل حكم واحد معلوم تفصيلاً وحكم آخر مشكوك كذلك كلما احتمل وحدة معلومي العلمين حتى إذا كان بين معلوميهما بالذات تباين أي لم يكن بينهما نسبة الأقل والأكثر ، وحيث أنّ ملاك منجزية العلم بلحاظ كشفه وطريقيته إلى خارج الذهن ، أي الحكم المعلوم بالعرض وأنّ الواقع

٤٢

المنكشف هو الذي يتنجز بعلم تفصيلي أو إجمالي ، فهنا لا يوجد إلاّحكم واقعي معين منكشف تفصيلاً ، وحكم آخر مشكوك وهو متعين أيضاً ، ولا يوجد غيرهما خارجاً حكم آخر بحسب الفرض ، فلا يوجد منجزان تفصيلي وإجمالي ، بل منجز واحد تفصيلي وشك بدوي.

والجواب : أنّ المعلوم بالعرض المشكوك هنا ليس بدوياً بل مقرون بالعلم الإجمالي ؛ لكونه طرفاً للمعلوم بالذات لعلمنا الإجمالي وإن كان قيده وحدّه أمراً ذهنياً أو انتزاعياً لكفاية العلم الإجمالي ولو بعنوان انتزاعي في المنجزية ولا يشترط في تنجيز العلم أن يتعلّق بالعناوين الذاتية الأولية ، وهذا واضح.

ص ٢٥٣ قوله : ( وإذا اختل الشرط الثالث ... ).

هذا الكلام على اطلاقه غير تام على مسلك الاقتضاء ، فإنّه قد تقدم في ردّ دليل الاخباري العقلي على وجوب الاحتياط انّ الأمارة ـ أو أي حكم ظاهري الزامي ـ إذا كان موضوعه ثابتاً من أوّل الأمر وإن كان وصوله متأخراً عن العلم الإجمالي فإنّه يوجب الانحلال الحكمي بناءً على ما هو الصحيح من انّ الأحكام الظاهرية لها ثبوت واقعي كالأحكام الواقعية فراجع ذلك البحث وتأمل.

ص ٢٥٧ قوله : ( أوّلاً ... ).

يمكن دفع هذا الإشكال : بأنّه اشكال على لفظ التقريرات ، وإلاّ فيمكن للسيد الخوئي أن يتمسك بأصالة الطهارة بعد الغسلة الاولى فيحكم بطهارة الثوب وينفى وجوب الغسلة الثانية الشرطي.

نعم ، هذا قد لا يصح بناءً على ما ذهب إليه السيد الشهيد قدس‌سره في بحث القاعدة

٤٣

من اجمالها وتردد الغاية فيها بين أن تكون بنحو الصفة أي ( قذِر ) أو بنحو الفعل أي ( قذُر ) إذ على الثاني لا يشمل موارد العلم بحدوث النجاسة والشك في بقائها في نفسه.

ص ٢٥٩ قوله : ( امّا القسم الأوّل ... ).

ملخص الفرق النظري التحليلي وما يترتب عليه من الثمرة العملية المذكورة في المتن وما ذكرناه في الهامش أنّ الحكم الظاهري الالزامي حيث انّه متعين موضوعاً واقعاً في هذا القسم فلا يمكن أن يجتمع مع الحكمين الظاهرين الترخيصين العمليين في الطرفين لا للزوم الترخيص في المخالفة القطعية والتعارض بل للتضاد بين ذلك الحكم الظاهري الالزامي وأحد الحكمين الظاهريين الترخيصيين لأنّهما معاً من سنخ واحد كجعل حكم واقعي الزامي في أحد الطرفين مع حكمين واقعيين ترخيصيين في أحد الطرفين ، فهذا من التضاد في مبادىء الحكم ، وحيث انّ الحكم الظاهري الامارتي مقدم بحسب دليله على الترخيصي العملي فلا محالة لابد من أن يتقيد موضوع الحكم الظاهري الأصلي بعدم الحكم الظاهري الامارتي فيكون من اشتباه الحجة باللاحجة ، ولا يصحّ التمسك بدليل الأصل الترخيصي في شيء من الطرفين ما لم ننقّح موضوعه بالاستصحاب الموضوعي في المرتبة السابقة فتترتب الثمرتان في البين.

وهذه الشبهة مما لا مأخذ له كما بيّناه في الهامش ، والوجه فيه أنّ الحكم الظاهري الترخيصي على مسلك المشهور لا وجه لتقييده بعدم واقع الحكم الظاهري الالزامي ـ كالأمارة ـ لعدم التنافي بينهما في المبادىء ، وإنّما التنافي في المنتهى وبمقدار التنجيز ، والمفروض انّ التنجيز في الوصول الإجمالي بمقدار

٤٤

الجامع أي حرمة المخالفة القطعية لا أكثر فكل من الطرفين بخصوصيته لا علم ولا منجزية فيه فيكون مشمولاً لدليل الأصل الترخيصي.

نعم ، مجموع الترخيصين خلاف منجزية الجامع شرعاً ، فعلى فرض تقدم دليل الحكم الالزامي على الترخيصي بأي وجه سوف يأتي في القسم الثاني سوف يكون الخارج عن دليل الأصل الترخيصي مجموع الأصلين لا كل واحد منهما في نفسه ، ولا واقع الطرف الذي قامت فيه البيّنة واقعاً ، فإنّ الوصول والعلم الإجمالي له لا يوجب هذا التنافي كما في الكتاب ، وإنّما التنافي بمقدار منجزية العلم الإجمالي به مع معذرية الأصلين الترخيصيين معاً ، فلا وجه على مبنى المشهور لتقييد دليل الأصل بواقع عدم البينة في مورد العلم الإجمالي ليكون من اشتباه الحجة باللاحجة ومن الشبهة المصداقية للمخصّص ، بل موضوع الاصول المرخصة تام في كل من الطرفين في نفسه ولكنهما يتعارضان ويتساقطان كما هو في سائر موارد العلم الإجمالي.

وأمّا على المسلك المختار للسيد الشهيد قدس‌سره فلأنّ الحكم الظاهري كما يعقل جعله بلحاظ الحكم الواقعي وفي مورده من دون لزوم التضاد في مبادىء الأحكام كذلك يمكن جعله بلحاظ الحكم الظاهري المخالف له من دون لزوم التضاد في مبادىء الأحكام إذا كانا في مرحلتين أعني إذا كان أحدهما غير واصل ومشتبهاً كالحكم الواقعي فمجرد كونهما معاً ظاهرين لا يكفي لتوهم التضاد بينهما في المبادئ.

وهذا تعبيره الساذج جريان الحكم الظاهري الترخيصي مثلاً عن الحكم الظاهري الالزامي إذا كان مشكوكاً كبرىً أو صغرىً ، وتعبيره الأدق جريان الحكم الظاهري الترخيصي عن الواقع المشكوك في مرتبة الشك فيه وفي

٤٥

وجود حكم ظاهري الزامي يهتم به ، فإنّ المولى يمكن أن يكون اهتمامه بالواقع المشكوك على تقدير وصول الامارة الالزامية بالاحتياط وترجيح الملاكات الالزامية ، ولكن مع ذلك يكون اهتمام المولى عند الشك في نفس ذلك الحكم الواقعي مع الشك في الامارة على الالزام وعدم وصوله ـ وإن كان موجوداً واقعاً ـ بالترخيص وترجيح الملاكات الترخيصية ، وليس في ذلك أي تناف وتضاد بلحاظ المبادىء ، لأنّ دخول الشك في الحكم الظاهري الالزامي على الموقف قد غيّر من ملاكات اهتمامات المولى في التزاحم الحفظي ، وهذا معناه انّ مرتبة جعل حكم ظاهري ترخيصي محفوظ في موارد الأحكام الظاهرية الالزامية إذا حصل فيها الاشتباه والتزاحم الحفظي. وهذا بخلاف جعل حكم واقعي ترخيصي في مورد حكم واقعي الزامي ، فإنّه لا يعقل فيه ذلك فلا يقاس أحدهما بالآخر.

وعلى هذا الأساس لا موجب لرفع اليد عن إطلاق دليل الأصل الترخيصي كالبراءة أو الطهارة في كل من الطرفين بلحاظ الواقع المشكوك فيه وفي قيام الامارة على الالزام فيه ، فإنّ هذا الشك مشمول لاطلاق دليله حيث انّ ظاهره رفع كل حكم شرعي يلزم من العلم به الكلفة والمسؤولية وكذلك دليل أصالة الحل والطهارة فإنّها ظاهرة في انّه ما لم يعلم بالحرمة والنجاسة الأعم من الواقعية والظاهرية ، فالمكلف مرخّص فيه وهذا يشمل الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي بالحكم الظاهري الالزامي فيكون هذا الإطلاق نظير الحكم الظاهري الاستصحابي بنفي البيّنة في كل من الطرفين أي من باب تعارض الحجة بالحجة لا اشتباه الحجة باللاحجة ، إذ لا بيّنة على نفي هذا الشك في شيء من الطرفين ، فتدبر جيداً.

٤٦

ولا يلزم من ذلك تقييد الحكم الظاهري الالزامي بالعلم به صغرى وكبرىً ولا تقييد إطلاق دليله بل هو محفوظ هنا ، ولكن لا ينافي جعل حكمين ظاهريين ترخيصيين في الطرفين لأنّ نسبته اليهما نسبة الحكم الواقعي الالزامي إليهما.

نعم ، من جهة فعليته ومنجزيته بالعلم الإجمالي وقبح الترخيص في مخالفته يتعارض الأصلان كما هو في سائر موارد العلم الإجمالي أيضاً ، وهذا الجواب يتم حتى على مبنى المشهور كما هو واضح.

ص ٢٦٢ قوله : ( الجهة الاولى ... ).

حاصل البحث في هذه الجهة : انّ أدلّة حجّية البينة كحكم ظاهري إذا تعاملنا معها تعامل المشهور من انها أحكام شرعية تقع موضوعاً لحكم العقل بالتنجيز والتعذير كالحكم الواقعي غاية الأمر تارة يكون المجعول فيها أمراً وضعياً ، كالمنجزية أو العلمية ، وتارة اخرى يكون تكليفياً كالحكم المماثل للحكم الواقعي.

فعندئذٍ يقال : انّه في مورد العلم الإجمالي الوجداني العلم وإن كان بالجامع ، إلاّ انّ المعلوم هو الواقع الذي يكون فيه خصوصية ، فمن المعقول أن يكون مثل هذا العلم منجزاً لتلك الخصوصية ـ ولو في طول تعارض الاصول ـ فيثبت وجوب الموافقة وامّا في المقام فلابد على هذا المسلك من ملاحظة ما هو المجعول الشرعي وهو بمقدار مفاد البينة الاجمالية لا أكثر والمفروض انها تكشف عن الجامع بلا كشف عن شيء من الخصوصيتين فيكون الحكم الظاهري المجعول بمقدار الجامع لا محالة فلا يمكن أن ينجز الخصوصية.

٤٧

نعم ، بناءً على مسلك كفاية العلم بالجامع لتنجيز الواقع يكفي ذلك في العلم التعبدي أيضاً ؛ وأمّا بناءً على انّه لابد في تنجيز الواقع من تعلّق العلم به أو تعلّق المنجزية الشرعية أو جعل مماثل به فلا يوجد في المقام ذلك لأنّ مفاد البينة ليس إلاّ الجامع فلو اريد جعل التنجيز بمقداره لم تجب الموافقة القطعية للخصوصية إذ لا بينة عليها ، وإن اريد جعله على الواقع في أحد الطرفين كان ترجيحاً بلا مرجح ولا بينة عليها ، وإن اريد جعله في كلا الطرفين كان أيضاً أكثر من مفاد الامارة والبينة كما انّ لازمه عدم جريان الأصل الواحد المؤمن في أحد الطرفين أيضاً فيكون العلم الإجمالي بالحجة أشد من العلم الإجمالي بالواقع ، وهذا الشق من الاشكال يرد حتى على مسلكنا بلحاظ الاهتمام بالواقع على كل تقدير.

والجواب : ـ مضافاً إلى ما في الكتاب من حجّية المدلول الالتزامي للبينة وتشكيل علم إجمالي بحكم الزامي واقعي أو ظاهري في أحد الطرفين على الأقل بخصوصيته وهو منجّز ـ انّ منجزية الجامع في المقام بمعنى منجزية أحد الحكمين المتخصصين في المرتبة السابقة لا الحكم المتعلق بالجامع بين الفعلين أو التركين ؛ لأنّ البينة الإجمالية تشهد بالجامع المتخصّص بأحد الحكمين لا الحكم على الجامع.

ومثل هذه المنجزية أو العلمية أو ايجاب الاحتياط المجعولة شرعاً حقيقته رفع اليد عن الترخيص الظاهري في الطرفين معاً ، أي الاهتمام بالواقع بمقدار عدم المخالفة القطعية ، فكأنّه قال : لا تخالف كلا الحكمين المتخصصين المحتملين ، وهذا غير الأمر بالاجتناب عن أحدهما بنحو التخيير ، وأمّا وجوب الموافقة فلا تقتضيه الحجة الإجمالية ، وإنّما تثبت من جهة تعارض الاصول في

٤٨

الطرفين بعد أن ثبت الاهتمام بمقدار عدم ارتكابهما معاً ، أي عدم إطلاق دليل الأصل لهما معاً ؛ لأنّ جريانه في أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح.

نعم ، بناءً على انّ المجعول هو الحكم المماثل للالزام الواقعي لا يعقل جعل حكم كذلك في المقام ، لعدم وجود خصوصية يمكن جعل حكم مماثل عليه.

نعم ، يمكن جعل ايجاب الاحتياط بلحاظ الحكمين أي عدم مخالفة الحكمين ، إلاّ انّه ليس حكماً مماثلاً بل حكم من سنخ آخر ، اللهم إلاّ أن يكتفى بهذا المقدار من المماثلة ؛ وهكذا لا يجري الأصل المؤمّن في كلا الطرفين ؛ لأنّه خلف المجعول في حجّية البينة ولا في أحدهما المعيّن لأنّه ترجيح بلا مرجح ، ولا المخيّر لأنّه خلاف مقام الاثبات ولا يساعده الدليل ولا الفرد المردّد لأنّه غير موجود وهو معنى التساقط وتنجيز العلم الإجمالي بحيث إذا كان مجرى الأصل أحدهما المعيّن فقط جرى ذلك من دون منافاة مع الحكم الظاهري بحجية الامارة الإجمالية.

ص ٢٦٥ قوله : ( وأمّا الجهة الثانية ... ).

الاشكال بلحاظ هذه الجهة قد طرحه المحقق العراقي قدس‌سره من جهة انّ الأصلين الترخيصيين في الطرفين لا يرتفع موضوع شيء منهما بالبيّنة الإجمالية لتكون البينة حاكمةً عليهما ؛ لأنّها دلّت على الجامع لا أكثر ، فلا بيّنة على شيء من الطرفين بخصوصيته ، فيقع التعارض بين دليل حجّية البينة على الجامع ودليل حجّية الأصلين التعينيين في الطرفين ؛ لعدم ارتفاع موضوعهما بالبينة على الجامع فيسقط الجميع ويرجع إلى البراءة العقلية بل والشرعية الطولية.

والجواب : ما في الكتاب من الأجوبة الثلاثة ، والأوّل منها واضح ، وقد

٤٩

ناقش الشهيد الصدر قدس‌سره في الثاني منها مناقشة دقّية تامة لولا دعوى عرفية بأنّ العرف يرى الحكومة هنا أيضاً بلحاظ مجموع الأصلين الترخيصيين في الطرفين معاً فيقع التعارض بين الأصلين في كل طرف معيّناً كما في سائر موارد العلم الإجمالي. والجواب الثالث منها مبني على تحقق الدلالة الالتزامية على الالزام في كلّ طرف مشروطاً بعدمه في الطرف الآخر فيتشكل علم إجمالي بوجود حكم الزامي معيّن إمّا واقعي أو ظاهري أمارتي في أحد الطرفين ، وهو رافع لموضوع الأصل الترخيصي بالتخصيص أو بالحكومة ـ على مباني القوم ـ فيكون هذا جواباً غير الأوّل.

وأمّا ما هو ظاهر الكتاب من انّ نسبة هذا الحكم الإجمالي إلى الأصلين في الطرفين نسبة المعلوم بالإجمال الواقعي فهذا غير صحيح ؛ لأنّ الحكم الظاهري المذكور لولا تقدّمه على الأصل في الطرفين كان في عرضهما ومعارضاً معهما ، فلا يتشكّل علم إجمالي بالزام واقعي أو ظاهري ، بل شك في الالزام الواقعي ، والذي يكون مجرى البراءة العقلية ، بل والشرعية الطولية.

ولعلّ المقصود من العبارة أنّ الحكم الالزامي المذكور حيث انّه لا يرتفع بالاصول الترخيصية في الطرفين ؛ لأنّه إمّا واقعي لا يرتفع بالظاهري ، أو ظاهري حاكم على الحكم الظاهري الثابت بالأصل العملي ، فتكون نسبته إلى الأصلين الترخيصيين في الطرفين كنسبة الحكم الواقعي الالزامي من حيث رجوع التعارض إلى الأصلين في الطرفين في النتيجة وتساقطهما ، وتنجيز العلم الإجمالي المذكور ، وهذا صحيح.

ثمّ انّ هنا فرعاً ينبغي طرحه وهو ما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة أحد الطرفين

٥٠

عند الصباح مثلاً وعند الظهر احتملنا تطهيره فاستصحبنا نجاسته إجمالاً ، فهنا هل يحكم بتقديم هذا الاستصحاب ـ وهو حجّة إجمالية على الالزام ـ على البراءة أو الطهارة في الطرفين معاً فيقع التعارض بينهما في كل من الطرفين تعييناً ثمّ التساقط فيكون من العلم الإجمالي التعبدي أو العلم بالحكم الظاهري الالزامي؟ وهل يحكم بذلك أيضاً بلحاظ استصحاب الطهارة في كل من الطرفين لو كان لهما حالة سابقة كذلك مع أنّهما في عرض استصحاب النجاسة المعلومة بالإجمال؟ أو يحكم بالتساقط بين الاستصحابات الثلاثة والرجوع إلى أصالة الطهارة والبراءة في الطرفين؟

وينبغي البحث في ثلاث جهات :

الاولى : انّ هذا الاستصحاب الإجمالي هل هو علم إجمالي تعبدي على الالزام الواقعي ، أو علم وجداني بالتعبد والحكم الظاهري الالزامي الإجمالي؟

والصحيح في هذه الجهة التفصيل بين مبنيين في ما هو المجعول في دليل الاستصحاب ، فإنّه إذا قيل بأنّ الاستصحاب تعبد ببقاء اليقين السابق ـ كما هو ظاهر صحيحة زرارة من أدلّة الاستصحاب على ما سيأتي في محلّه ـ كان مقتضى إطلاق دليله للمقام هو التعبد ببقاء نفس العلم واليقين الإجمالي السابق ، فيكون من العلم الإجمالي التعبدي بالواقع ، وهو كالعلم الإجمالي الوجداني في الحجّية ، وإذا قيل بأنّ الاستصحاب تعبد ببقاء المتيقن السابق ـ كما هو ظاهر بعض الأدلّة الاخرى على الاستصحاب ـ كان مقتضى إطلاق دليله للمقام هو التعبد ببقاء الحالة السابقة ، فيكون من العلم الوجداني بالحكم الظاهري الالزامي الإجمالي ، وهو كالعلم الإجمالي الوجداني بالحكم الالزامي الواقعي في الحجّية.

٥١

إلاّ أنّه على هذا التقدير أيضاً تارة يكون اليقين السابق موضوعاً للتعبد الاستصحابي ، واخرى تكون الحالة السابقة كافية في جريان الاستصحاب ـ كما هو ظاهر بعض روايات الاستصحاب على ما سيأتي في محلّه ـ.

فعلى الأوّل يكون الجاري هو الاستصحاب في العنوان الإجمالي المتيقن سابقاً ، وعلى الثاني يجري استصحاب كل من الحالتين السابقتين في الطرفين تفصيلاً بنحوٍ مشروط بحدوثهما ، وحيث يعلم بتحقق واحد منهما يعلم بفعلية أحد الشرطين والحكمين الالزاميين الظاهريين في الطرفين ، فهذه صياغات مختلفة لتخريج المجعول الاستصحابي الإجمالي في المقام ، وقد يترتب بعض الآثار عليها في بحث استصحاب الفرد المردّد وغيره على ما سيأتي تفصيله في محلّه.

الثانية : لا ينبغي الاشكال في جريان هذا الاستصحاب الإجمالي وتقدمه على الاصول المرخّصة المحكومة للاستصحاب في الطرفين ، كأصالة الحلّ والطهارة ، سواء كان الثابت به العلم الإجمالي التعبدي بالالزام الواقعي ، أو العلم الوجداني بالحكم الظاهري الإجمالي ؛ لأنّ المفروض تقدّم إطلاق دليله على إطلاق أدلّة تلك الاصول ، فلا يمكن اجرائها في الطرفين معاً ، وفي أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فيكون العلم الإجمالي التعبدي منجزاً.

الثالثة : في نسبة هذا الاستصحاب الإجمالي إلى الاستصحاب الترخيصي في الطرفين ـ كما إذا كانت الحالة الأسبق لهما هو الطهارة والترخيص ، ثمّ علمنا إجمالاً بنجاسة أحدهما عند الصباح والشك في تطهيرها عند الظهر ـ وهذا هو البحث المهم هنا.

٥٢

ومقتضى سكوت الأصحاب عن هذا الفرع في بحث قيام الحجة الإجمالية على الالزام الحاقه بقيام سائر الحجج الاجمالية على الالزام من حيث ثبوت المنجزية لها وتساقط الاصول الترخيصية في أطرافها ـ كما في البينة ـ لأنّ العلم الإجمالي التعبدي كالوجداني في المنجزية وقبح الترخيص في معصيته أو لزوم التناقض ، فتتعارض الاصول المرخّصة في أطرافه على حدّ سواء.

إلاّ أنّ الاشكال على هذا البيان ظاهر ، فإنّه في العلم الإجمالي بالالزام الواقعي حيث لا يمكن رفع الحكم الواقعي المعلوم بالاصول والأحكام الظاهرية الترخيصية ، فسوف يرجع التعارض داخل أدلّة الاصول العملية واطلاقاتها ، فتسقط بالمعارضة ويصبح العلم الإجمالي منجزاً عقلاً.

أمّا في المقام فحيث انّ الالزام الإجمالي حكم ظاهري أيضاً ، وثابت باطلاق نفس أدلّة الاصول العملية ، فإذا كان ذلك في دليل واحد أو دليلين متكافئين سرت المعارضة إلى دليل الحكم الإجمالي ، وسقط الجميع بالمعارضة ، ولا وجه حينئذٍ لترجيح الحجة الإجمالية على الحجتين التفصيليتين في الطرفين.

فالحاصل : ليست نسبة الاصول العملية الجارية في الطرفين إلى الحجة الإجمالية نفس نسبة الاصول العملية في أطراف العلم الإجمالي بالحكم الواقعي إلى الحكم الواقعي الالزامي لكي تكون المعارضة مستقرة بين الأصلين الترخيصيين في الطرفين فيتساقطان ، ويصبح العلم الإجمالي التعبدي منجزاً ، بل تكون المعارضة بحسب الحقيقة بين دليل الحكم الإجمالي الظاهري ودليل الأصلين الترخيصيين في الطرفين ، فما لم يكن الأوّل مقدّماً على الثاني وحاكماً عليه كما في البينة الإجمالية والاصول الترخيصية العملية ، أو الاستصحاب

٥٣

الإجمالي والاصول غير المحرزة في الطرفين ، فلا وجه للحكم بالتنجيز كما هو واضح.

هذا ، ويمكن أن يذكر في المقام عدّة وجوه لتقريب تقديم استصحاب المعلوم بالاجمال الالزامي على الاستصحابين الترخيصيّين في الطرفين :

١ ـ أن نبني على أنّ المجعول في الاستصحاب هو التعبد ببقاء اليقين السابق ، ونبني على ما ذهب إليه مدرسة الميرزا قدس‌سره من قيام الاستصحاب مقام العلم الموضوعي ؛ لأنّ المجعول فيه التعبد ببقاء العلم واليقين بلحاظ كلا أثريه الطريقي والموضوعي ، فيقال : بما أنّ المأخوذ قيداً في أدلّة الاصول الترخيصية أن لا يلزم من جريانها الترخيص في مخالفة قطعية ، أي الترخيص في مخالفة علم إجماليى منجز ، فبجريان الاستصحاب الإجمالي يحصل علم تعبدي إجمالي ، فيكون جريان الاستصحابين الترخيصيين في الطرفين ترخيصاً في مخالفة علم إجمالي تعبداً ، فيرتفع موضوع جريانهما معاً ، أي يرتفع موضوع مجموع الاطلاقين ـ بناءً على قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي ـ دون العكس ، وهذا معناه حكومة الاستصحاب الالزامي الإجمالي على مجموع الاستصحابين الترخيصيين ، ورفع موضوع اطلاقيهما معاً ، وأمّا أحدهما دون الآخر فهو ترجيح بلا مرجّح ، وهو معنى تساقط الاستصحابين الترخيصيين دون الاستصحاب الالزامي الإجمالي.

وفيه : مضافاً إلى بطلان مبنى قيام الاستصحاب مقام القطع الموضوعي ـ كما حقّق في محلّه ـ انّ القيد المأخوذ في أدلّة الاصول الترخيصية ليس عنوان مخالفة علم إجمالي ، بل عدم التناقض أو الترخيص في المعصية ، ونحو ذلك من

٥٤

المحاذير العقلية المتقدمة في وجه عدم جريان الاصول الترخيصية في تمام أطراف العلم الإجمالي ، والتي هي من لوازم العلم الإجمالي الوجداني بالالزام الواقعي ، وهي لا يقوم مقامها الاستصحاب حتى عند القائلين بقيام الأمارات والاستصحاب أو مطلق الاصول المحرزة مقام القطع الموضوعي ، فإنّهم إنّما يقولون بذلك فيما إذا كان أثر العلم الموضوعي مترتباً على عنوان العلم لا لوازمه ، وأن يكون الترتب شرعياً لا لمحذور وقيد عقلي ، وكلا الأمرين غير متوفر في المقام.

٢ ـ انّ الاستصحابين الترخيصيين في الطرفين ساقطان بالمعارضة سابقاً ، أي عند الصباح ـ مثلاً ـ الذي كان يعلم فيه وجداناً بالحكم الالزامي ، وبعد سقوط الأصل وموته لا يعود إلى الحياة من جديد ، فلا معنى لاجرائهما عند الزوال ـ مثلاً ـ فإنّهما نفس الاستصحابين الذين تعارضا وتساقطا سابقاً ، وصار العلم الإجمالي منجزاً في وقته ، وليسا استصحابين آخرين ، فلا يكون الجاري إلاّ استصحاب الالزام الإجمالي.

وفيه : أوّلاً ـ تقدّم مراراً بأنّ التعارض بين الاصول الترخيصية في كل زمان فرع ثبوت المحذور في ذلك الزمان ، أمّا إذا ارتفع المحذور في الزمان اللاحق كان إطلاق دليل الأصل شاملاً له لا محالة ، والاستصحابان الترخيصيان في الطرفين حين الزوال لا يلزم من جريانهما الترخيص في المعصية ؛ لعدم وجود علم إجمالي بنجاسة أحدهما الآن ، ووجوده بلحاظ الزمان السابق أثره اسقاط الاستصحابين بلحاظ ذلك الظرف والزمان الذي كان فيه العلم محفوظاً ، لا زمان الشك وزوال ذاك العلم الإجمالي.

٥٥

وثانياً ـ بالامكان فرض تشكل العلم الإجمالي السابق عند الزوال ، أي في زمان الشك ، فالمكلّف منذ حصل له العلم الإجمالي بالالزام السابق كان شاكاً في بقائه ، وقبل ذلك لم يكن له علم إجمالي ليوجب تعارض الاستصحابين الترخيصيين سابقاً ، وعدم إمكان عودهما إلى الحياة كما هو واضح.

٣ ـ أن يدّعى عدم شمول دليل الاستصحاب في المقام للاستصحابين الترخيصيين ، وإنّما يشمل الاستصحاب الالزامي الإجمالي فقط ، وهذا بناءً على انّ موضوع الاستصحاب واقع الحدوث والحالة السابقة لا اليقين بها واضح ؛ لأنّه لا توجد لنا ثلاث حالات سابقة قبل الشك ، بل حالتان حادثتان : نجاسة أحد الإنائين مثلاً ، وطهارة الآخر ، فيجري استصحابان إجماليان : أحدهما الزامي ، والآخر ترخيصي ـ لو فرض الشك في بقائه أيضاً ـ وحيث انّ العلم بالترخيص الإجمالي لا أثر له في رفع التنجيز كان الاستصحاب الالزامي منجزاً لا محالة.

وإن شئت قلت : يجري استصحاب الحكم الالزامي في كل من الطرفين بنحو مشروط ، وحيث يعلم بفعلية أحد الشرطين كان من العلم الإجمالي الوجداني بحكم ظاهري الزامي وهو منجز.

وأمّا بناءً على انّ موضوع الاستصحاب اليقين بالحدوث ، فبحسب الدقة وإن كان للمكلّف يقين سابق إجمالي بالالزام ويقينان تفصيليّان قبل اليقين الإجمالي بالترخيص ، إلاّ أنّه عرفاً حيث يكون اليقين الإجمالي ناقضاً لأحد اليقينين التفصيليين فلا يفهم العرف من إطلاق « لا تنقض اليقين بالشك » إرادة عدم نقض اليقينات الثلاثة ، كيف وأحد اليقينين بالترخيص منتقض باليقين الإجمالي

٥٦

جزماً ، فإنّ اليقين ينظر إليه في دليل الاستصحاب بما هو طريق ومقتضٍ للجري العملي.

فالحاصل : لا يفهم العرف اطلاقات ثلاثة لدليل الاستصحاب هنا بلحاظ الحالة السابقة ، حتى إذا كان اليقين بالحدوث موضوعاً لدليل الاستصحاب ، لا نفس الحدوث ، وهذه دعوى عرفية وليست دقّية.

نعم ، بلحاظ نفس زمان العلم الإجمالي بانتقاض احدى الحالتين السابقتين المتيقّنتين يوجد يقينان سابقان وعلم إجمالي بالانتقاض ؛ ولهذا يتمّ اطلاقان لدليل الاستصحاب فيه إذا لم يكن العلم الإجمالي الزامياً ـ كما في استصحابي النجاسة في الطرفين ـ لأنّ العلم الإجمالي متعلق بالجامع لا الفرد ، فيكون منشأً للشك في انتقاض كل من اليقينين السابقين في الطرفين.

إلاّ أنّ هذا يصحّ عرفاً في طرف الشك في البقاء الذي هو الركن الثاني في الاستصحاب ، أمّا بلحاظ الركن الأوّل وهو اليقين بالحدوث عندما يشك في بقاء المعلوم بالإجمال في زمن لاحق بعد زمان انتقاض الحدوث في أحد الطرفين إجمالاً لا يرى عرفاً ثلاث يقينات فعلية مشكوكة الانتقاض ، بل يقينان إجماليان أو يقين إجمالي وأحد اليقينين التفصيليين بدلاً ، فلا يجري استصحابات ثلاثة ، بل استصحابان إجماليان أو استصحاب إجمالي وأحد الاستصحابين التفصيليين بدلاً لا جمعاً ؛ ولهذا لو خوطب مثل هذا الإنسان وقيل له : لا تنقض يقينك وحالتك السابقة التي كانت لك عند الصباح إذا حصل لك الشك في زوال النجاسة المعلومة بالاجمال لم يشك أحد في أنّ المتفاهم منه عرفاً الحكم ظاهراً بترتيب نفس الجري العملي الذي كان لازماً عليه عند الصباح وهو الاجتناب عن

٥٧

الطرفين وإبقاء العلم الإجمالي على تنجيزه لا إبقاء الحالات الثلاثة والتهافت والاجمال فيما بينها ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٦٩ قوله : ( وهكذا يتضح انّ الصحيح منجزية العلم الإجمالي بالتدريجيات ... ).

في الدورة الاولى تعرّض السيد الشهيد قدس‌سره إلى وجه آخر لتقريب عدم المنجزية وكأنّه النقض على كفاية العلم بفعلية الحكم في عمود الزمان في التنجيز بمورد العلم الإجمالي بفعلية تكليف مردّد بين الزمان الماضي والحاضر ، كما إذا علم بوجوب الصدقة عليه إمّا في اليوم السابق أو اليوم فإنّه لا اشكال في عدم المنجزية رغم العلم بالفعلية في عمود الزمان ، ورغم كون كل منهما مشكوكاً وموضوعاً لدليل الأصل المؤمن بنحو مقدّر الوجود ويلزم الترخيص في المخالفة القطعية في عمود الزمان.

وقد قرّبه في تقريرات السيد الحائري بأنّ العلم الإجمالي التدريجي لا يمكنه أن ينجز معلومه الاستقبالي لا بوجود العلم الآن لأنّ العلم لا ينجز المعلوم إذا كان حكماً متأخراً عنه بوجوده الحدوثي بل بوجوده البقائي إلى ذلك الحين ، ولهذا لو تبدل إلى الشك في الزمن المتأخر الذي هو زمان الحكم لم يكن منجزاً ، كما لا يمكن للعلم الإجمالي التدريجي أن ينجز الحكم المتأخر بوجوده البقائي إذا بقي إلى ذلك الحين لأنّه عندئذٍ حاله حال العلم الإجمالي المتعلّق بالمردّد بين الماضي والحاضر وهو غير منجز ، فإذا لم يكن العلم الإجمالي التدريجي قابلاً لتنجيز الحكم الاستقبالي فهو لا ينجز الحكم الحالي أيضاً لأنّ العلم بالجامع بين ما لا يكون منجزاً وما يكون منجزاً ليس منجزاً أو قل لأنّ الحكم الحالي طرف واحد مشكوك وليس معلوماً فيجري عنه الأصل المؤمّن بلا مانع.

٥٨

والجواب على هذا الوجه بتقريبه الأوّل أنّ الفعلية في الزمن الماضي لا أثر له في المنجزية ، أو جريان التأمين العقلي أو الشرعي أصلاً ، لا بلحاظ الزمن الماضي ؛ لعدم العلم فيه ، ولا بلحاظ الآن لخروج ذاك التكليف عن محل الابتلاء الآن ، وهذا بخلاف عمود الزمان المستقبلي والفعلية فيه ، فإنّه وإن لم يكن له أثر عملي الآن إلاّ انّه حيث انّه سيتحقق فيعقل المخالفة والمعصية فيه ، ويكون له الأثر في وقته ، فمن خلال هذا العلم الإجمالي يرى انّه سوف يكون مخالفة عملية قطعية في عمود الزمان لو خالف الطرف الحالي الآن ، والطرف الاستقبالي في ذاك الزمان وهو قبيح ، سواء وقع دفعة أو تدريجاً ، فإنّ القبيح لا يرتفع قبحه بكونه دفعياً أو تدريجياً ، فلا يمكن الترخيص فيه وشمول الإطلاق لهما معاً. فالحاصل المعصية غير معقولة بلحاظ الماضي بخلاف المستقبل.

وإن شئت قلت : انّ دليل الأصل الذي يكون قضية حقيقية شاملة لتمام أفرادها الطولية في عرض واحد لكونها جميعاً مقدرة ومفروضة الوجود فبلحاظ عمود الزمان الاستقبالي يقع تعارض بين اطلاقيه للفردين والطرفين من الشبهة في العلم الإجمالي الاستقبالي فيتساقطان ويتنجز التكليف في كلا الطرفين ، وامّا في عمود الزمان الماضي فليس كذلك لعدم شمول إطلاق في دليل الأصل للشبهة في الطرف الماضي ، وإنّما يشمل طرفاً واحداً فقط وهو الحالي ولا يلزم منه الترخيص في المخالفة القطعية كما هو واضح.

والجواب على هذا الوجه بتقريبه المذكور في تقرير السيد الحائري : أنّ العلم الإجمالي بوجوده الحدوثي ينجز معلومه من ناحية العلم وعدم الجهل وإن كان متأخراً ، ولهذا يرى هذا العالم بعلمه الحدوثي أنّ المولى لا يمكنه أن يرخّص في مخالفته في ذلك الحين ما لم يتبدّل علمه لأنّه ترخيص في المعصية وقبيح ، امّا

٥٩

كون ذاك الحكم المتأخر لا أثر عملي له الآن فهذا لا ربط له بالتنجيز من ناحية العلم وعدم الجهل كما في الكتاب ، كما انّ ارتفاع التنجيز بارتفاع العلم في الزمن المتأخر لا ربط له بمنجزية العلم بتكليف حالي أو استقبالي ما دام عالماً. فما في تقريرات الحائري من قبول هذه المقدمة أعني عدم منجزية العلم بوجوده الحدوثي غير صحيح.

ثمّ إنّ ما في هامش ص ٢٧٠ صحيح ، وما جاء في تقرير السيد الحائري فيه تشويش وتكرار للموضوع حيث فرض تارة العلم أو الشك في تبدل علمه الإجمالي في المستقبل واخرى العلم أو الشك في حصول الشك الساري في العلم وكلاهما من باب واحد فلا وجه للتكرار.

والجواب ما في الهامش من انّ الميزان بالتعارض واجمال دليل الأصل المؤمّن وعدم امكان التمسك باطلاقه وهذا حاصل ما دام المكلف عالماً اجمالاً وإنّما يرتفع التعارض أو المانع العقلي عن التمسك به ـ بناءً على مسلك العلية ـ إذا ارتفع هذا العلم ومن حين ارتفاعه فالعلم بالتبدّل في المستقبل فضلاً عن احتماله لا يجدي في رفع منجزية العلم ، كيف وهذا لو تمّ لأمكن تصويره في العلم الإجمالي الدفعي أيضاً بلحاظ زمن الارتكاب كما إذا علم بأنّه حين ارتكاب الطرف الآخر سوف يتبدّل علمه الإجمالي.

وتوضيح ذلك وتفصيله : انّ الميزان في المحذور ـ وهو التناقض أو قبح الترخيص في المعصية ـ ليس بلحاظ زمان فعلية الترخيصين خارجاً ولا بلحاظ زمان ارادة الارتكاب والاقدام ليقال بأنّه مع العلم أو احتمال تبدل الشك في الطرف المتأخر أو تبدل العلم أو سريان الشك إليه يرتفع المحذور فلا مانع من

٦٠