أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

هذا إنّما يصحّ في دليلين منفصلين للحجية ، والذي يكون إطلاق كلّ منهما لأحد المتعارضين فعلياً.

والجواب : أنّ عدم شمول خطاب الحجّية للمتعارضين إذا كانا متناقضين في التنجيز والتعذير وإن كان بمثابة المقيد المتصل لا المنفصل ، إلاّ أنّ نكتة ذلك هو التناقض في التنجيز والتعذير ، وهذه النكتة لا تقتضي التقييد أكثر من موارد عدم العلم بسقوط الحجّية وعدم شمول دليل الحجّية لأحدهما المعين ، فالمعارض الذي يعلم بعدم شمول دليل الحجّية ـ ولو نفس هذا الدليل ـ لمعارضه بالفعل وعلى كل تقدير مشمول لخطاب الحجّية يقيناً ، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فلا وجه لدعوى الاجمال وسقوط الدلالة هنا أيضاً.

وإن شئت قلت : تنعقد دلالة طولية لخطاب الحجّية في مورد التعارض ، على أنّ كلاً من المتعارضين لو كان يعلم بعدم حجيته على كل تقدير كان معارضه حجة ؛ لأنّ كل حجة لا يرفع اليد عنه بمجرد احتمال وجود معارض واقعي له ، بل لابد من العلم به والعلم بمساواته له في مقتضي الحجّية وعدم العلم بسقوطه عن الحجّية على كل تقدير ؛ لأنّ ظاهر أدلّة الحجّية انّ كل حجة تبقى حجة كلما كان يمكن حجيته ، فإنّ هذا شأن الحجج والأحكام الظاهرية ، وهذا واضح.

ص ٢٤١ قوله : ( هذا مضافاً إلى انّ هذا التقريب مبني ... ).

بل ليس مبنياً على ذلك إذ يكفي الملازمة في سقوط الالتزامية بسقوط المطابقية حيث يقال انّ المدلولين الالتزاميين معلوم عدم حجيتهما امّا لحجّية المطابقيّين أو لسقوطهما عن الحجّية بخلاف المطابقيّين ، فالجواب الأوّل وهو استقلال المعارضتين واحتمال أن تكون احدى المطابقتين مع التزاميتها حجة ،

٤٤١

فلا علم بسقوط كلتا الالتزاميتين معاً هو الجواب ، وأمّا إذ قطعنا النظر عنه فلا نحتاج في هذه المحاولة إلى مسألة التخصّص ، حيث لا نحتمل سقوط المطابقيّين دون الالتزاميّين للتلازم من طرف الالتزامية للمطابقية ، بخلاف العكس ، إذ لا تلازم من طرف المطابقية للالتزامية في الحجّية ، فتكون الالتزاميتان معلومتي السقوط ، بخلاف المطابقيتين.

نعم ، لو ادعينا التلازم من الطرفين ـ كما لعله نظر السيد الشهيد قدس‌سره في المقام ، فإنّهما إذا كانا معلولين لعلّة ثالثة في الحجّية كان التلازم من الطرفين ـ تمّ ما ذكر في الكتاب.

ص ٢٤٢ قوله : ( والجواب ـ ما ذكرناه في ردّ المحاولة السابقة ... ).

وجواب آخر حاصله : انّ الدور لا يندفع بافتراض عدم حجّية الدلالة الالتزامية بل لابد من ابطال التوقفين من الجانبين.

والحلّ بما ذكر في الجواب من عدم الطولية والذي يعني انّ السقوط أي عدم حجّية كل من الدلالتين المطابقين متوقف على وجود المقتضي للحجية في الالتزامية المعارضة معهما وهو أي مقتضي الحجّية للدلالتين المطابقة والتزاميتها واحد لا أنّ احدى الحجتين مأخوذة في موضوع الاخرى فلا يلزم إلاّتوقف حجّية كل من المطابقين على عدم مقتضى حجّية الاخرى فلا دور.

ص ٢٤٤ قوله : ( المحاولة السادسة : ... ).

اعترض على هذه المحاولة في هامش تقريرات السيد الحائري بأنّه يتم بناءً على أن يكون العلم الإجمالي علة تامة ، بحيث لا يجري الأصل في شيء من

٤٤٢

أطرافه من جهة نفس العلم لا من جهة المعارضة ، وإلاّ كان سقوط كل من الدلالتين الالتزاميتين بعينها بلحاظ التعارض وعدم امكان الجمع بينهما لا بعلم تفصيلي بعدم حجيتهما في ذاتهما ، وإذا كان كذلك ـ كما هو الصحيح بناءً على الاقتضاء ـ فاعمال أثر التعارض أوّلاً في الالتزاميتين باسقاطهما ثمّ القول بخلاص المطابقيّتين عن التعارض بلا مبرّر.

قد يقال : انّ هذا الاعتراض غير متجه ؛ لأنّ المقصود أنّ حجّية كل من الالتزاميّين الترخيصيّين مطلقاً ، أي حتى على تقدير حجّية الآخر ممتنع في نفسه ، وحجيته مشروطاً بكذب الآخر ـ أي الحجّية التخييرية ـ لغو ؛ لكونه على تقدير كذب الآخر معلوم الصدق ، فلا معنى لجعل الحجّية التخييرية أي المشروطة لهما ، وهذا معناه العلم بسقوط الحجّية فيهما ، فيكون المدلولان المطابقيان الالزاميان حجتين بلا محذور.

والجواب : أنّ هناك احتمالاً ثالثاً وهو أن يكون كل منهما حجة تعييناً دون الآخر ، فإنّ هذا ليس معلوم السقوط ، وإنّما يسقط من باب انّه ترجيح بلا مرجح ، وهو معنى السقوط بالمعارضة. وهذه المعارضة والسقوط في عرض سقوط المدلول المطابقي المعارض مع ذاك المدلول الالتزامي ، فلا وجه لملاحظة هذا الترجيح بلا مرجح قبل ذاك.

وبتعبير آخر : يختلف المقام عن موارد العلم الإجمالي بكذب اثنين من أربع حجج مثلاً ، والعلم بكذب أحد اثنين منها ( الدائرة الأضيق ) فإنّه هناك لا يوجد إلاّ معارضة واحدة بملاك العلم الإجمالي بالكذب ، فإذا انحل العلم الإجمالي الكبير بالصغير ، امّا لكون معلوميتهما واحداً أو لكون الدائرة الصغيرة لا يجري إطلاق دليل الحجّية بلحاظ غير المعلوم بالاجمال كذبه فيها في نفسه سلم

٤٤٣

الأصل أو الأمارة في مورد افتراق الدائرة الكبيرة للصغيرة عن المعارضة.

أمّا هنا فتوجد معارضتان : احداهما : العلم الإجمالي بكذب أحد المدلولين الالتزاميين. والاخرى : التناقض بين كل مدلول التزامي مع مطابقيى الآخر ، بحيث لا يمكن حجيتهما معاً حتى إذا كان مطابقي أحدهما مع التزامي الآخر ساقطين معاً عن الحجّية ؛ لأنّ سقوطهما لا يرفع التناقض بين المطابقي الآخر مع التزامي الأوّل ، فلابد وأن يكون أحدهما غير حجّة أيضاً.

نعم ، إذا كان المطابقيان أو الالتزاميان ساقطين كان الباقيان صالحين للحجية.

والحاصل : ليس في المقام معارضة واحدة بملاك العلم الإجمالي بالكذب المستلزم لمحذور المخالفة القطعية ، بل معارضتان مستقلتان ، ويكون كل دلالة التزامية طرفاً لهما معاً أحدهما بملاك التناقض والسلب والايجاب ، والآخر بملاك العلم الإجمالي المستلزم لمحذور المخالفة القطعية ، وهما في عرض واحد يوجب سقوط المداليل الثلاثة معاً ، وحيث انّ هذا في الطرفين فيسقط الجميع عن الحجّية بمرّ الصناعة أيضاً.

وإن شئت قلت : دليل الحجّية يمكن أن يشمل اثنين من الدلالات الأربع ، ولكن ليس كل اثنين منها ، بل امّا المطابقيتان أو كل مطابقي مع التزاميّه فيكون الترديد بين ثلاثة أطراف ، ولا ترجيح لواحد منها على الآخرين ، فلا يثبت حجّية شيء منها.

وهذا بخلاف موارد العلم الإجمالي الكبير والصغير إذا كان معلومهما واحداً أو كان لا يجري الأصل والحجة في الدائرة الصغيرة ، فإنّ موارد افتراق الدائرة

٤٤٤

الكبيرة عن الصغيرة يجري فيها الأصل والحجة معيناً بلا معارض له ، فلو فرض خمسة أواني يعلم بنجاسة اثنين منها ، ويعلم بنجاسة اثنين من ثلاثة معينة ، فالاثنان الزائدان يجري فيهما الحجة ـ أمارةً كانت أو أصلاً ـ بلا معارض ؛ إذ لو لوحظ طرف واحد في الدائرة الصغيرة فلا علم اجمالي بنجاسته أو نجاسة الاثنين ؛ لاحتمال طهارتها جميعاً ، ولو لوحظ اثنان من الدائرة الصغيرة فالمفروض العلم بنجاسة أحدهما ، فلا حجّية للأصل في الاثنين في نفسه ، ليكونا معارضين مع الأصلين في مورد الافتراق ، فهذا هو مبنى وتحليل انحلال العلم الكبير بالصغير ، وهو لا يجري هنا كما عرفت.

ص ٢٥٤ قوله : ( وأمّا النحو السابع والأخير من تلك الوجوه : ... ).

ما ذكر من انّ هذا النحو إنّما يعقل إذا كان المعلوم كذبه له تعين وامتياز واقعي فيما إذا كانا معاً على خلاف الواقع ، لا وجه له ، بل يصح حتى إذا لم يكن له تعيّن واقعي ببيان وتوضيح مذكور في بحث حجّية عموم العام المخصَّص بمخصِّص مجمل مردّد بين متباينين في غير معلوم التخصيص ، فراجع.

ص ٢٥٥ قوله : ( تلخيص واستنتاج : ... ).

قد يقال : لا وجه لما ذكر من انّ الصحيح هو التساقط المطلق في باب التعارض مطلقاً ، فإنّ الارتكاز العقلائي يقبل حجّية أحدهما إجمالاً ، أي غير معلوم الكذب أو الحجّية المشروطة في كل منهما بكذب الآخر في موارد الضدين الذين لهما ثالث ، وفي موارد التعارض بالعرض مع احتمال كذبهما معاً ، كما إذا دلّ أحدهما على ( وجوب العتق إذا ظاهر ) ودلّ الآخر على ( وجوب اطعام ستين مسكيناً إذا ظاهر ) وعلمنا بعدم وجوبهما معاً عليه بالظهار ، واحتملنا

٤٤٥

عدم وجوب شيء منهما أيضاً ، فإنّه في مثل هذه الموارد يقبل الارتكاز العقلائي حجّية أحدهما لا بعينه ؛ لترتب أثره ، وهو نفي الثالث في الأوّل ، واثبات احدى الكفارتين بالحجة اجمالاً في الثاني ، وهو كالعلم الإجمالي بالواقع منجز وموجب للاحتياط ، فإنّ هذا ليس على خلاف الارتكاز العقلائي.

ومما يشهد على ذلك قبول ذلك في التمسك بأصالة العموم أو الإطلاق في غير المعلوم بالاجمال تخصيصه أو خروجه عن العام في موارد الدوران بين المتباينين ، كما إذا قال : ( أكرم كل عالم ) وعلمنا بعدم وجوب اكرام زيد أو عمرو من العلماء ، فإنّه قد تقدم امكان التمسك بأصالة العموم في غير المعلوم اجمالاً خروجه ، فيثبت وجوب اكرام أحدهما اجمالاً بالتعبد ، وهو كالعلم الإجمالي الوجداني في وجوب الاحتياط حينئذٍ.

فالسيد الشهيد قدس‌سره حيث قبل هذا المطلب هناك لم يكن وجه للتشكيك فيه هنا ، فإنّ العموم والإطلاق كالخبر أمارة وطريق كاشف عرفي ، بل البحث في المقام لا يختصّ بالخبرين الظنيين المتعارضين ، بل يشمل القطعيين سنداً المتعارضين بحسب الظهور دلالةً ، بنحو لا جمع عرفي بينهما ، وعندئذٍ نقول : انّ ملاك حجّية الظهور والدلالة إن كان منتفياً يقيناً أو احتمالاً عند العقلاء في موارد التعارض بين دلالتين وظهورين بحيث لا يعلم انّ العقلاء يبنون على حجيته في هذه الموارد ، ولا دليل لفظي على الحجّية تعبداً ، بل لو فرض دليل لفظي فهو إرشاد وامضاء للسيرة وبمقدارها.

أقول : إذا كان الأمر كذلك ـ كما هو ظاهر السيد الشهيد قدس‌سره في المقام ـ فهذا يوجب عدم حجّية دلالة العام وظهوره أيضاً في غير المعلوم الخروج بالتخصيص ، فلماذا وافق عليه السيد الشهيد قدس‌سره هناك وفصّل بين المقامين.

٤٤٦

ويمكن أن يجاب : بالفرق بين المقامين ، فإنّه هناك لا يعلم بأكثر من تخصيص واحد ، فيكون العموم باقياً على حجيته فيما زاد عليه ، بمعنى ظهور الكلام في ارادته كسائر أفراد العام ـ سواء في ذلك عام واحد أو عامين ـ لأنّ العام ليس عبارة عن مجموعة دلالات وظهورات مستقلة بعدد أفراده أو حالاته ، كما إذا قال : ( أكرم زيداً وأكرم عمرواً وهكذا ) ، بل له دلالة اجمالية كلية على ارادة تمام الأفراد والحالات إلاّما خرج منها بالقرينة أو بالعلم ، فيصحّ دعوى تشكّل دلالة وظهور إجمالي في ارادة ما ليس بخارج عنه واقعاً ، فيكون حجة. وهذا بخلاف فرض التعارض بنحو التباين أو العموم من وجه ، فإنّه لا يوجد كاشف على ارادة غير معلوم الكذب منهما إجمالاً ، أو إذا كان الآخر كذباً فهذا مراد ومطابق للواقع ، بل يوجد كاشفان تعيّنيّان متكاذبان ، وإن كان يعقل ثبوتاً حجّية كل منهما مشروطاً بكذب الآخر ، أو حجّية أحدهما إجمالاً ، إلاّ أنّه ليس عرفياً.

فالحاصل : الوجدان العرفي يرى الفرق بين حجّية العام في غير ما يعلم بتخصيصه أو خروجه عنه ، وبين موارد التعارض بنحو التباين أو العموم من وجه ؛ ولعلّ وجهه ما ذكرناه ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٥٩ س ١ ، ( قوله : وهذا الوجه غير صحيح على ضوء ما تقدم ... ).

الجواب : الصحيح ما ذكر هناك من انّ مدرك الحجّية حيث انّه دليل لبي ( سيرة العقلاء أو المتشرعة ) فقدره المتيقن غير موارد التعارض ، وإلاّ فقد عرفت انّ الحجّية التخييرية سواء بمعنى حجّية غير معلوم الكذب منهما أو حجّية كل منهما مشروطاً بكذب الآخر هو مقتضى الصناعة ، فما هو مذكور هنا في مقام الجواب بظاهره غير فني. كما أنّ لازم هذا الوجه أيضاً ثبوت العلم الإجمالي

٤٤٧

التعبدي في التعارض بالعرض إذا كان الدليلان الزاميين ، ولم يعلم بثبوت أحدهما إجمالاً وجداناً ، وهذا بخلاف الوجه القادم ، فإنّه لا يثبت إلاّنفي الثالث.

ص ٢٦١ قوله : ( أوّلاً : انّ هذه النقوض ... ).

يمكن للسيد الخوئي تبديل النقوض بما لا يرد عليه هذا الاشكال أي بموارد من العلم بكذب البينة ، ووجود المعارض لها يكون فيها المدلول الالتزامي دلالة اخرى للأمارة ، لا مصححاً وأثراً شرعياً للمدلول المطابقي ، كما إذا دلّت البينة على أنّ زيداً قد صلّى الآن ، فيدلّ بالالتزام على انّه متطهّر ؛ لأنّ اللازم العادي للمصلّى انّه متطهّر ، وليس الطهور حكماً وأثراً شرعياً للصلاة ، أو قامت البينة على نزول المطر في الساعة الفلانية ، والذي لازمه تحقق الغسل للأرض النجسة أو الشيء النجس الموضوع تحته ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، فإنّه فيها إذا علم بكذب البينة أو قامت بينة اخرى على نفي مدلولها المطابقي مع احتمال صحة المدلول الالتزامي لا يقال بحجية البينة الاولى في المدلول الالتزامي قطعاً ، فأصل النقض متجه.

ص ٢٦٢ قوله : ( وثانياً : انّ بعض هذه النقوض ... ).

وبتعبير أوضح : القائل بالتبعية لا يدّعي الطولية ، بحيث لابد من حجّية المدلول المطابقي لكي تثبت حجّية الأمارة في مدلولها الالتزامي ، ولهذا لو فرض مثلاً عدم ترتب أثر شرعي على المدلول المطابقي للبينة ، وانحصار الأثر الشرعي على مدلولها الالتزامي لم يكن اشكال في حجّية مدلولها الالتزامي ، والنقض الثالث من هذا القبيل ، وإنّما لم نقل بالحجية فيه امّا لوجود التعارض

٤٤٨

والتكاذب في شهادة خبر كل واحد من الشاهدين مع الآخر ، أو لعدم وحدة المشهود به خارجاً ، فإنّ من شرائط حجّية البينة وحدة المشهود به الخارجي للشاهدين كما هو منقح في محلّه.

ص ٢٦٤ قوله : ( وعلى هذا الأساس صحّ التفصيل في التبعية بين الدلالة الالتزامية البينة عرفاً ... ).

هذا التفصيل ليس تاماً بنحو الإطلاق ، بل في خصوص الموارد التي تشكل الدلالة البيّنة دلالةً وظهوراً عرفياً مستقلاًّ عن المدلول المطابقي ، وليس دائماً كذلك ، فمثلاً دلالة دليل الوجوب على نفي الحرمة بينة عرفاً لبداهة ووضوح التضاد بين الوجوب والحرمة. إلاّ أنّه مع ذلك تتم فيه النكتة المذكورة في التقريب الثالث.

نعم ، في مثل « فَلَا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ » لو فرض أنّه من الدلالة الالتزامية البيّنة يمكن دعوى أنّ ثبوت جواز قول افّ لهما في مورد لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية الفحوائية على حرمة الأشد منه في ذلك المورد.

ص ٢٦٦ قوله : ( والتحقيق على ما أوضحناه في محله في الفقه ... ).

الظاهر أنّ ما ذكره السيد الشهيد في الفقه هو عبارة اخرى عن كون الحكومة ظاهرية أو واقعية فإنّه إذا كان التمسك بدليل حجّية الأخبار مرة اخرى بلحاظ الخبر الذي يثبت تعبداً باخبار المباشر لنا لزم ما ذكر ، وهذا هو معنى الحكومة الواقعية ، وامّا إذا كانت الحكومة ظاهرية وانّ دليل حجّية الخبر المباشر لنا يرتب تعبداً وظاهراً تمام آثار ما يخبر به الخبر المباشر لنا لزم التعارض كما هو واضح فراجع وتأمل.

٤٤٩

ص ٢٧٠ قوله : ( الصورة الاولى ... ).

يمكن أن يقال : في تمام موارد احتمال التعيين في طرف واحد أنّه بناءً على مسلك القوم من انّ الحجّية متقومة بالوصول ، يقطع بعدم حجّية الدليل الآخر على تقدير الالتزام به للشك فيها وعدم وصولها حتى على تقدير الالتزام بها ، وهذا يعني انّه تتشكل دلالة التزامية للدليل الدالّ على ثبوت الحجّية في مورد التعارض في الجملة على ثبوتها في محتمل التعين فيكون حجة ولو بمعنى منجزية الواقع لو لم يلتزم به سواء التزم بالآخر أم لا ؛ لأنّ الآخر يعلم بعدم حجّيته بالفعل على مبنى المشهور ، وحجّية دليل الالزام على تقدير الالتزام به من دون الحكم الطريقي بلزوم الالتزام به لغو محض.

ثمّ إنّ أصل هذا التفسير للحجية التخييرية بارجاعها إلى حجتين مشروطتين في الطرفين بالالتزام به مع حكم طريقي بمعنى تنجيز الواقع وعدم جريان الاصول المؤمنة الجارية في نفسها في المورد غير صحيح.

وتوضيح ذلك : انّ الحجّية وإن كانت حكماً وضعياً إلاّ أنّ ذلك مربوط بمرحلة الصياغات الاعتبارية والقوالب الانشائية ، وأمّا روح الحكم الظاهري بالحجية فهي شدة اهتمام المولى بملاكاته الواقعية الترخيصية والالزامية المتزاحمة تزاحماً حفظياً ، وترجيح ما هو الأهم منها في مقام الحفظ بمقدار مؤدّى الحجة.

ومن الواضح انّ مقدار ما يهتم به المولى في موارد تعارض دليلين وارادة الحجّية التخييرية لهما هو عدم مخالفة كلا الدليلين ، وامكان ترتيب آثار أحدهما وتطبيق العمل على طبقه باختياره في تمام المرات أو في كلّ مرّة مرّة ـ إذا كان التخيير استمرارياً ـ فهذا المقدار هو روح الحكم الظاهري بالحجية التخييرية في

٤٥٠

موارد التعارض سواء جعلت في مرحلة الصياغة والاعتبار بعنوان حجّية أحدهما أو حجّية ما يختاره منهما أو حجّية كل منهما مشروطاً بالالتزام به ، فإنّ ذلك لا يغيّر روح الحكم الظاهري التخييري شيئاً.

وهذا المقدار لا يقتضي سقوط الأصل الترخيصي اللفظي أو العملي الجاري في مورد التعارض أصلاً إذا لم يكن فيه مخالفة لكلا الدليلين ، فلا مجال لدعوى استكشاف حكم طريقي بتنجيز الواقع في مورد التعارض أكثر من هذا المقدار إذا لم يلتزم بشيء منهما دفعاً للغوية ، فإنّ اللغوية مندفعة بالمقدار الذي ذكرناه ، فلا موجب لمثل هذا الاستكشاف الاضافي ، بل هو خلاف إطلاق دليل الحكم الترخيصي الثابت في المسألة في نفسه إذا لم يكن فيه مخالفة مع كلا الدليلين المتعارضين ، بل يلزم منه أن تكون الحجّية التخييرية أكثر تنجيزاً للواقع من التعينية ، وهو غير محتمل.

نعم ، لازم الحجّية التخييرية سقوط الأصل التنجيزي في المسألة إذا كان أحد الدليلين ترخيصاً ونافياً له ، وهذا واضح.

وعلى هذا الأساس تتغيّر النتيجة عما في الكتاب في أكثر الصور والفروض المذكورة فيه ، حيث يرتفع موضوع تشكيل علم إجمالي بالحجة على الالزام أو الحكم الطريقي المنجز للواقع ، والذي على أساسه حكم السيد الشهيد قدس‌سره بنتيجة التعيّن في فروض التعارض بين دليلين دالّين على حكمين الزاميين.

وإنّما الصحيح أن يقال : انّه في تمام الموارد التي يوجد فيها أصل لفظي أو عملي مقتضٍ للتنجيز في المسألة كأطراف العلم الإجمالي الكبير غير المنحل أو وجود إطلاق لفظي يقتضي الالزام أو وجود علم إجمالي بالتكليف في المورد

٤٥١

ـ كالدوران بين القصر والتمام ـ أو كون الشبهة قبل الفحص ـ كالمقلّدين للمجتهدين ـ إلى غير ذلك ، تكون النتيجة عند الدوران بين التعيين والتخيير في أحد الطرفين فقط التعيين ، بمعنى لزوم العمل على طبق ما يحتمل تعيّنه ؛ لأنّه مفرّغ للذمة قطعاً ، بل ويجوز له الافتاء على طبقه سواء التزم به أم لا ـ فإنّ الالتزام ليس شرطاً في الحجّية أصلاً ، وإنّما الثابت هو الحكم الطريقي المتقدم ، وهو عدم مخالفة كلا المتعارضين في موارد التخيير في الحجّية ـ.

نعم ، إذا كان محتمل التعيين ترخيصياً والآخر الزامياً أمكن العمل على طبق الالزام ـ كما إذا كان فتوى غير الأعلم بالالزام ـ إلاّ انّه لا ينافي أصالة التعيين المدّعى في المقام من قبل المشهور ، فإنّه من الاحتياط في مورد الحجة على الترخيص ، وهو جائز حتى في غير موارد التعارض ، غاية الأمر هنا لو قيل بأنّ التخيير ابتدائي لا استمراري ، لابدّ من الالتزام بالعمل في تمام المرّات ، وذاك أمر آخر. كما انّه إذا كان احتمال التعيين في كلا المتعارضين فالنتيجة التساقط والرجوع إلى مقتضى الأصل الالزامي الموجود في المسألة ؛ لأنّ الأخذ بشيء منهما لا يكون مفرغاً لذمته عن مقتضى ذلك الأصل الالزامي ؛ إذ يكون من الشك في الحجّية المساوق مع عدم الحجّية.

اللهم إلاّ أن يستفاد التخيير بالملازمة من الدليل الخارجي الوارد في ذلك المورد ولو بالملازمة العرفية ، وذاك أمر آخر.

وفي الموارد التي يكون مقتضى الأصل اللفظي أو العملي في المسألة في مورد التعارض هو الترخيص ـ حتى إذا كان المتعارضان معاً الزاميين بشرط أن لا يعلم إجمالاً بثبوت أحدهما ، وإلاّ دخل في موارد اقتضاء الأصل للالزام ـ

٤٥٢

تكون النتيجة نتيجة التخيير مطلقاً ـ مع قطع النظر عن مسألة الاستمرارية وتعدد دفعات الابتلاء ، وما قد يتشكل فيها من العلم الإجمالي التدريجي بالتكليف ـ وذلك لعدم إحراز الحجة التعينية في الطرف المحتمل لها ، سواء كان طرفاً واحداً أو كلا الطرفين ـ فيجري الأصل اللفظي أو العملي الترخيي عن مؤدّى دليل الالزام المحتمل تعيّنه إذا لم يخالف مؤدّى الدليل الآخر.

وهذا يصدق حتى في الدليلين الالزاميين المتعارضين إذا لم يعلم بثبوت أحدهما اجمالاً ـ كمثال الزيارة والصدقة في الكتاب ـ فإنّه يمكنه ترك الزيارة إذا كان محتمل التعيين واجراء الأصل المؤمّن عن وجوبها إذا جاء بالصدقة ، ولا يتشكل له علم إجمالي منجز لا بالواقع كما هو واضح ، ولا بالحجة والحكم الظاهري الالزامي ؛ لاحتمال التخيير والذي لا ينجّز أكثر من عدم مخالفة كلا المتعارضين.

وأمّا الحكم الطريقي الذي ذكره السيد الشهيد قدس‌سره عدلاً وطرفاً للحجية التعينية وعلى أساسه شكل علماً إجمالياً منجزاً ، فقد عرفت عدم الدليل عليه ، بل المقام من موارد الدوران بين الأقل والأكثر في الحجة على الالزام ؛ إذ لو كانت الحجّية في الطرف المحتمل تعينيّة كان اللازم هو التعيين ـ وهو التكليف الظاهري الأكثر ـ وإلاّ كان التخيير وعدم ترك كليهما ـ وهو التكليف الظاهري الأقل ـ فيجري الأصل المؤمّن بلا معارض.

ففي تمام هذه الصور النتيجة نتيجة التخيير ، أي بقاء الأصل الترخيصي اللفظي أو العمليى الجاريى في المسألة على حجيته في نفي الالزام بأكثر من عدم مخالفة كلا الدليلين ، وهذا هو نتيجة التخيير من غير فرق بين كون التعارض بين

٤٥٣

دليلين أحدهما يدل على الالزام والآخر على الترخيص ، أو كلاهما يدلاّن على الالزام ، وسواء كان يمكن الاحتياط فيهما أو لا يمكن ـ كالوجوب والحرمة ـ إذا كان يحتمل كذبهما معاً أو كان احتمال التعيين في الطرفين لا في طرف واحد ، وإلاّ كان الاحتياط بالفراغ اليقيني بالحجة ممكناً ، وذلك بالعمل وفق محتمل التعيين. فهذا الفرض داخل في الفرض الذي يكون الأصل الأولي فيه الاحتياط ، ولو بهذا المقدار المنجز به العلم الإجمالي بين المحذورين ، إذا أمكن امتثاله اليقيني ولو بالحجة.

لا يقال : في فرض احتمال كذبهما معاً أيضاً يوجد علم إجمالي بالحجة على الالزام.

فإنّه يقال : الحجّية التخييرية ليست مساوقة مع الحجّية على الالزام إلاّ بمقدار عدم تركهما معاً كما ذكرنا ، وهو غير ممكن هنا ، ومع امكان الاحتياط معلوم كون تركهما معاً مخالفة تفصيلاً ، فلا يمنع عن جريان الأصل المؤمّن عن الطرف محتمل التعيين ، فهو من الأقل والأكثر كما ذكرنا آنفاً.

نعم ، بناءً على تصوير السيد الشهيد من تعيين الحجّية التخييرية فيما يلتزم به يحصل العلم الإجمالي بالحجية التعيينية بالالتزام بغير ما هو محتمل التعيين ، كما يتشكل علم إجمالي منجز بناءً على ترك الالتزام بهما معاً.

وبهذا يظهر أنّ ما في الكتاب من التشقيقات التي التزم في بعضها بنتيجة التعيين لا وجه له.

نعم ، يمكنه الافتاء بما يحتمل تعيينه إذا كان في طرف واحد ؛ لأنّه حجة عليه على كل حال ، بخلاف الطرف الآخر ، أو إذا كان احتمال التعيين في كلا الطرفين ،

٤٥٤

كما انّه إذا لم يلتزم بشيء منهما أيضاً كان الطرف الآخر محتمل التعيين ، مما يمكن الافتاء به ؛ لأنّ الالتزام ليس له موضوعية في باب الحجّية حتى التخييرية.

كما انّه ليس شرطاً لجريان الأصل المؤمّن ، فما في الكتاب مما لا يمكن المساعدة عليه من جهتين :

الاولى : انّ الحجّية التخييرية لا ينجّز الواقع بأكثر من عدم مخالفة كلا الدليلين لا أكثر ، ونتيجته جريان الأصل المؤمّن كلما لم يلزم مخالفة كلا الدليلين ، سواء التزم بأحدهما أم لا.

الثانية : انّ الالتزام بأحدهما أيضاً لا يوجب زوال التخيير ما لم يعمل ، أي ليس له موضوعية ولا يغيّر روح الحكم الظاهري التخييري من حيث كونه تخييرياً إلى كونه تعيينياً ، ونتيجته انّه لو التزم بغير ما يحتمل التعيين وكانا الزاميين لا يتشكل علم إجمالي بالحجة المعينة على الالزام دائرة بين متباينين لكي يكون علماً إجمالياً منجزاً. كما انّه في صورة عدم الالتزام بشيء منهما أيضاً لا يتشكل علم إجماليى منجز بالحجة المعينة أو الحكم الطريقي المنجز.

وقد يتصوّر أنّ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره هنا مبني على ارادة التخيير في المسألة الاصولية ، وسوف يأتي انها متوقفة على مثل هذا التصوير.

إلاّ أنّه بلا موجب على ما سيأتي ، بل سوف لا يأتي فيما بعد أنّ التخيير الاصولي يقتضي سقوط الأصل المؤمّن أصلاً ، فهذه الخصوصية أمر زائد لا موجب له حتى في التخيير الاصولي وخلاف إطلاق أدلّة الترخيصات إذا تمّ موضوعها في مورد المتعارضين.

٤٥٥

ص ٢٨٨ قوله : ( البيان الأوّل ... ).

قد يقال : في ابطال هذا البيان أنّ المتعارضين بنحو التباين لو كان لأحدهما معارض بنحو العموم من وجه بحيث سقط في مورد اجتماعه معه عن الحجّية بالتعارض معه كما إذا ورد ( يستحب التصدّق على الفقير ) ، وورد ( يكره التصدّق على الفقير ) ، وورد ( لا يستحب التصدّق على الفاسق ) ، المعارض مع الأوّل منهما بنحو العموم من وجه ، لابد من أن يحكم بتخصيص العام الثاني بالأوّل بعد التساقط في مورد اجتماعه مع الدليل الثالث لأنّ المقدار الحجّة منه أصبح أخص مطلقاً من العام الثاني مع انّ هذا ما لا يلتزم به القائلون بانقلاب.

فلا يمكن أن يكون هذا البيان هو مبنى انقلاب النسبة.

والجواب : انّ مورد الاجتماع يقع فيه التعارض بين عموم ( يستحب ) ، والخطابين الآخرين في عرض واحد ، فيسقط الجمع ، ومعه لا معنى لأن يخصّص عموم ( يكره التصدّق ) بالعام الأوّل ؛ لأنّهما بما هما حجة متباينان ، كما هو واضح.

إلاّ انّه مع ذلك هذا الوجه يمكن أن لا يكون هو مبنى الانقلاب ، ويمكن أن ينقض عليه بما إذا كان بعض مدلول الدليل المعارض بنحو التباين مما يقطع من الخارج بعدم صحته ، فيكون المقدار الحجة منه أخص ، فإنّه لا يلتزم فيه بالتخصيص.

ص ٢٩٣ قوله : ( وهناك وجه آخر لتصحيح انقلاب النسبة ... ).

قد عرفت في التعليق السابق انّ هذا يمكن أن يكون هو مبنى الانقلاب ، وهناك وجه آخر غير ما ذكره السيد الشهيد يمكن أن يكون هو مبنى الانقلاب

٤٥٦

وهو سليم عن الاشكال الذي سيذكره السيد الشهيد في نكتة الأخصية والقرينة ، وحاصله :

انّ الميزان في القرينة ما يكشف عما هو المراد من الخطاب الآخر ، لا الأقوائية ليقال بأنّها لا تتغير بالمخصّص المنفصل ، وهذه النكتة مشتركة ، كما تتم في الخاص الذي يكون مدلوله أخص ، كذلك تتم فيما إذا كان مدلوله مساوياً لا أخص ولكن أمكن الكشف عن انّ المراد منه هو الأخص ولو بقرينة منفصلة لأنّه بذلك يكشف عن انّ ما هو المراد منه هو ما عدا مورد التحقيق.

فالحاصل ، المصادرة الاضافية التي نحتاجها زائداً على ما تقدم في نظرية التخصيص انّ الكاشف عن كون المراد الجدي من الخطاب هو الأخصّ لا يشترط فيه أن يكون حاصلاً من ظهورات نفس الخطاب بل يمكن أن يكون بضم ظهور إلى ظهور ولو من جهة ظهور منفصل عنه ولكنه بشرط أن يكشف عن ذلك بحيث تكون النتيجة تحديد ما هو المراد من الخطاب العام المعارض وانّه المقدار الأخص فيكون من القرينة على القرينة وهي كالقرينة عرفاً.

وهذه النكتة تتم في الأخص لا المعارض المسقط للاطلاق عن الحجّية كالعامين من وجه مع قطع النظر عن الجواب المتقدم في التعليق السابق ، لأنّ السقوط عن الحجّية وصيرورة المقدار الحجة أخص لا تكفي للقرينية والكشف عن انّ المراد منه هو الأخص كما هو واضح.

وهذه النكتة عرفية ليست مستبعدة عن الذوق العقلائي فإنّهم يتعاملون مع القرائن المنفصلة معاملتهم مع القرائن المتصلة من حيث الكاشفية عن المراد الجدي ؛ كما انّ نكتة الأخصية والقرينية تكمن في الكاشفية عن المراد الجدي

٤٥٧

لا ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره من درجة التركيز والأقوائية في الدلالة فإنّها ممنوعة في الأخصية على ما تقدم فيما سبق.

وإنّما الأمر بالعكس بحيث انّ أقوائية الدلالة إذا لم تكن ورائها القرينة في مقام الكشف عن المراد الجدي بأن يكون العقلاء قد جعلوا طريقتهم في الكشف عن مراداتهم ارادة الأظهر في قبال الظاهر لم يكن وجه لتقديم الأظهر.

والحاصل : كبرى انقلاب النسبة أمر مطابق مع الذوق العقلائي جداً ، ولعلّ ما ينبه عليه انّه إذا فرض ورود مخصص على أحد المتعارضين بنحو العامين من وجه في مورد افتراقه عن الآخر كما إذا ورد ( أكرم العالم ، ويحرم اكرام الفاسق ) وورد ( لا يحرم اكرام الفاسق الجاهل أو غير العالم ) ، خصوصاً إذا كان بلسان التفسير والقرينية الشخصية ، كما إذا قال : ( مقصودنا من حرمة اكرام الفاسق إنّما هو العالم الفاسق ) ، فإنّه من المستبعد الحكم بسقوط خطاب يحرم اكرام الفاسق عن الحجّية في مورد التخصيص باعتبار المخصّص ، وفي مورد الفاسق العالم بالتعارض بل يجمع بينها بأنّ المراد انّ الحرام اكرام العالم الفاسق ، والواجب اكرام العالم العادل ، ولا يجب ولا يحرم اكرام الجاهل الفاسق ، فيعمل بالأدلّة الثلاثة.

ص ٢٩٩ قوله : ( وهذا البيان غير تام ، وذلك ... ).

الايرادات الثلاثة كلها غير وجيهة ، والحق مع السيد الخوئي قدس‌سره من وقوع التعارض وسريانه بين الأطراف الأربعة ، وذلك :

امّا النقض بالعامين المتباينين الذي ورد على كل منهما مخصّص يخرج موضوعاً واحداً منهما ، فهو غير متّجه ؛ لأنّ الخاصين لو لم يكونا صادرين كان

٤٥٨

التعارض بين العامين ثابتاً في تمام مدلوليهما ، وسارياً إلى سنديهما على كلّ حال ، وهذا يعني خروج الخاصين عن دائرة المعارضة الموجبة للتساقط بين ظهور العامين.

وهذا بخلاف المقام ، فإنّ التعارض ليس بين تمام مدلول العامين ، بل بين اطلاقيهما في مورد الاجتماع ، ولهذا لا يسري إلى السندين ، وإنّما يسري التعارض اليهما من جهة صدور الخاصين الموجب لشمول التعارض لتمام مدلول العامين ، بحيث لابدّ وأن يكون سند أحدهما أو أحد الخاصين على الأقل ـ بناءً على انقلاب النسبة ـ ساقطاً ، فالنقض غير وارد.

وأمّا الايراد الثاني فيلاحظ عليه : بأنّ العلم الإجمالي بعدم جدية ظهور أحد العامين إذا اريد به عدم جدية ظهور أحدهما في مورد الاجتماع ، والذي هو بعض مدلوليهما ، فالعلم الإجمالي بعدم جدية أحد هذين الظهورين في مورد الاجتماع وإن كان صحيحاً ، إلاّ أنّه لا يكفي لحلّ العلم الإجمالي الكبير ؛ لأنّ العلم الإجمالي الكبير معلومه أكثر من هذا المقدار ؛ لأنّ ظهور العامين في موردي الافتراق مع الخاصين لا يمكن جدّيتها جميعاً حتى إذا كان ظهور أحد العامين في مورد الاجتماع غير جدّي ، وهذا يعني اننا لو جزّئنا ظهور العامين إلى موردي الاجتماع والافتراق كان أمامنا ستة ظهورات ، أربعة للعامين في موردي الاجتماع والافتراق واثنان للخاصين ، ويعلم بكذب اثنين من الأربعة واحد في مورد الاجتماع وظهور من الأربعة الاخرى في مورد الافتراق.

وبتعبير أدقّ : لابد من كذب أحد الاطلاقين والظهورين للعامّين في مورد الاجتماع وكذب أحد الخاصين أو العام الذي ليس ظهوره جدياً في مورد

٤٥٩

الاجتماع ، وهذا يعني انّ المعلوم بالعلم الإجمالي الصغير عدم جديته في مورد الاجتماع لا يكفي لحلّ العلم الإجمالي الكبير ؛ لأنّ معلومه أقل من معلوم العلم الكبير.

وإذا اريد عدم جدية أحد العامين المتعارضين في تمام مدلوله ـ مورد الاجتماع والافتراق ـ فهذا العلم لو كان ، كفى في انحلال العلم الإجمالي الكبير ، ولكنه لا يوجد علم من هذا القبيل جزماً ، وإنّما الثابت هو العلم الإجمالي بكذب أحد الاطلاقين والظهورين للعامين من وجه ، في مورد الاجتماع لا أكثر.

فالتعارض بين الظهورات الأربعة في موردي الافتراق ـ أعني ظهور الخاصين وظهور العامين في موردي الافتراق ـ مستحكم وموجب لسقوطها جميعاً ، كسقوط العامين في مورد الاجتماع بالعلم الإجمالي الصغير ، فإذا كان السند للظهورات المذكورة ظنياً سرت المعارضة لا محالة إلى اسنادها.

وأمّا الايراد الحلّي ـ والذي هو المهم ـ فيلاحظ عليه : انّ العام الذي يعلم بعدم جدية ظهوره في مورد الاجتماع إجمالاً لا يمكن أن يكون الخاص الراجع إليه بلحاظ مورد افتراقه قرينةً ومخصصاً له ، بل هو معارض معه ، فإنّ الخاص إنّما يكون قرينة على العام فيما إذا كان يبقى تحت العام ما يمكن أن يكون هو مدلول العام ، وأمّا إذا علم ـ تفصيلاً أو إجمالاً ـ أنّ الباقي بعد التخصيص ليس بمراد من العام ، وانّه غير جدّي فالمخصّص عندئذٍ يكون معارضاً معه ، كما إذا قال : ( أكرم العالم ) وعلمنا بأنّه غير جدي في العالم الفاسق ، وانّه لا أمر باكرامه ، ثمّ ورد ما يدلّ على عدم وجوب أو استحباب اكرام العالم العادل كان معارضاً معه جزماً ،

٤٦٠