أضواء وآراء - ج ٣

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-75-9
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٥٠٢

لأنّ اليقين الناقض هو اليقين المعلوم تعلّقه بنقيض ما هو متعلّق اليقين المنقوض ، وهنا متعلّق اليقين المجهول تاريخه هو الجامع لا الفرد أو الواقع ، وإلاّ لما جرى فيه الاستصحاب ، والجامع المذكور لا علم بانتقاضه بالعلم الآخر التفصيلي أو الإجمالي مثله ؛ إذ لعلّه بعده ، والعلم الإجمالي بالانتقاض يوجب الشك في كل طرف بحسب الفرض ، وهذا بخلاف استصحاب عدم الكرية إلى حين الملاقاة مع العلم بتاريخ الكرية ، حيث يعلم بانتقاض شخص عدم الكرية وتلك القلّة المستصحبة في زمان معلوم ويحتمل أن يكون زمان الملاقاة هو ذاك الزمان.

فالحاصل ، فرق بين كون المستصحب معلوماً إجمالياً ونقيضه معلوماً تفصيلياً أو إجمالياً أيضاً في عمود الزمان ، وبين ما إذا كان المستصحب معلوماً تفصيلياً وانتقاضه أيضاً معلوم تفصيلي في زمان ، ويراد استصحابه إلى زمان إجمالي يحتمل انطباقه على الزمان التفصيلي للانتقاض ، ففي الأوّل لا علم بانتقاض الجامع المعلوم والمستصحب أصلاً ، وإنّما شك في انتقاضه وعدمه ، والعلم الإجمالي بانتقاض أحد المعلومين والجامعين يوجب الشك بلحاظ كل منهما لا أكثر ، كما في سائر موارد العلم الإجمالي بانتقاض احدى الحالتين السابقتين.

وفي الفرض الثاني يحتمل انتقاض الحالة السابقة المستصحبة بما يقطع بانتقاضه بلحاظ عمود الزمان الواقعي بالنحو المبيّن في التنبيه السابق ـ وإن لم نقبله نحن هناك أيضاً ، إلاّ أنّ هذا الفرق المذكور هنا موجود ـ.

ومبنى القول الثالث الذي اختاره السيد الخميني قدس‌سره في رسائله غير واضح ؛ إذ في بعض عباراته يجعل الملاك لتفصيله دعوى انحلال العلم الإجمالي بمجرد العلم التفصيلي بالحالة الأسبق قبل توارد الحالتين ، سواء كانا معاً مجهولي التاريخ أو كان أحدهما معلوماً تاريخه بشرط أن يكون ضد الحالة السابقة ،

٣٤١

حيث يكون مجهول التاريخ العلم به منحلاً إلى العلم بثبوت فرد منه قبل الآخر تفصيلاً ، والشك في تحقق فرد آخر منه ، فلا موضوع للاستصحاب فيه.

وأمّا إذا كان المعلوم تاريخه مماثلاً للحالة السابقة المعلومة تفصيلاً جرى الاستصحاب فيه أيضاً ، وتعارض مع استصحاب الحالة الضد المعلومة أيضاً إجمالاً فيتساقطان. وفي بعضها يجعل الميزان انفصال زمان المستصحب المجهول تاريخه بالحالة الاخرى.

والجواب : أمّا بالنسبة إلى اشكال الانفصال فقد عرفت ما فيه ، والاستناد إليه يؤدّي إلى قبول تفصيل المحقق الخراساني ، لا ما اختاره ؛ إذ يجري اشكال الانفصال حتى فيما إذا لم تكن الحالة الأسبق معلومة تفصيلاً.

وأمّا بالنسبة إلى إشكال الانحلال ففي مجهولي التاريخ الأمر واضح ، فإنّ فرض الجهل بتاريخ كل من الحالتين معناه وجود حالات ثلاث ، ففي ساعة يعلم بالحدث أو النجاسة مثلاً ، وفي ساعتين بعد تلك الحالة المعلومة تفصيلاً يعلم بتحقق كل من الحالتين في احداهما دون الاخرى ، وهذا علم إجمالي بكل منهما في احدى الساعتين الثانية أو الثالثة.

وواضح انّ العلم التفصيلي باحدى الحالتين في الساعة الاولى لا ربط له بطرفي العلمين الإجماليين المرددين بين الساعتين الثانية والثالثة ليوجب انحلال الحالة المماثلة للساعة الاولى.

والعلم الإجمالي إنّما ينحلّ إذا صار أحد طرفيه معلوماً بالتفصيل ، ولا علم بذلك في المقام ، وكون السبب للحالة المماثلة لو كان متحققاً في الساعة الثانية لا يوجب حصول سبب جديد ، وإنّما هو بقاء لنفس الحالة والسبب الموجود في

٣٤٢

الساعة الاولى لا يوجب انحلال العلم الإجمالي لا بلحاظ السبب الجديد ـ كما اعترف به هو ـ ولا بلحاظ مسبّبه لوضوح عدم العلم التفصيلي بثبوت ذاك المسبّب في الساعة الثانية ، وهذا واضح. وهذا يعني أنّ العلم بثبوت المسبب في احدى الساعتين الثانية والثالثة غير منحل.

وإن شئت قلت : انّ الجامع والكلي المعلوم تحققه في احدى الساعتين محتمل البقاء ؛ لأنّه من القسم الثاني للكلي.

وفي فرض كون الحالة الضد معلوم التاريخ والمماثل مجهول التاريخ فأيضاً كذلك إذا لم يكن الزمان المتصل بالمعلوم تاريخه معلوماً تفصيلاً ، كما إذا علمنا بالنجاسة في الساعة الاولى واحتملنا زوالها في الساعة الثانية ، وعلمنا بالطهارة في الساعة الثالثة ، وعلمنا أيضاً بالنجاسة امّا في الساعة الثانية ـ ولو بأن تكون بقاءً للنجاسة المعلومة تفصيلاً في الساعة الاولى ـ أو في الساعة الرابعة ، فإنّ هذا العلم الإجمالي بالنجاسة المرددة بين الساعة الثانية والرابعة غير منحل جزماً.

نعم ، فرض تردد النجاسة بين الساعة الاولى والثالثة مع العلم بالنجاسة تفصيلاً في الاولى والطهارة كذلك في الثانية كان هذا هو الاستثناء الذي ذكرناه ، وهو غير التفصيل المذكور ، وسنبيّن وجه عدم جريان الاستصحاب فيه بنحو أدق.

فالصحيح جريان الاستصحاب في توارد الحالتين في مجهول التاريخ ومعلومه سواء كانا معاً مجهولين أو أحدهما معلوماً بشرط أن لا تكون الحالة الاخرى معلوماً تفصيلاً قبل المعلوم تاريخه ومتصلاً به.

والوجه في هذا التفصيل انّه في غير الاستثناء المذكور يكون المستصحب المجهول تاريخه من الكلي القسم الثاني ، وقد تقدم جريان الاستصحاب فيه.

٣٤٣

أمّا في مورد الاستثناء فيكون المستصحب فيه ـ إذا اريد استصحاب الجامع والكلي لا الفرد الذي من الواضح عدم تمامية أركان الاستصحاب فيه ـ من الكلي القسم الثالث ؛ لأنّ المفروض العلم التفصيلي بالنجاسة في الساعة الاولى مثلاً على كل تقدير ، فاحتمال أو العلم بسقوط قطرة بول اخرى في احدى الساعتين الاولى أو الثالثة لا يوجب علماً إجمالياً بنجاسة مردّدة بين الزمانين ، بل بلحاظ عمود الزمان وواقعه يعلم بتحقق جامع النجاسة ضمن حصة وفرد تفصيلي قبل الطهارة المعلومة في الساعة الثانية ، ويعلم بانتقاضها وارتفاعها في الساعة الثانية ، ويشك في تحقق فرد وحصة اخرى من جامع النجاسة وكليها في الساعة الثالثة ، وقد تقدم عدم جريان الاستصحاب فيه.

إلاّ أنّ السيد الخوئي قدس‌سره جعل هذا قسماً رابعاً من الكلي المستصحب إذا كان هناك علم إجمالي كذلك ، ولو بعنوان انتزاعي أو اختراعي اشاري كمن وجد أثر الجنابة في الثوب مثلاً بعد اغتساله من الجنابة السابقة المعلومة تفصيلاً ، واحتمل أن تكون جنابة اخرى بعد الاغتسال ، كما احتمل أن تكون هي السابقة ، فأجرى استصحاب الجنابة المشار اليها بعنوان زمان خروج هذا الأثر منه ، والعلم الإجمالي بهذا العنوان الإجمالي الانتزاعي ليس منحلاً ؛ إذ لا يعلم بكونه الجنابة السابقة على الاغتسال ، وقد جعل هذا من توارد الحالتين ، وصرّح بذلك في المقام ؛ ولهذا احتجنا إلى استثناء ذلك في المقام ، وإن كان المظنون خروجه عن مصطلح توارد الحالتين عند المشهور.

وقد أجبنا عليه فيما سبق بالنقض بموارد الشك في بقاء الحالة السابقة الواحدة حتى في مورد صحيح زرارة بالإشارة إلى آخر حدث حصل له المردد بين الحدث المعلوم تفصيلاً والذي توضأ منه أوّلاً قبل الخفقة وبين حدث تحقق

٣٤٤

بها وهو علم إجمالي غير منحل فيجري استصحاب هذا الحدث المشار إليه بهذا العنوان الإجمالي غير المنحل ، فيستصحب ويتعارض حتى مع استصحاب الطهور.

كما أجبنا عليه بالحلّ وحاصله : أنّ هذا العنوان الجامع الإجمالي لو اريد جعله بنفسه مصبّاً للاستصحاب فليس هو موضوع الأثر ، وإنّما الموضوع للأثر النجاسة أو الحدث أو الطهارة في عمود الزمان وواقعه ، وإن اريد جعله مشيراً إلى الجامع المتحقق في عمود الزمان وظرفه الواقعي فالجامع المذكور والمشار إليه بهذا العنوان الإجمالي من القسم الثالث للكلي ، والذي لا يجري بلحاظه الاستصحاب ، لكونه متيقناً في حصته منه تفصيلاً ومشكوك الحدوث في حصته الاخرى.

ثمّ انّ الوجوه الاخرى التي نقلها السيد الشهيد قدس‌سره في الكتاب عن المحقق العراقي قدس‌سره وأجاب عليها جميعاً يمكن ارجاعها إلى نكتة واحدة هي ابداء الفرق بين استصحاب الجامع بين حصتين وفردين عرضيين في عمود الزمان ، واستصحاب الجامع بين حصتين زمانيتين طوليتين ؛ لأنّ عنوان أحد الزمانين ليس زماناً حقيقياً بل انتزاعي ، ولابد في جريان الاستصحاب من العلم بالحالة السابقة في عمود الزمان وظرفه الواقعي ، وهو مردد بين زمانين يقطع بارتفاع الحالة في أحدهما ويشك في أصل حدوث الجامع الآخر منهما ، ومن هنا ادعى عدم شمول أو انصراف دليل الاستصحاب عن مجهول التاريخ في المقام.

إلاّ أنّ هذا بلا وجه أيضاً ؛ لأنّه يرد عليه ـ غير النقض الذي أورده بنفسه وحاول الاجابة عليه ـ النقض باستصحاب الجامع بين فردين عرضيين ، ولكن في زمانين ، كما إذا علم بدخول زيد في المسجد في الساعة الاولى وخروجه

٣٤٥

في الساعة الثانية ، أو دخول عمرو فيه في الساعة الثانية وبقائه إلى الثالثة ، فإنّه لا اشكال في جريان استصحاب بقاء جامع الإنسان المعلوم دخوله في المسجد في أحد الزمانين الطوليين ، وهو من استصحاب القسم الثاني في الكلي مع انّه يرد فيه نفس الاشكال المذكور.

والحلّ : بأنّ جامع الزمان أيضاً ظرف وزمان ، والعلم بتحقق حالة فيه يقين سابق مشمول لاطلاق دليل الاستصحاب ، والله الهادي للصواب.

ص ٣٣٣ قوله : ( التفسير الرابع ... ).

لا نحتاج في هذا التفسير إلى افتراض دالّين ، بل لو كان هناك دالّ واحد أيضاً صحّت هذه النكتة للتفسير ، وحاصلها : أنّ العموم الأزماني تارة يكون بنحو المعنى الحرفي ، أي هالة للحكم المجعول وهي اطلاقه الأزماني ، فيصحّ التمسك والرجوع فيما عدا زمان التخصيص إلى العام ، سواء كان عمومه بدالّ واحداً وبدالّين.

واخرى : يكون بنحو المعنى الاسمي بمعنى لا ينطبق على الزمان الثاني بعد التخصيص كعنوان الحكم المستمر والمتصل ونحو ذلك ، سواء كان بدال واحد أو دالّين ، فإنّه في مثل ذلك لا يمكن الرجوع إلى العام الأزماني ؛ لعدم انطباق عنوانه على زمان ما بعد التخصيص ، بل قد لا ينطبق على زمان ما قبل التخصيص أيضاً ، كما إذا أخذ عنوان اليوم أو الشهر أو نحو ذلك ، فتدبر جيداً.

ص ٣٣٦ الهامش.

لابد من حذفه لأنّه لا ربط له بالمقام ، إذ قرينة اللغوية وحدها لا يكفي

٣٤٦

لاثبات الاستمرار والعموم إلاّبضم مقدمات الحكمة ، فبقرينة اللغوية نفهم انّ جعل الحكم باللزوم أو الحرمة ليسا بلحاظ آنٍ واحد فلابد وأن يكون فيه استمرار في الجملة ثمّ بمقدمات الحكمة والإطلاق في الجعل نثبت انّه مستمر في تمام آنات وجود العقد وعدم انفساخه ، وهذا الإطلاق حاله حال سائر الاطلاقات من حيث انّ ثبوت التقييد له في زمان لا يقتضي سقوطه عن الحجّية في غيره لأنّ الدلالة فيه مستقلة ، فلا فرق بين هذا الإطلاق وغيره ، لا من حيث تكفل دليل الحكم في الخطاب والجعل لاثباته والدلالة عليه لأنّه من كيفيات المجعول ولا من حيث كون الدلالة على الشمول والاستمرار في كل آن دلالة مستقلة لا تسقط عن الحجّية بسقوط بعضها.

كما انّه لا فرق في ذلك بين كونه في طرف الحكم أو المتعلق أذ إطلاق المتعلق أيضاً بنحو صرف الوجود في نفسه ويمكن أن يكون بدال آخر لفظي أو دلالة الاقتضاء بنحو العموم والاستمرار فلا أساس لهذا التفصيل على كل حال.

وبهذا يظهر اندفاع الهامش المرقم برقم (٢).

نعم ، هنا اشكال آخر على الجواب الثاني ، وحاصله : أنّ دليل الاستمرار بنحو المعنى الاسمي إذا كان موضوعه ثبوت الحكم في زمان ومحموله استمراره في الأزمنة المتصلة بذاك الزمان بعده فهذا لا يكفي فيه ثبوت الحكم بنحو القضية المهملة قبل زمان التخصيص كما هو واضح.

وإن شئت قلت : انّ قرينة الحكمة وعدم اللغوية يكفي فيها أن يثبت استمرار الحكم قبل زمان التخصيص لا بعده ، فالاشكال الثاني غير متجه على الميرزا قدس‌سره.

٣٤٧

ص ٣٣٧ قوله : ( وثالثاً ... ).

هذا الاشكال أيضاً غير متجه على الميرزا قدس‌سره ؛ لأنّ كون التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والايجاب لا يوجب إطلاق المتعلّق بنحو مطلق الوجود ، بل بنحو صرف الوجود ، وهو لا يجدي في اثبات الاستمرار ، فلابد من الرجوع إلى إطلاق الحكم نفسه.

نعم ، هنا اشكال آخر وهو أنّ قرينة الحكمة أو عدم اللغوية يوجب إطلاق المتعلّق أو الموضوع للحكم دائماً لا إطلاق نفس الحكم ابتداءً بلا ملاحظة متعلقه ؛ لأنّ الحكم بنحو مطلق الوجود إذا اريد تعلقه بصرف وجود المتعلّق المتحقق بالوجود في الزمن الأوّل ـ أي أوّل الوجود ـ فهو غير معقول ، وإذا اريد تعلقه بمطلق وجود المتعلّق في عمود الزمان كان الإطلاق ملحوظاً في متعلق الحكم أو موضوعه بحسب الحقيقة ، والمفروض امكان التمسك بالاطلاق فيه.

ثمّ انّ السيد الخميني قدس‌سره قد تعرّض في المقام إلى تفصيل آخر عكس ما اختاره صاحب الكفاية قدس‌سره ثمّ أجاب عليه. وحاصله : انّه ذكر مقدمة حاصلها انّ الإطلاق والعموم الأزماني يكون دائماً في طول العموم الأفراد ، فإنّه لابد من فرض شمول العموم الأفراد للمفرد أوّلاً حتى يجري ويتم فيه العموم الأزماني ، فالبيع الغبني أو بيع الحوان لابد وأن يكون مشمولاً للعموم الأفرادي في قوله تعالى : « أوفوا بالعقود » ليكون في طول ذلك وجوب الوفاء أو اللزوم فيهما مستمراً في عمود الزمان. ولازم ذلك أن يكون العموم الأزماني في طول العموم الأفرادي دائماً ومتوقفاً عليه بحيث إذا انتفى العموم الأفرادي كان انتفاء الأزماني من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

٣٤٨

ثمّ فرّع على هذه المقدمة نتيجة فقهية هي عكس ما اختاره صاحب الكفاية من التفصيل ، وحاصله : انّه إذا كان الزمان الخارج بالمخصّص من العموم الأزماني من الوسط كما في خيار الغبن والعيب صحّ الرجوع إلى العموم الأزماني بلحاظ ما بعد الزمان المتيقن خروجه عن عموم وجوب الوفاء بالعقد مطلقاً ـ كما هو مختاره ـ أو إذا كان العموم مفرداً ـ كما هو مختار صاحب الكفاية والشيخ قدس سرهما ـ لأنّه يرجع إلى الشك في تخصيص زائد للعموم الأزماني حيث لا شك في العموم الأفرادي ، وشكّه في الأزماني ودوران الأمر بين كون التخصيص بمقدار زمان واحد بنحو الفور أو أكثر بنحو التراخي ، وهذا من الدوران بين الأقل والأكثر في التخصيص الأزماني على كل حال ، والمرجع فيه أصالة العموم ونفي التخصيص الزائد على المقدار المتيقن كما هو واضح.

وأمّا إذا كان الزمان الخارج بالمخصّص من الأوّل كما في خيار المجلس والحيوان وشك في بقاء اللزوم بعدهما وعدمه لم يمكن الرجوع فيه إلى العموم الأزماني ؛ لعدم رجوعه إلى الدوران بين الأقل والأكثر في التخصيص الأزماني ، بل إلى الدوران بين تخصيص العموم الأزماني أو الأفرادي ؛ إذ لو لم يجب الوفاء بعد ذلك أيضاً كان المورد خارجاً عن العموم الأفرادي لا محالة ،

حيث يثبت عدم لزوم هذا البيع أصلاً.

وبهذا ينتفي موضوع العموم الأزماني فيه ، فلا تكون مخالفة لعمومه بل من باب ارتفاع موضوعه تخصّصاً ، وهذا يعني أنّ الأمر لا يدور بين مخالفة أقل ومخالفة أكثر ؛ للعموم الأزماني ـ كما في خيار الغبن والعيب ـ بل يدور الأمر بين مخالفة عموم أفرادي أو عموم أزماني ، وهو من العلم الإجمالي والدوران بين

٣٤٩

احدى مخالفتين لا ترجيح لاحداهما على الاخرى ، فيوجب التعارض والإجمال ، ويكون المرجع استصحاب حكم المخصّص لا عموم العام ، وهذا عكس تفصيل الخراساني قدس‌سره وخلاف ما هو المتبع في الفقه.

ثمّ أجاب على الاشكال والشبهة بعدم جريان أصالة العموم الأزماني ؛ لأنّ أمره يدور بين التخصيص والتخصّص وأصالة العموم ليست بحجة فيه لاثبات التخصّص لكي يعارض مع العموم الأفرادي نظير عدم حجّية أصالة الحقيقة في موارد الشك في الاستناد والعلم بالمراد.

ونلاحظ على ما أفاده :

أوّلاً ـ انّه لا يجدي في رفع الاشكال إذا كان المخصص الأزماني متصلاً بالعام ؛ إذ يكون مانعاً حينئذٍ عن انعقاد العموم الأفرادي وإجماله ، ولا تتم فيه القاعدة المذكورة.

وثانياً ـ عدم صحة أصل المقدمة ، فإنّ العموم الأزماني في عرض الأفرادي وليس في طوله. نعم ، هو في طول صدق عنوان العقد وموضوع العام على المورد ، وهو ثابت لغة ودلالة ، وليس في طول ثبوت حكم العام الأفرادي فيه ، أي موضوع العموم الأزماني أنّ كلّما كان عقداً فوجوب الوفاء فيه ثابت ومستمر في تمام الأزمنة ، لا أنّ كل ما ثبت فيه وجوب الوفاء في الجملة فهو ثابت فيه مستمراً ودائماً ، فالدلالتان العموميتان أو الاطلاقيتان الأزماني في عرض واحد ، والأمر دائر بين التخصيص الأقل أو الأكثر على كل حال ، وهذا واضح.

٣٥٠

النسبة بين الامارات والاصول

ص ٣٤٥ قوله : ( الأوّل ـ انّ دليل الامارة ... ).

هذا الوجه ينبغي حذفه وإلغائه ؛ إذ ليس هو من الورود ولا الحكومة ، كما هو واضح.

والأولى تبديله بوجه آخر تقدم في بداية الجزء الخامس (١) من انّ المجعول في الامارة العلمية والطريقية أي جنبة الكاشفية في العلم ، بينما المجعول في الاصول حتى المحرزة جنبة الجري العملي في العلم دون الطريقية ، وفي الاصول غير المحرزة جنبة المنجزية والمعذرية فقط.

وبهذا تتقدم الامارة على الأصل حتى التنزيلي لرفعه لموضوعه وهو عدم العلم والطريق الكاشف إذ جعلت الامارة كاشفة ، وهذا بخلاف الأصل حتى المحرز ، فإنّه لا يرفع موضوع الامارة إذ لم يجعل كاشفاً حتى في مصطلح الشارع. وهذا وجه ثبوتي للورود.

إلاّ أنّ هذا الوجه لا يمكنه أن يعالج وجه تقديم الأصل المحرز عندئذٍ على غير المحرز إذ الموضوع فيهما معاً الشك بمعنى عدم الكاشف.

__________________

(١) ص ١٩.

٣٥١

ص ٣٤٨ قوله : ( ٣ ـ انّ الورود ... اللهم إلاّ أن يرجع ... ).

بل لا يصح على هذا التقريب أيضاً لأنّ دليل الحجّية ينزل المؤدى منزلة الواقع في آثار الواقع ولو ظاهراً ولا ينزل عنوان الحرمة المماثلة المتعلقة للامارة منزلة الحرمة الواقعية المتعلقة للعلم أي لا ينزل عنوان الحرمة الظاهرية منزلة عنوان الحرمة الواقعية ، فإنّ ما هو غاية الاصول العملية العلم بعنوان الحرمة الواقعية سواء كانت مطابقة للواقع أم لا.

فليس هذا الأثر وهو ارتفاع الأصل العملي مترتباً على واقع الحرمة الواقعية المعلومة ، بل على عنوانها والتنزيل بلحاظ الواقع لا العنوان.

ثمّ انّ هنا بيانات اخرى لم يتعرّض لها السيد الشهيد لاثبات عدم التعارض بين دليل حجّية الامارة ودليل الأصل العملي أو وروده عليه من باب أنّ المراد بالعلم واليقين بالخلاف في الاصول العملية مطلق الحجة أو الطريق إلى الواقع ذكرها صاحب الكفاية في حاشيته وفي الكفاية ، وتابعه عليه غيره ، وهي ترجع إلى وجهين :

وجه سيذكره السيد الشهيد ويقبله في ص ٣٥٩ كوجه لتقديم كل ما يكون المجعول فيه الطريقية والكاشفية نحو اثبات المؤدّى والواقع في قبال ما يكون لسان الجعل فيه لسان جعل الحكم الظاهري أو الجري العملي ، حيث استند إلى ارتكاز عرفي أو متشرعي يمنع عن ظهور دليل الأصل العملي في إرادة إلغاء كل الطرق والامارات سوى اليقين الوجداني ، فإنّ هذا الارتكاز على إجماله يوجب انصراف دليل الأصل إلى كون الغاية فيه عدم اليقين أو أحد الطرق المجعولة عقلائياً أو شرعاً ، ولا أقل من الاجمال.

٣٥٢

وهذا المطلب وارد في كلمات الآخرين أيضاً ، وقد يشهد له ذيل بعض روايات أصالة الحلّ ، كرواية مسعدة : « الأشياء على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البينة » ، وهذا الوجه كان ينبغي ذكره هنا ، وهو يتمّ حتى بين الامارة والاستصحاب ؛ لأنّ المستظهر منه ليس هو جعل الطريقية ، بل مجرد عدم النقض العملي والجري العملي. نعم ، قد لا يتمّ في مثل قاعدة الفراغ.

٢ ـ الوجه الثاني ما يظهر من حاشية الخراساني على الرسائل من أنّ مفاد دليل الاستصحاب عدم النقض بالشك لا بالأمارة.

وقد أجاب عليه السيد الخوئي قدس‌سره بأنّ الباء بمعنى عند الشك وعدم العلم لا السببية ؛ وإلاّ لجاز النقض مثلاً بالتماس الصديق ، وان ذيل الحديث « ولكن تنقضه بيقين آخر » يدلّ على حصر الناقض في اليقين بالخلاف ولا غير.

ص ٣٤٨ قوله : ( وعلى كل حال لا وجه لدعوى حكومة دليل الأمارة على الأصل ... ).

لأنّ دعوى الحكومة التفسيرية واضحة البطلان ، والحكومة التنزيلية بحاجة إلى ورود أدوات التنزيل في لسان أدلّة الحجّية ، وأن يكون فيه إطلاق لآثار القطع ، وعدم العلم الموضوعي أيضاً ، وكلاهما غير تام كما هو مقرر في مباحث القطع. والحكومة المضمونية مبنية على لغوية جعل الحجّية للأمارة لولا الاصول العملية ، وهو واضح البطلان ، أو نظر دليل الحجّية وافتراضه لجريان الاصول ، وسيأتي انّه غير تام أيضاً. والحكومة الميرزائية التي هي نوع من الورود قد عرفت جوابه سابقاً ، فلم يبق تقريب للحكومة.

وأمّا الجواب المذكور في الكتاب المشترك وروده على الحكومة التنزيلية

٣٥٣

والورود بالمعنى الاصطلاحي الخاص من انّ دليل الأصل العملي أيضاً ينفي جعل العلمية لغير اليقين الوجداني ، فهو غير تام ؛ لما ذكرناه في الهامش.

وتوضيحه : أنّ جعل البراءة أو الحلّية أو الطهارة ما لم يعلم بالخلاف ينفي حجّية غير اليقين ، ولكن لا بلسان نفي اعتباره علماً ، كما قد يقال ذلك في مثل انّ الظن لا يغني عن الحق شيئاً ، أو لا تأخذ به أو لا تتبعه ، بل من باب انّ جعل الحلّية والبراءة والطهارة الظاهرية يضاد حكم جعل العلمية للأمارة وأثره من دون أن يلزم أن يكون تعبداً بعدم علميتها بنحو التنزيل أو الورود ، بخلاف دليل حجّية الأمارة بحسب الفرض ، فيكون الورود أو الحكومة من طرف واحد ، وهذا بخلاف ما يدلّ على أنّ الظن ليس بحق أو لا تتبعه ، فإنّه وارد في نفس عنوان الظن الذي دلّ دليل الحجّية على لزوم الأخذ أو التصديق به مطلقاً ، أو قسم منه ، فيكون النفي والاثبات للحجية والعلمية فيهما على موضوع واحد ، كما لا يخفى.

وهذا البيان لا يختص بأدلّة الاصول العملية غير التنزيلية ، بل يشمل التنزيلية أيضاً ، ويشمل دليل الاستصحاب أيضاً ، حتى إذا قلنا فيه بجعل العلمية ، فإنّه بلسان التعبد ببقاء اليقين السابق كلما لم يعلم المكلف بيقين آخر ، ودليل الأمر يعبدنا بتحقق اليقين الآخر ، أي اليقين بالخلاف ، ولا يستفاد من دليل لا تنقض التعبد بعدم كون الأمارة يقيناً لا بالمطابقة ولا بالالتزام ؛ لأنّ غاية ما يلزم من التعبد ببقاء اليقين السابق عدم منجزية أو معذرية غير اليقين لا التعبد بعدم علميته ، وهذا لعمري واضح ، فالأولى الإجابة على دعوى الحكومة بما ذكرناه.

٣٥٤

ص ٣٥٠ قوله : ( الجهة الاولى ... ).

يمكن أن يناقش في الوجه الأوّل : بأنّ حجّية الامارة الترخيصية تختلف في الثمرة عن حجّية البراءة من حيث كونها محرزة للحكم الواقعي وآثارها أو تقوم مقام القطع الموضوعي في الآثار ، أو من حيث تقدمها على الاستصحابات الالزامية ، بخلاف البراءة الشرعية ، بل الحكم الترخيصي الامارتي حيث يكون بملاك قوّة الاحتمال ، فيختلف ذاتاً عن الحكم الترخيصي بملاك نوع المحتمل ، فلا لغوية.

إلاّ انّ هذا الاشكال يمكن الاجابة عليه بعدم كفاية هذا المقدار لدفع اللغوية العرفية.

ثمّ انّ هنا جوابين آخرين :

أحدهما : عدم احتمال الفرق في حجّية الامارة من خبر ثقة أو ظهور بين الترخيصي منهما والالزامي لأنّ ملاك الحجّية هو الكاشفية وقوّة الاحتمال محضا ، وهذا لا يفرق فيه بين النوع الالزامي من الحكم أو الترخيص ، فلا احتمال للفرق عقلائياً ولا شرعاً وفقهياً فيكون دليل حجّية الامارة بحكم الأخص مطلقاً.

الثاني : انّ دليل حجّية الامارة كالخبر حيث انّه قطعي الصدور لكونه الكتاب الكريم أو الروايات المستفيضة ففي مورد الاجتماع يسقط إطلاق حديث الرفع ونحوه من أدلّة البراءة والحل ، وهذا الجواب إنّما يتم إذا لم يتم دليل من الكتاب الكريم على البراءة الشرعية أصلاً أو ان تمّ فعلى البراءة الشرعية بمستوى البراءة العقلية المحكومة للحجة على الالزام.

٣٥٥

وهذا الجواب قد أشار إليه السيد الشهيد في وجه تقديم الأمارة على قاعدة الطهارة في الجهة الثالثة ، وأشار إلى أنّ بعض الوجوه المذكورة هناك يجري أيضاً في الجهات السابقة.

ثمّ انّه لا يمكن أن يقال انّ حجّية البراءة أو الحل تثبت بحجية الامارة الدالة عليها أي خبر الثقة والظهور فكيف يمكن أن يجعل معارضاً مع أدلّة حجّية الامارة إذ يلزم من وجودها عدمها.

فإنّه يقال : انّ شمول دليل حجّية الخبر لما دلّ على البراءة أو الحل يجعله مخصّصاً لاطلاق دليل حجّية كل خبر ، فيخرج منه الخبر الالزامي ، وهذا لا محذور فيه ، كما إذا ثبت اشتراط أن لا يكون الخبر مخالفاً مع الكتاب بخبر الواحد ، فإنّه يؤخذ به ويقيد به إطلاق ما يدل على حجّية خبر الواحد بلا محذور.

ص ٣٥٠ قوله : ( الجهة الثانية ... ).

هذا الجواب غير تام إذ ما أكثر موارد الامارات على الأحكام الترخيصية والتي ليس في موردها استصحاب الزامي ، فإنّه وإن كانت الحالة السابقة لذلك الحكم الترخيصي المفاد للامارة عدمية إلاّ انّه لا يجري فيه الاستصحاب في نفسه لعدم ترتب التنجيز على استصحاب عدم الترخيص إذ لا يثبت به الالزام ، بل الجاري استصحاب عدم الالزام لاثبات التأمين كالامارة الترخيصية.

كما انّ الجواب الأوّل في الجهة الاولى لا موضوع له هنا ؛ لعدم لزوم اللغوية الناشئة من كون الشك المأخوذ جزء الموضوع لحجية الأمارة كافياً ، فإنّ هذا لا يلزم من تقديم الاستصحاب على الأمارة ؛ لأنّه في مورد تطابق الأمارة

٣٥٦

والاستصحاب لا يكون الشك كافياً بل كل من اليقين السابق أو الأمارة يكون حجة مستقلة عن الاخرى.

نعم ، يمكن تتميم الوجهين الثاني والثالث في الجهة السابقة في المقام أيضاً ؛ لأنّ موارد الخبر الالزامي الموجب للانذار والحذر والاحتياط دائماً أو غالباً يكون فيه استصحاب عدم جعل ذلك الالزام في الشبهات الحكمية ، فيكون دليل حجّية خبر الثقة فيها بحكم الأخص والمتيقن من ذلك الدليل اللفظي أو اللبي على حجّية الأمارة ، فإذا ضمّ إلى ذلك عدم احتمال الفرق في تقدم الأمارة على الاستصحاب بين الاستصحاب الترخيصي والالزامي ثبت التقديم بحكم الأخصية.

ولعل هذا روح مقصود السيد الشهيد قدس‌سره وإن كانت عبارة التقريرين معاً قاصرة عن افادة ذلك.

ص ٣٥٥ قوله : ( الكلمة الثانية ... ).

يرد على مدعي حكومة الأصل السببي على المسببي :

أوّلاً ـ عدم صحة مبنى الحكومة كما تقدم في بحث الأمارات مع الاصول ـ وهذا مذكور في الكتاب ـ.

وثانياً ـ لو سلم جعل العلمية في الاصول المحرزة كالاستصحاب ، فمن الواضح أنه بمقدار المشكوك وهو طهارة الماء المغسول به الثوب لا آثاره الشرعية ؛ لوضوح أنّها تترتب باعتبار قيام الاستصحاب مقام القطع الطريقي بلحاظ مؤداه بلا لزوم التعبد بعلمية الشك في ذلك الأثر وهو طهارة الثوب المغسول به ونجاسته ، ولا ملازمة بين التعبد بعلمية الشك في طهارة الماء والتعبد

٣٥٧

بعملية الشك في طهارة الثوب المغسول به بل الأمر بالعكس حيث انّ الأصل المسببي إذا كان محرزاً يرفع موضوع الشك في أثر الأصل السبي فلا يكون حجة لاشتراط الشك في ترتيب كل أثر أثر على مؤدى كل أصل أيضاً فيكون الاستصحاب في المسبب حاكماً على الأصل السببي بلحاظ ترتيب هذا الأثر من آثاره.

وثالثاً ـ النقض المذكور في الكتاب بالاصول غير المحرزة الجارية في السبب.

ورابعاً ـ لو فرضنا الأصل في السبب والمسبّب كلاهما محرزاً كاستصحاب الطهارة في الماء واستصحاب النجاسة في الثوب المغسول به ، وافترضنا استفادة جعل العلمية والرفع التعبدي للشك من دليل الاستصحاب حتى بلحاظ آثار المستصحب ومسبّباته الشرعية الطولية ، مع ذلك قلنا لا وجه لتقديم الأصل السببي على المسبّبي ؛ لأنّ كلاً منهما يعبّدنا بالعلمية بلحاظ الأثر والمسبب الشرعي ، فالأصل السببي يقول : أنت عالم بطهارة الثوب المغسول ، والأصل المسببي يقول : أنت عالم بنجاسته ، فلماذا يتقدم أحدهما على الآخر ، ومجرّد عدم ارتفاع موضوع الأصل السببي بلحاظ السبب لا يوجب التقدم ، فإنّ التعارض بلحاظ الأثر والمسبب بين الأصلين لا أكثر ، وبالنسبة إليه لابد وأن يكون أحدهما رافعاً لموضوع الآخر دون العكس ، وليس كذلك في المقام ـ وهذا الجواب أيضاً غير مذكور في الكتاب ـ. كما انّه يصح الجواب الثاني من الجوابين اللذان أضفناهما إذا فرض انّ دليل حجّية الاستصحاب وهو الروايات المتقدمة لا تبلغ حدّ الاستفاضة والقطع أو الاطمئنان بصدور بعضها اجمالاً كما هو كذلك ، إلاّ أنّه من التعارض والتساقط لا التقديم بملاك القرينية.

٣٥٨

ص ٣٥٦ قوله : ( ومنها ـ ما يختص بتقدم أصالة الطهارة السببي ... ).

يرد عليه : ما ذكرناه الآن من عدم لزوم اللغوية ؛ إذ ليست الآثار الترخيصية الاخرى المترتبة على الطهارة كلّها مما يجري في نفيها الاستصحاب وإن كانت لها حالة سابقة عدمية ، كجواز لبس الثوب المشكوك في الصلاة أو طهارة ملاقي المشكوك نجاسته وغير ذلك.

نعم ، هذا الكلام يتم في خصوص دليل قاعدة الطهارة الجارية في المياه ؛ لأنّها تكون ناظرة إلى التطهير بها من الخبث والحدث ولا يحتمل أن تكون مخصوصة بخصوص جواز الشرب والحالة السابقة في موارد التطهير بلحاظ الأصل المسببي هو استصحاب بقاء النجاسة والحدث دائماً إلاّفي موارد توارد الحالتين النادرة.

ص ٣٥٧ قوله : ( ومنها : ما يتم في كل أصل سببي ... ).

هذا الوجه مما لا نفهمه ، فإنّ ترتيب أثر المسبب ليس نكتة تقتضي تقديم دليل الأصل السببي على الأصل المسببي الذي هو أيضاً حكم ظاهري آخر قد تمّ موضوعه في المسبّب ، فهذا البيان غير مفهوم.

والتحقيق أن يقال : بالامكان بيان وجه ثبوتي لتقديم الأصل السببي حتى غير المحرز على الأصل المسببي بأحد تقريبين آخرين :

١ ـ انّ المسبب المستصحب كان مغيى في نفسه بعدم تحقق السبب الرافع له ، فالنجاسة في الثوب المغسول قبل الغسل كانت مغياة بما إذا لم يغسل بماء طاهر ، والاستصحاب ابقاء لهذه النجاسة لا لنجاسة مطلقة ، ومن الواضح انّ اثبات

٣٥٩

الحكم المغيى بعدم الرافع ظاهراً لا يعارض ما يثبت تحقق الرافع والمعلّق على عدمه.

وهذا التقريب قد يجاب عليه : بأنّ المستصحب إنّما هو الحكم الفعلي والتنجيزي ، لا التعليقي ، وهو يعارض الأثر الفعلي المترتب على الأصل السببي.

٢ ـ في الشبهات الموضوعية ـ والأصل المسببي الشرعي يكون منها دائماً ـ إنّما يراد تنجيز الحكم أو تعذيره من ناحية الموضوع والصغرى لا الجعل والكبرى ، إذ لا شك فيها ، فإذا أحرزنا مثلاً كبرى نجاسة الملاقي مع ما يكون نجساً وأحرزنا بالأصل السببي نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ فاستصحاب بقاء الطهارة في الملاقى ـ أي الأصل المسببي ـ إن اريد به التأمين عن نجاسة اخرى فلا فائدة فيه أوّلاً ، وليست محتملة ثانياً ، وإذا اريد به التأمين عن النجاسة المحرزة كبراها بالوجدان وصغراها بالأصل السببي فهو لغو وغير معقول ؛ لأنّ احراز الكبرى والصغرى كافٍ في التنجيز ، فما لم يرتفع أحد الاحرازين لا يرتفع التنجيز ولا يجدي عدم التنجيز أو التأمين من ناحية الشك في المسبّب الفعلي والذي هو أمر وهمي تصوري لا تصديقي.

نعم ، إذا لم يكن الأصل السببي جارياً ومحرزاً للصغرى جرى الأصل المسببي وأثر في التأمين أو التنجيز من ناحية الحكم الفعلي ، وهذا يعني انّ الأصل المسببي إنّما ينفع في التنجيز أو التعذير للحكم المشكوك إذا لم يكن الأصل السببي جارياً ، والله الهادي للصواب.

٣٦٠