أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

١
٢

٣
٤

تعليقات على الجزء الرابع

الحج والأمارات

تقسيم الحجج

حجّية القطع

التجرّي

الموافقة الالتزامية

حجّية الدليل العقلي

منجزيّة العلم الإجمالي

حجّية الظنّ

حجّية السيرة

حجّية خبر الواحد

٥
٦

تقسيم الحجج

ص ٧ قوله : ( البحث الأوّل : انّ الشيخ جعل المقسم المكلّف ... ).

المهم هنا هو البحث عن المقسم من ناحيتين :

الاولى : هل يشمل المقسم المكلف العقلي الشامل للصبي المميز والمدرك القابل لتكليفه بشيء أم يختص بالمكلف الشرعي ، أعني البالغ كما هو ظاهر تقسيم صاحب الكفاية قدس‌سره.

الثانية : هل يشمل المقسم المجتهد والمقلّد أو يختصّ بالأوّل كما عليه المحقّق النائيني قدس‌سره.

أمّا الناحية الاولى : فالصحيح انّ المقسم هو المكلف العقلي ؛ لأنّ الأقسام الثلاثة تحصل له على حدّ المكلف الشرعي ولابد له من الخروج عن عهدتها اجتهاداً أو تقليداً أو احتياطاً.

ودعوى : وضوح عدم التكليف في حق غير البالغ وكونه من المسلمات والضروريات التي لا نحتاج إلى تعليل أو اجتهاد أو احتياط.

٧

مدفوعة : بأنّ ذلك لا يبرر اخراجه عن المقسم وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ بعض الأحكام التي يقطع بها المكلف الشرعي أيضاً قد يكون كذلك أي من المسلمات والضروريات ، فليكن هذا الحكم منها ويدخل في قسم القطع بالحكم من دون وجه في تخصيص المقسم بالمكلف الشرعي.

نعم ، لو فرضنا خروج القطع عن مباحث علم الاصول وتقسيمات مباحثه لم يتم هذا الجواب. وهذا هو المراد بالعبارة في الكتاب ( خصوصاً مع كون مسألة حجّية القطع ليست اصولية ).

وثانياً ـ انّ المسلّم والضروري أصل شرطية البلوغ وهذا لا يمنع عن لزوم الاجتهاد أو التقليد في تفاصيل ذلك في بعض الموارد ، وأهمها الموارد الثلاثة المذكورة في الكتاب. ثمّ انّه لا يتوهم بأنّ أدلّة الاصول العملية أيضاً تكون مقيدة بأدلّة رفع القلم في حق الصبي ، فإنّه يقال :

أوّلاً : لا وجه لذلك بالنسبة إلى الاصول العملية الترخيصية ، لأنّ دليل رفع القلم عن الصبي يرفع ما فيه الكلفة لا كل تشريع لكونه امتنانياً.

وثانياً : لو فرض فبعد فرض اجمال دليل رفع القلم حيث انّ الاصول العملية أدلّتها لفظية صحّ التمسك باطلاقاتها.

وثالثاً : لو فرض عدم الدليل اللفظي المطلق في مورد بعضها نرجع إلى الاصول المؤمنة العقلية كالبراءة على القول بها.

ص ٩ قوله : ( المقام الأوّل في منهجية التقسيم ... ).

يمكن المناقشة فيه بأنّ نظر الاصوليين في هذا التقسيم إلى الظن والشك

٨

الواقعين موضوعاً للحجية والاعتبار الشرعي في مقام استنباط الحكم الشرعي أو الانتهاء إلى الوظيفة العملية في الفقه وليست حجّية الفتوى مما يقع في قياس الاستنباط كما هو واضح. فأصل التقسيم وإن كان معقولاً في حقه ولكنه خارج عن المقسم بهذا الاعتبار.

نعم لو فرض (١) انّ الأحكام الظاهرية كانت حجة في حق المقلّد والمجتهد معاً ثبوتاً وواقعاً لم يكن وجه لتخصيص المقسم بالمجتهد.

ص ١١ قوله : ( وثالثاً ـ حتى بناءً على المسالك ... ).

قد يناقش في هذا الجواب بما في حاشية السيد الحائري من أنّ تنزيل الامارة منزلة العلم ظاهر عرفاً في التنزيل منزلة العلم العرفي والاعتيادي والذي هو العلم عن خبرة.

وفيه : انّه إذا فرض ورود دليل على تنزيل الامارة منزلة القطع الموضوعي ابتداءً فقد يتم مثل هذا الاشكال عندئذٍ ، ولكنه ليس كذلك بل الأثر الموضوعي للقطع لعله نادر أو غير معهود في الموالي العقلائية وإنّما هو من أحكام الشارع ، وترتيبه في موارد الامارات عند الميرزا يكون من جهة الإطلاق في أدلّة

__________________

(١) بل حتى على هذا الفرض لابد من اخراج المقلّد عن المقسم لأنّ المنظور إليه الظن أو الشك المعتبرين لاستنباط الحكم الكلي عن دليله التفصيلي على ما تقدم في تعريف الاصول وما يثبت بدليل التقليد للمقلد من أحكام الظن والشك ليس كذلك وإنّما هو بمقدار حكم نفسه لكونه مقلداً لذلك المجتهد ، وسيأتي توضيح ذلك.

نعم ، هذا البحث أعني عموم الأحكام الظاهرية في موارد القواعد الاصولية للمجتهد والمقلد مؤثر في بحث آخر هو تخريج عملية الإفتاء الذي هو المقام الثاني.

٩

الحجّية المتعرضة لقيامها مقام القطع الطريقي وآثاره ابتداءً حيث يقال انّه يتحقق مصداق من العلم لدى الشارع فيترتب عليه أثره الموضوعي أيضاً إذا كان له أثر موضوعي.

ومن الواضح انّ هذا الإطلاق والدلالة لا يقتضي أكثر من ترتيب الأثر الموضوعي المترتب على العلم بما هو طريق لا بما هو خبرة أي طريق خاص ، فإنّ هذه الخصوصية حيثية صفتية لا محالة لا يمكن استفادة التنزيل بلحاظها من الدلالة الاطلاقية.

ثمّ إنّ هنا اعتراضاً أساسياً على أصل هذا التقريب أولى من الاعتراضات المذكورة ، حاصله : انّ هذا التقريب أيضاً لا يمكنه تخريج عملية الافتاء وحجّية الفتوى على القاعدة ومن باب رجوع الجاهل إلى العالم في حكم مشترك بينهما بلا افتراض عناية زائدة وايجاد موضوع للحكم الذي يراد التقليد فيه. وذلك لأنّه بعد فرض اختصاص الأحكام الظاهرية بالمجتهد تكون العلمية مخصوصة به فهو يرتب ما له من الأثر الموضوعي في مورد الامارة كجواز الافتاء ، وامّا حجّية الفتوى للمقلّد فهو أثر شرعي موضوعه المقلّد لا المجتهد ولا يثبت بدليل جعل الامارة علماً للمجتهد واثباته بدليل حجّية الفتوى دور ؛ لأنّ المفروض توقفه على كون المجتهد عالماً بالواقع امّا وجداناً أو بتعبد ثابت في حق المقلد وهو خلف فرض اختصاص ذلك الحكم الظاهري ـ سواء كان بلسان جعل الطريقية والعلمية أو غيرها ـ بالمجتهد.

فالحاصل : تنزيل علم المجتهد التعبدي أي قيام الخبر الواصل إليه منزلة العلم الوجداني بالواقع في جواز رجوع المقلّد إليه لابد أن يثبت في حق المقلّد لكي

١٠

يقوم مقامه في الأثر الموضوعي وهو جواز التقليد واثبات الحكم الواقعي المشترك بينهما به الذي هو معنى حجّية قول العالم للجاهل. وثبوت ذلك للمقلد فرع ثبوت مفاد دليل صدق العادل الذي هو الحكم الظاهري المعبر عنه عند الميرزا بجعل الطريقية والعلمية في حق المقلّد والذي لو ثبت في حقه لم يكن يحتاج إلى جعل العلمية بل كان نفس الحكم الظاهري باخبار المجتهد عن موضوعه ثابتاً في حق المقلّد ولو لم يكن لسان الدليل جعل العلمية ، أمّا إذا ادّعي اختصاصه بالمجتهد كما هو مدعى الميرزا قدس‌سره في المقام فلا يترتب أثر القطع الموضوعي لعلم العالم بالواقع الثابت في حق المجتهد ، وهو حجيته عليه في حق المقلّد ، وهذا واضح.

وبعبارة مختصرة : المفروض انّ الحكم الظاهري مخصوص بالمجتهد فمهما كان لسانه والآثار الطريقية أو الموضوعية المترتبة عليه سوف تكون تلك الآثار والأحكام مخصوصة بأحكام المجتهد لا المقلّد إلاّ إذا كان ذلك الحكم الظاهري ثابتاً في حق المقلّد أيضاً كالأحكام الواقعية.

ص ١٢ قوله : ( وهناك تقريب ثان لعلاج مشكلة الافتاء ... ).

حاصله : أنّ دليل التقليد بنفسه وبلا حاجة إلى فرض عناية التنزيل يقوم بتنقيح موضوع نفسه كالاخبار مع الواسطة ؛ لأنّ التقليد في كل مسألة يرجع إلى التقليد في موضوع حكم ظاهري للمقلّد بحسب الحقيقة ، فالمقلد يرجع إلى المجتهد في ثبوت الحالة السابقة الوجدانية للمجتهد فينتج موضوع جريان الاستصحاب في حق المقلّد لأنّ المراد باليقين السابق في دليل الاستصحاب ما يعمّ العلم التعبدي وكذلك الحال في موارد العلم الإجمالي.

١١

ويبقى الفحص فيقال بأنّ فحص كل شخص بحسبه وفي الامارات أيضاً يقال بأنّ المجتهد يفتيه بوجود الخبر الموضوع للحكم الظاهري فيوصله بذلك إلى المقلّد وكذلك يوصل إليه كبرى حجّية الخبر فيكون حجة في حقه بعد تحقق تقليده للمجتهد في الصغرى والموضوع أي محققاً لاطلاق جديد وفرد جديد من الحكم الظاهري نظير الفرد الثابت في حق المجتهد.

وفي الاصول العملية يكون الشك حاصلاً للمكلف أيضاً ، فإذا كان حكمه البراءة أفتاه بالكبرى وبعدم وجود حاكم عليها والصغرى متحققة عنده فتثبت البراءة ، وإذا كان الاحتياط الشرعي فكذلك والعقلي يكفي فيه عدم حكم المجتهد له بالبراءة وهكذا تتحقق عملية الرجوع إلى المجتهد بنحو طولي دائماً.

وهذا لا ينافي فرض اختصاص الأحكام الظاهرية بالمجتهدين ؛ لأنّ المجتهد لم يفت المقلّد بالحكم الظاهري بل بموضوعه كالخبر فوصل بذلك إليه وهو أمر واقعي مشترك ، وبحكمه وهو مقطوع به على تقدير تحقق موضوعه وهو الخبر بحسب الفرض. فهذا الوجه تام حتى على القول بالاختصاص.

وقد ناقش فيه الاستاذ بمناقشتين :

اولاهما ـ أنّ الفحص اللازم في حجّية الخبر أو الاستصحاب أو غيرهما لا يكفي فيه فحص المقلّد عن فتوى المجتهد بل لابد في حجّية الخبر أو أي أصل أو أمارة اخرى من الفحص عما يكون مقدماً عليها أو معارضاً معها من الأدلّة الفقهية وهذا لا يتأتى من المقلّد.

إلاّ أنّ هذه المناقشة سوف يجيب عنها الاستاذ في المسألة الثالثة من امكان

١٢

تقليد العامي للمجتهد في مسألة الفحص أيضاً لكون المراد به أمراً واقعياً مشتركاً بين العامي والمجتهد.

الثانية ـ أنّ هذا الوجه يستلزم أن لا يجوز للمجتهد أن يفتي المقلّد بالنتيجة الظاهرية الثابتة في حقه مع قطع النظر عن تقليد العامي له في المرتبة السابقة في موضوع تلك الوظيفة إذ لو لم تكن فتوى المجتهد حجة في حق ذلك المقلّد في موضوع تلك الوظيفة بأن رجع المقلّد فيه إلى المجتهد لم تكن تلك الوظيفة ثابتة في حق المقلّد حقيقةً فلا يجوز المجتهد أن يفتيه بها لكونه كذباً وخلافاً للواقع ، وهذا خلاف الارتكاز المسلم به من أنّ المجتهد له أن يفتي بما يراه الوظيفة الشرعية لكونه يراها هي الوظيفة حتى في حق من لم يرجع إليه أو لا يجوز له الرجوع إليه وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ الوظائف الظاهرية كالأحكام الواقعية مشتركة بينهما ولا يجدي في دفع هذا الاشكال أن يقول المجتهد هذا حكم الله في حقي وحق من يجوز له تقليدي فإنّه ليس حكم الله إلاّفي حق من قلّده بالفعل لا من يجوز له تقليده ولو لم يقلده فيكون الاشتراك في طول التقليد بحيث لا يمكنه افتاء من لم يقلّده مثلاً لكونه كذباً وخلاف الواقع وهذا خلاف كون التقليد رجوعاً إلى العالم فيما هو مشترك بينهما مع قطع النظر عن التقليد وأنّه يرى حكمه حكماً لكل مكلف سواءً قلّده أم لا ولهذا يجوز الافتاء به وإن لم يجز للغير الرجوع إليه.

وإن شئت قلت : أنّ المشكلة بالدقة ليست في كيفية الافتاء ـ وإن كان ظاهر كلام الاستاذ ذلك أيضاً ـ فإنّه يمكن للمجتهد أن يفتي العامي حتى الذي لا يجوز له تقليده بالحكم الواقعي إذا كان قد حصل لديه أمارة أو أصل تنزيلي عليه وهو مشترك بحسب الفرض بينهما فإنّ لازم قيام ذلك عنده جواز اسناد مؤداه إلى

١٣

الشارع وأنّه هو الحكم الواقعي المشترك بين الجميع بحسب الفرض امّا لقيامها مقام العلم الموضوعي أو لكون جواز الاسناد وموضوعه الواقع.

نعم ، في موارد الأحكام الظاهرية العملية غير التنزيلية يبقى الاشكال حيث انّ من لم يرجع إلى هذا المجتهد وتقليده لا يثبت في حقه ذلك الحكم الظاهري الذي استنبطه ولو لعدم وصوله إلى ذلك العامي وسوف يأتي حل لذلك.

وإنّما الاشكال في نفس عملية التقليد وحجّية فتواه للمقلّد فإنّ دليل الحجّية تجعل الحكم المشترك الذي علم به المجتهد الخبير منجزاً وحجة على المقلّد أيضاً وفي المقام إذا اريد ارجاع العامي إلى المجتهد في الحكم الواقعي الذي بحسب الفرض جاز له الافتاء بعنوانه ـ لقيام الحجة عليه عنده ـ فالمفروض انّه غير خبير ولا عالم به وإن اريد ارجاعه إليه في الوظيفة الظاهرية الثابتة عليه فهو غير مشترك بينهما مع قطع النظر عن التقليد في المرتبة السابقة المحقّق لموضوع ذلك الحكم الظاهري في حق المقلّد ، فيكون التقليد محققاً لهذا الحكم وموجباً لاشتراكه بينهما لا انّ هناك اشتراكاً في المرتبة السابقة خصوصاً إذا قلنا باختصاص الحكم الظاهري بالوصول كبرى وصغرى فيكون الاشتراك في طول التقليد في الصغرى والكبرى معاً بل ليس اشتراكاً بحسب الحقيقة بل تحقيق فرد آخر من الحكم الظاهري. فهذا ما لا يقتضيه دليل التقليد خصوصاً السيرة العقلائية.

ومنه يعرف انّ الاشكال الأساسي مخالفة هذه النكتة لأصل التقليد الموجب لحرماننا من دليل السيرة العقلائية الذي هو أهم دليل على التقليد ، فإنّه يقتضي الرجوع إلى العالم في الحكم المشترك في المرتبة السابقة على التقليد.

١٤

مراجعة جديدة للبحث :

البحث عن انّ المقسم هل يختص بالمكلف المجتهد أو يعمّ المقلّد؟ ينبغي ايراده في جهات :

الاولى : امكانية هذا التقسيم في حق غير المجتهد في نفسه ، ولا ينبغي الاشكال فيه لأنّه هو أيضاً كالمجتهد قد يقطع بحكم شرعي واقعي ضروري وقد لا يقطع وإنّما يحصل له ظن معتبر مقطوع الحجّية كالظن الحاصل من قول مقلَّده ، وقد يجري استصحاب بقاء فتوى مقلَّده وعدم عدوله عنه. وقد يثبت فتوى مقلّده بخبر الثقة العدل بناءً على كفايته فيه وقد يجري أصالة الظهور في كلام مقلّده.

الثانية : انّ مقصود الاصولي من المقسم لابد وأن يكون خصوص المجتهد لا الأعم ؛ لأنّ نظره في التقسيم إلى الوظائف المقررة التي تقع في كبرى قياس الاستنباط ، ولهذا لا يبحث في علم الاصول في بحث الظن عن حجّية الفتوى. وأمّا حجّية ظهور كلام المجتهد للمقلد أو استصحاب بقاء رأيه وعدم عدوله عن فتواه فهي مجاري لُاصول موضوعية بحسب الدقة لا حكمية ، أي تثبت الموضوع الخارجي وهو ما هو رأي ونظر المفتي.

إذاً فالتقسيم بلحاظ الوظائف المقررة في كبرى قياس الاستنباط وهي لا تكون للمقلّد.

وإن شئت قلت : انّ الوظائف الظاهرية التي يجريها المقلّد في طول الفتوى لاحرازها كلها وظائف ظاهرية في شبهة موضوعية لا حكمية كلية ، وامّا نفس حجّية فتوى المجتهد واخباره عن الحكم الكلي فهي وإن كانت وظيفة ظاهرية

١٥

في شبهة حكمية كلية للمقلد إلاّ انّه ليس استنباطاً للحكم الشرعي بل وظيفة عملية لمن لا يريد بنفسه الوصول إلى الحكم الشرعي ، ولهذا يكون في طول التقليد ولخصوص من قلّد ذلك المجتهد حتى بنظر المقلّد نفسه فهو لا يراه حكماً عاماً لكل أحد بخلاف الوظائف الاصولية المقرّرة كحجية الخبر مثلاً ،

الثالثة : الوظائف الظاهرية المقرّرة في الاصول هل يختص موضوعها بالمجتهد أو يعم المقلّد واقعاً وإن كان لا يمكنه أن يستفيد منها؟ ولا اشكال هنا في عدم أخذ قيد المجتهد في موضوعها وإنّما توهم الاختصاص من ناحية انّ موضوعاتها قد اخذ فيها قيود لا تتيسر للمقلّد كالفحص عن عدم المعارض أو الحاكم أو عدم الدليل على الالزام في البراءة ، أو اليقين السابق في الاستصحاب بل الوصول والعلم بالحكم الظاهري بناءً على شرطيته في كل وظيفة ظاهرية.

والصحيح عدم الاختصاص حتى بهذا المعنى ، إذ الوصول والعلم ليس قيداً حتى في الحكم الظاهري وإن كان شرطاً في التنجيز والتعذير. لما يأتي من وجود مبادئ حقيقية للحكم الظاهري ولو فرض قيديته فالقيد هو مطلق الوصول الأعم من العلمي والتعبدي وهذا ممكن في حق المقلّد ولو من جهة التقليد.

واليقين السابق ليس شرطاً في الحكم بالاستصحاب وإنّما الشرط واقع الحالة السابقة والفحص ليس له موضوعية بل هو طريق إلى عدم وجود المعارض أو الحاكم في معرض الوصول على ما هو مبيّن في الكتاب.

إلاّ أنّ هذا لا يعني امكان استفادة المقلّد وتطبيقه بنفسه لتلك القواعد الظاهرية مباشرة لأنّه لا طريق له إلى احراز الحالة السابقة أو احراز عدم وجود المعارض والحاكم إلاّدليل التقليد وهو لا يقتضي ذلك ، فإنّه لا يقتضي حجّية نظر المجتهد

١٦

لمن يريد استنباط حكم شرعي كلي وإنّما غايتة حجّية نظر المجتهد لمن يريد التقليد في النتيجة النهائية ، وإلاّ كان فحص كل مجتهد حجة للمجتهد الآخر ، وهو كما ترى.

الرابعة : في كيفية تخريج عملية الافتاء والتقليد والذي هو من باب رجوع الجاهل إلى الخبير والعالم بحكم مشترك بينهما. فإنّه بعد أن كانت تلك الوظائف المقررة مقيدة لباً بقيود لا تتحقق عادة في حق المقلد فبماذا يفتي المقلّد هل يفتيه بالحكم الواقعي؟ أو بالوظيفة الظاهرية؟ والأوّل خلف فرض عدم علمه به ـ في موارد تلك الوظائف الظاهرية ـ والثاني المفروض اختصاص موضوعاتها لباً بالمجتهد لا المقلّد. ويزداد الاشكال في الأحكام المتعلقة بغيره التي ليست متعلقة في حق المجتهد لعدم ابتلائه بموضوعها فإنّها لا وظيفة ظاهرية ولا حكم فعلي في حقه أيضاً فبماذا يفتي؟

وقد اجيب عنه بوجوه :

١ ـ ما نسب إلى الشيخ من استفادة النيابة والتنزيل من دليل التقليد فشك المجتهد ويقينه وظنه وفحصه منزل منزلة الشك واليقين والظن للمقلد.

وفيه : عدم الدليل على استفادة مثل هذا التنزيل من أدلّة التقليد خصوصاً إذا كان مهم الدليل عليه السيرة العقلائية والأدلّة اللفظية امضائية لها إلاّ إذا انحصر الأمر في ذلك بحيث لم يكن وجه آخر محتمل فتتشكل دلالة الاقتضاء مثلاً. على انّ لازمه عدم امكان افتائه لغير من قلّده بالفعل وهو خلاف الارتكاز كما ذكر في الكتاب.

٢ ـ ما ذكره السيد الخوئي في الأمارات والاصول التنزيلية كالاستصحاب من

١٧

إمكان الافتاء بالواقع لكونه ببركة ذلك يصبح عالماً تعبداً به وإن كان متعلقاً بحكم غير المجتهد ، نعم في الاستصحاب في مثل نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره بحيث يكون للمقلد أيضاً يقين سابق ولو بالتقليد بالنجاسة وشك لاحق يمكن أن يفتيه بالحكم الظاهري.

وأمّا في الاصول غير التنزيلية كالاحتياط والتخيير والبراءة فيفتيه بالحكم الظاهري لاشتراكه ولو بعد فحصه بنفسه وعدم وجدان الدليل على الالزام ، لا الواقع لعدم جريان البراءة في حق المجتهد إذا كان غير مبتلى به ولو جرى لم يكن علماً تعبدياً.

ويرد عليه الوجوه الثلاثة في الكتاب. ولو فرض تغيير المبنى وافتراض انّ الافتاء بالواقع موضوعه الواقع لا العلم والامارة أو الأصل التنزيلي يثبته بحسب الفرض ارتفع الاشكالات كلها.

إلاّ أنّ هنا اشكالاً رابعاً متجهاً على كلا التقديرين والتقريرين وهو روح الاشكال ، وحاصله : انّ قصارى ما ذكر جواز الافتاء والاخبار للمجتهد بالواقع وامّا التقليد والرجوع إلى المجتهد لا يكون من باب الرجوع إلى الخبير في أمر مشترك بينهما إذ لو اريد الرجوع إليه في الحكم الواقعي فالمفروض انّه لا خبرة حقيقية للمجتهد به ـ والذي هو ملاك السيرة العقلائية لا عنوان الخبرة ليقال بحصول التنزيل والاعتبار فيه ـ وإن جاز له الافتاء به تكليفاً كما إذا جاز شرعاً الاخبار بلا علم أصلاً فإنّ هذا لا يجعل المجتهد خبيراً.

ودعوى : انّ مفاد ومدلول ذلك الحكم الظاهري عام ومشترك بين المقلد والمجتهد بخلاف الحكم الواقعي المختص كالقضاء والافتاء.

١٨

مدفوعة : بأنّ هذا مجرد لسان وصياغة للحكم الظاهري ليس واقعه إلاّتنجيز أو تعذير شرعي ظاهري عن الواقع وهو منوط بموضوعه كما لا يخفى.

وإن كان المقصود الرجوع إليه في الحكم الظاهري والوظيفة التي شخّصها حقيقة بخبرته وعلمه فالمفروض انّه مختص به موضوعاً.

وهكذا يتضح انّه لابد من التفكيك بين مسألة جواز الافتاء بالواقع في موارد بعض تلك الوظائف المقررة وبين مسألة جواز التقليد والرجوع إليه فيه بعنوان كونه خبيراً بحكم مشترك بينهما فتدبر جيداً.

كما انّه يرد على ما في ذيل كلامه من انّه كيف يكون المقلد مجرىً للبراءة مع فرض تقيدها بالفحص ولم يفحص المقلد؟ وكذلك في الاستصحاب فلابد من التنزيل الذي لا دليل عليه.

٣ ـ أن يقلّده في موضوع الحكم الظاهري والوظيفة الشرعية المقررة كأن يقلده في حكمه بنجاسة الماء المتغير بالنجاسة مثلاً ، ثمّ هو يجري استصحاب بقاء النجاسة إلى ما بعد زوال التغيّر ، لا انّه يقلده في ذلك أيضاً ـ كما لو كان المجتهد لا يرى مثلاً جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ـ أو يقلده فيه أيضاً لو كان يقول بجريانه ، فيكون موضوع الحكم الاستصحابي وهو اليقين السابق ولو تعبداً أو واقع الحالة السابقة ـ بناءً على كفاية الحدوث في جريان الاستصحاب ـ محرزاً له بالتقليد السابق ؛ ومثله لو قلده في موضوع أصالة الاحتياط من العلم الإجمالي بالتكليف غاية الأمر يكون للمقلد علماً اجمالياً تعبدياً لا وجدانياً.

وهكذا فيصبح في طول التقليد في حكم واقعي موضوعاً لنفس الوظيفة

١٩

الظاهرية.

وهذا الوجه فيه المحذور الأوّل من المحذورين المتقدمين على الوجه الأوّل وهو عدم إمكان افتاء المجتهد لمن لم يقلده في المرتبة السابقة وهو خلاف الارتكاز ؛ كما انّ فيه محذور آخر حاصله انّ المقلد لو أراد أن يطبق كبرى الوظيفة الظاهرية بنفسه ابتداءً فدليل التقليد في موضوعها لا يشمله كما تقدم ، وإذا أراد أن يقلد المجتهد في الكبرى وانطباقه عليه في الموارد من سائر النواحي كالفحص وعدم الحاكم ونحوه فهذا فرع واقعية الحكم الظاهري من تلك النواحي فيتوقف على ما سيأتي في الوجه القادم من عدم اختصاص الأحكام الظاهرية المقررة بالمجتهد.

٤ ـ أن يقلده في الحكم الظاهري لكونه حكماً واقعياً له موضوع واقعي يحرزه المجتهد للمقلد إلاّمن ناحية الشك بمعنى عدم العلم وهو محفوظ لدى المقلد أيضاً في غير مورد الضروريات والمسلمات الفقهية ، فيكون مشمولاً للأحكام الظاهرية التأمينية أو التنجيزية الشرعية بناءً على واقعية مبادئها وانحفاظها حتى لمن لم يحرز موضوعاتها ، وهو من الرجوع إلى الخبير في حكم واقعي مشترك بينهما يحرزه المجتهد للمقلد ويوصله إليه على حدّ ايصال الحكم الواقعي.

وهذا الجواب يتم في الأمارات لأنّ موضوع الوظائف فيها واقع الخبر أو الظهور أو الشهرة أو غير ذلك ، وامّا الفحص فإن كان أمراً طريقياً إلى واقع عدم وجود الحاكم أو المعارض في معرض الوصول فكذلك وإن كان للفحص موضوعية كما لو استفيد ذلك من دليل هلا تعلّمت. فنقول : انّ هذا تخصيص لإطلاق أدلّة تلك الأحكام الظاهرية فنقول : بأنّ المقدار الذي يقتضيه المخصّص

٢٠