أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

ينقله الصدوق عن خطب أمير المؤمنين وفيه : « وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسياناً فلا تكلفوها » فيمكن أن يكون مفاد الحديث على هذا جعل الإباحة الظاهرية قبل صدور الخطاب والبيان العام من المعصوم ، وهذا معنى معقول في نفسه.

والانصاف انّ هناك فرقاً بين مثل : « اسكتوا عمّا سكت الله عنه » أو « لا تكلفوها » وبين لسان « كل شيء مطلق » ، فإنّ الأوّل ناظر إلى نكتة انّ مسؤولية بيان وصدور الأحكام على المعصومين ، وانّ هناك نكات قد تقتضي السكوت موقتاً في بيانها فلا تلحّوا في استيضاحها ورفع موانع البيان كي لا تقعوا في ضيق ، بينما الثاني ناظر إلى جعل قاعدة عملية يستفيد منها المكلف في موارد الشك في الحلية والحرمة ، ومثل هذه القاعدة بحسب الارتكاز العرفي المناسب معها أن يكون موضوعها عدم الوصول والعلم ولكن لا الناشيء من ترك الفحص وغض العين بل عدم الوصول فيما يكون في معرض الوصول والذي يكون مساوقاً مع الصدور في معرض الوصول ، فتكون الرواية من أدلّة البراءة والحلية الظاهرية بعد الفحص وعدم الوصول إلى نهي في معرض الوصول ، والله الهادي للصواب.

ص ٣٧ قوله : ( المرحلة الثانية لو فرضنا استظهار الوصول من الورود ... ).

لا يقال : الحرمة المشكوكة بما هي مشكوكة شيء أيضاً مشمول لاطلاق الحديث فيدل على انّه إذا ورد فيه نهي ـ كما يقول الاخباري ـ ارتفع الإطلاق والسعة والحلية.

فإنّه يقال : هذا معناه حكومة دليل الاخباري على الاحتياط بالنسبة للبراءة

٣٤١

والحلية الظاهرية الطولية التي تجري عن الواقع عند الشك في ايجاب الاحتياط ، وهذا إطلاق آخر في الحديث غير اطلاقه للفعل المشكوك بعنوانه الأولي ، أي بعنوان انّه شرب التتن مثلاً ، فالاطلاق المعارض مع دليل الاخباري على الاحتياط هو إطلاق الشيء للعناوين الأولية.

نعم ، يمكن أن يقال : انّ عنوان الشيء الذي هو من العناوين المبهمة يعلم انّه لا يرد فيه نهي بعنوان انّه شيء ، وإنّما النهي والتحريم يرد على العناوين التفصيلية للأفعال ، فإذا كان الشيء عنواناً مشيراً إلى العناوين التفصيلية للأفعال والتي يرد النهي والتحريم عليها صحّ ما ذكر ، إلاّ أنّ هذا خلاف الظاهر ، فإنّ الشيء ليس عنواناً فانياً في العناوين الاخرى بل في مصاديقها الخارجية ، من خلال عنوان الشيء لا العناوين التفصيلية الاخرى ، فيكون هذا قرينة على انّ ورود النهي فيها يعم وروده فيها بأي عنوان كان ، فيكون مفاده محكوماً لدليل الاحتياط في الشبهات. ولعلّ الارتكاز العرفي في مثل هذه التعبيرات خصوصاً مع التعبير ( بالاطلاق لا الحلية والاباحة ) يساعد على فهم هذا المعنى من الحديث ؛ والله العالم.

ثمّ انّ هذا الحديث بناءً على مناقشات السيد الشهيد مفاده مفاد اسكتوا عمّا سكت الله عنه ، ونحوه ممّا يدل على الاباحة قبل الخطاب وبيان الأحكام واصدارها من قبل المعصومين امّا كاباحة وحكم واقعي أو ظاهري على الأقل ، وهذا قد يقبل به حتى الاخباريين ونتيجته انّه لا يجب السؤال عن النواهي ولا تنجز لها قبل صدورها من المعصوم ـ وقد ورد في الرواية المتقدمة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله : « فلا تكلفوها » ـ وعندئذٍ يمكن اثبات هذه الاباحة في أزمنتنا إذا احتملنا صدور النهي ولم يصلنا باستصحاب عدمه وهو استصحاب

٣٤٢

موضوعي يجري حتى عند المنكر لجريانه في الأحكام فيثبت بذلك الاباحة ظاهراً. هذا ما أفاده صاحب الكفاية قدس‌سره.

وهنا عدّة ملاحظات :

الاولى : قد يقال انّ هذه الاباحة الثابتة بالاستصحاب في قوّة اثباتها بالأصل العملي المحكوم للدليل الاجتهادي كما إذا تمّ دليل الاخباري على وجوب الاحتياط في الشبهات.

وفيه : انّ دليل الاخباري بعد فرض تمامية دلالة هذا الحديث على الاباحة قبل صدور الخطاب يكون مقيداً بالشبهة التي صدر فيها الخطاب فيخرج عن دليل الاحتياط موارد عدم صدور الخطاب واقعاً ، فيكون التمسك به تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية.

لا يقال : هذا يلزم منه تخصيص دليل الاحتياط بموارد نادرة هي موارد العلم بصدور الخطاب مع الشك في دلالته على الحرمة والحلية.

فإنّه يقال : أوّلاً : مجموع موارد العلم الإجمالي بالنهي أو صدور الخطاب وموارد توارد الحالتين وموارد العلم بصدور الخطاب والشك في النسخ وموارد التعارض أو اجمال الخطاب بناءً على عدم شمول الحديث لهما كافٍ لاخراج قاعدة الاحتياط عن اللغوية.

وثانياً : الميزان في التخصيص بالفرد النادر أن يكون الباقي تحت العام من الأفراد نادرة ، لا أن يكون احرازه نادراً للمكلف ، كما إذا كان احراز العدالة في العالم الواجب اكرامه نادراً ، فإنّه لا يوجب أن يكون تخصيص ( أكرم كل عالم )

٣٤٣

واخراج الفاسق منه مستهجناً ومن التعارض ، والمقام من هذا القبيل ؛ لأنّ الشبهة التي ورد فيها نهي واقعاً ولم يصل إلى المكلّف في نفسه ليس نادراً.

الثانية : انّ الاباحة المذكورة لا تشمل موارد صدور النهي ومعارضته مع ما يدلّ على الترخيص وموارد اجمال النصّ لأنّ الخطاب صادر في مثل ذلك فلعلّه يجب السؤال والفحص فيه ولا يجري الاستصحاب للعلم بصدور خطاب النهي وإنّما الشك في الحرمة الواقعية. اللهم إلاّ أن يقال : بأنّ المقصود بحسب المتفاهم العرفي والعقلائي من صدور النهي صدور ما يكون صالحاً لاستفادة التحريم منه بحسب الفهم العرفي العام وفي موارد التعارض أو اجمال النصّ لا يكون النهي صادراً بحسب الفهم العام خصوصاً موارد الاجمال الذاتي الداخلي لخطاب النهي ، إلاّ أنّ هذا الاستظهار غير واضح.

الثالثة : ما ذكره المحقق الخراساني من عدم جريان الاستصحاب المذكور في موارد توارد الحالتين. وقد علّله السيد الشهيد بعدم جريان الاستصحاب مع العلم بصدور النهي.

لا يقال : انّ الغاية هي النهي غير المنسوخ وصدوره مشكوك.

فإنّه يقال : الاباحة الظاهرية المجعولة قبل صدور الخطاب تنتفي بالنهي الصادر قطعاً سواءً نسخ ذلك فيما بعد بالاباحة أم لا فإنّ نسخه لا يرجع الاباحة الظاهرية ، وإنّما يثبت الاباحة الواقعية بعده كما هو واضح. فالحديث لا دلالة له على الاباحة الظاهرية أكثر من هذا المقدار وهي مقطوعة الارتفاع مع العلم بصدور النهي فلا معنى لاستصحابها.

وأمّا تعليل المحقق الاصفهاني فمذكور في الكتاب بما لا مزيد عليه.

٣٤٤

حديث الرفع :

ص ٤٠ قوله : ( أمّا المقام الأوّل : فالفقرة التي يستدلّ بها من الحديث ... ).

الأولى تغيير المنهجة في المقام الأوّل بما يلي :

استدل بفقرة « ما لا يعلمون » في الحديث على البراءة والرفع الظاهري.

وقد واجه هذا الاستدلال اشكالاً حاصله : انّ ظاهر اسناد الرفع إلى ما لا يعلمون انّه رفع حقيقي لما لا يعلمونه من الأحكام فيكون ظاهراً في الرفع الواقعي لا الظاهري لأنّه بحاجة إلى عناية امّا في الرفع أو في المرفوع ، فيكون الحديث مقيداً لاطلاقات أدلّة الأحكام الأولية بصورة العلم كما هو بلحاظ سائر الفقرات أيضاً وبذلك يكون أجنبياً عن البراءة ولا يتوهم انّ هذا أيضاً ينفع الاصولي بشكل آكد حيث ينتفي أصل الحكم في موارد الجهل لأنّه يقال هذا لا يفيد عندئذٍ في موارد العلم بأنّ الحكم الواقعي لو كان لما كان مختصاً بالعالمين كما يدعى ذلك على مبنى التخطئة في تمام الأحكام أو أكثرها.

نعم ، لو كان الحديث مجملاً من هذه الناحية أو قابلاً للحمل على الرفع الظاهري في تلك الموارد كجمع عرفي أمكن التمسّك باطلاق أدلّة الأحكام الواقعية في موارد الشك وعدم العلم ، وجعل ذلك قرينة على ارادة الرفع الظاهري من الحديث بالنسبة لفقرة ما لا يعلمون ، وأمّا إذا كان ظاهر الحديث الرفع الواقعي فيكون مقيّداً لاطلاق تلك الأدلّة ، كما هو كذلك بالنسبة إلى سائر فقرات الحديث ؛ لكونه ناظراً إلى تلك الاطلاقات وحاكمة عليها ، ولهذا حاول السيّد الشهيد قدس‌سره اثبات الاجمال على الأقل في الحديث من هذه الناحية ، وحاول الآخرون استظهار الرفع الظاهري بالخصوص.

٣٤٥

وقد تصدى المحققون للاجابة على هذا بوجوه عديدة.

منها ـ ما ذكره المحقق النائيني من انّ هذا يستلزم التصويب وهو مقطوع البطلان عندنا ، وهذا الجواب يمكن دفعه بأنّ غايته انّه في كل حكم ثبت الاشتراك وعدم احتمال الاختصاص يكون ذلك تخصيصاً في الحديث ولا يثبت في ذلك المورد رفع أصلاً ، وهو لا يمنع من جريانه في سائر الموارد التي يحتمل فيها عدم الاشتراك ، وليس بطلان التصويب أمراً بديهياً ليشكل قرينة لبية متصلة بالحديث تصرفه إلى الرفع الظاهري.

منها ـ ما ذكره المحقق العراقي قدس‌سره من انّ الرفع في الحديث امتناني والامتنان يحصل برفع ايجاب الاحتياط الذي هو أثر الحكم الواقعي فلا وجه أن يستفاد منه أكثر من ذلك.

وفيه : انّ الامتنان كما يحصل برفع ايجاب الاحتياط كذلك يحصل برفع الحكم الواقعي ؛ لأنّ رفع منشأ ايجاب الاحتياط أيضاً فيه منّة على المكلّف ، وليس أحد الرفعين أكثر من الآخر ليقال بأنّ سياق الامتنان تمنع عنه وإنّما كل منهما رفع حكم واحد. على انّ المفروض ظهور الحديث في رفع نفس ما لا يعلمونه وهو الحكم الواقعي بحسب الفرض ، لا ايجاب الاحتياط.

ومنها ـ ما ذكره المحقق العراقي قدس‌سره أيضاً كمحذور ثبوتي من انّ الرفع الحقيقي لا يعقل وروده على الحكم الواقعي في ظرف الجهل به إذ العدم في ظرف الجهل بشيء مستحيل وروده على الشيء الملحوظ في الرتبة السابقة عن الجهل بنفسه فلا محيص من كون المراد به رفعه بالعناية أو رفع أثره.

وفيه : انّ هذا روحه ولبه نفس اشكال استحالة أخذ العلم بالحكم في

٣٤٦

موضوع شخصه وارتفاع الحكم في فرض عدم العلم به ؛ لكون المعلوم متقدّماً على العلم.

وقد تقدم الجواب عليه في محله من انّ ما هو المتقدم على الجهل والعلم ليس هو واقع المعلوم أعني المعلوم بالعرض بل الملعوم بالذات الذي هو عين العلم فلا تقدم ولا تأخر. نعم ، يلزم محذور التهافت في اللحاظ إذا اخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه الذي اجيب عليه بالتفكيك بين الجعل والمجعول والرفع في الحديث ليس إلاّتخصيصاً لاطلاق أدلّة الأحكام الأولية في مورد الفقرات التسعة بناءً على استظهار الرفع الظاهري وليس جعلاً آخر ، فإذا دلّ على عدم الالزام واقعاً في موارد عدم العلم به دلّ على تقيّد الالزامات الواقعية بصورة العلم بها بالنحو الممكن ولو بأخذ العلم بالحكم بمعنى الجعل في موضوع فعلية المجعول.

ومنها ـ ما ذكره في مصباح الاصول ، وكأنّه تقريب اثباتي لما تقدّم عن المحقّق العراقي قدس‌سره بعنوان وجود القرينة الداخلية أو مناسبات الحكم والموضوع على ارادة الرفع الظاهري لأنّ ظاهر الحديث انّ هناك شيئاً واقعياً لا نعلمه ؛ إذ الشك في شيء والجهل به فرع وجوده ولو كان المرفوع وجوده الواقعي بمجرد الجهل به لكان الجهل به مساوقاً للعلم بعدمه كما هو ظاهر.

وفيه : أوّلاً ـ إن اريد انّ ظاهر الحديث افتراض وجود الحكم الواقعي الذي لا يعلمونه في طرف موضوع الرفع فمن الواضح انّ هذا لا يقتضي أكثر من الافتراض التقديري واللولائي أي لولا الرفع كان ثابتاً لا افتراض وجوده حتى بعد الرفع ، وإن اريد انّ ظاهر الحديث أخذ الشك واحتمال وجود الحكم المرفوع

٣٤٧

في موضوع الرفع بالفعل أي حتى بعد الرفع ، وهو لا ينسجم مع كون الرفع واقعياً ؛ إذ يلزم منه ارتفاع الشك إلى العلم بالعدم.

ففيه : منع الظهور المذكور ، إذ لم يرد في الحديث الشك بل عدم العلم الذي هو أعم من الشك وينحفظ مع العلم بالعدم كما هو مقتضى كون الرفع واقعياً ، بل لو فرض أخذ عنوان الشك أيضاً لم يكن محذور كما إذا قال : كل حكم مشكوك مرفوع فإنّه لا يستظهر منه عرفاً أكثر من انّه مشكوك مع قطع النظر عن الرفع فتدبر.

وثانياً ـ ما سيأتي شرحه من أنّ هذا الوجه وكذا ما قبله مبني على أن يكون المراد بالموصول في فقرة ( ما لا يعلمون ) الحكم والالزام المرفوع ، مع انّه يمكن أن يكون المراد به الفعل المحرّم أو المحظور الذي يرتكب مع عدم العلم بكونه محظوراً شرعاً ، كما هو المراد من الموصول في الفقرات الاخرى ؛ إذ ما اضطرّ إليه أو استكره عليه أو لا يطيقون يراد به الفعل المحظور شرعاً بما هو محظور ، فكذلك فيما لا يعلمون يمكن أن يراد به الفعل المحظور شرعاً ، والذي بهذا العنوان الثانوي ـ أي بما هو محظور ـ لا يعلم بارتكابه ويكون المرفوع حكم الفعل المحظور فيمكن أن يكون رفعه واقعياً بلا لزوم محذور التهافت لا ثبوتاً ولا اثباتاً.

ومنها ـ ما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره من انّ الرفع الواقعي أيضاً يستلزم عناية في المقام إذ لو اريد رفع الحكم بمعنى المجعول الذي لا يعلمونه لزم منه تقيد المجعول بالعلم به وهو محال ، وإن اريد رفع الحكم بمعنى المجعول الذي لا يعلمون بجعله لكي يكون فعلية المجعول مشروطاً بالعلم بالجعل لا المجعول

٣٤٨

فهذا وإن كان معقولاً عندنا إلاّ انّه يستلزم العناية في الاسناد حيث يكون المرفوع هو المجعول وما لا يعلم به هو الجعل فإذا كانت العناية ثابتة على كل حال فنعيِّن ارادة الرفع الظاهري بمناسبات الحكم والموضوع العرفية ، حيث انّ الشك وعدم العلم بالحكم يناسب الرفع الظاهري لا تبدّل الحكم الواقعي.

وهذا الجواب يرجع امّا إلى الوجه الثبوتي المتقدّم عن المحقّق العراقي أو إلى الوجه الاثباتي المتقدّم عن السيّد الخوئي وليس وجهاً آخر غيرهما ، فيرد عليه ما تقدّم من الوجهين.

وإن شئت قلت : انّ ظاهر الحديث ارتفاع الالزام بمعنى المجعول في موارد عدم العلم به ، وهذا الارتفاع لازمه أن يكون الحكم الواقعي مقيداً بالعلم بالجعل فيؤخذ بهذا الظهور ونثبت به اللازم المذكور في أدلّة الأحكام الواقعية ، وليس المدلول المطابقي لحديث الرفع بيان كيفية تقييد الالزامات الواقعية المجعولة في مورد العلم بها ، وإنّما في مقام بيان موارد ارتفاعها فيمكن أن يقال بأنّه في موارد عدم العلة بالالزام الفعلي والمجعول لا حكم واقعاً ، كما أشرنا في ردّ الوجهين السابقين.

هذا مضافاً إلى وجود تفسير آخر لفقرة ( ما لا يعلمون ) في الحديث وهو تطبيق الموصول فيها على الفعل المحظور الذي لا يعلم به المكلّف بما هو محظور كما في الفقرات الاخرى للحديث ، فيرتفع بذلك مبنى مثل هذه الأجوبة.

ومنها ـ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره أيضاً من انّ ظاهر الحديث انّ الرفع فعلي في تمام موارد ما لا يعلمون بحيث لولاه لكان فيه كلفة ووضع على الامّة ، وهذا لا يناسب إلاّمع الرفع الظاهري الذي يعني رفع ايجاب الاحتياط العقلي أو

٣٤٩

الشرعي ـ والذي يكون ثابتاً في تمام الشبهات لولا هذا الحديث ـ سواء كان الالزام الواقعي موجوداً فيها واقعاً أم لا لأنّ موضوع ايجاب الاحتياط نفس الشك وهذا بخلاف الرفع الواقعي فإنّه لا يعقل إلاّفي موارد عدم العلم مع ثبوت ذلك التكليف واقعاً وهذا خلاف إطلاق ما لا يعلمون وفعلية الرفع في تمام موارد الشك وعدم العلم.

وفيه : أوّلاً ـ ما ذكره السيد الشهيد نفسه من أنّ هذا إنّما يتمّ لو اريد بالموصول عنوان التكليف الذي لا يعلمونه ، لا واقع التكليف ، وإلاّ كان مأخوذاً مقدّر الوجود في موضوع الرفع وكان المعنى انّ التكليف الواقعي لو لم يعلم به المكلّف رفعناه عنه ، فلا موضوع للاطلاق المذكور.

والغريب انّه استظهر المعنى الأوّل وإرادة عنوان التكليف ونفس الشك فيه من الموصول وهو خلاف الظاهر جداً ، فإنّ الموصول كأي عنوان آخر ينطبق على مصداقه الواقعي الخارجي لا العناوين والمفاهيم الذهنية.

نعم ، لو قال : ( إذا شككت فلا شيء عليك ) كان ظاهراً في أنّ الموضوع نفس الشك ، وأمّا إذا قال : ( ما لا تعلم به وتشك فيه مرفوع ) فهذا ظاهر في رفع المشكوك بالعرض الخارجي على تقدير وجوده ، وهو واضح.

وثانياً ـ ما أشرنا إليه من أنّ هذا مبني كالوجوه السابقة على ارادة الحكم المرفوع من الموصول لا الفعل الذي لا يعلم محظوريته شرعاً ، وسيأتي تعيّن هذا الاستظهار وأنّ ارادة الرفع الظاهري في فقرة ( ما لا يعلمون ) بارادة الحكم من الموصول فيها والرفع الواقعي في سائر الفقرات بارادة الفعل من الموصول فيها خلاف الظاهر جداً ، بل لا يصحّ إلاّبتأويلات وتمحّلات تعسّفية غير عرفية.

٣٥٠

والظاهر أنّ الهامش في الكتاب مربوط بهذا الوجه ولكنه خطأً جعل الترقيم على البحث القادم.

ومنها ـ ما لعله حاق مقصود السيد الشهيد قدس‌سره من انّ ظاهر الحديث انّ المرفوع تلك المرتبة من الحكم والارادة المولوية التي يلزم من ثبوتها الضيق والكلفة على المكلف لولا الرفع الشرعي ، سواء اريد بالموصول في فقرة ( ما لا يعلمون ) نفس الحكم المرفوع أو الفعل المحظور بما هو محظور والمرفوع حكمه ، فإنّه على كلا التقديرين سياق الحديث ظاهر في ارادة رفع الكلفة والثقل والمسؤولية التي تثبت في الفعل المحظور لولا أحد هذه العناوين التسعة ، وهذه المرتبة من الحكم أو الكلفة في مثل الاضطرار والاكراه من فقرات الحديث تساوق أصل الحكم والالزام الواقعي ، فيكون رفعه برفع أصل الالزام للغوية ثبوت أية مرتبة من الحكم فيه ، بينما في موارد الجهل وعدم العلم التي يكون التزاحم فيها حفظيّاً هي الارادة والاهتمام الفعلي للمولى في مورد الشك لا ذات الارادة الواقعية المجتمعة مع الترخيص الظاهري.

وقد تقدم في مبحث القطع انّ موضوع حكم العقل بالطاعة إنّما هو هذه المرتبة من الحكم لا الحكم الواقعي المجرد عن هذه الدرجة من الاهتمام والذي ليس فعلياً في موارد التزاحم الحفظي والاشتباه ، وهذه المرتبة من الحكم يكون مرفوعاً حقيقة بالبراءة الشرعية ، فيكون الرفع حقيقياً والمرفوع أيضاً الحكم الفعلي بهذا المعنى حقيقةً فلا عناية في البين ، ويؤكد ذلك أيضاً الارتكاز والمناسبة العرفية في باب الأحكام المأخوذ في موضوعها الشك وعدم العلم.

هذا إذا لم نقل بأنّ المرفوع إنّما هو المؤاخذة والعقوبة المأخوذ في التقدير ،

٣٥١

وانّ اسناد الرفع إليه لا إلى الموصولات والعناوين التسعة ، وإلاّ لم يكن وجه لاستفادة رفع الحكم الواقعي في ما لا يعلمون أساساً.

ثمّ إنّه لو فرض اجمال الحديث ودورانه بين الرفعين الواقعي والظاهري مع ذلك تكون النتيجة بصالح الرفع الظاهري وذلك تمسكاً باطلاق أدلّة الأحكام الواقعية وانحفاظها في موارد الشك وعدم العلم فينتج انّ الرفع ظاهري لا محالة.

لا يقال : هذا ينفع في الشبهة الموضوعية لا الشبهة الحكمية إذ لا يحرز فيها دليل على الحكم الواقعي ليتمسك باطلاقه.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ أثر كون الرفع واقعياً أو ظاهرياً يظهر في موارد انكشاف الخلاف وفيما يحرز الدليل على الواقع فيمكن التمسك باطلاقه بموارد الشك السابق لترتيب آثار كون الرفع ظاهرياً لا واقعياً.

وثانياً ـ قد يفرض العلم بعدم دخل الشك في حكم واقعي ، أي عدم احتمال التصويب فيه ـ كما ادعي الإجماع على قاعدة الاشتراك ـ ويكون مع ذلك أصل ذلك الحكم مشكوكاً فإنّه بناءً على كون الرفع في الحديث ظاهرياً يكون اطلاقه شاملاً له ، وبناءً على كونه واقعياً يكون ذاك المورد خارجاً عنه لا محالة فيكون هذا مستلزماً للتخصيص في الحديث ، ومقتضى اطلاقه ثبوت الرفع فيه لانطباق عنوان ما لا يعلمون عليه جزماً ولازمه أن يكون الرفع المذكور في الحديث ظاهرياً لا واقعياً في تمام الموارد ، إذ هو جعل واحد فامّا أن يكون واقعياً أو ظاهرياً ولا يعقل أن يكون في بعض الموارد ظاهرياً وفي البعض الآخر واقعياً.

وهذا البيان إنّما يتم إذا كان الاجمال والتردد بين الرفع الواقعي والظاهري من ناحية الاجمال في المراد من الرفع مع ظهور الحديث في وجود رفع في موارد

٣٥٢

الشك وعدم العلم وامّا إذا كان الاجمال في دلالة الحديث وظهوره في أنّ المراد من الموصول المشكوك بالعرض ليكون الرفع واقعياً أو نفس الشك وعدم العلم ليكون المرفوع حكمه وهو ايجاب الاحتياط فالشك المذكور لا يمكن رفعه بأصالة عدم التخصيص ؛ لأنّه لا يثبت ما هو المدلول الاستعمالي للفظ بل هو في طول تعيينه في المرتبة السابقة ، فإنّه إذا كان الرفع مسنداً إلى نفس الحكم الواقعي المشكوك بالعرض فيقطع بالتخصيص وإلاّ فيقطع بالاطلاق والتخصيص ، وبأصالة الإطلاق لا يمكن اثبات انّ المدلول الاستعمالي هو الثاني لا الأوّل ؛ لأنّ الإطلاق للكشف عن المراد لا لاثبات المدلول الاستعمالي.

ص ٤٢ قوله : ( المقام الثاني ... ).

هناك وجوه عديدة ذكرت لاثبات التعميم للشبهتين الموضوعية والحكمية معاً ـ كما يظهر بمراجعة كلمات المحقق الاصفهاني قدس‌سره ـ إلاّ أنّ أكثرها واضحة الضعف ، وخير ما ذكر وجهان :

الأوّل : ما أشار إليه صاحب الكفاية واختاره المحقق العراقي قدس‌سره من ارادة الحكم الفعلي الأعم من الكلي والجزئي مما لا يعلمون وهذا يصدق في الشبهتين معاً فإنّ الشبهة الموضوعية كما يكون فيه شك في العنوان الموضوعي الخارجي كالخمرية كذلك يكون فيه شك في حكمه الجزئي فإنّه يصدق عليه انّ حرمته مشكوكة فإنّ الحكم الكلي له اضافة إلى مصاديق موضوعه أيضاً فبهذا الاعتبار يصدق عليه انّ حكمه غير معلوم ، وهذا لا يفرق فيه القول بالتفكيك بين الجعل والمجعول وعدمه لأنّ عدم التفكيك إنّما هو بلحاظ مرحلة الوجود التصديقي لا التصوري.

٣٥٣

وهذا الجواب فيه ضعفان :

أوّلهما ـ استلزام تقييد الموصول فيما لا يعلمون بالحكم بالخصوص ولا قرينة على هذا التقييد ، بل ظاهر الموصول مطلق الشيء حكماً كان أو موضوعاً.

وهذا الاشكال كان قد أورده السيد الشهيد في الدورة السابقة على هذا الوجه ولكنه انصرف عنه في هذه الدورة ، ولعلّه باعتبار أنّه بقرينة الرفع لابد من فرض تقييد على كل حال في البين إذ ليس كل ما لا يعلم مرفوعاً وإنّما الموضوع ما يكون له حكم وأثر تشريعي ولو بقرينة صدور هذا الخطاب من قبل الشارع. وعندئذٍ كما يمكن جعل الموصول مطلقاً وأخذ تقدير أو تقييد في الشيء المرفوع بأن يكون له حكم الزامي أو يكون رفعه رفعاً تشريعياً وانّ المرفوع أثره وحكمه كذلك يمكن جعل ذلك قرينة على ارادة الحكم والالزام الذي لا يعلمونه من الموصول.

ثانيهما ـ انّ هذا قد يعالج الاشكال في فقرة لا يعلمون ولكن يبقى الاشكال في صدر الحديث وهو قوله عليه‌السلام رفع عن امتي تسعة فقد اضيف الرفع في اسناد واحد إلى التسعة ، ولا شك في انّ باقي التسعة يراد بالموصول فيها الفعل الخارجي والذي لا يكون اسناد الرفع اليها حقيقياً بل مجازياً.

وهذا الاشكال أيضاً قابل للدفع بأنّ المجازية بالنسبة إلى سائر الفقرات ليست في مدلول كلمة الرفع ليلزم استعماله في أكثر من معنى مثلاً ، وإنّما المجازية في الاسناد والنسبة مع استعمال الرفع في معناه الحقيقي ، وحيث انّ النسب متعددة بتعدّد الفقرات المعطوفة في الحديث فلا محذور أن يكون بعضها

٣٥٤

حقيقياً وبعضها عنائياً من قبيل ما إذا قيل ( اسئل زيداً وعمراً والقرية ) أي أهل القرية.

نعم ، قد يقال انّ وحدة سياق الموصولات المتعددة في الفقرات التسعة في الحديث تقتضي ارادة معنى واحد منها ، وحيث أنّ المراد منها في سائر الفقرات الفعل لا الحكم المرفوع ، وأيضاً ما تقدّم في المقام السابق من استظهار فعلية الشك حتى بعد الرفع وهذا قد لا يناسب أن يراد بالموصول الحكم والذي هو المرفوع أيضاً بالحديث ، فمجموع هذه النكات قد يوجب ظهور الموصول فيما لا يعلمون أيضاً في الفعل أو الشيء الذي يقع متعلّقاً للحكم المرفوع.

الثاني : ما ذكره صاحب الكفاية من جعل التمسك باطلاق الموصول بمعنى الشيء للحكم المجهول والموضوع المجهول معاً ، ثمّ أشكل عليه بأنّ اسناد الرفع عندئذ بلحاظ الموضوع مجازي بخلاف الحكم.

واجيب على ذلك بوجوه عديدة :

منها ـ ما في الكتاب عن المحقق الاصفهاني قدس‌سره من الوجهين مع جوابهما.

ومنها ـ ما عن بعض الأعلام من انّ الرفع تشريعي وليس حقيقياً فيكون اسناد الرفع التشريعي إلى الفعلي أيضاً حقيقياً بمعنى انّ الفعل ليس موضوعاً للتشريع في اعتبار المولى.

وفيه : انّ الرفع التشريعي بهذا المعنى لا يعقل في غير الموضوع ، إذ ليس الحكم موضوعاً لأثر تشريعي فيلزم محذور الاختصاص بالشبهة الموضوعية. وبعبارة اخرى : الرفع التشريعي بمعنى عدم وقوعه موضوعاً للتشريعات في لوح

٣٥٥

التشريع مخصوص بالموضوع ، وامّا ارتفاع نفس الحكم المشكوك فهو رفع حقيقي وهو أثر الرفع التشريعي للموضوع فيلزم اجتماع الرفع الحقيقي والتشريعي في الرفع ولهذا لو قال : لا وجوب لصلاة الجمعة لم يكن من الرفع التشريعي بل الحقيقي.

ومنها ـ ما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره من انّ الرفع اسند مجازاً إلى غير من هو له على كل حال لعدم ارتفاع الحكم الواقعي ، فالمرفوع التبعة والمنجزية والمؤاخذة على التسعة لا نفسها سواء كان ما لا يعلم حكماً أو موضوعاً.

وفيه : أوّلاً ـ انّ أخذ التقدير بالنحو المذكور خلاف الظاهر على ما سيأتي في المقام القادم ، بل العناية مفروضة في الرفع وانّه الرفع التشريعي أو في لوح التشريع وهو لا يعقل إلاّ إذا اريد بالموصول الفعل لا الحكم كما تقدم.

وثانياً ـ انّ المؤاخذة أو التنجيز والتبعة أيضاً مضاف ومسند حقيقة إلى الحكم الذي لا يعلم به لا الموضوع الذي لا يعلم به فيلزم تقييد الموصول بالحكم الأعم من الكلي والجزئي فيما لا يعلمون مع انّه في سائر التسعة يراد منه الفعل.

وإن شئت قلت : انّ هناك مشكلتين في الحديث إحداهما انّ الرفع هل يكون واقعياً أو ظاهرياً أي رفعاً لايجاب الاحتياط والتنجز. والاخرى : انّ الرفع المذكور سواء كان واقعياً أو ظاهرياً وبأي نحو فسّرت الظاهرية اسناده في الشبهات الحكمية إلى ما لا يعلمون اسناد إلى ما يقبله حقيقة بخلاف الشبهات الموضوعية التي يكون ما لا يعلم فيها نفس الفعل وعنوانه الحقيقي ؛ لأنّ الموضوع غير قابل للرفع لا الواقعي ولا الظاهري ، فلو اريد بكون الرفع عنائي على كل حال عناية الظاهرية فهذا لا يحل الاشكال الثاني ، وإن اريد العناية في

٣٥٦

الاسناد باعتبار عدم ارتفاع التسعة خارجاً حقيقة ، فإن كانت العناية في الرفع بأن اريد به الرفع التشريعي فهو غير معقول في الحكم المجهول وإنّما يعقل في الموضوع الخارجي ، وإن اريد الرفع الحقيقي للمؤاخذة فالمؤاخذة لا تكون على الفعل الذي لا يعلمونه والحكم الذي لا يعلمونه بل على أحدهما لا محالة.

والتحقيق في الجواب : انّ المستفاد بقرينة الرفع الامتناني ومقام التشريع المولوي أنّ النظر في العناوين التسعة جميعاً إلى ما يصدر من المكلّف مما يكون ممنوعاً ومحظوراً شرعاً لولا هذا الرفع ، وهذا يعني انّ الموصول في تمام الفقرات إنّما هو الفعل أو الترك المحظورين شرعاً بهذا العنوان الثانوي والمرفوع حكمه الشرعي وهو المحظورية امّا واقعاً أو ظاهراً ، وهذا يصدق في فقرة ما لا يعلمون أيضاً في الشبهتين الحكمية والموضوعية على حدّ واحد ، فيكون الحرام الذي لا يعلمونه ـ أي لا يعلمون انّه حرام ـ مرفوعاً عنه المؤاخذة أو مرفوعاً رفعاً تشريعاً أو مرفوعاً حكمه ، سواء كان سبب عدم العلم بالحرام عدم العلم بكبرى الحرمة ، كما في التدخين المشكوك حرمته ، أو عدم العلم بصغراها ، وعندما يكون المراد بالموصول الحرام أو الممنوع شرعاً لولا الرفع يعقل رفعه التشريعي حتى في الشبهة الحكمية ؛ لأنّ الممنوع أو الحرام عنوان للفعل ، فيكون رفعه التشريعي بمعنى عدم موضوعيته للحكم والتشريع معقولاً ، فيندفع الاشكال المتقدم برأسه.

لا يقال : الحرام الذي لا يعلم في الشبهة الحكمية إنّما هو الحرام بما هو حرام لا بما هو تدخين مثلاً ، وهذا لا يكون موضوعاً للرفع التشريعي وإنّما ما يكون موضوعاً للرفع التشريعي ذات الحرام وهو عنوان التدخين وهو ليس ما لا يعلم.

٣٥٧

فإنّه يقال : امّا على فرض أخذ تقدير واسناد الرفع إليه فلا محذور ؛ لأنّ العقوبة والتبعة على الفعل الحرام بما هو حرام في الشبهتين معاً ، وأمّا على فرض العناية في الرفع لا الاسناد فرفع الفعل الحرام بما هو حرام تشريعي يعني رفع حرمته أيضاً ، ولا يلزم أن يكون بخصوص عناية انّ الفعل ليس متعلقاً للحكم.

ص ٤٤ قوله : ( وفيه : انّ الاختلاف في الدالّين الواقعين في سياق واحد ... ).

هذا الجواب يكفي لدفع الاشكال إذا كان الملحوظ وحدة السياق بين الموصولات في الحديث. إلاّ أنّ المظنون انّ مقصود صاحب الاشكال مطلب آخر تقريره : أنّ الرفع اسند إلى تسعة في صدر الحديث وظاهره أنّ كيفية الوضع للتسعة لولا الرفع من سنخ واحد لا سنخين ، ومن الواضح انّ وضع الحكم يختلف عن وضع الفعل ، كما انّ رفع الحكم يختلف عن رفع الموضوع ـ سواءً كان الرفع حقيقياً أو تشريعياً ـ لأنّ اضافة الفعل حتى في لوح التشريع إلى المكلف غير اضافة الحكم إليه ، فالفعل يوضع على ذمة المكلّف وعهدته أو مسؤوليته بخلاف الحكم.

وقد عبّر الشيخ قدس‌سره عن هذا الاشكال بتعبير آخر حاصله : انّ الملحوظ في الحديث رفع المؤاخذة وهي إنّما تكون على الفعل لا على الحكم فلابد وأن يكون المراد بما لا يعلمون ذلك أيضاً ، والتقرير الذي ذكرناه أولى من هذا التعبير ؛ لأنّه يتم حتى إذا لم يكن مفاد الحديث رفع خصوص المؤاخذة. ومن الواضح انّ الجواب المذكور لا يفي لحل هذا الاشكال.

والصحيح في الاجابة ما ذكرناه من انّ الموصول في ما لا يعلمون يراد به

٣٥٨

الفعل حتى في الشبهة الحكمية ، فالفعل المحرم الذي لا يعلمه يكون مرفوعاً عن عهدة المكلّف ومسؤوليته ، سواء كان منشأ عدم علمه به الشك في الموضوع الخارجي أو في الجعل الشرعي ، فالمرفوع في الجميع يكون وضعه من سنخ واحد وهو الوضع على ذمة المكلف ومسؤوليته لولا حديث الرفع.

ص ٤٥ قوله : ( الثانية : ما أبرزه المحقق العراقي ١ من دعوى الاختصاص ... ).

عبائر المحقق المذكور في التقريرات وفي حاشيته على تقرير الكاظمي صريحة في انّه يريد اثبات التعميم لا التخصيص بالشبهة الحكمية كما انّ الدليل المذكور فيه أيضاً لا يقتضي أكثر من تخصيص الموصول بالحكم لا الاختصاص بالشبهة الموضوعية ، لأنّ الشبهة الموضوعية أيضاً فيها حكم مشكوك.

والظاهر وقوع خطأ في الكتاب ، فلعل المقصود انّ المحقق المذكور يجعل الموصول مختصاً بالحكم المجهول الأعم من الكلي والجزئي لا الموضوع ، فكأنّه يريد ابراز قرينة على تقييد الموصول بالحكم المجهول دون الموضوع المجهول فلا يشمل الشك في الموضوع في الشبهة الموضوعية وإن كان يشمل الشك في الحكم الجزئي فيها ، لأنّ الموصول لو اريد به الموضوع والفعل الخارجي فنضطر إلى أن نرتكب العناية في طرف صلته بأن يراد عدم العلم بعنوانه لا بذاته حيث انّ ذاته معلومة الصدور خارجاً فشرب هذا المائع الخارجي لا شك فيه وإنّما شك في صفة كونه خمراً وهو خلاف ظاهر اسناد عدم العلم في طرف الصلة إلى نفس الموصول ، وهذا بخلاف ما لو اريد به الحكم الأعم من الكلي والجزئي.

٣٥٩

والصحيح جعل كلامه جواباً آخر على قرينية السياق المبرزة لاثبات الاختصاص بالشبهة الموضوعية لأنّه يصرح في تقريراته وتعليقاته على الفوائد بأنّ قرينة السياق لو سلّمت فهي توجب العناية إذ لو اريد من الموصول الفعل الذي لا يعلم فلا محالة لابد وأن يراد عدم العلم بوصفه العنواني وهو اسناد وارجاع للصلة إلى غير الموصول بخلاف ما إذا اريد به الحكم الأعم من الكلي في الشبهة الحكمية والجزئي في الشبهة الموضوعية.

وعندئذٍ يكون الجوابان من السيد الشهيد راجعين لهذا الجواب.

ص ٤٨ قوله : ( فإنّه يقال : حيث انّ أصالة عدم التقدير ... ).

كما انّ أصالة عدم التقدير يثبت سعة الإطلاق كذلك أصالة الظهور في ارادة المصداق التكويني الخارجي يثبت ضيق المراد الجدي فلا فرق من هذه الناحية ، لأنّ لوازم الاصول اللفظية حجة. على انّ تطبيق هذه الكبرى في المقام في نفسه غير تام ، إذ الشك في المراد الاستعمالي لا المدلول اللغوي والكبرى المذكورة مخصوصة بالثاني لا الأوّل لأنّ المدلول الاستعمالي مدلول تصديقي فمع الشك والتردد فيه يصبح مجملاً لا محالة.

ثمّ انّ ما ذكر في الاحتمال الثاني من ارادة النفي الحقيقي للوجود التشريعي من التسعة غير مناسب هنا أيضاً ، فإنّ هذا إنّما يناسب مورداً يراد فيه نفي المشروعية لفعل أو نفي استلزام الشريعة له ، نظير لا رهبانية في الإسلام أو لا ضرر ولا ضرار. لا ما إذا اريد نفي وجوب أو حرمة فعل أعني نفي الالزام بفعل واثبات التخفيف أو العذر فيه.

ومن هنا يكون الأنسب أن يكون الرفع بلحاظ عالم العهدة والذمة على

٣٦٠