أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

عليه مطابقاً للواقع وثبوت القضية الحقيقية المذكورة فرع ثبوت الملازمة واستحالة الانفكاك ، وقد أنكرناها في الدليل الاستقرائي ، فلا تتشكل دلالة التزامية لنقل الإجماع على الحكم الشرعي.

وقد اجيب على هذا الاشكال في الدورة السابقة بأجوبة لا ترجع إلى محصل من قبيل دعوى كفاية الملازمة بين العلمين وإن لم تكن ملازمة بين المعلومين.

والجواب : انّه كما لا ملازمة بين المعلومين لا ملازمة بين العلمين أيضاً إذا لم تثبت القضية الحقيقية المذكورة ؛ على انّ هذا معناه حجّية نقل الإجماع بلحاظ علم الناقل بالمسبب وهو من الإجماع الحدسي وليس حسياً على ما سوف يأتي بيانه.

ومن قبيل انّ عدم ثبوت ذلك الحكم امّا ناشىء من كذب المخبر عن الإجماع أو التواتر أو عدم ثبوت الحكم رغم ثبوت الإجماع والتواتر والأوّل منفي بحجية خبر الثقة والثاني مرفوض من قبل المنقول إليه بالقطع واليقين.

والجواب : انّه لا نافي لذلك إذا لم تثبت القضية الحقيقية. نعم من يحصل له اليقين بالتواتر أو الإجماع المحصل يحصل له اليقين بالحكم الشرعي من باب الطبع الذاتي وحساب الاحتمالات ، إلاّ انّه من دون تحصيل الإجماع لديه لا يمكن أن يتيقن بأنّ كل اجماع يلازم صدق المجمع عليه ومطابقته للحكم الشرعي إلاّ إذا ثبتت القضية الحقيقية المذكورة ، والمفروض عدم امكان اثباتها بالدليل الاستقرائي ، فهذا نظير من يحصل له علم حدسي كثيراً أو غالباً من الشهرة مثلاً ، فإنّه لا يكفي لأن يكون نقل الشهرة له بخبر الواحد حجة.

ومن قبيل أنّ الناس إذا كان يحصل لهم علم عادة من الإجماع والتواتر كان

٢٦١

المحصِّل لهما عالماً بالحكم الشرعي فيكون نقله للحكم الشرعي حجة لكونه اخباراً قريباً من الحس عن حكم شرعي وهو كالاخبار الحسّي للحكم الشرعي عن المعصوم.

وفيه : أوّلاً ـ انّ هذا معناه حجّية النقل للاجماع من باب نقل المسبب والحكم الشرعي ابتداءً لا من باب نقل السبب كما هو المقصود اثباته ، وامّا نقل المسبب فسوف يأتي انّه حدسي في باب الإجماع.

وثانياً ـ لو فرض في مورد حصول علم لعامة الناس ذاتاً من دون ملازمة منطقية ـ كما إذا فرضنا انّ عامة الناس كانوا قطاعين ـ لم يكن ذلك حجة فإنّ الحجة إنّما هو النقل المستند إلى علم حسي أو ما يكون من ملازماته المتوقفة على ثبوت القضية الحقيقية ، فليس الميزان في حجّية خبر الثقة في الحسيات أن يكون حصول العلم نوعياً ولو كان على أساس غير منطقي بل ذاتي وشخصي فإنّه من الاخبار الحدسي ، كما إذا فرضنا انّ عامة الناس أصبحوا قطاعين ، فإنّ هذا لا يجعل اخباراتهم على أساس ذلك من الاخبار الحسي المشمول لدليل الحجّية.

والصحيح في الجواب ما ذكره السيد الشهيد في الدورة الثانية ، وحاصله : انّ القضية التي تثبت في الاستقراء ليس صدق كلي خبر متواتر أو اجماع أو دليل استقرائي بالخصوص بل المنهج الاستقرائي يثبت أيضاً القضية الكلية وهي انّ الصدفة لا تكون في الخارج ولو بنحو القضية الخارجية الكلية في عالمنا فتتشكل القضية الكلية الخارجية لا الحقيقية.

وإن شئتم قلتم : انّه تتشكل قضية حقيقية مخصوصة بعالمنا الخارجي بمعنى

٢٦٢

انّ كل ما يقع من التواترات أو الاجماعات في هذا العالم ملازمة مع الصدق ، وهذه القضية الشرطية كافية لتشكل الدلالة الالتزامية المطلوبة ، فإنّه إذا فرضنا انّ المعصوم من باب علمه بالغيب والمستقبل أخبرنا بأنّه كلما جاءك زيد جاءك عمر بنحو القضية الخارجية لا بنحو استحالة أن لا يأتي عمر فقامت بينة على انّه قد جاء زيد لا محالة تتشكل دلالة التزامية على انّه قد جاء عمر وتكون هذه الدلالة الالتزامية حجة ؛ لأنّ نفس درجة الكشف الثابتة بلحاظ المدلول المطابقي ونكتتها المنطقيّة بنفسها ثابتة بلحاظ المدلول الالتزامي أيضاً.

وهذا محفوظ في المقام فإنّه مع ثبوت التصديق بالقضية الكلية القائلة بأنّ الصدفة لا تقع ولو في عالمنا الخارجي فكلما أخبر الثقة عن تحقق التواتر أو الإجماع على شيء كان كاشفاً بنفس تلك الدرجة من الظن والتصديق عن صدق القضية المخبر بها لكونها مدلولاً التزامياً منطقياً لا محالة فإنّ الدلالة الالتزامية فرع صدق القضية الشرطية الكلية بنحو تكون شاملاً لما أخبر به المخبر على تقدير صدقه ، والمفروض ثبوت هذه القضية الكلية في المقام بعد فرض إمكان اثبات كبرى نفي الصدفة بنحو كلي بالاستقراء ، وهذا يعني أنّه لا فرق بين منهجنا ومنهج المنطق الارسطي في ثبوت التصديق بالقضية الكلية بأنّ الصدفة لا تكون بنحو يشمل تمام ما يقع في عالمنا من الاستقراءات والتواترات وإنّما الفرق بين المسلكين في انّ المنطق الارسطي يدعي ذلك على أساس التصديق بقضيّة اخرى عقلية أولية هي استحالة وقوع الصدفة فتكون القضية الكلية حقيقية ، وبلحاظ كل العوالم بينما المنهج الاستقرائي يرى حصول التصديق بالقضية المذكورة الكلية في عالمنا على أساس حسابات الاحتمال التي تجري لاثبات نفس القضية الكلية المذكورة فتكون القضية كلية بمقدار عالمنا.

٢٦٣

بل هذا البحث أصله لا موجب له ؛ لأنّ الثابت في محلّه في بحث الاستقراء ، أنّ القضايا الحسّية ، أي المحسوسات الخارجية أيضاً يكون التصديق بها على أساس منطق الاستقراء لا البرهان ، فالخبر الحسّي للسبب لا يراد منه إلاّ ما يكون العلم به قائماً على أساس هذا المنطق لا البرهان والقضايا الحقيقية ، وهذا واضح.

ومن ذلك يظهر انّ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره في ذيل المقام من انّه لو عدل الناقل عن نقله للسبب إلى نقل المسبب ابتداءً لم يجد شيئاً ؛ لأنّ اخباره عن السبب وهو قول المعصول ليس حسياً بل حدسي وإنّما الحسي نقله للسبب قابل للمناقشة فإنّ هذا إنّما يتم إذا كانت السببية حدسية ثابتة بالبرهان أو باجراء حسابات الاحتمال بنحو لا يكون مورثاً للقطع واليقين لكل انسان وإنّما يحصل لدى المنقول إليه اتفاقاً ، وامّا إذا كان ينقل ما يكشف عن قول المعصوم أو السيرة المتشرعية والارتكاز المتلقى عن المعصوم عند عامة الناس كان نقل المسبب حجة أيضاً ؛ لأنّه نقل حسي أو قريب من الحسّ.

وإن شئت قلت : بناءً على المنهج المتقدم في كاشفية الإجماع والتواتر يكون الإخبار عن القضية المتواترة أو الحكم الشرعي المجمع عليه إخباراً عن أمر حسي أو قريب منه لأنّ القطع الحاصل من التواتر ونحوه من الأدلّة الاستقرائية ليس قطعاً حدسياً بل حسي أو قريب منه كالقطع الحاصل بالسبب نفسه ، وهذا في التواتر أوضح منه في الإجماع ، ولهذا يصح الإخبار عن القضية المتواترة ابتداءً.

نعم ، يمكن دعوى انّ اجراء حساب الاحتمالات وتجميع القرائن بنحو

٢٦٤

نستكشف منه وجود الارتكاز المتلقى عن المعصوم لدى المجمعين قد يحتاج إلى مقدمات واعمال نكات ليس كلها حسياً ومفهوماً بلا نظر وتأمل وفحص للمسألة ونفي احتمال المدركية ونحو ذلك فأصالة الحس في نقل المسبب إنّما يجري إذا فرض أنّ الناقل ينقل ابتداءً السيرة على الحكم أو الارتكاز المتلقى من المعصوم ابتداءً واحتملنا بلوغه مرتبة الحسّية ، ولعلّ هذا حاق مقصود السيد الشهيد قدس‌سره.

ومن مجموع ما ذكرناه ظهر انّ ما ذكره في مصباح الاصول من عدم احتمال حسية النقل لقول المعصوم ولو بالواسطة من خلال كشفه من اجماع المجمعين ليكون اخباره حجة من باب الشهادة ولو فرض احتماله فهو بحكم الرواية المرسلة لا يمكن التعويل عليه مما لا يمكن المساعدة عليه. فإنّه لو فرض ظهور كلام الناقل للإجماع في مركوزية ومسلّمية الحكم المجمع عليه وتلقيه عن المعصومين كان حجة لا محالة ؛ لأنّ مثل هذا محتمل في المورد الذي لا يكون فيه مدرك آخر للحكم ويكون حصول القطع الحاصل منه قريباً من الحس ويكون شهادة بالموقف الشرعي المتلقّى عن المعصوم ونظره والمسلَّم بين أصحابه تماماً ، نظير توثيق الرواة المتقدمين على عصر النجاشي والشيخ والذي لا يحتمل كونه عن حس بالمباشرة وإنّما يحتمل في حقهم الاطلاع على وثاقتهم من خلال التلقي بالتواتر والتسالم من السابقين وهو يفيد العلم نوعاً لكل انسان سليم العقل فيكون قريباً من الحس ، وكما في وجود مدينة أو جبل لم يسافر إليه الإنسان في حياته أصلاً ولكنه قد تواتر النقل عن وجوده من قبل المسافرين إليه ، كما انّه ليس المقصود نقل وجود رواية عن المعصوم ليقال بأنّه كالخبر المرسل بل المقصود نقل تلقي الحكم الشرعي وهذا واضح.

٢٦٥

حجّية خبر الواحد

ص ٣٤٤ قوله : ( الاستدلال بآية النبأ ... ).

قد يقال في تقريب الاستدلال بمفهوم الوصف في آية النبأ على حجّية الخبر انّ الوصف والقيد له مفهوم بنحو السالبة الجزئية وإلاّ لزم لغوية ذكره على ما هو محقق في محله ، وهذا المقدار يكفي في المقام لاثبات حجّية خبر العادل في الجملة ولو في القدر المتيقن كالخبر العادل المظنون صدوره الذي لا امارة على خلافه ، والبحث هنا في اثبات أصل الحجّية في الجملة لا حدودها.

وقد يجاب عن ذلك بأنّ ذكر وصف الفسق هنا للاشارة إلى فسق المخبر وهو الوليد لا للاحترازية ـ كما ذكر في المتن والحاشية ـ.

وفيه : انّه خلاف الظاهر جداً فإنّ ظاهر الآية أيضاً ارتباط وجوب التبين بفسق المخبر بنحو القضية الحقيقية.

وقد يجاب بأنّ السالبة الجزئية يكفي فيها أن يكون خبر العادل حجة في موارد حصول الاطمينان منه بالصدور فيكون دخل وصف الفسق باعتباره لا يستوجب الاطمينان والعلم دائماً أو غالباً.

وفيه : انّ العلم والاطمينان حجة سواء كان في مورد خبر العادل أو الفاسق وهو خارج عن موضوع الآية. وإن شئت قلت : انّ الموضوع في الآية هو النبأ وظاهره في نفسه ، وبقرينة الأمر بالتبين الذي يعني تحصيل العلم هو الخبر الذي

٢٦٦

لا يعلم بصدقه أو كذبه فإذا قيّد بوصف مجيىء الفاسق كان مفهومه الجزئي أنّ النبأ الذي لا يعلم بصدقه أو كذبه إذا لم يجيىء به الفاسق لا يجب التبين في العمل به في الجملة ، وهذا يثبت الحجّية لخبر العادل في الجملة في غير موارد الاطمئنان والعلم الذي لا ربط له بحجية الخبر وهو المطلوب.

والتحقيق في الجواب على هذا التقريب أن يقال : بأنّ ذكر وصف الفسق في الآية لدخالته في الحكم بوجوب التبين الشديد والأكيد الذي بيّنته الآية فغاية ثبوت المفهوم الجزئي له أنّه بانتفائه ينتفي هذا الحكم المؤكد الشديد في الجملة في خبر العادل ولكنه لا ينافي ثبوت وجوب تبيّن غير مؤكّد فيه أيضاً.

فالحاصل ذكر الوصف إذا كان بحسب مناسبات الحكم والموضوع دخيلاً في تأكد حكم وشدة ملاكه كما في قولك : ( أكرم العالم المتبحِّر ) لا يكون مقتضياً لانتفاء أصل الحكم حتى بنحو السالبة الجزئية ؛ لأنّ هذا المقدار من الدخالة في الحكم وهو الدخالة في شدته وتأكده أيضاً غرض عرفي صالح لذكر القيد فلا يكون ذكره لغواً لكي يتوقف على ثبوت المفهوم الجزئي كما انّه لا يكون خلاف قاعدة احترازية القيود لكونه دخيلاً في شخص هذا الحكم المؤكد. وهذا ما يستفاد من كلام السيد الشهيد أخيراً في دفع التقريب السادس فراجع وتأمل.

ص ٣٤٨ قوله : ( ٢ ـ ما اختاره الشيخ قدس‌سره ... ).

ذكر في تقريب الدلالة على حجّية خبر العادل بناءً على المفهوم للآية أنّها تدل على انتفاء وجوب التبيّن إذا كان المخبر عدلاً فإذا لم يجب التبيّن فاما أن يرد وامّا أن يقبل بلا تبيّن ، والأوّل يجعله أسوأ من خبر الفاسق ، والثاني يساوق الحجّية.

وأفاد الشيخ الأعظم والميرزا انّ الحاجة إلى مقدمة عدم الأسوئية مبني على

٢٦٧

أن يكون الوجوب نفسياً لا شرطياً أي شرطاً للعمل بخبر الفاسق إذ يكون المفهوم عندئذ إذا اريد العمل بالخبر فلا يشترط التبيّن إذا جاء به العادل وهو يساوق الحجّية (١).

وأصرّ المحقق العراقي على الحاجة إلى مقدمة عدم الأسوئية على كل تقدير وتحقيق الحال أن يلاحظ محتملات وجوب التبيّن فنقول كما في الكتاب :

١ ـ إذا كان الوجوب نفسياً لا تفيد ضم مقدمة عدم الأسوئية كما هو مذكور في الكتاب ، وهذا الاحتمال باطل في نفسه.

٢ ـ الارشاد المحض إلى عدم حجّية خبر الفاسق ، وهذا هو ظاهر الآية ، لأنّ هذا اللسان أحد ألسنة نفي الحجّية والعلمية ، وبناءً عليه لا نحتاج إلى مقدمة الأسوئية. إلاّ انّ تسمية هذا بالوجوب الشرطي في غير محله.

٣ ـ الوجوب الشرطي للتبيّن لجواز أو وجوب العمل بخبر الفاسق بأن يكون مفاد المنطوق اثبات شرطية التبيّن لجواز العمل بخبر الفاسق فيكون مفاد المفهوم نفي الشرطية إذا كان المخبر عدلاً.

وعلى هذا نحتاج إلى مقدمة خارجية لأنّ الشرطية لا تفي أكثر من الملازمة وانّه إذا وجب هذا وجب ذاك وامّا هل يجب ذاك أم لا فلا يدل عليه دليل الشرطية ، فلعله يحرم العمل بخبر العادل حتى مع التبيّن ، إلاّ أنّ هذا يجعله أسوأ من خبر الفاسق بل غير معقول في نفسه لاستلزامه الردع عن القطع والتبيّن.

إلاّ أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر ، إذ لو اريد جعل جواز العمل شرعاً ـ الذي

__________________

(١) فوائد الاصول : ١٦٥.

٢٦٨

يساوق الحجّية ـ مشروطاً بالتبيّن فهذا غير معقول ، ولو اريد جعل منشأ انتزاعه وهو حرمة العمل بخبر الفاسق بلا تبيّن والذي قد ينتزع منه عقلاً انّ جواز العمل به مشروط بالتبيّن (١) فيكون المجعول بهذا اللسان ذلك المنشأ للانتزاع كما يقال في سائر موارد الشرطية والجزئية ، فهذا وإن كان معقولاً ثبوتاً إلاّ أنّه غير صحيح اثباتاً ، لأنّ العمل عندئذٍ بالعلم لا بالخبر فعدم جعل الحجّية له لا يوجب انتزاع شرطية التبيّن للعمل به إلاّبالمسامحة المستهجنة عرفاً ؛ إذ لا وجوب للعمل بالخبر ولا عمل بالخبر عندئذٍ بل حتى لو صدق العمل بالخبر فوجوبه عقلي من جهة القطع به لا شرعي ، فليس هنا جعل شرعي ملازم مع جعل شرعي آخر لينتزع منه الشرطية كما هو معنى الوجوب الشرطي. اللهم إلاّ أن يرجع إلى مجرد تعبير لفظي لا شرطية حقيقية فيكون ارشاداً إلى عدم الحجّية فيرجع إلى الاحتمال السابق.

٤ ـ الوجوب الطريقي للتبيّن بمعنى وجوب الاحتياط امّا بتحصيل العلم بالواقع أو الامتثال الاحتياطي ، وهذه مرتبة من منجزية وحجّية خبر الفاسق في قبال الاصول الترخيصية وانتفاء هذا الوجوب لا يساوق حجّية خبر العادل إلاّ بعد ضم عدم الأسوئية.

إلاّ أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر كما ذكر في الكتاب فإنّه كان ينبغي أن يقول : فلا تتركوا خبره وخذوا به ولو من باب الاحتياط ، وكان ينبغي أن يعلل باحتمال اصابة الفاسق للواقع لا بالعكس والتحذير من احتمال كذبه.

__________________

(١) وهو معنى إذا اريد العمل به وجب التبيّن لأنّ المقصود ليس انّ له أن يريد العمل وله أن لا يريدفلابد أن يراد جواز العمل بالمعنى الأعم.

٢٦٩

٥ ـ الوجوب الغيري للتبيّن مع ارادة الأعم من تحصيل العلم والظن ، وهذا ما ذكره العراقي قدس‌سره بعد أن جعل احتمال الوجوب الشرطي بمعنى الشرطية التي هي حكم وضعي انتزاعي خلاف الظاهر فأرجع الوجوب الشرطي إلى وجوب التبيّن بالمعنى الأعم من العلم والظن ـ ليبقى معقولية العمل بالخبر ـ وجوباً غيرياً مقدمة لامتثال الوجوب النفس الطريقي للعمل بخبر الفاسق بعد تحصيل الوثوق به وانتفاء هذا الوجوب الغيري للتبيّن أعني خبر العادل لا يلازم حجيته ما لم تثبت وجوب العمل به النفسي الطريقي إلاّبضم مقدمة عدم الأسوئية ، والجواب ما في الكتاب.

٦ ـ أن يكون الأمر بالتبيّن ارشاداً إلى حكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالواقع حيث لا حجة ، وهذا ما اختاره العراقي قدس‌سره بناءً على ارادة التبيّن العلمي ، إذ على أساسه لا يمكن أن يكون الأمر بالتبيّن لا نفسياً ولا شرطياً ، إذ ليس العمل حينذاك بالخبر بل بالعلم ، فيكون عدم حجّية خبر الفاسق مستفاداً بالملازمة من الأمر الارشادي إلى لزوم تحصيل العلم في مورده. إلاّ انّ انتفاء هذا الأمر الارشادي في مورد خبر العادل كما يمكن أن يكون من جهة الحجّية يمكن أن يكون من جهة العلم بكذب خبره فلابد من ضم عدم الأسوئية.

وقد أشكل عليه السيد الشهيد :

تارة : بأنّ العقل لا يحكم بلزوم تحصيل العلم بل بالأعم منه ومن الاحتياط ، فليس متعلق الأمر بالتبيّن نفس متعلّق حكم العقل ليحمل على الارشاد ، وهذا يمكن أن يجاب عليه بأنّ الآية تأمر بتحصيل العلم حينما يراد الأخذ بمضمون الخبر المحتمل الذي يساوق عدم الاحتياط فيمكن أن يكون ارشاداً إلى حكم

٢٧٠

العقل ، إذ ليس أمراً بتحصيل العلم مطلقاً حتى في قبال الاحتياط بل على تقدير ترك الاحتياط وارادة العمل بالنبأ.

واخرى : بأنّ الآية علّقت وأناطت وجوب التبيّن على الفسق مع انّ الحكم العقلي المذكور ليس معلقاً عليه.

والجواب : انّه اريد بذلك الارشاد إلى عدم حجيته لا التعليق ، فالحكم العقلي المذكور فرع عدم الحجّية لخبر الفاسق فترتبه بهذا الاعتبار.

وإن شئتم قلتم : بأنّ مجيىء الفاسق دخيل في عدم الحجّية الدخيل في وجوب التبيّن وظهور أخذ عنوان في دخله في حكم لا يشترط فيه الدخل المباشر بل يكفي فيه هذا المقدار.

وثالثة : بأنّ الخبر المعلوم كذبه أيضاً مصداق للحكم العقلي المرشد إليه إذ يصدق فيه أيضاً بأنّه لا مؤمن إلاّ القطع بالواقع لعدم إمكان حجيته لأنّ وجوب تحصيل القطع ليس تكليفياً بل لابدية عقلية عملية فلا يقال بأنّ ثبوته في مورد القطع بالواقع تحصيل للحاصل ، فإذا لم يكن خبر العادل غير معلوم الكذب بحجة لزم ثبوت اللابدية المذكورة في تمام موارد الاخبار وهو خلف المفهوم فلابد من فرض حجّية خبر العادل غير معلوم الكذب بلا حاجة إلى ضم الأسوئية.

وفيه : ما ذكر في حاشية الكتاب من انّ الأمر بالتبيّن أمر مقدمي عقلي مترشح من اللابدية العقلية لا أنّها نفس اللابدية العقلية ، وإلاّ لم تكن اللابدية منتفية حتى في خبر العادل بناءً على حجّيته فالمنتفي هو الأمر بالتبيّن وتحصيل العلم الذي هو لزوم عقلي مقدمي. ومن الواضح انّ هذا موضوعه ما إذا لم يكن علم بالكذب فيكون هذا الأمر العقلي المقدمي منتفياً في موارد العلم كموارد الحجة.

٢٧١

والجواب الفني على كلام العراقي ما ذكر في الحاشية أيضاً ، مضافاً إلى أنّ الأمر بالتبيّن العلمي امّا أن يكون ارشاداً إلى عدم جعل الحجّية من قبل المولى لخبر الفاسق ولو من باب كونه ملزوم وجوب تحصيل العلم عقلاً فيكون المدلول أمراً مولوياً هو عدم الحجّية لخبر الفاسق فيكون مفهومه الحجّية لخبر العادل لا نفي وجوب تحصيل العلم لكي يحتاج إلى مقدمة عدم الأسوئية ولو بلحاظ فرض العلم بالكذب ، وهذا هو التقريب الأوّل المختار وامّا أن يكون ارشاداً إلى الحكم العقلي بلزوم تحصيل العلم من دون الدلالة على عدم حجّية خبر الفاسق ، فلا يثبت المفهوم للآية أيضاً.

إلاّ أنّ هذا خلاف الظاهر جداً ، إذ معناه عدم بيان حكم خبر الفاسق شرعاً ؛ لأنّ هذا الحكم ليس موضوعه خبر الفاسق ، بل مطلق ما لا يكون علماً ولا علمياً ، ولعلّ هذا حاق مقصود السيد الشهيد قدس‌سره من الاعتراض الثاني المتقدم.

كما انّ عدم الأسوئية في التقريب المذكور بمعنى كون خبر العادل معلوم الكذب أسوئية تكوينية معلومة العدم وليست أسوئية تشريعية.

ص ٣٥٣ قوله : ( ولا ينبغي الاستشكال ... ).

حاصل الاعتراض على هذا البيان للمفهوم والذي هو بيان المحقق العراقي بروحه على ما يظهر من مراجعة كلامه يتضح على ضوء مقدمة نبيّن فيها ملاك دلالة الشرطية على مفهوم وحاصلها : انّ اقتناص المفهوم يتوقف على تمامية شرطين :

١ ـ أن لا يكون انتفاء الشرط مساوقاً مع انتفاء موضوع الجزاء كما في ( إن رزقت ولداً فاختنه ) وإلاّ لم يكن موضوع للمفهوم كما تقدم بالبيانين المذكورين

٢٧٢

في الكتاب.

٢ ـ أن يكون الشرط تقييداً للحكم في الجزاء وتعليقاً لثبوته على تقدير ثبوت الشرط وهو يتوقف على أن يلحظ الجزاء حكماً وموضوعاً مفروغاً عنه وثابتاً في المرتبة السابقة على الشرط لكي يقيد مطلق حصصه بالشرط فيدل بذلك على انتفاء مطلق حصصه عند انتفاء الشرط ، وامّا إذا لم يلحظ ذلك في مقام الاثبات بل سيق الشرط مساق فرض موضوع الجزاء فلا مفهوم له ، إذ لا يمكن اجراء الإطلاق المذكور في التعليق حينئذٍ ، وهذا هو مقصود سيدنا الشهيد قدس‌سره من تعبيره في الدورة الاولى انّ الشرط الثاني للمفهوم أن لا يكون موضوع الحكم في الجزاء داخلاً تحت دائرة الفرض والتقدير الشرطي. ولا يرد عليه اشكال السيد الحائري في هامش كتابه فراجع وتأمل.

وعلى ضوء هاتين المقدمتين نقول :

لا مفهوم لآية النبأ وذلك لوجهين :

أوّلاً ـ انثلام الشرط الثاني. فإنّ الجملة لم ترد بعنوان إن جاءكم الفاسق بالنبأ فتبينوا. وإنّما ورد بعنوان إن جاءكم فاسق بنباً فتبينوا.

وثانياً ـ عدم احراز الشرط الأوّل ، فإنّه لو فرض انّ مرجع الضمير في التبيّن نبأ الفاسق فانتفائه بانتفاء الشرط عقلي ، والظاهر انّه كذلك ؛ لأنّ مرجع الضمير هو المعنى المشخص لا النكرة فلو قال : النبأ إن جاءكم به الفاسق فتبينوا صحّ فرض الموضوع طبيعي النبأ المعرّف باللام الدالّ على فرض وجوده ، وامّا حيث جاء النبأ نكرة فلابد من أن يكون مرجع الضمير هو الطبيعي المتخصص والمتعين ولو بتعدد الدال والمدلول فيما جاء به الفاسق ؛ لأنّ الضمير من المبهمات التي

٢٧٣

بحاجة إلى تعيينه من خلال مرجعه ولهذا لو قال : ( جاءني رجل وأكرمته ) كان المرجع الرجل الخاص لا طبيعي الرجل ولو ضمن فرد آخر.

ثمّ انّ للسيد الخوئي بياناً آخر في دورته الثالثة لاثبات المفهوم للآية وحاصله : انّ الجزاء إذا كان متوقفاً عقلاً على الشرط فالتعليق ليس مولوياً فلا مفهوم بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فما كان من الأوّل فالتعليق فيه ارشاد إلى حكم العقل وليس تقييداً للحكم بخلاف الثاني فيتمّ المفهوم بلحاظه ، وهذا هو الميزان في ثبوت الموضوع بانتفاء الشرط وعدمه ، وعلى هذا الأساس لابد أن يلاحظ ما يقع في الشرط من القيود فإن كان مما يتوقف عليه الجزاء عقلاً فلا مفهوم بلحاظه وما لا يكون كذلك كان التقييد بلحاظه مولوياً فيثبت المفهوم ، وفي المقام الشرط بحسب التحليل مركب من جزئين : النبأ ، وكون الآتي به فاسقاً ، ويكون أحدهما وهو النبأ موضوعاً للحكم المذكور في الجزاء ؛ لتوقفه عليه عقلاً ، فلا مفهوم بلحاظه ، والجزء الآخر وهو كون الآتي به فاسقاً ممّا لا يتوقف عليه الجزاء عقلاً فيكون التقييد مولوياً بلحاظه فتدل القضية على المفهوم بالنسبة إليه ومفاده عدم وجوب التبيّن عند انتفاء كون الآتي به فاسقاً وهو المطلوب (١).

وهذا البيان واضح الضعف لأنّ تشخيص كون الجزاء متوقفاً عقلاً على الشرط فرع تحديد ما هو موضوع الجزاء في الرتبة السابقة فإنّ الموضوع للتبيّن إن كان نبأ الفاسق فهو ينتفي عقلاً بانتفاء الشرط ، بخلاف ما إذا كان طبيعي النبأ أو النبأ الجائي فالمهم اثبات ما هو الموضوع للجزاء في المرتبة السابقة.

__________________

(١) راجع مصباح الاصول : ص ١٥٨.

٢٧٤

والغريب انّه صرّح بأنّ تشخيص ذلك يكون بالاستظهار العرفي ومع ذلك لم يبيّن في المقام وجه افتراض انّ الموضوع للجزاء ذات النبأ لا نبأ الفاسق.

ثمّ انّ الوارد في تقريراته انّه في الدورة السابقة أنكر المفهوم باستظهار انّ الموضوع ليس هو النبأ بل الفاسق والتبيّن متوقف على مجيئه بالنبأ عقلاً فمفاد الآية انّ الفاسق إن جاءكم بنبأ فتبيّنوا نظير ذلك إن أعطاك زيد ردهماً فتصدق به الذي يكون الموضوع فيه زيد وله حالتان : حالة اعطاء الدرهم وحالة عدم اعطائه ، إلاّ أنّ حالة عدم اعطائه يكون التصدق منتفياً بانتفاء موضوعه فلا دلالة للآية على الموضوع.

وهذا الكلام غريب بظاهره فإنّه وقع فيه الخلط بين ما هو موضوع الشرطية وما هو موضوع الحكم في طرف الجزاء ، فإنّ ما يستلزم السالبة بانتفاء الموضوع إنّما هو انتفاء موضوع الجزاء لا موضوع القضية الشرطية.

ولعلّ واقع مقصوده دام ظله ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره في الدورة الثانية من انّ الشرطية لو كان لها موضوع مستقل عن موضوع الجزاء فلا مفهوم لها حتى إذا لم يكن انتفاء الشرط مستلزماً لانتفاء موضوع الحكم في طرف الجزاء.

إلاّ انّ السيد الشهيد طبّق هذه النكتة على العكس بحيث أنتج ثبوت المفهوم للآية وحصول جواب ثالث على شبهة انّ الشرطية مسوقة لتحقق الموضوع حيث استظهر انّ ما هو الموضوع المقدر وجوده للشرطية هو طبيعي النبأ ومجيىء الفاسق به هو الشرط والتبيّن عن النبأ هو الجزاء فيكون الموضوع وهو النبأ بحكم كونه موضوعاً لأصل الشرطية مقدّر الوجود فيستحيل أن تكون الشرطية مسوقة لتحققه.

٢٧٥

وهذا الكلام يمكن أن يناقش فيه بوجهين :

أحدهما : انّه لا دليل على انّ هناك موضوعاً للشرطية وهو طبيعي النبأ لا نبأ الفاسق أو الفاسق ـ كما ذكر السيد الخوئي دام ظله ـ.

الثاني : أنّ أصل هذا الكلام محل منع فإنّه إن اريد بموضوع الشرطية موضوع جملة الشرط المفروض وجوده فيها من قبيل زيد في إن أعطاك زيد درهماً والختانان في إذا التقى الختانان والولد في إذا رزقت ولداً فهذا لا وجه لأن يكون قيداً في التعليق ، والجملة الشرطية ، بل هو قيد في جملة الشرط فقط كما انّه لا وجه لفرض عدم المفهوم عند انتفائه إذا فرض بقاء موضوع الجزاء كما في مثال إن رزقت ولداً فتصدق على الفقراء ، فإنّه يدل على عدم وجوب التصدق إن لم يرزق ولداً ، وإن اريد بموضوع الشرطية ما يكون خارجاً عن جملة الشرط ومستقلاًّ عنه ، لا ان يكون قيداً للشرطية فهذا بنحو الموضوع غير ممكن بالدقة وإنّما ينبغي أن يكون بنحو الشرط لأنّ الشرطية جملة فلا تقع محمولاً.

والظاهر انّ هذا هو مقصود السيد الشهيد من التطعيم بالحملية لا الحملية بالدقة ، ومثاله : الولد إن رزقته ذكراً فتصدق على الفقير الذي هو في قوة قولك : إن جاء لك مولود فإن كان ذكراً فتصدق على الفقير ، وهذا لا يدلّ على أنّه إن لم يجيىء لك مولود أصلاً لا يجب التصدق على الفقير لانتفاء الشرطية عندئذٍ بانتفاء موضوعها لأنّ نفس الشرطية أصبحت معلقة على فرض وجود المولود كما هو واضح.

إلاّ انّ هذا بحاجة إلى ما يدلّ على تعليق أصل الشرطية على شرط وإلاّ كان الظاهر تعدد الشرط ، فإذا قال : إن رزقت ولداً ذكراً فتصدق على الفقير كان الشرط مجموع الأمرين والذي ينتفي بانتفاء أحدهما كما هو واضح.

٢٧٦

ص ٣٦١ قوله : ( والجواب على هذا الاعتراض واضح ... ).

وحاصله : انّ طبيعي النبأ إذا فرض موضوعاً للجزاء وهو متعلق الشرط فحيث انّ طبيعي النبأ له انحلال واحد فيكون لا محالة هذا الانحلال محفوظاً في طرف الجزاء والشرط معاً فيكون مفاد الجملة انّ كل نبأ إذا جاء به الفاسق يجب التبيّن عنه لا إذا جاء الفاسق بغيره لأنّ هذا خلف الانحلال.

لا يقال : على هذا يكون مفاد الحصر كل نبأ إذا جاء به الفاسق وجب التبيّن عنه أي النبأ الشخصي الجزئي ، ومن الواضح انّ انتفاء مجيىء الفاسق بذلك النبأ الشخصي يستلزم السالبة بانتفاء الموضوع فلا يكون تعليق.

فإنّه يقال : حيث انّ ذلك النبأ الشخصي ملحوظ مفروض الوجود في طرف موضوع الجزاء بقطع النظر عن الشرط وفي المرحلة السابقة عليه فيكون الشرط لا محالة كون الجائي بالنبأ فاسقاً ، وهذا ليس من السالبة بانتفاء الموضوع.

وبعبارة اخرى : الخبر الجزئي منحل تحليلاً وذهناً إلى الحصة الخاصة لطبيعي النبأ وكونها من قبل الفاسق والحيثية الاولى مأخوذة مفروضة الوجود في المرتبة السابقة على الشرط فلا يكون انتفاء الخصوصية مستلزماً لانتفاء موضوع الحكم بحسب عالم المفاهيم والتحليل الذهني عن القضية وإن كان مستلزماً لذلك بحسب الوجود الخارجي نظير قولك هذا الإخبار إن كان إخباراً من قبل الفاسق فتبيّن عنه ، أو يجعل الموضوع النبأ بمعنى المخبر به لا الإخبار فيكون المعنى انّ كل مخبر به إذا جاء به الفاسق وجب التبيّن عنه ، بمعنى عدم جواز الاستناد فيه إليه وعدم حجيته ، ومفهومه إذا لم يجيىء به الفاسق بأن جاء به العادل لا يجب التبيّن فيكون حجة ، ولا محذور في أن يكون في فرض مجيء

٢٧٧

الفاسق به النبأ حجة إذا جاء به العادل أيضاً ؛ لأنّ مفاد المنطوق وهو عدم حجّية مجيىء الفاسق به ثابت أيضاً فيه.

ثمّ انّ اشكال المحقق الاصفهاني قدس‌سره لو تمّ أوجب سقوط المفهوم مطلقاً حتى فيما إذا كان الموضوع جزئياً أو كان موضوع الجزاء غير راجع إلى موضوع الشرط كما في مثالي : ( إن جاءك زيد فأكرمه وإن رزقت ولداً فتصدق على فقير ) فإنّ الاشكال مع تغيير جزئي في التقرير جارٍ فيهما أيضاً حيث يقال : إن كان الشرط قيداً في الجزاء فوجوب الاكرام موضوعه زيد الجائي ، والفقير الموجود بعد رزق الولد ؛ ومن الواضح انتفاء هذا المفهوم بانتفاء الشرط فينتفي الحكم من باب السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول ، وإن لم يكن الشرط قيداً في موضوع الجزاء لزم إطلاق وجوب الاكرام لزيد والتصدق على الفقير في طرف المنطوق أعني على فرض مجيىء زيد ورزق الولد حتى لما إذا كان الاكرام والتصدق قبل مجيئه وقبل رزق الولد بحيث لو كان قد أكرمه قبل ذلك أو تصدق كذلك كان مشمولاً لاطلاق المنطوق لأنّ المنطوق في طرف الجزاء مطلق وجوب اكرام زيد والتصدق على الفقير الصادق على اكرامه قبل مجيئه وقبل رزق الولد كما إذا لم يكن شرط أصلاً مع انّ هذا الإطلاق غير ثابت في طرف الجزاء قطعاً.

فما في تقرير السيد الحائري من اختصاص الاشكال بما إذا كان موضوع الجزاء كلياً وكان راجعاً إلى ما هو موضوع الشرط غير صحيح.

وكذلك ظهر بالبيان المتقدم انّه لا موضوع لاشكال آخر سجله في الحاشية وكأنّه بنى على تصور الانحلال في نفس الشرط أعني مجيىء الفاسق لا في موضوع الجزاء وهو النبأ.

٢٧٨

كما انّ الجواب الذي جعله هو الجواب الصحيح ليس إلاّمجرد دعوى عرفية غير مفهومة ، فإنّه إذا كان الشرط قيداً في موضوع الجزاء ولو في مرتبة طولية وكان هذا مفهوماً من الشرطية فلماذا يكون المفهوم مع ان انتفائه انتفاء للموضوع ما لم نرجع إلى النكتة التي بيّناها في الكتاب للطولية المذكورة فراجع وتأمل.

ص ٣٦٦ الهامش.

الجواب على ما ذكر في الهامش يمكن أن يكون بأحد وجهين :

١ ـ انّ اخبار الكليني بنطق الصفار بنفسه إخبار بالملازمة الاتفاقية بين عدم كذبه ـ ذات عدم كذبه ـ وصدور النص عن المعصوم ؛ لأنّه عالم بهذه الملازمة وجداناً لكونه عالم بنطقه فنتمسك بدليل الحجّية لاثبات هذه الملازمة التي يكون اخبار الكليني عنها بلا واسطة وذات عدم الكذب ثابت لنا بحسب الفرض امّا وجداناً أو تعبداً فيثبت اللازم لا محالة.

ولعلّ هذا هو مقصود السيد الشهيد فكأنّه يدعي الملازمة الاتفاقية والمقارنة بين عدم الكذب بالفعل خارجاً وبين صدور النص ولو لم تكن ملازمة عقلية بينهما ، ولا حاجة إلى الملازمة العقلية.

وكون هذه الملازمة هو الحصة الخاصة أي المقرونة مع نطق الصفار خارجاً لا يضر بعد أن كان هذا القيد بنحو قيد الواجب لا الوجوب كما افيد في المتن إذ ليس اخباره بها معلقاً على نطق الصفار بل إخبار بها بالفعل وبتحقق قيدها.

٢ ـ أن نلاحظ الملازمة العقلية بين صدور النص عن المعصوم وبين مجموع أمرين إخبار الصفار بذلك وعدم كذبه على تقدير إخباره به وهذه الملازمة ثابتة

٢٧٩

سواءً أخبر الكليني بشيء أم لا ، غاية الأمر لابد من احراز شرطها ليثبت الجزاء وهو الحكم الشرعي وبالامكان اثبات شرطها بدليل حجّية خبر الواحد بلا واسطة حيث نثبت الجزء الأوّل منه بتطبيق دليل الحجّية على خبر الكليني حيث انّه يخبر مباشرة عن إخبار الصفار ونثبت الجزء الثاني بتطبيق دليل الحجّية على خبر الصفار بوجوده الواقعي حيث انّ مفاد دليل الحجّية انّ كل ثقة إذا أخبر فلا يكذب في إخباره فيثبت الجزء الثاني وهو نفس القضية التعليقية تعبداً من قبل تطبيق دليل الحجّية على خبر الصفار بوجوده الواقعي والتطبيقان عرضيان ليس أحدهما في طول الآخر ، حالهما حال احراز اجزاء موضوع أثر شرعي واحد بمجموع امارات وطرق عديدة كل منها يثبت بعضها ، وهذا الجواب يقترب روحاً من الوجه الثاني الذي ذكره السيد الشهيد في المتن.

إن قيل : هذا معناه أنّ تطبيق دليل الحجّية على خبر الكليني ولو بلحاظ المدلول الالتزامي لاخباره الذي هو نفس الحكم الشرعي يتوقف على جعل الحجّية في المرتبة السابقة للخبر وإلاّ لم يمكن اثبات الشرط للملازمة المخبر بها من قبل الكليني ، وهذا رجوع وعود على المحذور العقلي وهو توقف شمول الحجّية لخبر الكليني على ثبوتها في المرتبة السابقة بحيث لولا ثبوتها لم يكن يمكن اثبات الحكم الشرعي بخبر الكليني وهذا هو روح المحذور.

ودعوى : انّ دليل الحجّية نطبقه على خبر الصفار بوجوده الواقعي سواء أخبر الكليني عنه أم لا لا يكفي في دفع المحذور وإلاّ لكفى أن يقال انّ ترتب الأثر الشرعي على خبر الكليني يتوقف على ثبوت الحجّية لخبر الصفار بوجوده الواقعي وهو فرد آخر غير خبر الكليني فلا يتوقف موضوعيته لدليل الحجّية على ثبوت الحجّية له بل لغيره فلا محذور.

٢٨٠