أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

التأمين عن الواقع وإنّما يعني انّ الواقع لا يتنجز علينا عن طريق هذا الدليل ، والتأمين الحيثي لا قيمة له ، وإن قصد الثاني قلنا انّ الحكم الظاهري بما هو حكم ظاهري غير قابل للتنجيز حتى يصح التعذير عنه.

فإنّه يقال : بل يعذر عن الواقع من ناحية تلك الامارة وامّا من سائر النواحي فأيضاً يمكن نفي التنجيز امّا باستصحاب عدم جعل ايجاب الاحتياط أو بأصل عقلي أو شرعي آخر ، فإنّ هذا ليس اشكالاً بحسب الحقيقة على جريان الاستصحاب المذكور وتماميته من ناحية تلك الامارة المشكوكة والتي يكون تأميناً شرعياً لا عقلياً بملاك عدم البيان ، وهذا واضح.

وجواب هذا الاشكال بتعبير آخر انّه باستصحاب عدم الحجّية ينقح موضوع إطلاق دليل البراءة الشرعية في هذه المرتبة المؤمنة عن الواقع كما انّه يؤمن عن احتمال شدة اهتمام المولى بالملاكات الالزامية وهذا تأمين شرعي أقوى من التأمين العقلي ، بل ولو لم يكن أقوى منه فإنّه يكفي في جريان الاستصحاب ترتب الأثر العملي الشرعي وامّا عدم كفاية ذلك ولزوم اجراء البراءة والتأمين العقلي عن احتمال التكليف الواقعي أيضاً فهو لا يضرّ بجريان الاستصحاب المذكور ، وهذا الجواب مذكور في الكتاب.

وأمّا بناءً على مسالك القوم من تقوّم الحكم الظاهري بالوصول فينبغي التفصيل بين استصحاب الحجّية واستصحاب عدم الحجّية ، لأنّ الأوّل بنفسه ايصال للحجية فيكون منجزاً أو مؤمناً.

وأمّا الثاني فحيث انّ الشك في الحجّية يساوق العلم بعدمه فلا موضوع لاستصحاب العدم كما أشرنا سابقاً ؛ إذ لو اريد استصحاب عدم الحجّية الفعلية

٢٤١

فهو مقطوع به وإن اريد استصحاب عدم انشاء الحجّية فليس الانشاء مما يترتب عليه الأثر والوظيفة العملية لكي يجري الاستصحاب فيه.

ومن هنا يظهر انّه بناءً على مسالك القوم يتم اشكال الميرزا في المسألة من عدم جريان استصحاب عدم الحجّية ، ولا يتم الجواب المذكور في مصباح الاصول من النقض تارة بالأدلّة على نفي حجّية بعض الظنون الخاصة وبدليل البراءة الشرعية في مورد قبح العقاب بلا بيان والحل اخرى بالطولية بين الحكم العقلي والحكم الشرعي بعدم الحجّية أو بالبراءة.

لوضوح انّ القياس مع الفارق فإنّ الشك في الحجّية بحسب الفرض يساوق القطع بعدم الحجّية الشرعية الفعلية والتي يراد نفيها بالتعبد الاستصحابي ، فليس الاشكال هو اللغوية ليقال بالطولية بل لو كان الاشكال باللغوية أمكن دعوى عدم قدحها بالاطلاق ولو لم تكن طولية ، وإنّما الاشكال من ناحية استلزام الشك في الحجّية لارتفاع موضوع التعبد الاستصحابي وهو الشك في الحجّية الفعلية شرعاً.

وبتعبير آخر : استصحاب عدم جعل الحجّية إنّما يجري في حق من لو كان الجعل ثابتاً واقعاً كان شاملاً له لا من يقطع بعدم شموله له على كل تقدير لفقد قيد آخر في موضوع ذلك الجعل وهو الوصول والعلم به.

وأمّا الدليل على عدم حجّية الظن القياسي فهو يكشف عن عدم الجعل والانشاء المشكوك بحسب الفرض فلو فرض ترتب أثر على ذلك ولو بالملازمة لترتب لا محالة وإلاّ فلا ؛ ولا ضير في الالتزام بذلك.

٢٤٢

ثمّ انّ السيد الخوئي أجاب على الميرزا بأنّ الحكم العقلي بعدم جواز الاستناد والاسناد ، وكذلك البراءة العقلية حكم تعليقي يرتفع بجريان الاستصحاب وإن كان بالاستصحاب يتحقق موضوع آخر لحكم العقل بقبح البيان وعدم المنجزية.

وفيه : أوّلاً ـ انّ المعلّق عليه حكم العقل هو العلم بالمنجز والتكليف لا الأعم منه والعلم بالعدم.

وثانياً ـ هذا المقدار لا يدفع اشكال اللغوية ما لم يبرز نكتة اخرى اضافية ، والجواب الحلّي الفني امّا بلحاظ الأثر العقلي العملي وهو عدم المنجزية فما في الكتاب من انّ عدم المنجزية بحكم العقل من باب عدم العلم غير عدم المنجزية المترتبة على إذن الشارع وحكمه الظاهري فلا تحصيل للحاصل ؛ لأنّ هذا شرعي وذاك عقلي ولا لغوية لأنّ هذا يكشف عن موقف الشارع واذنه وهو ملاك أشد وأقوى في عدم صحة المعاقبة أو في المعاقبة إذا كان الحكم الظاهري الزامياً ، وامّا جريان الاستصحاب بلحاظ الحكم بحرمة الاسناد فهو حكم شرعي لابد وأن يلحظ موضوعه وهو كما في الكتاب.

وهكذا يتلخص انّ الشك في الحجّية يساوق عدم الحجّية عقلاً أي من ناحية الآثار العقلية المترتبة في ذلك المورد من تنجيز أو تعذير لأنّ موضوعها لا ترتفع إلاّ بالعلم بالحجية.

ويساوق عدم الحجّية شرعاً أيضاً تمسكاً بأدلّة الأحكام الظاهرية الشامل باطلاقها لذلك المورد ـ كاطلاق دليل البراءة ـ المستلزم لنفي الحجّية المشكوكة أو باستصحاب عدم تلك الحجّية أو باطلاق أدلّة نفي الحجّية عن الظن وغير العلم إذا فرض استفادة ذلك منها وعدم حملها على الارشاد إلى الحكم العقلي.

٢٤٣

حجّية السيرة

ص ٢٣٣ قوله : ( حجّية السيرة ... ).

ونقصد بسيرة المتشرعة كل ما يعمل به المتشرعة ويلتزمونه عملياً في دائرة ابتلاءاتهم الشرعية ، سواءً كان بالمعنى الأخص أي منشأه منحصراً في حكم الشرع أو بالمعنى الأعم بأن كان من باب التأثر بطبع عقلائي ، ونقصد بسيرة العقلاء ما لم يحرز عمل المتشرعة في دائرة الأحكام والابتلاءات الشرعية به ، ولكن يحرز الطبع والقانون أو الارتكاز العقلائي فيه. وهذا هو المعنى الأخص للسيرة العقلائية ، في قبال السيرة المتشرعية ، وقد يطلق بمعنى عام يشمل ما يعمل به المتشرعة أيضاً ، ثمّ انّه وقع سهواً التعبير في الكتاب عن القسم الثالث بالسيرة المتشرعية مع انّ الصحيح السيرة المشرِّعة سواء كانت عقلائية أو متشرعية.

ص ٢٣٦ قوله : ( بل لأنّه يمكن ادراجه تحت كبرى أصالة عدم النقل ... ).

هذا إنّما يصحّ لو تحقق مجموع شرطين :

الأوّل : أن يقال بأنّ القرينة توجب تغيير المدلول التصوري للفظ ولو في تركيب خاص أو مع القرينة نظير ما يقال في المجاز المشهور وأمّا إذا قلنا بأنّ القرينة ترتبط بالمدلول التصديقي وتدل عليه ابتداءً من دون أن يولّد للفظ مدلولاً تصورياً مغايراً مع ما هو المدلول اللغوي له فلا تجري أصالة عدم النقل حينئذٍ ؛

٢٤٤

إذ موضوعها الشك في تبدل المدلول التصوري فهي تحرز المدلول التصوري ، والمفروض انّه لا شك فيه ، وأمّا المدلول التصديقي فإنّ المحرز له أصالة الظهور بشعبها المختلفة التي منها أصالة عدم القرينة والمفروض عدم جريان أصالة عدم القرينة المتصلة عندنا.

الثاني : لو فرضنا انعقاد دلالة تصورية عرفية للفظ على أساس القرينة النوعية على حد الدلالة اللغوية ولو للفظ ضمن تركيب خاص وشروط خاصّة مع ذلك إنّما تجري أصالة الثبات وعدم النقل إذا كان الشك في أصل النقل لا ما إذا علم بأصله وشك في زمانه ووقته فإنّه لا تجري فيه أصالة عدم النقل للعلم بأصل النقل كما حقق في محله ، وعلى هذا الأساس لو فرض العلم بأنّ الظهور العرفي النوعي المذكور حادث للفظ وإنّما الشك في امتداده إلى زمن صدور النص كان ذلك من قبيل ما إذا علم بأصل النقل عن المعنى اللغوي إلى معنى شرعي وشك في زمانه ووقته فلا تجري فيه أصالة عدم النقل لأنّ نكتتها أصالة الثبات وعدم النقل ومع العلم به لا موضوع له عند العقلاء ، وفي المقام يعلم بانتقال الظهور للفظ ولو ضمن تركيب خاص عن معناه اللغوي إلى المعنى العرفي الفرعي لأنّ القرينة النوعية حادثة على كل حال حتى إذا كان كالمجاز المشهور لأنّ هذا الظهور النوعي أيضاً يتوقف على مرتبة من الاستعمال لكي يكون اللفظ بمجرده مأنوساً مع المعنى العرفي المذكور ، وإنّما يشك في وقته وزمانه فلا يمكن اجراء أصالة عدم النقل.

نعم ، يمكن التمسك بأصالة عدم النقل في طرف العكس كما إذا كان اللفظ ظاهراً عرفاً في نفس المعنى اللغوي اليوم وإنّما نحتمل وجود سيرة أو ارتكاز نوعي في زمن الصدور كان يوجب تغير المعنى والظهور العرفي له عن ذلك

٢٤٥

المعنى اللغوي ، فبأصالة عدم النقل نثبت بقاء الظهور النوعي العرفي مطابقاً مع الظهور اللغوي اللفظي وإلاّ لزم أن يكون هناك انتقال وتغير في الدلالة اللفظية التصورية وهو من الشك في أصل النقل فتجري فيه أصالة عدم النقل.

ومنه ظهر انّه لو قبلنا جريان أصالة عدم النقل في المقام أمكن أن ينفى بها احتمال وجود قرينة لبية نوعية كانت محفوفة في زمان صدور الخطاب باللفظ ومغيرة لمعناها العرفي ، وهذا على خلاف ما ذكره السيد الشهيد فيما سبق من انّ هذا الاحتمال كلما جاء يوجب الاجمال في الدليل ؛ إذ لا يمكن نفيه لا بأصالة عدم القرينة ولا بشهادة الراوي كما هو واضح. والظاهر أنّ اجراء أصالة عدم النقل في الظهورات العرفية القائمة على أساس القرائن الارتكازية النوعية محل تأمل واشكال باعتبار ما ذكرناه في الشرط الأوّل.

وإن شئتم قلتم : انّ أصالة عدم النقل والثبات موضوعها الدلالات التصورية للألفاظ بحيث تكون محفوظة حتى إذا سمع اللفظ من الجدار ، وهذا لا يتحقق مع فرض بقاء المعنى اللغوي على حاله حتى في المجاز المشهور وإلاّ أصبح وضعاً تعينياً.

ص ٢٤٣ قوله : ( ٢ ـ أن تكون دلالة حالية ... ).

يمكن المناقشة في حجّية كل دلالة حالية أو سكوتية لو لم تكن محفوفة بكلام وحيثية تعليلية لانعقاد ظهور فيه ما لم يبلغ مرتبة القطع أو الاطمئنان ، وما قيل من انّ السكوت قد يكون أبلغ من الكلام مجرد تشبيه في أصل الدلالة لا في الحجّية ، ولو فرض حجيتها فهي بحاجة إلى مصادرة اخرى غير كبرى حجّية الظهور.

٢٤٦

ص ٢٤٨ قوله : ( وكلا المعنيين للسيرة المتشرعية تكون حجة بملاك كشف المعلوم عن علته ... ).

الانصاف انّ المعنى الثاني لا يكون كاشفيته بملاك كشف المعلول عن علته لاحتمال أن تكون علته الارتكاز العقلائي.

ودعوى : انّ غفلتهم جميعاً عن السؤال عن الموقف الشرعي منفي بحساب الاحتمالات ، فلابد وأن يكون قد صدر من بعضهم على الأقل سؤال عن الموقف الشرعي من المعصوم فتكون السيرة مستندة إلى نظر الشارع ويكون عمل المتشرعة مبنياً عليه ومعلولاً لموقف الشارع ، فلا يحتاج إلى الركن الثاني أعني عدم الردع.

جوابها : انّ هذا البيان لا يتم إذا كان ذلك الارتكاز أمراً راسخاً في الطبع العقلائي بحيث قد تقع الغفلة لدى الجميع عن السؤال عن الموقف الشرعي أو يوجب تخيّل موافقة الشارع له ، فالسيرة المتشرعية بهذا المعنى أيضاً يحتاج إلى عدم الردع. نعم ، يمن اثبات الامضاء وعدم الردع في هذا النحو من السيرة من نفس تحققها ، إذ لو كان هناك ردع لم تتحقق السيرة المتشرعية ولكان عملهم على الخلاف لكونهم متشرعة ملتزمين بأحكام الشارع فلا يحتاج في مقام اثبات عدم الردع إلى الشرطية الثانية.

وهكذا يتضح أنّ سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص لا يحتاج إلى الأمر الثاني والسيرة المتشرعة بالمعنى الثاني يحتاج إلى الأمر الثاني ولكن خصوص الشرطية الاولى منه وسيرة العقلاء يحتاج إلى كلتا الشرطيتين.

وبهذا أيضاً يمكن أن نفسر الأقوائية للسيرة المتشرعية بالمعنى الأخص عن

٢٤٧

المعنى الأعم.

ثمّ انّ هناك فروقاً اخرى بين السيرتين غير الفرقين المذكورين :

منها : أهمية السيرة المتشرعية بالمعنى الأعم أو السيرة العقلائية وتنوعها كما تقدم ، وسعة دائرة الاستفادة بها في أبواب الفقه والاصول بخلاف السيرة المتشرعية بالمعنى الأخص.

ومنها : انّ السيرة المتشرعية بالمعنى الأخص غالباً ما توجد في مواردها أدلّة اخرى على الحكم من خطابات أو اجماع الفقهاء لكونها معلولة للموقف الشرعي الذي ينعكس على الناس عادة من خلال خطاباته بخلاف السيرة العقلائية.

ومنها : انّ طريق اثبات السيرة العقلائية ومعاصرتها لزمان المعصوم أيسر من اثبات معاصرة سيرة المتشرعة بالمعنى الأخص لأنّ أوضاع المتشرعة اليوم قد تكون ناشئة من فتاوى العلماء واثبات الوضع المتشرعي في زمن المعصوم يحتاج إلى تبعات تاريخية لا تخلو من صعوبة بخلاف فهم الطباع العقلائية.

ص ٢٥٢ قوله : ( وإنّما المقصود ان كلّ عاقل يرى ... ).

ويمكن أن يكون المقصود انا بملاحظة المولويات العقلائية الواقعة في الخارج نلاحظ جعل الظهورات حجة كما في باب المرافعات والأوضاع الاجتماعية والعلاقة مع الامراء والحكومات التي تعتبر نوعاً من المولوية ، وهذا لا ينافي مع كون الحكم الظاهري بالحجية يجعله كل آمر على مأموره في حدود أغراضه مع مواليه لا غير.

٢٤٨

ص ٢٥٤ قوله : ( وهذا البيان يحتاج في تتميمه إلى دعوى مصادرة وجدانية ... ).

المقصود انّ الاستحالة إنّما تكون إذا كانت الاطلاقات الرادعة تشمل نفسها ، وأمّا إذا لم تشمل نفسها أو كان اطلاقها لنفسها فقط ساقطاً عن الحجّية واحتملنا الفرق في عدم الحجّية بين هذه الاطلاقات وسائر الظهورات والظنون أمكن التمسك بالسيرة العقلائية في شخص هذه الاطلاقات ، للردع عن غيرها من الظنون ، ولا محذور فيه.

وما في الهامش هنا من عدم شمول هذه الاطلاقات للظهورات واختصاصها بسائر الظنون للزوم نحو تناقض عرفي لو اريد اعتماد الظهور للردع عن الظهور لا وجه له ؛ إذ لا تناقض حتى عرفاً في اعتماد الظهور والإطلاق لنفي حجّية الظنون حتى الظهورات غير القطعية ، وهذا واضح.

ثمّ إنّ هنا جواباً آخر على دعوى استحالة الرادعية في المقام ، وحاصله : أنّ رادعية الاطلاقات لا تتوقف على حجيتها ، بل تكفي دلالتها اللغوية والعرفية وكشفها التصديقي الظني ـ ولو لم يكن حجة ـ على الرادعية ونفي حجّية الظنون في اثبات الردع بمعنى عدم امكان الكشف عن الامضاء ؛ إذ كيف يستكشف الامضاء مع وجود مثل هذه الدلالات والكواشف الظنية الرادعة. نعم ، لو اشترطنا في الرادع أن يكون حجة لم يتم هذا الجواب ، إلاّ انّه بلا موجب كما هو واضح.

ص ٢٥٥ قوله : ( إلاّ أنّ الصحيح امكان تعميم نتيجة السيرة ... ).

يرد عليه : أوّلاً ـ عدم توقف الجزم بالسيرة المتشرعية على فرض سيرة

٢٤٩

العقلاء بل نقطع بذلك امّا من مراجعة عملهم ـ كما ذكر في الهامش ـ أو باعتبار انّه لو كان لهم طريقة اخرى لانعكس باعتبار انّه لابد لهم من طريقة في فهم الأحكام الشرعية ومرادات الشارع غير العلم والاطمئنان ولو كان غير العمل بالظهورات التي يعملها المتشرعة اليوم لبان ذلك وانعكس في التاريخ.

وثانياً ـ لو سلّم التوقف على ذلك لم يكن هذا استدلالاً بسيرة المتشرعة التي لا تحتاج إلى الركن الثاني وهو عدم الردع بل استدلال بالسيرة العقلائية لأنّها تحتاج إلى اثبات عدم الردع كما ذكر في المتن.

وإن شئت قلت : لا يمكن الكشف الاني عن حكم الشارع إلاّبما وقع عمل المتشرعة به خارجاً لا بما يكون في ارتكازهم بما هم عقلاء من التوسعة مع عدم احراز عملهم به ؛ إذ ليس المراد اثبات السيرة لدى المتشرعة بمعنى انّ المتشرع كان يرى الحجّية بنحو القضية الشرطية ولو من جهة تأثّره بالطبع العقلائي ، بل المراد بالسيرة المتشرعية العمل الكاشف والمعلول لحكم الشارع والذي لا يحتاج إلى ضم مقدمة عدم الردع ، وهذا لا يكون إلاّفيما يحرز وقوعه خارجاً من عمل المتشرعة امّا ارتكازهم المتأثر بالطبع العقلائي وحده فلا يمكن أن يكون كاشفاً عن الموقف الشرعي ومعلولاً له كما هو واضح.

ص ٢٦٠ في الهامش : ( ثمّ انّ هنا وجهاً آخر ... ).

هذا الوجه يمكن جعله تقريراً آخر للوجه الثالث ، فإنّه إذا قلنا بالامضاء لكل الارتكازات العقلائية قبل اكمال الدين وانّ الروايات ناسخة لذلك الامضاء جرى الاستصحاب كما في المتن ، وإن قلنا بعدم الامضاء بل مجرد السكوت الظاهر في الامضاء فينكشف خلافه بالروايات فتكون مقيدة لذلك الظهور لا ناسخة تم

٢٥٠

الوجه المذكور ، فإنّ الظهور السكوتي أو اللفظي ـ لو فرض وجود اطلاقات تدل على الامضاء ـ حجة ما لم يثبت المقيد والمخصص فمجرد احتمال التقييد غير كافٍ.

ص ٢٧٣ قوله : ( القول الأوّل ... ).

حاصل كلام المحقق القمي هو التفصيل بين من قصد افهامه وغيره أو بين المخاطب والمشافه وغيره ، وهناك فرق بينهما من ناحية انّ من قصد افهامه قد تحصل دلالة عقلية ـ كدلالة الاقتضاء والحكمة القائمة على أساس عدم نقض الغرض ـ على ارادة ما فهمه من الخطاب ، إلاّ أنّ احتمال ارادة المفصل هذه الدلالة من تفصيله بعيد جداً لأنّ هذه الدلالة قطعية أو اطمئنانية وعقلية لا ربط لها بحجية الظهورات التعبدية كما انّه ليس في تمام الموارد إذ قد يحتمل قصد الاجمال ولو في جانب من دلالات الكلام حتى للمقصود بالافهام فلابد وأن يكون مقصود المفصل من المقصود بالافهام من صدور الخطاب له من أجل افهامه ولو لم يكن حاضراً مجلس الخطاب ومشافهاً به فيكون حاله حال المخاطب. فما هو ظاهر المتن من انّ المقصود بالافهام يستغني في أكثر الاحتمالات الخمسة عن أصالة الظهور ولا يحتاج اليها في غير محله.

وأيّاً ما كان فالتفصيل المذكور يمكن أن يذكر له تقريبان كما في المتن ، وقد اعترض عليه بعدم اختصاص أصالة الظهور بمن قصد افهامه أو بالمخاطب.

وهذا الجواب بهذا المقدار لا يشفي الغليل لما تقدم من انّ حجّية الظهور ليس تعبدياً بل على أساس نكتة الكاشفية فيدعى عدم انحفاظها لغير المخاطب أو لغير من قصد إفهامه إذ لعل هناك قرينة حالية أو اصطلاح خاص بين المتكلم

٢٥١

وبينهما بحيث لو كان هذا المكلف حاضراً أو مقصوداً بالافهام لتغير المدلول بالنسبة إليه وهذا الاحتمال لا كاشف ينفيه.

وحاصل جواب السيد قدس‌سره بيان مناشىء احتمال ارادة خلاف الظاهر والتي تجري فيها الأصل العقلائي أو لا تجري. وهي كما يلي :

١ ـ احتمال ارادة الاجمال والاهمال ، وهذا ينفيه أصل عقلائي وهو ظهور حال نفس تصدي المتكلم للتكلم والافهام والمحاورة في انّه ليس في مقام الاهمال والاجمال وهو حجة بحق المخاطب وغيره ، والمقصود الافهام ـ بالمعنى الذي تقدم منا والذي قد يكون مساوقاً مع المخاطب بالخطاب ـ على حد واحد لأنّ نكتة الكاشفية واحدة للجميع وهي أصل تصدي المتكلم للبيان والمحاورة في ذلك الموضوع.

٢ ـ احتمال ارادة خلاف الظاهر ولو من خلال اعتماد قرينة منفصلة ، وهذا أيضاً ينفيه ظهور حال المتكلم في بيان تمام مرامه بشخص خطابه لا بالقرائن المنفصلة ، فإنّها خلاف الطبع الأولي وإن كان واقعاً كالمجاز الذي لا يضر وقوعه في ظهور ارادة الحقيقة وكثرة وقوعه في حق شارعنا الأقدس لا يمنع عن أصل انعقاد هذا الظهور الحالي. نعم ، يوجب عدم حجيته قبل الفحص عن القرينة المنفصلة على ما سيأتي في محله.

٣ ـ احتمال ارادة الخلاف وبيان قرينة متصلة لم يلتفت اليها وهذا نسبته إلى كل من حظر وسمع الخطاب على حد واحد وينفيه أصالة عدم الغفلة العقلائية كما انّه بالنسبة لغير من حضر ينفيه شهادة الراوي كما شرحناه.

٤ ـ احتمال ارادة الخلاف من جهة احتمال الضياع ، وهذا نسبته إلى الجميع

٢٥٢

على حد واحد ، وقد ذكرنا انّه لا نافي له كلما جاء هذا الاحتمال.

٥ ـ احتمال ارادة الخلاف على أساس وجود أمر أو اصطلاح خاص بينهما.

وهذا الاحتمال قد نفاه السيد قدس‌سره بأصل عقلائي وظهور حالي آخر هو ظهور حال المتكلمين باتباع الطريقة اللغوية العامة إلاّمع التنصيص على ذلك في مقام المحاورة.

وهذا التعبير بظاهره لا يخلو من مسامحة فإنّه ليس هناك أصل عقلائي كذلك بل ظاهر حال كل متكلم انّه يعتمد كل ما يمكنه أن يعتمد عليه في افهام غيره ومخاطبته ، فلو فرض وجود قرينة لبية أو حالية بينهما أو لغة ورمز مخصوص لم يمكن نفي ذلك بمجرد عدم التصريح منهما بذلك وليس في سكوتهما عن التصريح بذلك في شخص هذا الخطاب دلالة على عدمه بل حال هذا الاحتمال حال القرائن اللبية الارتكازية التي تقدم من السيد الشهيد قدس‌سره أنّه لا أصل نافي له.

فهذا الاحتمال لابد من نفيه وجداناً بالعلم أو الاطمئنان الشخصي كما في سائر موارد احتمال القرائن اللبية والارتكازية.

هذا إذا كان ذلك الرمز أو الاصطلاح عاماً ، وأمّا إذا كان خاصاً بشخص ذاك الخطاب كفى في نفيه سكوت الراوي عنه وشهادته السلبية فهذا الاحتمال بحسب الحقيقة من مصاديق وتطبيقات الاحتمال الثالث ونفيه يكون بدعوى الجزم أو الاطمئنان بعدم وجود رمز أو اصطلاح بين الأئمّة والرواة ، وامّا احتمال القرائن الخاصة المحفوفة بشخص كل خطاب أو مجلس المخاطبة فينفيها سكوت الراوي.

ثمّ انّ هنا اشكالاً آخر على أصل هذا التفصيل ذكره السيد الخوئي قدس‌سره في

٢٥٣

المصباح وحاصله انّه لا موضوع لهذا التفصيل حتى إذا قبلنا كبراه فلا يلزم منه انسداد باب العمل بالروايات كما ادعاه المحقق القمي إذ لا اشكال في انّ الرواة كانوا مخاطبين أو مقصودين بالافهام من الروايات. ثمّ إنّهم نقلوها بالمعنى أو باللفظ مع قصد الافهام للطبقة الثانية وهكذا إلى أصحاب الكتب كالكليني والصدوق والشيخ قدس‌سرهم وهم أيضاً كانوا يقصدون افهام كل من ينظر في كتبهم فيكون موضوع الحجّية تاماً في حق الجميع.

وهذا البيان قابل للمناقشة فانا لو سلمنا التفصيل فيحتمل أن يكون هناك اصطلاح أو رموز أو فهم خاص لنصوص الأحاديث التي كان الرواة خصوصاً أصحاب الاصول والكتب متقيدين بنقل ألفاظها من دون تصرّف فيها فلم يكونوا بصدد نقل المعنى وقصد افهامه للطبقة الثانية بل بصدد نقل متن الحديث ونصّه ، بل حتى لو فرض النقل بالمعنى في حق أصحاب الكتب وقصدهم افهام معنى الأحاديث للطبقة الثانية ، فهو أيضاً في إطار الفهم العام في زمانهم لا زماننا الذي يفصل بيننا وبينهم أكثر من ألف سنة ، فلا نافي لهذا الاحتمال إلاّ التتبع والجزم أو الاطمئنان بعدم وجود قرينة نوعية على خلاف المعنى اللغوي العام.

ثمّ انّ الشيخ الأعظم قدس‌سره تعرّض هنا لشبهة احتمال التقطيع في الروايات بنحو كان يوجب الاخلال في الظهور ، وهذا يجعله بالدقة من موارد احتمال قرينية الموجود لا وجود القرينة للعلم بوجود الاتصال الذي قطعه الرواة وهو محتمل القرينية ، وفي مثله لا تجري أصالة عدم القرينة حتى عند المشهور.

وحلّه ما أفاده أيضاً ، وبتوضيح منّا : انّ شهادة الراوي السلبية ينفي ذلك ؛ لأنّهم كانوا عارفين بأساليب اللغة فلو كان في المُقطَّع ما يغيّر المعنى لكان ينبغي

٢٥٤

أن ينبه عليه الراوي وإلاّ كان خلاف أمانته أو خلاف التفاته وعدم غفلته ، فعدم التنبيه والذكر لذلك بنفسه شهادة سلبية على نفي قرينية الموجود كنفي وجود القرينة.

ص ٢٧٧ قوله : ( شبهة خبر الاغريقي المعروفة ... بعد فرض كذب سائر أخبار الآخرين ... ).

لا موجب لهذا القيد حتى يقال انّه مع فرض كذبها كيف يمكن فرض كذب هذا الأخبار وإنّما لابد من أن نفرض عدم وجود أي اخبار آخر لأي اغريقي ولا لهذا الرجل غير هذا الاخبار وهو قضية حقيقية تشمل كلما يفرض خبراً اغريقياً وحيث لا مصداق له غير نفسه فيكون مصداقاً لنفسه ، فاما أن يفرض كاذباً أو صادقاً أو لا كاذباً ولا صادقاً ولا شق ثالث ، والأخير ارتفاع للنقيضين ، والأولان يلزم من كل منهما نقيضه أي اجتماع النقيضين وكونه صادقاً وكاذباً وهو محال أيضاً.

وقد أجاب السيد الشهيد عن الاشكال بالانحلال إلى اخبار ونسب خبرية إلى ما لا نهاية ؛ لأنّ القضية الخبرية الحقيقية هذه بنفسها خبر أيضاً ونسبة بين محمول وموضوع من اغريقي فيقع موضوعاً لمحمولها وهو الكذب ـ إذا افترضناها كاذبة ـ وبذلك يتحقق اخبار عن كذبها وهذا خبر جديد يتولد في طول القضية الحقيقية وهو الإخبار عن كذب تلك القضية الحقيقية وهذا الإخبار صادق وليس كاذباً بعد فرض كذب القضية الحقيقية وحيث انّ القضية حقيقية فتشمل هذا الإخبار أيضاً ؛ لأنّه خبر اغريقي وبلحاظ هذا الشمول يتولد إخبار عن كذب الإخبار بكذب القضية الحقيقية لأنّ محمول القضية الحقيقية الكذب ، وحيث انّ

٢٥٥

ذاك الإخبار ليس كذباً بل صدق فهذا الإخبار الثالث الناشيء من هذا الشمول يكون كاذباً ، وحيث انّه إخبار أيضاً فيقع موضوعاً جديداً لمحمول القضية الحقيقية أيضاً فتتشكل نسبة خبرية جديدة بين المحمول في القضية الحقيقية وهذا الكذب وبين هذا الإخبار وحكم عليه بأنّه كاذب وهو نسبة خبرية رابعة صادقة وهكذا.

ولو فرضنا صدق القضية الاولى فحيث انها حقيقية فتشمل نفسها وحيث انها ليست كاذبة بحسب الفرض فيكون اطلاقها وشمولها لنفسها والإخبار عن كذب نفسها اخباراً ثانياً كاذباً ، وهذا الإخبار أيضاً خبر اغريقي فيكون مشمولاً لمحمول القضية الحقيقية فيكون هناك اخبار ثالث عن كذب الإخبار الثاني وهو إخبار صادق ، وحيث انّه اخبار فيكون مشمولاً لموضوع القضية الحقيقية أيضاً فيكون قد أخبر أيضاً عن كذبه وحيث انّه صدق فيكون هذا الإخبار الرابع كاذباً وهكذا إلى ما لا نهاية حسب المقدار الذي نلاحظ فيه هذه الانطباقات النفس الآمرية الاعتبارية ولا محذور في التسلسل في ذلك ، بل لا محذور في التسلسل في سلسلة المعلولات حتى في الوجودات العينية فضلاً عن الاعتبارية ـ المعقولات الثانوية ـ.

بل يمكن أن يقال : انّ هذه الإخبارات تحليلية وبلحاظ مرحلة مدلول القضية بالحمل الأولي وهو صدق النسبة الخبرية ، وحيث انّ النسبة الخبرية تصورية وذهنية لا واقعية فلا تسلسل ، وإنّما يمتد ذلك بمقدار الملاحظة الذهنية للنسبة ولأنّ الصدق والكذب صفتان للنسبة الذهنية لا النسبة الواقعية فإنّها لا تتصف بالصدق والكذب والنسبة الذهنية تدور مدار مقدار التصور الذهني لتلك النسبة فلا موضوع للتسلسل أصلاً.

٢٥٦

والظاهر انّ هذا الجواب بحاجة إلى تمحيص وتطوير فإنّه بحسب الحقيقة لا يوجد انحلال وقضايا عديدة بل هذه القضية مفرّغة بلحاظ نفسها حتى إذا كانت حقيقية فإنّها لا يمكن أن تشمل نفسها ، بشهادة وجدانية أنّ هذه القضية لو كانت وحدها بحيث لم يكن يوجد خبر اغريقي غيره لم يكن معنى لافتراضها كذباً أو صدقاً وهذا ينبه إلى انّه لا يمكن أن تكون هذه القضية صادقة أو كاذبة بلحاظ نفسها فلابد من حلّ آخر.

وحاصله ما اشير إليه في حل شبهة التناقض الذي أثاره ( رسل ) ، وتوضيحه : أنّ الصدق والكذب حيث انهما صفتان للقضية المعقولة لا للواقع الخارجي ـ فهو من المعقولات الثانوية التي تتوقف على وجود نسبة خبرية وقضية معقولة في المرتبة السابقة على ثبوت نفس الصدق والكذب فإذا كانت النسبة الخبرية والقضية المعقولة المتحققة في طول هذا الإخبار محمولها نفس الصدق والكذب فلا يكون هناك محكي لها لكي تصدق أو تكذب بلحاظه.

وهذا يعني انّه حتى إذا كانت القضية حقيقية فلا يمكن أن تحكي نفسها لأنّ صدقها على نفسها فرع أن تكون هي قضية ذات موضوع ومحمول ويكون محمولها غير نفس الصدق والكذب ؛ لأنّ الصدق والكذب يكون صدقهما متوقفاً في المرتبة السابقة على وجود قضية معقولة غيرها فلا تكون مثل هذه القضية صادقة أو كاذبة إلاّبلحاظ قضية اخرى غيرها تكون بمثابة القضية الأولية بالنسبة إلى هذه القضية الثانوية ، فإنّه إذا وجدت قضية كذلك فتلك تتصف بالكذب أو الصدق بلحاظ المطابق الخارجي لها فتتشكل قضية اخرى هي الإخبار عن صدق أو كذب تلك القضية الاولى وهذا الإخبار يمكن أن يتصف بالصدق والكذب كما إذا كانت تلك القضية صادقة مثلاً ولكن اخبرنا بأنّها كاذبة

٢٥٧

أو بالعكس فتكون القضية الثانية كاذبة ، وإذا اخبرنا عن حقيقة صدقها أو كذبها كانت القضية الثانية صادقة فيمكن الإخبار عن صدقها أيضاً في قضية ثالثة انحلالية وهكذا.

وهذا يعني انّ الانحلال فرع وجود قضية أولية ، فمع عدم وجود قضية أولية تكون القضية مفرغة غير قابلة للصدق أو الكذب فلا تشمل نفسها ، ومع وجود قضية أولية يمكن أن تشمل نفسها ، وحينئذٍ إذا فرضت تلك القضية الأولية صادقة كانت القضية الثانوية كاذبة بلحاظ إخبارها عن كذب القضية الأولية ولأنّها تكون بنفسها خبر اغريقي فهناك إخبار عن كذبها أيضاً بالانحلال ، وهذا الإخبار صادق وهكذا.

وإذا كانت القضية الأولية كاذبة كانت القضية الثانوية صادقة ولا يلزم من صدقها كذبها ولكن يلزم أن يكون الإخبار عن كذب كل خبر اغريقي حتى هذا الإخبار الثانوي بالانحلال كاذباً فيكون الإخبار الثالث كاذباً وهو بنفسه إخبار اغريقي مشمول للإخبار عن كذب كل خبر اغريقي ، فهناك إخبار عن كذب الإخبار الثالث وهو إخبار صادق لا كاذب وهكذا.

لا يقال : إذا كانت هذه القضية حقيقية فهي تحكي الملازمة الواقعية بين اخبار اغريقي وبين كذب ذلك الإخبار وهذه قضية أولية صدقها أو كذبها لا تستلزم صدق طرفيها فيمكن أن تتصف بالصدق والكذب من دون فرض قضية قبلها في المرتبة السابقة.

فإنّه يقال : إذا فرض انّ محكي القضية الحقيقية المذكورة هذه الملازمة الواقعية لزم من صدقها بمعنى ثبوت هذه الملازمة الواقعية استحالة الإخبار

٢٥٨

عنها من قبل الاغريقي لا انّه يلزم كذبها ليكون من التناقض ، فإذا فرض الإخبار عنها كان بنفسه دليلاً على عدم ثبوت تلك الملازمة الواقعية فلا يلزم من صدقها كذبها بل استحالة الإخبار وحيث انّ الإخبار فعلي فيستكشف عدم الصدق كما انّه لا يلزم من كذبها صدقها حتى إذا فرض انحصار الإخبار فيها لأنّ معنى كذبها عدم ثبوت الملازمة الواقعية ، ومجرد كذب هذا الاخبار لا يلزم منه صدق الملازمة المفاد به كما هو واضح.

وبهذا يتضح انّ الجواب الفني على شبهة الاغريقي أن يقال : انّ هذه القضية إن كانت خارجية أي ناظرة إلى ما يفرض قبلها من الأخبار فهي لا تشمل نفسها كما هو واضح وإن فرضت قضية حقيقية تحكي الملازمة بين اخبار الاغريقي والكذب فهي كاذبة جزماً ؛ لأنّ صدقها يلزم منه استحالة وقوع الإخبار بها عن الاغريقي فنفس فرض وقوعه دليل كذبها ولا يلزم من كذبها ثبوت الملازمة ، وهذا يعني انّ هذه القضية يستحيل أن تشمل نفسها لأنّها امّا خارجية أو قضية حقيقية كاذبة لأنّها يستحيل أن تحكي الملازمة حكاية صادقة مطابقة للواقع.

وهذا يعني انّه لا يوجد هناك انحلال ؛ لأنّ القضية إذا كانت خارجية فلا انحلال وإذا كانت حقيقية فهي كاذبة ولا يلزم من كذبها صدق الملازمة لتكون صادقة فتدبر جيداً.

وهذا البيان لا يجري في شبهة راسل لأنّ البحث هناك عن المفهوم التصوري لا التصديقي وهي منتزعة عن مفهوم مفروض مسبقاً فهي من القضية الخارجية دائماً أي لابد من فرض مفهوم قبله وإلاّ كان مفرّغاً غير قابل للاتصاف بالصدق والكذب على نفسه.

٢٥٩

ص ٢٩٢ قوله : ( لا ينبغي الاشكال في انّه الظهور الموضوعي ... ).

ما ذكر في التعليل بظاهره قابل للمناقشة فإنّ الظهور الشخصي أيضاً فيه كاشفية وطريقية شخصية كالظن الشخصي. والظاهر انّ حاق المقصود هو انّ الظهور المذكور هو ظهور حال المتكلم في ما يريده باللفظ وهو أمر واحد ثابت بلحاظ الطرائق العامة النوعية للدلالة وهو المعبّر عنه بالظهور الموضوعي ، وامّا الظهور الشخصي الذاتي فهو أمر نسبي متغير من فهم شخص إلى شخص فلا يناسب أن يكون هو موضوع الحجّية إذ لا ربط له بالمتكلم وحاله ، والارتكاز العرفي أيضاً يشهد على انّ كلّ خطاب له ظهور واحد لا ظهورات عديدة نسبية بعدد الأفراد.

ص ٣١٩ قوله : ( ٢ ـ ما كنا نورده نحن في الدورة السابقة ... ).

حاصل الاشكال انّه بناءً على انكار الملازمة العقلية بين الإجماع المحصل وبين الحكم الشرعي وانّ كاشفيته الإجماع والتواتر من باب حساب الاحتمالات الذي ينتهي إلى تضعيف الاحتمال وفي النهاية حصول العلم من خلال تلك الاحتمالات في ذهن الإنسان طبعاً وذاتاً لا من جهة برهان استحالة الصدفة أو التواطؤ على الخطأ والكذب ، فهذا الحساب إنّما يجري ويفيد في حق من يحصل عنده ذاك الإجماع أو التواتر لا من ينقل إليه ذلك ؛ إذ لا يفيد خبر الواحد للعلم وإنّما يراد اثباته بالتعبد وحينئذٍ لو اريد اجراء التعبد وتطبيقه على المدلول المطابقي لنقل الإجماع فهو ليس حكماً شرعياً وإن اريد تطبيقه بلحاظ المدلول الالتزامي فهو فرع ثبوت الملازمة العقلية أي فرع ثبوت قضية شرطية كلية حقيقية مفادها انّه كلما تحقق التواتر أو الإجماع كان المخبر به أو المجمع

٢٦٠