أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

بين الأحكام التكليفية لابد وأن تلحظ في مرحلة ما هو بعث بالحمل الشايع وبالفعل لزم التضاد في هذه المرحلة بين الحكمين الواقعي والظاهري ، وهذا وإن كان روحاً هو اشكال نقض الغرض إلاّ انّه حسب منهجة هذا المحقق في فهم الأحكام التكليفية وكيفية التضاد فيما بينها يمكن جعله محذوراً خطابياً ؛ لأنّ حقيقة الخطاب الفعلي عنده ما يكون بعثاً بالحمل الشايع ، فيكون مركز التضاد ذلك لا محالة ، ولكان جعل الحكم الظاهري مساوقاً للتصويب وارتفاع الحكم الواقعي بما هو حكم وبعث بالحمل الشائع.

ورابعاً ـ بالنقض بما إذا كان الحكم الظاهري واقعياً فإنّه لو تمّ هذا الوجه لجاز جعل حكم واقعي مضاد في مورد الشك أو الظن في الحكم الواقعي ، مع انّه لا اشكال في لزوم التضاد فيه.

ومن مجموع ما ذكرناه ظهر أنّ الأجوبة المذكورة لدفع اشكال التضاد كلها قد أخطأت الطريق ؛ لأنّ جملة منها حاولت علاج الموقف عن طريق ملاحظة القيود والكيفيات اللحاظية الذهنية لدفع اشكال التضاد ، غافلين عن أنّ وحدة الملحوظين في اللحاظين الذهنيين المختلفين وانطباقهما في الخارج على مورد واحد هو ميزان التضاد ، وبعضها حاولت اخلاء الحكم الظاهري عن المبادئ كلاًّ وكونه مجرد انشاء وضعي أو تكليفي أجوف ، أو كون مباديه في نفس جعله فلا يلزم التضاد في متعلّق الحكم غافلين عن أنّ هذا يجعله مجرّد لقلقة انشاء ، لا يمكن أن يقع موضوعاً لحق الطاعة والمنجزية والتحريك نحو متعلقه ، وبعضها أنكرت المبادئ في كلا الحكمين الواقعي والظاهري معاً ، وجعلت روح الحكم وحقيقته البعث والتحريك بالحمل الشائع المتقوّم بالوصول ، وحيث لا يصل الحكمان معاً فلا تضاد بينهما ، وقد عرفت أنّه أسوأ الحلول والأجوبة مبناً وبناءً ،

٢٠١

كيف ولا ينبغي الشك في أنّ المشرّع لا يمكنه ـ مع قطع النظر عن وصول تشريعاته للمكلفين أو عدم وصولها ـ أن يحكم في مورد واحد بحكمين متضادين ، وهذا واضح.

والمنهج الصحيح والحلّ اللازم في دفع اشكال التضاد أن نصوّر حكماً ظاهرياً له مبادئ حقيقية في نفس المولى ـ لا مجرّد لقلقة انشاء ـ لكي يمكن أن يقع موضوعاً لحكم العقل بالطاعة والمحركية المولوية ، وفي نفس الوقت لا تكون تلك المبادئ مناقضة أو مضادة مع مبادئ الحكم الواقعي ، بل قابلة للاجتماع معها في موارد الشك وعدم العلم بالحكم الواقعي ، وهذا المنهج سوف يتضح في نهاية المطاف.

المقام الثاني ـ في دفع المحذور الملاكي والذي يمكن تقريبه بأحد نحوين :

الأوّل : ما يحكم به العقل من قبح تفويت المصلحة بجعل الحكم الظاهري على خلاف الواقع على المكلف أو القائه في المفسدة.

الثاني : ما يلزم من جعل الحكم الظاهري من نقض الغرض من الحكم والخطاب الواقعي وهو ممتنع وهذا الغرض إذا اريد به الفرض من المأمور به الذي هو نفس المصلحة والمفسدة أو أي غرض آخر يريده المولى ، رجع إلى الوجه الأوّل بروحه ، ويكون محصل الوجه الأوّل لزوم تفويت الغرض من التكليف والذي إذا كان من نوع المصلحة أو المفسدة فتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة يكون قبيحاً عقلاً ، وإلاّ فهو لا يصدر من الملتفت ، ولو فرضنا انكار الحسن والقبح العقليين أو المصلحة والمفسدة في متعلقات الأحكام كما على مسلك الأشعري.

٢٠٢

ومن هنا قد يقرر محذور نقض الغرض بنحو آخر حاصله : لزوم نقض الغرض بلحاظ المنتهى والمقصود من جعل الخطاب الشرعي ، فإنّ الغرض المولوي من جعله وانشائه هو ايجاد الداعي وتحريك المكلف نحو الامتثال ، فالمنع عن ذلك بجعل حكم ظاهري مخالف خلف ذلك الغرض المولوي.

وإن شئت عبّرت عنه بأنّه يستلزم التناقض أو التضاد بلحاظ الغرض من جعل الخطاب ؛ لأنّ الخطاب إنّما يجعله المولى بغرض المحركية ولو في طول وصوله ومنجزيته فجعل ما يمنع عن ذلك ويصدّه وينافيه خلف ممتنع ـ ولعله لهذا جعله المحقق العراقي قدس‌سره محذوراً خطابياً لا ملاكياً ؛ لأنّ قوام الحكم بذلك ـ وهذه غير شبهة اجتماع الضدين في المنتهى والمنجزية والمعذرية ليقال في دفعه بعدم اجتماع الحكمين موضوعاً ووصولاً لدى المكلف ، بل هذا محذور ثبوتي في حق المولى وغرضه التكويني من الجعل ، والذي يكون قوام الحكم والجعل ، كما انّه غير شبهة تفويت المصلحة أو الايقاع في المفسدة بلحاظ فعل المكلف ، كما هو واضح.

وظاهر كلمات المحققين العراقي والاصفهاني الالتفات إلى هذه الشبهة ومحاولة الجواب عليها بما سوف يأتي.

وأمّا مدرسة المحقق النائيني قدس‌سره فقد اقتصرت على المحذورين التنافي بلحاظ المبادئ ـ المحذور الخطابي ـ ولزوم تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة ـ المحذور الملاكي ـ.

وقد يقال : انّ الحق مع الميرزا قدس‌سره ؛ لأنّ الغرض أو الارادة من وراء جعل الخطاب ارادة غيرية تكوينية تابعة للغرض النفسي وللارادة التشريعية المتعلقة

٢٠٣

بفعل المكلّف فإذا لم يكن بلحاظ الغرض النفسي تفويت ونقض للغرض فلا تفويت بلحاظ الغرضي الغيري أيضاً.

إلاّ أنّ هذا الكلام غير تام وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ غايته انّ ما يكون جواباً على المحذور الملاكي الأوّل يمكن أن يكون جواباً على المحذور الثاني ، وهذا لا ينافي تعدد الاشكال والمحذور.

وثانياً ـ ما سيأتي من عدم الملازمة في الجواب على المحذورين فمثلاً قد يدفع المحذور الأوّل الملاكي بأنّ هذا التفويت حاصل في حق المكلف على كل حال لو فرض انّ موارد علمه بالواقع يكثر فيها الخطأ مثلاً بحيث لا يقل التفويت فيه عما إذا كانت الامارة حجة بينما هذا الجواب لا يجدي في دفع محذور نقض الغرض بالتقريب الثاني ، إذ الغرض من جعل الخطاب الواقعي بعد أن كان ايجاد الداعي وتحريك العبد نحو الفعل ولو في طول الوصول الاحتمالي فكيف يناقض ذلك بجعل الترخيص ولا ينقض بموارد الفوات من نفسه نتيجة خطأ علم المكلّف ؛ لأنّه عذر بحكم العقل وليس مستنداً إلى الشارع لينافي إطلاق جعله ، وكذلك لو اخترنا المصلحة السلوكية في دفع اشكال قبح تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة ، فإنّه لا يكفي لدفع محذور نقض غرض الجعل الواقعي ، فإنّه إذا لم يكن من أجل ايجاد الداعي والتحريك ولو في طول الوصول فلماذا جعل مطلقاً وان كان فلماذا منع عن داعويته ومحركيته فهذا اشكال مستقل يحتاج إلى بيان الجواب عليه مستقلاًّ.

وأيّاً ما كان لابد من ملاحظة كلمات القوم في كيفية حلّ المحذور الملاكي بكلا تقريبيه فنقول : لا إشكال في انّ الأجوبة المتقدمة في دفع المحذور

٢٠٤

الخطابي ـ محذور التضاد ـ باستثناء ما تقدم عن صاحب الكفاية الذي بظاهره المتقدم التزام بالتصويب وارتفاع الحكم الواقعي الفعلي ومباديه في مورد الحكم الظاهري لا يجدي شيء منها في دفع هذا المحذور كما لا يخفى بالتأمل فيها ، ومن هنا اتجه المحققون إلى استئناف جواب آخر على هذا المحذور.

فأجاب المحقق النائيني قدس‌سره على المحذور الملاكي بوجوه عديدة :

١ ـ انّ هذا المحذور إنّما يرد بناءً على الالتزام بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات ، وانّ تلك المصالح تجري في عالم التشريع مجرى العلل التكوينية من استتباعها للأحكام وكونها لازمة الاستيفاء في عالم التشريع لكي يكون عدم لزوميتها مستلزماً لعدم لزومية التكليف ، لا أنّها من المرجّحات والمحسّنات لتشريعها من دون أن تكون لازمة الاستيفاء ، فإنّها لو كانت كذلك لا يلزم من تفويتها محذور (١).

وفيه : مضافاً إلى انّ هذا لا يدفع المحذور الملاكي بتقريبه الثاني انّه لا يجدي نفعاً في دفع المحذور الملاكي حتى بالتقريب الأوّل لوضوح أنّ الأحكام لا شك في تبعيتها لغرض في متعلقاتها سواء كانت مصالح ومفاسد أو غيرها وسواءً قبلنا التحسين والتقبيح العقليين أم أنكرناهما ، فإنّه على كل حال لابد من فرض غرض في الفعل لاحظه المولى حين تكليفه للناس به وهذا الغرض لا يمكن أن يفوته على نفسه فإنّه خلف الغرض ولا يصدر من الآمر الملتفت على كل حال ، فمحذور الامتناع باقٍ على حاله.

٢ ـ اختصاص هذا المحذور بصورة انفتاح باب العلم وامكان الوصول إلى

__________________

(١) الفوائد : ص ٨٩.

٢٠٥

الواقعيات ، وامّا في صورة الانسداد فلا يلزم محذور التفويت بل لابد من التعبد به فإنّ المكلّف لا يتمكن من استيفاء المصالح في حال انسداد باب العلم إلاّ بالاحتياط التام ، وليس مبنى الشريعة على الاحتياط التام في جميع الأحكام فالمقدار الذي تصيب الامارة للواقع يكون خيراً جاء من قبل التعبد بها ولو كان مورد الاصابة أقل قليل فإنّ ذلك القليل أيضاً كان يفوت لولا التعبد فلا يلزم من التعبد إلاّ الخير (١).

وفيه : مضافاً إلى انّه لا يدفع محذور نقض الغرض بتقريبه الثاني انّ عدم كون مبنى الشريعة على الاحتياط إن اريد به وجود مصلحة مزاحمة مع مصلحة الواقع الذي يفوت فهذا رجوع إلى المصلحة السلوكية ونحوها المستلزم لنحو من التصويب ثبوتاً على ما سوف يأتي ، وإن اريد به مجرد مصلحة في التسهيل بلا وجود ما يزاحم الملاكات الواقعية فهذا كيف يبرّر رفع اليد عن تلك المصالح الملزمة بحسب الفرض ، وكيف يجوز المنع عن المقدار الممكن من الاحتياط بحكم العقل ولو في المظنونات ـ التبعيض في الاحتياط ـ.

٣ ـ لو فرض انفتاح باب العلم إلاّ أنّ العلم يراد به القطع وهو لا يلازم الوصول إلى الواقع بل امكان الوصول إليه لامكان الخطأ والجهل المركب في العلم ومعه قد يرى المولى أو العقلاء أنّ موارد اصابة الامارة غالبة المطابقة للواقع أكثر من العلم أو مساو معه فلا يلزم محذور من التعبد بها لعدم لزوم تفويت مصلحة على العباد من التعبد حينئذ ولو فرض فواته في بعض الموارد مع ذلك يجوز جعل الحكم الظاهري خصوصاً في موارد الطرق والامارات العقلائية ولو لمصلحة التسهيل.

__________________

(١) الفوائد : ٩٠ ، ط ـ مع التعليقة للعراقي قدس‌سره.

٢٠٦

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يدفع محذور نقض الغرض من جعل الحكم الواقعي حتى في مورد الحكم الظاهري فإنّه كيف يمنع عن محركيته بالحكم الظاهري وكونه ليس محركاً في مورد الجهل المركب لا يستند إلى المولى ولا يكون نقضاً لهذا الغرض كما تقدم.

وثانياً ـ انّ الجواب المذكور قد يصح في القضايا الخارجية لا الحقيقية والتي لا يلحظ المولى فيها إلاّفرض العلم والجهل لا الموارد الخارجية منهما.

وبعبارة اخرى : القضية الحقيقية تشمل فرض عدم كون الخبر غالب المطابقة للواقع فيلزم التفويت القبيح.

٤ ـ الالتزام بوجود مصلحة في سلوك الامارة مزاحمة مع ما يفوت من ملاكات الواقع ، وهو المعبّر عنه بالمصلحة السلوكية ، والتي أفادها الشيخ الأعظم ، في قبال التفويت الأشعري الذي لا يرى المصلحة إلاّبما تؤدي إليه الامارة ، والتصويب المعتزلي الذي يرى قيام الامارة سبباً لحدوث مصلحة في المؤدى أقوى من الواقع (١).

فيقال هنا بأنّ المصلحة في سلوك الامارة بلا مساس بالمؤدى والواقع ، وإنّما افترضت المصلحة في السلوك لا في المؤدى ؛ لأنّ هذا هو المقدار القابل لاثباته بمقتضى المقيد اللبي بقبح التفويت لا أكثر ، ومن هنا لا تترتب تلك

__________________

(١) هكذا فرّق بينهما في فوائد الاصول ولكنه غير فني إذ المنظور إليه فعلية الحكم في مورد الامارة وهي ثابتة على حدّ واحد على كلا التقديرين لأنّ المصلحة المنكسرة ليست مصلحة وملاكاً للحكم بحسب الحقيقة فيرد محذور الدور على كليهما ، ومن هنا غيّر الاستاذ قدس‌سره التفرقة بالنحو الموجود في الكتاب فراجع.

٢٠٧

المصلحة إلاّبمقدار السلوك لا أكثر ، فلو انكشف الخلاف في داخل الوقت لم يكن الفائت إلاّفضيلة أوّل الوقت إذا كان قد سلك الامارة فيجب عليه الاعادة ، لانحفاظ المقدار الباقي من مصلحة الواقع وامكان تداركها بعد انكشاف الخلاف بلا مخالفة لسلوك الامارة ، وقد أقرّ المحقق النائيني قدس‌سره بأنّ هذا المقدار من السببية لا محذور في الالتزام بها ، ولا يستلزم التصويب كما لا يلزم منه التفويت القبيح.

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يدفع المحذور الملاكي بتقريبه الثاني ، إذ الحكم الواقعي إذا كان جعله وانشائه بداعي المحركية فكيف يمنع عنها بجعل مخالف ولو فرض فيه مصلحة وإلاّ لم يكن حكماً حقيقياً فعلياً.

وثانياً ـ يلزم منه التصويب أيضاً بلحاظ روح الحكم وان يكون الحكم الواقعي تخييرياً من دون فرق بين كون المصلحة الواقعية استيفائية أو تداركية أي مصلحة اخرى ملزمة لا يمكن الجمع بينهما خارجاً ـ خلافاً لما في تقرير الحائري عن الدورة السابقة ـ فإنّ روح الحكم على كل حال يكون تخييرياً كما في سائر موارد التخيير.

نعم ، يعقل الإطلاق في جعل الحكم الواقعي لصلاة الجمعة مثلاً كمجرد جعل وصياغة فارغة عن المحركية عقلاً إذا قامت الامارة على وجوب الظهر ؛ لأنّ المصلحة في الجامع أو في كل منهما مع التنافي وعدم امكان الجمع المساوق مع اشتراط كل منهما بترك الآخر الذي هو التخيير أيضاً ، فلا يكون إطلاق الحكم الواقعي التعييني لمورد الامارة واجداً لمبادئ الحكم ، وفي مثل الحكم الظاهري بالاباحة مع كون الواقع الزاماً يكون الالزام الواقعي مفرَّغاً في مورد سلوك

٢٠٨

الامارة وإنّما يجعل لامكان تحقيق ملاك السلوك إلاّ أنّ هذا دفع للتصويب الصوري لا الحقيقي وبلحاظ ما هو روح الحكم ومباديه ، بل الجعل لأجل مثل هذا الغرض في نفسه لو فرض امكانه ومعقولية صدوره عن الشارع فلا اشكال في انّه ليس مفاد أدلّة الأحكام الواقعية ؛ إذ لا يكون موضوعاً لحكم العقل بالاطاعة بل مجرد لقلقة إنشاء لغرض في نفس جعله (١).

٥ ـ وقد يجاب على المحذور الملاكي بجواب خامس قد يستفاد من بعض كلمات المحقق العراقي في تعليقته على الفوائد وكلمات السيد الخوئي وحاصله : انّه في مورد الحكم الالزامي الظاهري المخالف مع الاباحة الواقعية لا تفويت بل مزيد من الاحتياط ولا محذور فيه لحسنه عقلاً. وامّا الحكم الظاهري الترخيصي المخالف للواقع وكذلك الحكم الظاهري الالزامي المخالف للواقعي الالزامي فيمكن أن تكون المصلحة في نفس جعله ويتدارك بها مصلحة الواقع.

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يدفع محذور نقض الغرض بالتقريب الثاني ، وكأنّ المحقق العراقي قدس‌سره ذكره لدفع المحذور الملاكي بتقريب الميرزا قدس‌سره فقط.

وثانياً ـ ما تقدم من عدم معقولية اصل هذا المبنى في باب الأحكام بل المصلحة سواء في الالزام أو الترخيص لابد من فرضه في الفعل ولو بعنوان ينطبق عليه في طول الجعل وهو يوجب التصويب أو التضاد على ما تقدم.

__________________

(١) يوجد جواب آخر فني من السيد الشهيد قدس‌سره نفسه على هذا المسلك ولزوم التصويب منه في ص ١٦٥ من ج ٢ فراجع.

٢٠٩

وثالثاً ـ لو فرضنا معقولية ذلك فاما أن يفرض انّ هذه المصلحة في الجعل أيضاً ترجع إلى المكلّف ويتدارك بها مصلحة الواقع الفائت في حقّه فهذا رجوع إلى التصويب ، وإلاّ كان التفويت القبيح حاصلاً والمحذور الملاكي بكلا تقريبيه باقياً على حاله.

٦ ـ ما أجاب به المحقق العراقي في المقام على كلا التقريرين للمحذور الملاكي وهو يتألف من ثلاث مقدمات :

الاولى : انّ الارادة التشريعية إذا تعلقت بشيء فلا محالة يترشح منها ارادة وشوق نحو مقدماتها بحيث تقتضي حفظ وجود المراد من ناحيتها ، إلاّ أنّ المقدمات على قسمين : قسم يكون مقدمة لذات المراد في نفسه بنحو تكون مقدميتها محفوظة بقطع النظر عن تعلّق الارادة والأمر بذلك الفعل من قبيل طي المسافة للحج ، وقسم يكون مقدمات اختيارية في طول تعلق الارادة والخطاب بذلك الفعل ، وهذا بعضه يرجع إلى المولى كجعل الخطاب وتشريعه لكي يصل إلى المكلف فيتحرك ، وهذا في طول وجود أصل الشوق والارادة التشريعية المتعلقة بذات الفعل وبعضه يرجع إلى العبد كارادته للامتثال الذي هو في طول ثبوت الخطاب وفعليته بفعلية موضوعه ، والقسم الثاني بكلا نوعيه لا يمكن أن يكون محفوظاً من قبل نفس الارادة التشريعية لكونه في طولها بل يحتاج إلى ارادة اخرى مستقلة تتعلق بها.

الثانية : انّ ما هو مفاد الخطاب الواقعي ومدلوله إنّما هو ثبوت الارادة التشريعية والشوق المتعلق بذات الفعل والمقتضي لحفظه بحفظ مقدماته من القسم الأوّل ، وامّا حفظه من ناحية المقدمات الطولية فهو خارج عن اقتضاءات

٢١٠

الارادة التشريعية بل يرتبط بارادة اخرى كما ذكرنا في المقدمة الاولى.

ومن هنا حكم في بحث مقدمة الواجب بأنّ خصوص ارادة الامتثال من مقدمات الواجب لا يمكن أن تكون واجبة بالوجوب الغيري الشرعي ومتعلقة للارادة التشريعية ولو الغيرية ، وكذلك مقدار حفظ المولى لتلك الارادة بخطاباته غرض آخر خارج عن اقتضاءات الارادة التشريعية ومحركيتها ولا ترتبط بمفاد تلك الخطابات.

نعم ، يدل عليه نفس جعل الخطاب الواقعي دلالة عقلية التزامية ، من باب كشف المعلول عن علته بمقداره ، وهو تعلّق غرض المولى وارادته بحفظ مرامه التشريعي بمقدار جعل الخطاب الواقعي المحرّك على تقدير الوصول لا أكثر.

الثالثة : انّ منشأ الارادة الطولية بحفظ المرام التشريعي أيضاً المصلحة والملاكات الواقعية وهي تارة تكون بمرتبة من الأهمية بحيث يقتضي حفظ المرام التشريعي من جميع الجهات ، أي تحقيق المقدمات الطولية الراجعة إلى المولى بتمامها من جعل خطاب واقعي يحفظ تحقيق الفعل وتحريك المكلف نحوه على تقدير الوصول وجعل خطاب آخر عند الشك وعدم وصول ذلك الخطاب الواقعي ليحركه حتى في حال عدم وصول الأوّل فيكون حافظاً لتحقيق الفعل حتى في هذه المرحلة.

وفي مثل ذلك لا اشكال انّه يجعل ايجاب الاحتياط ويكون جعل ترخيصي ظاهري على خلافه نقضاً للغرض وتفويتاً للمصلحة القبيح عقلاً ، واخرى لا تكون المصلحة الواقعية بهذه الأهمية بل ليس لها اقتضاء الحفظ إلاّ بمقدار

٢١١

جعل الخطاب الواقعي وحفظ المرام التشريعي من ناحية المقدمة الاولى من المقدمتين الطوليتين الاختياريتين الراجعتين إلى المولى ـ كما هو مفاد الدلالة الالتزامية العقلية لنفس الخطاب الواقعي ـ سواءً كان ذلك من ناحية المزاحمة مع مصلحة اخرى ، أو من ناحية قصور الاقتضاء من أوّل الأمر ، وهذا يعني التبعيض في محركية الغرض والمصلحة من الفعل بين ذي المقدمة والمقدمات ، فبالرغم من فعلية الغرض والارادة التشريعية بلحاظ ذي المقدمة وذات الفعل مع ذلك لا تكون هذه المقدمة الطولية الراجعة إلى المولى مطلوباً له ولا يتحرك المولى نحو تحقيقها وتحقيق ذي المقدمة من ناحيتها ، ففي مثل ذلك لا محذور في جعل الحكم الظاهري في مرحلة الشك وعدم وصول الحكم الواقعي ولا يلزم من ذلك لا نقض الغرض من الجعل الواقعي ولا التفويت للمصلحة الواقعية القبيح عقلاً ، ولا التصويب.

أمّا الأوّل فلأنّ الغرض والارادة المولوية في حفظ مرامه التشريعي افترضناه من أوّل الأمر بمقدار المقدمة الاولى الراجعة إلى المولى وهو جعل الخطاب الواقعي لا أكثر فلا نقض له أصلاً.

وأمّا الثاني فلأنّ المصلحة الواقعية القاصرة في مرحلة الشك عن الاقتضاء والتأثير لحفظها من قبل المولى لا قبح في تفويتها ، وإنّما القبيح تفويت مصلحة فعلية الاقتضاء لحفظ ما تكون قائمة به.

وأمّا الثالث فلأنّ الحكم الواقعي والارادة التشريعية بمباديه الواقعية من المصلحة أو الحب والشوق نحو الفعل والمحركية نحو مقدماته غير الطولية المفاد بالخطاب الواقعي محفوظ في مرحلة الشك وفعلي فيه أيضاً فلا يحتاج إلى

٢١٢

فرض مصلحة في الفعل أو في السلوك مزاحمة أو ارادة تشريعية اخرى في قبالها لكي تأتي شبهة التصويب أو التضاد بين الارادتين المتضادتين ، وهذا هو معنى طريقية الحكم الظاهري.

هذا قصارى ما استفدناه من مجموع كلمات هذا المحقق في مقالاته وتقريراته وتعليقاته على فوائد الاصول.

وهو قدس‌سره وإن كان قد التفت إلى نكتة خطيرة في هذا البحث فتقدم خطوة جليلة نحو الحل الصحيح وهو التفكيك بين محركية الارادة التشريعية وبين متعلق الغرض والارادة التشريعية ، وسوف يأتي انّ هذه فذلكة مهمة أساسية في حلّ الاشكال ، إلاّ انّه لم يعرف كيف يطبق هذه النكتة في المقام فطبقه بلحاظ مقدمات وجود المرام التشريعي بالنحو المذكور في هذه الامور التي رسمها وهي جميعاً غير خالية عن الاشكال والنقد.

أمّا المقدمة الاولى : فيردها ما ذكره السيد الشهيد من النقض الوجداني والحل البرهاني من انّ المقدمية إذا كانت في طول تعلّق الارادة فلا يترشح على المقدمة ارادة غيرية من تلك الارادة النفسية ولو ببيان انّ المقدمية إذا كانت طولية كان معنى ذلك توقف المرام التشريعي على الارادة التشريعية وهو محال.

وإن شئت قلت : يلزم توقف الارادة على ثبوت الارادة في المرتبة السابقة لأنّ معنى طولية المقدمية أخذ الارادة قيداً في المراد فيتعلق الارادة بالفعل المراد وهو محال.

وأمّا إذا كانت المقدميّة فعلية بأن كان تحقق المرام متوقفاً عليه خارجاً على

٢١٣

كل حال كما في ارادة الامتثال والعلم من المكلف بالحكم والخطاب فإنّ تحقيق المرام متوقف على ذلك كسائر المقدمات وإنّما وجود تلك المقدمة والتمكّن منه طولي ، فلا محذور في ترشح الارادة الغيرية من نفس الارادة التشريعية عليها فلا فرق بين قسمي المقدمات.

وأمّا المقدمة الثانية : فيردها أنّ مفاد الخطاب الواقعي ارادة تشريعية حافظة للمرام التشريعي من ناحية جميع مقدماته العرضية والطولية على حدّ سواء ، ولا يعقل التفكيك بين ارادة ذي المقدمة وارادة المقدمات إذا كانت فعلية في المحركية وفي ترشح الارادات الغيرية من تلك الارادة النفسية الفعلية عليها.

كما لا فرق في ترشح الارادة الغيرية نحو مقدمات المرام التشريعي الفعلي بين ما يكون مقدمة اختيارية راجعة إلى المولى أو راجعة إلى العبد ، فإنّ عدم ترشحها على بعض المقدمات امّا يكون للطولية المبينة في المقدمة الاولى فقد عرفت عدم تماميتها ، أو لامكان التفكيك في المحركية بين ارادة ذي المقدمة وارادة مقدمتها وهو غير معقول أيضاً ، فإنّ التحريك نحو ذي المقدمة بالفعل يستلزم التحريك نحو تمام مقدماته كذلك.

وأمّا المقدمة الثالثة : فقد ظهر حالها على ضوء ما تقدم في نقد المقدمتين حيث يلزم من جعل حكم ظاهري على خلاف الواقع نقض الغرض التكويني من جعل الخطاب الواقعي والتحريك الفعلي نحو ايجاد متعلّقه ، حيث منع عن مقدمة من مقدماته بجعل خطاب ظاهري على خلاف تلك المحركية ، كما يلزم محذور تفويت الملاكات الواقعية والغرض التشريعي من المصلحة الفعلية التامة

٢١٤

الاقتضاء للمحركية وهو قبيح ، ما لم يلتزم بالتدارك بمصلحة اخرى ولو في السلوك كما على السببية وهو تصويب.

ودعوى : انّ المصلحة الواقعية قد تكون مشككة وذات مراتب من الأهمية وإن كانت صحيحة إلاّ أنّها لا يصح تطبيقها على ذي المقدمة ومقدماته فإنّه كلما افترضنا تماميتها وأهميتها بلحاظ ذي المقدمة بنحو محرّك نحو تحقيقه كانت فعليّة ومحركة بلحاظ تمام مقدماتها لا محالة فلا يمكن أن تكون ذات مراتب في التحريك والفاعلية بلحاظ ذي المقدمة والمقدمات.

وهكذا نصل إلى أنّ تعبيرات القوم لا يصحّ شيء منها في حلّ المحذورين الخطابي والملاكي ، فلابدّ من استيناف البحث لعلاج المحذور بتقريباته المتعدّدة وذلك كما هو مبين في الكتاب ضمن المقدمات الثلاث ، والمهم منها والذي فيه فذلكة الحلّ وروح الجواب على المحاذير المثارة بوجه امكان جعل الحكم الظاهري هو المقدمة الاولى من المقدمات الثلاث ، وملخّصها التفكيك بين فعلية الحكم الواقعي ومحركية وفعلية حفظه أو قل الاهتمام بحفظه والتحرّك نحو تحصيله المولوي في مورد الاشتباه والشك ، فإنّ الأوّل يتحقق بفعلية المبادئ للحكم من المصلحة والمفسدة والحب والبغض والارادة والكراهة والجعل والابراز ، بل والتصدّي المولوي بذلك لتحصيله من المكلّف كلّما تحقّق موضوعه واقعاً ، إلاّ أنّ هذا لا يقتضي تعلّق الارادة من قبل المريد إلاّبنفس العنوان والفعل الذي فيه الملاك والحب والارادة أو البغض والكراهة بعنوانه ووجوده الواقعي.

نعم ، في مقام التحقيق والتحصيل خارجاً سوف يتحرك المريد لا محالة بنفسه

٢١٥

في الارادة التكوينية نحو تحقيق ما يراه محبوبه وفي الارادة التشريعية يجعل الخطاب ويوصله إلى المكلّف لكي يتحرك نحو ما يراه ويشخّصه المكلّف مصداقاً لذلك العنوان ، وفي هذه المرحلة تبرز الفعلية الثانية ، أي مقدار حفظ المراد والمحبوب مولوياً عن طريق المكلّف ، فإنّه تارة يريد حفظه المطلق حتى في موارد الاشتباه والشك فتتوسّع دائرة المحرّكية عن دائرة الغرض والمحبوب ، واخرى لا يريد أكثر من حفظه في نفسه ، أي حيث يحرز مصداقه ويشخّصه لا أكثر.

إلاّ أنّ هذه التوسعة في الاهتمام أو قل المحركيّة مرتبة اخرى بحسب الدقّة من المحركيّة في مقام التحصيل للمراد التكويني أو التشريعي لا توجب توسعة الحكم أو مبادئه بوجه أصلاً ، كما انّ عدم هذه التوسعة لا يوجب عدم فعلية الحكم ومبادئه الواقعية.

نعم ، أصله ومقداره المتيقن الذي يلازم فعلية الحكم الواقعي ـ الفعلية الاولى ـ هو التحرك في موارد التشخيص والاحراز اليقيني ؛ إذ لو لم يجب التحرك فيه أيضاً كان معناه عدم فعلية أصل الحكم ومبادئه ، أمّا أكثر من ذلك فليس لازماً للفعلية الاولى التي هي قوام الحكم الواقعي.

وخير دليل على هذا التفكيك بين الفعليتين هو ما نجده من فعلية الحكم الواقعي في موارد العذر العقلي ، كما إذا قلنا بالبراءة العقلية في الشبهات أو الدوران بين المحذورين أو القطع بالترخيص أو النسيان ، رغم عدم المحركيّة المولوية بالفعل فيها.

ودعوى : أنّ عدم المحركية في تلك الموارد ليس راجعاً إلى المولى ، بل

٢١٦

لعذر عقلي فلا ينافي فعلية الحكم الواقعي بمعنى المحركية المطلقة من المولى ، وهذا بخلاف موارد جعل الحكم الظاهري من قبل المولى نفسه في موارد الشك ، فإنّه ينافي التصدّي والتحريك المولوي الواقعي.

مدفوعة : بأنّه في جملة من موارد العذر العقلي كالشبهات البدوية ـ على القول بالبراءة العقلية يمكن جعل ايجاب الاحتياط والتحريك المولوي فيه أيضاً ، فلو كانت المحركية المطلقة الممكنة من قبل المولى قوام التكليف الواقعي وشرطاً في فعليته كان اللازم القول بالتصويب إذا لم يجعل الشارع ايجاب الاحتياط فيها ، وهو واضح البطلان.

وعلى هذا فالصحيح ما ذكر في الكتاب ـ بعنوان الاجابة على اشكالين قادمين ـ من انّ مفاد الأدلّة والخطابات ليس بأكثر من فعلية الأحكام الواقعية ومحرّكيتها من حيث نفسها ، أي الفعلية الاولى لا الثانية ، فإنّها مربوطة بمقدار اهتمام المولى بحفظ مراده التكويني أو التشريعي في موارد الاشتباه والتردد الموجب لتحقق التزاحم الحفظي ـ وهي مرحلة اخرى من المحركية غير محرّكية الحكم الواقعي ولا توجب توسعة فيه ولا في مبادئه أو في محرّكيته الشأنية الواقعية ـ فإذا كانت الأغراض الالزامية أهم اتّسعت المحركية في هذه المرحلة بجعل ايجاب الاحتياط ، وإلاّ بأن كانت الأغراض الترخيصيّة أهم ـ وهذا ما يشرح في المقدمة الثانية والثالثة ـ تضيّقت المحرّكيّة بجعل البراءة والتأمين الشرعي ، وكلاهما ناشئان من درجة أهمّية الملاكات الواقعية المتزاحمة لا ملاك آخر ، وبذلك تندفع المحاذير والاشكالات الثبوتية كلّها.

أمّا اشكال التضاد فلعدم التضاد بين الحكمين لا بلحاظ مرحلة الانشاء والجعل لكونهما اعتباريين ، ولا تضاد بين الانشاءات والاعتبارات ، ولا بلحاظ

٢١٧

المبادئ لعدم وجود مبادئ مستقلة للحكم الظاهري لكي يتناقض مع مبادئ الحكم الواقعي ، بل هو لحفظ الأهم من المبادئ الواقعية ، ولا بلحاظ المحركية وفعلية الحكم الواقعي مع الظاهري المخالف له ، لما اتّضح من انّ هناك فعليتين أو قل مرحلتين من المحركية ، وما يكون به قوام الحكم الواقعي إنّما هي الفعلية والمحركية الاولى ، وهي محفوظة في المقام على حدّ ما يكون محفوظاً في موارد البراءة والعذر العقلي ، وما يكون مرتفعاً بالحكم الظاهري الترخيصي إنّما هو الفعلية والمحركية في مرحلة الحفظ والاهتمام بالمراد الواقعي في موارد التزاحم الحفظي والاشتباه المعبّر عنه بايجاب الاحتياط ، فلا تضاد بين الحكمين حتى في المحركية.

وأمّا اشكال نقض الغرض بتقريره العقلي العملي ، أي قبح تفويت المصلحة أو الالقاء في المفسدة فلأنّه تفويت لأحد الغرضين من أجل حفظ غرض أهم وهو ليس بقبيح بل حسن ، وقد يكون واجباً عقلاً وخلافه قبيحاً.

وأمّا اشكال نقض الغرض بتقريبه الآخر ، أي نقض الغرض التكويني من التكليف وهو المحركية فقد عرفت جوابه ، فإنّ هذا هو نفس اشكال التضاد بلحاظ مرحلة محركية الحكم.

وأمّا اشكال التصويب فلما عرفت من أنّ مفاد أدلّة الأحكام الواقعية ليس إلاّ الجعل والانشاء بمباديه بغرض التحريك بمقدار الفعلية الاولى ، وكل هذه العناصر الثلاثة للحكم الواقعي مطلقة ومحفوظة في مورد الحكم الظاهري على حدّ انحفاظها في موارد البراءة والعذر العقلي ، فلا تقييد لمفاد أدلّة التكاليف الواقعية في موارد الجهل وعدم العلم ، كما لا تصويب في البين.

ثمّ انّه لا يرد على هذه المقدمة ما ذكره السيد الحائري في تعليقه من وجدانية

٢١٨

انّ توسّع المحركية ناشىء من توسع دائرة الحب في موارد التردد والشك كما هو في موارد العلم بناءً على ما تقدم من الاستاذ من سريان الحب من الجامع إلى الحصة فيلزم التضاد بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري.

فإنّه أوّلاً ـ هذا البحث لا يتوقف على ذلك المبنى لأنّ الكلام هنا في الجامع بنحو مطلق الوجود ، والذي لا إشكال في سراية الحب فيه إلى كل الحصص ، فالمنهجة غير فنّية.

وثانياً ـ انّ سراية الحب إلى الحصة إنّما هو بنكتة الفناء والحمل الأولي للصورة الذهنية المتعلّق بها الحب والفناء إنّما يكون فيما هو مصداق له بحسب نظر المحب ، وأمّا مع التردد والشك الذي هو مربوط بمرحلة التصديق لا التصور فيكون التردد في المحبوب لا محالة.

وإن شئتم قلتم : انّ الفرق بين الشك والعلم ليس مرتبطاً بدرجة الفنائية لكي يقال انّ الوجدان قاضٍ بالسراية حتى في الفناء الاحتمالي بل العلم طريق إلى أن يرى محبوبه في الخارج فيتحرك نحوه ، فالسريان من شؤون خصوصية الفنائية الموجودة في تصور المحبوب لا من شؤون التصديق بوجود فرد منه في الخارج حتى اليقيني ليتوهم وجدانية السريان إلى موارد الاحتمال ، وإنّما مرحلة التصديق مرحلة المحركية لتحصيل ما هو المحبوب في الخارج ، وهذا قدره المتيقن المحركية نحو موضوعه الواقعي كلما احرز ، أمّا توسعة المحركية أكثر من ذلك بحيث يشمل التحرك نحو ما ليس موضوعاً له كما في موارد التردد والاشتباه ، فيرتبط بمقدار أهمية ذلك الغرض والحب والبغض والارادة والكراهة وترجيحه على ما قد يفوت من الملاكات الاخرى الترخيصية أو غيرها في موضوعاتها ومواردها المشتبهة ـ والذي هو المعنى بالتزاحم الحفظي ـ وهذه

٢١٩

المرحلة من المحركية ليست قوام الحكم الواقعي ولا ربط لها ببحث سرايته من الجامع إلى المصداق أصلاً.

والغريب ما ذكره في مقام التخلص عن الاشكال من انّ القضايا المجعولة شرعاً حيث انها حقيقية لا خارجية فلا أثر لتردد المكلف وعلمه وشكه بحب المولى الذي يسري إلى الحصة ؛ لأنّه تردد أو علم للعبد لا للمولى فلا علاقة له بحب المولى بلحاظ المصاديق ، والمولى يجعل الحكم في القضية الحقيقية على الجامع ، فإذا سرى فهو يسري إلى ما يراه المولى لا العبد ، فإنّ هذا الكلام جوابه واضح ؛ إذ كيف يجعل المولى قضيتين حقيقيتين وهو يعلم بانطباقهما معاً في مورد الشك والتردد من قبل المكلّف الذي هو موضوع الحكم الظاهري ، ولا أدري ماذا اريد من هذه الفقرة ، فإنّ المحذور لم يكن بلحاظ المكلف وانّه يلزم اجتماع الضدين في ذهنه ، بل المحذور المدعى لزوم اجتماع الضدين في مبادئ الحكم في نفس المولى لانطباق موضوع حكمه الظاهري مع الحكم الواقعي سواءً كانا مجعولين بنحو القضايا الخارجية أو القضايا الحقيقية ؛ إذ مع فرض التضاد في المبادئ بحسب رؤية المولى كيف يجعل ترخيصاً كلياً جدّياً وهو يرى انطباقه على محبوبه الخارجي قطعاً أو احتمالاً.

وإن شئت قلت : انّ القضيتين الحقيقيتين في المراد التشريعي كالقضيتين الحقيقيتين في المراد التكويني إلاّمن ناحية انّ المراد هنا فعله وهناك فعل الغير فإذا فرض استحالة تعلق الارادة التكوينية بالقضيتين الحقيقيتين للزوم التضاد بلحاظ السراية كذلك استحال جعل القضيتين الحقيقيتين في المراد التشريعي ، فلابد في دفع اشكال التضاد من بيان الفرق بين الفعليتين وانّ احداهما غير الاخرى ، كما بيّناه وشرحنا هنا وفي الكتاب.

٢٢٠