أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

لكلام الحاشية ودلالة الاقتضاء إذ من دون فرض تحقق الجزء الثاني لا شك في عدم الحكم في مورد قيام الامارة على عدالة زيد مثلاً وإنّما يتحقق موضوع للمدلول المطابقي لدليل حجّية الامارة إذا كان الجزء الثاني متحققاً وواضح انّ الجزء الثاني الحقيقي وهو القطع بالواقع الحقيقي لا يعقل تحققه مع الشك الذي هو موضوع التنزيل فلابد من فرض التنزيل الثاني ليتحقق الشك الذي هو موضوع التنزيل الأوّل ـ ولو بتنزيل العلم بالجعل أو تنزيل نفس الامارة منزلة القطع بالواقع ـ وهذا معناه انّه لا موضوع لدلالة الاقتضاء هنا حيث انّ موضوعه ثبوت الإطلاق في المرتبة السابقة غاية الأمر يكون لغواً من دون ثبوت المدلول الالتزامي بينما هنا صار أصل الإطلاق متوقفاً عليه فاثباته به واضح الفساد ، ولا يمكن أن يقول به أحد.

بل لو كان المدلول الالتزامي عبارة عن تنزيل القطع بالجعل صغرى وكبرى منزلة القطع بالواقع أيضاً لم يتحقق الإطلاق لعدم القطع بالصغرى وهو الشك بحسب الفرض بل يقطع بالعدم ففيه مخالفة مع المناسبة المذكورة للمدلول الالتزامي الأوّل.

هذا على فرض كون الملازمة عقلية وبدلالة الاقتضاء ، وأمّا إذا كانت عرفية فيتم بأحد النحوين المتقدمين أي امّا بتقريب كون الواقع له أثر مستقل فيتحقق القطع بالواقع التنزيلي مع قطع النظر عن إطلاق دليل الحجّية فيتم بلحاظ الأثر الموضوعي للقطع إذا كان جزء موضوعه وإلاّ فالأمر أوضح. وامّا بتقريب انّ المنزل منزلة القطع بالواقع هو القطع بالجعل الظاهري والقطع بفعليته على تقدير تحقق هذا التقدير لا بالفعل أي القطع بحجيته في نفسه وشأناً.

١٢١

لا يقال : هذه الدلالة الالتزامية العرفية فرع إطلاق المدلول المطابقي للمؤدى والمفروض أخذ الشك فيه فلا موضوع لها بالتقريب الثاني.

فإنّه يقال : الملازمة العرفية مع أصل الجعل في المدلول المطابقي لا مع إطلاقه كما لا يخفى.

نعم ، لو جعلنا اللازم العرفي هو تنزيل العلم بالكبرى أو الصغرى التي هي الشك لم يتم هذا التقريب ، وأيّا ما كان فأصل المسألة غير عرفية كما اشير إليه في الكتاب.

ثمّ انّ صاحب الدرر حمل أصل الملازمة المدعاة في الحاشية على انّ تنزيل المؤدى منزلة الواقع يوجب كون العلم به علماً بالواقع مسامحة نظير موارد خفاء الواسطة واثبات آثار المقيد باستصحاب القيد وبالامارة حيث يكون الموضوع هو المقيد بالجامع بين القيد الواقعي أو القيد التعبدي. ثمّ أشكل عليه بأنّ هذا فرع الملازمة بين العنوانين كما في مائية هذا المائع وكريته فإنّ لازم كونه كراً ولو بالتعبد أنّ هذا الماء كرّ وهذا لا يتم في المقام ، إذ ليس لازم خمرية شيء واقعاً أنّ العلم به علم بخمريته بل لابد من تعلق العلم بعنوان الخمرية وكأنّه يريد بيان انّ الموضوع ليس هو المقيد بالجامع من القيد الواقعي والتعبدي بل خصوص المقيد بالقيد الواقعي ، غاية الأمر الامارة أو الأصل يثبت المقيد المذكور إذا كانت الملازمة واقعية فيترتب الأثر.

وأنت تعلم بأنّ هذا التفسير خلاف مرام صاحب الكفاية قدس‌سره ، فإنّه لا يريد اثبات العلم بالواقع تعبداً الذي تكون نتيجته الحكومة الظاهرية واثبات الأثر بالتعبد بل هذا غير معقول في نفسه ، لأنّ العلم بالواقع الحقيقي إن لم يكن

١٢٢

موجوداً فيقطع بعدمه ومعه لا معنى للوجود التعبدي له فإنّه يعقل بلحاظ الامور الواقعية لا العلمية. وإنّما يريد اثبات انّ العلم الوجداني بالواقع التعبدي كالعلم بالواقع الحقيقي من حيث موضوعيته لذلك الأثر فتكون الحكومة بلحاظ هذا الجزء واقعية لا ظاهرية وهذا لا يكون إلاّباستفادة تنزيل آخر واقعي ، ومن دونه لا يمكن ترتيب الأثر الموضوعي حتى إذا قلنا بأنّ الموضوع هو المقيد بالجامع بين القيد الواقعي والتعبدي لأنّ الجزء الأوّل وهو القطع بالخمرية غير موجود في المقام ووجوده يساوق تحقق كلا الجزئين.

ومن مجموع ما تقدم اتضح انّه لا يمكن استفادة قيام الامارات مقام القطع الموضوعي من دليل الحجّية سواءً على مسلك جعل الطريقية أو مسلك التنزيل ، بل قد عرفت انّ مهم الدليل على الحجّية في الامارات المعتبرة هو السيرة العقلائية الممضاة شرعاً وهي دليل لبي لا يمكن أن يستفاد منه قيام الامارة مقام القطع الموضوعي.

هذا كلّه إذا اريد قيامها مقام القطع الموضوعي حقيقة ، أي استفادة ذلك من دليل الحجّية بالحكومة ونحوه بعد فرض انّ المأخوذ في موضوع دليل الحكم والأثر المترتب عنوان القطع بخصوصه ؛ وأمّا إذا اريد قيامها مقام القطع الموضوعي بالورود أي بمعنى كون الموضوع من أوّل الأمر بحسب لسان دليل حكم القطع الموضوعي هو جامع الحجة الأعم من الوجداني والتعبدي ـ وهذا ما سلكه وأراده جملة من المحققين في المقام وإن لم يكن بالدقة من قيام الامارة مقام القطع في الموضوعية إلاّبضرب من المسامحة ـ فلا إشكال فيه كبروياً ويكون التمسك فيه بدليل الأثر الموضوعي لا بدليل حجّية الامارة بحيث يتم المطلوب ولو فرض دليل الحجّية لبياً لا لسان له كالسيرة العقلائية.

١٢٣

إلاّ أنّ السيد الشهيد قدس‌سره اعترض على ذلك ـ تبعاً للاصفهاني قدس‌سره ـ بأنّه إنّما ينتج ترتب الأثر الموضوعي على الامارة فيما إذا كان لمؤدّى الامارة أثر شرعي آخر مستقل يكون المؤدّى تمام الموضوع له لكي تثبت حجّية الامارة بلحاظه فتقوم مقام القطع في الأثر الموضوعي ؛ لأنّ الموضوع إنّما هو الحجة ولا حجّية من دون أثر على المؤدّى.

وكأنّ صاحب الدرر قدس‌سره اعترف بالاشكال في خصوص ما إذا كان القطع تمام الموضوع للأثر ، دون ما إذا كان جزء الموضوع مع كون الواقع جزئه الآخر ؛ لكفاية كونه ذا أثر تعليقي ، بمعنى انّه لو انظم إلى الباقي يترتب عليه الأثر الشرعي.

والتحقيق : اننا تارة نستظهر من دليل الأثر الموضوعي انّ موضوعه الحجة الشأنية أي ما يكون كاشفاً ومثبتاً لمتعلقه في نفسه ـ بحيث إذا كان القطع تمام الموضوع ولم يكن للواقع أي أثر ترتّب الأثر أيضاً ـ واخرى نستظهر ارادة الحجة الفعلية ، فعلى الأوّل لا ينبغي الاشكال في ترتب أثر القطع الموضوعي مطلقاً ، أي في الصور الثلاث ـ وعلى الثاني يثبت في الصورتين الأخيرتين لا الاولى لا في الامارة ولا القطع بنفس النكتة المبينة في هامش الكتاب مع اضافة توضيح حاصله : انّ المراد من أخذ القطع بما هو حجة في موضوع الأثر لا يمكن أن يراد به أخذ حجّيته المنطقية أو طريقيته الذاتية في موضوع الأثر وإلاّ لما قام مقامه الامارة بل يراد به أخذه بما هو منجز لحكم شرعي وحينئذٍ لو اخذ في موضوع ذلك الأثر المنجزية الفعلية بقطع النظر عن الأثر الموضوعي فلا يترتب ذلك الأثر حتى بالقطع إلاّ إذا كان هناك أثر آخر يكون الواقع تمام الموضوع فيه وإن اخذت المنجزية الفعلية ولو بلحاظ نفس هذا الأثر ـ على نحو القضية

١٢٤

الشرطية اللولائية كي لا يلزم الدور ـ كانت الامارة حجة كذلك ؛ فلا فرق من هذه الناحية بين القطع والامارة.

وكأنّ الاستاذ أشار إلى هذا البحث ضمن التنبيه الثاني من التنبيهات الثلاثة كما لا يخفى.

ثمّ انّه يمكن بناءً على مسلك التنزيل أيضاً تصحيح قيام الامارة مقام القطع الموضوعي الذي يكون تمام الموضوع ولا يكون للمؤدى أي أثر لا بنحو التمامية ولا الجزئية بأحد بيانين :

١ ـ أن يكون التنزيل المفاد بالمدلول الالتزامي لازماً لتنزيل المؤدى منزلة الواقع بنحو القضية الشرطية والشأنية أي لو كان للواقع أثر كان يترتب بالامارة والشرطية صادقة ولو لم تصدق الفعلية.

٢ ـ أن يدّعى الملازمة بين الجعلين بمعنى أنّ ثبوت المؤدى بالامارة في الجملة ولو في غير هذا المورد يلازم قيامها مقام القطع الموضوعي.

وكلتا النكتتين تناسب الملازمة بتقريبها العرفي لا العقلي ، إذ العرف لا يرى دخلاً لترتيب أثر آخر على المؤدّى يكون أجنبياً عن الأثر الموضوعي في ترتيب أثر القطع الموضوعي ولو كان في مورده فإذا كان ملاك للملازمة فهو مع ثبوت المؤدّى في الجملة سواءً في مورد أثر القطع الموضوعي أم غيره.

ص ٩٧ قوله : ( ٣ ـ ويتضح على ضوء ... ).

هذا الاشكال النقضي على مسلك الميرزا في الاستصحابين المتعارضين يمكن لمدرسة الميرزا الاجابة عليه : بأنّ الأمر بالنسبة إلى الأثر الموضوعي

١٢٥

وهو جواز الافتاء بالواقع وان كان كذلك إلاّ انّه سوف يحصل المحذور بلحاظ حرمة الكذب الذي موضوعه الواقع حيث يعلم بأنّ أخذ الافتائين يكون كذباً وهو محرم.

وإن شئت قلت : إذا اريد الافتاء بالحكمين الظاهريين فهو فرع حجّية الامارتين أو الاستصحابين بلحاظ المؤدى والأثر الواقعي ، والمفروض التعارض والتساقط بلحاظه.

وإن اريد الافتاء بالحكمين الواقعيين فمن ناحية حرمة الافتاء بلا علم ـ التي حرمة اخرى غير حرمة الكذب ـ وإن لم يكن محذور لتحقق موضوعه حقيقة وبالحكومة الواقعية في الطرفين إلاّ انّه سوف يبتلي بمحذور حرمة الكذب ؛ لأنّه يعلم بأنّ أحد الافتائين خلاف الواقع ودليل جواز الاسناد والافتاء بالعلم الأعم من الواقعي والتعبدي يجوز الافتاء من ناحيته أي من ناحية الحرمة المذكورة لا من كل الجهات فلو استلزم ذلك في مورد الابتلاء بحرمة الكذب حرم الافتاء بملاكها ، وفي المقام حيث يعلم انّ أحد الافتائين كذب فيتشكل علم اجمالي منجز يوجب حرمة كل من الافتائين بالنتيجة العملية.

نعم ، سائر الآثار الموضوعية يمكن ترتيبها ، كجواز الاقتداء مثلاً إذا علم بأنّ زيداً أو عمرواً فاسق وكانا مستصحبي العدالة ، وكان العلم بالعدالة تمام الموضوع لجواز الاقتداء ، فيجوز الاقتداء بكل واحد منهما ؛ لكونه معلوم العدالة تعبداً ، حيث لا تنافي بين العلم الوجداني بفسق أحدهما والعلمين التعبديين بعدالتهما من حيث ترتب آثارهما الموضوعية ، وهذا ما لا يلتزم به أصحاب هذا المسلك.

١٢٦

ص ٩٩ قوله : ( وأمّا القسم الثالث ـ وهو أخذ القطع بحكم في موضوع حكم مماثل ... ).

لا يصحّ ربط البحث في مسألة أخذ القطع بالحكم في موضوع حكم آخر مماثل بما تقدم في بحث التجري من اشكال اللغوية في جعل الحرمة للتجري كما فعل في الدورة الاولى ، ولهذا لا يرد هذا الإشكال على السيد الخوئي القائل بالتأكد في المقام ومعقولية الجعل المذكور رغم قوله بلغوية واستحالة حرمة التجري في البحث السابق والوجه في ذلك : أنّ الحرمة للتجري والمعصية كانت بنفس الملاك الأوّل لا بملاك جديد ، ومن هنا كان يأتي اشكال اللغوية في المحركية المولوية مع جوابه المتقدم هناك ، وامّا هنا فالمفروض ثبوت حرمة اخرى وبملاك آخر في القطع بالحرمة الاولى المماثلة بحسب الفرض فلا لغوية في المحركية المولوية.

كما أنّ الجواب المذكور لدفع شبهة استحالة التأكّد يمكن المناقشة فيه بأنّ الطولية في المقام وإن لم تكن من باب العلية والمعلولية ليستحيل وجودهما بوجود واحد إلاّ أنّ هناك ملاكاً آخر غير العلية والمعلولية تقتضي استحالة وحدة الارادتين أو الكراهتين في المقام وهو لزوم تعلّق الارادة أو الكراهة بنفسها ؛ لأنّ احداهما بحسب الفرض متعلقة بالاخرى فلو اتحدتا في وجود واحد مؤكد لزم تعلقها بنفسها وهو محال.

والجواب على هذه الشبهة يكون بتوضيح انّ الارادة الثانية ليست متعلقة بالارادة الاولى ، بل بلحاظها وعنوانها ، فيكون الفعل المعنون بالعنوانين العنوان الواقعي له وعنوان كونه معلوم الحكم متعلقاً لارادة أو كراهة شديدة أكيدة فلا محذور أصلاً.

١٢٧

ص ١٠١ قوله : ( وامّا القسم الرابع ـ وهو أخذ القطع بالحكم في موضوع شخصه ... ).

استحالة أخذ القطع بالحكم في موضوع شخصه يمكن أن يبيّن بخمسة وجوه :

١ ـ برهان الدور في الحكم ولزوم توقف الحكم على نفسه وهذا هو برهان العلاّمة وجوابه كما هو في الكتاب.

٢ ـ برهان الدور في مرحلة وصول الحكم ، وهذا هو برهان الميرزا قدس‌سره وهو صحيح بلحاظ المجعول الفعلي لا الجعل أي إذا اخذ العلم بالمجعول الفعلي والذي هو أمر تصوري في موضوع ، وأمّا إذا اخذ العلم بالكبرى والصغرى فلا محذور.

٣ ـ برهان لزوم الخلف بحسب نظر المكلف ؛ لأنّ القاطع يرى مقطوع قطعه ثابتاً بقطع النظر عن قطعه وفي رتبته متقدمة عليه بالطبع فكونه متوقفاً عليه خلف هذا النظر وهو تهافت ، ولعل هذا هو مقصوده من قال بلزوم تقدم المتأخر بالطبع كالمحقق الاصفهاني قدس‌سره ، وهذا هو البرهان المقبول عند السيد الشهيد قدس‌سره مع سابقه وهذه البراهين الثلاثة مرتبطة بمرحلة المكلف واستحالة فعلية الحكم في حقه فتكون الاستحالة في المجعول الفعلي بالأصالة وفي الجعل بالتبع.

٤ ـ برهان اللغوية ؛ لأنّ غير القاطع لا حكم له والقاطع يتحرك بقطعه فلا محركيّة لمثل هذا الجعل. وقد أشكل عليه السيد الشهيد قدس‌سره بأنّه لا لغوية في مرحلة الجعل لو فرض عدم المحذور في مرحلة الوصول إذ يكون حاله حال سائر الجعول من حيث كون جعلها من موجبات وصولها.

١٢٨

وقد يقال : أنّ هذا الجواب غير تام لأنّ الوصول بعد أن كان في المقام شرطاً في فعلية الملاك والتكليف فلا وجه لجعله لكي يوصل فيتحقق الملاك وهذا بخلاف الأحكام غير المشروطة بالعلم فإنّ عدم جعلها تفويت للملاك على المولى بخلاف المقام.

والجواب : انّ العلم قد يكون من شرائط التحقق لا الاتصاف ، وإنّما اخذ قيداً في موضوع الحكم لعدم القدرة عليه أو لأيّ سبب آخر ، فهذا الاشكال غير متّجه.

٥ ـ برهان لزوم التهافت والخلف بحسب نظر المولى في مرحلة الجعل وهذا ظاهر عبائر مدرسة الميرزا قدس‌سره بتقريب انّ الجاعل يرى الموضوع مفروض الوجود ومفروغاً عنه فإذا اخذ العلم بشخص الحكم الذي يريد جعله في الموضوع مفروغاً عنه مسبقاً فكيف يجعله مرة اخرى.

والجواب : أوّلاً ـ انّ المفروغ عنه العلم بالحكم لا نفس الحكم وفرض العلم بالحكم يستلزم فرض المعلوم بالذات لا المعلوم بالعرض ؛ لأنّه ليس قيداً له إلاّ إذا كان الواقع جزء الموضوع وقد تقدم ابطاله.

وثانياً ـ يمكن أن يأخذ العلم بالحكم بنحو القضية الشرطية أي من لو جعل الحكم أصبح عالماً فلا يكون الموضوع المفروغ عنه في الجعل من يفرض عالماً بالفعل ليلزم التهافت بل الموضوع فرض الملازمة وصدقها لا يستلزم فرض صدق جزاءها وهو العلم بالحكم.

وبعبارة اخرى : بهذا النظر لا يكون الحكم مأخوذاً في الموضوع بنحو فعلي مفروغاً عنه ليكون مانعاً عن امكان جعله وانشائه.

١٢٩

ص ١٠٥ قوله : ( ثمّ انّ المحقق النائيني ١ بعد أن بنى على استحالة ... ).

من أجل التوصل إلى نتيجة تقييد الحكم بالعلم به وجد مسلكان :

مسلك الميرزا قدس‌سره متمم الجعل.

مسلك العراقي قدس‌سره الحصة التوأم.

وكلا المسلكين لا يختصان بالمقام بل طبِّقا أيضاً في مبحث التعبدي والتوصلي ، فبلحاظ جميع القيود الطولية الثانوية يقال بنتيجة التقييد بأحد هذين النحوين ، سواءً في ذلك قيود الوجوب والتكليف كما في المقام أو قيود الواجب كما في قصد الأمر. ولا يلزم محذور اجتماع الوجوبين من مسلك متمم الجعل لما تقدم من أنّ روح الجعلين ومباديهما واحدة والامتناع بلحاظها لا بلحاظ مرحلة الجعل والاعتبار.

وقد أورد الاستاذ قدس‌سره على مسلك النائيني قدس‌سره في الدورة السابقة :

أوّلاً ـ انّ الجعل الأوّل لابد وأن يكون مطلقاً لأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والايجاب فإذا استحال أحدهما تعيّن الآخر ، وهذا اشكال مبنائي.

وقد رجع عنه في الدورة الثانية بأنّ هذا الإطلاق لا يمكن أن يكشف عن إطلاق روح الحكم ومباديه لكونه ضرورياً فلا فائدة في مثل هذا الإطلاق.

لا يقال : كما ذكر السيد الحائري في تعليقته ـ كما يستحيل أخذ العلم بالحكم في موضوعه في الحكم بمعنى الجعل يستحيل ذلك في روح الحكم أعني الشوق ، وهذا يعني انّ فرض وجود الحكم ومباديه يساوق فرض اطلاقه وعدم دخل قيد العلم به فيه فلا تحتاج إلى الإطلاق في الجعل.

١٣٠

فإنّه يقال : الشوق والحب والارادة من الصفات الحقيقية التكوينية وليست من قبيل الجعل الذي هو أمر اختياري ، والمفروض انّه لا استحالة في نفس تعلق الحكم أو الشوق بالعالم به وإنّما المحذور في مرحلة فعلية وصوله إلى المكلف وهو مانع عن تحقق الجعل الذي هو فعل اختياري للمولى وليس مانعاً عن الشوق وتعلقه به فإنّه قد يتعلق بأمر مستحيل في نفسه على انّه ليس بمستحيل ؛ إذ يعقل أن يكون الشوق والملاك فيمن علم بفعلية الحكم في حق نفسه ولو من باب الجهل المركب وتصور انّ الحكم مطلق ثابت بقطع النظر عن قطعه على كل أحد ، وهذا وإن كان مانعاً عن الجعل للغويته لكنه ليس مانعاً عن الشوق وتعلّق الارادة به لأنّه أمر تكويني قهري ، وهذا يعني انّه لو احتملنا تقيد الحكم بحسب مباديه وروحه بالعالم بفعليته ـ لا العالم بجعله ـ لم يكن بالامكان نفي احتمال دخالة ذلك بالاطلاق في أدلّة الأحكام للعلم بكونها مطلقة من هذه الناحية ولكنها لا تفيد في الكشف عن إطلاق روح الحكم وما هو المنجز إنّما هو روح الحكم لا مجرد جعله فقد يتصور انّه على هذا ينحصر الوجه في اثبات الحكم في حق الجاهل بفعليته بقاعدة الاشتراك.

وثانياً ـ بأنّ الجعل المتمم سيبقى مهملاً بالنسبة إلى نفسه فلو فرض انّ فعلية الحكم كانت مشروطة بالعلم بتمام المجعول لم يكن يمكن للمولى التوصل إلى غرضه للزوم التسلسل.

وقد رجع عنه في الدورة الثانية ولعلّه لعدم صحته ؛ لأنّ المراد من أخذ العلم بحسب الفرض أخذ العلم بالحكم الفعلي وهو إنّما يكون بلحاظ روح الحكم ومباديه لا بلحاظ مجرد الجعل والاعتبار والمفروض انّه بلحاظ مرحلة روح الحكم ومباديه لا يوجد إلاّحكم واحد لا أحكام عديدة وتعدد الجعل ليس إلاّ

١٣١

مجرد تفنن في مرحلة الاعتبار للتخلص عن المحذور فبأخذ العلم بالجعل الأوّل في الجعل المتمم يكون المولى واصلاً إلى غرضه وهو إمكان جعل الحكم على العالم به أي بروحه ومباديه.

والصحيح : ما ذكره الشهيد قدس‌سره مختصراً في الدورة السابقة ومفصلاً في هذه الدورة ، وتتلخص في ثلاث نقاط ، إذا اريد من الحكم المجعول الفعلي لا الجعل المهمل وإلاّ لم نكن بحاجة إلى مسلك المتمم لما سيأتي من امكان العلم بالجعل في فعلية المجعول.

١ ـ عدم الحاجة إلى متمم الجعل ؛ لأنّ الجعل الأوّل إذا كان في قوة الجزئية فهو يفي بالتقييد وإن كان في قوّة المطلقة فهو يفي بالاطلاق فلا حاجة إلى الجعل المتمم على التقديرين بل على أحدهما فقط وإن كان مهملاً فلا يتحقق موضوع الجعل الثاني أصلاً.

٢ ـ لا يعقل تحقق موضوع الجعل المتمم ؛ لأنّ الجعل الأوّل لا يعقل أن يكون في قوّة الكلية لأنّ المهملة لا يمكن أن تكون كلية ؛ لأنّها فرع الإطلاق ونكتة السريان فيتردد بين أن تكون في قوّة الجزئية أو غير منطبقة على الخارج أصلاً ، والأوّل مستلزم لنفس محذور الدور لأنّ المراد بالجزئية هنا فرض العلم بالمجعول في الجعل الأوّل والعلم به فرع العلم بتحقق موضوعه المتيقن والذي هو نفس فرض العلم به فيتوقف العلم به على العلم به والثاني يستلزم عدم تحقق موضوع الجعل الثاني ، فالحاصل الجعل المتمم غير معقول لعدم إمكان تحقق موضوعه.

٣ ـ انّ المهملة في خصوص المقام يستحيل أن تكون في قوة الجزئية ؛ لأنّ

١٣٢

انطباق الطبيعة على المقيد امّا بأخذه قيداً فيها أو بعدم أخذ عدمه قيداً وكلاهما في المقام محال بحسب مسالكهم فيستحيل انطباق الطبيعة على المقيد في المقام ، وهذا معناه انّ المهملة في المقام مستحيلة الانطباق على الخارج ، بل ويستحيل انطباقها في الخارج من ناحية استحالة تحقق موضوعها كما ذكر في الاشكال السابق ، ومعه يستحيل جعل الحكم عليها ولو مهملاً لوضوح انّ جعله إنّما يكون بلحاظ انطباقها على الخارج ولو ضمن الجزئية ، وهذا بحسب الحقيقة اشكال بنائي على الجعل الأوّل.

وأمّا مسلك العراقي وهو جعل الحكم على الحصة التوأم مع العلم بالحكم ففيه :

أوّلاً ـ عدم معقولية الحصة التوأم في باب المفاهيم وإنّما يعقل في الوجودات الخارجية كما ذكرنا ذلك مراراً.

وثانياً ـ الاستحالة في المقام لم تكن بلحاظ عالم الجعل كما في قصد الأمر بل بلحاظ عالم فعلية وصول المجعول ، فلو سلمنا امكان أخذ العلم بالحكم قيداً وشرطاً فيه بنحو الحصة التوأم والعنوان المشير إلى الحصة الخاصة في المرتبة السابقة إلاّ انّه حيث لا يوجد أي عنوان لتلك الحصة غير عنوان العلم به فيبقى محذور عدم امكان وصول مثل هذا الحكم إلى المكلف في مرحلة الفعلية للزوم الدور على حاله كما لا يخفى.

وهكذا اتضح عدم تمامية المسلكين المذكورين.

والصحيح امكان أخذ العلم بالحكم بمعنى الجعل في موضوع فعلية مجعوله ولا محذور فيه ؛ لتعددهما سواءً قلنا بأنّ المجعول أمر حقيقي تصديقي أو وهمي

١٣٣

تصوري لأنّ الجعل تصوراً غير المجعول.

وما ذكره في الدراسات (١) من انّ العلم بالجعل إن اريد به الجعل غير الشامل للعالم فأخذه بل أخذ مجعوله لم يكن فيه اشكال من أوّل الأمر وليس من أخذ الحكم في موضوع شخصه وإن اريد العلم بالجعل الشامل للعالم لزم المحذور ؛ لأنّ العلم بشمول الجعل فرع العلم بموضوعه الذي هو نفس العلم المذكور فتوقف العلم بالحكم على العلم به.

مدفوع : بأنّ الشمول وعدم الشمول من خصوصيات وانقسامات المجعول لا الجعل فإنّه انشاء جزئي لقضية اعتبارية تصورية ، ولا معنى لاتصافه بالشمول وعدم الشمول إلاّبالتبع ، فلا اشكال في امكان حصول العلم به كما أنّ المنشأ به قد اخذ في موضوعه مفهوم العالم بالحكم فيمكن أن يعلم المكلف بأنّ المولى قد أنشأ وجعل وجوب التمام على العالم به بنحو القضية الحقيقية ، وبنفس هذا العلم يصبح موضوعاً لمجعول ذلك الجعل فيحصل له في طول ذلك علم بشمول الجعل له أو قل علم بالمجعول الفعلي سواءً اعتبرناه أمراً حقيقياً تصديقياً أم تصورياً وهمياً ، فالحاصل العلم بالانطباق والشمول غير العلم بالجعل بمعنى القضية الحقيقة المجعولة على طبيعي العالم بالجعل ؛ ولهذا قد يعلم الإنسان بالقضية الحقيقية ويغفل عن انطباقها على مصداق أو على نفسه ، وهذا واضح.

وقد يقال : انّ هذا غاية ما يفيد امكان نفي تقيد الأحكام بصورة العلم بجعلها بالتمسك باطلاق أدلتها بلا حاجة إلى أدلّة اشتراك العالم والجاهل في الحكم أمّا إذا احتمل تقيد الحكم بالعلم بالمجعول بأن فرض احتمال دخالة العلم بالمجعول

__________________

(١) دراسات في علم الاصول ج ٣.

١٣٤

الفعلي في فعلية الحكم وفعلية ملاكه فلا يمكن نفيه بالاطلاق في دليل الحكم لأنّ الإطلاق وإن كان متعيناً هنا بناءً على ما تقدم من انّه كلما استحال التقييد تعين الإطلاق ، إلاّ انّه إطلاق غير كاشف عن إطلاق مبادئ الحكم وروحه ـ كما أشرنا فيما سبق ـ والمهم اثبات إطلاق روح الحكم في حق الجاهل بالحكم الفعلي كما انّه إذا كان غرض المولى في التقييد المذكور فلا يمكنه أخذه والتوصل إليه.

وهذا الاشكال يمكن الجواب عليه بأحد وجهين :

الأوّل : انّه يكفي إطلاق الخطاب بلحاظ أخذ العلم بالجعل لاثبات إطلاق روح الحكم ومباديه في حق الجاهل ؛ لأنّ الغرض لو كان مختصاً بالعالم بالمجعول الفعلي فالمولى وإن كان لا يتمكن من أخذ العلم بالمجعول الفعلي في موضوع حكمه لكنه يتمكن من أخذ ما يساويه ويساوقه وهو أخذ العلم بالجعل المساوق لأخذ العلم بالكبرى والصغرى والذي يتولد منه العلم بالمجعول الفعلي دائماً ، والمفروض امكان أخذ العلم بالجعل ـ الكبرى ـ والمستبطن للعلم بالصغرى من ناحية هذا القيد لا محالة فيكون ملازماً مع العلم بالمجعول ، وهذا ينتج نفس الدائرة من التقييد التي ينتجها أخذ العلم بالمجعول الفعلي وإن كانا قيدين متباينين عنواناً ، فعدم أخذه يكشف لا محالة عن إطلاق المبادئ للحكم في حق الجاهل كالعالم وهو المقصود من اطلاقات أدلّة الأحكام ، كما انّه إذا كان غرضه في المقيد أمكن أخذ القيد الملازم معه ، فحال أخذ العلم بالجعل حال أخذ العلم بالمجعول الفعلي اطلاقاً وتقييداً.

نعم ، لا يمكن أن يستكشف من أخذه دخالته بعنوانه أو بعنوان ملازمه في

١٣٥

الملاك إلاّ أنّ هذا لا ربط له بأصل الحكم وحدوده اطلاقاً وتقييداً ، وإنّما يرتبط بمركز ما فيه الملاك ومصلحة الأحكام ، وليست الخطابات متكفلة لها بهذه الدقّة الفلسفية.

وإن شئت قلت : انّه عرفاً لا فرق بين النحوين المذكورين من التقييد بحسب النتيجة ، فيتمّ الإطلاق النافي لدخل العلم بالمجعول الفعلي أيضاً عرفاً.

الثاني : انّ التقييد بلحاظ الجعل وإن فرض غير ممكن إلاّ انّه بلحاظ المبادئ أي عالم المصلحة والمفسدة بل الارادة والكراهة ممكن بحسب الفرض باعتبارهما أمرين تكوينيين يمكن تعلقهما بغير المقدور أيضاً ، كما أنّهما ليسا أمرين انشائيين ليرتفعا باللغوية ونحو ذلك ، فيمكن ابراز تقيدهما حينئذ بالعلم بالحكم بمعنى الارادة لا للجعل ، خصوصاً إذا كان العلم بالمجعول شرطاً لتحقق الملاك لا للاتصاف به ، وإنّما يؤخذ شرطاً في الوجوب والتصدّي المولوي لكونه غير اختياري مثلاً ، فيمكن للمولى أخذ ذلك قيداً في الحكم بمعنى المجعول الانشائي ، فيرتفع الدور أو التهافت في مرحلة الوصول ، ويكون الجعل المذكور بنفسه كاشفاً عن تعلّق الارادة والمبادئ بالعالم بهما.

وبهذا يتضح أنّ أصل اشكال الدور والتهافت على أخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه ليس بتلك الأهمية ، وممّا يشهد عليه وقوعه خارجاً في التشريعات العقلائية والشرعية.

ثمّ انّهم ناقشوا في كون مثال الجهر والاخفات أو القصر والتمام من مصاديق هذا البحث بدعوى انّ ظاهر الشهيد استحقاق الجاهل القصر للعقوبة وهو ينافي كون الحكم به مشروطاً بالعلم به إذ رفع الموضوع لا يكون موجباً للعقوبة

١٣٦

ويمكن أن نضيف شاهداً آخر لما ذكروه وراموه وهو لزوم القضاء تماماً حتى إذا كان جاهلاً حين الأداء تقصيراً وكذلك الجهر والاخفات فجعلوا المقام من موارد جعل البدل المفوّت لباقي المصلحة والذي هو نوع من الاجزاء.

إلاّ أنّ ما ذكروه غاية ما يثبت عدم كون التكليف بالقصر على المسافر مثلاً مشروطاً بالعلم به إلاّ أنّ صحّة التمام عليه مشروط به لا محالة فالبدل المجعول في موارد الحكم بالصحّة يكون مشروطاً بالعلم به ولهذا لا يصحّ من غيره فيكون من صغريات هذا البحث.

١٣٧

الموافقة الالتزامية

ص ١١٣ قوله : ( الجهة الخامسة : ... ).

الأولى جعل منهج البحث كما يلي :

الأمر الأوّل ـ في معنى وجوب الالتزام.

الأمر الثاني ـ في الدليل على وجوبه عقلاً أو شرعاً.

الأمر الثالث ـ في مانعية المخالفة القطعية الالتزامية عن جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي الذي لا مخالفة قطعية عملية له كموارد الدوران بين المحذورين ونحوه.

وهنا تقريبان ومسلكان للمانعية بناءً على ثبوت وجوب الالتزام عقلاً أو شرعاً بالتكاليف :

١ ـ مانعية نفس المخالفة الالتزامية القطعية كالعملية القطعية عن جريان الاصول للزوم التناقض. وجوابه ما في الكتاب في جواب التقريبين الأوّل والثاني.

٢ ـ مانعية المخالفة الالتزامية لكونها ترجع إلى مخالفة قطعية عملية للتكليف بوجوب الالتزام ، ولا فرق من هذه الناحية في المانعية بين تكليف وتكليف.

والجواب : انّه تارة نبني على حرمة الالتزام بما لا يعلم انّه من الدين ولو كان

١٣٨

منه واقعاً لكونه نوعاً من التشريع أو الاسناد المحرم ـ كما هو الصحيح ـ واخرى نبني على انّ المحرم هو الاسناد أو الالتزام بما ليس من الدين واقعاً.

فعلى الأوّل معناه انّ وجوب الالتزام مقيد موضوعاً بالتكليف المعلوم لا الواقعي وإلاّ لزم التناقض مع حرمة التشريع ، ومعه لا وجوب للالتزام في موارد العلم الإجمالي إلاّبالمقدار المعلوم الإجمالي ولا يجوز الالتزام بشيء من الطرفين لكونه تشريعاً محرماً فلا موضوع لجريان الاصول فيهما بلحاظ هذا الأثر والالتزام بالعنوان الإجمالي ممكن لأنّه عنوان ثالث غير الطرفين تفصيلاً وهذا واضح.

وعلى الثاني يلزم الدوران بين المحذورين ـ وجوب الالتزام وحرمة التشريع ـ في الالتزام بكل مشكوك بحسب الحقيقة ، وفي المقام لو التزم بكل من الوجوب والحرمة ـ لو أمكن ذلك ـ أو ترك الالتزام بهما معاً كانت مخالفة قطعية لأحد الحكمين ومخالفة كذلك للآخر وهنا ذكر صاحب الكفاية بوقوع التزاحم بين التكليف وسقوط وجوب الالتزام على القول به في مثل المقام ولو لقصور دليله ، وهذا جواب صحيح أيضاً على تقدير قبول المبنى ، مضافاً إلى الجواب المذكور في الكتاب من عدم منع ذلك عن جريان الاصول بلحاظ العمل الخارجي لأنّ كلاً منهما تكليف مستقل عن الآخر ، كما انّه مقتضى الصناعة عندئذ هو التوسط في التنجيز ، أي اختيار المخالفة الاحتمالية بالالتزام بأحد الطرفين لا كليهما على ما سيأتي في بحث الدوران بين المحذورين. هذا اجمال البحث.

ثمّ انّه كان ينبغي جعل هذا البحث بعد منجزية العلم الإجمالي ؛ لأنّه بحسب

١٣٩

الحقيقة اشكال على جريان الاصول في تمام الأطراف حتى إذا لم يلزم منه مخالفة عملية ـ كما لعلّه منسوب إلى الفشاركي ـ ولكن جرياً مع منهج الكفاية يقدم ، فالبحث هنا عن وجوب الالتزام ومانعية المخالفة الالتزامية عن جريان الاصول في تمام الأطراف. وفيما يلي نورد تفصيل هذا البحث ضمن امور :

الأمر الأوّل : في اثبات انّ الالتزام غير اليقين وغير الاظهار والابراز بل هو فعل من أفعال الجوانح وليس انفعالاً أو عرضاً كالعلم والحب وحقيقته امّا أن يكون فعلاً تكوينياً مباشرياً للنفس كالتوجه والالتفات وينتزع منه الخضوع والتسليم أو انّه فعل اعتباري انشائي وهو نحو من التعهد والقرار والبناء بين الإنسان ونفسه نظير القرارات والتعهدات مع الآخرين بشهادة الوجدان وبدليل حرمة التشريع والدينونة بما ليس من الدين على انّه من الدين الذي لا إشكال فيه فقهياً كما لا اشكال في انّه غير العلم وغير حرمة الكذب. فما في تهذيب الاصول من انكار وجود موضوع لأصل هذا البحث غير فني.

الأمر الثاني : في تصوير كيفية مانعية وجوب الالتزام عن جريان الاصول في تمام الأطراف ، وذلك بأحد بيانات :

١ ـ عدم عقلائية الالتزام بالنقيضين التزاماً جدياً ، ولازم جريان الاصول في تمام الأطراف ذلك ، ولزوم الالتزام بمفادها مع الواقع المعلوم بالاجمال اللازم التزامه ، وهو مانع عن إطلاق دليل الأصل لتمام الأطراف فإنّ المانع العقلائي كالعقلي بل سوف يأتي انّ الترخيص في المخالفة العملية أيضاً محذوره عقلائي.

وفيه : ما في الكتاب.

٢ ـ عدم عقلائية الالتزام بالواقع المعلوم بالاجمال مع لزوم الجري العملي في

١٤٠