أضواء وآراء - ج ٢

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-74-2
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٤٥٦

الواقعي وأوسع منه حيث تشمل موارد الجهل التي قد لا يكون الحكم الواقعي ومباديه ثابتاً في بعضها فهي على اختلاف ألسنتها ابراز وطريق للأحكام الواقعية ولهذا تكون صورية في مورد عدم المصادفة وحقيقية في مورد المصادفة للواقع مبرزة لنفس تلك الأحكام والمبادئ ولهذا تكون العقوبة على مخالفة الواقع في موردها لا نفسها وهذا هو معنى طريقية الأحكام الظاهرية.

الثانية : لازم ما ذكر انّه حين قيام الحكم الظاهري الالزامي في مورد سوف يكون الحكم والارادة الواقعية للمولى واصلاً إلى المكلّف على تقدير المصادفة وهذا يعني انّ البيان تام على تقدير وجود الحكم في الواقع فلا موضوع للقاعدة العقلية لأنّ موضوعه عدم البيان على تقدير وجود الحكم وهو منتفٍ هنا ، إذ على تقدير المصادفة فالحكم الواقعي مبرز وواصل من خلال الانشاء الظاهري ، ولعلّ الوجه في انّه جعل موضوع القاعدة عدم البيان على تقدير المصادفة لا عدم البيان المطلق انّ العذر مانع ومخالفة الواقع مقتضي للعقوبة فتكون على تقدير المصادفة وهو معنى عدم البيان على تقدير المصادفة وأمّا على تقدير عدم المصادفة فلا مقتضي للعقوبة على الواقع ، نعم قد يعاقب عقاب التجري إذا كان هناك منجّز ، وهكذا يتضح انّه مع قيام الامارة بل كل حكم ظاهري الزامي يرتفع موضوع القاعدة حقيقة ووجداناً لأنّ موضوعها عدم البيان على تقدير المصادفة والمفروض انّ الحكم الظاهري بيان على تقدير المصادفة ، وهذا لعلّه أحسن من التعبير بما في الكتاب من انّه من الشبهة المصداقية للقاعدة.

وهذا البيان أيضاً غير فنّي ؛ لما ذكر في ردّه في الكتاب من أنّ المراد بالبيان هو العلم ، ومن الواضح انّه لا علم بالحكم الواقعي ، والحكم الظاهري ليس بنفسه منجزاً ، والعلم بالجامع بين حكم واقعي قابل للتنجيز وحكم ظاهري لا يقبل

١٠١

بنفسه للتنجيز ليس منجزاً ، وهذا واضح. فالعبائر المذكورة ليست إلاّتلاعباً بالألفاظ.

والصحيح في الجواب على الشبهة ما في الكتاب.

وبما ذكر فيه يتبين انّ فذلكة الموقف في دفع الشبهة إنّما هو بما يبرزه الخطاب الظاهري من مرتبة الاهتمام المولوي بالملاكات الواقعية الالزامية بأي لسان كان الانشاء والجعل وانّه لا موضوع للقاعدة العقلية على القول بها في مورد العلم بالاهتمام المذكور من قبل المولى وأنّه كالعلم بالحكم الواقعي في نظر العقل ، ويترتب على ذلك الامور الثلاثة المذكورة في الكتاب.

ثمّ انّه قد يتوهم في مقام الاجابة على الشبهة انّ الموضوع للقاعدة العقلية هو عدم البيان بمعنى عدم الحجة على الحكم وبقيام الدليل على حجّية الامارة يتحقق فرد من الحجة حقيقة ووجداناً فيكون الرفع بالورود.

وفيه : إن اريد بالحجة مطلق المنجز رجعت قضية قبح العقاب ـ الذي يعني التأمين وعدم التنجيز ـ بلا حجة إلى قضية بشرط المحمول إذ يكون المعنى عدم التنجيز حيث لا يكون منجز وهو لغو باطل.

وإن اريد بالحجة المثبت والطريق إلى الواقع ـ حيث انّ الحجة هي الوسط الذي يثبت الأكبر للأصغر ـ فيقال بأنّ جعل الامارة حجة يرفع موضوع اللاحجة فهذا عبارة اخرى لما قاله الميرزا من انّ جعل الامارة علماً وبياناً يرفع موضوع اللابيان إذ الاثبات والطريقية والحجّية كلّها معانٍ مترادفة لها مصداق حقيقي ذاتي هو العلم وما يجعله الشارع لا يكون إلاّفرداً تعبدياً انشائياً له وهو لا يغير من الواقع شيئاً ولا يمكن أن يكون موضوع القاعدة مربوطاً بمجرد الاعتبار

١٠٢

والصياغة كما تقدم في ردّ الميرزا قدس‌سره.

ثمّ انّه يناسب التعرّض هنا لعدة امور اخرى مرتبطة بمبحث قيام الامارات مقام القطع الطريقي :

١ ـ انّ مدرسة الميرزا قدس‌سره اعترضت على الشيخ الأعظم قدس‌سره حيث فسّر الحكم المجعول في الظاهري بأنّه تنزيل المؤدّى منزلة الواقع لا تنزيل نفس الامارة والظن منزلة العلم بأنّه محال لاستلزامه التصويب أو محذور التضاد مع الحكم الواقعي ، حيث قالت هذه المدرسة أنّ الامارة والظن لا يمكن تنزيله منزلة العلم الطريقي لعدم كون أثره وهو التنجيز والتعذير حكماً شرعياً ولا تنزيل المؤدّى منزلة الواقع رغم انّه حكم شرعي للزوم التصويب فلابد وأن يكون المجعول نفس اعتبار العلمية والطريقية وتتميم الكشف.

وفيه : انّ تنزيل المؤدى منزلة الواقع إنّما يلزم منه التصويب أو التضاد إذا كان التنزيل والحكومة واقعياً لا ظاهرياً وهذا واضح.

وعليه فكما يمكن أن يكون المجعول في حجّية الامارة جعل المنجزية والمعذرية لها وتنزيلها منزلة العلم في ذلك أو اعتبارها علماً كذلك يمكن أن يكون تنزيل مؤداها منزلة الواقع امّا بأن يكون المجعول عنوان التنزيل الانشائي أو نتيجة التنزيل وهو جعل الحكم المماثل ، نعم التنزيل بمعنى ترتيب آثار المنزل عليه ولو ظاهراً إنّما يعقل في الامارة على الموضوع لا الحكم في الشبهة الحكمية كما لا يخفى ؛ فتنزيل المؤدى منزلة الواقع معقول أيضاً غاية الأمر لابد لمثل مسلك الشيخ أن يبين وجه ارتفاع قاعدة قبح العقاب بلا بيان بهذا التنزيل.

والظاهر أنّه يرى الارتفاع من باب انّ العلم بالواقع التنزيلي التعبدي كالعلم

١٠٣

بالواقع الحقيقي رافع لموضوع القاعدة ، وقد عرفت أنّ الصحيح في ارتفاع موضوع القاعدة هو العلم بالمدلول التصديقي لدليل الحكم الظاهري الذي هو روحه المشتركة على جميع المسالك والأقوال فيما هو المجعول والصياغة الاعتبارية له وليس للمجعول الاعتباري وكيفيته أي دخل في ذلك.

٢ ـ ذكر الميرزا قدس‌سره في فوائد الاصول بأنّ التنجيز الذي هو أمر عقلي لا يرتفع إلاّ بالوصول والعلم بالواقع واحرازه امّا بنفسه ( كما في العلم الوجداني والامارات والاصول التنزيلية ) وامّا بطريقه ( كما في موارد جريان أصالة الاحتياط الشرعية ) ، وبهذا فرق بين باب الامارات والاصول التنزيلية الالزامية وبين الاصول غير المحرزة الالزامية ، وهذا أيضاً تأثر بعالم المجعول الاعتباري فكأنّ الذي يرفع موضوع القاعدة نفس الأمر الاعتباري الذي ينشئه المولى ، فإذا كان هو العلمية والكاشفية والمحرزية للواقع كان الواقع واصلاً للمكلف بنفسه ، وإن كان ايجاب الاحتياط أو الأمر بالاتباع كان الواقع غير واصل بنفسه بل بطريقه وهو الحكم الظاهري الذي جعل لحفظ الواقع.

وفيه : أنّ هذا عين المناقضة مع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ؛ إذ لا يكون الحكم الواقعي واصلاً في مورده لا بالعلم والطريق الوجداني ولا التعبدي فلابد إمّا من الالتزام بتخصيص القاعدة العقلية أو القول بكون العقوبة على مخالفة نفس الحكم الظاهري ، وهذا ما لا يلتزم به لأنّه خلف كونه حكماً طريقياً كما صرّح بذلك في أكثر من مورد.

والصحيح ما عرفت من انّ موضوع القاعدة ترتفع بشيء واحد في تمام موارد الأحكام الظاهري الالزامية وذلك الشيء أمر حقيقي تصديقي لا يرتبط بما هو المجعول الاعتباري في دليل الحكم الظاهري وهو روح الحكم الظاهري

١٠٤

ومباديه الحقيقية في نفس المولى المبرزة بأدلّة الأحكام الظاهرية على اختلاف ألسنتها وتلك الروح هي ترجيح المولى واهتمامه بأغراضه اللزومية في موارد الشك والاشتباه والتزاحم الحفظي ، فإنّ المكلّف إذا علم بذلك ارتفع موضوع اللابيان في القاعدة ؛ لأنّ موضوعها عدم العلم بالواقع وعدم العلم باهتمام الشارع به وأمره بحفظه في مورد الشك ، وهذا الأمر هو المدلول التصديقي المستكشف في تمام موارد الأحكام الظاهرية مهما كانت الصياغة لمجعولاتها الاعتبارية بل حتى لو لم يكن مجعول وإنّما كان لسان دليل الحكم الظاهري مدلولاً إخبارياً صرفاً عن اهتمام المولى وترجيحه لملاكاته اللزومية أيضاً ارتفع موضوع القاعدة.

ومنه يعرف عدم لزوم انشاء أمر في مورد الحكم الظاهري كما توهمه المحقق العراقي قدس‌سره ، وكأنّه لأنّه يرى الحكم الظاهري حقيقته الانشاء الطولي الصرف ولا مبادي لها ، فإذا فرض عدم الانشاء لها أيضاً لم يكن حكماً أصلاً. كما انّه لو فرض وجود انشاء ومجعول اعتباري فلا فرق من هذه الناحية بين صياغاتها المختلفة. نعم ، يوجد فرق بينها من احدى ناحيتين :

أ ـ مقدار الحكم الظاهري وسعته وضيقه بلحاظ الأحكام الواقعية ، فالأحكام الظاهرية المحرزة ـ سواءً الامارات أو الاصول ـ يترتب في موردها تمام الآثار الشرعية الواقعية المترتبة على ما أحرزه ذلك الحكم الظاهري ظاهراً ، فتكون الحكومة الظاهرية أوسع ، بخلاف أصالة البراءة أو الاحتياط الشرعية فإنّه حكم ظاهري بمقدار نفس الحكم الواقعي المشكوك لا آثاره والأحكام الاخرى المترتبة عليه ، فصحّة المعاملة مثلاً لا تثبت بالبراءة عن حرمة أكل الطعام المشكوك.

١٠٥

ب ـ من ناحية تقدم بعضها على بعض فإنّ هذا أيضاً مما قد يترتب على الألسنة المذكورة بنكات اثباتية سوف يأتي التعرض اليها في محالّها.

٣ ـ في تحقيق ما هو المستفاد من أدلّة حجّية الامارات وأنّه جعل الطريقية والعلمية أم غير ذلك.

قد يقال : بأنّه لا ينبغي الاشكال في ذلك بناءً على مسلك الميرزا من عدم معقولية غير جعل الطريقية من جعل المنجزية أو التنزيل منزلة العلم أو تنزيل المؤدّى والحكم الظاهري حيث يتعين ذلك ثبوتاً ولو لم يكن عليه قرينة اثباتاً.

وفيه : مضافاً إلى بطلان المسلك كما تقدم لابد من وجود قرينة على ذلك اثباتاً وإلاّ احتمل أن يكون المجعول فيه الجري العملي والاحراز الثابت في الاصول المحرزة أو مجرد الأمر بالاتباع كحكم تكليفي طريقي كما في الاصول غير المحرزة ، فمجرد عدم معقولية جعل المنجزية أو التنزيل لا يعين ما ذكره الميرزا حتى على مسالكه.

والذي يستظهر من كلمات مدرسة المحقق النائيني المؤسس لهذا المسلك في اثبات انّ المجعول في الامارات هو الطريقية والعلمية وتتميم الكشف انّ مهم الدليل لنا على حجّية الامارات هو السيرة العقلائية وامّا الأدلّة اللفظية فهي ارشادية أو امضائية والعقلاء ليست لهم أوامر وتكاليف كالشارع ليكون المجعول عندهم ذلك ، أو يكون المجعول هو التنزيل أو المنجزية والمعذرية لأنّها فرع وجود تكاليف مولوية وهي مفقودة ، بل قد عرفت انّ المنجزية والمعذرية حكم العقل ولا يعقل التنزيل بلحاظها ولا جعلها من قبل العقلاء وإنّما المعقول اعتبار

١٠٦

الامارة علماً وتعامل العقلاء مع الامارة كالعلم والاطمئنان كاشف عن اعتباره علماً وكشفاً تاماً.

وقد ناقش السيد الشهيد قدس‌سره في الدورة السابقة في هذا الاستدلال من وجهين :

١ ـ أنّ العقلاء في أغراضهم بما هم موالي أي في المولويات العقلائية لهم تكاليف وأوامر أيضاً ، نعم العقلاء في أغراضهم التكوينية ليس لهم ذلك ، إلاّ أنّ المراد بالسيرة العقلائية التي نتمسك بها في الفقه أو الاصول إنّما هو سيرتهم في أغراضهم بما هم موالي على ما سوف يقع البحث عنه مفصلاً فيما يأتي.

٢ ـ انّ غاية ما يستفاد من الرجوع إلى السيرة العقلائية إنّما هو عملهم وترتيبهم لآثار الواقع في موارد الامارات امّا هل انّ ذلك باعتبار انهم جعلوه علماً أو لمجرد الجري العملي على طبقه فلا يمكن احراز ذلك خارجاً ، وما ادعي من أنّ العقلاء يتسامحون ويرون الامارة كالعلم ممنوع خصوصاً في الامارات التي يكثر مخالفتها للواقع كالظهورات بل ولا يفيد حتى في الامارات القوية كالاطمئنان لأنّ هذا النظر اخباري وليس انشائياً ، فلعلّه من جهة الخطأ في التطبيق وهو لا يناسب النظر الانشائي وهو جعل الطريقية والعلمية الاعتبارية ، وما دام لا يوجد جعل ونظر انشائي عقلائي كذلك لا يمكن الوصول إلى جعل الطريقية والعلمية شرعاً من دليل الامضاء كما هو واضح.

إلاّ أنّ المستظهر من كلمات السيد الاستاذ قدس‌سره في الدورة الثانية الميل إلى صحة ما ذكره الميرزا قدس‌سره باعتبار أنّ جعل العلمية والطريقية هي أفضل صيغة ذوقية وعقلائية متناسبة مع نكتة وملاك حجّية الامارات وهو الترجيح على

١٠٧

أساس قوّة الكشف محضاً ، فإذا فرض وجود تشريع عقلائي في مورد الامارات عند العقلاء فالمتعيّن بحسب الذوق العقلائي أن يكون هو جعل العلمية والطريقية.

وإن شئت قلت : حيث انّ العقلاء يرون حجّية الامارات حتى في موارد يلتفتون فيها إلى أنّها ليست علماً لا حقيقة ولا مسامحة ، ومع ذلك يحكمون بحجيتها واعتبارها كالعلم ، وحيث أنّ للعقلاء أحكاماً وانشاءات اعتبارية ولو لنظم امورهم كما في موارد المعاملات العقلائية والأحكام والسياسات ، وحيث انّ أفضل صيغة لذلك هو جعل العلمية والطريقية فلا محالة نستكشف جعل الطريقية والعلمية للامارات وهو معنى النظر الانشائي الاعتباري لهم فيكون امضاء الشارع لذلك معناه جعلها لدى الشارع أيضاً وعندنا وإن لم يكن الجعل ضرورياً ولازماً ، إلاّ أنّه ثابت لدى العقلاء نوعاً كما في أبواب المعاملات ونحوها ، بل أصل الالتزام بوجود مرحلة للأحكام اسمها الجعل والمجعول مبني على الطريقية العقلائية والأدلّة الشرعية إنّما يستظهر منها ذلك باعتبار انّ الشارع يسير وفق هذه الطريقة وليست له طريقة جديدة ، فإذا أنكرنا طريقة الجعل لدى العقلاء في مورد بناءاتهم العقلائية لانسدّ باب استكشاف الجعل في تمام الموارد.

وهكذا يصحّ ما ذهب إليه الميرزا قدس‌سره بذوقه وحسّه العقلائي السليم من انّ المجعول في باب الامارات العقلائية الطريقية والعلمية.

ولعلّ ما ورد في لسان بعض الروايات الدالة على حجّية خبر الثقة من التعبير بأنّه « لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روى عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأننا

١٠٨

نفاوضهم بسرّنا » أو التعبير بأنّ فلاناً ثقة مأمون خذ عنه معالم دينك أو التعبير بأنّهم حجتي عليكم يناسب أيضاً أن يكون المجعول العلمية والمحرزية والاصابة للواقع.

ص ٧٩ قوله : ( قيام الامارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الطريقية ... ).

أشكل في إمكانه ثبوتاً لا من حيث نفسه لوضوح انّ أثر القطع الموضوعي شرعي يمكن توسيعه أو تضييقه من قبل الشارع بل في إمكان استفادة ذلك من نفس دليل حجّية الامارة ، وينبغي أن يعرف منذ البداية انّ البحث مبني على أخذ العلم بعنوانه في موضوع دليل القطع الموضوعي على وجه الطريقية ، وامّا إذا كان الموضوع مطلق الحجة ، أو المنجز والمعذر فلا اشكال في قيام الامارة بل مطلق المنجز والمعذر حتى العقلي ـ على التقدير الثاني ـ مقام القطع في ترتيب ذلك الأثر الموضوعي ؛ لأنّ الموضوع ليس هو القطع وإنّما هو الأعم من أوّل الأمر فلا حاجة إلى تنزيل أصلاً.

وقد ذهب الشيخ قدس‌سره إلى امكان الاستفادة المذكورة ولو بالتمسك باطلاق أدلّة جعل الحجّية للامارة ، وخالف في ذلك صاحب الكفاية قدس‌سره ، مدعياً استحالته الثبوتية ، وحاول المتأخرون عنه حلّ الاستحالة المذكورة ، ومن هنا اتجهت أبحاثهم كلها نحو البحث الثبوتي ، غافلين عن البحث الاثباتي ، وكأنّ فرض الامكان الثبوتي يكفي وحده للاستفادة الاثباتية من دليل الحجّية.

وأيّاً كان فالاشكال الذي وجهه المحقق الخراساني قدس‌سره في المقام يمكن

١٠٩

تقريبه بأحد أنحاء ثلاثة (١) :

١ ـ ما هو ظاهر كلامه من انّ قيام الامارة مقام القطع الموضوعي بحاجة إلى التنزيل لا محالة فيكون قيامها مقام الطريقي والموضوعي معاً متوقفاً على تنزيلها منزلة كلا القطعين ، وهذا التنزيل إذا كان بين المؤدى والواقع كان القطع ملحوظاً آلياً ومرآتياً وإذا كان بين الظن والقطع نفسيهما كان القطع ملحوظاً بالاستقلال وفي نفسه مع قطع النظر عن مؤداه والجمع بين اللحاظين محال ولا مفهوم جامع لمثل المظنون والظن والمقطوع والقطع ليقع التنزيل عليه ليفي بالأمرين.

وهذا التقريب جوابه ما في الكتاب ص ٨٠ و ٨١ تحت عنوان ( ٢ و ٣ ).

__________________

(١) لعلّ الأنسب ترتيب البحث بنحو آخر بأن يقال : انّ الوجوه التي ذكرت لتصحيح قيام الامارة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية من دليل الحجّية أحد بيانات ثلاثة :

١ ـ ما ذكره الشيخ من إطلاق التنزيل ثمّ يذكر اشكال المحقق الخراساني عليه بالاستحالة بتقريباته مع أجوبتها.

٢ ـ ما ذكره الميرزا من جعل الطريقية واعتبار العلمية وهو غير التنزيل ، ثمّ يجاب عليه بما في الكتاب من عدم معقولية ذلك ما لم يرجع إلى التنزيل. ثمّ يجاب على كلا البيانين ـ بيان الشيخ وبيان الميرزا ـ باشكالين اثباتيين للسيد الشهيد مشتركي الورود على البيانين ، وهما انّ دليل الحجّية لبّي وهو السيرة ، ولا لسان لها ليتمسك باطلاقه أو ظهور ، والمتيقن منه قيام الامارة مقام القطع الطريقي ، ولو فرض دليل لفظي تأسيسي على حجّية امارة فأيضاً لا نظر لها لأكثر من جعل الحجّية بلحاظ المؤدي أي قيامها مقام القطع الطريقي بل الجمع بين الأمرين أشبه بالجمع بين مدلول اخباري وانشائي ، وهو خلاف الظاهر في دليل واحد.

٣ ـ ما ذكره المحقق الخراساني لتصحيح بيان الشيخ من استفادة ذلك بالدلالة الالتزامية لدليل الحجّية مع مناقشاته.

١١٠

٢ ـ انّه يلزم من تنزيل الظن منزلة القطع في الأثرين الجمع بين الكناية والصراحة في مرحلة المدلول الاستعمالي وهو خلاف الظاهر ، بل والطبع العرفي واللغوي جداً ؛ لأنّ تنزيله منزلة القطع الطريقي في الأثر الشرعي يعني تنزيل مؤداه أي المظنون منزلة الحكم المقطوع به فيكون ذلك الظن والقطع كناية عن المظنون والمقطوع به.

وقد أشكل عليه الاصفهاني بعدم الملازمة المصححة للكناية. ويمكن دفعه بأنّه يكفي الطريقية وكون القطع مرآتاً في نظر القاطع وملازماً دائماً مع المؤدى لصحة الكناية ، وبهذا يصبح الاشكال اثباتياً لا ثبوتياً كالتقريب السابق.

وهذا يرد عليه : الاشكال الثاني من الاشكالات الثلاثة في الكتاب ؛ إذ لو صحّ التنزيل بلحاظ الحكم العقلي بالمنجزية والحكم الشرعي معاً كان الاستعمال من دون كناية بلحاظ كلا الأثرين كما هو واضح.

٣ ـ لزوم اختلاف سنخ المدلول التصديقي لدليل واحد وهو خلاف الظاهر عرفاً كالجمع بين مدلول اخباري وآخر انشائي في دليل واحد ولو كان المدلول الاستعمالي واحداً فيكون المحذور بلحاظ عدم عرفيته كما هو مبيّن في الكتاب.

وهذا اشكال اثباتي متين مشترك الورود كالاشكال الأوّل على بيان الشيخ ـ التمسك باطلاق دليل الحجّية والتنزيل ـ وبيان الميرزا ـ بناءً على جعل العلمية بنحو الحكومة لا الورود ـ معاً وما في هامش الكتاب من امكان الجمع بين المدلولين في لسان واحد لو فرض كان من الجمع بين المدلولين صريحاً وبالنظر اليهما معاً ، وهذا لا ينافي كونه خلاف ظاهر أدلّة جعل الحجّية ؛ إذ ليس المدّعى

١١١

عدم امكان التصريح بالجمع في عنوان انتزاعي ، وإنّما المدّعى انّه خلاف ظاهر الخطابات العامة والتي منها أدلّة الحجّية العامة.

ومدرسة الميرزا قد عالجت اشكال الاستحالة بأنّ المجعول نفس الطريقية واعتبار ما ليس بعلم علماً لا التنزيل ، وهو حكم واعتبار واحد يرتّب كلا أثري القطع على الامارة.

ويرد عليه : ما في الكتاب من انّه إن كان بنحو الحكومة التنزيلية فيعود المحذور ، وإن كان بنحو الورود ـ الحكومة الميرزائية ـ ففيه محاذير اخرى مذكورة في الكتاب.

مضافاً إلى ورود اشكالين اثباتيين : أحدهما : ما ذكر في التقريب الثالث لمطلب المحقق الخراساني ، والآخر : الاشكال في أصل المنهجة وأنّ الدليل على الحجّية لبّي فلا يستفاد منه أكثر مما هو المتيقن ، وهو قيام الامارة مقام القطع الطريقي ، بل أساساً لا توجد للعقلاء أحكام وتشريعات يكون القطع موضوعاً لها.

وقد يناقش فيما أفاده السيد الشهيد قدس‌سره في المقام بأنّ الميزان عندنا في حجّية السيرة والتمسك بها هو استكشاف امضاء الشارع للنكتة والارتكاز الذي تقوم عليه السيرة لا خصوص المقدار الخارجي من عمل العقلاء ، فإذا فرض انّ العقلاء كانوا يرون الامارة علماً ولو في مورد القطع الطريقي دون الموضوعي لعدم وجود أحكام للقطع الموضوعي عندهم فذلك لا يضرّ بقيامها مقامه في القطع الموضوعي أيضاً ولو كان مصداقه لدى الشارع لا العقلاء.

وفيه : أوّلاً ـ هذا إنّما يعقل إذا فرض وحدة النكتة والملاك ، وقد عرفت انّ

١١٢

عنوان جعل العلمية والطريقية للامارة وإن كان واحداً في عالم الجعل والصياغة لكنه بحسب الروح ما هو مفاده في مورد القطع الطريقي غير مفاده في مورد القطع الموضوعي ، إذ الأوّل حكومة ظاهرية وسنخ مدلول اخباري بملاك ترجيح الأهم من الملاكات الواقعية المتزاحمة ، بينما الثاني حكومة واقعية وسنخ مدلول انشائي حقيقي له مبادئ واقعية ، فالنكتة ليست واحدة ليستكشف امضاءها في الموردين.

وثانياً ـ انّ هنا اشكالاً أعمق مما أفاده السيد قدس‌سره يتم حتى إذا فرض وجود آثار عقلائية مترتبة عندهم على القطع الموضوعي بشيء وأنّهم يرتبون ذاك الأثر في مورد الامارة أيضاً وهو انّ هذا لعلّه من جهة انّ موضوع ذاك الحكم هو مطلق الحجة لا القطع بعنوانه ؛ لأنّ هذه الحكومة واقعية ثبوتاً كما قلنا ، وتعني أنّ موضوع ذاك الحكم هو الأعم والحكومة لا تكون في الأدلّة اللبية والسيرة بل هي خصوصية لسانية تختص بالأدلّة اللفظية ، فلا يمكن أن يستفاد من امضاء هذه السيرة شرعاً أكثر من مفادها ، وهو انّه كلما كان الأثر الشرعي موضوعه مطلق الحجة والدليل المعتبر قامت الامارة مقامه.

إلاّ أنّ هذا ـ كما ذكرنا في مستهل البحث ـ خارج عن مسألة قيام الامارة مقام القطع الموضوعي ، وغير مربوط بدليل الحجّية ، بل بدليل ذاك الأثر الذي اخذ في موضوعه مطلق الحجة لا القطع.

وإن شئت قلت : انّ استفادة قيام الامارة مقام القطع الموضوعي من دليل الحجّية مجرد نكتة اثباتية لا ثبوتية ؛ لأنّه بحسب عالم الثبوت لا محالة يكون الموضوع لذلك الأثر هو الأعم ، لاستحالة الاهمال فيه ، والنكات الاثباتية

١١٣

لا معنى لاستفادتها بالسيرة العقلائية ، والأدلّة اللبية التي ثبوتها عين اثباتها فأصل الاستعانة بالسيرة لاثبات قيام الامارة مقام القطع الموضوعي خاطىء منهجاً.

ثمّ إنّ المحقق الخراساني قدس‌سره حاول في حاشيته على الرسائل أن يعالج الاشكال الذي أثاره من استحالة الجمع بين اللحاظين بأنّ المجعول في دليل الحجّية تنزيل المؤدّى فقط منزلة الواقع ، ولكن تتشكل في طول ذلك دلالة التزامية على تنزيل القطع بذلك الواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي في الآثار فتقوم الامارة مقام القطع الموضوعي لا باعتبار نفسها بل باعتبار القطع بمؤداها التنزيلي ، فإنّه يكون كالقطع بالواقع.

ثمّ أشكل عليه في الكفاية بأنّه تكلّف بل تعسّف ، وشرحه باستحالة ذلك ؛ إذ لا يمكن أخذ أحد التنزيلين في طول الآخر بلحاظ جزئي موضوع حكم واحد.

ومن هنا انفتح البحث عن امكان الطولية في التنزيل بلحاظ جزئي موضوع حكم واحد ، وهذا بحث كلي ثبوتي مستقل ؛ وفيما يلي نبحث في ثلاث نقاط :

النقطة الاولى : في التعليق على كلام الحاشية في نفسه مع قطع النظر عن الاثارة الثبوتية عليه من الكفاية.

النقطة الثانية : في إمكان الطولية في التنزيل بلحاظ جزئي موضوع حكم واحد في نفسه.

النقطة الثالثة : في الطولية المدعاة في التنزيل في المقام ، أي في باب القطع الموضوعي.

١١٤

أمّا النقطة الاولى من البحث : فليس فيه كلام زائد على ما في الكتاب ص ٩٣ ، والذي هو كلام يقود إلى مرحلة الاثبات. نعم ، بالنسبة للاشكال الثالث قال السيد الشهيد قدس‌سره انّه يرد عليه بعض ما قلناه على استفادة الحاشية ، ويمكن أن يكون مقصوده ما يلي :

أوّلاً ـ ما تقدم بعنوان أوّلاً من أنّ الدلالة الالتزامية العقلية للاطلاق على أساس دفع اللغوية ودلالة الاقتضاء غير تام. وإنّما اللغوية لو فرضت توجب عدم انعقاد الإطلاق ؛ لأنّه مقيد بوجود الأثر العملي ، والملازمة العرفية فرع ورود الدليل في المورد ـ أي مورد البراءة الشرعية ـ ولا يفي به الإطلاق فإنّه ليس جمعاً للقيود.

وثانياً ـ أساساً لا لغوية في رفع البراءة شرعاً من دون جعل المنجزية حتى عرفاً ، بل يحال إلى حكم العقل من حق الطاعة أو البراءة العقلية أو الاحتياط العقلي في كل مورد بحسبه ، وهذا أثر عملي مهم ولكنه غير حجّية تلك الامارة وقيامها مقام القطع الطريقي كما هو واضح.

وأمّا البحث في النقطة الثانية : فالاشكال الثبوتي يمكن تقريبه بأحد نحوين :

النحو الأوّل : بصياغة لزوم الدور بملاك اللغوية ، امّا في الدلالة أو في المدلول كما هو مشروح في الكتاب.

ويرد عليه : أوّلاً : النقض بالتنزيلين العرضيين. وثانياً : بأنّ دفع اللغوية لا يتوقف على الوجود الفعلي للآخر بل الوجود التقديري أي على تقدير ثبوت الأوّل وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها فلا دور.

١١٥

النحو الثاني : بصياغة أدق وأمتن وهو انّ التنزيل الأوّل إذا كان لحكم ثابت على الجزء الأوّل مستقلاً فالمفروض عدمه وإن كان بلحاظ نفس الحكم المترتب على الجزئين فيلزم تحقق التنزيل الواحد في رتبتين وتقدم الشيء على نفسه بل توقفه عليه وهو محال فلابد من عرضية التنزيلين.

وإن شئت قلت : انّ الطولية تستلزم تعدد التنزيل وكون أحدهما في طول الآخر بل متأخراً عنه ومتوقفاً عليه ، وكون الحكم المنزل واحداً لمجموع الجزئين التنزيلين يستلزم وحدة التنزيل فهو خلف التعدد فضلاً عن كونه في رتبتين أو متوقفاً على نفسه ، فإنّ هذا كلّه محال في الحكم الواحد.

والجواب الفني العام : أنّ هذا الاشكال إنّما يرد إذا اريد التنزيل والاسراء الحقيقي من التنزيل مع أنّ التنزيل أمر اثباتي صرف لا ثبوتي ، فهو لسان من ألسنة بيان سعة الحكم أو تقييده فلا مانع من تعدد التنزيل في جزئي موضوع حكم واحد عرضياً كان أو طولياً إذ ليست الطولية في عالم الثبوت إذ لا تنزيل ولا اسراء ثبوتاً بل في عالم الثبوت ليس إلاّثبوت الحكم على الموضوع العام بتمام مصاديقه في عرض واحد ولا يعقل فيه اسراء وتنزيل ، وهذا معناه انّه كما يمكن بيان ذلك بالتنزيلين العرضيين كذلك يمكن بيانه بالتنزيلين الطوليين كما في المقام لو تمت ملاك الدلالة الالتزامية في كلام الحاشية.

نعم ، لو كان المراد من الطولية بيان انّ ثبوت الحكم على أحد الجزئين في طول ثبوته على الجزء الآخر ـ والثبوت الواقعي حيثية ثبوتية ـ كان محالاً إلاّ أنّه لا وجه لحمل الدليل الطولي على ذلك بل يمكن أن يحمل على الثبوت اللولائي كما في التنزيلين العرضيين.

١١٦

وإن شئت قلت : يكون إطلاق التنزيل في المؤدى ثابتاً كحيثية إثباتية لا ثبوتية وكتنزيل وتعبد عنواني اعتباري فيحصل العلم بالواقع التعبدي والتنزيلي فينزل منزلة العلم بالواقع الحقيقي مع قطع النظر عن اشكال أخذ العلم في موضوع شخص الحكم الذي يختص بالمقام أي بالبحث في النقطة الثالثة ـ وسنشير إلى حكمه ـ ويكون المدلول الجدّي من وراء هذا الأمر الاعتباري عموم الحكم وشمول موضوعه للجزئين التنزيليين كالجزئين الواقعيين من دون الابتلاء بمحذور ثبوتي ، وهذا هو المقصود من انّ هذا مجرّد صياغة اثباتية لا يشكل محذوراً ثبوتياً.

والمحقق العراقي قدس‌سره حاول الاجابة بما في الكتاب وهو جواب كلي على الاشكال كأصل الشبهة مع الاشكالات الثلاثة عليه وثالثها يختص بهذا البحث بالخصوص ، أي بالنقطة الثالثة من البحث.

وقد يقال : انّ كلاً من جوابنا وجواب المحقق العراقي ينفع في دفع اشكال تعدد التنزيل مع وحدة الحكم ؛ ولا ينفع في دفع اشكال استحالة الطولية بينهما بأن يكون موضوع أحد التنزيلين متوقفاً على فعلية التنزيل الآخر ، لأنّ فعلية التنزيل الآخر بلحاظ مدلوله الجدي ـ بناءً على تقريبنا ـ وبلحاظ القضية الشرطية ـ بناءً على بيان المحقق ـ لا يكون إلاّبتحقق الجزء التنزيلي الآخر وإلاّ كان لغواً ومجرد اعتبار انشائي لا تنزيل حقيقي ، فالمحقق أيضاً يقبل بأنّ التنزيل منزلة الجزء في القضية والحكم التعليقي لا يكون وحده وبلا تنزيل الجزء الآخر بل يكونان معاً.

وإن شئت قلت : انّ الغرض الجدي والنهائي منه لابد وأن يكون ترتب الحكم

١١٧

الفعلي لأنّه المنجز والمعذّر لا التعليقي ، فإذا كان الجزء الثاني متوقفاً على ترتب الحكم الفعلي كان من توقف الحكم على نفسه بلحاظ هذا الحكم الفعلي.

ولكن الجواب : انّ هذا هو اشكال اللغوية والذي تقدم انّه يكفي في دفعها الثبوت التعليقي على تقدير ثبوت الآخر بنحو القضية الشرطية ، فلا لغوية في تنزيل الجزء الأوّل بلحاظ القضية الشرطية ليتحقق موضوع التنزيل في الجزء الثاني فيترتب الحكم الفعلي في طول ذلك. هذا على تقريب المحقق ، وأمّا على تقريبنا فيقال : بأنّ الطولية في الجزء الثاني تكون بلحاظ نفس التنزيل للجزء الأوّل كخصوصية اثباتية أو كخصوصية ثبوتية بنحو جزء الموضوع ، أي في طول ثبوت القضية الشرطية وهي ترتب الأثر والتنزيل على تقدير الجزء الأوّل.

فالحاصل : إن كان الاشكال من ناحية انّ الحكم الواحد لا يتحمل تنزيلين طوليين من حيث الدلالة فجوابه هو الجواب الأوّل في الكتاب ص ٩٠ ، وإن كان الاشكال من ناحية الطولية في المدلول واستحالة أن يكون التنزيل بلحاظ أحد جزئي موضوع حكم واحد في طول تنزيل جزئه الآخر في شخص ذلك الحكم للزوم تقدم جزء الموضو على حكمه فهذا جوابه هو الجواب الثاني في الكتاب من انّ جعل التنزيل الثاني لا يتوقف على أكثر من فرض تحقق التنزيل في المؤدى وفرض العلم به. نعم ، هذا يلزم منه محذور أخذ العلم بالحكم الواحد في موضوعه ، وجوابه بأخذ العلم بالكبرى والصغرى لا الحكم الفعلي.

النقطة الثالثة : في امكان التنزيلين في المقام بالنحو المذكور في الحاشية. وهنا يوجد اشكالان بحسب الحقيقة :

الأوّل : اشكال الطولية من ناحية أخذ أحد التنزيلين في موضوع التنزيل

١١٨

الآخر ، وقد عرفت جوابه.

والثاني : لزوم أخذ القطع بالحكم في موضوعه ، إذ الجزء الثاني في المقام هو القطع بالواقع التنزيلي ، وحيث يراد منه القطع بترتب شخص ذلك الحكم والأثر لزم أخذ القطع بالحكم في موضوعه ، وهذا جوابه ينحصر بما ذكرناه أخيراً من أخذ العلم بالكبرى والصغرى لا الحكم الفعلي الجزئي في الخارج ، ولا يتم فيه جواب المحقق العراقي ؛ لأنّ المراد بالقطع بالواقع التعبدي القطع بترتب الأثر الشرعي لا مجرد التنزيل الذي هو أمر اثباتي أو الحكم المعلّق على الجزء فإنّه ليس واقعاً تعبدياً كما هو واضح.

ثمّ انّ هنا ملاحظات في هذه النقطة على اشكال الكفاية بعضها ثبوتية وبعضها اثباتية كما يلي :

١ ـ انّه لا طولية ولا أخذ للعلم بالحكم في موضوع نفسه في المقام بحسب الدقة لأنّ تنزيل المؤدى تنزيل ظاهري وليس واقعياً ، بخلاف تنزيل القطع بالواقع التنزلي فلا طولية بلحاظ حكم واحد بل بين حكمين وتنزيلين بحسب الحقيقة كما هو مشروح في الكتاب.

٢ ـ ويتفرّع على الانتباه إلى ما ذكر أن تكون الطولية بالعكس أي انّ تنزيل المؤدّى منزلة الواقع فرع تنزيل القطع بالواقع التنزيلي منزلة القطع بالواقع الحقيقي لأنّ التعبد الظاهري فرع الشك في الحكم والأثر وهو فرع عدم العلم بانتفاء الأجزاء الاخرى للموضوع ، وحينئذٍ يحصل اشكال آخر وهو لزوم الدور بين نفس الجزئين حيث انّ التنزيل الظاهري فرع الشك وهو متوقف على عدم العلم بانتفاء الجزء الآخر للموضوع وهو فرع العلم بالواقع التنزيلي الظاهري وهو

١١٩

فرع ثبوت الواقع التعبدي الظاهري وحلّه بما تقدم من انّ الجزء الثاني هو العلم بالجعل أو نفس الظن أو أي أمر ملازم آخر.

٣ ـ إنّ المدلول الالتزامي سواءً كان بملاك الملازمة العرفية أو العقلية ودلالة الاقتضاء لا وجه لجعله عبارة عن القطع بالواقع التنزيلي بالفعل أي بنحو القضية الفعلية بل القطع به بنحو القضية الشرطية أو الشأنية ـ الذي ليس فيه طولية ـ كما أشرنا فإنّ هذه الحيثية مفهومة عرفاً كما انّ دلالة الاقتضاء تقتضيه أيضاً ، ولو فرض التنزل عن ذلك فبما في الكتاب من ملاحظة مورد يكون فيه الواقع تمام الموضوع لأثر آخر فيتحقق القطع بالواقع التنزيلي بقطع النظر عن إطلاق التنزيل بلحاظ الأثر المترتب على القطع ـ سواءً كان تمام الموضوع أو جزئه فلا وجه لتقييده بما إذا كان تمامه كما في الكتاب ـ فيكون التنزيلان عرضيين ، وإذا كان القطع تمام الموضوع كان هناك تنزيل واحد بلحاظ القطع الموضوعي ، فلا محذور. وإذا كان جزء الموضوع كان هناك تنزيلان بلا توقف أحدهما على الآخر.

هذا بناءً على عرفية الملازمة ، وبناءً على عقليتها فباعتبار انّ دلالة الاقتضاء إذا قبلناها تكشف عن أخذ نفس الأمارة والظن جزءً ثانياً منزلاً منزلة القطع بالواقع الحقيقي.

فالحاصل بناءً على قبول أصل الملازمة بأحد الملاكين ففرض وجود محذور ثبوتي في طولية التنزيلين لا يقدح في أصل المطلب وإنّما يغير صياغته بما لا يكون محالاً.

٤ ـ انّ موضوع التنزيل الظاهري حيث يكون الشك في الحكم فلا موضوع

١٢٠