المواسم والمراسم

السيد جعفر مرتضى العاملي

المواسم والمراسم

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منظمة الاعلام الإسلامي
المطبعة: سپهر
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٣٥
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فلا معنى إذن .. لحصر فهم الآيات القرآنية والنصوص النبوية ، التي فيها أيضا المحكم والمتشابه والعام والخاص ووالخ ـ كالقرآن ـ لا وجه لحصر فهمها بطائفة دون طائفة ، ولا بفريق دون فريق .. فكل من فهم من القرآن أمراً صحيحاً جديداً تعيَّن عليه أن يلتزم به ، ويعمل بما فهم .. وكم قد ترك الأوَّل للآخر .. وكم من التفريعات الفقهية التي تنبَّه إليها المتأخرون ، ولم يذكرها السلف ، ولا أشار اليها ولا خطرت لهم على بال ، ولا احتاجوا إليها إطلاقا.

١٠ ـ هذا كله .. عدا عما تقدم ، من أن المانع هو الذي يحتاج إلى الدليل ، وأمَّا الآخرون فلا يدَّعون أنَّ ذلك جزءاً من الشريعة ، ليصح الاحتجاج عليهم بفعل السلف ، أو بعدم فعلهم.

١١ ـ وبعد .. فلو كان عمل السلف حجة ، لدخل الكثير مما ليس من الدين في الدين ، وذلك من قبيل ما أحدثه الأمويون في أيّام عاشوراء ، ولم يجترئ السلف على معارضتهم ، بل اضطروا الى مجاراتهم ، فهل يكون عمل السلف هذا حجة على من بعدهم ؟!

ومثل ذلك كثير في حياة السلف ، وأعمالهم ، ومواقفهم ، يشمل سائر الأحوال والأعمال التي أرادهم الحكام عليها ، ولم يمكنهم المخالفة فيها سواء في عهد الأمويين أو العباسيِّين.

١٢ ـ بل إن هؤلاء المانعين أنفسهم يعلِّلون إقدام السيوطي على التأليف في مشروعية المولد بقولهم :

« وذلك إرضاءً للعامة والخاصة أيضا من جهة. وتبريراً لرضى العلماء بها ، وسكوتهم عنها ، لخوفهم من الحاكم والعوام من جهة أخرى .. » ١.

المواسم والموالد لهدم الإسلام

وأمّا أنَّ هذه المواسم والموالد قد جُعِلتْ لهدم الاسلام ، والقضاء على العقيدة الاسلامية ، فهو صادرة على المطلوب .. وذلك لأن من يقيم المولد والموسم يقول : إن هذه المواسم والموالد قد جُعِلتْ لأجل إحياء الاسلام ، وتركيز العقيدة الاسلامية .. وإذا ما كان هناك من يستغل بعض الأمور المحلَّلة لأمور محرَّمة ، فلا

__________________

١ ـ الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف / ص ٥٧.

٨١
 &

يوجب تحريم الحلال ، كما لم يوجب ذلك إخراج الواجب عن كونه واجباً.

فإنَّ من يحاول أن يخدع الناس عن طريق الصلاة والصوم والعبادة ، لا يعني ذلك حرمة هذه العبادات ، نعم المحرَّم هو استغلاله لها بهذه الصورة.

هذا .. كله ، عدا عمّا قدَّمناه من أننا نرى انها داخلة تحت عنوان التعظيم المطلوب للشارع.

وأمّا استدلاله على دعواه بمناصرة أهل الباطل لها ، ووقوفهم إلى جنبها ومعها .. فهو في غير محله أيضاً ، فإنَّ أهل الباطل يحاولون خداع الناس ، بإظهارهم التقوى والورع ، وعدم ضدِّيَّتهم مع عقائد الناس وعاداتهم وأعرافهم .. من أجل أن يحصلوا على ما هو أعظم وأهم بنظرهم .. فهذا الاستدلال على ضد مراد المستدل أدَلُّ .. كما هو مظاهر لا يخفى.

عاشوراء .. عيد الشامتين بأهل البيت

وإذا أردنا أن نسلِّمَ بما يقال ، من أنَّ عمل السلف حجة ، وإن لم يكن المعصوم داخلا فيهم ، بل وحتى كفاية عمل عمر بن عبد العزيز وأمثاله ، ليكون ذلك سنَّة ، ومن الدِّين. ١

واذا كان عصر الصحابة والتابعين هو العصر الذي تنعقد فيه الإجماعات ، وتصير حجة وتشريعاً متَّبعاً ، وإذا كان الإجماع معصوما ونبوَّة بعدَ نبوَّةٍ ، حسبما يدَّعون ، وإذا كان يحلُّ لمسلم أن يدَّعيَ وجود نبوَّةٍ بعد نبوَّة خاتم النبيِّين ، خلافاً لنص القرآن الكريم : « مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ » ٢.

وإذا كان يجوز ٱطِّراح القرآن ، وكل ما قاله النبي الأعظم صلَّى الله عليه وآله وسلم لمجرد أنه انعقد الإجماع بعد عصر النبي على خلافهم. ،

إذا جاز كل ذلك .. فلقد سب امير المؤمنين عليه السّلام على عشرات الألوف من المنابر في جميع أقطار العالم الإسلامي ، من قبل وعّاظ السلاطين ، طيلة

__________________

١ ـ قد تقدَّم ما يشير الى ذلك حين الكلام على مشروعية التهنئة في العيد.

٢ ـ الاحزاب : ٤٠.

٨٢
 &

العشرات من السنين. ومن قبل العديد من الصحابة ..

كما أنَّ بني أميَّة وكلَّ أتباعهم ومن كان تحت سيطرتهم ، ثم بعد ذلك بني أيُّوب ولمدة عشرات السنين ، قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً ، وأوَّل من فعل ذلك الحجاج برضا وبمرأىً ومسمع من الخليفة عبد الملك بن مروان ، وبمرأىً ومسمع من بقايا الصحابة ، وجميع التابعين.

ولم نجد اعتراضا من أحدٍ منهم ، ولا من أيٍّ من علماء علماء الأمة ، وصلحائها ـ باستثناء أهل البيت الذين كانوا يعملون بمبدأ التقية آنئذٍ ـ لا في تلك الفترة ، ولا في زمان بني ايوب وبعده.

ولا سيما وأنهم يروون أموراً ، وحوادث عظيمة ، اتفق وقوعها في هذا اليوم ، من قبل : توبة الله فيه على آدم ، وٱستواء السفينة على الجودي ، ونحو ذلك. ١

ويا ليتهم اكتفوا بذلك ، بل لقد تعدَّو ذلك إلى الإفتاء بحرمة لعن يزيد ، وعدم جواز تكفيره ، وقالوا : إنَّه من جملة المؤمنين. ٢ كما أن الجمهور قد خالفوا في جواز لعنه بالتعيين. ٣

بل يقول الشبراوي الشافعي ، عن الغزّالي ، وابن العربي : « فإنَّ كلاهما قد بالغ في تحريم سبّه ولعنه ، لكن كلاهما مردود ، لأنه مبنيٌّ على صحة بيعة يزيد لسبقها ، والذي عليه المحققون خلاف ما قالاه ». ٤

أضف الى ذلك : أنَّ عمر بن عبد العزيز قد ضرب ذلك الذي وصف يزيد بـ « أمير المؤمنين » عشرين سوطا. ٥ كما أن الإمام أحمد بن حنبل قد حكم أيضا بكفر يزيد. ٦

ثم زادوا في الطنبور نغمة ، فقالوا : « يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين ، وحكاياته » .. قال ذلك الغزالي وغيره. ٧ وليس ذلك ببعيد على من

__________________

١ ـ راجع على سبيل المثال : عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان / ج ١ / ص ١١٤.

٢ ـ الصواعق المحرقة / ص ٢٢١ ، وإحياء علوم الدين / ج ٣ / ص ١٢٥ ، وراجع العواصم من القواصم ، وهوامشه لترى دفاعهم المستميت عن يزيد لعنه الله تعالى.

٣ ـ الإتحاف بحب الأشراف / ص ٦٢.

٤ ـ الإتحاف بحب الأشراف / ص ٦٨.

٥ ـ الصواعق المحرقة / ص ٢٢٢ ، وتاريخ الخلفاء ، ص ٢٠٩.

٦ ـ الإتحاف بحب الأشراف / ص ٦٨ و ٦٣.

٧ ـ الصواعق المحرقة / ص ٢٢١.

٨٣
 &

لا يرى بأسا بالسكوت حتى عن لعن إبليس ، كما عن ابن ابي شريف ، بل قال الرملي : ينبغي لنا أن لا نلعنه. ١

واما تحريم التحزَّن والتجمع في يوم عاشوراء .. ٢ فلعله أهون تلكم الشرور ، بعد أن كانوا وما زالوا يهاجمون مجالس عزاء الامام الحسين عليه السلام ، ويقتلون من يقدرون عليه من المشاركين فيها ، بل ويحرقون المساجد ، ويفعلون الأفاعيل في سبيل ذلك .. ٣

وأمّا اعتبار عاشوراء عيداً ، فتوضحه النصوص التالية :

قال زكريا القزويني : « فزعم بنو أمية أنهم اتخذوه عيداً ، فتزيَّنوا فيه ، وأقاموا الضيافات. والشيعة اتخذوه يوم عزاء ينوحون فيه ، ويجتنبون الزينة.

وأهل السنَّة يزعمون : « أنَّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة ». ٤

« ومن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام ، ومن وسَّع على عياله وسَّع الله عليه سائر سنته ». ٥

وقال عن شهر صفر : « اليوم الاول منه عيد بني امية ، أدخلت في رأس الحسين رضي الله عنه بدمشق ». ٦

وقال البيروني ، بعد ذكر ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء :

« فأمّا بنو أمية ، فقد لبسوا فيه ما تجدَّد ، وتزيَّنوا ، واكتحلوا ، وعيَّدوا ، وأقاموا الولائم والضيافات ، وأطعموا الحلاوات والطيِّبات ، وجرى الرسم في العامَّة على ذلك أيّام ملكهم ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.

__________________

١ ـ الإتحاف يجب الأشراف / ص ٦٧ / ٦٨.

٢ ـ إقتضاء الصراط المستقيم / ص ٢٩٩ / ٣٠٠ ونظم درر السمطين / ص ٢٢٨.

٣ ـ راجع : المنتظم ، وشذرات الذهب ، والكامل لابن الأثير ، والبداية والنهاية ، وهم يتحدثون عن الفتن في بغداد بين أهل السنَّة والرافضة في مطلع كلِّ عام ، بمناسبة عاشوراء.

٤ ـ عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان / ج ١ / ص ١١٥ ونظم درر السمطين / ص ٢٣٠.

٥ ـ نظم درر السمطين / ص ٢٣٠.

٦ ـ المصدر السابق.

٨٤
 &

وأمّا الشيعة ، فإنَّهم ينوحون ويبكون ، أسفا لقتل سيد الشهداء فيه ». ١

ويقول المقريزي : « .. فلمّا زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسِّعون فيه على عيالهم ، وينبسطون في المطاعم ، ويتَّخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ، ويدخلون الحمام ، جريا على عادة أهل الشام ، التي سنها الحجَّاج في أيّام عبد الملك بن مروان ، ليرغموا به آناف شيعة علي بن ابي طالب كرَّم الله وجهه ، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه .. ».

قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيّوب ، من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط » ٢.

أمّا ابن حجر الهيثمى والزرندي ، فيقولان في معرض نهيهما عن الندب ، والنياحة ، والحزن يوم عاشوراء ، الذي هو من بدع الرافضة ونهيهما عن العمل ببدع الناصبة ، المتعصبين على أهل البيت ، أو الجهّال ، المقابلين الفاسد بالفاسد ، والبدعة بالبدعة ، والشر بالشر ، من إظهار غاية الفرح واتخاذه عيداً ، وإظهار الزينة فيه ، كالخضاب ، والاكتحال ، ولبس جديد الثياب ، وتوسيع النفقات ، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات ، واعتقادهم : أنَّ ذلك من السنة والمعتاد .. » ٣.

وحتى ابن تيمية نجده ينكر هذا الأمر ، فيقول : « .. وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء ، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة ، المقابلة للرافضة ». ٤

هذا .. وقد ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الامام الباقر عليه السلام قوله : « أللَّهمَّ ، إنَّ يومٌ تبرّكت به بنو أمية ، وٱبن آكلة الأكباد ». ٥

__________________

١ ـ الكنى والألقاب / ج ١ / ص ٤٣١ ، وراجع : الحضارة الإسلامية في القرن الهجري / ج ١ / ص ١٣٧ عن الآثار الباقية ، للبيروني ط اوربا / ص ٣٢٩.

٢ ـ الخطط والآثار / ج ١ : ص ٤٩٠ ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / ج ١ / ص ١٣٨ عنه.

٣ ـ الصواعق المحرقة / ص ١٨١ / ١٨٢ ونظم درر السمطين ص ٢٢٨ / ٢٢٩ / ٢٣٠.

٤ ـ اقتضاء الصراط المستقيم / ص ٣٠١.

٥ ـ مصابيح الجنان / ص ٢٩١.

٨٥
 &

التزلُّف الوقح

وأضاف ابن تيمية إلى عبارته آنفة الذكر قوله : « .. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه ، من الاغتسال والاكتحال الخ .. ». ١

وقال : « .. وأحدث فيه بعض الناس أشياء ، مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه ، او التكحل ، أو المصافحة.

وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة ، كلها مكروهة ، وإنما المستحب صومه. ونقول : قد عرفت أن صومه مكذوب أيضا.

وقد روي في التوسع على العيال آثار معروفة ، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، قال : « بلغنا ، أنه من وَسَّعَ على أهله يوم عاشورا ، وسَّع الله عليه سائر سنته ». رواه ابن عيينة.

وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله. والأشبه ان هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة ، فإنَّ هؤلاء أعدُّوا يوم عاشوراء مأتما ، فوضع أولئك فيه آثارا تقتضي التوسُّع فيه ، واتخاذه عيدا ». ٢

بل لقد بلغ بهم الأمر : أن رووا في تفسير آية : « مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ » عن ابن عباس « يوم الزينة يوم عاشوراء ». ٣

وعن ابن عمر. عنه (ص) : « من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ، ومن تصدَّق يومئذ بصدقة ، أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة » يعني يوم عاشوراء. ٤

بل تقدم أن أهل السنَّة يزعمون : « أنَّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة ». ٥

__________________

١ ـ اقتضاء الصراط المستقيم / ص ٣٠١ ، وراجع : نظم درر السمطين ص ٢٣٠.

٢ ـ إقتضاء الصراط المستقيم / ص ٣٠٠ ، وللاطلاع على بعض هذه الأحاديث راجع : نوادر الأصول / ص ٢٤٦ ، والسيرة الحلبية / ج ٢ / ص ١٣٤ ، واللآلئ المصنوعة / ج ١ / ص ١٠٨ ـ ١١٦ ، وتذكرة الموضوعات / ص ١١٨ ونظم درر السمطين ص ٢٣٠.

٣ ـ الدر المنثور / ج ٤ / ص ٣٠٣ ، عن سعدي بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وراجع عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان / ج ١ / ص ١١٤.

٤ ـ الدر المنثور / ج ٤ / ص ٣٠٣ عن ابن المنذر.

٥ ـ عجائب المخلوقات بهامش حياة الحيوان / ج ١ / ص ١١٥ ، وراجع / الحضارة الإسلامية في القرن الرابع

=

٨٦
 &

أما ابن الحاج .. فذكر : أنه يستحب يوم عاشوراء : « التوسعة فيه على الأهل والأقارب ، واليتامى ، والمساكين ، وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها ، بحيث لا يجهل ذلك ». ١

وبعد أن ذكر أشياء تفعل في هذا اليوم لم تعرف عن السلف ، كذبح الدجاج وطبخ الحبوب ، وزيارة القبور ، ويدخل النساء الجامع العتيق بمصر ، وهن في حال الزينة الحسنة ، والتحلي ، والتبرج للرجال ، وكشف بعض أبدانهن ، ويقمن فيه من أول النهار إلى الزوال ـ إلى أن قال :

« ومن البدع أيضا محرهن فيه الكتان ، وتسريحه ، وغزله ، وتبييضه في ذلك اليوم بعينه ، ويشلنه ليخطن به الكفن. ويزعمن أن منكراً ونكيراً لا يأتيان مَنْ كفنها مخيطُ بذلك الغزل ..

إلى أن قال .. ومما أحدثوه فيه من البدع : البخور ، فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم ، ويتبخَّر به ، فكأنه ٱرتكب أمراً عظيماً ، وكونه سنَّة عندهن ، لا بدَّ من فعلها ، وٱدِّخارهن له طول السنة ، يتبركن به ، ويتبخرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني. ويزعمون أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه ، وأنه يبرئ من العين ، والنظرة ، والمصاب والموعوك الخ .. » ٢ ثم يذكر ما يفعلونه في أول رجب ، وأول جمعة ، وليلة المعراج ، والنصف من شعبان فليراجعه من أراد.

التهافت في كلام ابن الحاج

وأخيراً ... فبينما نرى ابن الحاج يشن حملة شعواء على عمل المولد النبوي ، على اعتبار أنه بنفسه بدعة لا رخصة فيها من الشارع ، فضلا عمّا يصاحبه من أمور محرَّمة أو مرجوحة بنظر الشارع ؛ نجده يستحسن شعراً لابن السماط يوسف بن علي المتوفى سنة ٦٩٠ هـ. يصرِّح فيه بأنَّه يعتبر يوم المولد النبوي من الأعياد ، حيث

__________________

الهجري / ج ١ / ص ١٣٨ ، والصواعق المحرقة / ص ١٨٢ ونظم درر السمطين ص ٢٣٠.

١ ـ المدخل لابن الحاج / ج ١ / ص ٢٨٩.

٢ ـ المدخل / ج ١ / ص ٢٩١ ، وراجع ص ٢٩٠.

٨٧
 &

يقول :

أعلمتَ أنك يا ربيع الاول

تاج على هام الزمان مكلَّل

مستعذب الالمام مرتقب اللِّقا

كل الفضائل حين تقبل تقبل

ما عدتَ إلّا كنت عيداً ثالثا

بل أنت أحلى في العيون وأجمل

شرفاً بمولد مصطفى لمّا بدا

أخفى الأهلةَ وجهه المتهلِّل

وحويتَ من أصبحت ظرف زمانه

ظرفاً به في برد حسنك ترفل

وملكت أنفسها بلطف شمائل

بنسيمها نفس العليل تعلَّل

وإذا حدا الحادي بمنزلة الحمى

فالقصد سكّان الحمى لا المنزل

فضل الشهور علا مفاخرها فإن

فخرت بأطولها فأنت الأطول

إلى أن قال :

وٱستكمل البشرى فإنَّك لم تزل

لك في القلوب مكانة لا تجهل

لِمْ لا وعَشرُك وٱثنتان أرينَنا

قمراً به شمس الضحى لا تعدل

الابيات ١

__________________

١ ـ راجع المدخل لابن الحاج / ج ٢ / ص ٤٤ / ٤٥.

٨٨
 &

الفصل الخامس



الأدلة .. وبعض الشواهد ..

٨٩
 &

المواسم والمراسم ـ السيد جعفر مرتضى العاملي

٩٠
 &



مما سبق

فإنَّنا نستطيع أن نستخلص ممّا سبق ؛ الأمور التالية :

أوَّلاً : إن ما ادَّعوا : انه يصلح دليلا للمنع عن المواسم والمراسم على اختلافها ، لا يصلح للاستدلال به على ذلك ، من وجوه مختلفة .. والفصل السابق كله في بيان ذلك ، فلا نعيد.

وثانياً : إن الابتكار والابتداع في العادات والتقاليد ، وأمور المعاش ، والمعاد يمكن أن يكون حسنا تارة ، وقبيحا أخرى ، وقد تعرض له الاحكام الخمسة ، تبعا للعناوين المختلفة التي يمكن أن يتَعنْونَ بها ، حينما تكون تلك العناوين محكومة بأيٍّ من تلك الأحكام.

وما نحن فيه من هذا القبيل .. فإن جاء به على أنه من الدين ، فإنَّه يكون حراما لتعنونه بعنوان البدعة المحرَّمة ، وإن جاء به لا على أنه عبادة ولا من الدين ، فلا يكون حراما.

وثالثاً : قد تقدم قول ابن تيمية ـ وكذلك قال غيره أيضا ـ ان الاشياء ما عدا العبادات كلها على الإباحة ، حتى يرد ما يوجب رفع اليد عنها ، ولا سيّما ما كان من قبيل العادات.

وما نحن فيه من قبيل العادات أيضا ، حيث قد جرت عادة الناس على

٩١
 &

إقامة الذكريات والموسم ، بمناسبة يوم الاستقلال وفي الأيام التي هي مثل أيّام ولادة عظمائهم ، وغير ذلك من مناسبات ، وقد تقدم توضيح ذلك.

ورابعاً : بل إن ما نحن فيه داخل في قسم ما أمر الله سبحانه ، حيث ان الاحتفالات بيوم مولد النبِّي (ص) ، أو أحد الأئمة (ع) ، أو الاحتفال بيوم الهجرة أو يوم المبعث ، أو حتى يوم عاشوراء ، إلى غير ذلك من المناسبات إنّما هو داخل تحت عناوين عامة ورد الأمرُ بها والحثُّ عليها. وتقدَّم أنَّ اختيار المكلف لمصداق العنوان العام لا يعدُّ ٱبتداعا ، ولا إحاداثا في الدين ، وإدخالا في امره ما ليس منه. وقد تقدم توضيح ذلك في أوائل الفصل السابق فلا نعيد.

وتقدم أنَّ ما ورد عنه صلَّى الله عليه وآله وسلم : « من سنَّ سنَّةً حسنة الخ .. » قد طبقه الرسول صلَّى الله وآله وسلم على اختيار البعض لمصداق عنوان عام مأمور به ، فيكون من شواهد ما ذكرناه آنفا.

وخامسا : قد تقدم قول بعض المانعين ـ وهو ابو بكر جابر الجزائري :

« ان الفطرة قاضية : أنَّ الإنسان يفرح بالمولود يوم ولادته ، ويحزن عليه يوم موته ، فسبحان الله كيف يحاول الانسان ، غروراً ـ تغيير طبيعته ».

ونحن نوضح هذا الأمر هنا ، بمقدار ما تسمح لنا به الفرصة ، ويسعفنا به البيان .. فنقول :

قضاء الفطرة والسجيَّة الانسانية

إنّ ممّا لا شك فيه هو : أن الناس ـ كل الناس ـ يولون ما يرتبطون به عقائدياً وفكريّاً وعاطفياً أهميَّةً خاصة ، وعلى أساس ذلك يتَّخذون مواقفهم ، ويكون الفعل ، وردُّ الفعل .. والتأثير والتأثر ، بصورة تلقائية ، وعفوية وطبيعية.

وكذلك ، فان الناس بالنسبة لما يرفضونه ، ويدينون به عقائديّاً ، وفكرياً ، وعاطفياً موقفاً آخر ، وتأثيراً وتأثراً من نوع آخر كذلك.

وقد اعتاد الناس انطلاقا من احترامهم للمُثُلِ والقيم التي يؤمنون بها ، على احترام الأشخاص الذين بشروا بها ، وضحّوا في سبيلها ، وارتبطوا بهم عاطفيّاً وروحيّاً كذلك .. ورأوا : أن إحياء الذكرى لهؤلاء الاشخاص ، لم يكن من أجل ذواتهم كأشخاص ، وإنّما من أجل أنَّهم بذلك يحيون تلك القيم والمثل في نفوسهم ،

٩٢
 &

وتشدُّ الذكرى من قوة هذا الارتباط فيما بينهم وبينها ، وترسِّخها في نفوسهم ، وتعيدهم إلى واقعهم.

وهكذا يقال بالنسبة للاحترام الذي يخصون به بعض الأيّام ، أو بعض الأماكن ، وقديما قيل :

مررت على الديار ديار ليلى

أقبِّل ذا الجدارَ وذا الجدارا

وما حبُّ الديار شغفن قلبي

ولكن حبُّ من سكن الديارا

ويلاحظ : أن الاهتمام بإقامة الذكريات والاحتفال بالمناسبات ، التي تمثل تحوّلاً من نوع ما في حياة الناس عامة ، لا يقتصر على فئة دون فئة ، ولا يختص بفريق دون فريق فالكبير والصغير ، والغني والفقير ، والملك والسُّوقة ، والعالم والجاهل ، والمؤمن والكافر ، وغيرهم وغيرهم ، الكل يشارك في إقامة الذكريات للمثل والقيم ، ومن يمثلها حسب قدارته وإمكاناته.

فهذه الشمولية تعطينا : أن هذا الأمر لا يعدو عن أن يكون تلبية لحاجة فطرية ، تنبع من داخل الإنسان ، ومن ذاته ، وتتصل بفطرته وسجيته ، حينما يشعر : أنه بحاجة الى أن يعيش مع ذكرياته ، وآماله ، وإلى أن يتفاعل مع ما يجسِّد له طموحاته.

فيوم ولادة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلم هو يوم فرح للمسلمين ، ويوم عيد وبهجة لهم. ولا بدَّ وأن يستجيب الإسلام لنداء الفطرة ، ويلبي رغباتها ما دامت منسجمة مع منطلقاته وأهدافه ، ولا يحرمها من عطاء رحمته وبرِّه .. مادام أنّه دين الفطرة ، الذي يوازن بين جميع مقتضياتها ويعطيها حجمها الطبيعي ، من دون أن يكون ثمة إهمال مضرٌّ ، أو طغيان مدمِّر.

وهذه هي عظمة تعاليم الاسلام ، وهذا هو رمز الخلود له .. وفَّقنا الله للسيرِ على هدى هذا الدين ، والالتزام بشريعة ربِّ العالمين ، إنَّه خير مأمول وأكرم مسؤول.

توضيح العلامة الأميني رحمه الله

هذا .. وقد قال العلامة الأميني رحمه الله تعالى : « لعل تجديد الذكرى بالمواليد والوفيات ، والجري على مواسم النهضات الدينيَّة ، أو الشعبيَّة العامة ، والحوادث العالميَّة الاجتماعية ، وما يقع من الطوارق المهمة ، في الطوائف

٩٣
 &

والأحياء ، بعدِّ سنيِّها ، وٱتخاذ رأس كل سنة بتلكم المناسبات أعياداً وأفراحاً ، أو مآتم وأحزانا ، وإقامة الحفل السار ، او التأبين ، من الشعائر المطَّردة ، والعادات الجارية منذ القدم ، دعمتها الطبيعة البشرية ، وأسَّستها الفكرة الصالحة لدى الأمم الغابرة ، عند كل ملَّة ونحلة ، قبل الجاهلية وبعدها ، وهلمَّ جرا حتى اليوم.

هذه مراسم اليهود ، والنصارى ، والعرب ، في أمسها ويومها ، وفي الاسلام وقبله ، سجلها التاريخ في صفحاته.

وكأن هذه السنة نزعة انسانية ، تنبعث من عوامل الحب والعاطفة ، وتسقى من منابع الحياة ، وتتفرع على أصول التبجيل والتجليل ، والتقدير والإعجاب ، لرجال الدين والدنيا ، وأفذاذ الملأ ، وعظماء الأمة ، إحياءً لذكرهم وتخليدا لاسمهم ، وفيها فوائد تاريخية ، إجتماعية ، ودروس اخلاقية ضافية راقية ، لمستقبل الأجيال ، وعظات وعبر ، ودستور عملي ناجع للناشئة الجديدة ، وتجارب واختبارات ، تولد حنكة الشعب ، ولا تختص بجيل دون جيل ، ولا بفئة دون اخرى.

وإنما الأيّام تقتبس نورا وازدهارا ، وتتوسم بالكرامة والعظمة ، وتكتسب سعداً ونحساً ، وتتخذ صيغة ممّا وقع فيها من الحوادث المهمة ، وقوارع الدهر ونوازله الخ .. ». ١

كلام السيد الامين (ره)

وقال السيد الأمين رحمه الله : « .. وأمّا جعل التذكار لمواليد الأنبياء والأولياء ، الذي يسميه الوهابية بالأعياد والمواسم ، بإظهار الفرح والزينة في مثل يوم ولادتهم ، التي كانت نعمة من الله على خلقه ، وقراءة حديث ولادتهم ، كما يتعارف قراءة حديث مولد النبيِّ (ص) ، وطلب المنزلة والرفعة من الله لهم ، وتكرار الصلوات والتسليم على الأنبياء ، والترحُّم على الصلحاء ، فليس فيه مانع عقلي ولا شرعي ، إذا لم يشتمل على محرَّم خارجي ، كغناء ، او فساد ، أو استعمال آلات اللَّهو ، أو غير ذلك ، كما يفعل جميع العقلاء ، وأهل الملل في مثل أيام ولادة عظمائهم وأنبيائهم ، وتبوُّء ملوكهم عروش الملك ، وكل ذلك نوع من التعظيم الذي

__________________

١ ـ سيرتنا وسنتنا / ص ٤٥ / ٤٦.

٩٤
 &

ان كان صاحبه أهلاً للتعظيم كان طاعة ، وعبادة الله تعالى ، وليس كل تعظيم عبادة للمعظم ، كما بيَّنّاه مراراً ، فقياس ذلك بفعل المشركين مع أصنامهم قياس فاسد .. » ١. انتهى

وسادساً : قد تقدم أنهم يقولون : إن الإجماع نبوَّةٌ بعد نبوَّةٍ ، ولا يختص عندهم زمان الاجماع بوقت دون وقت ، ولا بزمان ، وقد انعقد الإجماع على إقامة أعيادٍ أخرى غير الفطر والأضحى ، مثل عيد النوروز ، والمهرجان ، وعيد المولد النبوي ، ولا سيما في عهد حاكم أربل وبعده إلى قرب ظهور ابن تيمية .. حسبما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع .. فلا نعيد.

كل يوم عيد

وسابعاً : وقد ادَّعى أولئك المانعون أنه لا يوجد إلّا عيدان : الفطر والأضحى ، ولكننا نقول : إنه على أساس ما قدَّمناه ، من أن الفرح حينما يوجد ما يقتضي الفرح والحزن حينما يوجد ما يتقضي الحزن ، هو مقتضى النزعة الانسانية والسجية والفطرة البشرية.

وبما أنَّ الانسان يفرح ويبتهج ، حينما ينتصر في معركةٍ مّا ..

ولأنَّ خسران المعركة مع الشياطين ، معناه خسارة الانسان لأعزِّ شيءٍ يملكه ، وإلى الأبد .. ألا وهو نفسه وذاته ..

نعم .. من أجل ذلك نجد أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في بعض الأعياد :

« إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه ، وشكر قيامه ، وكلُّ يوم لا يعصىٰ الله فيه ، فهو عيد .. ». ٢

نعم .. وهذا بالذات ، هو سرُّ تشريع عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، بعد تلك الرحلة التربوية الجهادية مع النفس الأمّارة ، وضد كلِّ الشياطين ، حينما يفترض بالإنسان أن يترك ـ مختارا ـ أموراً تدعوه إليها غرائزه ، وتدفعه نحوها شهواته ، كما ويزيده شوقا إلى بعضها حنين الإلف والعادة ، الناشئ عن طول

__________________

١ ـ كشف الارتياب / ص ٤٥٠.

٢ ـ نهج البلاغة ، بشرح عبده / ج ٣ / ص ٣٥٥ ، الحكمة رقم ٤٢٨.

٩٥
 &

الممارسة لها ..

وقد أشار عليه السّلام إلى أن انتصار الإنسان في رحلته الجهادية التربوية تلك في شهر رمضان المبارك ، وفي أيّام الحج ، حيث مراعاة تروك الإحرام ، هو الذي جعل يوم أول شوال ، ويوم العاشر من ذي الحجة عيداً يفرح به الانسان الصابر المجاهد.

يوم الجمعة .. عيد

ومما يدل ايضا على عدم انحصار العيد في الفطر والأضحى ، ما روي عنه صلَّى الله عليه وآله وسلم حول يوم الجمعة : « ان هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً » ١. والروايات المصرِّحة بكون يوم الجمعة عيداً كثيرة ، فليراجعها من أراد. ٢

ويلاحظ : أنَّ عدداً من الروايات ، قد صرَّحت بأنَّه إنَّما اعتبر عيداً ، بسبب ما حصل فيه من الأمور المهمة ، مثل خلق آدم ، ودخوله الجنة ، وخروجه منها ، وتوبة الله عليه ، وموته وقيام الساعة فيه الخ. ٣

كما أنه قد ورد الأمر بالتزيُّن ، ولبس الثياب الجديدة ، وغير ذلك من

__________________

١ ـ سنن البيهقي / ج ٣ / ص ٢٤٣ ، واقتضاء الصراط المستقيم / ص ١٨٩ ، وفتح المجيد / ص ١٥٤.

٢ ـ راجع : سنن الدارمي / ج ١ / ص ١٣٧٨ ، وسنن ابن ماجة / ج ١ / ص ٣٤٩ و ٣١٥ و ٤١٦ ، واقتضاء الصراط المستقيم / ص ١٩٧ وسنن النسائي / ج ١ / ص ١٩٤ ، وسنن أبي داود / ج ١ / ص ٢٨١ ، ومسند أحمد / ج ٤ / ٢٧٧ وج ٢ ص ٣٠٣ و ٥٣٢ والمسند للحميدي / ج ١ / ص ٦ / ٧ ، والموطأ ، بهامش تنوير الحوالك / ج ١ / ص ١٩٠ ، والمنتقى / ج ٢ / ص ٣٤ و ٣٥ ، ومجمع الزوائد / ج ٢ / ص ١٩٥ ، وكشف الأستار / ج ١ / ص ٤٩٩ ، وصحيح البخاري / ج ٣ / ص ٢٠٦ ، ومنحة المعبود / ج ١ / ص ١٤٦ ، ومسند الطيالسي / ص ١٩٤ ، ونصب الراية / ج ٢ / ص ٢٢٥ ، ومستدرك الحاكم / ج ١ / ص ٢٨٨ ، وتلخيص المستدرك بهامشه.

٣ ـ راجع : مسند أحمد / ج ٣ / ص ٥١٢ و ٥٠٤ و ٤٨٦ و ٤٠١ و ٤١٨ و ٥٤٠ ، وراجع : ص ٥١٩ ، وصحيح مسلم / ج ٣ / ص ٦ وسنن النسائي / ج ٣ / ص ٩٠ و ٩١ ، ومسند الطيالسي / ص ٣١١ ، والموطأ بهامش تنوير الحوالك / ج ١ / ص ١٣١ ، وكشف الاستار / ج ١ ص ٢٩٤ ، ومجمع الزوائد / ج ٢ / ص ١٦٣ / ١٦٤ ، ومنحة المعبود / ج ١/ص ١٣١ ، وكشف الاستار / ج ١ ٢٩٤ ، ومجمع الزوائد / ج ٢ / ص ٣٦٢ و ٣٥٩ ، وسنن أبي داود / ج ١ / ص ٢٧٤ ، وسنن الدارمي / ج ١ / ص ٣٦٩ ، وعجائب المخلوقات بهامش حياة الحيوان / ج ١ / ص ١١٠ ، والترغيب والترهيب / ج ١ / ص ٤٩٠ / ٤٩١ و ٤٩٥ ، والمنتقى / ج ٢ / ص ١٤ و ١٣.

٩٦
 &

مظاهر السرور في هذا اليوم. ١

ثامناً : عاشوراء في القرون الثلاثة الاولى.

ويقول أتباع ابن تيمية ، والمدَّعون لحرمة المواسم والمراسم : « ألبدعة وهي ما حدثت بعد القرون الثلاثة مذمومة مطلقا » ٢ وتقدم تكرار المانعين لقولهم : إن ذلك لم يكن في القرون الثلاثة الأولى التي هي خير القرون ، ومعنى ذلك هو ان ما حدث في القرون الثلاثة الأولى لا يكون مذموما بل هو مقبول عند هؤلاء .. وعليه فنقول :

قد تقدم : أنّ بني أمية وهم في القرن الأول (!!) قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً ..

أمّا غيرهم .. فقد اتخذوه يوم حزنٍ ، وأسىً ، وعزاءٍ.

وعلى هذا .. فقد انعقد الإجماع المركب من السلف ، على موسمية يوم عاشوراء ـ وحسب زعم هؤلاء القائلين بعصمة الإجماع ـ فلا بدّ من قبولهم بكونه موسماً ، ولا يجوز لهم إحداث قول ثالث فيه.

وقد تقدم الكلام في ذلك ، فلا نعيد.

تاسعاً : أعياد أخرى في القرون الثلاثة الاولى

هذا .. وإذا كان ما يحدث في القرون الثلاثة الأولى ، ليس من البدع المذمومة ، وإذا كانوا يحتجون للمنع عن المواسم والمراسم بأنها لم تكن في تلك القرون ..

فإنَّ معنى ذلك هو أنَّ كل ما كان في تلك القرون يكون شرعيّاً ومقبولاً ، ويمكن ذكر أمور كثيرة كانت آنئذٍ ، ونكتفي هنا بذكر الأعياد التالية :

__________________

١ ـ راجع : سنن ابن ماجة / ج ١ / ص ٣٤٩ ، ٣٤٨ ، وسنن أبي داود / ج ١ / ص ٢٨٣ و ٢٨٢ ، والترغيب والترهيب / ج ١ / ص ٤٩٨ ، والمنتقى / ج ٢ / ص ١٢ و ١١ ، ومجمع الزوائد / ج ٢ / ص ١٧١ فما بعدها ، والسنن الكبرى للبيهقي / ج ٣ / أبواب الجمعة.

٢ ـ كشف الارتياب ، ص ١٤٢ عن رسائل الهدية السنيَّة / ص ٤٧.

٩٧
 &

عيد النوروز

فبالاستناد إلى أبي أسامة ، عن حماد بن زيد ، عن هشام بن محمد بن سيرين ، قال : « اتي علي رضي الله عنه بهدية بمثل النيروز ، فقال :

ما هذا ؟

قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا يوم النيروز.

قال : فاصنعوا كل يوم نيروزاً.

قال أسامة : كره رضي الله عنه أن يقول : النيروز ».

قال البيهقي : وفي هذا ، الكراهة لتخصيص يوم لذلك ، لم يجعله الشرع مخصوصاً به » ١.

وقال ابن تيمية : « وأما علي رضي الله عنه ، فكره موافقتهم في اسم يوم العيد ، الذي ينفردون به ، فكيف بموافقتهم في العمل ؟! ٢

ولكننا بدورنا لم نفهم مما تقدم : أنه عليه السّلام كره موافقتهم بالاسم ، بل نراه عليه السلام قد صرَّح باسمه ، وأحبَّ أن يطلقه على كل يوم ، وإلّا لكان عليه أن يقول مثلاً : « فاصنعوا كل يوم مثل هذا ».

ونرى أنه عليه السّلام قد شجَّعهم على أعمال من هذا القبيل ، ولم ينههم عنها .. وإلّا .. فقد كان اللّازم عليه أن يصرِّح لهم بالنهي عن هذا التخصيص ، لا أن يكتفي بطلب عمل ذلك في كل يوم.

كما أنه لو كان عليه السلام قد كره ذلك ، فقد كان عليه أن يرفض هديتهم النيروزية تلك. ولكنه لم يفعل ذلك.

هذا .. وقد « كانت العادة عامة في الاحتفال بعيد النيروز ، وهو مبدأ السنة الشمسية ، بتبادل الهدايا ، فكان الخليفة في بغداد يفرق على الناس أشياء منها صور مصنوعة من عنبر ، منها ورد احمر مثلا ». ٣

والمقصود بالخليفة الذي كان يفعل ذلك هو الذي يلقبه الحنابلة وأهل

__________________

١ ـ إقتضاء الصراط المستقيم / ص ٢٠٠ ، وراجع : ص ٢٥٠.

٢ ـ إقتضاء الصراط المستقيم / ص ٢٠١.

٣ ـ الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري / ج ٢ / ص ٢٩٣.

٩٨
 &

الحديث بـ « محيي السنة » وكان أحمد بن حنبل من أقرب المقربين إليه.

وأعني به المتوكل العبّاسيَّ ١ ، وقيل إنه أَوَّل من أخَّر النيروز رفقاً بأهل الخراج ٢ وقيل : بل أخَّره المعتضد. ٣

وكذلك الحال بالنسبة لأمِّ المقتدر العباسي. ٤ وقبل ذلك في زمن المأمون ٥ ، والواثق ٦ والمنصور ، وقبل هؤلاء جميعا الحجاج. ٧

ولعيد النيروز في مصر وغيرها مراسم خاصة ، لا مجال لذكرها فضلا عن التفصيل فيها.

عيد المهرجان

كما أنَّ عيد المهرجان ـ الذي كان في القرون الثلاثة الأولى ـ قد كانت له أهمية خاصة أيضا ـ وكانوا يحتفلون به في طول البلاد الإسلامية وعرضها. ٨

« وكان الناس يتهادون فيه كما يتهادون في النيروز ، وكان القوّاد ، ورجال دار الخلافة تخلع عليهم فيه ملابس الشتاء الخ .. ». ٩

واول من رسم هدايا النيروز والمهرجان الحجاج. ١٠

والمقصود : أنه رسمها بشكل واسع ، وأخذ الناس بالعمل بها ، وإلّا فقد تقدمت الرواية عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : أنه قبل هدايا النيروز.

__________________

١ ـ الديارات / ص ٥٧ ، وراجع ص ٣٩ / ٤٠ ونشوار المحاضرات / ج ٨ / ص ٢٤٦ والعامَّة في بغداد / ص ٢٥٣ / ٢٥٤ عنهما وعن عجائب المخلوقات / ص ١٢١ وعن صبح الأعشى / ج ٢ / ص ٤٢٠.

٢ ـ محاضرة الأوائل / ص ١٤٢.

٣ ـ الكامل لابن الأثير / ج ٣ / ص ٤٦٩ ويؤيده ما في نشوار المحاضرات / ج ١ / ص ٢٩٣.

٤ ـ نشوار المحاضرات / ج ١ / ص ٢٩٣ ، وراجع : المستطرف / ج ٢ / ص ٥٢.

٥ ـ العقد الفريد / ج ٦ / ص ٢٨٩ ، وراجع : روض الأخيار / ص ١١٩.

٦ ـ الأغاني / ج ١٩ / ص ٢٣٠.

٧ ـ الأوائل / ج ٢ / ص ٣٤.

٨ ـ راجع : محاضرات الأدباء / ج ١ / ص ٤٢٤.

٩ ـ الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري / ج ٢ / ص ٢٩٦ عن عدد من المصادر ، والعامة في بغداد ص ٢٥٥ ، والديارات / ص ٢٧٠. وليراجع ص ٢٣١.

١٠ ـ الاوائل / ج ٢ / ص ٣٤.

٩٩
 &

هذا .. ولا بد من التذكير هنا بأن عليّاً عليه السلام قد قبل هدية النيروز ، وبعد ذلك وابتداءً من الحجاج أصبح الاحتفال بالنيروز والمهرجان رسميا عند الخلفاء ورجال الدولة والعامة على حد سواء ، حتى عند حامل لقب « محيي السنة » والصديق الحميم لأحمد بن حنبل ، وقد كان العلماء ، والصلحاء ، والفقهاء ، وغيرهم حاضرين وناظرين ، ولم يُنقل لنا أيُّ اعتراض من أحد منهم على ذلك ، لا في ذلك الزمان ولا بعده.

فاذا كان هؤلاء يستدلون لعدم جواز الاحتفال بعيد المولد النبوي ونحوه بأنه لم يكن في زمن السلف ، أعني الذين عاشوا في القرون الثلاثة الاولى ، فإنَّ عليهم والحالة هذه : أن يعتبروا عيد النيروز ، والمهرجان من الأعياد الإسلامية ، لأنها قد كانت في القرون الثلاثة ، ولم يعترض عليها أحد ، حتى أحمد بن حنبل نفسه ، فضلاً عن غيره.

عيد الغدير

هذا .. ولا حاجة بنا إلى إثبات أن عيد الغدير إسلامي أصيل ، وقد كان في العصور الثلاثة الأولى وعدم صحة قول المقريزي : « أول ما عرف في الاسلام بالعراق ، أيّام معزّ الدولة علي بن بويه ، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاث مئة ، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيداً. ١

فإن هذا القول لا يصح ولا يمكن قبوله ، فقد قال المسعودي : « ولد علي رضي الله عنه ، وشيعته يعظمون هذا اليوم ». ٢

والمسعودي قد توفي قبل التاريخ المذكور ، أي في سنة ٣٤٦ هـ.

وروى فرات بن إبراهيم ، وهو من علماء الثالث عن الصادق ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله (ص) : « يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي الخ .. ». ٣

ونجد أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام قد اعتبره عيداً ، حيث أنه عليه السّلام

__________________

١ ـ الخطط للمقريزي / ج ١ / ص ٢٨٨.

٢ ـ التنبيه والاشراف / ص ٢٢١ / ٢٢٢.

٣ ـ الغدير / ج ١ / ص ٢٨٣.

١٠٠