أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

ترتّب الأثر من قبيل كون المبيع عيناً لا منفعةً لم يصح التمسك بالاطلاق للشك في الصدق لا محالة.

ص ٢١٤ قوله : ( ولكنك عرفت ... ).

وحاصل الاشكال على الانحلال انّه إن اريد المسبب الشخصي فقد عرفت انّه السبب لا المسبب القانوني ، وإن اريد المسبب الشرعي فلا انحلال بلحاظه ؛ إذ لو اريد الانحلال بلحاظ أفراده في الخارج فالمفروض الشك في الصحة وبالتالي في وجود المسبب الشرعي خارجاً في مورد الانشاء الفاقد للشرط المشكوك ، وإن اريد الانحلال بلحاظ عالم المفاهيم والحصص المفهومية المضافة إلى الأسباب أي استفادة حلية المسبب الشرعي الحاصل بالمعاطاة والحاصل بالسبب الفلاني ... الخ فهذا واضح البطلان لأنّ الإطلاق ليس جمعاً للقيود وإنّما يعني ملاحظة ذات الطبيعة مجردة عن كل قيد ، وهذا واضح.

ص ٢١٤ قوله : ( وعلى هذا الأساس يتضح وجه عدم الإطلاق اللفظي ... ).

أقول : إذا كان مفاد دليل حلية البيع مجرد الترخيص وإعطاء القدرة لتمّ ما ذكر ، نظير قولنا : ( لا يجوز بيع الصبي ولكن يجوز بيع البالغ ) فإنّه لا إطلاق له بالنسبة إلى شرائط صحّة البيع ، إلاّ انّ الانصاف انّ دليل الامضاء مفاده أكثر من ذلك وهو الامضاء ، والحكم بتحقّق التمليك الذي هو فعل تسبيبي للعاقد فيكون مقتضى إطلاق حليته له إطلاق تحققه بتسبيبه.

فالحاصل : لو كان معنى ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ( أجاز الله التمليك بعوض ) ـ ولو وضعاً ـ فهذا لا يدلّ على أكثر من التجويز للتمليك بعوض ، وعدم كونه ممنوعاً وضعاً ، فلا إطلاق له بلحاظ شروط تحققه ، وأمّا إذا كان معناه امضاء ما يتسبّب

٨١

إليه المتعاقدان ويقصدانه من ايجاد المسبّب الشرعي أو العقلائي أي التمليك بعوض خارجاً ، فسوف يكون التمليك بعوض ملحوظاً بما هو موضوع للحكم بالحلية ، لا بما هو متعلّق فينحلّ الحكم بالحلية الوضعية بلحاظه لا محالة ، ويتكثّر بتكثّر موارد وأسباب التسبّب خارجاً إلى ايجاد ذلك ؛ لأنّ الإطلاق في طرف موضوعات الأحكام وما يؤخذ مفروغاً عنه ليحكم عليه بحكم انحلالي دائماً على ما حققناه في محلّه.

ص ٢١٤ قوله : ( ٣ ـ قصد التسبّب ... ).

قد يقال : لا وجه لاشتراط ذلك زائداً على المدلول التصديقي الذي هو المنشأ والمسبّب الشخصي ، بل مثل الغاصب أو العالم بفساد معاملة شرعاً وعقلائياً كيف يتأتّى منه هذا القصد.

والجواب : انّ المتعاقدين يقصدان جزماً التسبّب إلى تحقق المضمون القانوني المشرّع خارجاً ، وليس مقصودهما مجرّد إنشاء أمر اعتباري مجعول لهما وأجنبي عن المضمون القانوني العرفي أو الشرعي ، والظاهر أنّ الامور الاعتبارية القانونية باعتبارها انشائية فلابدّ من قصد التسبّب إلى إيجادها أو انشائها ، وأمّا إنشاء البيع ونحوه من الغاصب أو العالم بفساده فهو لا ينافي ذلك ؛ لأنّه أيضاً ينشئ ببيعه نفس ما ينشئه الآخرون ويقصد التسبّب إليه رغم كونه غاصباً كما لا يخفى على المتأمل.

ص ٢١٥ قوله : ( وعلى هذا الأساس يتبيّن انّه لا تقابل ... ).

ليس المقصود من وضع أسماء المعاملات للمسببات انّ البيع مثلاً اسم للملكية الحاصلة بعوض ، بل المقصود انّه اسم للتمليك بعوض ، أي ايجاد

٨٢

الملكية بعوض ، فإذا اريد به المسبب القانوني العقلائي أو الشرعي فلا يكون التمليك حاصلاً إذا كان البيع فاسداً ، بخلاف ما إذا كان اسماً للسبب ، وهذا واضح.

ثمّ انّه قد يقال بأنّ الأسماء موضوعة للمسببات لا الأسباب ؛ لأنّ السبب أمر تكويني وليس انشائياً ، بخلاف المسبّب مع وضوح انّ المعاملات تنشأ فيقال :

( بعت ) بمعنى إنشاء البيع واعتباره ، وهذا لا يكون إلاّإذا كان اسماً للمسبب.

ولوحظ عليه : بأنّ لازمه عدم صحّة إطلاقه على البيع الفاسد ؛ لأنّ أمر المسبّب دائر بين الوجود والعدم ، مع انّه يقال هذا بيع فاسد ، على انّه لو كان اسماً للسبب المؤثر الصحيح ـ كما يقول صاحب الكفاية أيضاً كان انشائياً بمعنى انّه يوجده في مقام الإنشاء بقوله : ( بعت ) نظير قوله : ( آمرك ) في مقام الإنشاء.

وقد يقال بالتفكيك بين ( بعت ) في مقام الانشاء فيكون بمعنى المسبب ، و ( بعت ) في مقام الإخبار كما في قولنا : ( هذا بيع فاسد ) فيكون بمعنى السبب.

ولوحظ عليه : بأنّ هذا لازمه الاشتراك اللفظي ، وهو خلاف الوجدان اللغوي.

وقد اختار السيّد الشهيد أنّها أسامي للمسببات ولكن الأعم من المسبب الشخصي أو القانوني ، وبذلك يكون أمراً انشائياً ، كما انّه يصدق في موارد الاخبار أيضاً على المعاملة الفاسدة لتحقّق المسبب الشخصي فيها وإن لم يتحقّق المسبب القانوني ، بل ادّعى قدس‌سره أنّ المسبّب القانوني بحسب نظر العرف المسامحي تطوير للمسبب الشخصي ونموّ له.

٨٣

وهذا كلام وجيه ، إلاّانّه بحاجة إلى تمحيص ، فإنّه لا إشكال أنّ أسامي المعاملات معانيها حَدَثيَّة وليست جامدة ، فالبيع والايجار والطلاق وغيرها من أسامي المعاملات أسامي للعقود والايقاعات التي هي أفعال انشائية وتعهدات ، وليست اسماً لنفس الأثر المنشأ بانشاء شخصي أو قانوني ، فالبيع معناه التمليك بعوض ، أي ايجاده وانشائه لا نفس الملكية بعوض ، غاية الأمر إذا كان اسماً لايجاد المنشأ والتمليك العقلائي أو الشرعي فلا يصدق على العقد الفاسد ؛ لأنّه لا يوجد فيه ذلك الأثر ، فيدور أمره بين الوجود والعدم وإن كان اسماً لانشاء المسبب الشخصي أو الأعم منه ومن المسبب العقلائي أو الشرعي صدق على العقد الفاسد أيضاً.

وبهذا يتضح انّ دعوى الوضع للمسبّب العقلائي أو الشرعي ـ لا المسبّب الشخصي الذي هو عين السبب ـ يمكن أن يكون نفس دعوى الوضع للسبب المؤثر الذي اختاره صاحب الكفاية إذا قصد بذلك انّه اسم لايجاد المسبب والأثر لا لنفس الانشاء بقيوده المؤثرة من دون ملاحظة حيثية ايجاد ذلك الأثر.

كما انّ دعوى الوضع للمسبب الشخصي أو الأعم منه ومن العقلائي والشرعي يمكن أن يكون نفس دعوى الوضع للسبب الأعم ؛ لأنّ المراد بالسبب الانشاء والمنشأ معاً. وهذا يعني انّ البحث عن الوضع للمسببات أو للأسباب يكون عبارة اخرى عن البحث عن الوضع للصحيح أو الأعم وليس بحثاً آخر.

كما يظهر أيضاً انّ المنشأ بقوله : ( بعت ) ليس هو نفس الأثر بل ايجاده وانشائه ، أي العقد والتعهد ، فكأنّه قال : أتعهّد واعتبر بحيث يكون السبب أي الانشاء والايجاد مستبطناً في مادة البيع ؛ لأنّه يتحقق به بحسب الحقيقة ، وإلّإ

٨٤

يلزم تعدّد معنى المادة في الانشاء والاخبار وهو خلاف الوجدان اللغوي الذي أشرنا إليه.

كما أنّ هناك نكتة اخرى لا بأس بالإشارة إليها ، هي أنّ العقود والمعاملات كما تصدق على السبب حدوثاً بلحاظ ما يوجد من الأثر كذلك تصدق عليه بقاءً إذا كان مؤثراً وصحيحاً ، حيث انّ العرف يلغي البعد التكويني للانشاء والتعهد ويلحظ البعد الاعتباري والانشائي فيه ، ويحتفظ به إذا كان موضوعاً للأثر وصحيحاً ، فيقال : ( البيع باق ما لم يفسخه المتعاقدان ).

نعم ، هذه التوسعة غير ثابتة في مورد العقد الفاسد ، وهذا قد يجعل دليلاً على الوضع للسبب المؤثر قانوناً ، أي ايجاد المسبب القانوني كما اختاره صاحب الكفاية ، ويكون اطلاقه على ايجاد المسبب الشخصي غير المؤثر قانوناً من باب المجاز ، أو لأنّه بيع بلحاظ نظره واعتباره الشخصي إذا اعتبرنا أنّ للُامور الاعتبارية مفهوماً واحداً والاختلاف في ايجاد المصداق حسب اختلاف الانظار الاعتبارية.

٨٥

الحروف

ص ٢٣٥ قوله : ( وإذا تمّ هذا الجواب أمكن على ضوئه ... ).

بل لا يمكن ؛ لأنّ المناسبة المصحّحة للاستعمال يكفي فيها ما هو أقل من ذلك ، فحتى اللفظ المهمل يصحّ استعماله بمناسبة كاستعماله في نفسه في مثل ( ديز لفظ ). بينما في المقام لا يصح بل لا يمكن استعمال أحدهما مكان الآخر حيث تختل القضية المعقولة ولا تتشكل أصلاً ، وهذا يكشف عن تباين المعنى ، وهذا هو مقصود الميرزا قدس‌سره. وهو برهان واضح في دفع مقالة الخراساني قدس‌سره.

وإن شئت قلت : انّ حاق اشكال الميرزا قدس‌سره ليس هو غلطية الاستعمال بمعنى عدم المجازية أو ركتها بل عدم امكان استعمال الاسم مكان الحرف وبالعكس حتى بنحو ركيك مما يعني انّ الفرق بينهما ذاتي وأعمق من مسألة عدم المناسبة.

ثمّ انّ في بعض الكلمات صور اشتراط الواضع بنحو ثالث غير النحوين المذكورين في الكتاب ، وحاصله : ربط اللحاظ الآلي والاستقلالي بالموضوع له لكن لا بنحو التقييد بل بنحو يكون الموضوع له في الحرف هو ذات المعنى ولكن في حال تعلّق اللحاظ الآلي به وفي الاسم أيضاً ذات المعنى في حال تعلّق اللحاظ الاستقلالي به ، فالموضوع له هو الذات ونفس الماهية بلا دخل للتخصص الخاص فيه وإن كان طرف العلقة هو المتخصص لكن بذاته ، فاللحاظ الآلي أو الاستقلالي خارج عن الموضوع له ولكنه لازم له لا ينفك عنه ، ونظيره ثابت في مثل حمل نوع على الإنسان في قولنا ( الإنسان نوع ) فإنّ الموضوع

٨٦

والمحمول عليه إنّما هو الماهية بنفسها بلا دخل للحاظ فيه مع انّ اللحاظ لا ينفك عنه ، إذ حمل النوع على الإنسان أو غيره موطنه الذهن إذ لا يصح حمل النوع على الإنسان الخارجي ، ومعه لا ينفك المحمول عليه عن اللحاظ ، وظاهر انّ ما يحمل عليه النوع هو نفس الماهية بلا تقييدها باللحاظ ؛ إذ المقيدة باللحاظ جزئي ذهني لا نوع فكيف يصح حمل نوع عليها مقيدة باللحاظ (١).

وهذا كلام غريب ؛ إذ يرد عليه بأنّ حمل النوع على الإنسان حمل على ماهية الإنسان الملحوظة بالحمل الأولي لا بالحمل الشائع الصناعي ، أي بما هي مفهوم الإنسان وذات لا بما هي طبيعة في الخارج نظير قولنا : ( الإنسان كلّي ) أي مفهومه كلّي ، وهذان ملحوظان ذهنيان متباينان لا محالة ، فكذلك في المقام اللحاظ الآلي والاستقلالي إذا أوجبا تبايناً في المفهوم الملحوظ بكل منهما اختلف وتباين المعنى الحرفي عن الاسمي ذاتاً ، وإلاّ لم يكن طرف العلقة المتخصّص ، بل ذات المعنى الملحوظ والخصوصية اللحاظية خارجة عنه كما هو في سائر المعاني.

ص ٢٣٧ قوله : ( الصحيح في تفنيد هذا الاتجاه ... ).

بل الصحيح في تفنيده ما تقدّم من الميرزا من عدم لزوم امتثال شرط الواضع وعدم إمكان تقييد العلقة الوضعية ، وعدم امكان استعمال أحدهما مكان الآخر بما له من المعنى مما يكشف عن اختلافهما ذاتاً.

إلاّ انّه لابد وأن يعلم أنّ هذا التباين الذاتي لا يرجع إلى عالم تحديد المفهوم بل تحليله يعني أنّ ( الظرفية ) و ( في ) ليس الفرق بينهما من حيث خصوصية

__________________

(١) منتقى الاصول ج ١ ص ٩٢.

٨٧

مفهومية بحيث يكون في أحدهما مفهوم زائد على الآخر أو مباين ، بل الفرق بينهما كالفرق بين المفهوم والمصداق وكالفرق بين مفهوم الجزئي وواقع الجزئي حيث انّ مفهوم الجزئي يُري حيثية الجزئية لا شيء آخر ، إلاّ انّه بنفسه ليس جزئياً بل كلي ، فكذلك مفهوم النسبة وواقعها فالحرف موضوع لواقع الارتباط بين المفاهيم بأنحائها والمفاهيم الاسمية المعادلة لها منتزعة عنها انتزاعها يباينها من حيث الذات وإن كانت تحكي نفس الحيثية فهي ليست نسباً وإن كانت تحكيها.

ص ٢٣٩ قوله قدس‌سره : ( ٣ ـ اننا نلاحظ ثلاث نسب ... ).

هذا روح البرهان على انّ النسب والمعاني الحرفية لا تقرر ما هوي ولا جامع ذاتي لها لكي يكون قابللاً للوجود الذهني تارة والخارجي اخرى كما في المعاني الاسمية فلا محالة تكون ايجادية لا اخطارية.

وحاصل البرهان : انّ النسبة متقومة بشخص وجود طرفيها فإذا لم يجرد عن ذلك لم يمكن انتزاع الجامع ، ومع التجريد لها عنهما تنتفي النسبة لانتفاء مقومها الذاتي ، فلا محالة يكون لحاظها الذهني من خلال وجود طرفين لها في الذهن ، وهما الوجودان الذهنيان للطرفين ، فلا محالة تكون نسبة اخرى مماثلة للنسبة الخارجية لا نفسها ولا ماهية منتزعة عنها بل نسبتها اليها نسبة الفرد إلى الفرد والمصداق إلى المصداق.

وهذا البرهان سوف يرجع عن نتيجتها السيد الشهيد قدس‌سره بمعنى انّه يقضي أن تكون في الذهن مصداق النسبة وواقع النسبة الظرفية مثلاً أو الاستعلائية أو الابتدائية ، وحيث انّ ذلك محال وجودها في الذهن بل لا معنى لكون مفهوم أو وجود ذهني ظرفاً لوجود ذهني آخر وأيّة نسبة واقعية اخرى في الذهن لا ربط

٨٨

لها بالظرفية لا صلاحية لها لكي تحكي عن الظرفية الخارجية التي هي مدلول الحروف على كل حال ، فمن هنا اختار السيد الشهيد فيما يأتي أنّ النسب الحرفية التي لها ما بأزاء في الخارج تحليلية في الذهن لا واقعية ، وإلاّ فليس في الذهن إلاّصورة وحدانية للحصة الخاصة ، ومن هنا يلتقي هذا المسلك مع مسلك السيد الخوئي القائل بوضع الحروف للتحصيص. والواقع انّ هذا المنهج لا يمكن المساعدة عليه ، إذ كل من البرهان والنتيجة المنتهى اليها غير قابل للقبول.

أمّا البرهان : فيمكن الإجابة عليه بأنّ النسب وإن كانت متقومة بطرفيها في وجودها الواقعي وبالحمل الشائع سواء كان في الخارج ـ كما في النسب الخارجية بين الأشياء ـ أو في الذهن كما في النسب الواقعية في الذهن بين وجودين ذهنيين ، إلاّ انّ هذا لا يعني عدم امكان لحاظ النسبة الخارجية بلحاظ تصوري يكون جامعاً ذاتياً ماهوياً لها أعم من شخص النسبة الخارجية وشخص طرفيها. بل يمكن ذلك فيها أيضاً كما في المعاني الاسمية.

والوجه في ذلك انّ النسبة ـ واقع النسبة ـ كالظرفية بين الماء والكوز وجودها الخارجي العيني متقوم بشخص وجود الطرفين إلاّ انّ ذلك ليس مقوماً للحاظ النسبة الظرفية الواقعية بل المقوم للحاظها الماهوي اللحاظ الماهوي لطرفيها الذي هو كلي أيضاً ، فلا يعقل لحاظها بلا طرفين ولكن لا يشترط في لحاظها وجود الطرفين بل يكفي لحاظ مفهوم الطرفين ولو الكلي والجامع كلحاظ جامع الماء وجامع الكوز والظرفية بينهما في قولنا : الماء في الكوز ، ولهذا تكون هذه الجملة الناقصة جامعاً قابلاً للصدق على كل ماءٍ في الكوز ، ومن هنا قيل أيضاً بأنّ المعاني الحرفية كلية وليست جزئية حقيقية وإنّما جزئيتها بمعنى نسبيتها واحتياجها إلى الأطراف.

٨٩

وتمام الفذلكة في ذلك أنّ النسبة الخارجية كالأعراض والأوصاف الخارجية الاخرى وإن كانت متقومة بالوجود الشخصي لطرفيها ولمعروضها إلاّانها تضاف إلى الموجود بذلك الوجود وتنسب له ؛ فكما انّ البياض العارض على الجسم الخارجي أو الذي هو حد له يعتبر وصفاً متقوماً بشخص ذلك الجسم الخارجي ولكنه مع ذلك في عالم اللحاظ مضاف إلى الجسم الأبيض كذلك نسبة الظرفية أو الاستعلائية أو الابتدائية تعرض على الطرفين كالماء والكوز ، وترى في عالم اللحاظ والتجريد والانتزاع الذهني نسبة بين الموجودين لا الوجودين العينيين كيف وواقع الوجود العيني غير قابل للادراك واللحاظ أصلاً ، ومن هنا يكون لحاظ النسبة الظرفية متقوماً بلحاظ مفهوم طرفيها الشخصيين أو الكليين وتلحظ من خلال لحاظهما حقيقة فيكون كيفيّة انتزاع الجامع الذاتي الماهوي للنسبة الظرفية الخارجية من خلال لحاظ الطرفين وهما مفهوم الماء والكوز والنسبة الظرفية بينهما بنحو يكون أحدهما ظرفاً للآخر فتلحظ نسبة الظرفية بذلك حقيقة.

وهذا يصلح أن يكون جامعاً ذاتياً لكل ظرفية بين طبيعي الماء والكوز إذا كان الطرفان كلّيين. نعم ، ليست هذه الظرفية نسبة لغير الماء والكوز من المظروفات الاخرى ، إلاّ انّ هذا من جهة عدم استقلاليتها عن الطرفين لا من جهة عدم كونها ذات النسبة الظرفية ولا مشاحة في الاصطلاح ؛ إذ ليس البحث عن مصطلح الجامع الذاتي عند المنطقيين.

وهذا معناه انّ النسبة مفهوم اخطاري ، إلاّ انّ اخطاريتها متوقف على لحاظ طرفيها ومقيدة في الصدق بهما لا محالة ، بخلاف المعاني الاسمية ، وامّا مفهوم الظرفية الاسمي فهو مفهوم عرضي مشير لا غير كمفهوم بعض المبهمات وليس

٩٠

خطور نسبة الظرفية ضمن الماء والكوز في الذهن بمعنى وجود النسبة في الذهن بل بمعنى خطورها كخطور المعاني الاسمية الاخرى غايته خطور بالغير ومتوقف على خطور الطرفين لها ، وإلاّ لا يعقل خطورها ولحاظ حقيقتها وهي خطور للنسبة القائمة بين المفهومين للطرفين في الذهن لا الوجودين الذهنيين للطرفين في الذهن ليتوهم كونها نسبة بالحمل الشائع في الذهن.

وبهذا البيان يظهر الجواب على ما جاء في ص ٢٥٥ فراجع وتأمل.

وأمّا النتيجة التي انتهى اليها السيد الشهيد قدس‌سره في مقام التخلص عن اشكال امتناع وجود نسبة الظرفية أو الاستعلائية أو غيرها في الذهن وبين المفاهيم من كونها نسبة تحليلية فأيضاً غير قابل للقبول لوجدانية انّ الملحوظ في الذهن مفاهيم ثلاثة من طرفين ونسبة الظرفية بينهما وليس مفهوماً واحداً مضيقاً أو مجملاً لا لحاظ لتفاصيله ، وامّا انّ الوجود الذهني لهذه المفاهيم الثلاثة كيف يكون وهل يكون على شكل ثلاثة وجودات وأعراض في عالم النفس أو على شكل وجود وعرض واحد فذاك خارج عن البحث اللغوي ومربوط بحقيقة الوجود الذهني من الناحية الفلسفية كما لا يخفى.

وهكذا يتضح اننا في المعنى الحرفي نسلك مسلك الاخطارية لحقيقتها كسائر المعاني ، إلاّأنّها في نفس الوقت تكون آلية بمعنى أنّه سنخ معنى لا يمكن خطوره في الذهن إلاّمن خلال خطور مفاهيم أطرافه ، بخلاف المعاني الاسمية وتكون في الصدق مقيدة بهما أيضاً ، وهذا هو روح الفرق بينهما لا الايجادية ، فحرف ( في ) مثلاً موضوع لمفهوم النسبة الظرفية لا لوجودها الخارجي أو الذهني غير المعقول ، وهو مفهوم اخطاري إلاّ انّ هذا المفهوم لا يمكن أن يلحظ إلاّ من خلال لحاظ الطرفين ، أمّا مفهوم الظرفية الاسمي فهو مفهوم عرضي يشير

٩١

إلى جامع ذلك المعنى الحرفي النسبي مع قطع النظر عن طرفيه ، ومن هنا يكون اسمياً لا نسبياً ، وإنّما كان عرضياً لأنّه كمفهوم الجزئي ليس مصداقاً لطبيعة نفسه ، فنقصان المعاني الحرفية أو آليتها من حيث انّ اخطارها في الذهن يتوقف على اخطار أطرافها بخلاف المعاني الاسمية وليست هذه تساوق الايجادية أو وجود تلك النسبة بالحمل الشائع في الذهن كما في كلمات الأصحاب في المقام ، فراجع وتأمل.

ص ٢٥١ قوله : ( ٤ ـ وضع الحروف للأعراض النسبية ... ).

الواقع انّ ما يذكره المحقق طبق الوجدان من حيث انّ الحروف وإن كانت معانيها ربطية بالحمل الشايع إلاّأنّها ذات خصائص مختلفة ومتمايزة فيما بينها ، فليست لمطلق الربط بالمعنى الشائع ، فالنسبة الظرفية والنسبة الاستعلائية والابتدائية وهكذا تستفاد من الحروف ، وهذا وجداني ، وحيث لا تقرر ماهوي ولا جامع ذاتي لحاظي للمفاهيم الربطية بالحمل الشائع فهذا التباين المفهومي بين النسب من أين ينشأ؟ فلابد إمّا من القول باختلاف معاني النسب والربط بالحمل الشائع رغم عدم تقرر ماهوي لها ـ وهذا خلاف البرهان المتقدم في حقيقة النسبة ـ أو القول بكونها منتزعة بلحاظ أطراف النسبة التي هي معاني اسمية وهو خلاف الوجدان من استفادتها من دلالة الحروف لا أطرافها ، أو القول بأخذها ولو ضمناً في المعنى الحرفي زائداً على واقع الربط والنسبة الذي لا ماهية ولا جامع ذاتي له ، وهو مطلب المحقق العراقي قدس‌سره. والحاصل : هذا الوجدان يثبت ما اخترناه من انّ المعاني الحرفية النسبية اخطارية في الذهن وليست ايجادية ، فهي تخطر خصوصية النسبة في الذهن لا محالة.

٩٢

الهيئات

ص ٢٦٨ قوله : ( كيف تكون النسبة ناقصة أو تامة؟ ... ).

البحث تارة عن نكتة التمامية والنقصان في النسب التركيبية ، واخرى عن الفرق بين النسب التامة الاسمية والفعلية ، وثالثة عن الفرق بين الخبرية والانشائية ( الخبر والانشاء ) ، ورابعة عن أقسام النسب الناقصة والفروق فيما بينها.

هذه أهم الجهات المبحوثة في الكتاب ، ولكن مع شيء من التشويش والاضطراب.

أمّا البحث الأوّل ـ وهو بحث مهم لم يتعرّض له بشكل مستوعب في كلمات الأصحاب ، فالمستفاد من مجموع الكلمات انّ هناك ثلاث مسالك في توضيح الفرق بين النسب التامة التي يصحّ السكوت عليها والنسب الناقصة التي لا يصح السكوت عليها.

الأوّل ـ ما ذهب إليه السيد الخوئي قدس‌سره من انّ الجملة التامة تدل على قصد الحكاية أي نفس الحكاية والأخبار أو الانشاء وابراز الاعتبار النفساني ، بخلاف النسب الناقصة الدالة على التحصيص.

وقد بناه على مسلكه في الوضع وانّه التعهد وانّ التعهد لابدّ وأن يكون أمراً اختيارياً وهو قصد الاخبار أو الانشاء.

٩٣

ويلاحظ عليه ما ذكره السيد الشهيد :

١ ـ انّ التحصيص إنّما يكون في طول النسبة ولا يعقل من دونها كما ذكرناه في معاني الحروف.

٢ ـ أنّ التحصيص أو النسبة في الجمل الناقصة والحروف أيضاً أمر غير اختياري ، فعلى مسلك التعهد يرد الاشكال فيه أيضاً.

٣ ـ أنّ المدلول التصديقي الاختياري في الجميع واحد وهو قصد الاخطار والذي هو المدلول التصديقي الأوّل ـ أي الاستعمالي ـ وأمّا الأخبار والانشاء فهما مدلولأنّ تصديقيان جديان ، والدال عليهما دائماً الظهورات الحالية السياقية لا الوضع بشهادة صحة الاستعمال في موارد الهزل وعدم الجدّ.

والظاهر أنّ السيد الخوئي إنّما ربط الدلالة في الجمل التامة بالمدلول الجدي والتصديقي الثاني لكي يستطيع أن يفسّر بذلك التمامية والنقصان ؛ لأنّ قصد الاخطار مشترك بين النسب الناقصة والتامة معاً ، فلا يمكن أن يكون مفرّقاً بينهما.

إلاّ انّ هذا الالتجاء واضح الضعف كما عرفت.

بل حتى إذا فرض إمكان التفرقة بينها في الجمل التامة المقصود منها الإخبار أو الانشاء فماذا يقال في موارد ورود الاستفهام على الجملة التامة ، كقولك : ( هل زيد قائم ) أو غير ذلك كقولك : ( أخبرني زيداً أنّ عمراً قائم ) مما لا يكون فيه مدلول جدي ولا قصد الإخبار بازاء النسبة التامة وإنّما القصد الجدي بازاء الاستفهام أو اخبار زيد.

٩٤

مع انّه لا يمكن استعمال الناقصة في موردها مكان النسبة التامة مما يعني ثبوت فرق بينهما مع قطع النظر عن مرحلة المدلول التصديقي الجدي أي قصد الإخبار أو الانشاء ، فلابد من بيان وجه للفرق بينهما على مستوى المدلول التصوري لكل منهما.

الثاني ـ ما نسب إلى المشهور وهو ظاهر عبارات المحقق العراقي قدس‌سره المتعرض لهذا البحث بشيء من العناية ، وحاصله : أنّ الجملة الناقصة تدل على النسبة في ذاتها وفي نفسها ، بينما الجملة التامة تدل على ايقاع النسبة أو انّ الجملة الناقصة تحكي عن النسبة في نفسها بينما الجملة التامة تحكي عن النسبة بلحاظ وجودها.

وفي تعبير آخر عن المشهور : أنّ الجملة التامة تدل على ثبوت النسبة وتحققها أو عدم ثبوتها وعدم تحققها.

والمستفاد من هذه الكلمات أنّ النسبة واحدة في الجملتين ، فمثلاً ( زيد العالم ) و ( زيد عالم ) النسبة واحدة فيهما إلاّ انّه في إحداهما يلحظ ايقاعها أو ثبوتها أو لا ثبوتها ، وفي الاخرى تلحظ بنفسها ، وحيث انّ الايقاع أو الثبوت واللاثبوت يمكن تعلّق التصديق به أو تكون نتيجة مفيدة للسامع فيصح السكوت عليه فتكون تامة ، بخلاف الناقصة.

وهذا التفسير أيضاً غير تام :

أوّلاً : لما سوف يأتي من تغاير النسبتين ذاتاً.

ثانياً : لو كانت النسبة واحدة والاختلاف في لحاظ الثبوت أو الايقاع معها

٩٥

وعدمه لكان اللازم إمكان استعمال إحداهما مكان الاخرى مع اضافة الايقاع أو الثبوت واللاثبوت اليها ، مع انّه ليس كذلك ، بل قد لا يكون لحاظ الايقاع أو الثبوت والتحقق في الجملة التامة الواقعة في سياق الاستفهام أو مدلول تصديقي آخر كما ذكرنا في النقض على السيد الخوئي.

وثالثاً : ـ وهو المهم ـ انّ المقصود من الايقاع أو الثبوت والتحقق إن كان مفهوم ذلك فمن الواضح انّ مفهوم الايقاع أو الثبوت والتحقق غير مفاد بالجملة التامة ، وليس هذا المفهوم إلاّمفهوماً افرادياً آخر اضافته إلى مفاد النسبة لا توجب تغييراً في محتواها ، وإن اريد واقع الثبوت والايقاع فمن الواضح أنّ واقع الثبوت أمر تصديقي خارجي لا يمكن أخذه في معاني الألفاظ ، إذ الألفاظ موضوعة لذوات المعاني مع قطع النظر عن وقوعها في الخارج أو الذهن ، وهذا مسلم لدى الكل.

فهذا التفسير أيضاً لا يبرز فذلكة الفرق بين النسبتين.

الثالث ـ ما ذكره السيد الشهيد الصدر قدس‌سره ، وللسيد الشهيد قدس‌سره تعبيران :

١ ـ انّ الجملة الناقصة مفادها النسبة التحليلية الذهنية ، والجملة التامة مفادها نسبة واقعية موطنها في الذهن ، وبتعبير آخر كل نسبة موطنها عالم الوجود والعين تأتي إلى الذهن على شكل نسبة ناقصة تحليلية غير واقعية لعدم إمكان ذلك في عالم الذهن والمفاهيم ، فالذي يرد دائماً مفهوم افرادي يمكن تحليله إلى طرفين ونسبة وكل نسبة موطنها الذهن لا الخارج ـ كالنسبة التصادقية والانشائيات ، إذ ليس في الخارج نسبة ومنتسبين ولا انشاء ـ فهي نسبة تامة والنسبة الوصفية أيضاً منتزعة طولياً عن عالم الذهن بما هو عين فيكون كانتزاع

٩٦

النسبة عن الخارج تحليلياً.

والنقض بالنسب الناقصة في موارد العطف والاضراب اجيب عليه بأنّ تلك النسب تامة يصح السكوت عليها ولكن مع ملاحظة أطرافها الاخرى من المعطوف والحكم المعطوف بلحاظه.

إلاّ انّ هذا الجواب واضح الدفع لأنّ الموجود هنا هيئة تامة تتألف بين المعطوف والحكم وهي الدالة على النسبة التامة وأداة العطف أو الاضراب الدال على معنى زايد ليس له ما بازاء في الخارج مع انّه ليس تاماً مما يعني انّ مجرد كون النسبة أو الحالة واقعية في الذهن أو موطنها في عالم المفاهيم لا يكون هو مصدر التمامية بل أساساً لا معنى لأن نربط التمامية بحالة واقعية في الذهن فلماذا تكون الواقعية الذهنية موجبةً للتمامية؟ وهل هذا أمر تعبدي؟

هذا مضافاً إلى أنّ النسب التامة لها حكاية عن الخارج وليست حالات ذهنية فقط ، صحيح انّه ليس في الخارج طرفان ونسبة إلاّ انّ تصادق الموضوع والمحمول واتحادهما في الخارج أمر واقعي وليس مجرد نسبة موطنها الذهن كالاضراب والعطف ، فلابد من إبراز الفرق بين الجملة الناقصة والتامة على مستوى المتصوّر والمحكي بالذات مع قطع النظر عن خصوصيات نفس المفهوم وعالم الوجود الذهني ، وهذا واضح ، والبيان المذكور لا يوضح ذلك بوجه أصلاً.

٢ ـ التقريب الثاني ـ ما يستفاد من عبارات السيد الشهيد في ( ص ٢٨٩ ) في بحث الفرق الدقيق بين الخبر والانشاء من انّ النسبة التامة لها ركن ثالث وهو الوعاء والظرف الخارج عن الذهن والذي يلحظ التصادق أو غيره من

٩٧

النسب في ذلك الوعاء وهو وعاء التحقق أو التمني أو الترجي أو الطلب إلى غير ذلك. وهذا يعني انّ حقيقة النسبة المفادة بالجملة التامة هي ملاحظة أطرافها فانية في خارج الذهن بنحو التصادق أو غير ذلك.

وهذا الاتحاد والتصادق وإن كان أمراً واقعياً ثابتاً في الخارج وإلاّ لم تصح الحكاية عنه بالجملة التامّة إلاّ انّه في الخارج ليست نسبة وإنّما تكون نسبة في الذهن حينما نجرّد وننتزع مفهومين عن الذات الخارجية التي لها العلم مثلاً فنقول : ( زيد عالم ) فالنسبة تتشكل بين المفهومين في الذهن ، وهذا بخلاف النسب الناقصة التي تكون في الخارج.

وبتعبير آخر : في موارد الجمل التامة يوجد لحاظ غير موجود في الجملة الناقصة وهو الإشارة بالمفهوم إلى خارج عالم الذهن والتصور امّا للحكاية عنه أو لانشاء شيء فيه ، وهذه الإشارة والفعالية الذهنية بلحاظ ما وراء الذهن غير موجود في النسب الناقصة ، وهذا يغير من حقيقة النسبة ذاتاً وجوهراً من حيث انّ النسب الناقصة كالحروف والهيئات الافرادية مفاهيم مركبة أو محصصة ليس إلاّ ـ سواء قلنا باخطارية النسب الخارجية في الذهن كما هو الصحيح أو ايجاديتها وتحليليتها. وقد تقدم هذا البحث في المعنى الحرفي ـ.

وإن شئت قلت : أنّ كلّ نسبة بين شيئين ينتزع الذهن تصوراً عنها وتكون النسبة قبل التصوّر فهي ناقصة وتحليلية ، أي تأتي إلى الذهن كمفهوم افرادي محصّص لأنّ طرفها منتسب ومتقيّد بتلك النسبة فلا ينتقش في الذهن إلاّ محصّصاً كالجامع المقيّد ضمن الفرد ، وهذا هو معنى التحليلية هنا.

وأمّا النسب التامة فليست مفاهم ولا نسب مفهومية في نفسها وإنّما فعالية ذهنية واشارة بالمفاهيم إلى وعاء خارج الذهن اخباراً أو انشاءً.

٩٨

وإن شئت قلت : انّها نسبة في طول انتزاع الطرفين وتصوّرهما مستقلاًّ ومطلقاً في الذهن ؛ ولهذا لا يتحقّق تحصيص لطرفيها في الذهن ، ومن هنا يكون موطن هذه النسبة في الذهن ، وتكون نسبة واقعية بين مفهومين ؛ لأنّ تصوّر الطرفين قبل النسبة فيستحيل تحصّصهما وخروجهما عن التصوّر المطلق إلى الحصّة ، فكلّما كانت النسبة في طول تصوّر طرفيها كانت واقعية وكان طرفاها مستقلّين مطلقين وكان موطنها الذهن ، وبهذا نستطيع أن نجمع بين البيانين للسيّد الشهيد قدس‌سره ، كما انّه بذلك يندفع النقض على البيان الأوّل بالنسبة الوصفيّة الناقصة والتي لا موطن لها في الخارج وليست منتزعة وجداناً من عالم الذهن ، بل كالنسبة الخبرية منتزعة من الخارج ، وكذلك النقض بالنسبة التامة الواقعة صلة أو وصفاً لموصوف بنحو النسبة الناقصة ، فإنّ هذه الموارد كلّها تكون النسبة فيها قبل التصوّر ، والتصوّر متعلّق بالمنتسب فيكون مفهوماً افرادياً مضيّقاً لا محالة.

وهذا هو التحليل الفني لما قاله المشهور من أنّ النسب التامة ايقاعية أو لوحظ فيه تحقق النسبة وثبوتها أو لا ثبوتها ؛ ولهذا يصحّ السكوت عليها ، كما يمكن التصديق بها ، بخلاف الناقصة فإنّها لا تحكي إلاّمفهوماً افرادياً.

ص ٢٧٢ قوله : ( الجملة الخبرية الفعلية ... ).

ما هو ظاهر العبائر لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ كون النسبة التامة موطنها الذهن لا يستلزم أن نرجعها إلى النسبة التصادقية دائماً ، بل التمامية والنقصان ينشآن من الإشارة بالمفاهيم الذهنية إلى وعاء التحقّق والثبوت خارج عالم الذهن وكيفية افنائها وتطبيقها فيه.

ووعاء التحقق والثبوت أعم من اتحاد شيء مع شيء المعبّر عنه بالنسبة التصادقية أو بثبوت شيء لشيء ، أو تحقق حالة في شيء كما في الماء في

٩٩

الكوز فإنّ الإشارة فيه إلى مظروفية الماء في الكوز وثبوت هذه الهيئة والنسبة الظرفية للماء خارجاً ، لا اتحاد الماء مع ما هو كائن في الكوز ـ كما هو ظاهر الكتاب ـ أو تكون النسبة إشارة إلى تحقق الفعل وصيرورته في الخارج كما في ( ضرب زيد ) فإنّ الإشارة إلى خارج الذهن هنا مركزه ومصبه واقعية الفعل وتحققه وصيرورته لا الاتحاد والتصادق بين شيئين ـ كما هو ظاهر الكتاب ـ.

فالحاصل وعاء خارج الذهن والواقعية التي هي قوام الجمل الخبرية التامة أعم من التصادق بين مفهومين أو تحقق هيئة أو نسبة ناقصة في شيء أو تحقق حركة لمسمّى ، والذي هو المناسب لتحقق الفعل وواقعيته كما في الجمل الفعلية.

كما أنّ الفرق بين ( زيد ضرب ) و ( ضرب زيد ) أنّ الاولى تحكي تحقق حركة الضرب من زيد بينما الثانية تحكي تحقق حركة الضرب في الخارج فاعله زيد ، فمركز الإخبار والإشارة يختلف فيهما.

وبهذا أيضاً يمكن أن يفسر عدم صحة زيد وعمر ضرب بل ضرباً ؛ لأنّ مركز الحكاية إذا كان هو زيد وعمر في الجملة الاولى الاسمية واريد الإخبار والحكاية عن صفة أو حركة لهما فلابد من ملاحظتهما معاً فلابدّ من التثنية في الفعل أيضاً بخلاف ضرب زيد وعمر ... لأنّ مركز الإخبار تحقق حركة الضرب والفعل في الخارج امّا من يكون فاعله وانّه متعدد أو واحد فلا أثر له في الإخبار عن تحقق حركة الفعل وصيرورته في الخارج ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٨٨ قوله : ( ٣ ـ الجمل التامة الانشائية ... ).

لا ينبغي الاشكال في انّ الانشائية والاخبارية إنّما تكون بلحاظ المدلول التام فالمداليل والنسب الناقصة لا تتصف بالانشائية والاخبارية.

١٠٠