أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

استفادته من علامية التبادر للفظ المجرد ؛ إذ عدم التبادر لمعنى محتمل لا يدل على عدم كونه معنىً حقيقياً للفظ ، وإنّما التبادر علامة الحقيقة في الجانب الاثباتي لا أكثر ، كما هو واضح. إذاً فعلامية صحة الحمل فضلاً عن علامية صحة السلب على المجازية أو الخروج عن المعنى الحقيقي مستقلة عن علامية التبادر ، وإن كانت نكتتهما الثبوتية مشتركة ، فتدبر جيداً.

ص ١٧١ قوله : ( الأثر العملي لعلامات الحقيقة ... ).

ويمكن الجواب أيضاً : انّ الظهور اثباتاً ونفياً قد يكون بدوياً بحيث بالرجوع إلى مفردات الكلام وما يتبادر لكل واحد منها من المعنى الحقيقي أي تطبيق علامات الحقيقة عليها يتغير الظهور النهائي المستقر من ذلك الكلام ؛ كما انّه ربما لا يكون ظهور بدواً وإنّما يحصل بعد التأمل والتبادر من اللفظ.

وأمّا الجواب الذي ذكره السيد قدس‌سره فحاصله : انّ فائدة تشخيص المعنى الحقيقي بالتبادر ونحوه احراز الظهور النوعي ؛ لأنّ الأصل تطابق الفهم اللغوي أي الظهور التصوري الشخصي مع الفهم النوعي وبذلك نحرز الظهور النوعي التصوري ومن ثمّ التصديقي الاستعمالي للكلام.

لا يقال : يكفي التطابق بين الظهور التصديقي والاستظهاري الشخصي مع الظهور التصديقي النوعي بلا حاجة إلى التبادر وكون هذا الظهور حقيقياً أو مجازياً.

فإنّه يقال : أصالة التطابق لا يجري بلحاظ الظهور التصديقي ؛ لأنّه قضية خارجية ومتأثرة بالعوامل والقرائن المقامية والحالية والشخصية ، وإنّما مجرى الأصل المذكور الظهور التصوري اللغوي.

٦١

ص ١٧٢ قوله : ( تعارض الأحوال ... ).

هذا بحث مهم ولا يرجع بتمام شقوقه إلى أصالة الظهور ـ كما ذكره المحقّق الخراساني قدس‌سره وتابعه عليه السيّد الخوئي قدس‌سره فلم يتعرّضا له ـ فإنّ أصالة الظهور مربوط بتشخيص المدلول الاستعمالي أو الجدّي عند الشك فيهما لا المدلول الوضعي التصوري ، وبعض موارد الشك والدوران للأحوال المذكورة ترجع إلى المدلول الوضعي وكيفية تشخيصه ـ كما هو مشروح في الكتاب ـ فإذا كان فيها أصل لفظي عقلائي لرفع الشك والترديد في المعنى الموضوع له فهو لا يرجع إلى أصالة الظهور بل أصالة الظهور متفرّع على تشخيص المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ في المرتبة السابقة وهذا واضح ، فلابدّ من تنقيح وتوضيح هذه الاصول اللفظية في كل نوع من أنواع الحالات المتعارضة والتي يمكن تصنيفها إلى ما يلي :

١ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول والمعنى الوضعي.

٢ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الاستعمالي.

٣ ـ الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الجدّي.

وفيما يلي نوضّح كل نوع من هذه الأنواع إجمالاً :

١ ـ أمّا النوع الأوّل : فقد تقدّم في البحث السابق انّ طرق تشخيص المعنى الحقيقي عن المجازي يكون بالرجوع إلى أهل اللغة أو الاستفادة من علامات الحقيقة ، أي التبادر وصحة الحمل والاطراد.

إلاّأنّه قد ذكرنا هناك بأنّ ذلك لا يكفي لدفع احتمال نشوء التبادر عن انس ذهني شخصي ، وقد عالجنا هذا الاشكال بالرجوع إلى أصل لفظي عقلائي

٦٢

سمّيناه بأصالة التطابق بين التبادر والفهم الشخصي من اللفظ مع الفهم النوعي العرفي منه ، وبذلك أثبتنا التبادر أو الظهور اللغوي العام للفظ. وهذا اثبات للمعنى الحقيقي الوضعي بأصل لفظي عقلائي.

ونفس الشيء نحتاجه في موارد الشك في النقل أو الاشتراك عند دوران اللفظ بين أن يكون منقولاً إلى معنى جديد أو باقياً على معناه الأوّل أو مشتركاً بين المعنيين أو مختصّاً بمعناه الأوّل ، والمعروف التمسك في ذلك بأصالة عدم النقل وعدم الاشتراك لنفي كل من الاحتمالين ، وهي أيضاً أصل لفظي عقلائي.

وقد اختلف في حقيقة هذا الأصل اللفظي وملاكه كما اختلف في موارد جريانه فبالنسبة لملاك هذا الأصل ومبناه يظهر من الكتاب أنّ السيد الشهيد قدس‌سره يرجع هذا الأصل إلى الأصل اللفظي السابق ، أي أصالة التطابق بين ذهن الفرد وذهن العرف الذي يعيش فيه ؛ لأنّ احتمال النقل يعني احتمال زوال الظهور النوعي فينفى ذلك بوجدانيّة بقاء الظهور الشخصي الفعلي بمقتضى أصالة التطابق. كما أنّ وجدانيّة ظهور اللفظ في معنى واحد لدى الفرد يقتضي أنّ ذهن العرف والدلالة النوعية كذلك أيضاً ، وهذا مساوق لنفي الاشتراك.

وهذا التحليل مما لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ هذا معناه تطبيق أصالة التطابق بلحاظ طرف السلب وعدم التبادر الشخصي ، وهذا محل اشكال بل منع ، فإنّه في طرف الاثبات أي ما يتبادر إلى ذهن الفرد من اللفظ المجرّد عن القرينة لا منشأ له عادة ـ بعد أن لم تكن الدلالة ذاتية ـ سوى الوضع النوعي العام وأمّا في طرف السلب أي حينما لا يتبادر إلى ذهن الفرد معنى من اللفظ لا يمكن أن يكون ذلك كاشفاً عن عدم تبادر العرف

٦٣

العام أيضاً ؛ إذ قد لا يكون الفرد مطّلعاً على تمام دقائق اللغة وسعة معانيها ، وهذا واضح.

وثانياً ـ انّ ذهن الفرد قد لا يتبادر إليه المعنى المختص أيضاً بل يبقى متردداً بينه وبين المعنى الآخر المحتمل صيرورة اللفظ مشتركاً بينهما ، ففي مثل ذلك لا يمكن اجراء أصالة التطابق ، وكذا في مورد احتمال النقل إذا فرض انّ المعنى الثاني أيضاً صار معنىً حقيقياً للفظ ـ كما في مورد الحقيقة الشرعية ـ ولكن يشك في مهجورية المعنى اللغوي الأوّل ـ الذي هو المراد بالنقل ـ وعدمه فإذا فرض انّ ذهن الفرد لم يكن يتبادر إليه إلاّالمعنى الثاني كان مقتضى أصالة التطابق بينه وبين الذهن العرفي العام اثبات النقل لا نفيه ، وهذا على خلاف أصل عدم النقل.

والتحقيق : انّ ملاك أصالة عدم النقل والاشتراك هو أصالة الثبات وبقاء العلاقات والدلالات اللغوية الوضعية وندرة التبدّل والتحوّل السريع فيها.

وقد صرّح السيد الشهيد قدس‌سره بذلك في بعض الموارد ، وهذه الغلبة معتبرة عند العقلاء ، فما لم يثبت وقوع التغيير في العلقة الوضعية سواء في ذلك زوال العلقة الاولى ومهجوريتها ـ كما في موارد النقل ـ أو توسعتها وتحقق علقة وضعيّة جديدة ـ كما في موارد الاشتراك ـ فالأصل اللفظي العقلائي يقتضي بقاء العلقة الوضعيّة على حالها.

وهذا يعني انّ أصالة عدم النقل والاشتراك ترجع إلى أصالة الثبات في اللغة ، وهي أصل لفظي آخر غير أصالة التطابق بين الظهور الشخصي والنوعي.

وأمّا موارد جريان أصالة عدم النقل أو بتعبير أدق أصالة الثبات في اللغة ، فقد اختلف في ذلك أيضاً ، والاحتمالات المتصورة فيه ثلاثة :

٦٤

١ ـ أن يكون جارياً في خصوص ما إذا لم يعلم بأصل النقل ، وهذا مختار السيد الشهيد قدس‌سره.

٢ ـ أن يكون جارياً في مورد عدم العلم بأصل النقل ، وكذلك في مورد العلم به والشك في تاريخه ، مع العلم بتاريخ صدور النصّ الشرعي الوارد فيه ذلك اللفظ ، فيجري أصل عدم النقل إلى ذلك التاريخ المعلوم ، وهذا مختار المحقّق العراقي قدس‌سره (١).

٣ ـ أن يكون جارياً حتى في موارد الجهل بتاريخ صدور النصّ الشرعي طالما يكون احتمال عدم تحقّق النقل حين صدوره موجوداً.

ومبنى السيد الشهيد قدس‌سره في ارجاع أصل عدم النقل إلى أصالة التطابق يقتضي اختيار الاحتمال الأوّل ؛ لأنّه مع العلم بانثلام التطابق وتحقّق النقل لا معنى لاجراء أصالة التطابق بين ذهن الفرد والذهن العام ، ولكنّك عرفت أنّ أصل عدم النقل لا يرجع إلى ذلك ، بل يرجع إلى أصالة الثبات في العلقة الوضعيّة ، وهذا الأصل اللفظي كما يجري في موارد الشك في أصل النقل وتغيّر العلقة الوضعيّة يجري في موارد العلم بأصله والشك في تاريخه ، فإنّ الثبات وعدم التغيير كلّما كان أكثر وزمانه أطول فهو أقرب إلى تلك الغلبة النوعية.

نعم ، في موارد الجهل بتاريخ صدور النصّ الشرعي وتردّده بين زمان تحقّق النقل أو قبل ذلك خصوصاً إذا كان تاريخ النقل معلوماً ومشخصاً لا انطباق للغلبة المذكورة ؛ لأنّ الشك بحسب الحقيقة هنا في تأخر النص وتقدمه ، لا في ثبات اللغة وعدمه ولو بحسب نظر العرف.

__________________

(١) مقالات الاصول ١ : ١٢٦ ( ط ـ مجمع الفكر الإسلامي ).

٦٥

ونفس الوجوه والاحتمالات تجري في أصالة عدم الاشتراك ؛ لأنّها ترجع إلى أصالة الثبات في اللغة أيضاً ، فلو علم بتحقق الاشتراك وشك في تاريخه جرى فيه البحث المتقدّم.

وربّما يضاف هنا فرض آخر لا تجري فيه أصالة عدم الاشتراك ، وهو ما إذا شك في الاشتراك من أوّل الأمر ـ كما في تشكل اللغة من اجتماع قبائل متعددة واندماجها في لغة واحدة ـ فإنّه هنا لا موضوع لأصالة الثبات ؛ إذ الشك في الاشتراك من أوّل الأمر. نعم ، لو أرجعنا أصالة عدم الاشتراك إلى أصالة التطابق ـ كما هو مبنى السيد الشهيد هنا ـ جرى أصل عدم الاشتراك ؛ لنفي المعنى المحتمل اشتراك اللفظ بينه وبين المعنى الآخر المتيقن ، وهذا أيضاً من الفروق العمليّة بين المبنيين.

٢ ـ وأمّا النوع الثاني : أعني الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الاستعمالي فأهمّها أصالة الحقيقة ، والتي تعني إرادة المتكلم للمعنى الحقيقي كلّما استعمل اللفظ بلا قرينة.

ومبنى هذا الأصل اللفظي الكاشف عن المدلول الاستعمالي ـ وهو مدلول تصديقي ـ يمكن أن يكون الظهور الحالي والطبعي للمتكلم الملتفت في مقام المحاورة ، ويمكن أن يكون مبناه نحو تعهّدٍ وتبانٍ عرفي عام ، فإنّ التعهّد يمكن أن يكون مبنىً للدلالات التصديقية ـ كما تقدّم في بحث الوضع ـ.

وهذا الأصل اللفظي لا يجري في موارد احتمال قرينية شيء محفوف بالكلام ، وأمّا موارد احتمال وجود قرينة لم يلتفت إليها أو حذفت من الكلام فالمشهور جريان أصالة الحقيقة فيها أيضاً.

٦٦

وقد ناقش في ذلك السيد الشهيد قدس‌سره بأنّ مرجع الأصل المذكور إلى كاشفية الظهور المتقدّم بيانه لا الأصل التعبّدي ، فإنّ العقلاء ليست لهم اصول تعبّدية ومع احتمال القرينة لا يحرز الظهور ، فلا تجري أصالة الحقيقة. نعم ، يمكن التمسّك بأصالة عدم الغفلة لنفي احتمال غفلة السامع عن القرينة وبظهور شهادة الراوي السلبية على عدم حذفه للقرينة ؛ لأنّه على خلاف أمانة النقل والشهادة. وتفصيله في محلّه.

ومن جملة الاصول اللفظية من هذا النوع أصالة عدم الاضمار أو الاستخدام ؛ لأنّه أيضاً خلاف الوضع الطبيعي لارجاع الضمير أو لاستعمال الهيئات والجمل ؛ ولعلّهما يرجعان إلى نحو تجوّز في النسبة وفي هيئة ارجاع الضمير في الجملة ، فيرجع الأصل فيهما إلى أصالة الحقيقة أيضاً.

ويمكن ارجاع هذه الاصول في هذه المرحلة إلى أصل لفظي أعم جامع لها ولغيرها وهو أصالة التطابق بين المدلول التصوّري النهائي للكلام وارادة المتكلّم وقصده الاستعمالي في مقام الافهام والمحاورة ، وهذا التطابق نكتته ما تقدّم من الظهور الحالي أو التعهّد ، وقد لا يلزم من عدم التطابق مجازية في الكلام.

هذا في الدوران بين المجاز ، أو قل ما يخالف المدلول النهائي التصوري للكلام وعدمه ، وأمّا إذا علم بالتخلّف ودار الأمر بين المجاز أو الاضمار أو الاستخدام ، أو دوران الأمر بين اعمال ذلك في طرف الموضوع أو المتعلّق أو الحكم ، أي تردّد اعماله بين أكثر من جانب من الكلام ، فإذا فرض ذلك في كلام واحد متصل فالميزان فيه ملاحظة مقتضي الظهورين وتقديم الأقوى على الأضعف منهما ، أو ما يجعله العرف قرينة ـ على ما يأتي تفصيله في بحوث التعارض ـ ومع عدم وجود ذلك يصبح الكلام مجملاً لا محالة ، وإن كان ذلك في

٦٧

كلامين منفصلين فالظهور متحقّق فيهما معاً ، ويكون التعارض بين دليلين وفيه اصول لفظية للجمع العرفي تأتي في بحوث التعارض غير المستقر ، إلاّأنّها لا توجب تغييراً في المدلول الاستعمالي لشيء من الدليلين وإنّما يوجب الكشف عن المراد الجدّي وهو النوع الثالث من الدلالة.

٣ ـ وأمّا النوع الثالث : أي الاصول اللفظية الجارية لتعيين المدلول الجدّي فهي أصالة الجدّ النافية لاحتمال الهزل والتقية ونحوها ، وأصالة العموم والإطلاق بناءً على ما هو الصحيح من عدم لزوم التجوّز من التقييد والتخصيص المتصل ، وإنّما يكون ارادة الخصوص والمقيّد من العام والمطلق عند الدوران بينه وبين عدمه مخالفة لظهور ايجابي أو سلبي سكوتي دال على نفي التخصيص والتقييد ، فمبنى الاصول اللفظية في هذه المرحلة أيضاً إلى الظهور الحالي في الارادة الجدية لما هو الظاهر النهائي للكلام ، وأنّ ما قاله يريده وما لم يقله وسكت عنه لا يريده ـ الظهور الايجابي والسلبي معاً ـ وعند الدوران بين ظهورين في هذه المرحلة أو الدوران بين التجوّز ومخالفة الظهور الاستعمالي وبين مخالفة الظهور الجدّي إذا كان في كلام واحد متصل يقع التزاحم بين مقتضي الظهورين ، فإذا كان أحدهما أقوى من الآخر أو قرينة عليه قدّم في مقام التأثير والاقتضاء وانعقد الظهور النهائي على طبقه ، كما في تقديم الظهور الايجابي على الظهور السلبي السكوتي ـ وإلاّ أصبح الكلام مجملاً. وإذا كان ذلك في كلامين منفصلين فالظهورات متحققة ، ويكون من التعارض ، وقد أشرنا إلى أنّ فيه اصولاً لفظيّة لحلّ التعارض واعمال الجمع العرفي إذا تمّ شيء منها ارتفع التعارض من البين ، وإلاّ كان التعارض مستقراً ، وسيأتي تفصيل ذلك كلّه في بحوث تعارض الأدلّة.

٦٨

الحقيقة الشرعية

ص ١٨١ قوله : ( وقد يطور هذا التقريب بنحو يسلم من الاعتراض ... ).

الظهورات التي تكون موضوع حجّية الظهور لابد وأن ترتبط بباب الدلالة وقصد الافهام للمعنى.

وأمّا الظهور الحالي على قصد أمر تكويني لا ربط له بمدلول الكلام ، فليس مشمولاً لحجية الظهور ، كما لو كان ظاهر حال متكلم عندما يخطب أنّه على صحة جيدة ، أو انّه قد شرب دوائه ، فإنّ هذا الظهور لا يكون حجة من باب حجّية الظهورات الحالية.

والمقام من هذا القبيل ؛ لأنّ قصد الوضع بالاستعمال يعني قصد تحقق أمر تكويني ، وهو حصول الاقتران بنفس الاستعمال في ذهن السامعين والذي هو حقيقة الوضع ، وهذا الظن الناشىء من ظهور الحال ليس مشمولاً لأدلّة حجّية الظهورات ، بل قد لا يوجب الظن بتحقق الاقتران والوضع.

نعم ، لو اريد ظهور استعماله في انّه كلما اطلق اللفظ بلا قرينة يريد افادة ذلك المعنى فقد يكون هذا مشمولاً لحجية الظهورات والدلالات ، إلاّأنّ صغراه ممنوع ، فإنّه لا يوجد ظهور كذلك وإنّما غايته دعوى ظهور استعماله في انّه يريد تحقق الاقتران في ذهن السامعين.

٦٩

الصحيح والأعم

ص ١٨٩ قوله : ( ودعوى : تعسُّر معرفة مفاد القرينة العامة ... ).

ما ذكر من إمكان معرفة مفاد القرينة العامة عن طريق التبادر إن اريد به تبادر المتشرعة فهو لا يقتضي ذلك ؛ إذ لعلّ كثرة استعمال المتشرّعة كان سبباً لذلك ، لا استعمالات الشارع ، وإن اريد به التبادر في زمن الشارع فأنّى لنا إثبات ذلك ، ولو أمكن إحرازه كان دليلاً على الحقيقة الشرعية.

فالحاصل : تبادر المتشرّعة في أزمنتنا لا يكون معلولاً لمفاد القرينة العامة أو لظاهر حال الشارع في استعمالاته ، وإنّما يكون متولداً ومسبّباً عن كثرة الاستعمال ، فلعلّ الشارع قد استعمل اللفظ مجازاً في كل من الصحيح تارة والأعم اخرى ، ومن مجموع ذلك حصل في ذهن المتشرعة ـ ولو باضافة استعمالات المتشرعة أيضاً ـ الاقتران بين اللفظ والمعنى الأعم ؛ لأنّ الاستعمال في الصحيح أيضاً ينفع لايجاد الاقتران بين اللفظ وبين المعنى الأعم كما لا يخفى.

ص ١٩٠ قوله : ( ومنه يعرف انّ التمامية من حيث الاجزاء ... ).

الظاهر انّ مقصود السيّد الخوئي قدس‌سره ليس نفي كون الصحة مفهوماً اضافياً ، وإنّما ينفي كونها منتزعة بالاضافة إلى ترتّب الأثر أو سقوط الأمر أو موافقته ؛ لأنّها كلها حيثيات في طول تعلّق الأمر وترتّب الأثر مع انّ الصحة والتمامية

٧٠

محفوظة قبلها ومأخوذة في متعلّقها أو موضوعها ، فلا يمكن أن تكون هذه الاضافة هي المقوّمة للتمامية والصحة ، وإنّما المقوّم لها الاضافة إلى المركب والعنوان المجموعي الملحوظ في متعلّق الأمر أو موضوع الأثر الشرعي ، فبلحاظ المجموع من الاجزاء والشرائط التي لاحظها الشارع في المركّب الذي شرّعه من عبادة أو معاملة أو غيرهما كالتذكية والتطهير من الخبث وغير ذلك تنتزع التمامية مع قطع النظر عن تعلّق الأمر أو ترتّب الأثر الشرعي عليه وإن كان أخذ ذاك التركيب وايجاده يكون لغرض تعلّق الأمر به في العبادات أو ترتيب أثر عليه في المعاملات ، وهذا مطلب صحيح لا غبار عليه.

ص ١٩١ قوله : ( وأمّا قصد القربة والوجه ... ).

ما ذكر غير تام ، فإنّ البرهان على عدم إمكان أخذ قصد الأمر في متعلق الأمر يرتبط بعالم الثبوت لا الدلالة الاثباتية الاستعمالية ، فيمكن أخذ الصحّة من ناحية قصد الأمر في المسمّى أيضاً ، غاية الأمر البرهان المذكور يكشف عن عدم انبساط الأمر على هذه القيود المفادة بالمسمّى ثبوتاً وجداً مع أخذها في المسمّى استعمالاً ، فلا يصحّ الاشكال في هذه الشروط أيضاً.

ص ١٩٥ قوله : ( الثاني ـ ما حاوله الخراساني قدس‌سره ... ).

وهناك جواب آخر عليه ذكرته مدرسة الميرزا قدس‌سره ، وهو متجه عليه أيضاً ، ولا أدري لماذا حذفه السيد قدس‌سره ، وحاصله : انّه لو اريد وضع الاسم لنفس عنوان الناهي عن الفحشاء والمنكر أو المؤثر للأثر المخصوص فهذا من الواضح انّه مفهوم انتزاعي عرضي لا يحتمل أن يكون هو الموضوع له.

وإن اريد وضعه لما يشار إليه بهذا العنوان والبرهان إلى الجامع الذاتي

٧١

البسيط المؤثر ، فإن اريد الإشارة إلى واقعه العيني الخارجي ، فهو لا يمكن أن يكون المسمّى ؛ إذ الاسم لا يجعل للوجود الخارجي ، وإن اريد الإشارة إلى مفهومه فلا يوجد في الذهن إلاّمفهوم الاجزاء والقيود المركبة وليست هي المسمىّ بحسب الفرض وإلاّ كان تركيبياً ولا يوجد مفهوم آخر في الذهن ليشار به إليه.

نعم ، ربما يوجد مفهوم بسيط كذلك في ذهن المشرع ، إلاّانّه لا يحتمل أن يكون المسمّى مفهوماً لا يعيشه أحد من الناس غير المشرِّع الأقدس ، وهذا واضح.

ص ١٩٦ قوله : ( رابعاً : النقض بالقيود الثانوية ... ).

هذا النقض لا يختصّ بالقبول بالجامع البسيط ، بل يرد على القول بالمركب أيضاً ، كما انّه يجري على القول بالأعم أيضاً ، لأنّ مثل قصد القربة أو عنوان الواجب البدوي قيد ركني لا يتحقق الصلاة أو الصوم ونحوهما بدونه فيلزم محذور عدم امكان وقوعه متعلق الأمر.

وجوابه ما تقدم منّا فلا تغفل. بل بناءً على الجامع البسيط وكون القيود محققات ومحصلات أو علل لذلك الجامع وكون الأمر متعلقاً بذلك الجامع قد يرتفع أصل إشكال الاستحالة في أخذ القيود الثانوية ، لأنّ الاشكال مبتنٍ على أخذها بعناوينها في متعلّق الأمر لا أخذ ما يلازمها كما سيأتي في محلّه.

فهذا الاشكال والنقض لا مجال له أصلاً.

٧٢

ص ٢٠٩ قوله : ( ٤ ـ دعوى تبادر المعنى الأعم. وفيه : لو سلم ... ).

ما ذكر من عدم جريان أصالة عدم النقل في موارد يكون مقتضي النقل مؤكداً محل اشكال ، فإنّه إذا علم أو اطمئن به فلا اشكال ، وإلاّ جرى الأصل العقلائي المذكور وهو كالاصول العقلائية اللفظية ـ كحجّية الظهور ـ ليست مقيدة بعدم الظن والقرينة النوعية على الخلاف ، وإلاّ أشكل اثبات المعاني للألفاظ في زمان الصدور بالتبادر في زماننا. فالتبادر المذكور أيضاً يمكن جعله دليلاً على الوضع للأعم.

ثمّ إنّ القائل بالأعم قد استدلّ أيضاً بما لعلّه المشهور من صحّة نذر ترك العبادة المكروهة كالصلاة في الحمام أو صوم يوم عاشوراء وحصول الحنث إذا فعلها المكلّف رغم فساد عبادته ، ممّا يعني أنّ المسمّى هو الأعم المنطبق على الفاسد لا خصوص الصحيح ، وإلاّ لما تحقّق الحنث ولما صحّ النذر لاشتراط مقدورية المنذور والصحيح غير مقدور بعد النذر ، فيلزم من صحّة النذر عدم صحته ، بل ومن الحنث عدم الحنث ، وكل ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال.

ويجاب على ذلك :

أوّلاً ـ بأنّ هذا لا ربط له بمسمّى أسامي العبادات ، بل حتى على القول بالأعم لا يمكن أن ينذر المكلّف ترك العبادة الصحيحة المكروهة ؛ للزوم نفس المحذور ، فسواء كان المسمّى هو الصحيح أو الأعم لابد وأن يتعلّق النذر بالصحيح من غير ناحية حنث النذر.

٧٣

وثانياً ـ ما يفتي به المشهور حصول الحنث بالاتيان بالعبادة الصحيحة من سائر الجهات لولا النذر ، وهذا لا يناسب مدّعى الأعمى ، بل يناسب القول بالصحيح أيضاً ؛ لأنّه لا يقول بأخذ ما لا يمكن أخذه في المسمّى من القيود الطولية كقصد الأمر ومنها عدم الحرمة من ناحية الحنث في المقام ، فيكون هذا بنفسه قرينة على ارادة الصحيح النسبي لا المطلق.

على أنّ الاستعمال كما أشرنا مراراً أعم من الحقيقة.

ثمّ إنّه قد يورد على صحة هذا النذر فقهياً بوجوه :

١ ـ انّه نذر باطل ؛ لاشتراط رجحان متعلّق النذر والعبادة المكروهة لا رجحان في تركها ، إذ لا حزازة ولا مبغوضية في فعلها ، وإنّما كراهتها بمعنى قلّة ثوابها بالنسبة إلى سائر أفرادها.

والجواب : هذا مبني على اشتراط الرجحان المطلق في صحّة النذر وعدم كفاية الرجحان النسبي ، وأيضاً على عدم معقولية الحزازة والكراهة الحقيقية في العبادات وكلاهما محل بحث لا مجال للدخول فيه الآن. نعم ، لابدّ من فرض عدم ضيق الوقت وعدم تعيّن الصلاة في الحمام عليه ، كما إذا لزم من خروجه للصلاة فوت وقتها ، فإنّه يجب عليه حينئذٍ أن يصلّي فيه وينكشف بذلك بطلان نذره في حقّه ، وهذا خارج عن البحث.

٢ ـ إذا كان متعلّق النذر ما يكون صحيحاً بقطع النظر عن حرمة الحنث فهذا وإن لم يلزم منه محذور عقلي ، إلاّأنّه لا كراهة فيه ، فإنّ ظاهر دليل العبادة المكروهة ثبوتها في العبادة الصحيحة لا الفاسدة ولو كان فسادها

٧٤

من ناحية حرمة الحنث ، وإن كان متعلّق النذر الصحيح الفعلي ومن جميع الجهات فصحته غير معقول ؛ للزوم عدم مقدورية المخالفة ، ويشترط في صحة النذر مقدورية متعلقه فيلزم من صحته عدم صحته ومن الحنث به عدم الحنث ، وهو محال.

والجواب : ما هو شرط في صحة نذر عدم فعل مقدوريته بقطع النظر عن وجوب الوفاء بالنذر امّا ارتفاع المقدورية في طول تعلّق النذر فلا محذور فيه إذا كان المنذور هو الترك ، حيث يكون ببركة صحة هذا النذر المرجوح منتركاً قهراً لا يتمكن منه المكلّف وهذا ليس لغواً ، فهو نظير تحريم الصلاة على الحائض الموجب لعدم تمكنها منها ، وسوف يأتي في بحث النهي عن العبادة انّه لا محذور عقلي ولا عقلائي في ذلك ، بل يكون هذا نظير شرط أو نذر أن لا يبيع المال وقلنا بأنّ ذلك يوجب قصور سلطنته عليه فلا يصحّ منه البيع.

هذا مضافاً إلى ما سيظهر من ثبوت المقدورية في الجملة في المقام.

٣ ـ استحالة صحة نذر ترك العبادة الصحيحة ؛ لأنّه يستلزم اجتماع الأمر والنهي ؛ إذ صحة العبادة فرع تعلّق الأمر بها ، وهو لا يمكن أن يجتمع مع حرمة الحنث المنطبق على نفس العبادة والمتحد معها خارجاً وإن كان عنواناً ثانوياً ، وهذا يعني انّ شمول وجوب الوفاء لهذا النذر محال في نفسه ، لا من ناحية عدم مقدورية المنذور ، بل لاستحالةٍ في نفس الشمول ؛ لأنّ شموله للصحيح مع ثبوت الأمر به محال ، وشموله له من دون أمر به ليس متعلّق النذر ، فيكون جعل وجوب الوفاء لمثل هذا النذر محالاً في نفسه.

وإن شئت قلت : هذا معناه انّ حرمة الحنث تتعلّق بالصلاة غير المحرّمة حتى

٧٥

بشخص هذه الحرمة وهو تهافت في نفسه وتناقض فلا يمكن جعلها ، وإنّما المعقول النهي عمّا يكون غير منهي عنه من ناحية غير شخص هذا النهي وهو معنى الصحيح من سائر الجهات.

وهذا الاشكال يتم في العبادات المكروهة الانحلالية كصوم يوم عاشوراء ؛ لامتناع الأمر الانحلالي بالفرد المحرّم ، وأمّا العبادة التي يكون الأمر بها بدلياً كالفريضة في الحمام فامتناعه مبني على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي فيه أيضاً ، وأمّا على القول بامكانه حتى إذا كان التركيب اتحادياً كالأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام لأنّ الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود لا يسري إلى الفرد المحرم فعندئذٍ لا محذور في تعلّق النذر بترك الصلاة في الحمام من ناحية الاجتماع ؛ إذ لا تهافت بين حرمة الفرد ووجوب الجامع بنحو صرف الوجود ، وبالتالي حصول الامتثال بالفرد المحرّم إذا كان الواجب توصلياً أو كان تعبدياً ولكن تمكن المكلّف من قصد القربة نتيجة جهله بنذره أو نسيانه ـ كما في الصلاة في الدار المغصوبة جهلاً ـ فيتحقّق الحنث عندئذٍ أيضاً مع صحّة الصلاة على القاعدة ، كما إذا كان الواجب توصلياً ، غاية الأمر قد يكون المكلّف معذوراً إذا لم يكن جهله منجّزاً عليه ، وهذا هو ما أشرنا إليه من انّ جعل حرمة الحنث ووجوب الوفاء هنا لا يوجب عدم المقدورية مطلقاً ، بل في الجملة ، أي في حق المتذكّر الملتفت إلى نذره ولا محذور فيه ؛ لكونه في طول تعلّق النهي والحرمة كما أشرنا ، فلا يكون جعل الحرمة لغواً.

ثمّ إنّ هذا المقدار من عدم المقدورية حاصل حتى على القول بتعلّق النذر بالصلاة الصحيحة لولا النذر ، أي لولا الحرمة الناشئة من الحنث ؛ لأنّ الملتفت إلى نذره سوف لا يتأتّى منه قصد القربة ولا تقع منه الصلاة بلا قصد القربة حنثاً ؛

٧٦

لأنّه ليس تمام أجزاء الصلاة الذي تعلّق نذره بتركه. نعم ، لو كان متعلّق نذره ترك الأجزاء غير التامة أيضاً تحقّق الحنث بذلك ، ولكنه من الواضح خروجه عن متعلّق النذر ، وهذا يعني انّ نذر ترك الصلاة الصحيحة بالفعل ومن جميع الجهات أو الصحيحة لولا النذر على نحو واحد من ناحية عدم المقدورية في حال العلم وعدم النسيان ، وإنّما يختلفان في حال الجهل والنسيان للنذر ، حيث يكون الصحيح لولا النذر مقدوراً فيه ، ولكن الصحيح الفعلي لا يكون مقدوراً فيه إلاّ على القول بعدم امتناع اجتماع الأمر والنهي.

ص ٢٠٩ قوله : ( المختار في الصحيح والأعم ... ).

لا شكّ في أنّ المسمّى هو الأعم ، سواء بالبيان الفنّي الذي ذكره السيد الشهيد قدس‌سره بالرجوع إلى بحث الحقيقة الشرعية ، أو بالتبادر ووجدانية صحّة إطلاق أسامي المركبات المذكورة على الفاقد لبعض قيود الصحة ، أو بمراجعة استعمالات الشارع والفقهاء والمتشرعة والتي ما أكثرها في المعنى الأعم ، بحيث لا يحتمل أن يكون كل ذلك من باب المجاز ، حيث يلزم أن تكون استعمالات مجازية بناءً على الاختصاص بالصحيح ، بخلاف العكس ، والمجاز وإن كان واقعاً ولكن لا بهذا الحدّ ، والذي قد يوجب لغوية العلقة الوضعية.

إلاّأنّه كان ينبغي البحث في ذيل هذا المقام عن تحديد المعنى الأعم ، وما يكون مأخوذاً فيه من القيود الثابتة ، فهل هي الأركان لا بشرط من حيث زيادة سائر الأجزاء ـ كما يقول المحقّق القمي والسيد الخوئي ـ أو معظم الأجزاء ـ كما ذكره صاحب الكفاية ـ أو غير ذلك؟

فإنّه يرد على كلا الاحتمالين النقض بصدق الصلاة حتى الصحيحة منها على

٧٧

فاقد بعض الأركان كالصلاة على الميت الفاقدة لأكثرها وهي صلاة في الذهن المتشرعي ، بل وفي استعمالات الشارع قطعاً ، وكذلك صلاة الغريق أو صلاة الخوف والمطاردة ، كما أنّها ليست معظم الأجزاء. ولو فرض أخذ القدر المتيقن اللازم في تمام الموارد من التكبير والدعاء وقصد القربة مثلاً لزم صدق الصلاة على من يأتي بهذا المقدار بعنوان الفريضة وفي حال الاختيار ، مع انّه قد لا يطلق عليه الصلاة حتى عند الأعمى.

ولعلّه لمثل هذا الاشكال ادّعى المحقّق الاصفهاني قدس‌سره أنّه لابدّ على القول بالأعم أيضاً أن نجعل المسمّى هو المعنى المبهم من حيث الشرائط والأجزاء كمّاً وكيفاً ؛ لعدم تعيّن شيء منها.

ولكنك عرفت امتناع الابهام الثبوتي ، والابهام الاثباتي لا يدفع الاشكال.

ويكون حلّ هذا الاشكال بالالتفات إلى ما ذكرناه في تصوير الجامع التركيبي على القول بالصحيح من أخذ القيود المردّدة والمقيّدة بحالاتها الخاصة في الجامع التركيبي الأعم أيضاً بنحو التخيير والعطف بـ ( أو ) مع تقييده بحالته الخاصة ، فأصل قصد الصلاة والدخول فيها أي افتتاحها والذكر والدعاء وقصد القربة قيود مأخوذة حتى على القول بالأعم ؛ لأنّها قوام الصلاة في تمام موارد اطلاقها ، فإنّ من يركع ويسجد ويقرأ بدون قصد الصلاة والدخول فيها لا يطلق عليه أنّه يصلّي حتى عند الأعمى مهما كثرت أعماله ، وأمّا سائر القيود والأجزاء فيكون معظمها أو مقدار منها مأخوذة بنحو اللابشرط من حيث الكمّ والكيف في حال الاختيار أو أن يكون الفاقد لجميعها مقيداً بالحالة الخاصة كالغرق أو الخوف والمطاردة أو على الميت أو غير ذلك ، وبهذا يندفع الايراد المذكور ، والله الهادي للصواب.

٧٨

ص ٢١٢ قوله : ( الجهة الثالثة ... ).

ثمّ انّ هنا بحثاً في الكفاية لا بأس بالتعرض له فإنّه يجزي في التمسك بالإطلاق على القول بالصحيح أيضاً ، وحاصله : انّه بناءً على الوضع للصحيح يلزم أن يختلف الموضوع له شرعاً عن الموضوع له عرفاً ، وهذا خلاف ما يعرف من انّ الشارع في باب المعاملات جرى مجرى العرف وليس له استقلال في الوضع.

وبتوضيح منّا : إن قيل بالوضع لمفهوم الصحيح فهو واضح البطلان لعدم ترادفها مع كلمة الصحيح وإن قيل بالوضع لواقع الصحيح لزم تعدد المعنى لاختلاف واقع الصحيح عند العرف عنه عند الشرع بل عند عرفين أيضاً ، وهو أيضاً خلاف الوجدان.

وأجاب عنه : بأنّه موضوع للسبب المؤثر للأثر الشرعي أو القانوني غاية الأمر يكون الاختلاف بين العرف والشرع في المصداق.

وقد فسّر هذا الكلام بالتخطئة في المصداق نظير الامور الواقعية كما إذا وضع لفظ للدواء المسهل مثلاً فشخص طبيب انّ المادة الفلانية ليست هي المسهلة.

إلاّ أنّ هذا أيضاً واضح البطلان لعدم كون الامور الاعتبارية القانونية في باب المعاملات واقعية ومسألة المصالح والمفاسد والاقتضاءات أيضاً أجنبية عن المسميات القانونية الاعتبارية. هذا مضافاً إلى انّه لو اخذ مفهوم المؤثر فغير محتمل ، ولو اخذ واقعه فمتعدد بحسب الفرض.

ويمكن دفع الاشكال بأنّ الموضوع له هو السبب المؤثر في ترتب الأثر الاعتباري كالمبادلة في الملكية في البيع مثلاً لا بمعنى أخذ مفهوم المؤثر ليلزم المحذور بل بمعنى التمليك أو المبادلة في الملك القانوني.

٧٩

إلاّ انّ الملكية حيث انها اعتبارية فلا محالة يختلف باختلاف القوانين والأنظمة الحقوقية ، ولكنه من تغير المصداق لا مفهوم البيع تماماً كالمفاهيم الاعتبارية كمفهوم الملك نفسه ، فإنّه موضوع للاختصاص الاعتباري القانوني وهو يختلف من قانون إلى آخر فمن يعتبره في مورد يوجد مصداقاً له ، وعندئذٍ يكون ظاهر أخذه في لسان دليل ارادة المحقق لذلك الأثر القانوني بحسب نظر ذلك القانون لا محالة ، مع كون المعنى اللغوي والمفهوم للفظ واحداً عند الجميع ، فتدبر جيداً.

ص ٢١٣ قوله : ( وهذا التقريب وإن كان أحسن حالاً ... ).

ويمكن ذكر تقريب ثالث حاصله : انّ أدلّة الامضاء للمعاملات حيث انها بصدد الامضاء واثبات الحلية الوضعية لها فيكون هذا المقام بنفسه قرينة على ارادة الأعم أو الصحيح عند العرف لا الصحيح الشرعي ، فإنّه لا يناسب هذا المقام ، وهذا مطلب عرفي ، ولعله إليه يرجع كلمات بعض المحققين كالميرزا قدس‌سره فراجعها وتأمل.

وهناك تقريب رابع ذكرناه في بحث المكاسب وجعلناه أحسن التقريبات حاصله : انّه إذا كان مفهوم البيع هو العقد المؤثر في التمليك وانّ ما يعتبره الشارع أو أي قانون وضعي خاص في ترتيب الأثر عليه يرجع إلى ايجاد مصداق الأثر القانوني ولا يرجع إلى المفهوم ، فلا محالة يتم الإطلاق في دليل الامضاء حتى إذا كان اسماً للصحيح ؛ لأنّه لا شك في الاسم والمفهوم ، وإنّما الشك في تحقيق مصداقه من ناحية ترتب الأثر القانوني ودليل الامضاء بنفسه يكون دليلاً على ترتيب الأثر وتحقيق المصداق بحسب الفرض بلسان حلية البيع أو وجوب الوفاء بالعقد. نعم ، لو شك في أخذ خصوصية في مفهوم البيع من غير ناحية

٨٠