أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

الصورة الخامسة : عكس الصورة السابقة كما إذا قال : أكرم العالم وأكرم فقيهاً.

وهنا لابد من حمل المقيّد على بيان التأكيد أو الركنية والأهمية إذا لم يمكن تعدّد المتعلّق لاستحالة تعدد الجعل والارادة مع وحدة المتعلّق فإنّ اكرام كل فقيه واجب بحسب الفرض ضمن المطلق الشمولي ، وإذا كان يمكن تعدّد المتعلّق كما في الأمر بالاكرام فيمكن تقييد متعلّق الأمر بالمقيّد البدلي بفرد آخر من الاكرام غير الواجب الشمولي ، إلاّ انّ مخالفة الظهور فيه قد تكون أشد من حمله على الأهمية أو الركنية ، ومن أمثلته الفقهية ايجاب البقاء في عرفات من الزوال إلى الغروب أو في المشعر من الفجر إلى طلوع الشمس وهو حكم شمولي بمعنى انّ كل آن آن ما بين الحدين يجب فيه البقاء والمكث هناك كما انّ بقاء آنٍ ما بين الحدين أيضاً واجب بدلي مأمور به وهو ركن.

تنبيهات :

١ ـ لا إشكال في وحدة الجعل وحمل المطلق على المقيّد في مثل : إن ظاهرت فأعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة وتعدده مع تعدد السبب مثل : ( إن ظاهرت فأعتق رقبة ) و ( إن أفطرت فأعتق رقبة مؤمنة ). كما انّه عرفت النزاع بين صاحب الكفاية والميرزا فيما إذا كانا مطلقين كما إذا قال أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة فحملهما الميرزا على وحدة الجعل والتقييد بخلاف الكفاية.

وأمّا إذا كان أحدهما مطلقاً والآخر مشروطاً كما إذا ورد أعتق رقبة وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة فقد أفاد الميرزا قدس‌سره انّه لا يمكن حمل المطلق على

٦٨١

المقيد ؛ لأنّ حمله عليه فرع التنافي بينهما المتوقف على احراز وحدة الجعل وهو فرع حمل إطلاق الوجوب في احدهما على الآخر المقيّد فيه الوجوب بالظهار وهو متوقف على ثبوت التنافي بينهما أيضاً المتوقف على وحدة متعلقيهما الناشئة من حمل إطلاق المتعلّق في أحدهما على الآخر وهذا دور.

وكأنّ مقصوده قدس‌سره انّ حمل المتعلق المطلق على المقيّد إنّما يكون إذا كان الأمر بهما معاً مطلقين أو معاً مشروطين بشيء واحد أي لا يكون بينهما تفاوت في الأمر اطلاقاً وتقييداً ليكون جعلاً وحكماً واحداً ، كما انّ حمل الوجوب المطلق على المشروط فرع وحدة متعلقيهما ـ أي الواجبين ـ فلو كانا مختلفين بالاطلاق والتقييد لم يكن وجه لحمل الوجوب المطلق على المشروط ، فيكون حمل المطلق في كل من الناحيتين على المقيّد متوقفاً على الحمل الآخر ، وهذا هو الدور.

وفيه : أوّلاً ـ خطأ المنهج فإنّ الدور لابد من ابطال أحد التوقفين فيه لا التوقف في تحقق الدائر.

وثانياً ـ عدم توقف شيء من الاطلاقين على الآخر لا في الحجّية ولا في السقوط عن الحجّية بل إذا فرض انّ رفع اليد عن كل منهما في نفسه متوقف على احراز وحدة الجعل من دليل آخر ـ كما هو المختار لدى المشهور ـ فلابد من احرازه من الخارج سواءً كان الدليلان من الناحية الاخرى متماثلين أو مختلفين فلا دور كما هو واضح ، وإن فرض انّ وحدة الجعل تحرز من نفس المطلق والمقيد بأحد الوجوه والنكات المتقدمة فلابد أن يلحظ انّ تلك النكات تجري في مورد اختلاف الأمرين من ناحية إطلاق الأمر وتقييده أم لا فإن كانت

٦٨٢

لا تجري كما نحن اخترناه لظهور الدليلين في تعدّد الجعل وعدم المحذور فيه ، فلا وجه للحمل هنا أيضاً ، وإن قيل بامتناع تعدد الأمر بالجامع والحصة بأحد الوجوه المتقدّمة فلابدّ وأن يرى انّ نكتة امتناع الأمر بالجامع وأمر آخر بالحصة هل تجري فيما إذا كان أحد الوجوبين مشروطاً والآخر مطلقاً أم لا ، فإن كانت لا تجري فلا وجه لرفع اليد عن شيء من الاطلاقين ، وإن كانت تجري فلابد من محاسبة تلك النكتة وحدود ما يقتضيه من التنافي والتعارض أو الجمع العرفي ، ولا دور على كلّ حال.

وثالثاً ـ انّ الوجوه المتقدمة للامتناع والتنافي الموجب لحمل المطلق على المقيّد مخصوصة بالاختلاف في الإطلاق والتقييد في المتعلق لا في الأمر والوجوب ؛ إذ لا يلزم من الالتزام بتعدد الأمر أحدهما واجب مطلق والآخر واجب مشروط شيء من تلك المحاذير سواء كان متعلقهما واحداً أو مختلفاً بالاطلاق والتقييد ؛ لأنّ لكل من الوجوبين اقتضاءً زائداً ، امّا الواجب المطلق فلأنّه يقتضي الفعل قبل تحقق الشرط للآخر وامّا الواجب المشروط فلأنّه يقتضي فعل متعلّقه بعد تحقق الشرط ضمن فرد آخر إذا كان قد امتثل الواجب المطلق قبل تحقق الشرط ؛ لأنّ قيود الوجوب المشروط قيود للواجب أيضاً ، بحيث لابد من تحقيقه بعد الشرط إذا كان شرطاً متقدماً أو مقارناً ، وهذا واضح.

فلا وجه لاستظهار وحدة التكليف والوجوب أصلاً ، ومع تعدّد الوجوب لا وجه لحمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ النسبة بين متعلقيهما عموم من وجه ، لسقوط الواجب المطلق بالامتثال قبل تحقق شرط الواجب المشروط ، كما انّ الواجب المشروط ليس فعلياً قبل تحقق الشرط ، فلا يشمل ما يتحقق قبل ذلك لامتثال الواجب المطلق فيكونان من قبيل : ( أكرم عالماً وأكرم هاشمياً ) والذي

٦٨٣

لا اشكال في عدم رفع اليد عن شيء من الاطلاقين فيهما ، وفي مورد اجتماع فعلية الخطابين والوجوبين المطلق والمشروط يمكن أن يكتفى بالمقيد أو يؤتى بالمطلق أوّلاً ثمّ بالمقيّد إذا قيل بامكان اجتماع أمرين كذلك ـ كما هو الصحيح ـ وامّا إذا قيل بامتناعه فيمكن تقييد الواجب الذي متعلقه مطلق بفرد آخر فلابد من عتق رقبتين ، وليس في تقييد المتعلق بفرد آخر في هذا الفرض تقييد ، بل تقيّد بتبع تعدد الأمر والوجوب كما ذكرنا تبعاً للميرزا في بحث تعدد الشرط ووحدة الجزاء.

التنبيه الثاني : أنّ المطلق والمقيّد إذا كانا استحبابيين فتارة يكون لسان القيد لسان التقييد والشرطية أو لسان بيان الشرطية أو المانعية والوضع كما هو المستظهر في المركبات أو فيما إذا كان الأمر بالتقيد أو النهي عنه حيث يكون مقتضى لزوميتها مع استحباب أصل العمل ذلك. فلا إشكال في لزوم حمل المطلق على المقيّد في جميع ذلك.

وأمّا إذا لم يكونا شيئاً من الأقسام السابقة بل كالأمرين الوجوبيين أمر بالمطلق وآخر بالمقيّد فالمشهور هنا عدم حمل المطلق على المقيّد سواء كانا بدليين أو شموليين كان القيد في المتعلق أو في الأمر نفسه وإنّما يلتزمون في ذلك بحمل المقيّد على الأفضلية كما إذا قال ( زر الحسين عليه‌السلام ) و ( زر الحسين يوم عرفة ).

وقد وجّه ذلك في كلمات صاحب الكفاية قدس‌سره بأنّ غلبة كون المستحبات ذات مراتب ودرجات متفاوتة في الفضيلة يوجب عدم حمل المطلق على المقيّد.

وهذا التوجيه يصحّ بناءً على مسلك المشهور المنصور من أنّ حمل المطلق

٦٨٤

على المقيّد يحتاج إلى احراز وحدة الجعل والارادة في مورد المطلق والمقيّد فإنّ هذه الغلبة قد تمنع عن استظهار الوحدة من قرينة لفظية أو لبية فيلتزم بتعدد الجعل والارادة الاستحبابية وهو يقتضي التأكد في المقيّد لا محالة ، وأمّا بناءً على مسلك الميرزا قدس‌سره الذي يرى إمكان احراز وحدة الجعل من نفس المطلق والمقيّد فلا يتمّ هذا الجواب كما هو ظاهر.

ومن هنا تصدى الميرزا قدس‌سره لبيان توجيه آخر حاصله : انّ عدم حمل المطلق على المقيّد في المستحبات إنّما هو من جهة عدم التنافي بينهما ، لأنّ التنافي والتعارض بينهما كان بلحاظ المدلول الالتزامي للأمر بالجامع بنحو صرف الوجود الدال على جواز ترك الحصة وهو منافٍ مع ايجابها تعييناً ضمن المقيّد ، ومن الواضح انّ هذا التنافي غير موجود في موارد الأمر الاستحبابي بالمقيّد حتى إذا كان الأمر بالمطلق وجوبياً ، فضلاً عمّا إذا كان استحبابياً أيضاً ، فلا وجه لحمل المطلق عليه. وهذا الكلام نظير ما ذكره الميرزا قدس‌سره في مبحث الاجتماع من عدم الامتناع في اجتماع الأمر مع النهي الكراهتي.

إلاّ انّ هذا التوجيه إنّما يتم بناءً على الوجه الأوّل من الوجوه المتقدّمة لحمل المطلق على المقيّد البدليين الوجوبيين. وأمّا بناءً على سائر الوجوه المذكورة هناك أي بناءً على وجود محذور ثبوتي في الأمر بالجامع بنحو صرف الوجود والأمر بالحصة منه من اجتماع المثلين أو اللغوية ، فلا فرق بين الأوامر الوجوبية أو الاستحبابية بالمقيّد كما هو واضح. ومنه يظهر الاشكال فيما استند إليه في المحاضرات حيث استند إلى هذا التوجيه في المقام مع انّه كان قد بيّن المحذور في البحث المتقدم بنحو ثبوتي فراجع كلامه وتأمل. وهذا بنفسه دليل وجداني ومنبّه آخر على بطلان تلك المحاذير الثبوتية المزعومة في نفسها.

٦٨٥

المجمل والمبيّن

ص ٤٤٤ قوله : ( المجمل والمبيّن ... ).

المراد بالمبيّن ما يكون معناه مبيّناً عند العرف وأصل اللغة ويقابله الجمل كذلك كالمشترك اللفظي أو موارد اجمال المراد ولو بالعرض حتى عند العرف ، وهذا أمر واقعي وليس اضافياً كما توهمه صاحب الكفاية قدس‌سره.

نعم ، قد يقع الاختلاف في تشخيصه وقد تقدّم في بحث سابق الإشارة إلى انّ ما هو الحجة إنّما هو الظهور النوعي ، وامّا الظهور والفهم الشخصي الذي هو أمر اضافي نسبي فهو كاشف وأمارة على الظهور النوعي. وعلى كل حال لا مجال للبحث عن الألفاظ المجملة والمبيّنة فإنّ ذلك وظيفة اللغوي لا الاصولي وإنّما البحث الاصولي ينبغي أن يكون عن موازين رفع الإجمال في الدليل المجمل بالدليل المبيّن فنقول :

تارة : يكون الاجمال عند الإنسان نفسه أي في الظهور الشخصي لا النوعي كما إذا لم يعرف الإنسان ما هو ظاهر اللفظ وما هو معناه عند اللغة أو العرف ، وهذا الاجمال يرتفع بالرجوع إلى أهل اللغة والعرف واستخدام العلامات المقرّرة لتشخيص ما هو المعنى العرفي للفظ لكي يرتفع الاجمال الشخصي لديه. وهذا خارج عن محل البحث.

واخرى : يكون الاجمال في الظهور النوعي ، وهو كما قسّمه في الكتاب

٦٨٦

تارة : يكون اجمالاً بالذات كالمشترك المستعمل بلا قرينة فيتردد اللفظ بين أحد معنيين أو أكثر أو اللفظ المستعمل مع القرينة المردّدة بين معنيين أو أكثر.

واخرى : يكون اجمالاً بالعرض أي علم بعدم ارادة المعنى الحقيقي جداً وتردد ما هو المراد الجدّي بعد عدم ارادة المعنى الأولي المبين كما في موارد التخصيص ونحوه ، وفيما يلي نبحث عن القسمين.

١ ـ امّا المجمل بالذات كما في موارد اشتراك اللفظ بنفسه أو لاجمال القرينة المتصلة بين معنيين فيمكن رفع الاجمال فيه امّا مطلقاً أو بمقدارٍ ما في احدى حالتين :

الحالة الاولى ـ أن يكون في قبال المجمل دليل مبيّن بالذات يراد رفع اجمال المجمل به.

الحالة الثانية ـ أن يكون في قبال المجمل دليل آخر مجمل أيضاً ولكن يكون بعض تقديرات المعنى في أحدهما مطابقاً مع بعض التقديرات في الآخر.

الحالة الاولى ـ وتحته صور عديدة :

الصورة الاولى : أن يكون المجمل دالاًّ على الجامع والمشترك بين فردين يراد تعيين أحدهما ، كما إذا دلّ دليل على انّ صلاة الليل مطلوبة ، أو ورد : ( اغتسل للجمعة والجماعة ) وعلم ولو بقرينة وحدة السياق استعمال الأمر في جامع الطلب للعلم بعدم وجوب الغسل للجماعة ولكن شك في وجوب غسل الجمعة أو استحبابه ، فإنّه في مثل ذلك يرفع الإجمال إذا دلّ دليل على نفي أحد الفردين ، كما إذا دلّ على عدم وجوب صلاة الليل أو غسل الجمعة وجواز

٦٨٧

تركه ، وهذه الصورة بالدقة لا ينطبق عليه عنوان الإجمال ؛ لأنّ ما هو المعنى والمراد من اللفظ مبيّن وهو الجامع فلا اجمال فيه ، وإنّما الإجمال في الخصوصية الزائدة عليه ، وهذا لا يفرّق فيه بين كون المبيّن متصلاً بالمجمل بهذا المعنى أو منفصلاً عنه.

الصورة الثانية : أن يكون المجمل مردداً بين معنيين بينهما أقل وأكثر ويوجد في قباله دليل عام أو مطلق ينفي مدلول الدليل المجمل بتمامه أو في خصوص المقدار الزائد. وهنا يمكن رفع الاجمال وتعيين المعنى الأقل المتيقن والرجوع في الأكثر إلى حكم الدليل المبيّن إذا كان منفصلاً لا متصلاً وإلاّ ابتلى ذلك الدليل بالاجمال أيضاً لصلاحية المجمل للقرينيّة عليه ؛ وقد تقدم مفصلاً شرحه في بحث التخصيص المجمل الدائر بين الأقل والأكثر.

الصورة الثالثة : نفس الصورة مع فرض الاجمال والدوران بين معنيين متباينين كما إذا قال : لا تكرم زيداً وتردد بين زيدين وكان أحد المعنيين خارجاً عن مدلول العام أو المطلق المبيّن كما إذا كان أحد الزيدين عالماً دون الآخر وورد أكرم العالم ، فعلى تقدير الانفصال يمكن رفع الاجمال وتعيين المجمل في زيد الخارج عن مدلول العام أو المطلق لأنّ عموم العام حجة ما لم يثبت المخصّص فيؤخذ به ، ولازمه كون المراد بزيد الفرد الخارج عن العموم ولوازم الظهورات حجة بلا كلام.

نعم ، على تقدير الاتصال بين الدليلين يكون المجمل صالحاً للقرينية ، فيؤدّي إلى اجمال العام أو المطلق ، فهذه الصورة كالسابقة مخصوصة بفرض الانفصال.

٦٨٨

الصورة الرابعة : نفس الصورة مع فرض أنّ كلا المعنيين داخلان في العام فيدخل في اجمال المخصّص للعام ودورانه بين المتباينين ، وقد تقدم امكان رفع الاجمال فيه نسبياً ، وذلك بالتمسك بالعموم في غير المعلوم بالاجمال خروجه على اجماله فيثبت الحجة الاجمالية على الالزام إذا كان حكم العام الزامياً ، وهذا تقدّم انّه لا يفرق فيه بين صورتي الاتصال أو الانفصال.

الصورة الخامسة : أن يكون المجمل مردداً بين معنيين في استعمال أحد الدليلين ، ويرد في الدليل الآخر استعمال نفس اللفظ في أحدهما تعييناً ومبيناً فيراد رفع اجمال الاستعمال الأوّل وحمله على ارادة ما يتناسب مع الثاني ، ومثاله من الفقه ما ورد من انّ الكرّ ستمائة رطل. والرطل له اطلاقان واستعمالان : أحدهما الرطل المكي ، والآخر الرطل العراقي الذي هو نصف الرطل المكي ، فيكون الرطل في المثال مجملاً مردداً بين المعنيين للرطل ، فلو ورد في رواية اخرى انّ الكرّ ألف ومائتا رطل بالعراقي أمكن رفع اجمال الأوّل وحمله على ارادة المكي بقرينة الثاني.

ولا إشكال هنا في رفع الإجمال ، سواءً كانت الجهة قطعية في المجمل أم ظنيّة كما بيّن في الكتاب ؛ كما أنّه لو فرض عدم إمكان رفع الإجمال وتعيين ما يراد جداً من المجمل في المكي كانت النتيجة نفس النتيجة ؛ لعدم حجّية المجمل لكي يمكن أن يكون معارضاً مع المبيّن فيكون المبيّن حجة بلا محذور.

الحالة الثانية ـ أن يكون الدليلان معاً مجملين بالذات ، ولكن بعض محتملات كل منهما مطابق مع بعض محتملات الآخر كما في نفس المثال

٦٨٩

المتقدم في الصورة الأخيرة من الحالة السابقة إذا فرض عدم وجود ما يدلّ على ارادة الرطل بالعراقي في الدليل الثاني فإنّه عندئذٍ لو اريد من الرطل في دليل الستمائة المكي واريد منه في دليل الألف ومئتين العراقي ارتفع الاجمال من البين لا محالة.

وهذا يمكن بالطريقين المبينين في الكتاب ؛ والأوّل منهما واضح ، والثاني منهما بحاجة إلى شرح يظهر بمراجعة ما في الهامش ، فإنّه كل من الدليلين على هذا التقدير له مدلول التزامي على تمام تقاديره ، فالدال على الستمائة يدل على أن الكرّ ليس بأكثر من ستمائة رطل مكي ـ لكونه أكثر من العراقي ـ والدالّ على الألف والمئتين يدلّ على انّه ليس بأقل من ألف ومئتين بالعراقي ـ لكونه أقلّ من المكي ـ وثبوت هاتين الحقيقتين والمدلولين الثابت كل منهما في دليله على كل تقدير ممكن ثبوتاً كما إذا كان المراد من دليل الستمائة رطل المكي ومن دليل الألف والمائة رطل العراقي.

وإن شئت قلت : الإجمال في المدلولين المطابقيين دون الالتزاميين كما انهما مفادان ومدلولان فعليان لا انتزاعيان من أحد التقديرين في ذلك الدليل ليتوقف جريان أصالة الجد والحجّية فيه على احراز ذلك المعنى وعدم سقوطه بالمعارضة ، كما انّ احتمال معارضة المدلول المطابقي لأحدهما على أحد التقديرين للمدلول الالتزامي من الآخر غير ضائر بحجتيه ؛ لأنّه من احتمال المعارض لا احرازه ، وهو لا يضرّ بالحجية ما لم يحرز.

وهناك نكات تفيد في هذا البحث ذكرناها في بحوث التعارض عند البحث

٦٩٠

عن قاعدة أنّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح (١).

٢ ـ وامّا المجمل بالعرض فهو كما في الكتاب يمكن رفع الاجمال فيه بأحد أنحاء ستة من الظهور الأولي الانحلالي للمجمل ، والظهور الثانوي الطولي ، والظهور الشخصي للدليل المصادم والظهور النوعي كذلك والدلالة الالتزامية للدليل الهادم إذا كانت جهة المجمل قطعية ، والدلالة الالتزامية كذلك إذا كانت جهة المجمل ظنية أيضاً.

ولكن في صحة القسمين الأخيرين مع فرض عدم القرينة ولا الظهور الطولي للدليل المجمل نظراً واسعاً ، فإنّ مجرّد كون المجمل يحتمل فيه ثبوتاً ارادة معنى آخر لا دلالة عليه من اللفظ أصلاً لا يكفي لحمل الكلام عليه وإلاّ لصحّ بعض الجموع التبرعية كما في مثل ثمن العذرة سحت ولا بأس ببيع العذرة مع وجود قدر متيقن لكل منهما ، ومجرد كون الدليل الهادم صريحاً وأقوى من ظهور الدليل المهدوم لا يكفي لرفع التعارض إذا لم تفرض قرينية شخصية أو نوعية على تعيين المراد أو ظهور طولي في الدليل المهدوم.

وبعبارة اخرى : مجرد وجود مدلول التزامي للدليل المهدوم بحيث يمكن حمله عليه لا يكفي لرفع التعارض عرفاً وإنّما الذي يرفع التعارض وجود مدلول عرفي للدليل المهدوم امّا بنفسه كما في الموردين الأولين أو بتوسط الدليل الهادم كما في الموردين الثالث والرابع ، وأمّا مع انتفاؤهما معاً فالنسبة بين الدليلين عرفاً هو التعارض والتساقط ولو فرض أقوائية أحد المتعارضين عن

__________________

(١) في التعليق على ص ٢٢٨ من الجزء السابع ، راجع الجزء الثالث : ص ٤٢١.

٦٩١

الآخر ، نعم لو كان كل دلالة أقوى حجة في قبال الأضعف مطلقاً ولو أدّى إلى رفع اليد عن ظهور الأضعف بشرط أن لا يلزم لغوية الأضعف صحّ ما ذكر ولكن يلزم منه قبول الجمع التبرعي المشار إليه لأنّ دلالة كل من الدليلين بلحاظ المتيقن من مفاده أقوى بحسب الفرض من إطلاق الآخر فلابد من العمل به ورفع اليد عن إطلاق الآخر حيث لا يلزم منه لغوية الدليل الآخر. نعم في القسم الخامس إذا فرض الاتصال وفرض أقوائية الدليل الهادم في نفي الوجوب يحصل له مدلول التزامي نتيجة القطع بوجود مدلول جدي للأمر بصلاة الليل في ارادة الاستحباب.

وتفصيل هذا البحث يأتي أيضاً في بحوث التعارض عند التعرّض لقاعدة انّ الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

* * *

٦٩٢

المحتويات

تعليقات على الجزء الأول

البحوث اللفظية التحليلية

تمهيد ..................................................................... ١٣

الدلالة اللفظيّة ............................................................. ٢٣

نظرية الاستعمال ........................................................... ٤١

علامات الحقيقة والمجاز ..................................................... ٥٩

الحقيقة الشرعية ........................................................... ٦٩

الصحيح والأعم ........................................................... ٧٠

الحروف .................................................................. ٨٦

الهيئات ................................................................... ٩٣

المشتق .................................................................. ١٢٦

تعليقات على الجزء الثاني

بحوث الأوامر

دلالات مادّة الأمر ....................................................... ١٢٩

دلالات صيغة الأمر ...................................................... ١٤٩

٦٩٣

الاجزاء ................................................................. ٢٠١

مقدّمة الواجب ........................................................... ٢٣٨

مبحث الضد ............................................................ ٢٩٦

حالات خاصّة للأمر ...................................................... ٣٣٠

كيفيّات تعلّق الأمر ....................................................... ٣٣٤

تعليقات على الجزء الثالث

بحوث النواهي

دلالات صيغة النهي ...................................................... ٣٥٥

اجتماع الأمر والنهي ..................................................... ٣٥٩

اقتضاء النهي للفساد ...................................................... ٤٤٢

المفاهيم ................................................................. ٤٦٣

العام والخاص ............................................................ ٥٣٧

المطلق والمقيّد ............................................................ ٦٤٧

المجمل والمبيّن ............................................................. ٦٨٦

٦٩٤