أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

إطلاق المفهوم ولا يلزم من تخصيصه بالمفهوم الغاء العنوان الذي اخذ في العام كما لا يخفى.

ومثال آخر : ( إذا خفى الأذان وجب القصر ) ، مفهومه لا قصر قبل خفاء الأذان وهو معارض مع إطلاق يجب القصر عند خفاء الجدران سواء خفي الأذان أو لم يخف حيث يكون تقييد إطلاق كل من المنطوقين بالواو كتقييد إطلاق كل من المفهومين بأو ـ على ما تقدم مفصلاً ـ ولا مرجح لأحدهما على الآخر ، إذا كانا معاً بالاطلاق ومقدمات الحكمة سواءً كانا متصلين أو منفصلين ، وإذا كان العام بالوضع فمع الاتصال يرفع موضوع الإطلاق ومقدمات الحكمة ومع الانفصال يتقدم العموم بأحد وجوه ثلاثة أصحّها ثالثها كما في الكتاب ، ما لم تفرض نكتة خاصة تقتضي العكس كلزوم الغاء العنوان المأخوذ في المنطوق أو كون الدليل صريحاً في المفهوم أو ظاهراً بظهور حالي أقوى من الظهور في ارادة العموم ، رغم كون الأوّل بالاطلاق والثاني بالوضع ، فإنّ هذا أيضاً معقول.

إلاّ انّ الوجدان يشهد بتقدم العموم على إطلاق المفهوم حتى إذا كان بمقدمات الحكمة ، لأنّه في صورة الاتصال العرف يجعل العموم قرينة على عدم الإطلاق في المفهوم بشهادة الوجدان فلو قال : إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفيت الجدران فقصر في خطاب واحد العرف يفهم من ذلك كفاية كل واحد منهما في التقصير ، وكذلك إذا قال : ( أكرم العالم إذا كان عادلاً ) و ( أكرم كل من يخدم الناس ) ، ولعلّ نكتة ذلك ضعف الدلالة الاطلاقية المثبتة للمفهوم بالنسبة للإطلاق في المنطوق المعارض معه ، ومعه يكون العام على تقدير انفصاله أيضاً مقدماً بالقانون العام الذي ذكره الميرزا قدس‌سره ، أو بالأقوائية والأظهرية. والله العالم.

٦٤١

وأمّا مثال المعارضة مع أصل المفهوم ( أكرم العالم إذا لم يكن فاسقاً ) و ( أكرم كل العلماء ) فيمكن أن يناقش فيما أفاده السيد قدس‌سره في الوجه الثالث والرابع.

أمّا ما أفاده في ردّ الوجه الثالث من أنّ إطلاق التعليق أيضاً ينتج التوسعة كالعام فيمكن أن يناقش فيه بأنّ مفاد الاطلاقات ومقدمات الحكمة وإن كان إطلاق التعليق وعمومه لكل وجوب اكرام إلاّ انّ نتيجته انتفاء طبيعي وجوب الاكرام عن العالم الفاسق ، وهذا بحسب الموضوع أخص فهو نظير ما إذا قال : لا يجب اكرام العالم الفاسق الظاهر في نفي طبيعي الوجوب.

والجواب : أنّ نتيجة الإطلاق بحسب الحقيقة مدلول التزامي فلا يكفي أخصيته من عموم العام كما في سائر موارد المداليل الالتزامية وإنّما اللازم أن يكون مفاد الإطلاق اثبات الخصوصية كاثبات الطلب الوجوبي بالاطلاق أو اثبات زيد الفقيه بالانصراف أو اثبات الاختصاص بنحو الملكية باطلاق اللام الموضوع للاختصاص والإطلاق المثبت للمفهوم هو إطلاق التعليق والتوقف الشامل لكل وجوب لاكرام العالم وهو كاطلاق العام كلاهما من سنخ واحد ، وهذا واضح.

نعم ، بناءً على دعوى انصراف الشرطية إلى العلية التامة الانحصارية لكونها أكمل أفراد العلية يكون المقام صغرى لتلك الكبرى ولكنه تقريب غير تام على ما تقدم ، وهذا هو روح مقصود السيد الشهيد قدس‌سره.

ثمّ انّه يمكن المناقشة في الوجه الثاني بمنع الصغرى أيضاً لأنّ الإطلاق المثبت للمفهوم إطلاق في التعليق لا في الحكم المعلّق بل على مبنى الميرزا إطلاق الشرط المقابل للتقييد بأو فالمناقشة صغروية أيضاً.

٦٤٢

وأمّا الرابع فيرد عليه أوّلاً : النقض المذكور في الهامش ، وثانياً بالحل وحاصله : انّ ما تقدم في نكتة المفهوم للشرطية لم يكن الإطلاق في الحكم بمعنى مطلق الوجود والحصص للحكم وإلاّ كان ثبوت المفهوم يكفي فيه الركن الأوّل وهو الإطلاق بهذا المعنى بلا حاجة إلى الركن الثاني وهو التعليق والتوقف والحكومة والنظر فرع هذا النحو من الإطلاق وهو ممنوع وإنّما الإطلاق في الحكم المعلّق كان بمعنى ذات الطبيعة للحكم كالوجوب مع قطع النظر عن خصوصية مطلق الوجود أو صرف الوجود على ما تقدم شرحه مفصلاً فلا نكتة للحكومة.

هذا مضافاً إلى النقض أيضاً بالعام غير المشتمل على الحكم بل على نفيه كما إذا قال : ( لا يجب اكرام العالم ) ، وقال : ( إنّما لا يجب اكرام العالم إذا كان فاسقاً ) ، ومفهومه يجب اكرامه إذا كان عادلاً.

نعم ، يمكن تقريب مرام الاستاذ قدس‌سره في المقام بنحو آخر حاصله : انّ التعليق إذا كان وارداً على نفس العنوان الذي ورد في العام كما في الأمثلة المتقدمة كان ظاهره النظر إلى نفس الحكم المفاد بالدليل العام فيكون مفسراً وشارحاً له ومفصلاً له إلى المنطوق والمفهوم ، وهو نكتة الحكومة وملاكها فيتقدم عليه ، ولهذا لو كان متصلاً به لمنع عن انعقاد العموم فيه ، وهذه النكتة صحيحة إلاّأنّها لا تجدي في تقديم المفهوم إذا كان العنوان الوارد في العام مغايراً مع العنوان الواقع موضوعاً للتعليق والمفهوم وإن كان عموم العام مستلزماً لالغاء المفهوم رأساً كما إذا قال : ( أكرم كل ذي صنعة أو علم ) ، وقال : ( إنّما يجب اكرام الفقيه إذا كان عادلاً ) فإنّ مفهومه وهو عدم وجوب اكرام الفقيه الفاسق مقدم بلا اشكال

٦٤٣

على عموم العام رغم عدم النظر بملاك النكتة المذكورة ، بل هذا النظر لو فرض وجوده تقيد العام بالقيد ولو لم يكن للجملة مفهوم لأنّ الجعل الواحد لا يتحمل إلاّ موضوعاً واحداً.

اللهم إلاّأن يقال بأنّ نكتة هذا النظر والتفسير هو التفصيل الحاصل بنفس المفهوم ، كما انّه لا يلزم أن يكون الحكم المفصَّل ـ بالفتح ـ نفس العنوان الواقع في العام من تمام الجهات ، بل يكفي أن يكون من اطلاقاته وحصصه فلا يرد كلا النقيضين.

وهذا بحسب الروح يرجع إلى تتميم الوجه الأوّل من الوجوه الأربعة حيث انّ أدوات المفهوم بنفسها من أدوات التفصيل والتفسير والقرينية على الحكم المفصَّل ، فيكون إطلاق ما يستفاد منها مقدماً على عموم العام لأنّ إطلاق المقيد حاكم على إطلاق المقيَّيد.

قد يقال : انّ هذا بحسب الحقيقة لا يرجع إلى تقديم المفهوم بل إلى تقديم دليل التقييد ولو لم يكن للجملة مفهوم ، أي انّ هذا من شؤون قاعدة احترازية القيود بحسب الحقيقة لا من شؤون المفهوم ، وامّا المفهوم كمفهوم فلا وجه لتقديمه على العام ولو كانت نتيجته أخصّ منه ؛ لأنّه لازم إطلاق في التعليق ، اللهم إلاّأن يدعى كفاية الأخصية بهذا المقدار في القرينية.

ولكن يقال في جوابه : انّه إذا لم تكن للجملة مفهوم لا يتم الظهور في التفصيل والتفسير ، فالتقديم بهذا الملاك متوقف على المفهوم ، وامّا قاعدة احترازية القيود فهي لا توجب التقييد إلاّمع احراز وحدة الحكم والجعل في الجملتين.

٦٤٤

ص ٣٩٤ قوله : ( فصل : تعقب الاستثناء لجمل متعددة ... ).

لابدّ من تقديم امور :

١ ـ إمكان رجوع الاستثناء إلى الكل في الاستثناء الاسمي والحرفي إمّا أن يكون باستعماله في اخراج واحد وتوحيد الموضوعات المتعددة في عنوان واحد اعتباري أو باعتبار انّ الاخراج نسبة واقعية ذهنية فتتعدد بتعدد نفس الأطراف أو لمعقولية ذلك حتى في النسب الخارجية كقولك : أكرم زيداً واضرب عمرواً في الدار ، أو جئني بماء وعسل في الكوز ، اللهم إلاّأن يرجع ذلك إلى التوحيد بين الماء والعسل في عنوان اعتباري يكون هو في الكوز أو أخذ الظرف قيداً لمقدر.

٢ ـ انّ الاستثناء ليس اخراجاً من الموضوع بل هو اخراج من الحكم أو النسبة الحكمية.

٣ ـ لا إشكال في رجوع الاستثناء المتعقّب للجمل إلى الأخيرة منها ، وإنّما الكلام في الرجوع إلى غيرها لمحذور ثبوتي أو اثباتي ، ولو فرض الاجمال يجمل العموم لا محالة.

وعلى ضوء هذه المقدمات نقول :

ذهب صاحب الكفاية إلى الاجمال وذهبت مدرسة الميرزا قدس‌سره إلى التفصيل بين تكرار الموضوع والمحمول في كل جملة بنحو مستقل عن الجملة الاخرى سواء كان الحكم واحداً أو متعدداً ، وسواء كان الموضوع واحداً أو متعدداً في العنوان رجع إلى الأخيرة وإلاّ بأن كان أحدهما بالضمير أو بلا تكرار أصلاً رجع إلى الجميع. وقد تصدّى السيد الاستاذ قدس‌سره لتخريج هذا المبنى بنكات ثبوتية وذكر في المحاضرات نكتة اثباتية حاصلها أنّ نفس تكرر الجملة تامة قرينة

٦٤٥

عرفاً على الرجوع اليها بالخصوص وإلاّ لم يكررها.

وفيه : أوّلاً ـ انّه لا يتم فيما إذا كانت الجملة الأخيرة مغايرة محمولاً وموضوعاً مع الجمل الاخرى كما إذا قال : ( أكرم العلماء وتصدق على الفقراء إلاّالفساق ).

وثانياً ـ مجرد تكرار المحمول والموضوع لا يمنع عن رجوع الاستثناء إلى الجميع ولا يدلّ إلاّعلى اهتمامه وتأكيده على المكرّر لا على انّ الاتيان به من أجل اختصاص الاستثناء الذي لم يذكره بعد به فالقرينة المذكورة ممنوعة.

وامّا ما ذكره السيّد الشهيد قدس‌سره من المحاذير الثبوتية فيرد على ما ذكره في الموضع الأوّل ان النسبة الاستثنائية والاخراجية نسبة ذهنية واقعية فتتعدد بتعدد أطرافها كالنسبة الحملية التصادقية عند تعدد الموضوع أو المحمول تماماً فلا يحتاج إلى توحيد كل الجمل أو الموضوعات في عنوان اعتباري واحد ليقال بأنّه عناية فائقة بحاجة إلى ما يدلّ عليها ، فلا محذور ثبوتي في الرجوع إلى الجميع ، ومن الناحية الاثباتية لا معين لرجوعه إلى خصوص الأخير مع ظهور السياق الواحد في الاشتراك ، ولا أقل من الاجمال كما ذكر في الكفاية.

ويرد على ما ذكر في الموضع الثاني والثالث : انّ الاستثناء ليس اخراجاً من ذات الموضوع بل من الموضوع بما هو موضوع أي من نسبة الحكم إلى الموضوع وهو متعدد بتعدد أحد الطرفين لأنّ النسبة الحكمية واقعية في الذهن ، فالتعدد محفوظ بلا حاجة إلى توحيد اعتباري كما يشهد الوجدان على عدمه أيضاً. نعم ، اشتراك الجملتين اثباتاً في طرف يؤكد رجوع الاستثناء اليهما معاً ؛ فما ذكره السيد يصلح أن يكون نكتة اثباتية. وبهذا ظهر انّ التعليق المذكور في ص ٣٩٥ من وجود محذور ثبوتي أيضاً غير تام فراجع وتأمل.

٦٤٦

المطلق والمقيّد

ص ٤٠٣ قوله : ( ١ ـ الإطلاق : وفيه فصول ... ).

وفيه نبحث عن أمرين : تعريف المطلق ، واعتبارات الماهية :

١ ـ عرّف المطلق بأنّه ما دلّ على شايع في جنسه واريد بالجنس معناه اللغوي لا المنطقي أي ما دلّ على شايع في سنخه.

ويمكن المناقشة في هذا التعريف :

أوّلاً ـ انّ المطلق ليس دائماً يدلّ على الشايع في جنسه بل قد لا يكون في مورده جنس وطبيعة ولا شيوع وسريان أصلاً كما في الإطلاق الأحوالي لزيد وفي الإطلاق المثبت للوجوب في قبال الاستحباب في الأمر وللملكية في قبال الحقية في اللام أي الإطلاق المثبت للضيق فكأنّ هذا التعريف ناظر إلى مثل أسماء الأجناس فقط.

وثانياً ـ انّه يفترض دلالة المطلق على الشيوع والسريان وسوف يأتي أنّ حيثية السريان والانطباق على الأفراد ليس مدلولاً للفظ المطلق وإنّما هو بحكم العقل في مرحلة وراء مرحلة الدلالة واللفظ وامّا المدلول للمطلق حتى في أسماء الأجناس ليس إلاّنفي القيد عن ذات الطبيعة على ما سوف يأتي.

ولعلّه من هنا ذهب بعض الأعلام إلى عدم وجود معنى اصطلاحي للمطلق عند الاصوليين ، بل الإطلاق عندهم يكون بنفس المعنى اللغوي له وهو

٦٤٧

الارسال وعدم القيد.

وفيه : انّه ليس مجرد عدم القيد اطلاقاً عند الاصوليين كما انّه لا اشكال في جعلهم لهذا الاصطلاح على نوع خاص من الدلالات الكلامية واللفظية لا بالمعنى اللغوي العام ، فلا ينبغي الاشكال في وجود معنى اصطلاحي للاطلاق وهو عدم ذكر القيد اثباتاً الكاشف عن انتفائه ثبوتاً.

٢ ـ اختلفت كلماتهم في اعتبارات الماهية وأنحاء لحاظها اختلافاً شديداً مشحوناً بمصطلحات المناطقة.

والمراد باعتبارات الماهية أنحاء وجودها ولحاظها في الذهن وامّا الخارج فالماهية الموجودة خارجاً تنقسم إلى قسمين لا أكثر ، المتصف بالوصف أو غير المتصف به لاستحالة اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما وهذا واضح.

فنقول : الذهن تارة يلحظ الماهية بما هي موجودة في الخارج فيكون معقولاً أولياً ، واخرى يلحظها بما هي مفهوم موجود في الذهن فيكون معقولاً ثانوياً لأنّه منتزع عن المعقول الأولي والوجود الذهني.

ولا إشكال في انّ المعقول الأولي تارة ينتزع عن الماهية المقيدة بقيد في الخارج فيسمى بالماهية بشرط شيء ، واخرى عن الماهية غير المقيدة الفاقدة للقيد فيسمى بالماهية بشرط لا ـ عند الاصوليين ويمكن جعلهما معاً من البشرط شيء الأعم من الوجودي والعدمي وقد يعبر عنها بالماهية المخلوطة ـ وثالثة ينتزع من ذات الماهية الموجودة في الخارج بما هو هو ـ حيث انّ الكل الطبيعي موجود في الخارج ضمن أفراده ـ فيسمّى بالماهية لا بشرط القسمي.

كما لا إشكال في أنّ الذهن يمكنه أن ينتزع بعد الانتزاع الأوّل عن المعقول

٦٤٨

الأولي معقولاً ثانوياً فيكون محكيه نفس المعقول الأولي والوجود الذهني فيتصور الإنسان الذهني المقيد بمفهوم العلم أو عدمه أو بلا أي من القيدين أي الخالي عنهما ولكنه بما هو في الذهن بحيث يحكم عليه بأحكام لا تنطبق على الخارج كقولك انها تنطبق على كثيرين أو لا تنطبق ، فإنّ هذه من أحكام نفس المعقول الأولي لا محكيّه ، كما في مثل الإنسان نوع والناطق فصل.

إلاّ انّه هنا يمكنه أن ينتزع معقولاً ثانوياً عن الأنحاء الثلاثة فيلحظه بما هو جامع بين الوجودات الذهنية الأولية الثلاثة فيكون قسماً رابعاً موجوداً في الذهن بوجود ذهني مستقل عن الوجودات الذهنية الثلاثة لأنّه يكون وجوداً ذهنياً جامعاً بين المعقولات الأولية بما هو جامع وسار فيها ولا محذور في وجوده مستقلاً معها لأنّه في رتبة وصقع ذهني آخر وراءها لا نفس صقع وجود أفرادها ، وهو المسمى باللابشرط المقسمي.

وبهذا يجاب عن شبهة كونه قسيماً ومقسماً ، فإنّه بما هو لحاظ ووجود ذهني عيني قسم لكونه وجوداً ذهنياً رابعاً وبلحاظ ملحوظه والماهية الموجودة بهذا الوجود حيث لم يلحظ فيه حتى قيد التجرد والخلو يكون مقسماً بين الأقسام للماهية المعقولة.

وفي اصطلاح المنطق يسمّى القسم الثالث في المعقول الثانوي أعني لحاظ الماهية الذهنية الخالية عن القيد والتي تقع موضوعاً لأحكام الكلي العقلي بالماهية بشرط لا أو المجردة والمطلقة أي بشرط لا عن الصدق على الخارج.

ويمكن التعبير عن المعقول الأولي والثانوي في اعتبارات الماهية ببيان آخر لعلّه أوفق بتعبيرات المناطقة ، وحاصله : أنّ الماهية تارة تلحظ بلحاظ قيودها

٦٤٩

الخارجية كالعلم في الخارج فتنقسم إلى الماهية بشرط شيء وبشرط لا ولا بشرط قسمي ، وهذا هو المعقول الأولي ، واخرى تلحظ بالنسبة إلى قيودها وخصوصياتها في الذهن فتنقسم إلى الماهية المجردة والماهية المقيدة واللابشرط المقسمي وقد نسمّي الاولى أي المجردة ـ بالماهية بشرط لا ونلحق المقيدة بقسميها ـ الخارجي والذهني ـ بالماهية بشرط شيء فيراد بالقيد الأعم من الخارجي والذهني والوجودي والعدمي فتكون الأقسام أربعة بشرط شيء ـ بهذا المعنى الأعم من المعقول الأولي والثانوي ـ بشرط لا ـ وهي الماهية المجردة ـ واللابشرط القسمي ـ وهو معقول أولي ـ واللابشرط المقسمي ـ وهو معقول ثانوي ـ.

وأصل هذا التقسيم لا إشكال فيه ، وإنّما الاشكال وقع بين الأعلام في نقاط ثلاث :

١ ـ في حقيقة اللابشرط القسمي.

٢ ـ في ما هو الكلي الطبيعي من هذه الأقسام.

٣ ـ في الماهية المهملة.

أمّا النقطة الاولى : فقد أثارها السيد الخوئي قدس‌سره حيث ادّعى بأنّ اللابشرط القسمي ـ وقد عبّر عنه بالماهية المطلقة ـ عبارة عن ملاحظة الماهية فانية في تمام أفرادها الخارجية ، فالذهن عندما يلاحظ الماهية بالنسبة إلى قيودها الخارجية أي بنحو المرآتية لا الموضوعية فتارة تلحظ مرآة إلى بعض الأفراد فهي الماهية بشرط شيء واخرى تلحظ مرآة بالنسبة إلى تمام الأفراد أي تلحظ بلا قيد ومع رفض كل القيود عنها وهي اللابشرط القسمي والماهية المطلقة وبهذا

٦٥٠

اعترض على ما في الكفاية من انّ الماهية المطلقة كلي عقلي فلا ينطبق على الخارجيات.

وهذ الكلام لا يمكن المساعدة عليه سواء اريد من جعل اللابشرط القسمي كذلك شرح القسم الثالث في المعقول الأولي أو اضافة قسم رابع اليها. لما هو مذكور في الكتاب من أنّ خصوصية التجرد عن القيد خصوصية لنفس اللحاظ لا الملحوظ في المعقول الأولي فلا يمكن أخذه فيه لكونه في طوله ، نعم يمكن أخذه في المعقول الثانوي فهو القسم الثالث من أقسام المعقول الثانوي أي الماهية المجردة وبشرط لا في اصطلاح القوم ، فما ذكره في الكفاية من انّ الماهية المطلقة بقيد الإطلاق معقول ثانوي صحيح.

وكأنّ الذي حمل السيد الخوئي على ذلك أنّ الماهية إذا لم تلحظ إلاّذاتها بلا لحاظ عدم القيد والتجرد عنه كانت الماهية المهملة لا اللابشرط القسمي فإنّه من أقسام لحاظ الماهية خارجاً عن ذاتها وذاتياتها ، إلاّ انّ هذا الكلام سوف يأتي بطلانه.

وإن شئت قلت : الماهية تلحظ هنا أيضاً بما هي مرآة لذاتها في الخارج ، وهذا يكفي فيه عدم لحاظ القيد لا لحاظ عدم القيد بل يستحيل أخذه في متعلق المعقول الأوّل لكونه في طوله ومن خصوصيات الوجود الذهني تأخر العلم عن معلومه ، وأمّا ما يذكر من انّ الطبيعة قد تلحظ بذاتها فتكون بنحو صرف الوجود وقد تلحظ بنحو مطلق الوجود والأوّل كما في الطبيعة في متعلق الأمر والثاني كما في الطبيعة في متعلق النهي أو في موضوعات الأحكام فقد تقدم البحث عن ذلك في الأوامر والنواهي وأنّ خصوصيتي صرف الوجود وإطلاق الوجود خارجتان عن مدلول الاسم ومعنى الطبيعة فراجع وتأمل.

٦٥١

وأمّا النقطة الثانية : فقد ذكر الميرزا قدس‌سره انّ الكلي الطبيعي هو الماهية لا بشرط القسمي لا المقسمي لكونه جامعاً بين ما ينطبق على الخارج وما لا ينطبق والطبيعي ينطبق على الخارج دائماً. ولعلّ ظاهر الكفاية وفاقاً للمنظومة انّه اللابشرط المقسمي ، وظاهر المحاضرات انّه الماهية المهملة.

والصحيح ما ذهب إليه الميرزا ولكن لا لما ذكره ليقال في ردّه انّ الجامع بين ما ينطبق على الخارج ولا ينطبق ينطبق عليه أيضاً ، بل لأنّه معقول ثانوي كما عرفت فلا ينطبق على الخارج أصلاً (١).

وأمّا في المحاضرات فقد ذكر انّ اللابشرط القسمي يكون منطبقاً وفانياً بالفعل في تمام الأفراد وليس الكلي الطبيعي كذلك.

وفيه : إن اريد رؤية الأفراد ولو اجمالاً فهذا خلط بين العام والمطلق فليس اللابشرط القسمي كذلك كما عرفت ، وإن اريد انّه لو علق عليه حكم لسرى إلى تمام الأفراد فمن الواضح انّ هذا تام في الطبيعي أيضاً.

نعم سوف يأتي انّ الملحوظ في الماهية المهملة عين الملحوظ في اللابشرط القسمي ، وإنّما الاختلاف بينهما في خصوصية اللحاظ ، وبهذا يكون الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي والمهملة معاً إذا كان النظر إلى الملحوظ فيها فقط.

__________________

(١) ولا يعقل أن تلحظ الماهية في لحاظ واحد جامعاً ومرآتاً عمّا في الخارج كالمعقول الأوّل وعمّا في الذهن كالمعقول الثاني لأنّه من قبيل لحاظ الماهية بنحو المرآتية والموضوعية بلحاظ واحد وهو محال.

٦٥٢

وأمّا النقطة الثالثة : فالماهية المهملة هي التي لها خصوصيّات ثلاث :

إحداها ـ انطباقها على الخارج أي عدم كونها معقولاً ثانوياً.

الثانية ـ انّ النظر فيها مقصور على ذاتها لا الخارج عنها.

الثالثة ـ أنّها جامعة بين المطلقة والمقيدة أي تكون محفوظة في موارد التقييد أيضاً.

وقد اختلفوا في أنّها هي اللابشرط القسمي أو المقسمي أو غيرهما. ولا ينبغي الاشكال في أنّها ليس اللابشرط المقسمي كما تصوره في الكفاية لأنّه معقول ثانوي وهو خلف الخصوصية الاولى بل الثانية والثالثة أيضاً ، فإنّ اللابشرط المقسمي يكون النظر فيها إلى أحد القيود الذهنية الثلاث للماهية.

واستدلوا على عدم كونه اللابشرط القسمي بدليلين :

١ ـ انها عارية عن كل القيود حتى قيد التعرية عن القيد ولهذا كان جامعاً بين المطلق والمقيد بخلاف اللابشرط القسمي فإنّها الماهية المطلقة وبلا قيد القسيم للمقيدة.

وفيه : انّ حدّ الإطلاق والتعرية عن القيد في اللابشرط القسمي واقعي لا لحاظي كما تقدم ، فالملحوظ فيه عين الملحوظ في المهملة بلا زيادة أو نقيصة ، نعم بناءً على التفسير الآخر للابشرط القسمي وانّه ملحوظ فيه عدم القيد أو فنائها في الأفراد تختلف المهملة عنه ، ولكنك عرفت بطلانه وانّ لحاظ عدم القيد خصوصية ذهنية ، كما أنّ الماهية لا يمكن أن تكون فانية في أفرادها وإنّما تفنى في ذاتها ، وامّا الانطباق على الأفراد فبحكم العقل ومدلول تصديقي لا تصوري بأخذ مفهوم آخر معها كما في العام.

٦٥٣

٢ ـ انّ اللابشرط القسمي يقع موضوعاً لأحكام خارجة عن ذات الماهية مما يعني كون الماهية ملحوظة فيه بلحاظ ما هو خارج عن ذاتها وهذا خلف الخصوصية الثانية.

وفيه : انّ قصر النظر في عقد الوضع على الذات لا ينافي الحكم عليها بشيء خارج عن نطاق الذات في طرف المحمول والحكم وهذا واضح.

فالصحيح أنّ الملحوظ في الماهية المهملة عين الملحوظ في اللابشرط القسمي وإنّما يفترقان في الحدّ والخصوصية التصديقية فإنّ اللابشرط القسمي حدّه الذهني الإطلاق والتجرد الواقعي عن القيد بينما المهملة لم يؤخذ فيها حتى ذلك ـ أي حتى هذا الحد الواقعي بالحمل الشايع ـ ومن هنا تكون المهملة جامعة بين المطلقة بالحمل الشايع والمقيدة من الصور الذهنية للماهية ، ومن هنا أيضاً لا تأتي إلى الذهن بلحاظ مستقل وبحدها الاهمالي فلا يكون قسماً خامساً.

وإن شئت قلت : كما اريد بالمهملة الاهمال في الماهية من حيث القيود اللحاظية التصورية كذلك اريد بها الاهمال من ناحية الحدود التصديقية للوجود الذهني من الماهية أيضاً ومن هنا لا يأتي في الذهن إلاّبعنوان مشير أو في ضمن احدى الحدود الذهنية أعني المطلقة أو المقيدة ، وامّا ما يأتي إلى الذهن عند لحاظ الماهية بلا لحاظ القيد فليس إلاّالمطلقة بالحمل الشايع أي اللابشرط القسمي لا المهملة كما يتصوره السيد الخوئي.

ودعوى : وجدانية إمكان لحاظ الماهية تارة كذلك واخرى سارية بالفعل في أفرادها وهو معنى لحاظ الإطلاق وعدم القيد.

يدفعها : أنّ لحاظ السريان هذا يستحيل أن يكون من خلال نفس الماهية فإنّ

٦٥٤

العنوان لا يفنى إلاّفي محكيها وهو ذات الماهية ، وإنّما يكون ذلك من خلال اضافة مفهوم الاستيعاب للأفراد اليها ولهذا قلنا انّه من الخلط بين باب العام والمطلق.

وبهذا يتضح برهان على انّ المعقول الأوّل للماهية امّا أن يكون بشرط شيء ـ أعم من قيد وجودي أو عدمي ـ أو لا بشرط قسمي الذي هو المطلق بالحمل الشايع لأنّ الماهية إذا لوحظت فاما أن تلحظ معها قيد أو لا ، واجتماع النقيضين وارتفاعهما محال ، والأوّل المطلق ذاتاً ، والثاني المقيد فلا يعقل قسم ثالث هو المطلق اللحاظي إلاّبتعقل ثاني أو اضافة مفهوم آخر إلى الماهية.

بعد هذا ندخل في البحث ضمن فصول :

الفصل الأوّل : في ما وضعت له أسماء الأجناس :

والبحث في انها موضوعة للمطلقة أي اللابشرط القسمي أو للمهملة بعد وضوح عدم إمكان وضعها للمجردة ـ بشرط لا ـ ولا مزيد عما في الكتاب هنا وخلاصته انّ اسم الجنس موضوع للماهية المهملة الجامعة بين المطلقة والمقيدة ، إلاّ انّ هذا يمكن بأحد نحوين :

١ ـ تصورها تفصيلاً من خلال اللابشرط القسمي والوضع للملحوظ فيه والذي قلنا انّه عين الماهية المهملة وانّ اطلاقها الذاتي راجع إلى حدّ الماهية ووجودها في الذهن بلا قيد بالحمل الشايع ، وهذه الخصوصية باعتبارها خصوصية تصديقية مربوطة بالحد الذهني لتصور الماهية فليست ملحوظة بها لكي يوجب تقييداً في المعنى الموضوع له اسم الجنس ، فلا يكون المعنى إلاّ ذات الماهية الملحوظة باللابشرط القسمي والتي هي المهملة أيضاً.

٦٥٥

٢ ـ تصور الماهية المهملة اجمالاً ومن خلال عنوان مشير اليها أي إلى ذات الماهية الملحوظة في المطلقة والمقيدة.

وقد يقال : على هذا بالامكان الوضع للماهية المهملة من خلال تصور المقيدة أيضاً طالما المهملة متحققة فيها أيضاً.

والجواب : لا يمكن ذلك ؛ لأنّ المقيدة يلحظ فيها زائداً على المهملة ، أي ذات الماهية تقيدها بالقيد فيكون الملحوظ فيها الماهية ضمن المقيد ، وهذه الخصوصية خصوصية في الملحوظ تمنع من تحقق الاقتران بين اللفظ وذات الماهية لكي يصبح اسم الجنس موضوعاً لها ، وهذا بخلاف اللابشرط القسمي ، وهذا واضح.

هذا في اسم الجنس ، وأمّا علم الجنس كاسامة للأسد فقد اختلف الأعلام فيها بين من قال بأنّ التعريف فيها لفظي كالتأنيث اللفظي فلا فرق بينها وبين أسماء الأجناس من حيث المعنى وقيل انها تختلف عن اسم الجنس باعتبار أخذ التعيين الذهني في مدلولها ، ( فأسد ) موضوع لجنس الحيوان المفترس بينما اسامة موضوع للحيوان المفترس المتعين في الذهن.

واعترض عليه في الكفاية بأنّ التعيين الذهني لو كان مأخوذاً في علم الجنس لزم كون معناه كالكلي العقلي غير قابل للصدق على الخارج لأنّ المقيد بقيد ذهني لا يصدق إلاّعلى الذهن لا الخارج.

وأجاب عليه بعض الأعلام بأنّ القيد لو كان بنحو المعرفية مع خروج القيد والتقيد عن المعنى الموضوع له فلا يلزم ما ذكر من عدم الصدق على الخارج.

٦٥٦

وفيه : انّه مع فرض خروج القيد والتقيد معاً وكون التعيين معرفاً إلى ذات المفهوم وهو الجنس لا يبقى فرق بين اسم الجنس وعلمه عندئذٍ. وسوف يأتي هذا البحث مفصلاً فانتظر.

والمستفاد منه هناك مطلب حاصله : انّ خصوصيات المعقول الأوّل مأخوذة في علم الجنس ، ولكن لا في الملحوظ والمعنى بل في اللحاظ نفسه الذي قرن بينه وبين اللفظ نظير أن يدعى وضع اسم الجنس للابشرط القسمي بحيث يكون الإطلاق مدلولاً لفظياً.

وفيه : انّ القرن الأكيد الذي هو حقيقة الوضع عبارة عن التلازم بين التصورين في ملحوظيهما لا كيفية اللحاظ وإلاّ كان المطلق غير المقيد حتى بلحاظ مدلول اسم الجنس والطبيعة المهملة لاختلافهما في اللحاظ على ما تقدم فلا يمكن افتراض تقييد المعنى الموضوع له بالقيود الراجعة إلى نفس اللحاظ والتصور إذا لم تكن مأخوذة في المتصور والملحوظ إلاّبنحو قيد الوضع الواضح بطلانه.

ومن هنا يثبت برهان على عدم كون الطبيعة المطلقة أعني اللابشرط القسمي معنىً موضوعاً له لاسم الجنس بل يتعين أن تكون الطبيعة المهملة هي المعنى الموضوع له ، امّا من خلال تصورها تفصيلاً ضمن اللابشرط القسمي أو تصورها اجمالاً من خلال عنوان مشير نحو الجامع بين المطلقة والمقيدة ؛ لأنّ الوضع للابشرط القسمي يساوق الوضع للطبيعة المهملة لما عرفت من وحدة الملحوظ فيهما ، وإنّما الاختلاف بينهما في حدّ اللحاظ وهو خارج دائماً عن المعنى الموضوع له ، وبهذا يعرف انّ هذا هو الوجه الصحيح في المنع عن ذلك لا ما قيل من لزوم كون التقييد مجازاً إلاّإذا اريد من المجاز عدم مطابقة قيود الوضع.

ويمكن ارجاع وجه صاحب الكفاية إليه بتقريب انّه إذا أخذنا التجرد

٦٥٧

والإطلاق في المعنى الموضوع له لزم كونه ذهنياً لأنّ القيد المذكور ذهني وإن لم نأخذه كان المعنى الموضوع له ذات الماهية وهي المهملة وكونها تأتي في الذهن عند عدم دال على القيد مطلقة بالحمل الشايع لا يجعل القرن والوضع مقيداً للحاظ الاستقلالي المطلق بالحمل الشايع للماهية ، لأنّه من خصوصيات اللحاظ لا الملحوظ والاقتران الوضعي باعتباره اقتراناً تصورياً لا تصديقياً لا يكون إلاّ بين المتصورين والملحوظين ويستحيل أن يكون أحد طرفيه خصوصية تصديقية إلاّبنحو قيد الوضع الذي لا يكون محتملاً بل لا يعقل أيضاً بهذا النحو كما حققناه في محله.

وأمّا بحث التقابل ، فحاصله : انّ الإطلاق بناءً على مسلك السيد الخوئي إطلاق لحاظي ، أي لحاظ الفناء في تمام الأفراد ، ومن هنا يكون التقابل بينه وبين التقييد بالتضاد ، وقد عرفت بطلان المبنى.

والميرزا خلط بين مقام الاثبات والثبوت فإنّه ثبوتاً كلما لم يكن قيد مع الماهية كانت الماهية مطلقة بالحمل الشايع والتي يكون انطباقها على تمام الأفراد ذاتياً ، وهذا هو الإطلاق الذاتي فيكون التقابل بينهما بالسلب والايجاب. نعم التقييد مفهوم وحداني جديد بناءً على ما تقدم في بحث النسب فليس نسبته إلى المطلق نسبة الأكثر إلى الأقل بالدقة ، إلاّ انّه حيث يحصل المفهوم المطلق بمجرد عدم ذكر القيد فيكون حالهما حال الأكثر والاقل نتيجة ويكفي انتفاء القيد لتعينه وبالتالي للاطلاق الذاتي على ما سوف يأتي في بحث مقدمات الحكمة.

والثمرة إمكان تصوير الشق الثالث على القولين الآخرين كما هو مذكور فراجع.

ولعلّ ذهاب الميرزا إلى أنّ التقابل بينهما من العدم والملكة من أجل انّ

٦٥٨

الماهية إذا لوحظت بذاتها لا بلحاظ ما هو خارج عن ذاتها أي مرآة للخارج فهي ليست إلاّهي لا مطلقة ولا مقيدة فلا تتصف بشيء منهما وهي الماهية المهملة ، وإذا لوحظت مرآة وبلحاظ خارج ذاتها كانت صالحة للاتصاف بالاطلاق وهو عدم لحاظ القيد والتقييد وهو لحاظ القيد ، ومن هنا كان التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.

وفيه : ما تقدم من انّ الماهية المهملة لا يمكن أن تأتي إلى الذهن في لحاظ مستقل فالماهية الملحوظة في الذهن امّا أن يلحظ معها القيد فهي المقيدة وامّا أن لا يلحظ معها القيد وهي المطلقة ، فبعد لحاظ الماهية يكون التقابل بين اطلاقها وتقييدها من السلب والايجاب لا محالة.

وأمّا ما يقال من انّ الماهية من حيث هي ليست إلاّهي فالمراد بها ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أنها لا تري غير ذاتها تصوراً ومفهوماً وليست صالحة لأن تري أيّة خصوصية اخرى خارج ذاتها ، وهذا صحيح ولا ينافي كونها مطلقة بالحمل الشايع أي منطبقة على كل فرد من أفرادها خارجاً كما تقدم. فهي مطلقة بالحمل الشايع لا بالاطلاق اللحاظي. ثمّ انّهم بحثوا بعد ذلك في استحالة الاهمال ثبوتاً رغم وجود شق ثالث وهو الماهية المهملة وما أقاموه من الأدلّة من انّ الجاعل عالم بجعله فلا يعقل الاهمال.

جوابه : انّه إذا لم يلزم منه نقض الغرض فلا مانع من أخذ الطبيعة المهملة بناءً على معقولية لحاظها في الذهن مستقلاً في موضوع أو متعلق جعل كما أنّهم بحثوا في كون المهملة في قوّة الجزئية أو الكلية ، والصحيح على ضوء ما تقدم أنّها في قوّة الكلية وقد سميناه بالاطلاق الذاتي لفناء الطبيعة ذاتاً في محكيها الموجود حتى في مورد فقد القيد.

٦٥٩

ص ٤٣٥ قوله : ( المقام الثاني : دخول اللام على اسم الجنس ... ).

ذكر صاحب الكفاية انّ اللام للتزيين في الجنس لا التعيين فأنكر ما ذهب إليه علماء العربية وأشكل عليهم بلزوم المحذور وهو صيرورة المفهوم كلياً عقلياً لا يصدق على الخارجيات.

وأجاب في المحاضرات بأنّ اللام في العهد الذهني للتزيين وفاقاً مع الرضي قدس‌سره لعدم أي تعين في مثل أمرّ على اللئيم يسبني ، وفي الجنس للتعيين والتعريف وهو الإشارة إلى الجنس مع بقاء المدخول هو الطبيعة كالإشارة باسم الإشارة إلى الكلي في قولك هذا الكلي بل إلى المعدوم ( هذا الشيء معدوم ) فلا يشترط في الإشارة التعين الخارجي.

وفيه : أوّلاً ـ انّ الوجدان يحكم بالفرق بين اللئيم في المثال وبين زيد لئيم من حيث وجود تعين ولو اجمالي وفرضي حيث لا يريد بيان انّ جنس اللئيم يسبّه إذا مرّ عليه ، فالتعيين في العهد الذهني موجود أيضاً بنحو الاجمال أو الفرض والتقدير وهو ما إذا مرّ على اللئيم أو جاءه ، فكما يكون هناك تعين خارجي في الماضي هناك تعين اجمالي أو على تقدير تحقق المفروض ، ومن هنا سمي بالعهد الذهني ولهذا يرى الوجدان الفرق بين أمرّ على اللئيم وأمر على لئيم يسبني.

وثانياً ـ ما ذكر في لام الجنس بهذا البيان غير فني أيضاً ؛ لأنّ الإشارة إنّما يكون إلى معيّن ولو في عالم المفاهيم والكليات ، بحيث يكون المشار إليه مصداقاً معيناً من مصاديق معنى مدخول اللام ، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول كما في هذا الشيء ، وهذا الكلي بينما لا تعين في موارد لام الجنس ؛

٦٦٠