أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

العنوان السلبي النافي للخاص مثلاً (١). فلندخل في صلب البحث فنقول : انّ الميرزا بيّن في المقام وجهاً للمنع يتألف من مراحل :

١ ـ انّ مفهوم الحكم إذا كان مركباً من جزئين سواء كانا وجودين أم عدمين أم مختلفين فتارة يلحظ كلّ جزء بحاله ، واخرى بما هو مضاف إلى الآخر ونعت له ففي الحالة الاولى إذا كانت حالة سابقة لذلك الجزء أمكن استصحابه وترتيب الحكم وفي الثانية لا يمكن ذلك لعدم ثبوت الاضافة والربط والنعتية بذلك إلاّ بنحو الأصل المثبت.

٢ ـ تنقيح صغرى ما ذكر في المرحلة الاولى ، وهي انّه إذا كان الجزءان جوهرين أو عرضين أو جوهر وعرض جوهر آخر فلا يعقل افتراض النعتية بينهما إلاّبافتراض أخذ عناية زائدة منفية بحسب الفرض فلا يعقل إلاّالتركيب ، ولو فرض لزوم أخذ الارتباط والتوصيف في عالم التعبير وعقد القضية فهي حيثية بيانية لا أكثر ، وأمّا إذا كان الجزءان جوهراً وعرضاً له فيمكن أخذهما بنحو النعتية بل لابد من أخذه كذلك ؛ لأنّه مقتضى كونه عرضاً ونعتاً لذلك المحل على ما سوف يظهر.

٣ ـ انّ الجزءين إذا كانا جوهراً وعرضاً له فلابد من أخذ النعتية ببرهان انّه لولا ذلك لزم ثبوت الحكم لو تحقق العرض ولو في محل آخر وهو خلف.

٤ ـ إذا كان الجزءان جوهراً وعدم عرضه فثبوتاً يتصور أخذه بنحو نعتي أي أخذ اتصاف الموضوع بعدم عرضه بنحو مفاد القضية المعدولة ويمكن أخذه

__________________

(١) وهنا محاولة للشيخ الاصفهاني قدس‌سره واضحة الجواب راجعها في ص ٣٤٣ نهاية الدراية.

٦٠١

بنحو محمولي أي أخذ عدم قرشية تلك المرأة بحياله ومن دون اضافته إلى المرأة الذي هو مفاد القضية المحصلة ( والتعبير عن ذلك بمفاد ليس الناقصة والتامة غير فني كما لا يخفى ) ولا يلزم منه المحذور المتقدم في طرف أخذ وجود العرض جزءً للموضوع لأنّ المعدوم متقيد بهذه المرأة فعدم قرشية غيرها لا يجدي في تحقق الموضوع المركب.

إلاّ انّ الميرزا رغم ذلك ادعى لزوم أخذ العدم نعتياً لا محمولياً مدعياً في وجه ذلك نكتة يمكن تقريبها بنحوين :

١ ـ انّ انقسام الموضوع بلحاظ صفاته ونعوته يكون مقدماً على انقسامه بلحاظ مقارناته ، فالمرأة في المرتبة الاولى تنقسم إلى قرشية وغير قرشية الذي هو عدم نعتي ، وإن كان فرض وجود المرأة مع عدم قرشيتها بنحو العدم المحمولي ملازماً مع العدم النعتي إلاّ انّه تصل النوبة اليها في مرتبة متأخرة ، وعليه إذا كان هناك تقييد لموضوع الحكم فلا محالة يكون بالنحو الأوّل لا الثاني.

وهذا المقدار جوابه انّه لا موجب للاسبقية فإنّ كلا التقييدين معقول في نفسه بحسب الفرض ومجدٍ في تحقيق غرض المولى.

٢ ـ انّ موضوع الحكم في عقد وضع القضية امّا أن يكون مطلقاً أو مقيداً أو مهملاً ، والأخير مستحيل ، والأوّل خلف ثبوت أصل التقييد ، فيتعيّن الثاني ، وليس هو إلاّبالعدم النعتي لا المحمولي لأنّه ليس قيداً للموضوع بحسب الحقيقة ، بل هو قيد للحكم ابتداءً.

وقد أجاب عليه في المحاضرات بالالتزام بالاهمال فإنّه لا يجب تقييد

٦٠٢

الموضوع بمقارنات قيده بل يبقى مهملاً من ناحيته.

وهذا الجواب غير فني ، فإنّه أوّلاً ـ المراد بالاهمال عدم الإطلاق والتقييد وهذا غير معقول في مقام الثبوت والصورة الذهنية إلاّبناءً على كون التقابل بينهما من العدم والملكة لا السلب والايجاب كما هو الصحيح أو التضاد كما هو مختاره.

وثانياً ـ التقييد بالعدم المحمولي ليس تقييداً للموضوع أصلاً بل هو بحسب الحقيقة تقييد للحكم ابتداءً كما قلنا ، فالتقييد المعقول للموضوع بحسب هذا البيان إنّما هو التقييد بالعدم النعتي فقط.

والصحيح في الجواب على أصل هذا البيان أن يقال :

انّه يرد عليه أوّلاً : بالنسبة إلى النقطة الأخيرة نلتزم باطلاق الموضوع وعدم أخذ قيد فيه ، ولا يلزم منه التهافت والخلف أو شمول الحكم لمورد الخاص لأنّ الإطلاق ليس جمعاً للقيود بل رفض لها والاقتصار على ملاحظة ذات الطبيعة ؛ ومن الواضح انّ الإطلاق بالمعنى المذكور إنّما يوجب سريان الحكم إلى الأفراد كلها إذا لم يكن تقييد في طرف الحكم.

وثانياً : انّ العدم النعتي للعرض والمحل في نفسه وثبوتاً غير معقول ، امّا إذا قيل بكون النعتية تساوق الوجود الرابط ـ كما هو ظاهر كلام السيد الخوئي قدس‌سره في رسالته في اللباس المشكوك ـ أو الوجود الرابطي ـ كما ذكره النائيني في رسالته في اللباس المشكوك ـ فواضح لأنّ الوجود الرابط أو الرابطي لا يكون إلاّبين وجودين لا بين عدم ووجود ، وأمّا بناءً على ما هو الصحيح من انّه يعني التحصيص المنتزع من النسب الواقعية في لوح الواقع الاوسع من لوح الوجود

٦٠٣

فيشمل النسب التحصيصية في الأعراض الانتزاعية أو الاعتبارية رغم انها ليست وجودية بخلاف المعنيين المتقدمين فقد يتصور امكان العدم النعتي للعرض ومحله لأنّ النعتية تعني النسبة الواقعية لا الوجودية ، فيمكن أن يثبت بين العدم ومحل المعروض لأنّ الأعدام امور واقعية أيضاً ، ولهذا يضاف العدم أيضاً إلى ذات المعدوم وهو نحو تحصيص له. فأيضاً لا يعقل العدم النعتي ؛ لأنّ العدم لا تحصيص له وإنّما التحصيص للمعدوم دائماً ، وهذا رغم فطريته وبداهته وارسال الحكماء له ارسال المسلّمات لأنّ التحصيص يكون للماهيّات لا للوجود والعدم اللذان هما مفهومان انتزاعيان لا مقوليان ، إلاّ انّه يمكن البرهنة عليه بأنّ عدم عرضٍ كالعدالة أو القرشية إذا اريد تحصيصه إلى حصتين فتارة يفترض تحصيص معدومه وهو العدالة إلى عدالة العالم وعدالة الجاهل مثلاً ، واخرى لا يفترض ذلك فإذا حصص المعدوم تحصّص العدم المضاف إليه تبعاً بحيث استحال صدقه في غير مورد المحصص فعدم عدالة العالم لا يصدق في الجاهل غير العادل لكي يراد تحصيصه بالعالم بل هو متحصّص به أيضاً فيستحيل التحصيص لأنّه فرع الإطلاق.

وإذا فرض عدم تحصيص المعدوم واضافة العدم إلى ذات العدالة ثمّ اضافته وتحصيصه بالعالم فيرد عليه :

أوّلاً ـ لزوم ثبوت عدمين ونقيضين لجامع العدالة فيكون مقابل عدمين وجود واحد وهذا محال.

ثانياً ـ يلزم أن لا يصدق عدم العدالة في مورد العالم أعني العدم المحصّص بالعالم إلاّبانتفاء جامع العدالة حتى عدالة الجاهل ، لأنّ انتفاء الجامع لا يكون

٦٠٤

إلاّ بانتفاء تمام أفراده ، وهو واضح البطلان ، وهذا بخلاف وجود جامع العدالة ، فإنّه يكفي فيه وجود الفرد المتقيد بالعالم.

وهكذا يتبين استحالة أخذ النعتية في طرف العدم كنسبة واقعية. نعم يمكن أخذها كنسبة ذهنية اعتبارية لكنها خارجة عن البحث لكونها مؤنة زائدة وأمراً ذهنياً محضاً لا محكي خارجي له.

وثالثاً ـ لو افترضنا صحّة تحصيص عدم العرض بمحله كوجود العرض بحيث كانت هناك حصتان من عدم العرض عدم مضاف إلى العالم وعدم مضاف إلى الجاهل وكان حال عدم العرض كحال العرض نفسه من حيث اتصاف المحل المعروض به. لزم ثبوت العدم النعتي منذ الأزل للموضوع المعروض أيضاً ، إذ كما يتصف المعروض بأنّه معدوم قبل تحققه لصدق عدمه المحمولي ويكون الموصوف الذات والماهية لا وجودها كذلك باعتبار صدق عدم عرضه ينبغي صحة توصيف ذاته وماهيته بأنّها معدومة العرض أي غير قرشية فكما تكون ذات المرأة قيداً للعدم أو معروضاً له فيقال لم تكن المرأة موجودة أو كانت معدومة ويكون الموضوع الماهية لا وجودها كذلك يمكن أن تكون قيداً لعدم عرضها فيقال تلك المرأة المعدومة معدومة القرشية أيضاً فيستصحب عدم القرشية بنحو العدم النعتي والوصف لذات المرأة الثابت في الأزل.

وهكذا يثبت عدم صحة افتراض النعتية بين عدم العنوان الخاص والعنوان العام بل بحسب عالم الثبوت يتعين أن يكون العدم محمولياً بلحاظ المحكي الخارجي. نعم ، يمكن أخذ الارتباط الذهني أو أي علاقة ونسبة انتزاعية واعتبارية اخرى أو أخذ عنوان وجودي ملازم مع العدم المحمولي ولكنه خارج عن البحث.

٦٠٥

ثمّ انّ هنا بحثاً اثباتياً لنفي أخذ النعتية بناءً على معقوليتها أو إذا احتمل أخذها بنحو العلاقة الانتزاعية ولو الذهنية في انّ مقتضى الإطلاق في مرحلة الاثبات أيضاً هو العدم المحمولي لا النعتي ، وقد ذكر في الكتاب وجوهاً لذلك والأولى ذكرها كما يلي :

١ ـ استظهار ذلك ابتداءً من دليل التخصيص لأنّ المخصّص اخراج وسلب للخاص عن العام فيقال انّ مفاده ليس بأكثر من صدق القضية السالبة كما في قولك : ( أن يكون فقيراً وأن لا يكون أموياً ) ، ومقتضى التطابق بين الاثبات والثبوت أنّ الموضوع للجعل أيضاً مركب من صدق مفاد كل من الجملتين بحياله وهو معنى العدم المحمولي ، وهذا لا يفرق فيه بين كون المخصص متصلاً أو منفصلاً ولا بين كون العدم المحمولي مبايناً في الذهن ومن حيث المفهوم الذهني عن النعتي أو بينهما الأقل والأكثر.

٢ ـ استظهار انّ دليل المخصّص بمثابة المانع عن غرض المولى وعنوان العام بمثابة المقتضي له عرفاً ، وبما انّه لا يشترط في ترتب الأثر والغرض إلاّوجود المقتضي وانتفاء المانع الذي هو العدم المحمولي فيستظهر من ذلك انّ الجعل أيضاً على وزان الغرض يكون موضوعه مركباً من ذات العام والعدم المحمولي للمخصّص ، وهذا أيضاً كالسابق.

٣ ـ لو فرض عدم الاستظهارين السابقين معاً مع ذلك نقول بجريان أصالة عدم تقيد موضوع الجعل العام بأكثر من العدم المحمولي لأنّ النسبة بينه وبين العدم النعتي الأقل والأكثر بحسب المحكي والمرئي وإن كانت بحسب نفس الصورة الذهنية وحدّها متباينة ـ بناءً على امكان أخذ النعتية لنفس عدم العرض

٦٠٦

ومحله ـ وهذا يتم حتى في المخصّص المتصل نظير سائر موارد الدوران بين الأقل والأكثر في أصل التقييد ، أي الدوران بين التقييد بعنوان واحد أو عنوانين ، فهذا يختلف عن الاجمال المفهومي للمخصّص المتصل بين الأقل والأكثر ، كما انّ أصالة عدم التقييد الزائد يجري ولو فرض عدم عرفية الأثر العملي وهو الاستصحاب الأزلي ؛ لأنّ نفس التقييد الزائد خلاف عالم الاثبات كما ذكر في الهامش للكتاب.

٤ ـ لو فرض كون النسبة بينهما التباين مع ذلك جرت أصالة عدم التقييد بالعدم النعتي ولا معارض لعدم التقييد بالعدم المحمولي ؛ إذ لا يترتب عليه أثر بعد أن كانت النتيجة العملية للعدم المحمولي مترتبة على كل حال ، وهذا الوجه لا يتم في المتصل ، إذ يوجب سريان الاجمال إلى العام لدوران الأمر بين تقييدين متباينين يعلم اجمالاً بأحدهما ولا معيّن في البين ، كما انّه يتوقف على أن يكون الأثر العملي المذكور وهو جريان أصل العدم الأزلي عرفياً ويكون إطلاق الخطاب صالحاً لأن يكون مسوقاً من أجله.

هكذا أفاد السيد الشهيد قدس‌سره.

وفيه : انّه لا يلزم ذلك ، بل الإطلاق وعدم ذكر القيد اثباتاً كاشف عن عدم أخذ القيد ثبوتاً كلما احتمل ذلك ولو لتحديد عدم زيادة الثبوت على الاثبات مفهوماً مع قطع النظر عن الأثر الخارجي ، وهذا ثابت في المقام بلحاظ العدم النعتي ويترتب عليه جريان الاستصحاب بالملازمة بلا حاجة إلى أن يكون الإطلاق مسوقاً لذلك.

ومنه يعرف عدم صحة أصل هذا التقريب ، إذ يكون السكوت اثباتاً عن كل

٦٠٧

من القيدين نافياً لأخذه ثبوتاً ، وحيث يعلم اجمالاً بأحدهما يقع التعارض بينهما ، ودعوى عدم حجّية الإطلاق الثاني للعدم المحمولي لعدم ترتب أثر عملي عليه فيكون لغواً فلا معنى للحجية ، مدفوعة بأنّ الأثر العملي الدافع للغوية ثابت بلحاظ مدلوله الالتزامي وهو اثبات التقييد بالعدم النعتي بالملازمة ، وبالتالي عدم جريان الاستصحاب ، والمفروض انّ لوازم الامارات حجة.

نعم ، لو اريد التمسك بالاطلاق لاثبات هذا الأثر ابتداءً لا لنفي التقيد به ثبوتاً ثمّ اثبات الأثر بالملازمة صحَّ دعوى لزوم عرفية الأثر ، وكون الإطلاق مسوقاً له ، إلاّ انّ الإطلاق لا يتعدد بلحاظ الآثار ، بل هذا نفس الإطلاق الساقط بالتعارض والعلم الإجمالي بالمخصّص ، وكأنّه تصور انّه يراد اثبات الأثر بالاطلاق ابتداءً فقيل انّه لابد وأن يكون في مقام البيان من ناحيته وهو فرع عرفية الأثر وصلاحية البيان لأن يكون مسوقاً له ، وكل هذا لا وجه له ، فإنّ الخطاب في مقام البيان من ناحية كل قيد مأخوذ فيه ثبوتاً مسكوت عنه اثباتاً فيكشف عن عدمه وكل ما يترتب على عدمه من اللوازم لكونه أصلاً لفظياً.

ص ٣٥٢ قوله : ( فصل : في جواز التمسك بالعام لاثبات التخصّص ... ).

حاصل ما يفيده السيد الشهيد قدس‌سره في المنع عنه أنّه في القضايا المجعولة على نهج القضايا الحقيقية لا محالة يثبت تقييد العام المجعول على نهج القضية الحقيقية بنقيض عنوان الخاص المجعول كذلك ، لأنّ فرض حقيقية القضية المجعولة يعني فعلية حكم العام حتى إذا انطبق موضوعه على العنوان الخاص ؛ لأنّ القضية الحقيقية لا تتكفل احراز الموضوع بل يجعل ذلك على عهدة الواقع

٦٠٨

وهذا خلف ثبوت الخاص ، فلابد من افتراض تقيد موضوع العام ثبوتاً بنقيض الخاص في القضايا الحقيقية ، ومعه يكون التمسك به من التمسك بالعموم في مورد يحتمل خروجه بالمخصّص الثابت التي هي نكتة عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وهو لا يتمّ فيما إذا كان أحد الخطابين مجعولاً على نهج القضية الخارجية لا الحقيقية ونلتزم بذلك. هذا حاصل ما أفاده قدس‌سره

وهو لا يرجع إلى كلام العراقي ؛ لأنّ نكتة عدم حجّية العام في المصداق المشتبه هو عدم وجود ظهور تصديقي في العام لبيان حال الفرد وإنّما مجرد ظهور تصوري ـ على حدّ تعبيره ـ وعدم وجود دلالة في العام بلحاظ عالم فعلية المجعول بفعلية موضوعه ـ على حدّ تعبيرنا ـ وهذا لا يتم في المقام ؛ لأنّا هنا لا نريد اثبات نظر العام إلى التخصّص في الفرد المعلوم حكمه وإنّما نثبت بالعام وظهوره التصديقي الكاشف عن مرحلة الجعل انّ الموضوع للعام في عالم الثبوت والجعل مطلق غير مقيّد بشيء ، وهذا له مدلول التزامي عقلي هو انّ من ثبت خارجاً عدم وجوب اكرامه ـ أي خروجه عن حكم العام ـ لا يكون مصداقاً لعنوان العام جزماً وإلاّ كان لابد من تقييد الجعل العام بعدمه وهذا واضح.

ومنه يعرف اشكال آخر على مقالة المشهور من انّ العقلاء لا يبنون على حجّية العام إلاّفي موارد الشك في المراد غير ما يذكره الاستاذ من لزوم التعبد الصرف في حجّية الامارة عند العقلاء ، وحاصله :

انّ المشكوك في المقام ما هو المراد من العام وأنّ المجعول به ثبوتاً هل يكون مقيداً بقيد وهو غير الفرد المعلوم حكمه أم ليس مقيداً به وهذا من الشك في المراد بحسب الحقيقة ، غاية الأمر يكون له مدلول التزامي وهو التخصّص وعدم

٦٠٩

انطباق عنوان العام أو المطلق على ذلك الفرد فلا فرق بين هذا المدلول الالتزامي للعام وبين سائر المداليل الالتزامية المعتبرة حتى موضوعاً.

نعم ، لو كان مراد العام النظر إلى حكم الأفراد الخارجية أي مرحلة المجعول الفعلي فقد يقال انّه لا شك في المراد بالنسبة إلى هذا الفرد ليتمسك بأصالة العموم بلحاظه ولكنه بنفسه خلط بين عالم الجعل الذي هو المراد من العام ومفاده وبين عالم الفعلية فأصالة العموم والإطلاق في المقام يثبت إطلاق الجعل وعدم أخذ قيد فيه ولازمه العقلي ثبوت التخصيص في ذلك الفرد.

وهكذا يتعين في مقام الجواب ما أفاده الاستاذ قدس‌سره من أنّ العام إذا كان مجعولاً بنحو القضية الحقيقية فمعنى القضية الحقيقية ـ كل ما يمكن أن يفرض خارجاً موضوعاً للعام ومصداقاً لعنوانه ، وهذا يشمل حتى الفرد المقطوع انتفاء حكم العام فيه لكونه فرداً يمكن أن يفرض مصداقاً للعام إذا كان حكمه أيضاً مجعولاً على نهج القضايا الحقيقية فلابد من فرض التقييد وأنّ العام مقيد موضوعاً بغير صورة انطباقه واجتماعه مع عنوان الخاص فيكون عدمه قيداً في العام ، ومعه لا يمكن التمسك بعموم العام فيه لصيرورته شبهة مصداقية لمخصص العام ، وهذا نظير ما إذا قال : أكرم كل عالم ويحرم اكرام الفاسق وفرض أقوائية الخطاب الثاني على الأوّل بحيث يتقدم عليه في مقام التعارض فإنّه في مثل ذلك لابد من فرض تقيد موضوع العام وهو العالم بغير الفاسق ولو فرض عدم وجود عالم فاسق في الخارج ، إذ القضية المجعولة حقيقية وليست خارجية ، أي تشمل ما يمكن فرضه من أفراد العالم ويكون فاسقاً فلابد من التقييد.

ونحن نوافق مع الاستاذ في أصل هذا التقريب ولكن نخالف معه في أنّه

٦١٠

لا يتمّ أوّلاً ـ في القضايا الخارجية كما اعترف به.

وثانياً ـ في القضايا الحقيقية التي موضوعها حكم شرعي لا يعلم انتقاض حكم العام فيه في مورد كما في مثال منجسية كل مائع متنجس فلعله مطلق في مقام الجعل من باب أنّ المولى لم يجعل النجاسة على ماء الاستنجاء ولا يوجد مائع متنجس معلوم في الخارج عدم منجسيته ، وعليه فيمكن التمسك بأصالة العموم لاثبات عدم تقيد الجعل المذكور ، ولازمه طهارة ماء الاستنجاء وجواز التوضي به مثلاً ، مع انّ الوجدان قاض بعدم صحّة التمسك المذكور حتى في هذين الموردين خصوصاً إذا كان الخاص قضية خارجية دون العام.

ويلحق بهذين الموردين إذا كان كلاهما مجعولين على نحو القضية الحقيقية إلاّ أنّه احتمل عدم امكان اجتماع العنوانين في مورد واحد كما إذا قال : أكرم القرشي وقال : لا تكرم من ينتسب إلى آل زياد وشك في انّ هذا من باب التخصيص أو التخصّص فإنّه يكون الجعل العام غير مقيد من جهة عدم امكان اجتماع العنوانين لأنّ من ينتسب إلى آل زياد منذ أن يولد امّا أن يكون قرشياً أو غير قرشي وليس فرض الاجتماع محرز الامكان لكي يلزم التقييد في القضية الحقيقية.

والحاصل العلم بالتقييد يكون في غير أحد هذه الموارد الثلاثة كما لا يخفى.

وقد ظهر بالبيان المتقدم انّ ما أجبنا به عن حجّية أصالة العموم في هذه الموارد في هامش الكتاب غير تام أيضاً لأنّ الخطاب لا ينظر إلى عالم الفعلية لكي يقال بأنّها تجعل الحكم على تقدير تحقق الموضوع ولا تجعل الملازمة بين الحكم والموضوع ، وإنّما الخطاب ينظر إلى عالم الجعل ومفاده أصل الجعل

٦١١

وحدوده والمفروض كشفه عن عدم أخذ قيد فيه بلا إشكال حتى إذا كان المجعول ترتب الحكم على الموضوع.

وقد يقال : انّ كل ظهور إنّما يكون حجة إذا لم يكن مما يقطع بعدم حجيته ، وفي المقام لو كان هذا الفرد مصداقاً للعام لم يكن عموم العام حجة فيه بحسب الفرض للقطع بخروجه عنه بحجة أقوى منه ، فأصالة العموم أو الإطلاق في مقاد العام لنفي تقييده بنقيض هذا الفرض بشخصه الخارجي أو بعنوان حقيقي منطبق عليه تمسك بظهور على أحد التقديرين يقطع بعدم حجيته أي تمسك بظهور يحتمل أن يكون معلوم السقوط عن الحجّية فيكون من اشتباه الحجة باللاحجة.

والجواب : انّ هذا يتم لو ثبت التخصيص في العام وسقوط ظهوره كما في الشبهة المصداقية للمخصّص لا مثل المقام الذي يحتمل مطابقة الظهور الكاشف عن العموم للواقع.

وإن شئت قلت : لا قطع فعلي هنا ، وإنّما على تقدير كون الفرد مصداقاً يقطع بالسقوط ، وهذا واضح.

ويمكن أن يقال : انّ أصالة العموم أو الإطلاق وإن كان مفادها نفي القيد في الجعل إلاّ انّ مجراها ومدلولها اثبات عموم حكم العام أو المطلق في مورد العنوان أو الفرد المحتمل تقيد الجعل بعدمه ، فإذا كان ذاك الفرد أو العنوان مما يقطع بانتفاء حكم العام فيه فلا يمكن التمسك بالعموم والإطلاق فيه لنفي تقيد الجعل بعدمه لأنّه مدلول التزامي لعموم العام لذلك الفرد وهذا لا يعني نظر العام أو المطلق إلى مرحلة المجعول والفعلية خارجاً ، بل في نفس مرحلة الجعل لابد وأن يكون العام أو المطلق شاملاً لهذا الفرض والتقدير الذي يعلم بانتفاء الحكم

٦١٢

فيه حتى يثبت اطلاقه وليس العكس أي ليس شموله لهذا الفرد في طول نفي القيد وكشف عدم أخذه بل عنوان عدم أخذ القيد عنوان منتزع في طول عموم العام لكل فرد ، فمفاد العام التصوري اثبات الحكم في كل فرد فرد ولازمه نفي القيد ، فإذا كان هذا المدلول المطابقي ساقطاً فلا يمكن اثبات مدلوله الالتزامي وهو التخصّص.

وقد يقال : انّ هذا إنّما يتمّ في العموم ، وأمّا في الإطلاق فلا يتم ، لأنّ مفاده ابتداءً نفي كل قيد زائد ومنها القيد المحتمل فيكون حجة في نفيه ولازمه التخصّص ، بل قد يقال أنّ العموم أيضاً يجري فيها الإطلاق لنفي قيد زائد على عنوان العام ، إذ لو كان كذلك لزم عليه البيان ، غاية الأمر لا نحتاج إلى التمسك به مع وجود العموم الدال لفظاً على شمول كل فرد ولكن في المقام يفيد التمسك بالاطلاق في العام لنفي تقيده بقيد آخر غير العنوان العام ولازمه التخصّص.

والجواب : اننا ننكر ذلك بل الإطلاق أيضاً له سريان وشمول ذاتي لكل فرد لا بما هو فرد بل بما أنّه مصداق للطبيعة وهذا السريان والإطلاق الذاتي هو الحجة في الكشف عن عدم القيد فالحجة في باب الدلالات اللفظية دائماً هو الظهور والدلالة الاثباتية بالدقة وإنّما تختلف درجاتها ومعه تتم النكتة المذكورة في المقام.

وهكذا لا يكون عدم التقييد بنحو كلي بنفسه مدلولاً للظهور اللفظي وإنّما هو مدلول التزامي منتزع من إطلاق اللفظ وسريانه لكل فرد فرد من أفراد الموضوع المقدرة الوجود في عالم الجعل فدلالة العام أو المطلق في مثال كل مائع متنجس منجس على عدم تقيده بغير ماء الاستنجاء مدلول التزامي لسريانه وشموله لماء الاستنجاء المفترض في القضية الحقيقية نجاسته بأن نقول : لو كان ماء الاستنجاء

٦١٣

نجساً لكان منجساً في عالم الجعل ، وحيث ثبت في الخارج عدم منجسيته يثبت انّه ليس نجساً. ولكن حيث انّ السريان المذكور أعني مفاد قولنا لو كان نجساً لكان منجساً على تقدير ثبوته يكون ساقطاً عن الحجّية لتقدم الدليل الدال على عدم منجسيته عليه فلا يكون المدلول الالتزامي له وهو نفي تقيد الجعل بغير ماء الاستنجاء حجة.

ويمكن أن نذكر بياناً جامعاً بين ما ذكرناه في حاشية الكتاب وما ذكرناه هنا فنقول :

تارة يكون وجه الدلالة على التخصّص كون مفاد العام أو المطلق قضية شرطية هي الملازمة في كل فرد بين عنوان الموضوع والحكم فكأنّ العام يخبرنا عن انّ كل انسان تثبت في حقه هذه الملازمة وهي مثلاً إذا كان فقيراً وجب اكرامه ، وحيث انّا نعلم انّ زيداً ليس واجب الاكرام فنستكشف انّه ليس بفقير.

واخرى يكون مبنى الدلالة على التخصّص نفي القيد في موضوع الجعل العام أو المطلق ولو كان مفادهما القضية الحملية الفعلية حيث انّ لازم ذلك انتفاء موضوع العام أو المطلق لا محالة في حق زيد.

أمّا البيان الأوّل : فيرد عليه عدم تماميته ، لأنّه مفاد اخباري منتزع من الجعل وليس هو مفاد الخطاب سواءً في العام أو المطلق ولو كان هذا هو المفاد لكان العام حجة في اثبات التخصّص جزماً كما يتمسك بامكان ذلك في الفقه. بل بناءً على هذا البيان لا يتم ما ذكر في جواب الاستاذ قدس‌سره أيضاً من العلم بالتقييد في القضايا الحقيقية إذ لو فرضنا مفاد العام هو الكشف عن هذه الملازمة فلا علم بكذبها في مورد حتى في القضايا الحقيقية ، إذ لعلّ المتكلم يحرز عدم امكان اجتماع موضوع العام ومنافرته مع ما يقتضي نقيض حكمه وهذا واضح.

٦١٤

وأمّا البيان الثاني : فهو مبني على أن يكون نفي القيود على اجمالها وكليتها ابتداءً هو مفاد العام أو المطلق وليس كذلك بل هو مدلول التزامي أو انتزاعي لاطلاق الحكم وشموله للفرد الفاقد للقيد في كل قيد بخصوصه المقدر وجوده في عالم الجعل وهذا الإطلاق ساقط عن الحجّية يقيناً بلحاظ الفرد الذي علمنا بخروجه الحكمي عن العام أو المطلق ، فعلى تقدير صحة هذه الفرضية وامكانها في القضية الحقيقية المجعولة في العام أو في القضية الخارجية فاطلاق العام لمثل هذا الموضوع المفترض ساقط عن الحجّية جزماً فلا يمكن التمسك به لاثبات نفي التقييد به وبالتالي اثبات التخصّص.

ولعلّ هذا هو روح مقصود سيدنا الاستاذ قدس‌سره أعني العلم بالتقييد والسقوط على تقدير كون المورد فرداً مقدراً للعام لا العلم بالتقييد على كل تقدير ليرد عليه ما أوردناه من النقوض الثلاثة ، فروح ما ذكره الاستاذ قدس‌سره في المقام تامة.

كما انّ ما ذكره المحقق العراقي قدس‌سره تام أيضاً بلحاظ الصيغة المدرسية للتمسك بالعام في الدوران بين التخصيص والتخصّص حيث انّهم يتمسكون بعموم العام للفرد الخارجي المعلوم انتفاء حكم العام فيه بنحو القضية الخارجية الفعلية ، أي ينظرون إلى عالم فعلية المجعول ومن هنا حكموا بأنّ المراد معلوم فيه وبناءً على هذه الصيغة يتجه كلام المحقق العراقي قدس‌سره من أنّ الخطاب العام ليس له ظهور تصديقي كاشف ليكون حجة وإنّما هو ظهور تصوري بحت ؛ بل قد عرفت انّ الخطاب لا ينظر إلى هذه المرحلة أصلاً ، وهذه نفس نكتة عدم حجّية العام في الشبهة المصداقية لمخصّصه ، فاسراء تلك النكتة إلى البحث تام على صيغة المشهور وغير تام على الصيغة المعدلة للتمسك بالعام.

٦١٥

ص ٣٦١ قوله : ( أقول : كلا هذين البيانين لو تم فهو مخصوص بغير المقام ... ).

هذا الاعتراض على المحقق العراقي قدس‌سره قابل للمناقشة بأنّ صيرورة العمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة فرع كون المعلوم بالاجمال وجود مخصصات فيما بأيدينا من الروايات لا وجود مخصصات في الواقع. وبناءً عليه قد يكون الانحلال حقيقياً لا حكمياً وهو يقبل فيه باشكال صاحب الكفاية.

والحاصل : للمحقق العراقي أن يدعي وجود علم اجمالي بوجود تخصيصات واقعية في موارد العمومات قبل الفحص مع قطع النظر عما بأيدينا من المخصصات للعلم اجمالاً بأنّ العمومات فيها عام وخاص وناسخ ومنسوخ في نفسه ، ومثل هذا العلم الاجمالي وإن كان وصولاً وعلماً إلاّ انّه لا يجعل العمومات من باب اشتباه الحجة باللاحجة إلاّإذا شخص نفس المخصص المعلوم بالاجمال المساوق مع الانحلال الحقيقي وهو خلف احتمال انطباق المعلوم بالاجمال على غيره بحسب فرضه ، ومعه لا يكون من اشتباه الحجة باللاحجة ، ولعلّه لذلك عبّر الاستاذ قدس‌سره بأنّه يمكننا أن ندعي انّه من اشتباه الحجة باللاحجة.

ص ٣٦٢ قوله : ( إلاّ انّ هذا الوجه لا يعالج الاشكال في العمومات الترخيصية ... ).

لا يقال : بل يعالجه أيضاً ، لأنّ العام الترخيصي المخصّص يستكشف بعد التخصيص عدم حجيته من أوّل الأمر لا من جهة كونه من اشتباه الحجة باللاحجة بمجرد العلم الاجمالي بالمخصصات بل من جهة أنّ الخاص يكشف

٦١٦

عن عدم ارادة العموم من العام من أوّل الأمر وانّ عموم العام في الطرف الآخر كان مقدماً عليه ، وهذا بخلاف موارد الانحلال الحكمي وجريان الأصل العملي في الطرفين القصير والطويل ، لأنّ العلم التفصيلي المتأخر أو الحجة التفصيلية المتأخرة عن العلم الاجمالي لا يكشف عن عدم جريان الأصل العملي فيه قبل حصوله ، ولو كان المعلوم به النجاسة المتقدمة لأنّ موضوع الأصل العملي نفس عدم العلم وهو كان حاصلاً بخلاف المقام فإنّه بعد حصول العلم التفصيلي بالمخصّص يعلم انّ العموم في الطرف الآخر كان مقدماً في الحجّية على العموم في الطرف الأوّل حتى قبل العلم التفصيلي بمخصّصه غاية الأمر لم يكن يعلم به المكلف.

فإنّه يقال : هذا مبني على أن يكون حجّية العام مقيدة بعدم المخصّص على خلافه واقعاً لا عدم وصول المخصّص بحيث لابد من نفيه بأصالة عدم المخصّص أو استصحابه ، وهو خلاف التحقيق بل الحجة على نفي التخصيص نفس ظهور العام في العموم ، وعليه فموضوع الحجّية في الاصول اللفظية ثابت قبل العلم التفصيلي أيضاً.

ص ٣٦٦ قوله : ( فصل : في شمول الخطابات لغير المشافهين ... ).

لا إشكال في امكان بل شمول الحكم المجعول في القضية الكبروية للغائب والمعدوم وإنّما البحث في شمول الخطاب بما هو مخاطبة يقصد بها التفهيم لغير الحاضر مجلس التخاطب وعدمه ، وقد ذكر الميرزا قدس‌سره انّ هذا البحث ينحل إلى نزاع عقلي في امكان مخاطبة المعدوم والغائب ثبوتاً وعدمه ونزاع لفظي فيما هو المستظهر من أدوات المخاطبة سواءً كانت حرفية كأدوات النداء أو كانت بنفس توجيه الكلام فهل هي ظاهرة في الاختصاص بالموجودين أم لا.

٦١٧

وقد علّق على ذلك بأنّ النزاع العقلي خارج عن البحث أيضاً لوضوح استحالة المخاطبة الحقيقية لغير الحاضر فضلاً عن المعدوم وامكان المخاطبة الانشائية الادعائية للجمادات فضلاً عن غير الحاضرين ، فالبحث ينحصر في النزاع اللفظي الاثباتي فلابد من تشخيص انّ مفاد أدوات الخطاب هل هو المخاطبة الحقيقية أو الانشائية ، والمستظهر كونها موضوعة للانشائي ، أي لاظهار توجيه الكلام نحو مدخولها بداعٍ من الدواعي (١) ، وهذا يرجع ملخصه إلى انّ الخطاب موضوع للانشائي وهو يمكن أن يعم الغائب والمعدوم.

وفيه ما ذكر في الكتاب من امور :

١ ـ امكان النزاع الثبوتي بتحديد المراد بالمخاطبة وقصد التفهيم ، فإنّ بعض معانيه معقول في حق المعدوم فضلاً عن الغائب كما في الدساتير والقوانين المشرعة حتى للأجيال القادمة.

٢ ـ انّ الخطاب الانشائي مبني على تصورات صاحب الكفاية في وجود المعنى باللفظ ، وقد أنكره وأنكرناه.

٣ ـ انّه لابد من تحديد معنى تصوري لأدوات الخطاب وضعاً ، لأنّ المعنى الموضوع له تصوري لا تصديقي.

٤ ـ مجرد امكان الوضع لمعنى انشائي أو تصوري يعم المعدوم والغائب لا يكفي إذا كان الظهور التصديقي كاشفاً عن قصد افهام الحاضرين فقط ولو لقرينة عقلية.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٥ : ٢٧٦.

٦١٨

الوجه الثاني : ما ذكره الميرزا قدس‌سره مع جوابه المذكور في الكتاب.

الوجه الثالث : ما اختاره السيد الشهيد قدس‌سره من أنّ أدوات الخطاب موضوعة لمعانيها التصورية النسبية الحرفية أو الانشائية وهي مخصوصة بالمخاطب.

نعم ، قصد الافهام مدلول تصديقي لا وضعي ، وظاهر حال المتكلم قصد افهام الحاضر لا الغائب والمعدوم إلاّمع القرينة على التوسعة كما في الشرائع والقوانين.

وما أوردناه في الهامش غير تام ، إذ أدوات الخطاب غير موضوعة لقصد الافهام بل للمعاني الانشائية الخاصة بالمخاطب الحاضر من نداءه أو الفاته أو غير ذلك كما أفاد الاستاذ ؛ وأمّا قصد الافهام فمدلول تصديقي ، وهو يعقل عمومه لغير الحاضر ، غايته بحاجة إلى قرينة على التوسعة كما أفاد الاستاذ.

ثمّ انّه أورد في نهاية الأفكار على الثمرة الثانية بجوابين :

الأوّل : التمسك بالاطلاق المقامي حيث انّ مثل قيد الحضور في زمن المعصوم عليه‌السلام من القيود التي يغفل عنها العرف ، فلو كان دخيلاً في الحكم لزم بيانه ، وهذا نظير ما يقال في باب قصد القربة من أنّه ينعقد إطلاق مقامي لنفي دخله في الغرض والملاك ولو فرض عدم الإطلاق اللفظي لنفيه لاستحالة تقييد الأمر به.

وفيه : انّه قياس لباب قيود الواجب بقيود الوجوب ، فإنّ ما يكون خلاف الغرض دخل قيد في الواجب مغفول عنه عرفاً كما في مثل القيود الثانوية ، وأمّا

٦١٩

المقام فالمفروض احتمال دخالة قيد الحضور في أصل التكليف بالجمعة مثلاً ، فلو فرض غفلة العرف عنه غاية ما يلزم منه تصور العرف تكليف غير الحاضرين بالجمعة ولا يلزم منه نقض لغرض المولى لكي يجب عليه بيانه بعد فرض انّ الخطاب لا إطلاق لفظي له بحسب الفرض ، نظير ما إذا كان اللفظ مجملاً من هذه الناحية ، فإنّه لا يدّعى انعقاد إطلاق مقامي على نفي الاختصاص.

والحاصل : لا ظهور حالي أو مقامي في انّ المولى لابد وأن يبيّن حكم من ليس مخاطباً له أيضاً لكي يلزم نقض الغرض ما لم يصرّح بذلك ، فالقياس على قيود متعلق الحكم قياس مع الفارق.

الثاني : ما ذكره المقرر من اثبات الملاك والمصلحة في الجمعة حتى لغير من يعقل تكليفه وهو المعدوم في زمن الخطاب نظير ثبوته باطلاق المادة أو المدلول الالتزامي في موارد العجز والتزاحم لعدم التبعية بين الدلالتين في الحجّية.

وفيه : انّه لا محذور في تكليف المعدوم في مقام الجعل بنحو القضية الحقيقية وإنّما المفروض اجماله نتيجة كون المخاطبة الحقيقية مخصوصة بالحاضرين مما أوجب اجمال الجعل وعدم اطلاقه لغيره ، ومن الواضح انّ الملاك إنّما يستكشف من إطلاق الخطاب فلابد من انعقاده ذاتاً أوّلاً ، وإنّما عدم التبعية بينهما في مرحلة الحجّية والسقوط عند المحقق العراقي قدس‌سره لا في أصل الانعقاد وهذا واضح أيضاً.

فأصل هذه الثمرة معقولة إذا لم يفترض كون الخطابات الشرعية كلها فيها قرائن ولو حالية شأنية على إطلاق الجعل وعدم اختصاصه بالحاضرين.

٦٢٠