أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

نظرية الاستعمال

ص ١١٩ قوله : ( وقد يتوهم : انّ ذلك ... ).

هناك جواب آخر أفضل من هذا الجواب ، وهو انّ المجاز في المقام ليس من المجاز في الكلمة بل من المجاز في الاسناد والمسند هو الحيوان المفترس ، ومدعى السكاكي رجوع المجاز في الكلمة إلى الادعاء والمجاز العقلي ، وأمّا المجاز في الاسناد فلا شك عند أحد في كونه من المجاز في الادعاء والتطبيق.

نعم ، يمكن دعوى ان ( رأيت أسداً يرمي ) أيضاً أبلغ وآكد من رأيت رجلاً شجاعاً يرمي. وجوابه : ان ( رأيت أسداً ) يعني رأيت شجاعاً كشجاعة الأسد ، فيكون آكد وأبلغ من رأيت شجاعاً.

ص ١٣٥ قوله : ( الثاني : أن يكون هناك تغاير ... ).

لا وجه لاشتراط ذلك في الاستعمال إلاّإذا خصصنا الاستعمال بالاخطار الحكائي والانتقال من تصور إلى تصور آخر دون الأعم منه ومن الايجادي كما في استعمال اللفظ وارادة شخصه ، ولا وجه للتخصيص المذكور ، فإنّ الايجادي أيضاً من استعمال اللفظ. فلا يشترط غير الشرط الأوّل شيء آخر في صحة الاستعمال.

٤١

ص ١٣٨ قوله : ( ولكن هذا التفسير لا يشمل كل الحالات ... ).

يمكن دعوى انّ الاحساس قابل للانحفاظ والذكر كالتصور وهو غير التصور ، فالمتكلم في نفسه أيضاً ينتقل من الاحساس إلى تصور المعنى ، كما انّ الاشتراط يحصل ابتداءً بين الاحساس السمعي باللفظ وتصوره وبين تصور المعنى فلا حاجة إلى افتراض الانسحاب إليه من خلال الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى.

ص ١٣٨ قوله : ( الخامس : ويمكن أن يعتبر بوجه ... ).

المغفولية ليست هي المرآتية وذلك :

أوّلاً ـ لأنّ الألفاظ ملتفت اليها حين الاستعمال وليست مغفولاً عنها سواء بلحاظ السامع أو المتكلم.

وثانياً ـ انّه لماذا لم يحصل ذلك في باب العلامات مع انّ الغرض منها أيضاً مقدّمي وأداتي في الانتقال الثاني أي للمتكلم؟

وثالثاً ـ كيف نفسّر انّ الإنسان حينما يفكر مع نفسه يفكّر بلغته أي يستذكر المعاني بالألفاظ وكأنّه يتكلّم بلغته مع نفسه؟ والمرآتية محفوظة فيه أيضاً. والذي نراه أنّ المعاني تربط بالاحساس السمعي للألفاظ بجانبه الذاتي فتكون تلك الاحساسات التي هي انفعالات داخلية ذاتية للانسان بمثابة الرموز على المعاني وهي غير تصور اللفظ وأجنبي عنه وإن كان بالتوجه اليها قد نتصور اللفظ أيضاً كالفرق بين الاحساس بحالة الخوف وبين تصور الخوف فليس بابه أصلاً باب التداعي التصوري بل باب الاستجابة للاحساس السمعي باللفظ ، فالمرآتية مفسّر بالوجه الرابع بعد تعديله بما ذكرناه وهي من خصوصيات نفس العلقة

٤٢

والدلالة اللفظية لا الاستعمال إذ حقيقة تلك العلقة إنّما تكون بين الاحساس باللفظ بجانبه الذاتي والمعنى لا بين تصور اللفظ والمعنى ، مع قطع النظر عن الاستعمال وقبله ، فتدبر جيداً.

ص ١٤٢ السطر الآخر قوله : ( نعم لو بني ... ).

لا وجه له حتى لو بني على ذلك لأنّ الموضوع له المجاز بالوضع النوعي هو واقع المشابه لا المشابه بما هو مشابه فلماذا يشترط استحضار المستعمل لحيثية المشابهة؟

وهكذا يتضح أنّه لا يشترط لصحة الاستعمال إلاّالشرط الأوّل من الشروط الخمسة المذكورة في الكتاب.

ص ١٤٦ قوله : ( وأمّا الجزء الثاني من المدعى ... ).

الصحيح بناءً على ما تقدم من أنّ الدال على المعنى ليس تصور الفظ بل الاحساس السمعي به. وهو غير مقولة التصور الذهني فإنّ التصورات من مقولة المعنى بخلاف الاحساس يتضح انّ استعمال اللفظ سواء كان في شخصه أو نوعه وصنفه أو مثله كلها تكون من اخطار المعنى بمعنى التصور بايجاد الاحساس السمعي باللفظ وكله من الاستعمال الاخطاري. وان الايجاد للاحساس لا التصور وإنّما ينتقل السامع والمتكلم منه إلى تصور اللفظ ، فبالدقة الاخطارية محفوظة هنا أيضاً.

نعم ، هذا لا ينافي أن نسمي هذا الاخطار بالايجادي بمعنى انّه تصور ذهني قائم على أساس المنبه الطبيعي الواقعي وهو الاحساس بالشيء وليس قائماً على أساس الربط بين اللفظ والمعنى أصلاً. ولا مشاحّة في الاصطلاح ، وهذه

٤٣

الخصوصية قد توجب صحة إطلاق الاستعمال الايجادي على كل أنواع استعمال اللفظ في اللفظ ، فإنّ الانتقال من التصور الجزئي إلى الكلي أو إلى مثله أيضاً من المنبه الطبيعي لا الشرطي الوضعي.

ص ١٤٨ قوله : ( الجهة الاولى : في تحرير محلّ النزاع ... ).

في المقام أربعة معان لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى اثنان منهما لا اشكال في جوازهما والثالث لا إشكال في استحالته والرابع هو محلّ النزاع ؛ وتفصيل ذلك كالآتي.

١ ـ أن يستعمل اللفظ في معنى هو جامع بين تلك المعاني بأن يقول مثلاً جئني بعين ويراد به المسمّى بالعين المنطبق على كل واحد منها.

٢ ـ أن يستعمل في معنى يعمّ ويشمل جميع تلك المعاني ، أي في مجموعها أو جميعها كالعام المجموعي أو الاستغراقي كما إذا أراد بالعين كل معانيها معاً ، وهذان النحوان لا إشكال في امكانهما إلاّانهما ليسا من الاستعمال في أكثر من معنى بل في معنى واحد يكون كل واحد من المعاني مراداً استعمالياً ضمنياً لا استقلالياً.

٣ ـ أن يستعمل في كل من المعنيين مستقلاًّ ، ونريد بالاستقلال أن لا يكون معه لحاظ لمعنى آخر أصلاً ، وهذا لا اشكال في استحالته لأنّه تناقض وخلف فرض الاستعمال في معنيين فإنّه يفترض تعدد المعنى الملحوظ لا محالة.

٤ ـ أن يستعمل في كل من المعنيين مستقلاًّ أي بما هو لا بما هو في ضمن

٤٤

معنى آخر ـ وهذا تعبير السيد الشهيد قدس‌سره ـ وإن شئت قلت : بأن يكون اللفظ دالاًّ على كل منهما مستقلاًّ كما في الاستعمال مرتين بحيث يكون هناك دلالتان وكشفان ويكون هذا الاستعمال بمنزلة استعمالين في استعمال واحد ـ وهذا تعبير صاحب الكفاية قدس‌سره ـ. وهذا هو محلّ النزاع.

ثمّ إنّ الاستقلالية والضمنية في الاستعمال غيرهما في الحكم كما أفاد السيد الشهيد ودفع به اشكال المحقق الاصفهاني ؛ وتمام النكتة انّ استعمال اللفظ في المجموع لا يعني تقيد الطبيعة في كل معنى بالطبيعة الاخرى الذي هو سبب التقييد والضمنية في الحكم بل يعني ارادة مجموع الطبيعتين المهملتين أي الجامعتين بين المطلق والمقيد ، وعندئذٍ يمكن أن يكون كل منهما موضوعاً مستقلاًّ للحكم كما في العام الاستغراقي.

لا يقال : التصور واللحاظ الواحد لمجموع الطبيعتين يستلزم تقيد احداهما بالاخرى لا محالة وهو يستلزم ضمنيتهما في مقام الحكم على هذا المجموع أيضاً.

فإنّه يقال : وحدة اللحاظ والتصور لا تستلزم تقيّد الملحوظ به وإلاّ لاستحال تصور العموم الاستغراقي ، وإنّما ينشأ التقييد والضمنية من وحدة المتصور والملحوظ.

ص ١٥٢ قوله : ( الثالث ما جاء في كلمات المحقق الاصفهاني قدس‌سره ... ).

صريح كلامه في الحاشية النظر إلى ايجاد المنزل عليه بالوجود التنزيلي ـ كما في تعبير الحاشية ـ أو العرضي والمجازي ـ كما في تعبير المنهج الجديد ـ فليس نظره إلى أصل التنزيل والجعل الذي يتحقق بالوضع.

٤٥

كما انّه ليس مقصوده من الوجود التنزيلي للمعاني الوجود الانشائي للمعنى باللفظ لكي يقال ـ كما عن بعض المتأخرين ـ بانكار ذلك المبنى.

وإنّما صريح كلامه النظر إلى مصطلح فلسفي مرتبط بأنحاء الوجود للشيء والماهية من كونه خارجياً تارة وذهنياً وكتبياً ثالثة ، ومنها الوجود اللفظي أي الوجود باللفظ ـ ولو كان هو من العرض والمجاز ـ.

وعلى هذا يرجع محصّل مرامه ( زيد في علوّ مقامه ) إلى انّ الاستعمال ايجاد ولو بهذا المعنى من الوجود أي ايجاد للفظ حقيقة وللمعنى تنزيلاً والاستقلال فيه بلحاظ كل من المعنيين يستلزم تعدد الوجود التنزيلي للمعنى لاتحاد الايجاد والوجود وتعدد الموجود التنزيلي يستلزم تعدد الوجود الحقيقي للفظ.

والاشكال الذي ذكر في الكتاب إنّما هو على المقدمة الأخيرة بحسب الحقيقة وحاصله : انّ تعدد الوجود التنزيلي لا يستدعي تعدد الوجود الحقيقي ؛ لأنّ الوحدة والتعدد بلحاظ كل وجود مضاف إلى عالمه وصقعه وفي المقام الوجود التنزيلي للمعنى أمر اعتباري تنزيلي مربوط بعالم الجعل والاعتبار ووحدته وتعدده مربوط به أيضاً وحيث انّ هناك تنزيلين فيه فلا محالة يكون هناك تعدد في الوجود التنزيلي ولا ربط لذلك بالوجود الحقيقي المنزّل وحدة وتعدداً ، فالحاصل وحدة الوجود التنزيلي وتعدده منوط بوحدة التنزيل وتعدده لا وحدة الوجود الحقيقي للفظ الذي هو مربوط بعالم آخر.

وما ورد في ذيل كلامه قدس‌سره من انّ التفرد والاستقلال في الوجود التنزيلي يوجب التفرد والاستقلال في الوجود الحقيقي وإلاّ لكان ايجاداً لهما معاً لا لكل منهما منفرداً.

٤٦

إن اريد به ما تقدم من انّ اتحاد الوجود التنزيلي للمعنى مع الوجود الحقيقي للفظ يقتضي الملازمة المذكورة فقد عرفت جوابه ، وإن اريد به انّ كون الوجود التنزيلي يوجد بالوجود الحقيقي خارجاً بما له من سنخ الوجود التنزيلي فهذا امّا أن يقصد به الآلية في مقام الاستعمال فهو رجوع إلى ما تقدم عن الكفاية وما ردّه هو ، وامّا ان يقصد مجرد كون الوجود التنزيلي في طول التنزيل يتحقق بالوجود الحقيقي فهذا قد عرفت جوابه من انّ تعدّد الوجود التنزيلي الذي يتحقق بالوجود الحقيقي تابع لمقدار التنزيل سعة وضيقاً ووحدة وتعدداً ولا يرتبط بوجه أصلاً بحقيقة الوجود الحقيقي من حيث الوحدة والتعدد.

ص ١٥٥ قوله : ( ثمّ إنّ ما ذكرناه إنّما نقصد به نفي خروج ... ).

الظاهر أنّ مخالفة استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يمكن تفسيرها على أساس مجرد مخالفة الظهور الحالي للمتكلم ، بل هي ذات نكتة أعمق من ذلك ؛ ولهذا لا يقع في أية لغة ومحاورة ، ولا يكون كالاستعمالات المجازية أو المخالفة للظهورات الحالية الاخرى والتي تقع كثيراً في اللغة ، بل يلحظ أنّ الذهن حتى في مرحلة المدلول التصوري قبل الاستعمال لا ينسبق إلى ذهنه أكثر من معنى واحد حتى من الألفاظ المشتركة أو يتردد بين معانيها ولا ينسبق جميعها إلى الذهن ، فمجموع هذه النكات وغيرها يجعل المحذور أعمق ممّا ذكر.

والذي أتصوره أنّ العلاقة الوضعية التصورية حيث تتحقق بين اللفظ وكل معنى مستقلاًّ ووحده في مقام الانسباق إلى الذهن أي من خلال انسباق واحد لا انسباقين فلا يحصل انسباقان من إطلاق اللفظ معاً إلى الذهن حتى في مرحلة

٤٧

المدلول التصوري قبل الارادة الاستعمالية التصديقية ؛ ولهذا حتى إذا سمعنا اللفظ من الجدار لا يحصل انسباقان عرضيان منجّزان ، بل يحصل نحو تردد أو إجمال حتى في مرحلة الانسباق التصوري إذا لم تكن قرينة معيّنة نظير عدم انسباق شيء من المعاني المجازية المتعددة حين سماع اللفظ مع القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي.

وهذا مطلب صحيح قابل للتفسير بناءً على مبنانا في حقيقة الوضع والعلقة الوضعية ، فإنّ كيفية الاقتران بين التصورين من حيث الوحدة والتعدد أيضاً من حدود وخصوصيات المنبّه الشرطي ، فإذا كانت العلقة التصورية الحاصلة بنحو علاقة واحد بواحد تصوراً لا واحد باثنين فلا يحصل بالمنبّه الشرطي وقانونه التكويني إلاّنفس الكيفية من العلاقة التصورية كما انّ علاقة واحد باثنين مستقلين أيضاً علاقة وسببية تصورية ذهنية غير علاقة واحد بواحد بحيث لو تحققت بين اللفظ ومعنيين مستقلين كان اللفظ دائماً يوجب انسباق الاثنين باللفظ فلا يصح استعماله في واحد.

والارادة الاستعمالية أيضاً ليس إلاّقصد استخدام نفس المنبّهية الشرطية الحاصلة بالوضع لا استحداث منبهيّة شرطية جديدة ، ومن هنا يكون الاستعمال في معنيين مستقلين معاً باستعمال واحد خلاف طبيعة العلقة الوضعية فهو يشبه استعمال اللفظ المهمل في معنى والذي لا يصلح ولا يكون استعمالاً لغوياً حتى إذا فرض إمكان افهام ذلك المعنى به بأي شكل من الاشكال.

ولعلّ هذا مقصود من قال بأخذ قيد الوحدة في المعنى ، ومنه يعلم أنّ عدم صحة استعمال اللفظ في أكثر من معنى ليس لخصوصية مربوطة بعالم الاستعمال

٤٨

والدلالة الاستعمالية التي هي دلالة تصديقية وإنّما هو ـ كالمرآتية على ما تقدّم منّا ـ مربوط بمرحلة الدلالة التصورية الوضعية فإنّها حاصلة على نحو علاقة واحد بواحد تصوراً ، بل هذا من شؤون مرآتية الدلالة بالمعنى الذي تقدّم في تحليلها ؛ ولهذا أيضاً ربط القائلون بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى ذلك بمبنى الفنائية ومرآتية الاستعمال.

لا يقال : لا يعقل الترديد في انسباق المعنى من اللفظ في عالم الذهن لأنّ الفرد المردّد ممتنع خارجاً وذهناً. نعم ، المردد قد يعقل بلحاظ المدلول الاستعمالي كما في الكتاب في الجهة القادمة من البحث ، فلابد من فرض أحد شقوق :

إمّا عدم انسباق معنىً أصلاً من اللفظ المشترك إلى الذهن عند سماعه فكأنّه لفظ مهمل ، وهذا خلاف الوجدان. أو انسباق أحد المعنيين دون الآخر ، وهو ترجيح بلا مرجح ، في الامور التكوينية وهو محال. أو انسباق كلا المعنيين الحقيقيين إلى الذهن معاً فيكون كاللفظ المختص غير المشترك على مستوى الدلالة اللفظية الوضعية التصورية ، فلابد وأن يكون المخالفة بلحاظ الظهورات الحالية التصديقية لا الظهور التصوري الوضعي.

فإنّه يقال : يعقل التردد بمعنى آخر لا يساوق وجود الفرد المردد الذهني لكي يكون محالاً ، بل بمعنى التوقف والابهام في ربط المعنى باللفظ وتحقّق الاستجابة الذهنية منه ، فإنّ هذا غير الوجود الذهني ليستحيل فيه الترديد ، بل هو من سنخ الفعاليات الذهنية فيبقى الذهن متردداً فيه ، نظير ما إذا نسى الإنسان أنّ اسم زيد هل كان لابن عمرو أو ابن خالد ، فإنّه عند سماعه من الجدار لا يكون كسماع اللفظ المهمل كما لا يحس بارتباطه بكليهما ، بل يتردد ذهنه بين أحد الشخصين لا مفهوم أحدهما ، فإنّه لم يوضع له ، وليس علماً بل واقع أحدهما

٤٩

أي يتردد ذهنه في مقام الانسباق بين تصور ابن عمرو وتصور ابن خالد ، فكذلك الحال في سماع اللفظ المشترك مع عدم القرينة المعينة على مستوى الدلالة التصورية ، أو كاللفظ مع القرينة الصارفة عن معناه الحقيقي ووجود معاني مجازية متعددة له ، فإنّ الذهن أيضاً لا ينسبق إليه شيء منها بل يبقى متردداً بينها رغم انّه ليس كالمهمل المحض.

فالحاصل كون العلاقة الحاصلة من الاقتران مع المعنى علاقة واحد بواحد لا واحد باثنين والاستجابة الاقترانية الشرطية تكون بنفس الخصوصية التصورية حتى من حيث حدود التصورين المقترنين بحيث لو تغيّرت ولو كان المتصور واحداً لما تحققت نفس الاستجابة ، يؤدّي إلى التردّد بين المعنيين فلا يستقرّ الذهن على شيء منهما ، والاستعمال لا يكون إلاّاستخدام نفس الاستجابة والصلاحية المذكورة ، فإذا لم يكن اللفظ صالحاً على مستوى الدلالة التصورية إلاّلاخطار أحد المعنيين فلا يكون استعماله في اخطار كليهما استعمالاً صحيحاً ، وإن أمكن إفهام ذلك بالقرائن ونحوها ، إلاّأنّه ليس بالطريقة والآليّة الوضعية.

ثمّ انّ هناك محذوراً آخر على مستوى الدلالة التصورية في استعمال اللفظ في أكثر من معنى ينشأ من وحدة التصور الذي يكون بازاء المحمول والمحكوم به على المعنيين ، وكذلك وحدة النسبة التي هي بازاء هيئة الجملة التامة أو الناقصة ، فإنّها تصورات واحدة لا متعددة ، فلا يمكن أن تربط بالتصورين والمعنيين المستقلين للمشترك بما هما مستقلان ، كما إذا قال زيد جاء وأراد به كلا الزيدين مستقلاًّ ، فإنّه ممتنع من دون وجود ما يدل على تكرار النسبة والمحمول كما في موارد العطف ، وهذا يعني انّ العملية التصورية لابد وأن

٥٠

تكون علاقة واحد بواحد بلحاظ جميع مفردات وأبعاض الكلام الواحد على مستوى المدلول التصوري للألفاظ حتى المشتركة.

وإن شئت قلت : هذا خلف وحدة الأطراف الاخرى في التراكيب والجمل دالاًّ ومدلولاً وعدم تعددها ، فإن اريد استعمال اللفظ في أكثر من معنى بنحو الاستقلال بحيث يكون كل معنىً منها طرفاً في نسبة مستقلة مع الطرف الآخر فهذا محال ؛ لأنّ تعدد النسبة في الذهن تستلزم تعددها وتعدد لحاظ طرف كل منها عن الاخرى ، وإن اريد ذلك بنحو بحيث يكون في قوّة تكرار النسبة والطرف المشترك فهذا معقول ، إلاّأنّه ليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، بل من التقدير بحرف عطف ونحوه ، وهو من تكرار الدال والمدلول وخارج عن هذا البحث.

والحاصل : استعمال اللفظ في أكثر من معنى لا يعقل إلاّبنحو تكرار النسبة وهو من التقدير أو الجمع بينهما في طرف النسبة الواحدة ، وهو من الاستعمال في المجموع ، وما يذكر من الأمثلة على الاستعمال في أكثر من معنى ، من قبيل : ( مررت بعينين جارية وباصرة ) أو الشعر المعروف :

أي المكان تروم ثمّ من الذي

تمضي له فأجبته المعشوقا

ويريد بالمعشوق قصر المتوكّل بسامرّاء ، ومعناه الاشتقاقي وهو معشوقه معاً ، كلّها ترجع إلى التكرار والتقدير ، حيث انّ هناك نسبتين في الجملة تحتاج كل واحد منها إلى طرف مستقل ، فيكون تعدد النسبة التامة في المثال الثاني والناقصة الوصفية في المثال الأوّل قرينة على تكرّر المعنى والاستعمال ، وكلّ منهما في معنى واحد أيضاً لا أكثر ؛ ولهذا لا يفهم وقوع المعنيين معاً طرفاً لكلتا النسبتين ، مع انّ الاستعمال في معنيين يقتضي ذلك ، فتدبّر جيداً.

٥١

ص ١٥٥ قوله : ( استعمال المثنى أو الجمع في أكثر من معنى ... ).

صاحب المعالم ذهب إلى انّ استعمال المفرد في أكثر من معنى مجاز لانثلام قيد الوحدة المأخوذة فيه. وأمّا المثنى والجمع فلا محذور في ارادة فردين أو أفراد كل منها من أحد المعنيين ، ويكون حقيقياً لا مجازياً ، لأنّ ذلك في قوة أن يقال جئني بعين وبعين ويراد بكل منهما معنى غير الآخر.

ولا شك في انّ الوجدان اللغوي لا يرى صحة ذلك في تثنية أسماء الأجناس ونحوه ممّا تكون مادة التثنية والجمع مفهوماً كلياً له مصاديق متعددة أي في غير أسماء الأعلام والإشارة والموصولات ونحوها ، بل المستظهر ارادة فردين من معنى واحد لا مطلق فردين ، ولو من معنيين.

ولتوضيح البحث ينبغي التكلم في مقامين :

الأوّل : في الوجوه التي يمكن على أساسها تخريج وتحليل مدعى صاحب المعالم في التثنية والجمع وأنها هل تكون من باب الاستعمال في أكثر من معنى أم لا؟

الثاني : في كيفية تخريج التثنية والجمع في أسماء الأعلام والإشارة ونحوه.

أمّا المقام الأوّل : فتارة نبني على وضع واحد للمثنى والجمع كالمفرد ، واخرى نبني على انّه من باب تعدد الوضع وتعدد الدال والمدلول أي المادة موضوعة لمعناها والهيئة أو حرف التثنية والجمع موضوعة للمتعدد من ذلك المعنى.

٥٢

أمّا على المعنى الأوّل : فقد يقال انّ المثنى والجمع موضوعان للمتعدد ـ اثنان في المثنى وثلاثة فأكثر في الجمع ـ الأعم من معنى واحد أو أكثر ، ومن هنا يكون إرادة ذلك حقيقياً.

والجواب : مضافاً إلى عدم صحة هذا المبنى بل الوضع في أمثال المقام من باب تعدد الدال والمدلول وتعدد وضع المادة والهيئة والتركيب بينهما ، انّ هذا لو سلّم فهو من الوضع لمعنى واحد جامع ، ويكون من الاستعمال في معنى واحد دائماً لا في معنيين. وإنّما يكون من الاستعمال في معنيين لو اريد بمعنيين فردان من الباصرة وفردان من الجارية معاً ، وهذا ما لا يقبله صاحب المعالم أيضاً.

وأمّا على الثاني : فلا يمكن توجيه وتخريج مقالة صاحب المعالم لأنّ المادة لو استعملت في معنى واحد سواء كان أحد المعنيين أو الجامع بينهما أو المسمّى باللفظ أو المجموع فهذه كلها من الاستعمال في معنى واحد لا في معنيين ؛ لأنّ المفهوم بأزاء المادة فيها جميعاً مفهوم واحد لا أكثر ، وهو خارج عن البحث.

وإن استعملت في معنيين فاريد بالعين في ( عينين ) كل من الباصرة والجارية مستقلاًّ لزم الاستعمال في معنيين إلاّانّه حينئذٍ يلزم استعمال الهيئة أيضاً في معنيين ـ كما انّه لابد وأن يكون مجازاً على مبنى صاحب المعالم ، لأنّ المادة مأخوذ فيها قيد وحدة المعنى بهذا المعنى.

أمّا الثاني فواضح ، وأمّا الأوّل فلأنّ الهيئة سوف يقتضي ارادة فردين من كل من المعنيين المستقلين ، وهو من استعمال الهيئة في معنيين ؛ لأنّ المعنى

٥٣

الحرفي النسبي المضاف إلى كل من المفهومين المستقلين غيرها بلحاظ المفهوم الآخر حيث أنّ الحروف موضوعها لمعانيها النسبية الآلية بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، فبتعدد الخاص والمعنى المنتسب تتعدد النسبة فيتعدد المعنى الحرفي لا محالة.

ومنه يظهر بطلان ما في المحاضرات من قياس ذلك بالعشرين والطائفتين ونحوها ، فإنّ المادة في تلك الأمثلة كلها مستعملة في معنى واحد لا في معنيين مستقلين.

وقد يقال : انّ حروف التثنية والجمع حيث انها موضوعة للدلالة على المتعدد فيلغى بذلك قيد الوحدة المأخوذة في المادة إذا كانت مفردة فكأنّ المادة الجامعة بين المفرد والمثنى والجمع موضوعة لذات المعنى ، ومع هيئة الافراد موضوعة لها بقيد الوحدة ، ومع التثنية والجمع بلا ذلك القيد فيمكن إرادة المتعدد من المعنيين بأن يكون فرد من هذا وفرد من الآخر.

وفيه : الوحدة والتعدد المفاد بالتنوين وبحروف التثنية والجمع إنّما هي الوحدة والتعدد المصداقي الوجودي لا المفهومي ، فهذا التقريب فيه خلط بين معنيين للوحدة كما هو واضح.

وقد يقال : انّ حروف التثنية والجمع تكون بمثابة تكرار المادة ، فكأنّه قال : ( جئني بعين وعين ) فيمكن أن يراد بأحدهما الباصرة والاخرى الجارية مثلاً.

وفيه : أوّلاً ـ هذا لو سلّم فليس من الاستعمال في أكثر من معنى بل استعمال كل لفظ في معنى واحد.

٥٤

وثانياً ـ غير صحيح في نفسه ؛ لأنّ هذا معناه تجريد هيئة التثنية والجمع عن المعنى رأساً وجعله علامة وإشارة إلى تكرار اللفظ في مقام الاستعمال أي يتصور اللفظ مرتين بحيث يخطر بكل منهما معنىً غير الآخر إلى الذهن ، وهو مقطوع الفساد ؛ لأنّه لم يسمع اللفظ إلاّمرة واحدة ، وما لم يتكرّر اللفظ لا يتكرّر الاستعمال ولا تتكرّر الاستجابة الذهنية التي هي الآليّة الوضعيّة اللغويّة.

وهكذا يظهر انّه لا يوجد تصوير معقول لمقالة صاحب المعالم قدس‌سره يكون من باب استعمال التثنية والجمع في أكثر من معنى وإنّما يعقل ذلك بأن تستعمل المادة في المسمّى أو الجامع بين المعنيين ـ لو كان بينهما جامع حقيقي ـ وهو من الاستعمال في معنى واحد كما انّه مجاز جزماً. وعليه فلا فرق بين المفرد والمثنى أو الجمع في عدم صحة استعمالها في أكثر من معنى واحد.

وأمّا المقام الثاني : وهو في كيفية تخريج وتحليل تثنية أسماء الأعلام ونحوها وجمعها كالزيدين وهذين واللذين ، وهذا بحث لا ربط له بالاستعمال في أكثر من معنى ، بل هو بحث مستقل حيث يوجد اشكال في التعدد المصداقي لمعاني هذه الأسماء في نفسه لعدم إمكان ذلك فيها. فقد ذكر عدة وجوه لتخريج ذلك :

منها ـ ما في الكتاب من استعمال المادة في هذه الأسماء في المسمّى ، فالزيدان يعني فردان ممن يسمّى بزيد وهذا مفهوم مجازي كلي قابل للتكثر المصداقي ، وقد يشهد عليه طروّ لام التعريف فيقال : ( جائني الزيدان ) بينما لا يقال ( جائني الزيد ).

٥٥

وناقش فيه السيد في الكتاب تارة : بأنّ هذا إن صحّ في أسماء الأعلام فلا يصح في اسم الإشارة والموصول والضمير. وتوجيه العراقي غير وجيه كما في الكتاب. واخرى : بأنّه خلاف ارتكازية علمية الاعلام حتى في موارد التثنية والجمع ومجرد دخول الألف واللام عليه لا يدلّ على كونه نكرة وأنّ المراد من المادة المسمّى بل الدلالة على نحو من التعيين المتناسب مع التثنية والجمع وهذا وجداني.

ومنها ـ ما في الكتاب بعنوان الثاني مع جوابه مضافاً إلى عدم احساسنا بالتردد في الاعلام وأسماء الإشارة ونحوها. نعم ، هذا قد يناسب أسماء الأجناس بأن يراد فردين من أحد المعنيين بنحو الترديد.

ومنها ـ ما في الكتاب بعنوان الثالث ، وقد ارتضاه السيد رغم ايراده على التعميق الذي في كلام الأصفهاني.

إلاّ أنّه غير تام أيضاً لأن لو اريد به فردين من لفظ عين ـ بناءً على استعماله في نوعه ـ فهو لا يوجب تعدد المعنى أصلاً ، بل تصور فردين من لفظ عين من دون الانتقال من العين إلى معناه بل لا استعمال للمشترك هنا أصلاً نظير موارد استعمال اللفظ في اللفظ والذي لا يكون اللفظ المنتقل إلى الذهن باللفظ مستعملاً في معناه ، وهذا واضح.

وإن اريد انّ الألف والنون علامة تكرار اللفظ تصوراً فهذا ليس بابه باب الدلالة على المعنى أصلاً كما أشرنا في ذيل المقام الأوّل ، وغير معقول لوضوح أنّا لا نتصور ولا نحسّ بالمادة إلاّمرّة واحدة لا مرتين ، وباب الدلالة

٥٦

والاستعمال باب السببية التكوينية بين الاحساس باللفظ وتصور المعنى كما ذكرنا مراراً. فما لم يتعدد اللفظ سواء كان مادة أو هيئة احساساً واستعمالاً لا يخطر في الذهن تصوران منه. على أنّ تكرار اللفظ في الجميع لابدّ وأن يكون مشخّصاً عدده وليس كالمعنى الذي يمكن أن يراد بالهيئة ما زاد على الثلاث منه.

مضافاً إلى أنّ هذا خلاف الوجدان البديهي ، وخلاف ما هو مسلّم من دلالة التثنية والجمع على إرادة المتعدد من معنى المادة لا لفظها.

وإن اريد انّ هيئة التثنية والجمع كواو العطف ، فجوابه انّ العطف معناه ربط المعطوف بحكم المعطوف عليه ، ونسبته التامة أو الناقصة إلى طرفه ، وهذا لا يتعقل في المعاني الافرادية والجمع والمثنى كالمفردات من المعاني الافرادية وخلاف الوجدان القطعي فيما هو معنى التثنية والجمع.

ومنها ـ ما ذكره البعض من أنّ هيئة التثنية والجمع تدل على المتعدد من مدخولها سواء أكانا معنيين بأن يكونا مشتركين في اللفظ فقط دون المعنى أم فردين بأن يكونا مشتركين في اللفظ والمعنى معاً (١).

وفيه : انّ هذا رجوع إلى استعمال المادة والمدخول في المسمّى في أسماء الأعلام والذي لم يقبله. فإنّ فردين مشتركين في اللفظ فقط لا معنى له إلاّذلك ولا أدري كيف جمع بين المطلبين.

__________________

(١) المباحث الاصولية ١ : ٣٤٢.

٥٧

ومنها ـ أنّ هيئة التثنية والجمع لم توضع لفردين أو أفراد من الطبيعة ليقال بعدم تعقل ذلك في أسماء الأعلام والإشارة ونحوها ، بل للمتعدد من معنى المادة ، فإن كانت المادة اسم جنس فالمتعدد منه يعني عددين من الإنسان مثلاً في الذهن نكرتين ، وإن كانت المادة اسم علم فالمتعدد منه يعني عددين من خصوص المعاني العلمية لا مطلق المسمّى ، وهو يلازم تصور المعاني العلمية فقط من دون أن تكون المادة مستعملة في المسمّى ، بل ابتداءً تأتي تلك المعاني العلمية إلى الذهن ، ومن هنا لا تكون نكرةً محضةً ، وإن كانت المادة اسم إشارة أو موصول يكون المتعدّد منه بمعنى تعدّد النسبة الإشارية الذهنية لمفردين مذكرين أو مؤنثين المستلزم تبعاً لتعدد المشار إليه ، وما لا يقبل التكثير والتعدّد إنّما هو المشار إليه لا النسبة الاشارية الذهنية والتي هي الاستجابة الوضعية الذهنية في أسماء الإشارة والموصولات والضمائر.

وهذا البيان لعلّه أنسب البيانات ، وهو ليس من الاستعمال في معنيين أيضاً ، بل من باب إرادة مجموع المعنيين العلميين أو مجموع الاشارتين ، غاية الأمر استفيد ذلك من الجمع بين المادة وأدوات الجمع والتثنية بنحو تعدد الدال والمدلول كما في اسم الجنس أيضاً فإنّه يفهم من رجلين مجموع رجلين أي صورة ذهنية واحدة لاثنين لا صورتان مستقلتان لكل من الرجلين ، فتدبر جيداً.

٥٨

علامات الحقيقة والمجاز

كان الأنسب البحث عن طرق اثبات الظهور والدلالات اللفظية بأقسامها وأقسام الشك والتردّد فيها ، وهو بحث أوسع من علامات الحقيقة والمجاز ، يرجع إلى اثبات صغرى الظهورات التي هي أهم الأدلّة الشرعية وأوسعها ، وفيها نكات وجهات مهمّة وقواعد عامّة لا يستغني عنها الفقيه ، وهذا بحاجة إلى تحرير وتوفيق جديد لا يسعه هذا المجال.

ص ١٦٨ قوله : ( والصحيح عدم إمكان استعمالها ... ).

الظاهر أنّ المراد من صحّة الحمل والسلب وعدم صحتهما ليس ما ذكره الاصوليون من فرض معنيين أحدهما في طرف الموضوع والآخر في طرف المحمول وايقاع النسبة الحملية الذاتية أو الصناعية بينهما ليقال أنّ ذلك أعم من كون اللفظ في طرف المحمول مستعملاً في ذلك المعنى بنحو الحقيقة أو المجاز ، فإنّ هذا واضح.

وإنّما المقصود صحّة عقد القضية اللفظية بما للفظ المحمول من المعنى الارتكازي في الذهن ـ نتيجة الوضع لدى العارف باللغة ـ مع المعنى الواقع موضوعاً للقضية ، فإذا صحّ في الذهن ذلك بنحو الحمل الأولي دلّ على انّه المعنى الموضوع له ، وإذا صحّ بنحو الحمل الشايع دلّ على انّه حقيقة فيه أيضاً ، وهذا من نتائج القرن والتلازم التصوري بين اللفظ والمعنى بسبب الوضع.

وبتعبير القوم من نتائج العلم الارتكازي بالمعنى الذي تتبدل إلى العلم

٥٩

التفصيلي بمنبهية صحة عقد القضية الحملية أو عدم صحة سلبها والعكس بالعكس.

فالحاصل كما أنّ ذلك العلم الارتكازي أو بالتعبير الدقيق التلازم الواقعي التصوري الحاصل نتيجة القرن اللغوي يوجب إمكان المنبهية من طرف اللفظ نحو المعنى عند اطلاقه ، وهو المعبر عنه بالتبادر كذلك يوجب إمكان المنبهية من طرف المعنى بأخذه في طرف الموضوع واجراء اللفظ عليه من خلال قضية حملية موجبة أو سالبة بنحو الحمل الذاتي أو الشائع الصناعي فينتبه الذهن إلى تمام المعنى في الذاتي وإلى اطلاقه في الشائع الصناعي.

وبعبارة اخرى : لا نتصور أوّلاً معنى الإنسان ونحمله على الحيوان الناطق أو الرجل الشجاع فنحمله على زيد الشجاع من خلال لفظ أسد ليقال بأنّ هذا أعم من استعماله فيه بنحو الحقيقة أو المجاز. بل نعلم انّ زيداً رجل شجاع كما نعلم انّه ليس الحيوان المفترس ، ولكن لا ندري أنّ أسد اسم للثاني بالخصوص أو للأعم فنقول : زيد الشجاع أسد بما له من المعنى المرتكز في الذهن أو ليس بأسد كذلك ، فإن صحّ الأوّل ثبت الحقيقة في الرجل الشجاع وإن صحّ الثاني ثبت المجاز. وهذا واقعه التبادر ولكن من خلال منبهية صحة الحمل والسلب ، لا من خلال اللفظ المجرد فإنّه ربّما لا يكفي اللفظ المجرّد للمنبهيّة لأنّ الاقترانات في باب اللغة إنّما تكون من خلال الاستعمالات التركيبية في الكلام لا المفردات المحضة أي من خلال الجمل الحمليّة ونحوها. فقد لا يتحقق التبادر والمنبهية من إطلاق اللفظ المفرد ولكن يتحقق من خلال الجملة الحملية الموجبة أو السالبة. بل في صحة السلب للفظ بما له من المعنى الارتكازي المردّد يثبت انّ المعنى المتبادر منه لا يشمل الموضوع ، وهذا الجانب السلبي لم يكن يمكن

٦٠