أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

الاولى : ما ذهب إليه في الكفاية من أنّ هذا يرجع إلى الاختلاف في كيفية تعلّق الحكم بالمقام.

وفيه : أوّلاً ـ وضوح ثبوت الفرق المذكور بين الاقسام لأدوات العموم تصوراً وقبل مرحلة الحكم على شيء منها ، فهناك تصور يأتي في الذهن من كل عالم يختلف عن واحد من العلماء وعن مجموع العلماء.

وثانياً ـ انّ كيفية تعلّق الحكم يرجع إلى كيفية الموضوع المأخوذ في الحكم وتابع له من حيث كونه واحداً أو متكثراً استغراقياً أو مجموعياً.

الثانية : ما ذهب إليه المحقق العراقي قدس‌سره من انّ المجموعية والاستغراقية كما ذكره الخراساني ولكن البدلية تختلف عنهما مع قطع النظر عن تعلّق الحكم ، إلاّ انّه لا يرجع إلى فارق في العموم ومدلول أدواته ، بل إلى فارق في مدخوله حيث انّه تارة يكون الجنس أو الجمع كان استغراقياً أو مجموعياً ، واخرى يكون النكرة ، فحيث انّه أخذ قيد الوحدة فيه فلا محالة يكون عمومه بدلياً لا شمولياً ، وإلاّ كان خلف الوحدة.

والجواب عن الجزء الأوّل اتضح ، وعن الجزء الثاني بما في الكتاب ص ٣٢٣ من النقض أوّلاً بكل رجل الاستغراقي وأيّاً من الرجال البدلي. وثانياً بأنّ هذا قد يتم بناءً على كون العموم استيعاب مفهوم لمصاديق نفسه لا استيعاب مفهوم لمصداق مفهوم آخر ، فإنّه حينئذٍ يعقل كلا نحوي الاستيعاب البدلي والاستغراقي سواء كان المفهوم الآخر منكراً أم لا.

الثالثة : ما ذهب إليه السيد الخوئي قدس‌سره من انّ منشأ الاختلاف راجع إلى كيفية ملاحظة الطبيعي في موضوع الحكم ، فإنّه تارة يلحظ من دون لحاظ فنائه في

٥٤١

أفراده كما في القضية الطبيعية الإنسان نوع فلا صلة له بالعام والخاص ، واخرى يلحظ بما هو فانٍ في أفراده وعندئذٍ تارة يلحظ فانياً في أفراده على نحو الوحدة في الكثرة يعني يلاحظ الأفراد الكثيرة واقعاً وحقيقة في ضمن مفهوم واحد وتلغى جهة الوحدة بين الأفراد في مرتبة الموضوعية فيكون استغراقياً ، واخرى يلحظ فانياً في الأفراد لا على نحو الوحدة في الكثرة بل على نحو الوحدة في الجمع فتلغى التكثرات في مرتبة الموضوعية ويلاحظ المجموع موضوعاً واحداً وهذا هو المجموعي ، وثالثاً يلحظ فانياً في صرف وجوده في الخارج ويجعل الحكم عليه ، فجهة الكثرة وجهة الجمع كلتاهما تلغيان في مرتبة الموضوعية ، يعني لم يؤخذ شيء منهما في الموضوع فيكون بدلياً ، والموضوع واحداً من الأفراد لا بعينه.

وفيه : أوّلاً ـ انّ هذا لا يختلف عمّا ذكره صاحب الكفاية قدس‌سره لبّاً وروحاً من حيث ارجاع الاختلاف بين الأقسام إلى كيفية لحاظ الموضوع في مرحلة جعل الحكم والموضوعية ، وقد عرفت انّ الأقسام الثلاثة ثابتة بقطع النظر عن ترتيب حكم أصلاً على كل قسم وانّ الاختلاف ثابت في مرحلة المفاهيم الإفرادية والمدلول التصوري لأنواع العموم.

وثانياً ـ انّ فناء الطبيعة في أفرادها بالأنحاء الثلاثة غير معقول على ما تقدم ، فإنّ الطبيعة لا تحكي إلاّذاتها.

وثالثاً ـ انّ هذه الأنحاء الثلاثة من الفناء للطبيعة في أفرادها إذا كانت معقولة لم يبق فرق بين العموم والإطلاق فإنّه في المتعلّق الاستغراقي والبدلي أيضاً يكون الفناء بالنحو المذكور فلم يبق فرق بين البابين بعد أن كان النظر في هذه القضايا إلى الخارج لا محالة.

٥٤٢

وإن شئت قلت : انّ الفناء لو كان لنفس الطبيعة فبعد أن تنصب القرينة على انّ القضية ليست طبيعية بل بلحاظ الخارج لا يبقى فرق بين المطلق والعام من ناحية الدلالة على الأفراد بأحد الأنحاء الثلاثة.

الرابعة : ما ذهب إليه السيد الشهيد قدس‌سره وجملة من المحققين ـ كالإمام الخميني قدس‌سره في تقريرات بحثه ـ من انّ الأقسام الثلاثة ثابتة في المدلول التصوري الافرادي للعموم وانّ هناك فرقاً وضعياً بين واحد من العلماء ومجموع العلماء وكل عالم من العلماء مع قطع النظر عن تعلّق الحكم والمدلول التركيبي للكلام. وهذا الكلام ظاهره انّ نفس العموم والشمول يكون له أقسام ثلاثة على حدّ الفرق بين مفهومي الجميع والمجموع.

وهذا الكلام بحاجة إلى تمحيص ، فإنّه ربما يناقش في ذلك بأنّ العموم والاستيعاب واحد دائماً ، وإنّما الاختلاف المذكور ناشىء من المدخول وكيفية ملاحظته مع مفهوم العموم والاستيعاب ، امّا في الاستغراقية والمجموعية فباعتبار أنّ مدخول الأداة في المجموعي هو تمام الأفراد بما هو أمر واحد ، فالوحدة ملحوظة في مدخول أداة العموم ، فيكون مفادها استيعاب كل فرد من المجموع كأجزاء لذلك الأمر الوحداني ، وهذا بخلاف ما إذا لم تلبس الأفراد ثوب الوحدة فيكون الاستيعاب افرادياً واستغراقياً لا محالة ، هذا إذا دخل كل على الجمع ، وامّا إذا دخل على الفرد نحو ( كل عالم ) فلا اشكال في استغراقيته.

وأمّا البدلي أعني ( أي ) فيمكن أن يكون موضوعاً للعموم البدلي المباين مع الاستغراقي ، فإنّ الأوّل كالاشارة المرددة ، والثاني كالاشارات العرضية إلى الأفراد.

٥٤٣

إلاّ انّه مع ذلك يمكن دعوى أنّ الترديد ناشىء من أخذ قيد الوحدة في الإشارة وعدم التكثر ، أي انّ البدلية ثابتة بنحو التنوين ونحوه المحفوظ حتى في المطلق البدلي ، وأمّا العموم فهو طارىء على ذلك لاثبات انّ هذا الترديد والبدلية عام في تمام الأفراد من دون فرق بينهما ، فالعموم عموم للبدلية مفاد باللفظ بخلاف المطلق حيث يكون عموم البدلية فيه مفاداً بالاطلاق ومقدمات الحكمة فيكون العموم واحداً في الأقسام الثلاثة.

وقد يجعل الدليل على ذلك شهادة الوجدان بوحده معنى العموم ومدلول أدواته في جميع الأقسام ، وانّه ليس له أوضاع متعددة خصوصاً كل المستعملة في المجموعي والاستغراقي.

هذا ولكن الصحيح انّ أدواة العموم كما تقدم حالها حال أسماء الإشارة والموصولات من حيث انّ معانيها غير تامة في نفسها ، بل هي حالة في غيرها ؛ ومن هنا اعتبرت كالمعاني الحرفية غير مستقلة بذاتها وهذا يعني أنّها وضعت للاشارة إلى الأفراد أو الأجزاء من مدخولها وملاحظة تمام وجوداتها في الخارج والإشارة اليها وضعاً ، ومن الواضح (١) انّ هناك ثلاث كيفيات من

__________________

(١) هذا لا ينافي أن يكون من باب تعدد الدال والمدلول بمعنى أنّ المجموعية لا إشكال في انّها بحاجة إلى ملاحظة الوحدة للعلماء المدخول عليها أداة العموم بحيث يلحظ كل فرد كجزء منه ، وهذا يكون بدال آخر وإلاّ يلزم أن يكون كل الداخلة على الجملة مشتركاً لفظياً بين معنيين وهو خلاف الوجدان. وأمّا العموم البدلي فالظاهر انّه كذلك أيضاً بمعنى انّ ( أي ) ليست موضوعة للدلالة على العموم البدلي ؛ بل هو اسم للاشارة البدلية إلى الفرد وهي غير العموم الذي هو الاستيعاب والشمول ، نعم فيها خصوصية الإشارة إلى الأفراد بدلاً. ولا مشاحّة في الاصطلاح ، ولعلّه مراد الميرزا حيث أنكر العموم البدلي.

٥٤٤

الإشارة إلى الخارج ثبوتاً وذهناً الإشارة إلى تمام الوجود الواحد ـ ولو كان واحداً اعتباراً كالمجموع ـ وهذا هو العموم الاجزائي والإشارة إلى كل فرد من أفراد الطبيعة عرضاً والإشارة إلى كل فرد منها بدلاً ومردداً ؛ فلا محالة لابد من دوال ثلاثة لذلك وإن كانت تشترك الدوال في جنس الإشارة إلى تمام الوجود الخارجي ، إلاّ انّ هذا جامع مشترك بين الاشارات نظير جامع الإشارة في أسماء الإشارة ولا يتحقق إلاّضمن أحد أنحاء ثلاثة ، ومن هنا كان لابد من أوضاع متعدّدة ، ويشهد على ما ذكرنا وضوح الفرق بين الإشارات الثلاثة في كل اللغات ، فهناك ( همه ) (١) و ( هر ) وهما للعموم الاستغراقي و ( هر كدام ) ولعله للبدلي في اللغة الفارسية التي تقابل ( كل الاجزائي ) و ( كل الأفرادي ) و ( أي ) في العربية ، فما ذهب إليه الاستاذ والسيد الإمام هو الصحيح.

وبهذا أيضاً يعرف لماذا كانت المجموعية خلاف الأصل ، لأنّ ملاحظة الطبيعة بلحاظ أفرادها بما هي أمر واحد اعتباراً عناية زائدة بحاجة إلى قرينة ، وإلاّ كان مقتضى الأصل انّ الإشارة بالعام إلى افرادها وسوف يأتي مزيد اشارة إلى ذلك.

ثمّ انّ النقطة الرابعة واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان.

النقطة الخامسة : أفاد الاستاذ بأنّ العموم تارة يكون اجزائياً واخرى افرادياً وكل تستعمل فيهما معاً ، فإنّه إذا دخلت على المعرفة أفادت الاستيعاب الأجزائي وإذا دخلت على النكرة أفادت الاستيعاب الأفرادي ، إلاّ انّ هذا لا يرجع إلى اختلاف مدلول الأداة في الموردين ، بل الاستيعاب واحد ، والاختلاف في المدخول ثمّ أفاد في تقريب ذلك محاولتان :

__________________

(١) وهو للاستيعاب الاجزائي وهو العموم المجموعي بحسب الحقيقة حينما يكون المدخول جمعاً.

٥٤٥

إحداهما : للمحقق العراقي من أنّ المدخول إذا كان معرفاً فاللام يفيد التعيين وهو ينافي الاستيعاب الأفرادي فيكون أفرادياً لا محالة.

وفيه : أوّلاً ـ لزوم إمكان النوعين في دخول الأداة على النكرة لمعقولية كلا الاستيعابين فيه فلماذا يكون استغراقياً دائماً.

وثانياً ـ لو اريد من التعيين في اللام مطلق التعريف لا التعيين الخارجي الحقيقي فهذا لا ينافي مع معقولية الاستيعاب الافرادي فيه ويكون اسم الجنس المعرف كاسم الجنس المنكر من حيث عدم التعيين الخارجي.

وإن اريد التعيين الحقيقي الخارجي فلماذا لا يختص الاستيعاب الأجزائي بخصوصه من المعارف مع انّا نجده كذلك في جميع المعارف كما في ( سرق كل مال زيد ) ، و ( جئني بكل العشرة ).

الثانية : ما اختاره السيد الشهيد قدس‌سره من أنّ الأصل الأولي يقتضي أن يستفاد من كل الاستيعاب الاجزائي لأنّ المدخول باطلاقه الأولي يقتضي صدقه على تمام أجزائه ، وامّا ملاحظة الأفراد منه فبحاجة إلى مؤنة دال آخر ولو من قبيل تنوين التنكير الدال على البدلية والإشارة إلى فرد ، فيكون قرينة على التكثر الأفرادي ، فالاستيعاب اجزائي بطبعه الأولي وافرادي بدال آخر يؤخذ في المدخول وهو التنوين ، وإذا كان المدخول جمعاً يمكن فيه كلا الأمرين ، ولكن الأظهر فيه هو الأوّل أيضاً لأنّ المدخول هو الجمع وهو لا يصدق على كل فرد بل على الجمع الذي يكون كل فرد جزءً فيه كما هو الحال عند دخوله على أسماء الأعداد.

ودعوى : عدم صحة استثناء الجزء من الكتاب في قولك : ( قرأت كل الكتب إلاّ صفحة من كتاب كذا ) مما يدلّ على عدم كون هذا العموم أجزائياً بل افرادي ؛

٥٤٦

ولهذا لابدّ من أن يكون المستثنى أيضاً افرادياً.

مدفوعة : بأنّ أجزاء الجمع أو العدد هي كل مرتبة من العدد أو الجمع ، وأمّا أجزاء الكتاب الواحد فهي أجزاء المعدود وليس هو المدخول.

نعم ، في المثنى كما في قولك : قرأت كل الكتابين ، الظاهر هو الاستيعاب لأجزاء الكتابين لعدم مناسبة الاثنين مع التكثر والاستيعاب الأفرادي.

وهذه المحاولة فيها مناقشة من جهات :

أوّلاً ـ انّ تنوين التنكير لا ينافي الاستيعاب الاجزائي لذلك المنكر فلماذا لا يقال اقرأ كل كتابٍ بمعنى تمام أجزاء الكتاب كما في قرأت كتاباً كلّه ، فلابد من عناية اخرى سوف تأتي الإشارة اليها.

وثانياً ـ انّ الظاهر كون الاستيعاب افرادياً في الأداة الداخلة على الجمع لا اجزائياً وإلاّ احتيج إلى ما يعين الجمع في أعلى المراتب ولا معين خصوصاً إذا كان مجرّداً عن اللام كما في أكرم علماء البلد ، فيكون العموم متوقفاً على الإطلاق في المرتبة السابقة لاثبات أعلى المراتب ، وهو واضح البطلان فاجزائية الاستيعاب تنافي كون العموم المستفاد وضعياً بخلاف افراديته.

وثالثاً ـ إنّ لازم هذا أن يكون استفادة العموم المجموعي من أداة العموم الداخلة على الجمع على القاعدة مع انّه على خلاف القاعدة بالاتفاق ، وهذا منبه آخر على كون العموم والاستيعاب في الجمع افرادياً لا اجزائياً.

فالصحيح انّ هناك عمومين عموم اجزائي يرادف جميع وتمام وعموم افرادي يرادف كل فرد ، والأوّل لا يدخل إلاّعلى ما فيه اجزاء ، ومنه الطبيعة الصادقة

٥٤٧

على الكثير والقليل بصدق واحد فإنّ أفراده تكون أجزاءاً له بهذا الاعتبار. والثاني يدخل على الطبيعة التي تصدق على المفرد فقط كالعالم والإنسان ولو لم يكن منكراً كما في أكرم كل عالم قرية ، وكذلك على الجمع حيث يلحظ فيه التكثر الافرادي والتعدد الوجودي ، ومن هنا كانت المجموعية فيه خلاف الأصل.

أو يقال بأنّ كل موضوعة للدلالة على استيعاب تمام الوجود الخارجي لما يصدق عليه مدخوله ، فإذا كان مدخوله منكراً أو جمعاً بحيث يكون له مصاديق عديدة كان الاستيعاب لتمام المصاديق لا محالة فيكون افرادياً ، وإذا كان له مصداق واحد له أجزاء سواء كان معرفة أم لا كان العموم اجزائياً فيكون معنى العموم واحداً فيهما ، والاختلاف من ناحية المدخول ، وفي الجمع حيث يكون الصدق والوجود الافرادي محفوظاً للجمع سواء بلحاظ مادة المفرد أو الجمع كان الاستيعاب افرادياً لا محالة لا اجزائياً من دون حاجة إلى تعيين المرتبة الأعلى بالاطلاق أو بدال آخر.

ثمّ انّ الظاهر انّ أداة العموم الداخلة على الجمع تفيد الاستيعاب الأفرادي لمدلول مادة الجمع وهو المفرد لا للجمع ، ولهذا يصح استثناء المفرد منه ولا يتوقف على أن يكون المستثنى جمعاً كثلاثة فصاعداً مع انّه لو كان الاستيعاب بلحاظ مصاديق الجمع بما هو لم يصح ذلك.

وأمّا التثنية فاستفادة العموم الأجزائي فيه مخصوص بما إذا كان معرفاً وعندئذٍ يكون تمام وجوده أجزاء الكتابين بخلاف ما إذا لم يكن معرفاً وقابلاً للصدق على كل تثنية ، كما في مثال ( من كل زوجين اثنين ) فيكون الاستيعاب افرادياً لا محالة كالمفرد تماماً.

٥٤٨

ص ٢٢٦ قوله : ( الجهة الثانية ـ في أدوات العموم ... ).

اختلف في وضع ( كل ) للدلالة على استيعاب ما يراد من مدخوله بحيث يكون بحاجة إلى احرازه في المرتبة السابقة بالاطلاق ومقدمات الحكمة أو ما ينطبق عليه مدخوله فلا يتوقف استفادة العموم على اجراء الإطلاق في مدخوله؟ ذهب الميرزا إلى الأوّل ، والمشهور إلى الثاني.

والبحث نورده في مقامين :

المقام الأوّل ـ في محاذير قول الميرزا :

فقد نوقش في كلام الميرزا باعتراضات ثلاثة :

١ ـ لزوم اللغوية في الوضع.

وفيه : أوّلاً ـ لا لغوية لُغَويِّة ؛ لاختلاف المدلولين والمفهومين كما هو مشروح في الكتاب.

وثانياً ـ استفادة الشمولية والبدلية في عرض واحد.

وثالثاً ـ استفادة الشمولية في مورد الإطلاق البدلي.

٢ ـ استحالة ذلك للزوم عروض الاستيعاب العمومي على المستوعب الاطلاقي وهو محال ، لعدم قبول المماثل للماثل.

وفيه :

١ ـ انّ الإطلاق لا يدل على الاستيعاب أصلاً.

٢ ـ النقض بكل العلماء بناء على افادة الجمع المحلّى للعموم.

٣ ـ وحدة الاستيعاب وتعدد الدال عليه.

٥٤٩

٣ ـ عدم إمكان التصريح بالعموم لكونه في طول الإطلاق دائماً وهو خلاف الوجدان.

وفيه : لو اريد ذلك في كل مع مدخوله فهو عين المدعى ، ولو اريد في كل مورد فالجواب إمكان التصريح بالعموم بالدلالة اللفظية على عدم أخذ القيد مع المدخول جداً. نعم قد يرجع هذا الايراد إلى إلى دعوى الفرق الوجداني.

والصحيح في بيان ما يلزم على مسلك الميرزا من المحاذير أن يقال :

تارة يراد وضع ( كل ) للدلالة على استيعاب ما يراد جدّاً من مدخوله ، واخرى يراد الاستيعاب ما يراد استعمالاً ، وثالثة استيعاب ما هو المدلول التصوري للمتكلم من اللفظ بحيث لابد من تحديد ما تصوره المتكلم في المرتبة السابقة ، والكل فيه محذور ؛ أمّا الأوّل فلأنه :

١ ـ يلزم منه عدم ثبوت العموم في موارد عدم الجد كالهزل ونحوه.

٢ ـ وأن لا يكون ارتباط بين المدلول التصوري للأداة وسائر المداليل التصورية لمفردات الجملة في مرحلة المدلول التصوري ، فالجملة كأنّها لا مدلول التصوري مترابط لها ، لأنّ مدلول ( كل ) مضاف إلى ما هو المراد الجدي منها ابتداءً وهذا خلاف الوجدان ، بل برهنا في بعض البحوث السابقة على استحالته لعدم معقولية اضافة مدلول تصوري إلى مدلول ومراد تصديقي ، اللهم إلاّ أن يراد اضافته إلى مفهوم المراد الجدي الذي يكون واضح الضعف.

٣ ـ والتهافت في اللحاظ لأنّ المدلول الجدي بحسب لحاظ المتكلم وارادته متعلق بما هو المدلول التصوري فيكون المدلول التصوري متقدماً عليه ، فإذا كان

٥٥٠

المدلول التصوري للأداة مضافاً إلى المدلول الجدي ومتأخّراً عنه لزم التهافت في اللحاظ.

وأمّا الثاني : فإن اريد بالمراد الاستعمالي المدلول التصديقي الاستعمالي فيرد عليه نفس الاعتراضات الثلاثة المتقدمة ، لكونه مدلولاً تصديقياً. وإن اريد به ذات المعنى المستعمل فيه اللفظ المتعلّق للارادة الاستعمالية لا بما هو متعلق للأرادة الاستعمالية التصديقية فهذا رجوع إلى المبنى الأوّل إذ ذات المعنى المستعمل فيه اللفظ هو نفس المعنى الموضوع له اللفظ فلا يحتاج إلى الإطلاق ومقدمات الحكمة لنفي القيد ، لأنّ استعمال اسم الجنس في المقيد مجاز بالاتفاق فتكون أصالة الحقيقة التي هي نفس الظهور الاثباتي الوضعي ـ لا الاطلاقي والسكوتي ـ دليلاً على العموم بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة.

وأمّا الثالث : فلأنّه مع غرابته ولزوم ارتباط مدلول ( كل ) بما يتصوره المتكلم من مدخولها بما هو أمر تصديقي لا يوجد أصل يشخّص ما هي المداليل التصورية للمتكلم ، وإنّما الموجود أصالة الحقيقة الايجابي وأصالة الإطلاق السلبي كما تقدم.

والحاصل : إذا اريد وضع كل لاستيعاب المراد بمعنى ما تصوره المتكلم سواءً كان معنى للفظ أم لا حقيقياً أو مجازياً فلا أصل عقلائي يحرز ما تصوره المتكلم من اللفظ مضافاً إلى انّه حيث لا متكلم فلا مدلول لكل ، ومضافاً إلى كونه مدلولاً تصديقياً لا يمكن اضافة المدلول الوضعي إليه إلاّبأن يراد به مفهوم ما تصوره المتكلم وهو واضح السخف ، وإن اريد وضعه لاستيعاب المراد الاستعمالي أو الجدي بما هما مدلولان تصديقيان لزم ما تقدم ، وإن اريد وضعه لاستيعاب ذات

٥٥١

المعنى المستعمل فيه بما هو مدلول تصوري فهذا عين المسلك الأوّل المستغني عن الإطلاق ، لأنّ أصالة الحقيقة تنفي اضافة الاستيعاب إلى المقيد ، إذ يلزم من استعمال اسم الجنس في المقيد المجازية.

المقام الثاني : في المحذور الذي تصوره الميرزا على المسلك المشهور وعلى أساسه عدل عنه وبرهن على مسلكه :

وحاصله : انّ اسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة أي الجامع بين المطلقة والمقيدة ، بل الجامع بينهما وبين اللابشرط المقسمي المحفوظ ضمن المعقول الثاني أيضاً ؛ وهذا يعني انّه لابد في المرتبة السابقة من تعيين مدخول الأداة وهو اسم الجنس في الطبيعة المطلقة من هذه الأقسام الثلاثة ليضاف اليها أداة العموم والاستيعاب ، وليس هو إلاّالإطلاق ومقدمات الحكمة ، لأنّ المدلول الوضعي وهو الطبيعة المهملة الجامعة لا معنى لاضافة الاستيعاب اليها لكونها لا تقبل الانطباق على الأفراد لكونه جامعاً بين ما يقبل الانطباق وما لا يقبل وهو الطبيعة المقيدة فلا يقبل الانطباق.

وقد أجاب عليه في المحاضرات بأنّ الأداة هي التي تدل على انّ مدخولها لوحظ كطبيعة مطلقة فانية في أفرادها ، بخلاف موارد الإطلاق ، فكأنّ العموم عبارة عن التصريح بالاطلاق.

وفيه : أوّلاً ـ إن اريد دلالة الأداة على ذلك في طول دلالتها على الاستيعاب كمعنيين طوليين فهو واضح البطلان ، إذ حال الأداة حال سائر موارد تعدد الدال والمدلول ، وإن اريد دلالته عليه فقط فخلف استفادة الاستيعاب منها.

ثانياً ـ لو جعلت الأداة قرينة على انّ مدخولها مستعمل في المطلقة كمدلول

٥٥٢

تصوري لزم المجاز لعدم كونها المعنى الموضوع له وإنّما المعنى ذات الطبيعة ، فخصوصية الإطلاق كالتقييد خارج عن المعنى ، ولو جعلت قرينة على انّ المدلول التصديقي ذلك أي على عدم وجود القيد ثبوتاً ، فكأنّ العموم تصريح بالاطلاق الثابت بمقدمات الحكمة كان معناه عدم وجود مدلول للأداة في مرحلة المدلول التصوري ، وعدم الفرق بين العام والمطلق في هذه المرحلة وهو واضح البطلان.

وبهذا يعرف انّ العموم ليس عبارة عن التصريح بالاطلاق وعدم القيد ثبوتاً كما توهمه في المحاضرات.

ثالثاً ـ يلزم التصادم بين القرينة المتصلة على تقييد المدخول مع مدخول كل في مثل كل عالم عادل أو إلاّالفسّاق ، لأنّ التقييد لا يقتضي استعمال اسم الجنس في المقيّد بل في ذات الطبيعة فتدل أداة العموم على ارادة المطلقة منها فتصادم القرينة ولو فرض تقدمها على العموم بالأقوائية فإنّ هذا لا ينافي الاحساس بالتصادم مع انّا لا نحس به كما في المقيدات بلا أداة عموم.

والصحيح في ردّ الاشكال : انّ اسم الجنس وإن كان موضوعاً للطبيعة المهملة الجامعة إلاّ انّ الطبيعة المهملة عين الطبيعة المطلقة ـ بالحمل الشايع أي المطلق الذاتي لا المطلق اللحاظي ـ عندما يطلق اسم الجنس بلا قيد معه لأنّ هذا الإطلاق على ما سوف يأتي شرحه في بحث المطلق والمقيد مفصلاً إطلاق بالحمل الشايع ، أي من شؤون اللحاظ وهو كون الطبيعة الملحوظة لم يلحظ معها قيد ، وليس من شؤون الملحوظ والمرئي فالمرئي بالطبيعة المطلقة عين المرئي بالطبيعة المهملة وهو ذات الطبيعة حينما تتصوّر في الذهن واطلاقها حدّ عدمي تصديقي لها لا تصوري ولحاظي ، ومن هنا كان الاستعمال في موارد الإطلاق

٥٥٣

والتقييد حقيقياً لانحفاظ الطبيعة المهملة فيهما ، رغم انّ المهملة حيث انها لا يمكن أن تأتي في الذهن مستقلاً ـ لاستحالة ارتفاع النقيضين من لحاظ القيد وعدم لحاظه ـ لا تكون جامعاً صالحاً للانطباق على الأفراد لكونها جامعاً بين اللحاظين بلحاظ ملحوظيهما وهو لا يمكن أن يكون لحاظاً مستقلاً في الذهن لكي يمكن أن ينطبق على تمام الأفراد في الخارج وما يمكن أن يكون في الذهن امّا المقيّدة وهي غير قابلة للانطباق على الفاقدة أو المطلقة وهي القابلة للانطباق فإذا أطلق اسم الجنس ولم يطلق معه القيد كان المنتقش في الذهن طبيعة مطلقة بالحمل الشائع الصالحة للانطباق على تمام الأفراد ، فإذا اضيف اليها أداة العموم الدال على الاستيعاب دلّ بنحو تعدد الدال والمدلول على استيعاب تمام أفرادها ، وتكون هذه الدلالة ـ كدلالة ذكر القيد ولحاظه الذي هو أمر تصديقي ، ولكن ينشأ منه رؤية للقيد وللمقيد تصوراً ـ دلالة اثباتية تصورية على استيعاب تمام الأفراد بلا حاجة إلى مقدمات الحكمة ؛ إذ يكون ارادة الخاص منه عندئذٍ خلاف هذا الظهور الاثباتي وهذه الرؤية التصورية الملحوظة بنحو تعدد الدال والمدلول رغم انّه لو كان قد ذكر القيد في المدخول لم يلزم مجاز لا بالنسبة للأداة ومدلولها ولا اسم الجنس ومدلوله ؛ لأنّ الصورة والملحوظ الذهني بالحمل الشائع كان يتغير من المطلق إلى المقيّد مع انحفاظ المداليل الوضعية للمفردات جميعاً ومن دون لزوم مجازية من ذلك ؛ لأنّه من باب تعدّد الدالّ والمدلول.

ص ٢٢٨ قوله : ( الجمع المحلّى باللام ) ... ).

ينبغي تحرير المقام الأوّل الثبوتي بالنحو التالي :

المقام الأوّل : في كيفية دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم ، وهذا يتصور فيه أحد أنحاء :

٥٥٤

١ ـ أن يدل الجمع المحلّى على استيعاب تمام أفراد ما ينطبق عليه الجمع استيعاباً أفرادياً سواء جعلنا تعريف العام استيعاب مفهوم لمصاديق نفسه أو استيعاب مفهوم لمصاديق مفهوم آخر كان الاستيعاب بنحو المفهوم الاسمي أو الحرفي ، فإنّ كلّ ذلك لا يغير من نوع الاستيعاب المنظور في المقام.

وهذا النحو غير محتمل ، لأنّ لازمه عدم استيعاب الجمع للفرد لعدم كونه مصداقاً للجمع وإنّما يستوعب كل ثلاثة ثلاثة أو كل جماعة جماعة من العلماء لكونها مصاديق الجمع ، وهذا خلاف الوجدان حيث لا شك في انّ العموم على تقدير استفادته من الجمع المحلّى باللام يشمل كل فرد أيضاً ، والشاهد عليه صحة استثناءه فيقال : أكرم العلماء إلاّزيداً مع انّه لو كان الاستيعاب لما ينطبق عليه الجمع ويصدق عليه كان الاستثناء منقطعاً.

٢ ـ أن يدل الجمع المحلى على استيعاب تمام أفراد ما ينطبق عليه مادة الجمع وهو العالم في المثال استيعاباً افرادياً. بأن يكون اللام أو اللام وهيئة الجمع دالة على ملاحظة المادة مستوعبة لتمام ما تنطبق عليه. ومن الواضح انّ كل فرد يكون مصداقاً لمادة الجمع فلا يرد الاعتراض المتقدم ، ولكن يرد على هذا النحو من تصوير دلالة الجمع على العموم مضافاً إلى لزوم كون اللام أو اللام وهيئة الجمع في المقام مدلولهما يختلف عن سائر المقامات حيث لا تدلّ اللام الداخلة على المفرد على الاستيعاب الأفرادي ولا الجمع غير المحلّى باللام على العموم.

انّه يؤدي إلى أن لا يكون الجمع مستفاداً وملحوظاً في الجمع المحلّى وأن يكون الجمع المحلّى أي العلماء من قبيل كل عالم مع وضوح افادة الأوّل لمعنى الجمع بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي بخلاف الثاني فلابد من أخذه في المفهوم المستوعب فيعود المحذور المتقدم.

٥٥٥

٣ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى على الاستيعاب والشمول لتمام ما ينطبق عليه الجمع استيعاباً اجزائياً لا أفرادياً بأن يدل اللام مثلاً على استيعاب وشمول تمام أفراد الجمع والمتكثر من مدلول المادة بما هي أجزاء لهذا المعنى فيشمل كل فرد باعتباره جزءً من الجمع لا فرداً ومصداقاً له فيصح استثناؤه منه متصلاً نظير قولك : أكلت السمكة إلاّرأساً ، أو جائني القوم إلاّزيداً ، وهذا التصوير معقول إلاّ انّه يلزم منه أن يكون العموم في الجمع المحلّى مجموعياً لا استغراقياً ـ وقد تقدّم استظهاره ـ إلاّإذا ابرز نكتته لالغاء خصوصية الجمع.

كما انّه متوقف على أن يكون هيئة الجمع موضوعة للجمع بنحو الوضع العام والموضوع له العام كمفهوم الجمع الاسمي لا لواقع الجمع ومراتبه بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص ، كما في المعاني الحرفية ، وإلاّ كان لابد من تحديد المدلول والمرتبة الخاصة من الجمع المستعمل فيه هيئة الجمع في المرتبة السابقة على الدلالة على الاستيعاب والتمامية ، وهذا ما سوف يقع البحث عنه أيضاً في المقام الثاني.

٤ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى على الاستيعاب الأفرادي ، ولكن مع افادة التكثر والتعدد الجمعي ، أي تدل هيئة الجمع ومادته على المتعدد من أفراد الطبيعة أي ثلاثة وزائداً ، وتدل اللام على استيعاب تمام أفراد هذا المتكثر استيعاباً افرادياً.

٥ ـ أن يدلّ الجمع المحلّى باللام على أمر يلازم الاستيعاب والشمول ، وذلك بأن يكون هيئة الجمع دالّة على المتكثر والجمع من مدلول المادة واللام دالّة على المتعين من ذلك المتكثر ولازمه العموم وارادة المرتبة العليا المتمثلة في تمام الأفراد لأنّها المرتبة المتعينة. وهذا أيضاً معقول في نفسه على تفاصيل ونكات تأتي الإشارة اليها في المقام الثاني.

٥٥٦

ويتلخص ممّا سبق معقولية نحوين من دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم :

١ ـ أن يدلّ اللام على الشمول والاستيعاب لتمام الأفراد ـ استيعاباً افرادياً أو اجزائياً ـ.

٢ ـ أن يدلّ على التعيين وهو لا يكون إلاّفي المرتبة المستوعبة لجميع الأفراد فيلزم منه العموم والاستيعاب.

المقام الثاني ـ ما يمكن أن تذكر من فروق بين المسلكين :

١ ـ انّ المسلك الأوّل حيث ان اللام بناء عليه يكون موضوعة للاستيعاب فسواء فرض وجود مرتبة اخرى متعينة أيضاً خارجاً أو ذهنياً غير المرتبة المستوعبة لجميع الأفراد واحتمل ارادتها أوّلاً كان مقتضى أصالة الحقيقة ارادة العموم لكون اللام الداخلة على الجمع موضوعة له بينما بناءً على المسلك الثاني لا يمكن استفادة العموم واثباته ؛ لأنّ كلا المرتبتين متعينتان.

وهذا الفرق العملي غير صحيح ، لأنّه بناءً على المسلك الأوّل سوف يكون اللام الداخلة على الجمع مشتركاً لفظياً بين معنيي الاستيعاب والتعيين إذ لا إشكال في صحة استعمال الجمع المحلّى باللام في جماعة معينة معهودة أيضاً وعليه فكلما كانت جماعة خاصة متعينة أو محتملة التعيين يدور أمر اللام الداخلة على الجمع بين المعنيين المشترك بينهما اشتراكاً لفظياً على المسلك الأوّل ومعنوياً بنحو الوضع العام والموضوع له الخاص على المسلك الثاني فيكون الاجمال ثابتاً على كلا المسلكين.

٢ ـ انّ المسلك الثاني حيث انّ العموم مستفاد بناءً عليه بالالتزام لا بالمطابقة

٥٥٧

يكون المدلول هو الجمع المتعين من مدلول المادة في جميع الأفراد ، وهذا لازمه أن يكون العموم مجموعياً لا استغراقياً لأنّ خصوصية الجمعية والكمية لا موجب لالغائها عن موضوع الحكم ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالمسلك الأوّل ، فإنّه بناءً عليه يمكن الدلالة على الاستيعاب الاستغراقي.

وفيه : امكان الاستغراقية حتى على المسلك الثاني ؛ لأنّ الملحوظ جميع الأفراد بما هي أفراد لا بما هي أجزاء في المجموع فتلغى خصوصية المجموعية بالنحو المذكور في الكتاب.

٣ ـ وقد يفرق بين المسلكين بأنّه على الأوّل تكون الأفراد ملحوظةً ولو كأجزاء ضمن العموم والاستيعاب بينما على المسلك الثاني لا يكون ذلك ملحوظاً وإنّما الملحوظ الطبيعة المتعينة فيكون هذا فرقاً بينهما في مرحلة المدلول التصوري كالفرق بين العام والمطلق المصرّح فيه بعدم أخذ القيد ثبوتاً.

إلاّ انّ هذا الفرق غير صحيح أيضاً ؛ لأنّ الأفراد تكون ملحوظة على كل حال من خلال هيئة الجمع فإنّها موضوعة للدلالة على التكثر الأفرادي فتكون الأفراد ملحوظة تبعاً. نعم مفهوم الاستيعاب والتمامية غير مستفاد على المسلك الثاني.

٤ ـ وقد يفرق بين المسلكين ـ كما عن السيد الشهيد قدس‌سره ـ بأنّه على المسلك الأوّل لو فرض وجود مرتبة من الجمع متعينة في الخارج صدقاً امّا ذاتاً كما إذا كان مصاديق الجمع متداخلة وكل مرتبة منها لها مصداق واحد كالطوابق العشرة فإنّه إذا قال اصعد الطوابق فلو كان المراد تسعة منها كانت متعينة فيما عدا

٥٥٨

الأخير ؛ إذ لا يعقل صعود العاشر من دون التاسع أو لوجود تعين خارجي في الصدق كما إذا كان تسعة من العلماء العشرة هم القدر المتيقن من وجوب الاكرام لكونهم فقهاء مثلاً والعاشر غير فقيه بحيث لا يحتمل خروج أحدهم ودخول العاشر فقال : ( أكرم العلماء ).

أقول : على المسلك الأوّل لا يكون وجود مثل هذا التعين المصداقي مضراً باستفادة العموم لعدم وجود قرينة على العهد واستعمال اللام في التعيين فيكون بمقتضى أصالة الحقيقة مستعملاً في العموم ؛ بينما على المسلك الثاني يكون مجملا مردداً بين مرتبة جميع الأفراد أو أية مرتبة اخرى أقل منها من الجمع لأنّها جميعاً متعينة صدقاً في المقام وليس من قبيل ثلاثة أو أربعة التي تصدق على مصاديق عديدة.

وإن شئت قلت : كما انّ العشرة مصداق متعين للجمع فإنّ التسعة مصداق متعين للجمع من حيث الصدق فلا يمكن تعيين أحدهما بالخصوص في قبال الآخر.

وفيه : انّ المتعين هنا في الصدق مفهوم تسعة والواحد من هؤلاء العلماء لا مفهوم الجمع الذي هو مدلول هيئة الجمع ، فإنّ أية مجموعة منهم يصدق عليهم جمع من العلماء على سبيل البدل والتردد عدا مرتبة الاستيعاب وجميع الأفراد واللام تدل على ارادة المتعين من معنى مدخولها وهو الجمع لا التسعة.

إن قيل : انّ مفهوم الجمع ليس متعيناً في الصدق على الجميع أيضاً لأنّه مصداق له في عرض مصداقية أي كمية أقل منه إذ كل كمية أكثر من اثنين جمع والجميع مصداق واحد للجمع في عرض هذه المصاديق فلا تعين له.

٥٥٩

قلت : انّ المراد بالتعيين الصدقي ما يقابل الترديد والبدلية في الصدق في مدخول اللام ومفهوم الجمع أو الجماعة وإن كانت تصدق على الجميع وتصدق على الأقل منه إلى الثلاثة ـ وكل إطلاق وصدق من هذه الاطلاقات يمكن أن يكون هو المراد بدلاً عن الآخر حتى المرتبة المستوعبة لأنّها مصداق لمفهوم الجمع في قبال صدقه على المرتبة المستوعبة إلاّواحد المتعينة خارجاً أيضاً ـ إلاّ أنّ كون المرتبة المستوعبة مشتملة ضمناً على ما دونه من المراتب يمنع عن الترديد فلا يكون صدق الجمع عليه في قبال صدقه على احدى تلك المراتب لكي تكون بينها بدلية وترديد فتكون هذه المرتبة هي المرتبة المتعينة من مفهوم الجمع بلا أية اضافة مفهوم آخر فتأمل جيداً.

ص ٢٤٠ الهامش.

الظاهر انّ هناك فرقاً واضحاً بين المفرد المحلّى باللام والجمع المحلّى من حيث انّ المفرد المحلّى لا يكون مدلوله إلاّالطبيعة وأمّا شمولها وعمومها على الأفراد فهو في مرحلة الانحلال والتطبيق العقلي ومن هنا كان اطلاقاً لا عموماً. وأمّا الجمع المحلّى باللام فلو تعقلنا إرادة جنس الجمع فحاله حال المفرد يكون صدقه على كل جمع بالانحلال.

إلاّ انّ هذا لا يخفى ما فيه من العناية كما أفاده السيد الشهيد في الكتاب فيما بعد ، وإنّما مفاد الجمع المحلّى الأوّلي ملاحظة واقع المتعدد من أفراد الطبيعة والجمع لا جنس الجمع ، وعندئذٍ لابد من تحدّد هذا الواقع ومقداره ولو بملاك دلالة اللام على التعيين والإشارة إلى واقع الأفراد بعد فرض عدم ارادة جنس الجمع فيتحدد في العموم وجميع الأفراد لا محالة ولو بملاك انّ غيرها من المراتب لا تعيّن لها ، وليس هذا من باب الإطلاق والدلالة التصديقية وانّ ارادة

٥٦٠