أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

دليل الأمر بعد أن كان مقيده بقصد القربة مجملاً لا يقتضي أكثر من شرطية أصل وجود قصد النهي سواء كان في مورده قصد شيطاني أم لا.

وامّا العملي فبالبراءة عن شرطية أو جزئية القصد المذكور.

وأوضح من العبادة حال المعاملة حيث انّ الشك في اقتضاء الحرمة لفساد المعاملة معناه الشك في كون دليل الحرمة مقيداً لدليل الصحة وعدمه والأصل فيه هو الصحة وبقاء دليل الصحة على عمومه.

فالحاصل المسألة الاصولية هي استلزام النهي لارتفاع الأمر العبادي أو امكان التقرب في العبادة واستلزامه لارتفاع الصحة في المعاملة ، وهذا إذا فرض مفروغاً عنه في أي منهما فهو عين ثبوت الملازمة والاقتضاء للفساد بأحد البراهين والوجوه فيه ، فلا معنى لفرض الشك وان فرض الشك فيه فلا معنى لافتراض ارتفاع الأمر في العبادة ، بل معناه الشك في ارتفاعه وتقييد الأمر العبادي أو الصحة والامضاء المعاملي بغير الفرد المحرم ، والأصل فيه يقتضي عدم التقيد وهذا هو مقتضى الأصل في نفس المسألة الاصولية عند الشك فيها ، نظير ما يقال في بحث امكان جعل الحكم الظاهري انّه لو شك في امكانه واستحالته فالأصل امكانه.

ص ١٣١ قوله : ( هذا تمام الكلام في الجهة الثانية ... ).

أقول : كان المناسب ذكر الوجه الذي ذكره صاحب الكفاية وقبله من دلالة النهي التكليفي في المعاملة بمعنى المسبب على الصحة تبعاً لما نسب إلى الشيباني وأبي حنيفة ، فإنّ المعاملة لو كانت اسماً للمسبب الشرعي لا الاعتبار الشخصي أو العقلائي ـ فإنّ الأوّل جزء من السبب كما ذكرناه في بحث الصحيح

٤٦١

والأعم والثاني أجنبي عن غرض الشارع أصلاً ، ولا وجه أيضاً لحمل اللفظ وأسامي المعاملات عليه ـ فالنتيجة ظهور النهي عنها في صحتها باعتبار ظهور النهي المولوي في مقدورية متعلقه حيث لا محذور عقلي فيه ـ كما في النهي عن العبادة بما هي عبادة ـ فالصحيح ما عليه صاحب الكفاية.

وامّا ما في المحاضرات من انكار معقولية النهي عن المسبب الشرعي فقد عرفت جوابه في الكتاب هنا ، وفي بحث الصحيح والأعم وفي تضاعيف كلماته اشكالات اخرى ، فراجع وتأمل.

ص ١٣١ قوله : ( وامّا الجهة الثالثة ... ).

ما ذكر في هذه الجهة إن اريد به مثل : ( يحرم ثمن الميتة ) بمعنى يحرم التصرف فيه مثلاً ، فدلالته على الفساد من باب كونه ارشاداً إلى عدم حصول الملكية والانتقال ، حيث انّ لازم الانتقال والملكية جواز التصرف في الملك ، فبيّن عدم الملزوم بنفي لازمه ، أي انّه اخبار عن ثبوت الحرمة بملاك حرمة التصرف في مال الغير وليس انشاءً لحرمة اخرى. وإن اريد ما إذا انشئت حرمة اخرى على التصرّف في الثمن أو المثمن غير حرمة التصرف في مال الغير فدلالته على الفساد حتى إذا كانت حرمة جميع التصرفات ممنوعة لامكان اجتماعها مع الانتقال كما إذا كان ناذراً أن لا يتصرف في الثمن مثلاً ، فإنّ هذا لا يلزم منه ارتفاع الملكية ؛ لأنّ الملكية كحكم وضعي وإن كانت مجعولة أو منتزعة بلحاظ الآثارالتكليفية المترقبة في المورد ولكنه إنّما تكون بلحاظ الآثار التكليفية بعنوانها الأولي ، فلا يقدح ثبوت الحرمة في كل التصرفات بعنوان آخر. فالأولى حذف هذه الجهة رأساً.

٤٦٢

المفاهيم

ص ١٤١ الهامش ...

يمكن الجواب على الاشكالات المذكورة بأنّ الخصوصية المقتضية للمفهوم أي للمدلول الالتزامي لابد وأن تكون خصوصية لفظية أي يكون في الكلام ما يدلّ عليها زائداً على أصل أطرافها الأصلية من الموضوع والمحمول سواء كانت الخصوصية راجعة إلى الهيئة والمعنى الحرفي كالشرطية والوصفية والغائية والاستثنائية أو إلى معنى اسمي كالعدد وسواء كانت الخصوصية عامة أو خاصة بمادة معينة كما في مفهوم الموافقة. ولعلّ هذا مقصود المحقق الاصفهاني بل والخراساني.

فالحاصل المفهوم في المصطلح الاصولي ما إذا كانت نكتة الملازمة ومنشأها مبيناً ومذكوراً في اللفظ سواء بنحو المعنى الاسمي أو الحرفي ، وهذه غير نفس الملازمة ليقال انّه صار منطوقاً ، وأيضاً غير الملازمة العقلية التي لا يكون المذكور منها في اللفظ إلاّالملزوم كما في عكس النقيض أو وجوب المقدمة وحرمة الضد. وهذه النقطة كأنّها المقصودة في كافة الكلمات وإن كانت عبارة كل واحد من الأعلام تختلف عن عبارة الآخر وبيانه.

ص ١٤٢ الهامش ...

ما في هذا الهامش وإن كان صحيحاً على ما سيأتي من التعليقات على الكتاب ، إلاّ انّ موضعه ليس هنا ؛ إذ المقصود في هذه النقطة ليس بأكثر من

٤٦٣

انّ اقتناص المفهوم لا يتوقف من حيث ركنه الأوّل على أكثر من اثبات الارتباط والالتصاق بين الجزاء والشرط لا اللزوم ، فضلاً عن العلية والانحصارية ، وهذا صحيح كما سيأتي في المتن أيضاً عند بيان طرق اقتناص المفهوم في الاستنتاج الأخير في هذه الجهة.

ص ١٤٨ قوله : ( اقتناص المفهوم يمكن أن يكون أحد امور ثلاثة ... ).

إثبات المفهوم بأحد الطرق الثلاثة متوقفة في المرتبة السابقة على الإشارة إلى نكتة هي الفذلكة الأساسية للفرق بين الجملة الشرطية والجملة الوصفية أو اللقبية حيث أمكن استفادة المفهوم من الاولى بخلاف الثانية بحيث لو لم تتم تلك النكتة لا يمكن إجراء شيء من الضوابط والطرق الثلاثة المذكورة وتلك النكتة هي : أن يكون الحكم تاماً محمولاً وموضوعاً بقطع النظر عن القيد والشرط ، وامّا إذا كان القيد ملحوظاً في طرف موضوع الحكم في المرتبة السابقة وقبل عروض الحكم وانّه يعرض على الموضوع المقيد بالوصف أو اللقب فلا مجال لشيء من هذه الطرق الثلاثة فيه.

والحاصل إبراز هذه النكتة ضروري عند البحث عن ضابط المفهوم وملاكاته.

ص ١٤٨ قوله : ( والكلام في ذلك يقع ضمن نقاط ثلاثة ... ).

النقطة الاولى والتي هي في تحقيق مفاد الجملة الشرطية ذكرت ، والثالثة التي هي في اثبات اللزوم والعلية الانحصارية على مستوى المدلول التصوري أو التصديقي أيضاً ذكرت تحت عنوان ( النقطة الثانية ص ١٦٣ ) ، إلاّ انّ النقطة الثانية وهي البحث عن اثبات انّ المعلّق سنخ الحكم وطبيعيّه لم تذكر ، وكأنّه اكتفي في ذلك بما تقدّم في بحث ضابطة المفهوم.

٤٦٤

ص ١٥٢ قوله : ( فلابدّ من حلّ آخر ... ).

هذا الحلّ خلاف المدلول التصوّري للجملة الشرطية ، ويتوقف على وجود مدلول تصديقي للكلام وصدوره من متكلّم عاقل ملتفت قاصد ، مع أنّ المعنى المذكور مستفاد من الجملة حتى إذا سمع من جدار بلا تكلّف وعناية وحاجة إلى فرض وجود مدلول تصديقي ، كما أنّ هذا الاشكال لا يختصّ بجملة الاستفهام المعلّق على الشرط ، بل يجري في سائر أنحاء الانشاء المعلّق على الشرط ، ومنها الأوامر والنواهي ، أي الأحكام المعلّقة على شرط ، فهذا الحلّ لا يمكن المساعدة عليه.

وقد يقال : بأنّ الاستفهام المعلّق على تقدير الشرط يكشف عن جهل المتكلم على تقدير الشرط ، وهو يلازم جهله الآن أيضاً فيكون منتظراً للجواب وبحاجة إليه لا محالة من الآن ، وهذا توجيه آخر غير ما ذكر الاستاذ في الكتاب.

ولكنه أيضاً فيه عناية ومؤنة حيث يلزم أن لا يكون الجواب الآن مطلوباً بالذات بل بالملازمة ، وقد لا يريده في مورد من الموارد مع انّ كل ذلك خلاف الوجدان.

وقد يقال بأنّه على تفسير المحقق الاصفهاني يكون الانشاء في كلّ من الجزاء الطلبي والاستفهامي فعلياً لأنّه منوط بنفس الفرض والتقدير وهو فعلي ولكنه في الجزاء الطلبي حيث يوجد زائداً على الانشاء والجعل الوجوب المجعول فيعقل أن يكون منوطاً بتحقق واقع الشرط ، وهذا بخلاف الجزاء الاستفهامي فإنّه لا يعقل فيه جعل ومجعول بل ليس الاستفهام إلاّالانشاء الكاشف عن حقيقة الاستفهام فلا يكون هناك ما يترتب على تحقق الشرط خارجاً. وهذا بخلاف

٤٦٥

مبنى المشهور فإنّه بناءً عليه لابد من تعليق في الجملة فإذا لم يكن تعليق في مورد الاستفهام كان ذلك دليلاً على صحّة ما ذهب إليه المحقق الاصفهاني.

وفيه : أوّلاً ـ كما يوجد في انشاء الطلب انشاء وهو فعلي وطلب وجوبي وهو معلق كذلك يكون في انشاء الاستفهام انشاء وهو فعلي يتحقق بنفس الشرطية ومنشأ وهو طلب الافهام أو الانفهام وهو معلق على الشرط خارجاً فيكون الاستفهام المنشأ تعليقياً أيضاً.

والحاصل إذا لوحظ الجعل والمجعول بمعنى الانشاء والمنشأ بما هما أمران اعتباريان فهذا معقول في الاستفهام أيضاً كما هو معقول في الطلب وإذا لوحظ الأمر التصديقي الموجود في نفس المتكلم من حالة الطلب والاستفهام فهي على حد واحد في الجملتين أيضاً.

وثانياً ـ لو فرض انّ نفس فرض الشرط من أجل انشاء الاستفهام أو الطلب في الجزاء وكلاهما يكون فعلياً فمن أين يستفاد إذاً اناطة الجزاء وهو الطلب المجعول بتحقق الشرط خارجاً أو كونه ثابتاً في فرض تحققه خارجاً إذ لا دالّ عليه غير أداة الشرط وهي إذا كانت ملحوظة بما هي فرض وتقدير فعلي لا بما هو مرآة للمجييء الخارجي فلا وجه لاستفادة تحقق الطلب على تقدير وفي فرض تحقق المجيىء الخارجي الحقيقي وإذا كانت ملحوظة بما هي مرآة للمجيىء الخارجي لزم كون الاستفهام غير فعلي لا محالة واستفادة الأمرين منها معاً غير معقول فالمشكلة باقية حتى على مبنى الاصفهاني قدس‌سره.

والصحيح : انّ هذه المشكلة محلولة بناءً على مبنى الاصفهاني قدس‌سره ، أي إذا قلنا بأنّ المدلول التصديقي يكون بأزاء جملة الجزاء الانشائية والمتكلم ينشىء

٤٦٦

بالفعل الطلب أو الاستفهام أو الترجي أو غير ذلك ، غاية الأمر ينشىء طلباً مشروطاً واستفهاماً مشروطاً لا مطلقاً مع فعلية الانشاء الذي هو المدلول التصديقي ؛ إذ يكون المدلول التصديقي لكل من الجملة الطلبية والاستفهامية كاملاً ومنتهياً فيكون بحاجة إلى الجواب في الاستفهام لا محالة ؛ إذ لا يكون هناك تعليق في المدلول التصديقي الذي هو الاستفهام الحقيقي ، وليس ذلك مخالفاً مع المدلول التصوري للشرطية بناءً على تفسير المحقّق الأصفهاني قدس‌سره ، إذ ليست الشرطية دالّة على التعليق أو التوقف ، وإنّما تدلّ على تقييد النسبة الاخبارية أو الانشائية في جملة الجزاء بفرض وتقدير تحقق الشرط والنسبة التامة على مستوى المدلول التصوري والتصديقي معاً بازاء جملة الجزاء ، فيكون الاستفهام والسؤال فعلياً والمسؤول عنه هو تحقّق الجزاء على تقدير تحقق الشرط كما هو واضح.

وما ذكر من انّ هذا لا يجري في مثل ( إذا جاء زيد فكيف حالك ) غير صحيح ، فإنّ الجزاء هنا أيضاً جملة ويكون السؤال عن كيفية حاله على تقدير الشرط فعلياً.

وكذلك يمكن حلّ المشكلة بناءً على تفسير المشهور ، فإنّ المشهور لم يدّعوا أنّ النسبة التامة والمدلول التصديقي لا تكون بازاء جملة الجزاء ليقال بأنّ الانشاء لمدلول الجزاء ليس فعلياً ، بل يكون معلّقاً وإنّما غاية ما ذكروه دعوى دلالة الشرطية على نسبة اخرى بين الجزاء والشرط ، وهي نسبة اللزوم أو التوقف والتعليق والترتّب ، وسوف يأتي أنّ هذا المقدار كافٍ لاقتناص المفهوم من الشرطية ، فيكون انشاء الجزاء ـ سواء الاستفهام أو الطلب أو غيرهما ـ فعلياً إلاّ أنّ المنشأ ملتصق أو معلّق على الشرط ، وليس مطلقاً ، فلا يمكن جعل ما ذكر

٤٦٧

من الأمثلة دليلاً على بطلان تفسير المشهور وتعيّن مبنى المحقّق الأصفهاني قدس‌سره.

وما في هامش الكتاب هنا من الفرق بين جملة ( هل ان جاء زيد تكرمه؟ ) وجملة ( إن جاء زيد فهل تكرمه؟ ) غير صحيح ؛ إذ لا فرق بين الجملتين ، كما أنّ ما جاء فيه من الشاهد الثاني والثالث لنصرة كلام الأصفهاني والايراد على المشهور غير تام ؛ لأنّ المشهور لا يدعون تفريغ الجزاء عن المدلول التصديقي الانشائي أو الاخباري ، فلا يلزم خبرية الشرطية الانشائية ، كما انّ ما في الشاهد الثالث من أنّ استفادة اللزوم أو التوقف بحاجة إلى دخول أدوات العموم فغير صحيح ؛ إذ يكفي الإطلاق لاثبات ذلك كما تقدم في البحث عن الركن الثاني لضابطة المفهوم.

ص ١٥٣ قوله : ( والاحتمال الأوّل يناسب ... ).

المقصود أنّ جملة الشرط ليس مفادها حتى بعد دخول أداة الشرط مدلولاً افرادياً ، بل مدلول اخباري تام في نفسه ؛ ولهذا يكون لها مدلول تصديقي ، بمعنى انّه يصدق ويتحقق في الخارج ، ويكون ذلك سبباً لتحقق الجزاء ، بلا كلام عند أحد ، وعندئذٍ يقال : إذا كان مفادها باقياً على النسبة التامة كما انّ الجزاء فيه نسبة تامة كذلك فلابد من الارتباط بين مدلوليهما التامّين ، وليس ذلك إلاّاللزوم أو النسبة التصادقية أو التعليق والتوقف ونحو ذلك من النسب والارتباطات المعقولة بين نسبتين تامتين في نفسيهما ، وهذا هو مقالة المشهور.

وهذا المطلب غير تام كما اشير إليه في هامش الكتاب هنا ، فإنّ الأصفهاني يقبل تمامية نسبة جملة الجزاء ، وانّ الشرط ليس قيداً في طرف جملة الجزاء ، بل هناك ربط بين النسبة التامة في نفسها لجملة الجزاء مع النسبة التامة في نفسها

٤٦٨

لجملة الشرط ، إلاّ انّ هذه النسبة ليست نسبة اللزوم والتوقّف أو التصادق بل نسبة الفرض والتقدير ، فإنّها أيضاً نسبة ذهنية ، بل سيأتي انّ المتعيّن هذا التحليل والتفسير للارتباط النسبي والمعنى الحرفي القائم بين الجملتين.

ثمّ إنّ عبارة المحقق الاصفهاني هكذا : ( إنّ اسناد هذه المعاني إلى أداة الشرط غفلة عن ان شأنها جعل متلوّها واقعاً موقع الفرض والتقدير فقط ، وقد ظهر حال الجملة بتمامها ، فإنّ غاية مفادها ترتيب أمر على أمر مفروض الثبوت بلا دلالة على لزوم بينهما أو على ترتب بنحو العلية فضلاً عن المنحصرة ) (١).

ومن الواضح من هذه العبارة انها بصدد نفي استفادة اللزوم أو الترتب من مدلول أدوات الشرط الذي على أساسه استفيد المفهوم من الشرطية من بعض تقريباته ، وليس في مقام نفي أصل الترابط والنسبة بين جملة الجزاء وجملة الشرط ؛ لوضوح انّ ترتيب شيء على شيء مفروض الثبوت يوجب ارتباطه به لا محالة ، وإلاّ لم يبق معنى للفرض والتقدير وكان لغواً وهذا واضح.

نعم ، هذا يفتح باب البحث في نفسه عن انّ المدلول التصوري الوضعي لأداة الشرط هل هو الفرض والتقدير لاثبات الجزاء فيه أو انّ مدلوله نسبة معنية بين جملة الشرط وجملة الجزاء هي النسبة الالتصاقية أو التوقف أو التعليق أو الترتب أو التلازم في الصدق أو النسبة الايجادية ـ أي نسبة ارتباطية بينهما شئت فعبّر ـ.

والذي يفهم من كلمات السيد الشهيد قدس‌سره أنّه ينسب إلى المشهور من المحققين

__________________

(١) نهاية الدراية ج ٢ ، ص ٤١٣.

٤٦٩

الثاني ، ومنشأ هذا أنّهم عبروا بدلالة الشرطية على اللزوم بين الجزاء والشرط ، ومن هنا وقع البحث بينهم في انّ هذا اللزوم هل يكون بنحو العلية الانحصارية أم لا؟ وإن أنكر بعضهم حتى الدلالة على اللزوم الثبوتي لصدق الشرطية حتى في القضايا الاتفاقية إذا كانت متكررة اتفاقاً. بل استدلّ السيد الشهيد في الدورة السابقة على نفي دلالتها على اللزوم بصدقها في الوقائع الماضية مع عدم معنى للزوم فيها كما في قولك : ( ان كنت تأتينا بالأمس لكنت تأكل طعاماً شهياً عندنا ) وليس مقصود السيد الشهيد اثبات دلالة الشرطية على اللزوم لاثبات المفهوم.

وإنّما مقصوده اثبات المفهوم من نفس دلالة الجملة الشرطية على الالتصاق والربط المخصوص بين جملتي الجزاء والشرط ، ولو لم يكن هو اللزوم ولكن شريطة أن يكون مفاد الشرطية وأدوات الشرط الالتصاق بين جملة الجزاء وجملة الشرط ، ويعبّر عنه بالنسبة التصادقيّة ولو الاتفاقية بينهما ، فإنّه يصحّ حينئذٍ اجراء الإطلاق في الجزاء لاثبات انّ طبيعيه ـ بمعنى صرف وجود الحكم ـ ملتصق بالشرط وصادق كلّما صدق الشرط ـ وهذا مجموع اطلاقين بحسب الحقيقة ، إطلاق في الجزاء وإطلاق في النسبة التصادقية ، ولازمهما انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الشرط ؛ إذ لو كان يثبت الحكم في غير فرض الشرط فهذا امّا يكون من جهة انّ المرتبط شخص الحكم كالحكم في الجملة الوصفية أو ان ارتباط سنخ الحكم مقيّد بغير ذلك الفرض فلابدّ من تقييد أحد الاطلاقين لا محالة.

وهكذا يمكننا أن نستخلص انّ اقتناص المفهوم تارة يكون من جهة استفادة اللزوم العلّي الانحصاري للشرط ، سواء كان ذلك على أساس دعوى دلالة الأداة على ذلك أو على أساس تقريبات اخرى اطلاقية ـ أي بلحاظ المدلول التصديقي

٤٧٠

بحسب تعبير السيد الشهيد قدس‌سره ـ واخرى يكون على أساس دعوى دلالة الجملة الشرطية على الارتباط بين مفاد الجزاء والشرط أي الالتصاق والتوقف بينهما في مقام الصدق ولو لم يكن في البين علية بل ولا لزوم ثبوتي وهذا المقدار وحده يكفي في اثبات المفهوم باجراء الإطلاق في كل من مفاد الجزاء ومدلول الشرطية. وهذا ما يسلكه السيد الشهيد قدس‌سره.

ومقالة الاصفهاني ذكرها لنفي الطريق الأوّل لو ادعي بلحاظ مرحلة المدلول التصوري الوضعي ، ولكنه لو تم ينفي الثاني أيضاً.

ومن هنا يتصدى الشهيد قدس‌سره لابطاله. فليس البحث بين السيد الشهيد وبين المحقق الاصفهاني في استفادة اللزوم من أدواة الشرط وضعاً فضلاً عن العلية الانحصارية بل بحثه معه في تحديد مفاد الشرطية ودلالتها على الارتباط بين الجملتين ، وكيفية هذا الارتباط ، والسيد الشهيد يدّعي انّ هذا الارتباط لابدّ وأن يكون بنحو النسبة التصادقية أو الترتب والتعليق بين النسبتين في جملتي الجزاء والشرط ، وانّ هذا هو مفاد الشرطية الكبرى ، وحينئذٍ يمكن اجراء الإطلاق فيها واثبات إطلاق الارتباط فيثبت المفهوم بذلك.

والسيد الشهيد يستدل على مدعاه بدليلين :

١ ـ دعوى الوجدان والتبادر على انّ مفاد الشرطية إنّما هو هذا الارتباط والالتصاق بين جملتي الشرط والجزاء المعبّر عنه بالنسبة الالتصاقية أو التوقفية أو اللزوم.

٢ ـ دخول الاستفهام أو النفي على هذا الارتباط كما في قولك : ( هل إن جاء زيد تكرمه ) ، أو ( ليس كذلك إذا جاء زيد أكرمته ) ، فإنّ المسؤول عنه أو المنفي

٤٧١

نفس النسبة والملازمة لا نسبة الجزاء كما في قولك : ( إذا جاء زيد فلا أكرمه ) ، بل قد يكون نفي الجزاء كذباً بحيث إذا جاء زيد فقد يكرمه اتفاقاً ، رغم صدق نفي الملازمة ، وهذا يدلّ على أنّ للشرطية مفاد تام مستقلّ عن جملة الجزاء وهو الارتباط والالتصاق بين الجزاء والشرط فيجري فيه الإطلاق.

إلاّ انّ كلا الوجهين غير تامين.

أمّا الوجه الأوّل فيمكن أن يناقش فيه :

أوّلاً ـ بأنّ الترابط والربط الخاص المستفاد وجداناً بين الشرط والجزاء ليس بمعنى كون الجزاء موضوعاً للتعليق والالتصاق بالشرط ليجرى الإطلاق فيه ويقال بأنّه مطلقاً معلّق على الشرط فيثبت المفهوم ، بل المستفاد منه انّ الشرط مستتبع للجزاء ومستلزم لصدقه ، سواء في الجملة الخبرية أو الانشائية وانّ تحقق الشرط يجرّ الجزاء خلفه ويستتبعه ، وهذا المقدار لا يكون اجراء الإطلاق فيه مستلزماً للمفهوم بل هو إطلاق الاستتباع من طرف الشرط للجزاء وهو لا ينفي وجود استتباع آخر لشرط وموضوع آخر مع الجزاء.

فالحاصل : مجرّد استتباع الشرط للجزاء المستفاد من الشرطية لا يعني ملاحظة الجزاء موضوعاً للحكم عليه بالتعليق والالتصاق أو الترتب على الشرط ليجري فيه الإطلاق ويثبت المفهوم ، ففرق بين أن نقول : ( اكرام زيد معلّق وملتصق بمجيئه ) أو نقول : ( مجيىء زيد مستتبع وموجب لاكرامه ) ، والمعنى الأوّل هو المفيد لاثبات المفهوم دون الثاني.

إلاّ انّ الشرطية ظاهرة في الثاني دون الأوّل ، بل لعلّ المعنى الأوّل فيه نوع قلب للشرطية ، حيث يستلزم لحاظ الجزاء موضوعاً مفروغاً عنه للتعليق على

٤٧٢

الشرط ، وهو خلاف الوجدان جداً ، وإنّما الملحوظ مفروغاً عنه في الشرطية جملة الشرط والجزاء بمثابة المحمول الذي يراد الاخبار عنه أو ايجاده وانشائه على تقدير الشرط ، فإذا اريد استفادة نسبة تصادقية بين الشرط والجزاء فهي استتباع الشرط للجزاء لا تعليق الجزاء على الشرط ، فحينما نقول مثلاً : ( إذا كان في البلد أميران فسدت الامور ) مفاده انّ تعدد الرئاسة يستتبع الفساد ، لا أنّ الفساد معلّق على هذا التعدد ، بحيث لو كان الأمير واحداً فلا تفسد الامور. كيف ، ومن الواضح انّه أيضاً قد تفسد الامور من جهة عدم لياقته ، وهكذا سائر موارد الشرطية سواء كانت خبرية أو انشائية يكون الالتصاق والترابط المستفاد منها من طرف الشرط للجزاء لا من طرف الجزاء بالشرط.

نعم ، إذا كان استتباع الشرط للجزاء بمعنى استتباعه لطبيعي الحكم ، بمعنى مطلق وجوده لا صرف وجوده كان لازمه المفهوم والانتفاء عند الانتفاء ، إلاّ انّه من الواضح ـ والذي وافق عليه السيد الشهيد قدس‌سره أيضاً ـ انّ الإطلاق في الجزاء لا يعني ذلك ، بل يعني طبيعي الجزاء ، بمعنى صرف الوجود ؛ لأنّ الجزاء بمثابة المحمول في الشرطية لا الموضوع ، وهذه هي النكتة الأساسية في البحث.

وثانياً ـ انّ الارتباط بين الجزاء والشرط لو اريد به مفهوم الربط والالتصاق الاسمي فهو واضح البطلان لأنّه معنى اسمي ولو اريد به واقع ما يكون ربطاً ونسبة ـ كما هو شأن المعاني الحرفية والنسب ـ فإن اريد به نسبة وربطاً خارجياً كالنسبة الظرفية والاستعلائية فهي نسب ناقصة افرادية على ما تقدم تنقيح ذلك مفصلاً في محلّه. وقد صرّح السيد الشهيد انّ هذه النسبة لا يمكن أن تكون مدلولاً تاماً ولا بأزائها مدلول تصديقي.

٤٧٣

وإن اريد به نسبة حقيقية في عالم الذهن أي قائمة بين المفاهيم في عالم الذهن والادراك لها ـ كالنسبة التصادقية في الحملية أو العطف والاستثناء ـ وهذا هو المناسب مع كون الشرطية نسبة تامة ومع كون طرفها نسبة ذهنية تامة أيضاً ومع ما يريده السيد الشهيد من دعوى انّ المدلول التصديقي يكون بأزائها ـ. فالنسبة الذهنية الحقيقية بين الشرط والجزاء لا نتعقلها إلاّبالنحو الذي ذكره المحقق الأصفهاني ، أي الفرض والتقدير ، فإنّ التقدير كالعطف والاستثناء نسبة ذهنية ولا واقع له في الخارج.

وتوضيح ذلك : أنّ عالم الذهن عالم النسب التامة بين المفاهيم وعالم الخارج ، عالم النسب التحليلية والتي هي كالمفاهيم الأفرادية والتقييدية ، وجملة الجزاء لا إشكال في كونها مشتملة على نسبة تامة اخبارية أو انشائية قائمة بين موضوعها ومحمولها على حدّ الجملة غير الشرطية وأدوات الشرط تأتي لتقييد وتحديد هذه النسبة الذهنيّة ، وانّ تلك النسبة إنّما تكون في فرض تحقق جملة الشرط ، فتكون الشرطية بحسب الحقيقة تحديداً وتقييداً للنسبة التامة المفادة بالجزاء ، فتكون ذهنية أيضاً.

أمّا التعليق والاستلزام أو التوقف والالتصاق فهذه كلّها مفاهيم اسمية ونسب خارجية منتزعة في طول ذاك التحديد للنسبة التامة الذهنية الجزائية ، فإنّ النسب الخارجية التحليلية على ما ذكرنا مفصلاً في محلّه أعمّ ممّا ينتزع عن الخارج أو عن الذهن في طول وجود المفاهيم والنسب فيها ، فإنّها أيضاً خارج بالنسبة للمفهوم المنتزع عنها ، فالملازمة والتوقف والتعليق والالتصاق كلّها معاني واقعية خارجية ، وإذا كانت نسبة فهي تحليلية وليست نسبة ذهنية ، فلا يمكن أن تكون هي مدلول النسبة الشرطية ، بخلاف نسبة الفرض والتقدير.

٤٧٤

لا يقال : كما تكون النسبة التصادقية بين الموضوع والمحمول في الحملية ذهنية كذلك يمكن أن تكون النسبة التصادقية بين جملة الجزاء وجملة الشرط ذهنية ، وأيّ مانع عن تصوير ذلك؟

فإنّه يقال : لا تعقل النسبة التصادقية بين جملتي الشرط والجزاء ، امّا الاستلزام في الصدق وانّه كلّما صدق هذا صدق ذاك فهذه حقيقة خارجية ـ بالمعنى الأعم من الوجود والواقع ـ وليست نسبة ذهنية ، وهذا بخلاف النسبة بين المحمول والموضوع ، فإنّها من شؤون المفاهيم في الذهن ، وليس في الخارج طرفإنّ ونسبة أصلاً كما حقّق في محلّه.

فإن قيل : تكفي دلالة الشرطية على كون الشرط موقع الفرض والتقدير ، أي النسبة التقديرية والفرضية في اقتناص المفهوم إذا أمكن اجراء الإطلاق فيها وفي الجزاء بمعنى صرف وجود الحكم ؛ لأنّ ارتباط مطلق الحكم بمعنى صرف وجوده بذاك الفرض والتقدير مطلقاً وفي تمام الحالات يستلزم انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء ذاك التقدير كما نقوله في النسب التصادقية أو الالتصاقية.

قلنا : فرض الشرط لانشاء صرف وجود الحكم في ذلك التقدير لا يستلزم انتفاء فرد آخر من الحكم على تقدير شرط آخر ، إلاّإذا كان الإطلاق بمعنى مطلق الوجود وتمام حصص الحكم ، أو كان الارتباط والنسبة بين الشرط والجزاء بمعنى التلازم في الصدق والتصادق أو التعليق والتوقف ، وقد عرفت انّ الأوّل لا يستفاد من الإطلاق الجاري في طرف الحكم والجزاء ، والثاني بحاجة إلى دالّ عليه مفقود في الجملة الشرطية ما لم تكن قرينة عليه ، فليس مفاد الشرطية إلاّالأخبار أو الانشاء للجزاء على تقدير وفي فرض صدق جملة الشرط ، وهذا لا يستلزم المفهوم أصلاً.

٤٧٥

وثالثاً ـ هذا التحليل لمفاد الجملة الشرطية يواجهنا مع مشكلات لا يمكن حلّها :

منها ـ عدم امكان تقسيم الجملة الشرطية إلى خبرية وانشائية طلبية إذا كان مفادها ومدلولها التام والذي يكون بازائه المدلول التصديقي النهائي للمتكلم هو النسبة التصادقية أو اللزوم والتعليق بين نسبتي الجزاء والشرط ، فإنّه من الواضح عندئذٍ انّ هذا المفاد مفاد اخباري صرف ، وليس انشائياً وطلبياً ، ومجرّد كون طرف هذه النسبة التامة نسبة في نفسها انشائية لا تجعل الجملة الشرطية انشائية ؛ إذ لا مدلول تصديقي بلحاظ مفاد جزائها ، وإنّما تلحظ جملة الجزاء كنسبة تامة في نفسها كما في جملة الشرط ، فكما لا تكون الشرطية اخباراً عن جملة الشرط ولا قصد ولا مدلول تصديقي بازائها كذلك سوف تكون جملة الجزاء ، وهذا يخرجها عن الانشائية والدلالة على جعل الحكم وانشائه إلاّبنحو الملازمة والكشف بالتبع ، فيكون قولنا : ( إن جاءك زيد فأكرمه ) انشاءً بمعنى ( إن جاءك زيد ثبت عليك وجوب الاكرام ) اخباراً.

ولو قيل بأنّ المدلول التصديقي الفعلي للمولى قصد انشاء وجوب الاكرام لا الاخبار عن النسبة التوقفية التصادقية الاخبارية بحسب ذاتها ، كان ذلك رجوعاً إلى مقالة الأصفهاني من انّ جملة الشرط ليست إلاّبمثابة الفرض والتقدير لانشاء الجزاء ؛ إذ لا يعقل وجود مدلولين تصديقيين جدّيين في الشرطية الواحدة للمتكلم انشاء الحكم والاخبار عن تلازمه مع الشرط.

لا يقال : ينشىء المتكلم بالشرطية الانشائية حكماً ملصقاً ومعلّقاً بالشرط ،

٤٧٦

وحيث انّ الإطلاق يجري فيه ويثبت انّ صرف وجوده معلّق وملصق بالشرط فيثبت المفهوم مع كون المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء في الشرطية وهو انشائي.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ هذا خلاف ظاهر كلام السيد الشهيد قدس‌سره وإذا كان هو المقصود لم يكن بحاجة إلى جملة مما تقدم في تحليل الجملة الشرطية في النقطة الاولى من فرض محور الشرطية التلازم والتصادق بين الشرط والجزاء وكونهما بمثابة طرفين للنسبة الشرطية ، وكون المدلول التصديقي بازائها لا بازاء جملة الجزاء.

وثانياً ـ هذا يمنع عن اجراء الإطلاق حينئذٍ في النسبة الشرطية ؛ لعدم كونها النسبة الحكمية ، بل غايته الدلالة على انّ الحكم المنشأ بجملة الجزاء مربوط بالشرط ، وليس المدلول التصديقي افادة هذا الارتباط بين طبيعي الحكم في الجزاء ـ ولو بنحو صرف الوجود ـ وبين الشرط ليجري فيه الإطلاق فنثبت به ارتباط مطلق وجود الحكم بالشرط أو توقف صرف وجود الحكم وتعليقه على هذا الارتباط ما لم تفرض عناية زائدة في الجملة الشرطية على النظر إلى هذا الارتباط لا أصل الجزاء.

ومنها ـ عدم امكان تفسير ما سيأتي من الفرق بين الجمل الشرطية الخبرية ، حيث قبل السيد الشهيد عدم المفهوم لها ، وبين الجمل الشرطية الانشائية ، وسيأتي مفصلاً تحقيقه.

ومنها ـ انّ نظرية كون الشرط في الشرطية لمحض التقدير وتحديد فرض صدق الجزاء لا أكثر ينسجم مع مدلول الشرطية بتمام أقسامها ، أي ما يكون

٤٧٧

الشرط فيها مسوقاً لبيان الموضوع وما لا يكون كذلك ، وما فيه مفهوم من الجمل الشرطية وما ليس فيه مفهوم ، بينما تفسير الشرطية بأنّها تدلّ على اللزوم أو النسبة التصادقية بين الجملتين لا يصدق في تلك الموارد كالشرطية المسوقة لبيان الموضوع ، فإنّه لا يناسب التعليق أصلاً ، وكذلك ما لا مفهوم فيه رغم انحفاظ الموضوع كما في قولك : ( إن أفطرت فكفّر ) فإنّه لا يدلّ على نفي وجوب الكفارة إذا لم يفطر ولكنه ظاهر زوجته مثلاً ، مع انّه لو كان المقصود تعليق وجوب الكفارة على الافطار لكان ينبغي استفادة المفهوم من الجملة.

وأمّا الوجه الثاني :

فجوابه : انّ الاستفهام أو النفي أو الترجي والتمنّي الداخل على الشرطية لا إشكال في انّها تتعلّق بالنسبة الشرطية لا بنسبة الجملة الجزائية. إلاّ انّ البحث في انّ النسبة الشرطية التي دخل عليها الاستفهام والنفي ونحوه هل هي استتباع الشرط للجزاء أو تعليق الجزاء على الشرط ودخول الاستفهام والنفي ونحوه على النسبة الشرطية لا يعيّن أحد المعنيين في قبال الآخر ، وقد تقدّم توضيح ذلك سابقاً في بعض المقدمات التي ذكرناها.

نعم ، يتضح مما تقدم مطلب تحليلي مهم وهو أنّه حيث يكون التقدير والفرض ، وإن شئت قلت النسبة التقديرية أو الترتبية الشرطية نسبة ذهنية وتامة فيكون صالحاً لاجراء الإطلاق فيها بخلاف النسبة الوصفية الناقصة بمعنى أنّ المتكلم وإن كان في مقام ترتيب الجزاء واثباته في فرض تحقق الشرط ، وعلى هذا التقدير وهذا وحده لا يستلزم نفي ثبوته وترتبه في فرض وحال آخر ، إلاّ انّه حيث انّ هذا الفرض والتقدير تحديد لثبوت الجزاء وصدقه بحيث لولاه لكان

٤٧٨

ثابتاً مطلقاً أي سواء تحقق مفاد الشرط أم لا ، وحيث انّ الجزاء طبيعي الحكم لا شخص الحكم في مورد الشرط لخروج الشرط عن جملة الجزاء ، فعندئذٍ إذا كان الإطلاق في طرف الجزاء يثبت طبيعي الجزاء بنحو صرف الوجود ، كما هو مقتضى الإطلاق الجاري في طرف المحمول ، وما يكون بمثابته كالجزاء فلا مفهوم ؛ لأنّ استتباع الشرط لطبيعي الجزاء بمعنى صرف وجوده لا ينفي استتباع شرط آخر أيضاً لطبيعي الجزاء بهذا المعنى ، وإن كان الإطلاق الجاري في طرف الجزاء يثبت إرادة طبيعي الجزاء بمعنى مطلق وجوده أو استفيد من الشرطية ولو بقرائن خاصة الترتب والتعليق لطبيعي الحكم ـ ولو بمعنى صرف وجود ـ على الشرط مطلقاً ثبت المفهوم عندئذ ، فالمفهوم يمكن اقتناصه من الجملة الشرطية باثبات إطلاق ارتباط الجزاء بالشرط بهذا المعنى ، ومثل هذا الإطلاق لا مجال له ، ولا يمكن في الجملة الوصفية بالنسبة إلى الوصف والقيد ؛ لكونه قيداً للحكم ، أي لا تتم النسبة الحكمية إلاّبه ، بخلاف جملة الجزاء في الشرطية.

ولعلّ هذا هو وجه ذهاب جملة من الفقهاء إلى ثبوت المفهوم للشرطية.

ونلخّص ما تقدّم في مفاد الجملة الشرطية ضمن امور :

الأمر الأوّل : لا إشكال في وجود الارتباط بين جملتي الجزاء والشرط بنحو يجعلها جملة واحدة كبرى لها مدلول تصديقي واحد لا جملتان مستقلتان لكل منهما مدلول تصديقي مستقل عن الآخر ، وهذا الارتباط ثابت على مستوى المدلول التصوري الوضعي للجملة بدليل ثبوته واحساسنا به حتى إذا سمعناها من جدار.

٤٧٩

الأمر الثاني : تقدم في بحث المعاني الحرفية الفرق بين النسب التركيبية الناقصة والنسب التامة وانّ النسبة الناقصة نسب حقيقية في الخارج تحليلية في الذهن ، ومن هنا تكون حصيلتها مفاهيم افرادية بخلاف النسب التامة فإنّها نسب حقيقية في الذهن بين مفهومين مستقلين ، ومن هنا يمكن أن يتعلق بها مدلول تصديقي من قصد الاخبار أو الانشاء بخلاف النسب الناقصة.

وهذا يعني انّ النسب الناقصة ذاتاً لا يمكن أن يكون بأزائها مدلول تصديقي ويسكت عليها بخلاف النسب التامة سواء كان بالفعل بأزائها مدلول تصديقي أم لم يكن ، فعدم السكوت الفعلي على نسبة ـ كجملة الشرط ـ لا يعني كونها ناقصة إذا كانت ذاتاً مما يمكن أن يكون بأزائها مدلول تصديقي.

الأمر الثالث : انّ التقييد والتعليق والتحصيص ونحو ذلك من الامور إنّما يتعقل بلحاظ المداليل التصورية أي المفاهيم لا المداليل التصديقية ، أي القصد والارادة لأنّ المداليل التصديقية وجودات حقيقيّة ، والوجود يساوق التشخص والجزئية ويستحيل فيه التعليق أو التحصيص.

نعم ، قد يسند التعليق إلى المدلول التصديقي كالجعل والانشاء بالعرض والمجاز باعتبار انّ المجعول والمنشأ به ـ الذي هو مدلول تصوري ـ مقيد أو معلّق فيقال الجعل مقيد أو معلّق على كذا.

وبهذا يعرف انّ ما جاء في كلمات السيد الشهيد قدس‌سره في المقام من التعليق في المدلول التصديقي للجزاء على الشرط لا يقصد به تعليق قصد الإخبار أو الانشاء الفعلي من جملة الجزاء على شيء إذا كان المدلول التصديقي بازاء جملة الجزاء ، فإنّ هذا غير معقول ، وإنّما المقصود من تعليق المدلول التصديقي للجزاء على

٤٨٠