أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

بالحمل على الملاك لكي يقال بأنّه غير عرفي ، وإنّما المراد انّ التكاذب بين الظهورين في المدلول المطابقي مع حجّية المدلول الالتزامي يمنع عن سريان التعارض والاجمال إلى دليل حجّية السند نظير موارد العامين من وجه. وهناك نكات اخرى مذكورة في بحث التعارض فراجع.

ص ٦٩ قوله : ( التنبيه السادس ... ).

الأولى جعل عنوان التنبيه تخريجات التفصيل المشهور من صحة العمل العبادي كالصلاة في الغصب والاجتزاء به إذا جيىء بمورد الاجتماع جهلاً بالحرمة والبطلان في صورة العلم بالحرمة.

والتخريجات المذكورة جملة منها واضحة الاندفاع لا نكتة مهمة لذكرها ، وهي الأوّل والثاني والسابع والثامن. والخمسة الباقية أيضاً ينبغي توزيعها على نكاتها الفنية وهي ثلاث نكات ونضيف اليها نكتة اخرى فتكون أربعة ، كما يلي :

النكتة الاولى : ما ذكره في الكفاية بناءً على الامتناع وتغليب جانب النهي من تصحيح العمل في المجمع على أساس الملاك المحرز بمثل الدلالة الالتزامية عليه. فإنّه عندئذٍ تصح العبادة مع الجهل بالحرمة لامكان قصد القربة بخلاف فرض العلم بالحرمة وتنجزها فلا يتأتى قصد القربة حتى لو احرز وجود الملاك فيه.

وهذا قد يوسع ويقال به حتى إذا أنكرنا امكان اثبات الملاك بالدلالة الالتزامية ـ كما لو بنينا على التبعية ـ على أساس انّه عندئذٍ يشك في تقيد الوجوب بغير من أتى بالمجمع ؛ لاحتمال وجود الملاك فيه الموجب لتحققه مع الجهل بالحرمة فيكون من الشك في أصل التكليف ، فتجري البراءة عنه ، وهذا

٤٠١

مبني على عدم صحة التمسك باطلاق الهيئة عند دوران الأمر بين تقييده وتقييد المادة.

النكتة الثانية : وهي مبنيّة على القول بالجواز والقول بأنّ متعلّق الأمر لابد وأن يكون الحصة المقدورة عقلاً وشرعاً ، فالفرد المتحد مع الحرام لا يكون مقدوراً شرعاً ، فلا يمكن شمول الأمر له لا من جهة الامتناع بل من جهة قيد القدرة. نعم ، يمكن شموله له بنحو الترتب إذا كان الترتب ممكناً ولكنه ليس بممكن في المقام عند الميرزا على ما تقدم في محله ، فلا يمكن تصحيح العمل به بالأمر كما لا يمكن احراز الملاك بعد سقوط الخطاب.

هذا في صورة تنجز الحرمة ، وامّا في صورة عدم تنجزها فالمقدورية الشرعية محفوظة في المجمع كما هو واضح ، فيشمله الأمر بلا تعارض ـ للقول بالجواز بحسب الفرض ـ ولا تزاحم ـ لانحفاظ القدرة ـ وقد نعبر عن هذا بالتزاحم بين الخطابين والذي لا يكون إلاّمع فرض تنجز الحكمين ، وهذه النكتة هي مبنى الوجه الخامس في الكتاب ، وجوابه بطلان المبنيين.

النكتة الثالثة : وهي مبتنية على القول بالجواز أيضاً والقول بأنّ المحرم وإن كان مصداقاً للواجب لا يمكن التقرب به لعدم تأتي قصد القربة أو عدم الصلاحية للمقربية على ما سيأتي في بحث اقتضاء النهي للفساد ، وهذا يختص بما إذا كانت الحرمة منجزة على المكلّف أيضاً فيثبت التفصيل.

وهذه النكة تتم إذا قبلنا مبناه على الملاك الأوّل والثاني للجواز ، وامّا بناءً على الملاك الثالث فحيث انّ الفعل متعدد في الخارج فلا يتم فيه ، وهنا يأتي بيان الميرزا بالقبح الفاعلي والايجادي حتى لو قيل باطلاق الأمر وعدم التزاحم أو

٤٠٢

ثبوت الملاك في المجمع ، ويكون الجواب ما في الكتاب ، وهذه النكتة مبنى التخريج الرابع والسادس.

النكتة الرابعة : أن يكون مبنى التفصيل الامتناع وتقيد الواجب بغير الفرد المحرم ، ولكن مع ذلك يقال بالصحة مع الجهل تمسكاً بحديث لا تعاد بناءً على اطلاقه لذلك على ما نقحناه في مبحث قاعدة لا تعاد.

ص ٧٩ قوله : ( التنبيه الثامن : ... ).

في الكفاية والمحاضرات جعل البحث في مقامات وأقسام ثلاثة ، ثالثها ما إذا كان متعلّق النهي عنواناً آخر بينه وبين العبادة عموم من وجه كالصلاة في مواضع التهمة بناءً على انّ الكون فيها مكروه ومنهي عنه.

والسيد الشهيد قدس‌سره إنّما حذفه لأنّه لو كان الأمر بدلياً كان كالمقام الأوّل ولو كان شمولياً كان كالثاني ، فلا خصوصية ولا بحث زائد فيه ليفرد له مقام ثالث ، ولهذا في المحاضرات أيضاً عطف الكلام فيه على المقامين السابقين.

إلاّ انّ هناك نكتتين من الفرق لا بأس بالاشارة اليهما :

إحداهما ـ انّه لا يمكن في المقام الثالث حمل النهي على الارشاد إلى أقلية الثواب ؛ لأنّ متعلقه ليس خصوص العبادة بل أعم ويشمل ما ليس عبادة ، وهو هناك دالّ على الحزازة والكراهة بحسب الفرض ، ولا يمكن أن يراد بالنهي الواحد الارشادية والمولوية معاً كما هو واضح.

الثانية ـ انّه مع تعدد العنوان والقول بأنّه يوجب تعدد المعنون يمكن قصد التقرب في مورد الاجتماع بناءً على الجواز لتعدد الفعل ، بينما في المقام الأوّل سوف يأتي الاشكال في ذلك.

٤٠٣

ص ٧٩ قوله : ( امّا القسم الأوّل فالقائلون بجواز الاجتماع ... ).

على القول بالجواز وعدم سراية الأمر ولا الحب من الجامع إلى الفرد وإن لم يكن محذور التضاد موجوداً ولكن يبقى محذور قصد القربة بالفرد المبغوض ولو بغضاً كراهتياً.

وتوضيح ذلك : انّه لعله لا اشكال في عدم امكان التقرب بالفرد المنهي عنه من العبادة إذا كان النهي تحريمياً حتى إذا قلنا بجواز الاجتماع بالملاك المتقدم ؛ لأنّ الفعل الواحد إذا كان معصية فكيف يمكن اضافته إلى المولى والتقرب به وإن كان بلحاظ تحقق الجامع به يكون محبوباً ومطلوباً بحدّه الجامعي. إلاّ انّ وحدة الفعل الخارجي يمنع عن امكان اضافته بما هو فعل وحركة واحدة في الخارج إلى المولى مع فرض مبغوضيته اللزومية ووصوله إلى المكلّف ووجود المندوحة ، وهذا مبني على افتراض لزوم اضافة الفعل والوجود الخارجي إلى المولى في قصد القربة المعتبر في العبادة وانّه المستفاد من أدلّة اشتراط قصد القربة. وعندئذٍ يقال بأنّ الكراهة والبغض غير اللزومي في الفرد إذا كان غالباً على المحبوبية لا مغلوباً لها فلا يصح قصد التقرب بالفرد المكروه فلا يقع عبادة فإنّ المبغوض الفعلي لا يمكن اضافته إلى المولى أيضاً وإن كان مبغوضيّته بدرجة غير لزومية ، فإذا استظهرنا لزوم اضافة الفعل الخارجي إلى المولى في قصد القربة المعتبر في العبادات بطلت العبادة المكروهة من هذه الناحية فلا محالة لابد على القول بالجواز من انكار البغض الفعلي في الفرد أيضاً كما هو على القول بالامتناع فنحتاج إلى أحد الأجوبة القادمة.

ويمكن الاجابة على هذا الاشكال بأنّ الكراهة والنهي التنزيهي ليست كالحرمة. وتوضيح ذلك : انّ التقرّب بالفرد باعتبار تحقق الجامع المطلوب به

٤٠٤

تمنع عنه الحرمة والمعصية باعتبارها قبيحة وموجبة لاتصاف الفعل بالقبح المانع عن العبادية وحسن الفعل ، وهذا بخلاف الكراهة والنهي التنزيهي فإنّه حيث لا توجب مخالفته قبحاً ولا بعداً عن المولى فلا يمنع عن امكان التقرب بالفعل بلحاظ تحقق الجامع المطلوب للمولى به. فتنزيهية النهي تنفع في هذا المقام وإن كانت غير نافعة لدفع غائلة التضاد بناءً على الامتناع والموجب لارتفاع الأمر ـ إذا غُلّب جانب النهي ـ وبطلان العبادة من هذه الناحية.

ولعلّ ما يظهر من مدرسة الميرزا قدس‌سره من القول بالجواز في المقام والامتناع في الوجوب والحرمة ناشىء من الخلط بين المطلبين ، فراجع وتأمل.

وعلى هذا الأساس يظهر صحة الكراهة في العبادات بمعناها الحقيقي في هذا القسم بلا حاجة إلى تصرف وتأويل في دليل النهي لا بلحاظ ظهوره في تعلقه بالمتخصص لا الخصوصية والتقيد ولا بلحاظ ظهوره في المولوية ولا بلحاظ ظهوره في المبغوضية الفعلية والحزازة غير اللزومية.

ولعلّ وجدانية عدم تعامل الفقهاء مع النهي الوارد في العبادات في هذا القسم بعدم تقييد الأمر بها بغير الفرد المنهي عنه ابتداءً وبلا مراجعة اجماع ودليل على صحة العبادة في الفرد المنهي عنه من الخارج بنفسه مؤيد وشاهد على جواز الاجتماع بحسب ارتكازهم ، وإلاّ فيقال بأنّه إن لم يتم اجماع من الخارج فالمتعين التقييد وتخصيص الأمر بغير الفرد المنهي عنه ، لا رفع اليد عن أحد الظهورات الثلاثة الاخرى ، فإنّ التقييد أخفّ مؤنة والإطلاق أضعف الظهورات. اللهم إلاّأن تذكر نكتة عامة في خصوص النواهي في العبادات.

ولعلّ الأنسب جعل البحث في مقامين : تارة في تفسير صحة العبادة المكروهة بعد فرض قيام اجماع أو ضرورة على صحّة العبادات المكروهة ،

٤٠٥

واخرى : فيما هو مقتضى القاعدة لو ورد نهي كراهتي عن عبادة فهل يخصِّص إطلاق دليل الأمر بدليل النهي على القاعدة أم لا ، أي ما هو مقتضى الجمع العرفي بين دليل الأمر بتلك العبادة ودليل النهي الكراهتي عن بعض أفراده ؛ لأنّ دليل النهي حتى الكراهتي ظاهر في امور ثلاثة :

١ ـ ظهوره في تعلّقه بالمتخصِّص لا الخصوصية.

٢ ـ ظهوره في كونه مولوياً لا إرشاداً إلى أقلّية الثواب أو أفضليّة سائر الأفراد.

٣ ـ ظهوره في فعلية المبغوضية والكراهة في متعلّقه.

فلو جمعنا بين هذه الظهورات الثلاثة وقلنا بامتناع اجتماع الأمر والنهي وقع التعارض بين إطلاق دليل الأمر بتلك العبادة مع دليل النهي الكراهتي عن أفرادها لا محالة ، فلو قدّم النهي أو حكم بالتعارض والتساقط كانت العبادة باطلة من جهة انتفاء الأمر. وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالجواز وعدم سراية الحبّ والأمر من الجامع إلى الفرد حتى إذا كان مبغوضاً.

وبهذا يتّضح انّ القائلين بالامتناع لابدّ لهم في بحث العبادات المكروهة من رفع اليد عن أحد الظهورات المذكورة كما سيأتي شرحه.

إلاّأنّك عرفت فيما سبق انكار ظهور الأمر حتى عرفاً في نشوئه عن محبوبية متعلّقه بالخصوص ، فكذلك في المقام ننكر ظهور النهي في فعلية المبغوضية في متعلّقه ، وهذا يوجب القول بالجواز وعدم الامتناع بحسب الحقيقة ، وبالتالي صحّة العبادة المكروهة على القاعدة ؛ لعدم مبغوضيتها وفعلية الأمر بها وامكان التقرّب أيضاً.

٤٠٦

ص ٨٠ قوله : ( وإنّما يتجه الاشكال بناءً على المسلك القائل بالامتناع ... ).

أي بناءً على سريان الأمر ولو بمبادئه المقوّمة له ، وهي الحب إلى الفرد أي رجوع التخيير العقلي إلى الشرعي ولو بلحاظ المحبوبية والارادة ، فلا يمكن الاجتماع ؛ ، للزوم تعلّق الارادة والحب مع الكراهة والبغض بالفرد والحصة وهو محال.

ومجموع ما ذكر من العلاجات عندئذٍ خمسة :

١ ـ ما ذكره صاحب الكفاية من حمل النهي على الإرشاد إلى أفضلية سائر الأفراد.

٢ ـ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره من جعل متعلقه التقيد لا المقيد.

٣ ـ ما ذكره أيضاً من رفع اليد عن ظهوره في المبغوضية ، فالفرد محبوب ومبغوض ، لكن مبغوضيته مغلوبة ومندكة في قبال محبوبية الجامع السارية إلى الفرد.

٤ ـ ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره من عدم منافاة النهي التنزيهي لاطلاق الأمر وعدم تقييده به ، وهذا الجواب قد عرفت عدم صحته لو قيل بالامتناع والسريان للأمر أو للحب من الجامع إلى الفرد.

٥ ـ ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره أيضاً من اجراء الجواب الذي سيذكره الخراساني قدس‌سره في القسم القادم هنا ، أي انّ ترك الفرد والحصة ولو بعنوان وجودي منطبق عليه فيه مصلحة وملاك للمطلوبية ولا يحتاج هنا إلى امكان التزاحم ـ كما سيأتي هناك ـ لأنّ الأمر بالجامع البدلي الموسع بحسب الفرض

٤٠٧

فلا يزاحم طلب ترك الفرد.

وإن شئت قلت : لا تضاد بين فعل الجامع وبين ترك الحصة والفرد أو فعل العنوان المنطبق في فرض الترك ، نعم لو لم يكن مندوحة بأن لم يتمكن من الصلاة في غير الحمام وقع التزاحم عندئذٍ.

وهذه الأجوبة ما عدا الجواب الرابع الذي عرفت ابتنائه على القول بالجواز في المقام ، وإن كانت صحيحة في نفسها ، إلاّ انّه من الواضح انّ فيها تأويلاً للنهي ، بحيث لا يصار إليه ابتداءً لمجرد المنافاة بين الأمر بالجامع والنهي عن الفرد ، بل المتعين التقييد كما هو في سائر موارد التنافي بين دليل النهي والأمر.

نعم ، لو قام اجماع أو ضرورة على صحة تلك العبادة في مورد النهي كان لابد من ارتكاب أحد هذه الوجوه ـ ولعلّ أخفّها عندئذ ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره ثانياً ـ مع انّا نلاحظ انّ الفقهاء في الفقه يحملون النهي عن أفراد بعض العبادات المأمور بها بنحو البدل على أحد هذه الوجوه ابتداءً وبلا مراجعة اجماع على الصحة وعدم تقيد تلك العبادة بغير ذلك الفرد ، وهذا يكشف امّا عمّا ذكرناه من ارتكازية جواز الاجتماع بالملاك الأوّل ، أو وجود قرينة عامة على انّ النهي التنزيهي في العبادات لا يراد به الكراهة والمبغوضية غير اللزومية.

ويمكن أن تكون النكتة العامة هي ظهور النواهي المذكورة في انها متعلقة بالعبادة بما هي عبادة أي بعد الفراغ عن وقوعها عبادة لو جاء بها المكلّف مما يعني انحفاظ أمرها وأصل محبوبيتها.

٤٠٨

ص ٨٢ قوله : ( وحاول السيد الاستاذ دفع هذا الاعتراض ... ).

هذا كلام كلي للسيد الخوئي به يحاول تصحيح الأمرين بالفعل والترك معاً بنحو الترتب في كل مورد إذا كان أحدهما عبادياً لأنّه بذلك سوف تكون الحالات ثلاثة : الترك والحصة العبادية من الفعل والحصة غير العبادية من الفعل أو الفعل والحصة العبادية من الترك والحصة غير القربية منه فيمكن الأمر باثنين منها بنحو الترتب ولا يلزم تحصيل الحاصل بل فائدة الأمر الترتبي منع المكلّف من الحالة الثالثة الفاقدة للمصلحتين معاً ، وعلى هذا علّق في حاشيته على العروة في مبحث الصوم انّ من ابتلع في الليل ما يجب تقيئه في النهار بصحة صومه إذا لم يتقيأ رغم وجوب التقيؤ ؛ لامكان الأمر بالامساك عنه بقصد القربة ـ وهو الصوم ـ بنحو الترتب.

وهذا الكلام يرد عليه مناقشات عديدة :

احداها ـ ما ذكره الاستاذ من استحالة مثل هذا الأمر الترتبي لأنّه لا يمكن أن يكون داعياً إلاّلداعوية الأمر ووقد تقدم بحث ذلك سابقاً.

الثانية ـ انّ هذا مبني على القول بجواز تعلق الحبّ حتى إذا كان ضمنياً بشيء وبنقيضه وضده العام مع انّه قد تقدم في بحث انّ الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده العام انّه كما يستحيل أن يجتمع في نفس المولى حب شيء وبغضه كذلك يستحيل أن يجتمع عنده حب شيء وحب تركه ونقيضه وهذا محذور التضاد واجتماع الضدين في نفس المولى مع قطع النظر عن مسألة الامتثال فلا يحلّ بالترتب وإلاّ لحلّ الامتناع بالترتب.

نعم ، هذا المحذور لا يجري فيما إذا كان المطلوبان ضدين لا ثالث لهما

٤٠٩

بخلاف المناقشة الاولى.

الثالثة ـ لو فرض انكار السيد الخوئي لعدم إمكان حب شيء وحب نقيضه ، فننقض عليه بلزوم هذا المبنى للقول بجواز اجتماع الأمر مع النهي أيضاً في باب العبادات لأنّنا ننكر ظهور النهي في مبغوضية الفعل كما أنكرنا ذلك على الاستاذ في بحث سابق وإنّما غايته ظهوره في مرجوحية الفعل من الترك سواء كان ذلك باعتبار مفسدة ومبغوضية في الفعل أو محبوبية وملاك أهم في الترك ـ أي ارجاعه إلى طلب الترك ـ وعليه فلا موجب للقول بالامتناع فيما إذا كان أحدهما عبادياً من غير فرق بين كون الواجب بنحو صرف الوجود أو مطلق الوجود لامكان الأخذ بدليل الأمر والنهي معاً غاية الأمر يقع بينهما التزاحم وهو ليس من التعارض.

نعم ، لو كان النهي واصلاً لما أمكن قصد القربة ، بخلاف مورد الجهل بالنهي ، وذاك محذور آخر غير الامتناع الموجب لبطلان العمل حتى في مورد الجهل.

الرابعة ـ ما سوف نشير إليه من أنّ قصد التقرب بالفعل وهو الصوم في المثال غير معقول ، إذ لو اريد قصده في قبال الترك فالمفروض انّه أولى للمولى من الفعل ولو اريد قصده في قبال تركهما معاً فهو محال لاستحالة تركهما معاً وإن اريد قصده في قبال أن لا يقصد فهو محال أيضاً لأنّ القصد لا يمكن أن يكون لغرض في نفسه وإنّما يكون دائماً لغرض في متعلقه وهو المقصود على ما تقدم في موضعه من بحث الواجب المطلق والمشروط.

وهذه المناقشة وإن كانت روحها ما أبرزه الاستاذ في المناقشة الاولى ، إلاّ انّه أبرزه لابطال الأمر الترتبي وبلحاظه ، ونحن أبرزناه بلحاظ قصد التقرب ، ولو

٤١٠

فرض عدم الحاجة إلى الأمر فهذا كأنّه تطوير وتوسعة لتلك المناقشة وليست نكتة جديدة.

كما أنّ ما ذكره الميرزا على الكفاية غير وارد لوجهين :

الأوّل : ما أفاده الاستاذ من أنّ مقصود الكفاية التزاحم الملاكي لا الامتثالي.

الثاني : انّه لو كان النظر إلى التزاحم الامتثالي فعدم إمكان الترتب لعدم الثالث لا يضرّ بصحة العبادة ولو باعتبار كشف الملاك بالاجماع والضرورة القائمين على صحة العبادة.

نعم ، الاشكال الأساسي على الكفاية إنّما هو عدم إمكان التقرب ولزوم بطلان العمل على الأقل لمن يعلم بالنهي فلابد من توجيه آخر.

لا يقال : مع فرض وجود حالة ثالثة وهي الامساك بلا قصد القربة يكون التقرب بالفعل ممكناً كما في سائر موارد التزاحم والاتيان بالمهم ، ولو فرض عدم الخطاب والأمر لعدم إمكان الترتب فلا يقاس بما إذا كان في الفعل مفسدة أرجح من مصلحته.

فإنّه يقال : حيث انّه لا يمكن التقرب بالفعل الواقع على كل حال فلا يمكن التقرب في المقام إذ لو اريد التقرب بالامساك في قبال تركه فالمفروض انّ مصلحة الترك أقوى وإن اريد التقرب به في قبال تركهما معاً فهو محال بحسب الفرض لأنّ الامساك على تقدير ترك الترك ضروري فلا معنى للتقرب والاتيان به من أجل المولى.

وبهذا يظهر انّه لا يمكن قربية الفعل أو الترك في موارد رجحان الطرف الآخر

٤١١

حتى لو أحرز الملاك في الحصة القربية ، فالمحذور ليس في مرحلة الخطاب ولغوية الأمر فحسب ، بل المحذور في عدم إمكان تحقيق الملاك المهم في الحصة القربية ، وهذا اشكال آخر يرد على السيد الخوئي.

نعم ، لو كان المكلف جاهلاً برجحان الترك تأتّى منه قصد التقرّب بالفعل وكان صحيحاً عندئذٍ ، ومنه يعرف انّه في موارد الضدين الذين لا ثالث لهما يمكن الأمر بالضد المهم إذا كان الأهم غير منجز وكان المهم عبادياً ؛ لأنّ فائدته تحريك المكلف نحو فعل الضد المهم بقصد القربة لكي لا يقع في محذور فعله بلا قصد القربة ويكون الأمر مطلقاً لا مشروطاً بترك الأهم ليكون من اللغو. نعم ، يكون مشروطاً بعدم تنجز الأهم ، وبذلك يرتفع لزوم التكليف بما لا يطاق وطلب الضدين من المكلف ، فتأمل جيداً فإنّ هذا يغفل عنه عادة حيث يقال في الفقه بالتعارض في موارد الضدين الذين لا ثالث لهما مطلقاً.

ص ٨٣ الهامش.

هذا اشكال على كلام الميرزا قدس‌سره مذكور في المحاضرات والدراسات ، ويمكن أن يكون روح مقصود الميرزا ـ كما قد يظهر من تقرير الفوائد ـ أنّ المنهي عنه هو حيثية التعبد بمعنى التقيد والالتزام بهذه العبادة كما كان يفعله بنو اميّة أو عبدة الشمس في الصلاة عند طلوع الشمس فهي المنهي عنها ، وعندئذٍ يرجع هذا الكلام بروحه إلى انّ العبادة المأمور بها وإن كان لا بدل لها بلحاظ ذلك الوقت أو اليوم لكن لها بدل بلحاظ حالاتها في ذلك الوقت من الاتيان بها تارة بنحو التقيد والالتزام والتعبد بها واخرى بلا هذه الصفة والنهي التنزيهي عن هذه الحصة في الإطلاق الأحوالي البدلي ، فيرجع إلى القسم السابق ، فيتم فيه

٤١٢

جواب مدرسة الميرزا المتقدم في ذلك القسم من عدم منافاة النهي التنزيهي مع الأمر.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يحتاج عندئذٍ إلى الأمثلة والكلمات الفقهية والتنظير بباب الوفاء بالنذر ، وفرقها عن الوفاء بالاجازة وما شاكلها من البحوث الفرعية الأجنبية عن النكتة الأصلية التي ذكرناها ، كما انّه لعله يكون خلاف ظاهر دليل النهي فقهياً.

ص ٨٥ قوله : ( الوجه الأوّل ـ ما نقله عن السيد الاستاذ ... ).

الظاهر انّ مقصود الميرزا التمييز بين مثل موارد التزاحم والذي يكون فيها الأمر المهم مشروطاً ومقيداً بعدم الأمر الأهم فبسقوطه أو عدم تنجزه يكون فعلياً وبين موارد الاجتماع حيث لا يمكن أن يكون الوجوب مقيداً بعدم الحرمة ثبوتاً لأنّه من تقيد أحد الضدين بعدم الآخر وهو محال ، بل لابدّ وأن يكون التقييد بعدم فعلية ملاك النهي وكذلك في طرف النهي والحرمة ، وهذا يعني انّ ملاك النهي والحرمة في عرض واحد رافع للوجوب ومثبت للحرمة ، لا انّه يثبت الحرمة أوّلاً ثمّ يرتفع الوجوب بها كما في موارد التزاحم.

وعندئذٍ يضم إليه مقدمة اخرى وهي انّ الدلالة الالتزامية غير تابعة للمطابقية في الحجّية ، فدليل النهي الدالّ على الحرمة والملاك في صورة الاضطرار وإن سقط عن الحجّية بلحاظ مدلوله المطابقي وهو الحرمة إلاّ انّه باقٍ على الحجّية بلحاظ المدلول الالتزامي وهو الملاك ، فيدلّ على تقييد الأمر لأنّه لم يكن التقييد له طولياً أي في طول الحرمة ؛ لأنّ المقيد للوجوب لم يكن هو ثبوت الحرمة بل ملاكها.

٤١٣

وبهذا البيان يظهر كيف انّ الاشكال من قبل السيد الخوئي على المقطع الأوّل والمقدمة الاولى من هذا البيان غير فني ، لأنّ الميرزا لا يريد الطولية الاثباتية ليقال له بأنّ الدلالة الالتزامية طولية بالنسبة للمطابقية ، فكأنّه حملها على الخلط بين الاثبات والثبوت وانّه أراد العرضية في الدلالتين ، وعندئذٍ يكون الايراد الثاني عليه غير وارد ، إذ لا اشكال في عدم التبعية مع فرض العرضية.

والصحيح عندئذٍ الاشكالان المذكوران من قبل السيد الشهيد.

وثانيهما واضح. وأمّا أولهما فحاصله : انّ تقيد أحد الحكمين الضدين بعدم الآخر وإن كان غير معقول لعدم الطولية بينهما إلاّ انّ هذا لا يعني تقيد كل منهما بعدم ملاك الآخر ، بل بعدم الملاك المؤثر في ايجاد الآخر إذ يستحيل أن يكون ملاك كل ضد مقتضياً لايجاد الضد المقتضى له واعدام الضد الآخر لاستحالة تأثير الوجود في العدم ، بل انعدام الآخر بنفس تأثير الملاك الأقوى في ايجاد الضد المقتضى له ، فليست هناك عمليتان والملاك المؤثر في ايجاد الحرمة مع فرض سقوط الحرمة وعدم تحققها منتفٍ قطعاً ، فلا محذور في التمسك باطلاق دليل الأمر والوجوب.

ص ٨٩ قوله : ( والحق مع صاحب الجواهر ... ).

وهناك منشأ ثالث للقول بالبطلان وهو أنّ الصلاة فيها اعتماد وافتراش أكثر للأرض المغصوبة وإن كان من حيث اشغال الحيّز في الفضاء المغصوب لا زيادة ، إلاّ أنّ الاعتماد والتماسَّ مع الأرض المغصوبة أيضاً محرم ، والساجد والجالس أكثر تماساً واعتماداً على الأرض من الواقف.

والجواب : عدم كون هذا تصرفاً زائداً عرفاً بلحاظ أنّ الواقف وإن كان أقل

٤١٤

اعتماداً وتماساً مع الأرض ولكنه بثقل أكثر بخلاف الجالس أو المضطجع فإنّ ثقله في كل نقطة من التماس مع الأرض لعلّه أقل ، فبحسب النتيجة لا زيادة في التصرّف.

ص ٨٩ قوله : ( الحالة الثالثة ... ).

هنا كلام للمحقق العراقي قدس‌سره فيما إذا كان الوقت الذي تشغله الصلاة المختارة بدلاً عن الخروج ليس بأكثر من وقت الخروج ، حاصله : انّه لا وجه للبطلان بل الحق هو الحكم بالصحة ، لأنّ الوقت المذكور ولنفرضه عشرة دقائق لابد وأن يكون المكلّف في الغصب سواء صرفها في الخروج أو في الصلاة ، فتكون حرمتها ساقطة ، فلا محذور من ناحية الاجتماع.

نعم ، يجب عليه صرفها في الخروج تخلصاً من الغصب الزائد ، إلاّ انّ الخروج مضاد للصلاة ، فلو عصى الأمر بالخروج وصرفها في الصلاة كانت صحيحة ؛ لامكان الأمر الترتبي بها إذا كان مضيقاً ، وإطلاق الأمر لها إذا كان موسعاً ، فلا وجه للقول بالبطلان في هذه الحالة.

وفيه : انّ حرمة الغصب انحلالية بلحاظ كل زمان زمان وبلحاظ كل نقطة نقطة من الأرض المغصوبة ، ومن الواضح انّه بعد إلقاء المكلف اضطراراً في الأرض المغصوبة تكون العشرة دقائق من الغصب المستغرقة للخروج مضطراً اليها ولكن بنحو الانحلال ، أي انّ حرمة الكون في كل نقطة وكل آن في تلك النقطة من نقاط الغصب المتلاحقة إلى باب الخروج حرمة مستقلة عن الاخرى ، والمقدار الاضطراري منها ما يحتاجه ويستلزمه الخروج منها ، فأي مقدار زائد من المكث والبقاء فيها كون غصبي زائد محرم ، فلا يمكن أن يقع مصداقاً للصلاة.

٤١٥

ولا يقال : بأنّ هذا الآن الزائد من الكون في تلك النقطة هو أو الكون في ذلك الآن في النقطة الثانية بالدخول اليها اضطراري أي الجامع بينهما اضطراري ، فتكون حرمته ساقطة.

لأنّه يقال : انّ الدخول في النقطة الثانية التالية إلى الخروج لا يكون بدلاً عن الكون الزائد في النقطة الاولى ، بل يكون زائداً عليها ، لأنّه على كل حال مضطر إليه من أجل الخروج حتى إذا مكث في مكانه الأوّل.

والحاصل : الكون الخروجي المضطر إليه إنّما هو خصوص الأكوان المتتابعة المستلزمة في مقام العبور من نقاط الغصب إلى أن يخرج ، فأي مقدار زائد من المكث في أية نقطة منها يكون هو الكون الغصبي الزائد لأنّ ما بعده من النقاط على حالها من حيث الاضطرار إلى ارتكابها للخروج ، فلا يكون المكث الزائد بدلاً عنها حتى إذا كان بمقدارها زماناً ، وهذه هي نقطة المغالطة في كلام العراقي قدس‌سره.

نعم ، لو كان هذا المقدار بدلاً عنها كما إذا دار أمره بين أن يخرج في هذه الدقائق العشر بالعبور إلى خارج الأرض المغصوبة أو يبقى فيها مستقلاًّ بذكر أو عمل تكون نتيجته الكون خارج الأرض المغصوبة بانتهاء الدقائق العشر بنحو طي الأرض مثلاً أو بقدرة قادر صحت صلاته عندئذٍ.

إلاّ انّ هذا بحسب الحقيقة من مصاديق الحالة الثانية لا الثالثة ؛ لأنّ معناه انّه يعلم انّه على كل حال يكون في الدار المغصوبة بمقدار هذه الدقائق العشر سواء خرج أم بقي واشتغل بذلك الذكر مثلاً ، وهذا واضح.

٤١٦

ص ٩٠ قوله : ( المرحلة الاولى في حكم الخروج ... ).

الأولى التعرّض إلى ذكر الأقوال الخمسة في المسألة أوّلاً ، وملاحظة مدرك كل قول ولو بعد البحث عن الجهتين الاولى والثانية في الكتاب ، وهي كما يلي :

١ ـ ما ذهب إليه العراقي من انّ الخروج حرام شرعاً وليس بواجب شرعاً حتى غيرياً وإن كان لازماً عقلاً.

٢ ـ ما ذهب إليه المحقق القمي قدس‌سره من انّه حرام شرعي وواجب شرعي.

٣ ـ ما ذهب إليه صاحب الفصول من انّه واجب شرعي وليس بحرام شرعي فعلاً ، وإن كان حراماً قبل الدخول ومحرماً عقلاً ، أي يعاقب عليه.

٤ ـ ما ذهب إليه صاحب الكفاية قدس‌سره من انّه ليس بحرام شرعي ولا واجب وإنّما فيه الحرمة عقلاً ، أي استحقاق العقوبة عليه واللزوم العقلي.

٥ ـ ما ذهب إليه الميرزا ونسب إلى الشيخ الأعظم من وجوبه الشرعي وعدم حرمته حتى عقلاً ، أي انّه لم يكن محرماً حتى قبل الدخول.

ص ٩٠ قوله : ( لابد من الالتزام بأنّ النهي عن الخروج وحرمته يسقط بالدخول ... ).

وجّه السيد الخوئي عدم الحرمة بأنّه لو كان حراماً لزم التكليف بما لا يطاق ؛ لأنّ البقاء أيضاً حرام فإذا حرم الخروج كان تكليفاً بما لا يطاق ، لأنّه من تحريم الضدين الذي لا ثالث لهما.

وهذا جوابه واضح ، فإنّ الخروج والبقاء ليسا بعنوانيهما حرامين وإنّما الحرام الغصب في الآن الثاني كالآن الأوّل الذي هو آن الدخول. وقد كان اختيارياً

٤١٧

بالنسبة إليه بعدم الدخول فلم يكن تكليفاً بما لا يطاق ، ومن هنا عدل عن هذا التعبير السيد الشهيد قدس‌سره وذكر بأنّ الحرمة وإن كانت فعلية ملاكاً وروحاً ولكن النهي والخطاب ساقط بالدخول من أجل لغوية بقائه لعدم إمكان محركية وزاجريته إلاّ انّ سقوطه سقوط عصياني كما في سائر موارد التعجيز بسوء الاختيار ، وبهذا يختلف هذا القيد للخطاب والنهي عن قيد القدرة الرافع للخطاب من أوّل الأمر عند فقدانه كما لا يخفى ، ومن هنا يكون روح الحكم ومبادئه فعلية ، والعصيان متحققاً لا من جهة مخالفة روح الحكم أي المبغوضية فحسب ، بل من جهة تحقق العصيان للخطاب والنهي أيضاً بلحاظ زمان فعليته ؛ لأنّه كان تكليفاً فعلياً غير مشروط بارتفاع القدرة بقاءً بالدخول وإن سقط بعده ، وهذا يعني انّ التكليف في الواقع بتحقيق ذاك الفعل أو الترك بمجرد تحقق القدرة عليه في أيّ زمان ، فلو لم يحققه كان عاصياً لا محالة وإن سقط الخطاب بقاءً.

إلاّ انّ في النفس شيئاً من دعوى سقوط إطلاق الخطاب والنهي أيضاً ؛ لأنّ المقيد لهذا الإطلاق إنّما هو الظهور الحالي في كون الخطاب للتحريك وهذا لا يقتضي أكثر من امكان المحركية نحو المطلوب من فعل وترك لا بقائه إلى حين العمل ، ففي جميع موارد التعجيز يكون الخطاب فعلياً أيضاً وساقطاً بالعصيان على حد سائر موارد العصيان ، فلا وجه للتفكيك بين الحرمة وروحها.

ولعلّ مقصود سيدنا الشهيد سقوط محركية النهي لا الحرمة ، فالخروج حينما يقع خارجاً يكون حراماً بما هو غصب ، بل سيأتي أنّ ما فيه حلّ الاشكال وعلاج المسألة سقوط محركيّة الحرمة بعد الدخول ، وبه يرتفع محذور التضاد ، أمّا إذا لم نقبل ذلك واشترطنا سقوط الحرمة لرفع التضاد ، فالسقوط العصياني بعد الدخول لا يدفع محذور التضاد بين الحرمة المطلقة الفعلية للغصب

٤١٨

الخروجي قبل الدخول والوجوب المشروط بالدخول ؛ لأنّهما متضادان ، سواء تحقق الدخول أم لا ، وهو كافٍ للامتناع ، وهذا واضح.

ثمّ انّه يعقل الأمر بالخروج ـ لو تم ملاكه نفسياً أو غيرياً ، وهذا ما يبحث عنه في الجهة الثانية ـ مع تحريم الغصب في الزمان الثاني المستلزم لحرمة الغصب الخروجي أيضاً ـ لكون الحرمة انحلالية ـ بلا لزوم محذور اجتماع الأمر والنهي ، وذلك بأحد وجوه :

١ ـ أن تكون الحركة الخروجية كالحركة الصلاتية غير الغصب فإنّه عبارة عن اشغال الحيّز والقاء الثقل في المكان المغصوب والخروج حركات في الإنسان الغاصب فهي ملازمة مع اشغال الحيّز والغصب وليست نفسها فيجوز الأمر بها ، ولا يلزم منه التكليف بالتفكيك بين المتلازمين ، لأنّ المفروض انّ الأمر بالخروج مشروط بالدخول وتحقق الغصب ولو بسوء اختياره كما هو واضح.

٢ ـ لو افترضنا انّ الخروج منطبق على نفس الحركة الغصبية مع ذلك نقول بأنّه يمكن الأمر به مشروطاً بالدخول وتحقق أصل الغصب إذا كان على وزان الأمر بالجامع والنهي عن الخصوصية لا المتخصِّص ، فالنهي متعلق بجامع الغصب حتى الخروجي ولكنه لو تحقق الجامع ولو عصياناً يمكن للمولى أن يأمر بالخصوصية أي بايجاد التخصّص والتقيد ـ أي لا تغصب وإذا أردت أن تغصب فاجعله غصباً خروجياً ـ وحيث انّه أمر مشروط بتحقق الجامع لا الفرد المأمور به فلا يلزم منه محذور تحصيل الحاصل كما لا يلزم محذور اجتماع الأمر والنهي حتى على مستوى الحب والبغض لتعدد مصبّهما عنواناً ومعنوناً أو عنواناً فقط ، وكفاية ذلك في الجواز أو لكون المحرّم من الفرد حيثية الجامع المنطبق فيه ، وحيث انّه شرط في الوجوب فلا يترشّح عليه الوجوب ، وإنّما يتعلّق

٤١٩

بالخصوصية فقط.

٣ ـ لو تنزلنا وفرضنا انّ الوجوب للمتخصّص أي الفرد المحرّم إلاّ انّه لا مانع من اجتماع الوجوب والحرمة ، أي تعلّقه بالغصب الخروجي المحرّم ؛ لأنّه وجوب مشروط بالدخول ، والدخول يوجب سقوط محركيّة الحرمة ، وقد تقدّم أنّ التضاد بين الحرمة والوجوب ـ وكذلك الحب والبغض ـ إنّما يكون بلحاظ اقتضائهما ومحركيّتهما المتعاكسة ، فإذا كانت الحرمة ساقطة بعد الدخول من حيث المحركيّة فلا محذور في تعلّق الوجوب المشروط بالخروج المحرّم بمثل هذه الحرمة التي لا محركيّة لها بعد الدخول ، وأمّا محركيّتها قبل الدخول فليست مضادة مع الوجوب ؛ لأنّه مشروط بالدخول فلا محركيّة له قبل الدخول ، وهذه هي فذلكة الموقف في هذه المسألة الفنيّة.

وظاهر الأقوال الخمسة المتقدمة الفراغ عن وحدة متعلق الحرمة والوجوب على تقدير القول بأي منهما ، أي انّ الخروج بما هو غصب خروجي يكون حراماً وواجباً أو أحدهما أو لا حراماً ولا واجباً ، فالوجه الأوّل والثاني يكون بحسب الحقيقة قولاً ومبنى سادساً غير الأقوال الخمسة ، وينتج نتيجة قول المحقق القمي قدس‌سره. كما انّه لو قبلنا الوجه الثالث أيضاً تم مقالة المحقق القمي قدس‌سره.

والقول بعدم مقتضٍ للوجوب الغيري امّا مطلقاً أو في خصوص المقام يؤدي إلى قبول قول المحقق العراقي قدس‌سره ، والقول به مع القول بسقوط النهي والحرمة بملاك اللغوية يثبت مقالة صاحب الكفاية ، والقول بالأخير دون الأوّل يثبت مقالة صاحب الفصول ، والقول بعدم مقتضٍ للحرمة مع ثبوت مقتضي الوجوب يثبت مقالة الشيخ والميرزا قدس سرهما.

٤٢٠