أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

عدم الاشتغال بالضد المساوي أو الأهم أو محتمل الأهمية فلا إطلاق فيما لا يكون أهم ولا محتمل الأهمية ـ كما هو الصحيح والمبيّن في باب التزاحم من كتاب التعارض ـ فلا تعارض في البين أصلاً.

وهذا لا يتمّ إذا قلنا بامتناع الترتّب فإنّه سوف يقع تعارض بين أصل الخطابين عند وصولهما معاً ؛ إذ سوف يكون كل من الخطابين حتى لو فرض أحدهما أهم على تقدير ثبوته نافياً لأصل الخطاب الآخر بالملازمة ؛ لأنّ التقييد بعدم المانع الشرعي تقييد زائد منفي باطلاق نفس الخطاب ، فيقع التعارض بينهما لا محالة ، وهذا واضح.

ص ٣٤٤ قوله : ( وإن كان ذلك من أجل ما يقال من انّ الامتثال علة لسقوط الأمر والطلب ... ).

والجواب عليه :

أوّلاً ـ بما سيأتي في الكتاب من انّ سقوط الأمر في طوله وطول العصيان زماناً.

وثانياً ـ انّ الامتثال ليس مسقطاً للأمر أساساً على المبنى الصحيح من انّ تحصيل المحبوب ليس مسقطاً للحب وإنّما تنتهي فاعليته.

ص ٣٤٩ قوله : ( وإذا كان الفعل الأهم مما يعقل صدوره بلا اختيار ... ).

لابد من اضافة جملة هنا وهي ( وتكون الحصة غير الاختيارية منه واجدة للملاك الأهم أيضاً ) وإلاّ لم يكن وجه لتقييد الأمر بالمهم بالقيد الزائد كما هو واضح.

٣٢١

ص ٣٤٩ قوله : ( نعم بناءً على انّ ملاك امكان الترتب ... ).

والظاهر من المحاضرات انّ هذا هو الملاك عند الميرزا لامكان الترتب.

ثمّ انّه كان ينبغي البحث الصغروي أيضاً ، أي انّ المأخوذ قيداً بناءً على الترتب هل هو العزم على العصيان أو العصيان أو ترك الأهم؟ والصحيح هو الأخير ـ بناءً على نكتة امكان الترتب ـ إذ لا موجب لأخذ أكثر من ذلك بعد أن كان القيد اللبي هو القدرة ، فإنّها محفوظة بنفس ترك الضد الآخر وعدم الاشتغال به والعناوين الاخرى امّا فيه تقييد زائد أو فيه أخذ عنوان زائد.

ص ٣٥٩ قوله : ( الجهة السادسة ... ).

يمكن بيان الاشكال في امكان الترتب بأحد نحوين :

الأوّل : انّ ذلك يستلزم طلب الجمع بين الضدين ولو في حال واحد وهو من طلب غير المقدور.

وفيه : انّه لا يلزم ذلك ؛ لأنّه لو اريد الأمر بالجمع بين الضدين ، فمن الواضح عدم الأمر به وإنّما بكل منهما بخصوصه وهو في نفسه مقدور وإن اريد انّه يلزم من الجمع بين الطلبين والأمرين بالضدين ذلك بحسب النتيجة قلنا انّه لا يلزم لأنّ الأمر بأحدهما ـ على الأقل ـ مشروط بترك الآخر مما يعني انّ طلبه في فرض عدم تحقيق الآخر لا للجمع بينهما ، ولهذا لو فرض امكان الجمع بينهما لم يكن المطلوب إلاّأحدهما وهو الأهم لا كليهما ، فليس هذا من طلب الجمع بل من الجمع في الطلب.

وهذا هو الوجه الذي لعله يشير إليه الميرزا في مقدمته الخامسة والذي أجاب

٣٢٢

عليه السيد الشهيد بأنّه كوجه وجداني مقبول ، وامّا كبرهان فيمكن للخصم أن يقول بأنّ فعلية الأمر بالضدين في حال عصيان الأهم يستلزم طلب الجمع في هذا الحال لا محالة.

وما ذكر من انّه لو أمكن الجمع بينهما لم يقعا معاً على صفة الوجوب. جوابه انّه لا يقع ذلك ؛ لأنّ أحدهما مقيد بعدم الآخر ولو من جهة تقييد مدلول الهيئة ـ كما ذكر في الكتاب ـ فلا يمكن فرض الجمع بينه وبين المطلوب بالطلب الآخر إلاّ بفرض امكان اجتماع النقيضين ، ومع فرضه يكون موضوع الأمر الثاني متحققاً أيضاً فيكونان معاً مطلوبين.

إلاّ انّ الانصاف انّ هذا الجواب جدلي لأنّه يمكن أن يقال بأنّ القيد المذكور وإن كان مأخوذاً بالنتيجة في متعلّق المهم إلاّ انّه ليس به أمر وإنّما الأمر بذات المهم ، وامّا تقييده فيستحيل أن يترشح عليه الأمر لأنّه مأخوذ قيداً في الوجوب فما هو المأمور به في الأمرين بالضدين أي ما وقع تحت الطلب منهما ذات الضدين ، وهذان الطلبان لا يلزم من الجمع بينهما طلب الجمع بين الضدين بدليل انّه لو جمع بينهما لم يكن الواجب إلاّأحدهما وهو الأهم ، فالحاصل الاشكال لم يكن هو لزوم طلب الجمع بين النقيضين بل الضدين في حال تحقق شرط فعلية الأمر الترتبي ، وهذا لا يلزم بالبرهان المذكور.

الثاني : لزوم المطاردة بين الأمرين من حيث التأثير والتحريك والفاعلية حيث انّ الأمرين يصبحان فعليين في حال تحقق شرط الأمر الترتبي فيكون كل منهما مقتضياً من حيث المحركية ما يمانع مع محركية الآخر ؛ إذ صرف المكلف لقدرته في أي واحد منهما يستلزم طرد الآخر فيقع التطارد بينهما في التأثير.

٣٢٣

وهذا الاشكال هو الذي تصدى المحقق النائيني قدس‌سره الاجابة عليه بما في المقدمة الثانية والرابعة من نفي المطاردة ، ويمكن بيانهما بأحد أنحاء :

١ ـ ما في الكتاب في الجهة السابعة البيان الأوّل.

وقد يناقش فيه : بأنّ الأمر الأهم وإن كانت محركيته الفعلية غير موجودة حين تركه فلا مانع فعلي خارجي عن محركية الأمر بالمهم إلاّ انّ اقتضاء التحريك التشريعي والمولوي محفوظ في هذا الحال للأهم بحسب الفرض فيلزم التطارد بين الأمرين الشرعيين في المحركية التشريعية المولوية.

والجواب : انّ اقتضاء التحريك إنّما يكون ممتنعاً إذا كان منتهياً إلى محركيتين فعليتين متمانعتين ، فإذا لم يكن كذلك فلا محذور في تحقق مقتضيهما التشريعيين لا محالة ، وهذا واضح.

٢ ـ انّ محركية الأمر بالأهم لا يمكن أن تمنع عن محركية الأمر بالمهم ؛ لأنّها إنّما تمنع عنها من خلال التحريك نحو فعل الأهم المستتبع لترك المهم لا مستقلاًّ ، ومثل هذه المحركية يستحيل أن تكون مانعة عن محركية المهم ؛ لأنّها بتحققها يرتفع موضوع الأمر بالمهم وكل أمر على تقدير محركيته يستلزم ارتفاع موضوع الأمر الآخر يستحيل أن يكون مانعاً عنه في التأثير والمحركية فالتأثير الذي لو وقع وتحقق لا يقع موضوع الأمر الآخر يستحيل أن يكون مانعاً عن تأثيره.

وامّا عدم مانعية الأمر بالمهم عن تأثير الأمر بالأهم فواضح بما في الكتاب من التعبير بلزوم الدور ، أو بتعبير آخر : انّ الحكم لا يدعو نحو

٣٢٤

تحقيق موضوعه. وهذا البيان معناه عدم التمانع بين المقتضيين للأمرين.

٣ ـ ما يمكن جعله بياناً فنياً لما رامه الميرزا قدس‌سره من دفع المطاردة بلحاظ المقتضيين وحاصله : انّ مقتضى الأمر بالأهم ليس مطلق عدم المهم بل عدمه المستلزم لوجود الأهم أي عدم المهم المقيّد بتحقق الأهم ، والأمر بالمهم لا يقتضي هدم هذه الحصة من عدم المهم وإنّما يقتضي هدم عدم المهم على تقدير عدم فعل الأهم لما تقدم من انّ قيود الهيئة مأخوذة في المادة لا محالة.

ولا يرد ما في الكتاب (١) من انّ الأمر بالأهم بالاطلاق أو الحفظ الذاتي يكون ثابتاً في تقدير عدم الأهم أيضاً فيكون هادماً للمهم في هذا الحال أيضاً ؛ لأنّ الأهم وإن كان فعلياً في هذا الحال إلاّ انّ متعلقه هو فعل الأهم وما يستلزم من فعله من عدم المهم وليس متعلقاً بعدم المهم ابتداءً.

وإن شئت قلت : انّ هذا الاقتضاء من باب المدلول الالتزامي لمقتضى الأهم ـ بالفتح ـ وما هو مدلول التزامي له إنّما هو عدم المهم المقيد به لا مطلقاً فبمقدار ما يقتضيه فعل الأهم من انهدام في المهم يكون مقتضياً للهدم وهو لا يقتضي أكثر من هدم المهم المقيّد هذا الهدم بهذا التقدير بنحو قيد الواجب لا الوجوب ، وهذه الحصة من عدم المهم لا يقتضي خلافه الأمر بالمهم أصلاً ، لأنّه أمر بالمهم على تقدير ترك الأهم لأنّ قيود الهيئة ترجع إلى المادة أيضاً فيكون مقتضاه هدم عدم المهم في هذا التقدير بنحو قيد الواجب.

__________________

(١) ص ٣٥٨.

٣٢٥

فالحاصل : هناك حصتان من عدم المهم :

احداهما ـ عدم المهم المقيّد بفعل الأهم وهذا هو الذي يقتضيه الأمر الأهم ولا ينافيه ولا يمنع عن تحققه الأمر بالمهم ؛ لأنّه مقيد وجوباً وواجباً بترك الأهم.

الثانية ـ عدم المهم المقيد بترك الأهم وهذا هو الذي يقتضي الأمر بالمهم هدمه وخلافه ولا يقتضي الأمر الأهم تحقيقه لأنّه يقتضي ترك المهم بمقدار ما يستتبعه فعل الأهم لا أكثر.

والظاهر انّ هذا البيان تام لا غبار عليه أيضاً.

٤ ـ ما ذكر في الكتاب بعنوان البيان الثاني ولا يرد عليه ما في الهامش امّا لانكار وجود ارادتين وإنّما ارادة واحدة ومقدار التنجيز والتسجيل منه في الذمة يكون مشروطاً ، أو لو فرض انقداح ارادة اخرى مشروطة تعينية إلاّ انّه من الواضح انّ محركية هذه الارادة التعينية المشروطة ليست أكثر من محركية الأمر التخييري بالجامع بين عدم الشرط أو فعل الجزاء على تقدير الشرط ، أي الأمر التخييري بأحد الضدين ، ولا إشكال في عدم المطاردة بينه وبين الأمر بأحدهما المعيّن أيضاً إذا كان أهم ملاكاً مما في الجامع.

فالحاصل : لا نحتاج إلى ارجاع الارادة المشروطة إلى ارادة الجامع بين عدم الشرط وفعل الجزاء على تقدير الشرط ، بل يكفي كون محركيّة الارادة والوجوب المشروط بشرط اختياري ـ كما في موارد الترتب ـ ليس بأكثر من تحريك المكلّف نحو الجامع المذكور ، فتكون محركية الأمر الترتبي كمحركية

٣٢٦

الأمر بالجامع بين الضدين ، فإذا كان ذاك غير مطارد ولا مزاحم للأمر التعيني بأحدهما مطلقاً فكذلك الأمر الترتبي ، ولعمري هذا واضح جداً.

٥ ـ وجدانية امكان الترتب ويمكن اقامة منبهات عليها نذكر فيما يلي ثلاثة منها :

١ ـ ما هو واقع في العرف من الأمر بدفع الضرر الأهم وإلاّ فالضرر الأقل عند دوران الأمر بينهما بحيث لا يمكن دفعهما معاً.

٢ ـ وضوح امكان التخيير الشرعي في كل مورد يعقل فيه التخيير العقلي مع وضوح صحّة الأمر بأحد الضدين بنحو التخيير العقلي بأن يقال افعل أحدهما فيصح الأمر بكل منهما مشروطاً بترك الآخر ـ بناءً على رجوع التخيير الشرعي إلى ذلك ـ وليس هو إلاّالترتب من الجانبين ومعه يصح الترتب من جانب واحد أيضاً إذا قيل بالتلازم بينهما في المحذور ونكتة الامتناع.

٣ ـ وقوع ذلك في الشرع فيما إذا نذر أن يزور الحسين عليه‌السلام في عرفة إذا لم يحج ، وأن يحج إذا لم يزر الحسين عليه‌السلام في عرفة ، فإنّه لا إشكال في عدم بطلان شيء من النذرين بل صحتهما ، وكذلك إذا نذر الزيارة على تقدير عدم الحج ثمّ استطاع فوجب عليه الحج ، فإنّه لا شكّ في وجوب الوفاء بنذره إذا لم يحج ولو عصياناً.

ولا يرد هنا ما أوردناه في الكتاب على الأمثلة التي ذكروها في مقام النقض على القائلين بالامتناع لوجود التضاد الذاتي بين الفعلين هنا ، فيمكن سرد مثل هذه الأمثلة الفقهية كمنبهات وجدانية.

٣٢٧

ص ٣٧٠ س ١٣ قوله : ( إلاّ انّ أصل هذا الاشكال إنّما جاء ... ).

هذا المقطع كان من الهامش ادرج في المتن اشتباهاً وقد جعلناه في الهامش في الطبعة الجديدة وأجبنا عليه بأنّ إطلاق الخطاب الأولي للعالم بوجوب التمام أيضاً محال للزوم أخذ العلم بالحكم في موضوع شخصه ، بل ولعدم محركية هذا الأمر الثابت بهذا الإطلاق في حقه ؛ لأنّه يرى نفسه موضوعاً لغيره.

إلاّ انّ هذا الاشكال يمكن دفعه بوجهين :

١ ـ امّا اشكال أخذ العلم في موضوعه فجوابه ما تقدم مراراً من امكان أخذ العلم بالجعل في موضوع فعلية المجعول ، وظاهر الأدلّة في المقام ذلك أيضاً حيث ورد انّه من لم تقرأ عليه آية القصر وظيفته التمام.

وامّا اشكال عدم المحركية لكونه دائماً يرى نفسه موضوعاً لاطلاق خطاب التمام لمورد عدم وجوب القصر عليه واقعاً وانّه لو لم يكن له دليل على ذلك تشكل له علم اجمالي وتنجز عليه القصر فخرج عن موضوع الحكم بالتمام فقهياً.

فهذا الاشكال أيضاً يمكن دفعه بأنّه يكفي انّه يكون موجباً لشدة المحركية وسعتها الواقعية إذ سوف يعلم بأنّه يكون عليه التمام واقعاً على كل حال ، امّا لصدق ما دلّ مثلاً على وجوب التمام على من عمله في السفر دون القصر ، وامّا ـ لو فرض خطأه في هذا الفهم أو عدم صدور تلك الرواية ـ لأنّ من كان مثله فالتمام صحيح منه واقعاً ـ لو لم يأت بالقصر لعدم تنجزه عليه ـ بحكم الروايات

٣٢٨

الدالّة على الاجزاء أي يحصل له علم بأنّه داخل في أحد اطلاقي جعل وجوب التمام ، وهذا كافٍ في المحركية اللازمة للخطابات ولا يشترط امكان وصوله التفصيلي.

٢ ـ انّ الإطلاق المذكور لو سلمنا انّه لا يكون قابلاً للوصول إلى المكلف لتحريكه ، إلاّ انّ هذا المقدار لا يكفي ؛ للغويته واسقاطه ما دام يترتب عليه فائدة مهمة وهو الاجتزاء بما فعله المكلف وعدم لزوم الاعادة والقضاء عليه.

نعم ، لو كان أصل الخطاب كذلك أمكن أن يقال انّه خلاف الظهور التصديقي الحالي في داعي التحريك والبعث إلاّ انّ هذا الظهور ليس بلحاظ كل جزء جزء من إطلاق الخطاب ، وإنّما هو بلحاظ أصله.

ثمّ انّ الاستاذ قدس‌سره ذكر هذا الاشكال وموافقته عليه أيضاً في آخر بحث وجوب الفحص في جريان الاصول العملية راجع ج ٥ ص ٤٢٨.

٣٢٩

حالات خاصّة للأمر

ص ٣٨٠ س ٨ قوله : ( لا اشكال في صحة الجعل وجوازه في الأوّل إذ هذا مطابق مع ما هو الغرض من الجعل ... ).

كأنّ نكتة البحث عن الصحة والعدم هو الاستهجان الناشىء من لغوية الجعل مع العلم بانتفاء الفعلية لعدم تحقق موضوعه وعندئذٍ يقال بأنّ الاستهجان واللغوية لا يكون في الموردين المذكورين ، وإن كان الغرض المولوي عندئذٍ في الموردين إنّما هو في عدم تحقق الشرط باختيار المكلف لا تحقيق المأمور به على تقدير تحقق الشرط بالخصوص كما هو ظاهر الأمر به.

وحاصل هذا الفصل انّ الأمر مع العلم بانتفاء شرطه لو اريد به شرط الأمر أي الجعل ومبادئه فهو مستحيل لأنّه من وجود المعلول بلا بعض أجزاء علته وهو محال. وإن اريد به شرط المجعول فإن كان انتفاؤه من باب الضرورة وعدم امكان التحقق ولو في طول الجعل فأيضاً لا يصح الجعل للغويته ، والغرض الآخر في نفس الجعل لا يكون مصححاً للجعل فإنّ المصحح له ينحصر فيما فيه تحريك واطاعة للمكلف أي أثر تحريكي عليه. وإن كان عدم التحقق باختيار المكلّف فعندئذٍ قد ترتفع اللغوية من البين إذا فرض سنخ أمر كان يترتب عليه منع المكلف عن تحقيق الشرط كالكفارة على المحرم ـ المورد الأوّل ـ أو التعبد بتركه كالمورد الثاني وامّا إذا لم يكن يترتب على الأمر ذلك كما إذا لم يكن في الأمر صعوبة رادعة للمكلف فاللغوية باقية على حالها كلما علم بذلك سواء في

٣٣٠

القضايا الخارجية أو الحقيقية ، وهذا واضح. ولا يترتب على هذه المسألة ثمرة أصلاً وإنّما ذكرت لوجودها في كتب الاصول القديمة.

ص ٣٨٦ قوله : ( والجواب على هذا الاشكال ... ).

هذا الجواب مبني على أن يراد بالاباحة بالمعنى الأخص مجرد عدم الأحكام الأربعة الاخرى حيث يكون دليل الوجوب بل أي حكم من الأحكام الأربعة بالمطابقة نفياً للاباحة بالمعنى المذكور وامّا انتفاء الأحكام الثلاثة الاخرى فيكون مدلولاً التزامياً لدليل الوجوب ، فإذا ضم اليها مدلول الدليل الناسخ النافي للوجوب ثبت الاباحة بالمعنى المتقدم أي انتفاء الأحكام الأربعة.

إلاّ انّ هذا المعنى للاباحة ليس مقصوداً لكونه مقطوع العدم لأنّ هذا إن اريد به السالبة بانتفاء الموضوع كما إذا لم يجعل شيء من الأحكام فهذا المدلول مقطوع العدم للعلم بجعل شرعي لكل واقعة في الشريعة وإن اريد به انتفاء الأحكام الأربعة مع وجود تشريع في الواقعة المستلزم للاباحة بالمعنى الأخص بمعنى جعلها أي جعل تساوي الطرفين وجواز الفعل والترك بلا رجحان والذي هو حكم وجودي والذي هو الاباحة بالمعنى الأخص بعد ثبوت التشريع ونزوله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل واقعة ، فهذا المعنى منفي بدلالة التزامية رابعة لدليل الوجوب المنسوخ لا المطابقية فتكون معارضة مع هذه الدلالات الأربع لا محالة.

فالحاصل لو اريد نفي الأحكام الأربعة فقط بلا اثبات الاباحة بالمعنى الأخص الذي هو حكم وجودي فهذا مقطوع البطلان بعد نزول التشريع لكل واقعة وإن اريد اثبات ذلك ولو بالملازمة بمجموع هذه الدلالات الأربع فهذا معارض مع دلالة التزامية رابعة لدليل الوجوب المنسوخ على نفيه ، وهذا واضح.

٣٣١

على انّ القائل باثبات الجواز من الواضح انّه لا يريد اثبات الاباحة بالمعنى الأخص بعد نسخ الوجوب لوضوح انّه لا يمكن اثباته بدليل الوجوب فإنّه كان دالاًّ على نفيه لا على ثبوته وإنّما يقصد اثبات الجواز بالمعنى الأعم أي نفي الحرمة الذي كان ثابتاً قبل نسخ الوجوب أيضاً.

ص ٣٨٦ قوله : ( التقريب الثاني ـ مبني على القول بحجية الدلالة التضمنية ... ).

الايراد على هذا التقريب لا ينحصر بمنع المبنى وهو تركب الوجوب ، بل يرد عليه أيضاً بأنّ مجرد تركب المعنى لا يكفي ما لم تكن الدلالة متركبة أي دلالات تضمنية عديدة ، فلو قال مثلاً : رأيت سريراً ، ثمّ علم بأنّه لم ير سريراً كاملاً ولكنه يحتمل أن يكون قد رأى خشبة مثلاً التي هي جزء من السرير فهل يقال بأنّ الخطاب يبقى حجة عليه؟ كلا جزماً.

ومنه يعرف انّه لا يمكن تصحيح هذا التقريب حتى لو جعلنا روح الحكم وحقيقته الارادة والحب ـ كما هو مبنى السيد الشهيد قدس‌سره ـ وقلنا بأنّ الوجوب في هذه المرحلة هو الارادة والحب الشديد وأنّ زوال مرتبته لا ينافي بقاء ذاته ، فإنّ هذا التركيب الثبوتي لا يكفي لاثبات أصل الطلب والحب اثباتاً من دليل الوجوب بعد نسخه لعدم التكثر في الدلالة اثباتاً.

ولعلّ هذا هو المقصود من لزوم كون الدلالة التضمنية تصديقية لا تحليلية وإن كان ظاهر التحليلية هو الكلي والفرد لا اجزاء المعنى المركب الواحد.

وامّا الاشكال الثالث للسيد الخوئي فحاصل الجواب عليه كما في آخر الص ٣٨٨ انّ الدلالة التضمنية إنّما يمكن الأخذ بها لو لم تدخل في المعارضة ،

٣٣٢

وبناءً على عدم امكان بقاء الجنس كالجواز أو ذات الارادة بعد زوال النوع ـ وهذا يعني انّ الجواز مع الوجوب غير الجواز مع الاستحباب أو الاباحة أو الكراهة ـ تدخل الدلالة على الجواز التضمنية في المعارضة أيضاً ، أي تكون منفية بالدليل الناسخ. نعم ، تبقى الدلالة التصورية التضمنية لا التصديقية وهي لا تكون حجة.

إلاّ انّ هذا الجواب لا يتم إذا فرضنا تكثّر الدلالات التضمنية اثباتاً ؛ لأنّ معناه انّ كل دلالة تضمنية تصورية تكون بأزائها دلالة تصديقية مستقلة عن الاخرى ، على ما سيأتي في وجه حجّية الدلالة التضمنية بعد سقوط المطابقية.

فالحاصل النكتة وجود دلالات تضمنية تصديقية مستقلة ، وهذه لو كانت ـ ولو كان لازمها ثبوت فرد آخر من الجنس غير ما كان ثابتاً مع النوع المنسوخ ـ كانت حجة ، فلا ربط بين المسألتين فإنّ هذه اثباتية اصولية وتلك فلسفية ثبوتية.

ثمّ انّ هنا مطلباً آخر يمكن أن يقال ، وحاصله : انّ التقريبات المذكورة إنّما تتم لو قبل مبناها بناءً على انّ النسخ تخصيص في الأزمان كما هو المشهور ، وامّا إذا تعقلنا النسخ الحقيقي على مستوى الجعل والانشاء بأن يكون الجعل الأوّل مطلقاً غير مقيد زماناً إلاّ انّ الشارع يلغيها بقاءً ، فعندئذٍ لا يكون الدليل الناسخ معارضاً أصلاً لدلالات الدليل المنسوخ وإنّما يلغي مدلوله مع الاعتراف باطلاق الجعل المفاد به واقعاً ، وعندئذٍ لا يكون للدليل المنسوخ نظر إلى الحكم المجعول بعد فرض نسخ الحكم المنسوخ ؛ لأنّه خارج عن مفاده ، فما هو المجعول من الحكم على تقدير نسخ ذلك الحكم خارج عن مداليل الدليل المنسوخ حتى التزاماً فضلاً عن المدلول المطابقي له أو الالتزامي ، ومعه فلا موضوع للتقريبات المتقدمة.

٣٣٣

كيفيّات تعلّق الأمر

ص ٣٩٨ قوله : ( القسم الخامس : ... ).

الفرق بين هذا القسم والقسم الرابع انّه في الرابع يكون الطبيعة المشار بها إلى واقع معين في الخارج متعلقاً للحب بخلاف القسم الخامس الذي يكون فيه الطبيعة بالحمل الأولي متعلقاً والطبيعة بالحمل الأولي يبقى كلياً ، وهذا واضح.

ص ٤٠٢ قوله : ( وقد استبعد الميرزا قدس‌سره ... ).

للميرزا اشكال آخر كالعقلي وهو احتياج تعلّق الطلب بشيء إلى تقدير ( أو ) بمقدار أفراده العرضية والطولية مع عدم تناهيها غالباً.

وهذا الاشكال يمكن ارجاعه إلى اشكال صحيح من انّ أي عنوان يؤخذ فإن كان جامعاً بدلياً بين الأفراد قابلاً للانطباق على كل واحد منها كان من التخيير العقلي لا محالة ، وامّا التخيير الشرعي فلا يمكن إلاّبافتراض ملاحظة كل فرد فرد مستقلاًّ مع العطف بينها بأو وهذا غير ممكن من خلال عنوان واحد خصوصاً في ما تكون أفراده غير متناهية.

وأمّا ما في الكتاب من الاشكال المضاف فهو تام إذا فرضنا عدم امكان الإشارة إلى الوجود العيني من خلال مفهوم ذهني قبل وجوده وإلاّ لم يتم على ما سنبيّنه فيما يأتي.

٣٣٤

ص ٤٠٢ قوله : ( الصياغة الثانية ـ ما أفاده الميرزا قدس‌سره ... ).

قد أشكل على هذه الصياغة السيد الخوئي بأنّ التشخص بالوجود لا بالصفات والعوارض الاخرى والتي كل واحدة منها طبيعة مستقلة تشخصها بوجودها المباين مع وجود الجوهر ، وهذا واضح.

إلاّ انّه ليس اشكالاً على الميرزا لأنّ الميرزا يقبل بطلان عروض الوجود على الماهية الشخصية ، وهذا اشكال على مبنى عروض الوجود على الماهية الشخصية بحسب الحقيقة وانّ قولهم الشيء ما لم يتشخص لم يوجد لا يراد به التشخص الوجودي بل التشخص العلِّي ، فالصحيح في الاشكال على الميرزا ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره.

ص ٤٠٤ قوله : ( الصياغة الرابعة ... ).

يمكن الاشكال فيها بأنّ فرض كون متعلّق الأمر المركب من مجموع الطبائع ـ الجوهر والأعراض ـ بعيد غايته حتى لو قبلنا انّ مفهوم الفرد ـ كمفهوم ـ زيد كذلك في عالم الذهن والمفهوم. على انّ أصل هذا التحليل لمفهوم الجزئي حتى بلحاظ عالم الذهن غير تام بل الجزئية في المفاهيم تنشأ من الاشارة والإشارة الفعلية وإن كانت في طول الوجود العيني ، إلاّ انّ الذهن يمكنه أن يجرد الإشارة أيضاً عن وجود المشار إليه بالفعل فيتصور المفهوم الجزئي مجرداً عن وجوده في الخارج ولنسميه بالاشارة الشأنية أو التعليقية.

وبهذا يمكن أن يطوّر الصياغة الرابعة إلى أنّ المراد بتعلّق الأوامر بالأفراد تعلقها من خلال الطبيعي إلى ما يمكن أن يتحقق من المصاديق وجزئيات الطبيعي في الخارج أي يشار به إلى تلك المصاديق الفرضية التقديرية

٣٣٥

التعليقية فلا يكون في طول الوجود ليلزم طلب الحاصل ولا يكون في نفس الوقت متعلّق الأمر الطبيعة بل واقع كل فرد بخصوصيته وتشخّصه ، وهذا يترتب عليه تعلّق الأمر وسريانه إلى الفرد فيفيد في بحث اجتماع الأمر والنهي للقول بالامتناع.

ص ٤٠٩ قوله : ( النظرية الثانية ... ).

عبارة الكفاية فيها مطالب اخرى زائدة مربوطة بقانون الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد وتطبيقه على باب الأعراض والواحد النوعي وقد تصدى السيد الخوئي قدس‌سره للتعليق عليه ، إلاّ انّ هذه امور خارجة عن حقيقة البحث الاصولي ، فمن هنا حذفها السيد الشهيد ، كما انّ ظاهر عبارة الكفاية أنّ الوجوب التخييري سنخ وجوب يتعلّق بكل عنوان من البدائل بنحو يجب ويجوز ترك أحدها إلى بدل لا مطلقاً.

وهذا قد فسّره السيد الشهيد بالوجوب المشروط ، وإلاّ فعبارته ليست صريحة في ارادة هذا المعنى بل هو يشبه كلام المحقق الاصفهاني القادم. إلاّ انّه على ما سيأتي في التعليق على نظرية المحقق الاصفهاني بناءً على كون الوجوب مجعولاً شرعياً لا محالة يكون الترخيص المذكور تقييداً في جعل الوجوب امّا من حيث المتعلق فيرجع إلى ايجاب الجامع ولو الانتزاعي أو من حيث الايجاب فيرجع إلى الايجاب المشروط ، وإلاّ كان من التناقض.

ثمّ انّه قد يقال بأنّ الايجاب المشروط بعدم فعل الآخر إن كان بنحو الشرط المقارن فهو يوجب فعلية الوجوب حتى إذا جاء بالآخر بعد الآن الأوّل وإن كان بنحو الواجب المشروط بالشرط المتأخر ابتنى على امكان الشرط المتأخر

٣٣٦

ويلزم أن يكون الاتيان بهما معاً موجباً لعدم وجوب شيء منهما وهو واضح البطلان.

والجواب : انّ هذا الاشكال في الصياغة فيمكن أن يجعل الشرط عدم الاتيان بأحدهما منفرداً ، كما انّ مشكلة الشرط المتأخر تقدم حلها.

ص ٤١٤ قوله : ( فكان ينبغي أن يجعل هذه الاعتراضات كلها اعتراضاً واحداً ... ).

وفي المحاضرات اشكال آخر حذفه السيد الشهيد حاصله : انّ فرض وجود مصلحة في التسهيل معناه مزاحمة ذلك مع المصلحة الملزمة في كليهما فلا يكون في البين إلاّمصلحة واحدة مطلوبة بعد الكسر والانكسار لا مصلحتان لزوميتان فلا يمكن أن يكون في البين إلاّوجوب واحد لا وجوبان.

وهذا الاشكال صحيح إذا كان النظر إلى عالم روح الحكم ومبادئه بمعنى انّه لا يمكن أن يكون هناك عقابان ومعصيتان لو تركهما معاً ، بخلاف فرضية التضاد بين الملاكين إذا فرض انّ ترك أحدهما من شرائط الاتصاف.

نعم ، على مستوى عالم الجعل والانشاء يمكن أن يقال : حيث انّ مصلحة التسهيل في الجامع لا في ترك أحدهما المعين كان الترخيص بدلياً والالزام تعينياً.

إلاّ انّ الميزان ملاحظة عالم الروح وهو يرجع إلى ايجاب الجامع ـ النظريّة الخامسة ـ لا إلى كلام صاحب الكفاية ـ النظرية الثانية ـ فما في الكتاب من رجوع كلامه إلى كلام صاحب الكفاية في غير محلّه.

٣٣٧

ص ٤١٦ قوله : ( وهكذا يتضح انّ تصوير الواجب التخييري لا ينحصر ... ).

ظهر انّه على مستوى الانشاء بناءً على كون الوجوب مجعولاً شرعياً لا محالة يكون الترخيص البدلي مناقضاً مع الايجابين التعينيين المطلقين في الطرفين ، فلابدّ من تقييد امّا لمتعلّق الجعلين ـ التقييد بأو ـ والذي مرجعه إلى ايجاب الجامع الحقيقي أو الانتزاعي بينهما أو تقييد الايجاب بما إذا لم يفعل الآخر ، فيكون من الواجبين المشروطين.

هذا تحليل الواجب التخييري بلحاظ عالم الجعل والانشاء ، وامّا بلحاظ عالم روح الحكم ومبادئه ، فيتصور بنحوين أيضاً :

١ ـ أن يكون هناك غرض الزامي واحد في الجامع الحقيقي أو الانتزاعي ويلحق به فرضية المحقق الاصفهاني لأنّ المصلحة غير المنكسرة في الجامع لا أكثر أي مصلحة واحدة ملزمة لا أكثر.

٢ ـ أن يكون هناك غرضان الزاميان بينهما تضاد بحيث لا يمكن ايجادهما معاً ، وهنا توجد ارادتان وشوقان تعينيان ، وعندئذٍ إن فرض انّ ترك أحدهما من شرائط الاتصاف أي القدرة عليه من شرايط الاتصاف والعجز عنه رافع للحاجة إليه فلا محالة لابد وأن يجعل المولى جعلين مشروطين ولا يصح جعل الجامع ، وذلك لكي يكون فرض تركهما معاً فيه مخالفتان وعقوبتان بخلاف ما إذا جعل ايجاب واحد على الجامع.

وإن فرض انّ القدرة ليست من شرائط الاتصاف كان المولى مخيراً في مقام الانشاء بين جعل ايجاب واحد على الجامع أو ايجابين مشروطين ؛ لأنّهما بحكم الايجاب الواحد من حيث النتيجة.

٣٣٨

ومن هذا ظهر ثمرة اخرى بين الصيغتين هي انّه على تقدير استفادة وجوبين مشروطين يكون تركهما معاً فيه مخالفتان وعصيانان وبالتالي فيه عقوبتان إلاّإذا احرز أنّ الشرط من شرائط الوجود لا الاتصاف وإلاّ فمقتضى احتمال ذلك وفعلية كلا الوجوبين تحقق مخالفتين وعصيانين بخلافه على تقدير وحدة الوجوب أي ايجاب الجامع.

لا يقال : مع فرض الشك في تفويت غرضين لزوميين للمولى تجري البراءة عن العقوبة الزائدة.

فإنّه يقال : البراءة إنّما تجري عن التكليف والوجوب والمفروض تعددهما وفعليتهما فيكون في تركهما مخالفتان لتكليفين فعليين يحتمل امكان تحصيل ملاكيهما معاً أي عدم تفويت شيء منهما ، وهذا كاف لحكم العقل بتنجزهما معاً.

ص ٤١٨ قوله : ( وقد أوضح المحقق الاصفهاني هذا الجواب ... ).

قال هذا المحقق : لا يخفى انّ حلّ الاشكال تارة يكون بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة ، واخرى بلحاظ ترتب الغرض على الأقل بشرط لا وعلى الأكثر ، فإن كان بلحاظ فردية الأكثر كالأقل للطبيعة كما يومي إليه التنظير برسم الخط فلا محالة يبتني على التشكيك في الماهية أو في وجودها والأكثر حينئذٍ فرد للطبيعة كالأقل.

ثمّ بدأ ببيان بعض الاشكالات والاجابة عليها ... إلى أن قال :

وأمّا توهم عدم اجداء التشكيك للزوم استناد الفرض إلى الجامع بين الأقل

٣٣٩

والأكثر لا اليهما بما هما أقل وأكثر لتباينهما امّا من حيث مرتبة الماهية أو من حيث مرتبة الوجود خصوصاً على مسلكه قدس‌سره.

فمدفوع : بأنّ الحق جريان التشكيك في وجودات تلك المقولات لا في ماهياتها ، فلا محذور لا من حيث انّ الوجود بسيط يكون ما به الافتراق فيه عين ما به الاشتراك فلا يلزم من استناد الغرض الواحد سنخاً إلى مرتبتين من وجود مقولة واحدة استناده إلى المتباينين بل لأنّه لا ينافي التخيير العقلي لاندراج المرتبتين تحت طبيعة واحدة وهو ملاك التخيير العقلي ، وإلاّ فالاختلاف في المراتب ملاك اختلاف الآثار والأحكام ، فالمرتبة من حيث انها مرتبة لا دخل لها في الغرض بل من حيث اندراجها تحت الجامع. بخلاف ما إذا كان التشكيك في الماهية فإنّ مبناه على انّ ماهية واحدة تارة ضعيفة واخرى شديدة من دون جامع بينهما ، فالأقل بحده وإن كان فرد الجامع كالأكثر إلاّ انّه فرد الجامع الضعيف والأكثر فرد الجامع الشديد من دون جامع آخر يجمعهما فالتخيير شرعي حينئذٍ. ( انتهى كلامه رفع مقامه ).

ومنه يظهر انّ القول بالتشكيك الخاص في الوجود هو مبنى تصوير التخيير العقلي بين الأقل والأكثر لا أصل التخيير أي أن يكون الغرض واحداً في الجامع فإنّه لا يمكن أن يكون الغرض الواحد صادراً من ماهيتين مختلفتين ولو من حيث الشدة والضعف ـ بناءً على التشكيك الماهوي ـ.

وامّا إذا كان هناك غرضان مختلفان فيتصور التخيير الشرعي بينهما ، ولكنه يكون من التخيير بين متباينين بالدقة ؛ لأنّ كل ماهية غير الاخرى في المرتبة.

٣٤٠