أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

لا مقيداً بحصة خاصة منه قابلة للارتفاع مع الآخر. نعم ، بناءً على تطبيق المقدمية من طرف علّية الضد ـ وهو الصلاة ـ لترك الإزالة المحرّم سوف يقع التنافي والتعارض بين حرمة الصلاة ووجوبها ـ ولعلّ نظر السيد الشهيد قدس‌سره إلى هذا التطبيق وهو متوقف على القول بحرمة الضد العام ـ. إلاّ انّ فرض اشتغال المكلّف خارجاً بالضد وهو الصلاة هو فرض عدم إرادة الإزالة ، وهو يعني عدم وجود المقتضي لها ، ومع عدم المقتضي لا يكون عدم المعلول ـ وهو الإزالة ـ علّته وجود المانع ـ وهو الصلاة ـ لأنّ المانع إنّما يكون مانعاً عند وجود المقتضي لا عند فقده ، فلا تكون الصلاة علّة لترك الإزالة ، وهذا جار في تمام موارد التضاد ، وهذا يعني عدم وقوع الضد علّة للحرام في موارد التزاحم بين الأضداد.

نعم ، هذه النكتة بحسب الحقيقة نكتة عدم المقدّمية ومنعها ، وأمّا لو فرضت العلية واستناد عدم المعلول لوجود المانع لم يمكن الأمر به حتى بنحو الترتب.

الثالث : الوجدان يحكم في الأفعال الاختيارية ـ التي هي متعلقات التكاليف ـ بأنّ ارادة المأمور به أو ضده لا يتوقّف على ارادة ترك الآخر ـ كما هو في موارد التوقف ـ وانّ اختيار أحد الطريقين أو الفعلين المتضادّين كاختيار أحد الرغيفين والفعلين المتضادّين من حيث عدم توقف ارادته على ارادة ترك الآخر ، وإنّما لا يجتمعان معاً ، كما أنّ حبّ الوقوف بعرفة مثلاً لا يستلزم بغض زيارة الحسين عليه‌السلام وجداناً بل يحبّهما معاً ويتمنّى الجمع بينهما ، وهذان الوجدانان كافيان للاستغناء عن براهين الامتناع ونفي التعارض بين الأمرين بنحو الترتب ، بل الميزان عدم الاحساس الوجداني بالتوقف المذكور في عدم التعارض بينهما ؛ لأنّ ملاك التعارض الاحساس باجتماع الحبّ والبغض في الضد ، فإذا كان الاحساس به وقع التعارض بناءً على تقوّم الأمر بالحبّ حتى إذا تمّت براهين عدم المقدّمية.

٣٠١

ص ٢٩٨ قوله : ( المقام الثاني ـ في البراهين التي اقيمت ... ).

يوجد هنا بيان ساذج ذكره في الكفاية وهو قياس التمانع في الضدين بالتمانع بين النقيضين ، فكما لا يكون ذلك سبباً لتوقف أحد النقيضين على عدم نقيضه كذلك الضدان.

والجواب بالفرق ، فإنّ الضدين وجوديان فيمكن أن يكون أحدهما متوقفاً على عدم الآخر ، كما في الممنوع والمانع بخلاف النقيضين فإنّ رفع أحدهما عين الآخر.

ص ٢٩٩ الهامش.

جوابه : امّا استحالة ارتفاع الأضداد فهو غير تام وجداناً وبرهاناً وما يذكر من مثال الحركة والسكون من النقيضين لا الضدين ، بل لو فرض ذلك لزم وجوب وجود أحد الأضداد دائماً ، وهو مستلزم لتعدد واجب الوجود ، فإذا كان اجتماع المقتضيين المتساويين ممكناً ـ مع انّه واقع وجداناً في مثل إرادة شخصين متساويين لفعلين ضدين ـ كفى ذلك للبرهان المذكور ؛ إذ معناه انّه في فرض تحقّق ذلك يكون ذات المقتضي المساوي مانعاً لاستحالة تأثيرهما معاً ، أو تأثير أحدهما دون الآخر.

ثمّ إنّ هذه البراهين ترجع إلى إحدى نكات ثلاث أساسية :

١ ـ لزوم الدور أو تقدّم الشيء على نفسه. وإلى هذا يرجع البرهان الثالث والسابع.

٢ ـ انّ المانع عن الضد إنّما هو مقتضي الضد المساوي أو الأقوى ، فيستحيل أن يكون نفس الضد مانعاً أيضاً. وإليه يرجع البرهان الأوّل والرابع.

٣٠٢

٣ ـ انّ الضد ممتنع الوجود في رتبة وجود ضده الآخر ذاتاً ، فيستحيل أن يكون الثاني مانعاً عنه ، فإنّ المانع إنّما يمنع عن المعلول الممكن لا الممتنع.

نعم ، لو كانت المانعية غير مقيدة بهذا الفرض وهذه الرتبة كانت ممكنة ، وأمّا المقيّدة بذلك فهو غير معقول. وكذلك لو كان الضد واجباً على تقدير عدم الآخر استحال توقفه عليه ، وإلى هذا يرجع البرهان الخامس والثامن.

وأمّا البرهان الثاني والتاسع فهما تفسيران لكلام ورد في الكفاية ، وكلاهما غير تامّين ، والبرهان السادس لابدّ وأن يرجع إلى البرهان الأوّل ، وإلاّ لم يكن تاماً كما هو مبيّن في الكتاب.

وما نسب إلى الخونساري من توقّف الضد المعدوم على عدم الموجود فقط ـ وهو يكفي لاثبات حرمة الضد الخاص ـ لو تمّ ـ وليس بتام للزوم استغناء الممكن عن العلة بقاءً ـ إنّما ينفي النكتة الاولى لا النكتة الثانية والثالثة.

ص ٣٠٧ قوله : ( وقد نوقش في هذا الاستدلال بمناقشتين ... ).

قد يقال : انّ المناقشة الاولى لا تختص بالبيان الثالث بل تجري على الأولين أيضاً ، أي مناقشة في أصل البرهان السابع بكل تقريباته حيث انها تمنع فعلية التوقف من الطرفين وتدعى انها فعلية من طرف الضد الموجود دون المعدوم فإنّ التوقف فيه شأني فلا دور. وبهذا يكون البرهان الثالث أيضاً مناقشاً فيه فلماذا فصله السيد قدس‌سره.

والجواب : انّ الصحيح اختصاص المناقشة الاولى أيضاً بالبيان الثالث وعدم جريانها في غيره لأنّ المبرهن عليه في البيان الأوّل استحالة مانعية الضد ، وفي البيان الثاني استحالة تأثير عدم الضد في نفسه مع قطع النظر عن تحققه في الخارج ، وهذا لا يتوقف على أكثر من قبول التوقف من طرف كل من الضدين

٣٠٣

على عدم الآخر في نفسه ، وهذا يقبله الخصم حتى إذا ادعى انّ الضد الموجود عند وجوده لا يكون مانعاً عن المعدوم. فيقال : بأنّ الشيء المتوقف على عدم شيء آخر كيف يعقل أن يكون مانعاً عن وجوده ، فإنّه تهافت في الرتبة.

وبعبارة اخرى : لنفرض انّ الضد الموجود ليس مانعاً عن المعدوم فلا يكون عدم المعدوم متوقفاً على وجوده ليلزم الدور وإنّما التوقف من طرف واحد وهو الضد الموجود على عدم المعدوم ولكنه يقال مع ذلك انّ هذا التوقف من الطرف الواحد محال أيضاً إذا كان بنحو المانعية ـ وبنحو آخر أيضاً أي تأثير العدم في الوجود محال أيضاً كما تقدم ـ لأنّ ذاك الضد المعدوم المانع كيف يعقل مانعيته عن الموجود مع انّ وجوده في طول عدمه فإنّه تهافت في الرتبة ؛ لأنّ المانع متقدم على عدم الممنوع.

بل هنا يتم بيان آخر حاصله : انّه هل يكون الممنوع مانعاً عن الموجود في فرض عدمه أو في فرض وجوده؟ لا إشكال في استحالة الأوّل ؛ لأنّ المانع إنّما يمنع في فرض الوجود ، والثاني أيضاً خلف لأنّ المفروض انّه عند وجوده لا يكون مانعاً عن المعدوم فيستحيل مانعية الضد المعدوم والضد الموجود أيضاً ليس مانعاً فلا مانعية في البين.

ومن هنا يعرف انّ البيان الأوّل مبني على فرض المانعية وهو مبني على فرض الضد الموجود مانعاً ، فلا موضوع للمناقشة فيه.

ثمّ انّ المناسب جعل المناقشة مناقشات :

إحداهما ـ ما عن الميرزا وجوابه :

الثانية ـ ما عن صاحب الكفاية من عدم تعلق الارادة الازلية وجوابها :

٣٠٤

أوّلاً ـ ما ذكر من انّ الارادة الأزلية قد تتعلق بالمقتضي مع المانع إذ ليست الأشياء توجد بها مباشرة.

وثانياً ـ ما يأتي من انّ امتناع تحقّق الضد المعدوم بالغير لا ينافي توقّفه على عدم مانعه الموجود أيضاً وثبوت الدور في عالم التوقّف فإنّ الدور ممتنع ذاتاً.

وهذا بخلاف مناقشة الميرزا ، فإنّه كان يدّعي الامتناع الذاتي لمانعية الضد الموجود ؛ ولهذا كان جوابه انّه مستلزم لامتناع مانعية الضد المعدوم أيضاً.

الثالثة ـ ما ذكره السيد الخوئي في تقريب المناقشة وهو بيان عرفي لا بأس بذكره من انّه في الأفعال الاختيارية للانسان حينما يفعل أحد الضدين لا يكون له ارادة للضد الآخر فلا مقتضي له ، ولو فرض الكلام في شخصين وامكان ارادتهما معاً فلا محالة يكون الشرط منتفياً وهو عدم القدرة على الايجاد مع تعلّق الارادة القوية بخلافه من أحدهما.

والجواب : أوّلاً ـ الجواب الأصلي الذي ذكرناه.

وثانياً ـ الارادة بمعنى الحب والشوق يمكن تجاه الضدين ، وبمعنى اعمال القدرة ليس إلاّعين الفعل والقدرة بمعنى عدم العجز الذي هو الشرط محفوظ في ارادة الشخصين.

ص ٣١٨ قوله : ( الفرضية الرابعة ... ).

هنا عدّة تعليقات :

الأوّل : انكار أصل الفرضيتين الثالثة والرابعة ، لعدة منبهات وجدانية :

٣٠٥

منها ـ انّ لازم ذلك الالتزام بأنّ النهي عن شيء يستلزم وجوب نقيضه على مستوى الحب والبغض الذي هو روح الحكم ؛ إذ لا وجه للتفرقة بين الحب والبغض من هذه الناحية ، ولازم ذلك التسلسل حيث يلزم من بغض الترك حب الفعل من جديد حباً غيرياً وهكذا ، وهذا التسلسل وإن لم يكن محالاً لأنّه ـ كما تقدّم في بحث المقدمة ـ تابع لمقدار لحاظ موضوعه ، إلاّ انّه نعم المنبّه الوجداني على عدم الاستلزام المدعى ، بل القول بالاستلزام المذكور يؤدّي إلى عدم انفكاك محبوب عن مبغوض ، وحب عن بغض ؛ إذ كل محبوب سوف يكون نقيضه مبغوضاً في نفس الوقت ، وكل مبغوض يكون نقيضه محبوباً في نفس الوقت مع وجدانية تباين الحب وانفكاكه عن البغض في عالم النفس وعدم وجود مثل هذا التلازم الدائمي بينهما ، بحيث لا يتصوّر محبوب بلا مبغوض في مورده.

ومنها ـ لزوم ذلك في الأوامر والنواهي غير اللزومية أيضاً فالأمر الاستحبابي بشيء يستلزم كراهة نقيضه وكراهة شيء يستلزم استحباب نقيضه ، وهو أيضاً خلاف الوجدان. ودعوى الاختصاص بالتكاليف اللزومية بلا وجه.

ومنها ـ قياس الحب والبغض بالحسن والقبح والكمال والنقص فإنّ الايثار والاحسان حسن وكمال ، ولكن تركه ليس قبيحاً ومنقصة ، والبخل قبيح ومنقصة ولكن عدمه ليس حسناً وكمالاً وإنّما عدم نقص.

فالحاصل فرق بين الحسن والكمال والقبح والمنقصة ، وكذلك الحب والبغض.

ومنها ـ قياس ذلك بحب الأعيان وبغضها فإنّ من يحب شخصاً ليس معناه انّه

٣٠٦

لو لم يحضر يكون ذلك مبغوضاً لديه كما إذا حضره من يبغضه وإنّما لم يحضر محبوبه فلا يلتذ ولا ينشرح لا انّه يتنفر وينزجر.

ومنها ـ وهو منبه تحليلي حلّي انّ صفة الحب يعني نحو انشراح وانبساط في النفس من شيء يلائمها أو ينسجم معها مع مقتضياتها وفطرتها وعلى العكس المبغض صفة نفسانية تعني الانقباظ والنفرة والانزجار مما فيه حزازة وايلام وايذاء لها ، وهما صفتان وجوديتان متضادتان لكل منهما ملاكه وعلته المؤثرة. ومن الواضح وجداناً انّ عدم الملاك لأحدهما يوجب انتفاء تلك الصفة لا حصول الصفة الاخرى المضادة ، إذ ليسا من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما ، بل يعقل لهما الثالث وهو عدم تحقق شيء منهما ، ومعه لا موجب لافتراض أن يكون في النفس بغض وكراهية وانزجار من ملاحظة نقيض العنوان الذي يرى فيه الانشراح والحب والملائمة مع النفس.

الثاني : انّنا وإن لم نقبل الملازمة بين حب شيء وبغض نقيضه ، إلاّ انّ هناك مطلباً آخر نقبله ، وهو ينتج نفس النتيجة المطلوبة من هذا الاستلزام.

وحاصله : دعوى وجدانية عدم امكان تعلّق الحب والبغض بالنقيضين ، أي انّ النفس إذا اشتاقت وأحبّت الفعل فمن المستحيل لها أن تحب نقيضه وتركه في نفس الوقت ، وكذلك في طرف البغض ، بحيث لو فرض وجود ملاك ومصلحة في الفعل ومصلحة اخرى في الترك وقع بينهما الكسر والانكسار تماماً ، من قبيل المصلحة والمفسدة في الفعل الواحد ، والذي يوجب الكسر والانكسار بينهما ، لا تعلّق الحب والبغض به لامتناعه ، فكذلك في النقيضين فليس النقيضان كالضدين الوجوديين والذي يمكن تعلّق الحب بهما معاً ، غاية الأمر لا يمكن التحرك نحوهما معاً في الارادة والتكوينية والأمر بهما معاً مطلقاً في الارادة

٣٠٧

التشريعة ، نظير حبّ أمر غير مقدور يتمنّاه الإنسان ولكن لا يمكنه أن يتحرّك نحوه أو يأمر به عبده.

ويمكن اقامة صورة برهان على ما ذكرناه حاصله : أنّ تعلّق الحب بشيء يقتضي في عالم اللحاظ ايجاده ، فكأنّ الشوق والحب متعلّق بخروجه من كتم العدم إلى الوجوب ، وتعلّق البغض به أو تعلّق الحب بنقيضه عكس ذلك في عالم اللحاظ ، ونفس أيّ حبّ عدم وجوده ، وهذان اللحاظان متهافتان لا يمكن اجتماعهما معاً كذلك في الصفات ذات الاضافة ، فهو نظير العلم بوجود شيء وعدمه الذي يستحيل تحقّقه في النفس.

فإذا كان هذا وجدانياً كفى ذلك فيما هو المهمّ في المقام ، وهو وقوع التنافي والتعارض بين الأمر بأحد الضدين مع الأمر بضده الآخر ـ بناءً على مقدمية ترك كل ضدّ بفعل الآخر ـ حيث يكون ترك الصلاة في وقت الازالة محبوباً بالحب الغيري ، وهو لا يمكن أن يجتمع مع محبوبية فعل الصلاة والأمر به ، كامتناع اجتماع المبغوضية والمحبوبية فيها بناءً على الاستلزام المدّعى في المقام عند السيد الشهيد قدس‌سره وجملة من الأعلام ، فيقع التعارض بين دليل الأمرين ، ولا يكون بينهما تزاحم ؛ لامتناع اجتماع مبادئ الحكمين الضدين حتى بنحو الترتّب كما هو محقّق في محلّه.

وهكذا يتضح أنّنا إذا قبلنا تقوّم الحكم الشرعي بالمحبوبية والمبغوضية وكونهما من مباديه بل روحه ـ كما يدّعيه المحقّق العراقي قدس‌سره ـ فلا نحتاج في بحث الضد العام إلى اثبات استلزام حب شيء لبغض نقيضه ، بل يكفينا قبول امتناع تعلّق الحب بالنقيضين والفعل والترك معاً.

الثالث : انّ حقيقة الحكم إن اريد به ما يبرزه الآمر فقد يكون اعتباراً قانونياً ،

٣٠٨

وقد يكون الحب والارادة وقد يكون مجرد الغرض اللزومي والملاك. وإن اريد به نفس الابراز والدلالة فقد يكون بصيغة الأمر والانشاء وقد يكون بجملة خبرية. إلاّ انّ هذه الخصوصية لا تكون دخيلة في موضوع حكم العقل بوجوب الطاعة ، وإنّما موضوع حكم العقل بلزوم الطاعة وقبح المخالفة هو الارادة اللزومية المتعلقة بالفعل أو الترك أي تصدّي المولى لتحصيله من عبده لزوماً بحيث لا يرضى بخلافه. وهذا من مقولة الفعل المولوي ـ كما في الهامش ـ وليس وجود العناصر المتقدمة ثبوتاً أو اثباتاً دخيلاً فيه وفي موضوعيته لحكم العقل ، وإن كان قد يكون ظاهراً عرفاً في ثبوت بعضها في نفس المولى العرفي.

ومن الواضح أنّه لا يوجد إلاّتصدٍ وارادة واحدة في موارد الوجوب لا ارادتان وتصديان بل يستحيل ذلك في الأفعال الاختيارية المباشرية.

والمنبه على ما نقول مضافاً إلى وجدانية كون الحكم من مقولة الفعل انّه لو فرض كون آمر ومولى لا تتحقق في نفسه صفة الحب والبغض أصلاً ـ كما قد يقال بذلك في حق الواجب تعالى ـ فإنّه مع ذلك إذا أمر عبده كان واجب الاطاعة عقلاً.

نعم ، هنا لا يعقل الأمر بالفعل والأمر بضده العام ـ الترك ـ فيكون بينهما تعارض على كل حال ، بالنكتة التي ذكرناها من امتناع تعلّق الحب والبغض بالنقيضين معاً ، فإنّ ذاك التهافت ثابت في الأمر بهما أيضاً.

إلاّ انّ هذا كما هو واضح لا يجري في الضد الخاص ، فيمكن للمولى أن يأمر به أيضاً على نحو الترتب لكي لا يفوته كلا الغرضين ، حتى إذا كان مبغوضاً ـ كما هو كذلك بناءً على الاستلزام ومقدمية أحد الواجبين لترك الآخر ـ فيكون من قبيل موارد دفع الأفسد بالفاسد ودفع أشدّ الضررين بارتكاب أخفّهما ، ولا يمنع

٣٠٩

ثبوت المبغوضية عن إمكان التقرّب به إذا كان مأموراً به شرعاً ؛ لأنّ ملاك التقرّب بتحقيق ما يتصدّى المولى لتحصيله بحسب أغراضه لا بالمبغوضية والمحبوبية المجردتين عن التصدّي المولوي والمخالفتين معه.

ثمّ انّا إذا لم نقبل ما ذكرناه فلا يجدي نفي مانعية أحد الضدين للضد الآخر ، وأنّ المانع مقتضيه لا نفس الضد في اخراج الأمر بالضد عن التعارض ـ بناءً على الاستلزام في الضد العام أو النكتة التي ذكرناها ـ فينهار باب التزاحم وينتفي في الفقه.

والوجه في ذلك : انّ المقتضي للضد المهم ـ ولنفرضه ارادة الصلاة مثلاً في وقت الازالة ـ سوف يكون مانعاً عن تحقق الواجب الأهم وهو الازالة فيكون محرماً لا محالة ـ بناءً على وجوب المقدمة ـ ومعه يستحيل الأمر بالصلاة ولو بنحو الترتب لأنّ الأمر بها يستلزم وجوب هذه الارادة ومحبوبيتها الغيريّة ؛ لكونها علّتها الموصلة وهو خلف حرمتها أي مبغوضيتها الغيريّة ، فيلزم الاجتماع المحال.

وبهذا يعرف عدم الحاجة إلى اثبات عدم التمانع بين الضدين ، بل تكفي مانعية مقتضي أحد الضدين المساوي أو الأقوى في وقوع التعارض وعدم امكان التزاحم.

بل يمكن افتراض توقف فعل الأهم على ترك الواجب المهم في بعض الموارد ، كما إذا كان اشتغاله بالصلاة موجباً لضعفه وعدم قدرته على الإزالة ، فهل يحكم في مثل هذه الموارد بالتعارض وعدم جريان التزاحم بين الواجبين؟ لا أظنّ التزام أحد بذلك ، وسوف يأتي مزيد تنقيح لهذا البحث.

٣١٠

ص ٣١٩ قوله : ( ثمرة مسألة الضد ... ).

الثمرتان ثمرة واحدة في فرعين فقهيين ، وكلتاهما تطبيقان للثمرة الكلية التامة في الأوامر التعبدية والتوصّلية ، وهي وقوع التزاحم بين الأمر بكل من الضدين بناءً على عدم الاقتضاء ووقوع التعارض بينهما بناءً على الاقتضاء ؛ للزوم اجتماع الأمر والنهي في الضد. فما في كلمات الاصوليين من جعل الثمرة في الفرعين فقط في غير محلّه ، بل لابدّ في بحث الثمرة البحث عن وقوع التعارض وعدمه بين دليلي الأمر بالضدين ، بناءً على الاقتضاء وعدمه.

والصحيح : انّه لا يقع تعارض بين الأمرين على كلّ حال ، وذلك :

أوّلاً ـ لعدم الاقتضاء كما تقدّم.

وثانياً ـ لو قيل بالاقتضاء فإنّما هو على مستوى الحب والبغض لا الارادة التشريعية التي هي من مقولة الفعل وهي المحركية والتصدي المولوي لطلب الفعل أو الترك وهو روح الحكم وقوامه.

وثالثاً ـ لو قيل بالاستلزام بلحاظ المحركية والتصدّي المولوي أيضاً فلا ينبغي الشك في أنّه نهي غيري لا نفسي ، والحكم الغيري ليست له محركية أصلاً ، ولو كانت فليست بأكثر من محركية الحكم النفسي التابع له ، فإذا كانت محركية الأمر النفسي بالضد الأهم غير مناقض مع الأمر بضده المهم على نحو الترتب لم يكن تنافٍ بين مثل هذا النهي الغيري والأمر الترتبي بالضد المهم ؛ لأنّ التنافي بين الأمر والنهي إنّما هو بلحاظ اقتضائهما ومحركيّتهما على ما سيأتي في بحث الاجتماع ، والمفروض عدم التضاد بينهما ، كما أنّ النهي الغيري ليس في مخالفته عصيان وقبح أو تمرّد على المولى لكي ينافي قصد القربة إذا كان الضد عبادياً.

٣١١

ثمّ انّ الأولى ـ كما ذكرنا سابقاً ـ عقد مسألتين :

احداهما ـ اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده.

الثانية ـ امكان الأمر بالضدين.

فما في الكتاب وغيره من جعل بحث الترتب والتزاحم من ثمرات بحث مسألة الاقتضاء ليس مناسباً.

ص ٣٢٢ قوله : ( وعلى ضوء هذين الأمرين يمكن أن يجاب ... ).

هذا الجواب قد لا يقبله المحقّق النائيني قدس‌سره ؛ لأنّ الإطلاق إذا كان ممتنعاً يسقط ، لا أنّه يكشف عن أخذ قيد زائد لا دالّ عليه في الكلام.

نعم ، لو ورد دليل خاص على الواجب المعلّق في مورد كشفنا بدلالة الاقتضاء ذلك. وفي المقام القول بفعلية الوجوب في الآن الأوّل على الطبيعة والجامع يستلزم الواجب المعلّق ؛ لأنّ الوجوب حينئذٍ مشروط بالقدرة على أفراده المستقبلية بنحو الشرط المتأخر حتى إذا كان المتعلّق مطلقاً ، والمفروض استحالته عند الميرزا قدس‌سره ، ولا دافع لهذا الاشكال إلاّالالتزام بامكان الشرط المتأخر ، أو القول بكفاية القدرة في ظرف العمل على صحّة التكليف به قبل ذلك ، فليست شرطية القدرة كشرطية سائر قيود الواجب كالزمان المتأخر في الواجب المعلّق ، فلو كان المتعلّق مقيداً بالحصص الاستقبالية من العمل كان من الواجب المعلّق والمشروط بشرط متأخر استقبالي وهو الزمان ، وأمّا إذا كان الواجب مطلقاً من حيث قيد الزمان إلاّ انّ القدرة عليه تحصل متأخراً فلا محذور في فعلية التكليف به من قبل ، كيف والقدرة على أكثر الواجبات الزمانية تكون تدريجية لا دفعيّة ، فمثل هذا ليس من الشرط المتأخر عند الميرزا قدس‌سره.

٣١٢

ص ٣٢٥ قوله : ( الثالثة ـ انّ القائلين ... ).

هذا الجواب غير تام ؛ لأنّه بناءً على عدم امكان الأمر الترتبي يكون تعارض بين خطاب الأهم والأمر بالمهم فيكون سقوطه بالمقيد المنفصل بناءً على تقديم خطاب الأهم ولا يجدي كون القدرة مقيداً لبياً متصلاً.

نعم ، يصحّ ذلك على القول بامكان الترتب وعدم التعارض وهو مغاير مع مبنى هذا الجواب ، إذ لا حاجة معه إلى قصد الملاك بل هو رجوع إلى الجواب الثاني.

ص ٣٢٧ الهامش.

ما ورد في الهامش رقم (٢) تام ، فإنّ النهي أو البغض الغيري كما لا ينافي الأمر بالضد المهم ـ كما شرحناه سابقاً ـ لا ينافي المقربية أيضاً ؛ لأنّ مخالفته ليس تمرداً ولا قبيحاً عقلاً ، كما أنّ عدم المحبوبية فعلاً للملاك من جهة البغض الغيري لا يمنع وجداناً عن إمكان اضافته إلى المولى.

وبالنسبة لما ورد في الهامش رقم (٣) لا ينبغي الشك في وجدانية امكان الترتب والأمر بالواجب المهم حتى إذا وقع اتفاقاً تركه مقدمة لفعل واجب أهم في سلسلة علله ، فإنّه لا شك في أنّه سوف يريده المولى على تقدير ترك الأهم لكي لا يفوت عليه كلا الملاكين ـ بناءً على امكان الترتب ـ وهذا الوجدان على حدّ وجدانية امكان الترتب بين الضدين بل وجدانية حب الضدين الأهم والمهم في المقام أوضح من الأمر الترتّبي ؛ لأنّ الحب يتعلق بغير الممكن أيضاً فلا ينبغي الشك في انّ المولى يحب في المقام كلا الواجبين والملاكين بحيث لو كان الجمع ممكناً لأمر بهما مطلقاً.

وهذا الوجدان في قباله ما يذكره السيد الشهيد من برهان استحالة اجتماع

٣١٣

الضدين أعني الأمر والنهي حتى الغيريين ؛ وذلك بلحاظ امتناع اجتماع مبادئهما ، وهو الحب والبغض في موضوع واحد بناءً على وجدانية الملازمة أي قبول الحب الغيري للمقدمة.

وعندئذٍ لابد من وجه للجمع بين هذين الوجدانين. ويمكن أن يذكر في المقام بعض الوجوه :

١ ـ أن ننكر ما تقدم من السيد الشهيد قدس‌سره من انّ الترك الموصول نقيض الفعل فنقول : بأنّ الواجب الغيري إنّما هو ترك المهم الموصول إلى الأهم وهو لا يقتضي بغض الفعل ، فيمكن أن يكون الفعل محبوباً بل ومأموراً به مشروطاً بترك الأهم.

إلاّ انّ هذا لا يكفي ؛ لأنّ الواجب المهم بنفسه أو بمقتضيه علة تامة لنقيض الأهم في المقام ، فبناءً على مبغوضية نقيض الواجب يقع التنافي والتعارض بين الخطابين على كلّ حال ؛ للزوم اجتماع الحب والبغض في المهم أو في مقتضيه ولا يجري فيه الترتّب كما أشرنا سابقاً.

٢ ـ أن نقول بأنّ الملازمة بمستوى الاقتضاء لا أكثر بحيث إذا فرض وجود ملاك نفسي في نقيض المقدمة فلا يترشح حب غيري نحوها نظير ما قلناه في المقدمة المحرمة مع وجود المباحة.

إلاّ انّ هذا معناه انكار أصل الملازمة هنا ، إذ لا تبقى مقدمة محبوبة في البين ، مع انّه لا اشكال في شدة محبوبية فعل الأهم المستلزم بناءً على الملازمة حب ترك المهم ولو الموصل ، أو قل لبغض فعل المهم أو مقتضيه لكونه علة تامة للحرام الغيري.

٣١٤

٣ ـ أن يقال بأنّ الحب الغيري يختلف عن الحب النفسي من حيث أنّ المحبوب النفسي محبوب على كل حال بخلاف المحبوب الغيري فإنّ محبوبيته حيث انها غيرية أي من أجل التوصل إلى تحقيق المحبوب النفسي لا أكثر ، فلا محالة لا يكون المحبوب إلاّعنوان التوصل ولا يكون مبغوض إلاّعدم الوصول إلى الواجب النفسي الأهم ، وهذا النحو من البغض لا ينافي محبوبية الضد أو الواجب المهم في نفسه. إلاّ انّ هذا أيضاً يرجع بالدقة إلى انكار البغض الغيري لعلّة الحرام ، وهو مساوق مع انكار الملازمة.

وهكذا يتضح انّ وجدانية قبول التزاحم في هذه الموارد لا يمكن تفسيره إلاّ بالالتزام بعدم الملازمة بين حبّ شيء وحبّ مقدماته وبغض نقيضه ـ كما هو مختار السيد الخوئي قدس‌سره ـ أو عدم تقوّم الحكم بمبدأ المحبوبية والمبغوضية وتقوّمه بنفس التصدّي المولوي لتحصيل فعل أو ترك من المكلّف ، وهو فعل اختياري للمولى كالجعل ، سواء كان من جهة محبوبية ذلك أو كونه أنفع بأغراضه ولو من باب دفع الضرر والمبغوض الأشد أو الأكثر بالأقل ، وهذا وجداني لا ينبغي التردّد فيه ، بل لو تصدّى المولى لترك الضد والنهي عنه أيضاً فهو نهي من أجل فعل الأهم لا لذاته ، أي تصدٍّ غيري لا نفسي ، وهو لا ينافي الأمر بالضد بنحو الترتّب ؛ لأنّ التنافي بين الأمر والنهي بلحاظ محركيّتهما ، ولا محركيّة للحكم الغيري أكثر من محركيّة الحكم النفسي المترشّح منه ، والمفروض عدم منافاته مع الأمر الترتّبي بضده.

فالحاصل : لا امتناع حتى على تقدير قبول الاقتضاء في أن يكون الضد مأموراً به بنحو الترتب لأنّ هذا الأمر لا يتنافى مع النهي الغيري عنه لا من ناحية المبادئ ؛ لعدم تقوّم الحكم بالحبّ والبغض ، ولا من ناحية محركية الأمر والنهي

٣١٥

لأنّه نهي غيري لا محركية له ولو فرض وجودها ، فهي محركيّة كمحركيّة الأمر بالأهم لا أكثر ، فإذا لم يكن الأمر بالأهم منافياً مع الأمر بالمهم لكون هذا الأخير مشروطاً بفرض ترك الأهم فكذلك النهي.

ولو لم نقبل كلّ ذلك وقلنا بتقوّم الحكم بالحبّ والبغض لزم التعارض بين الأمر الترتبي بالمهم مع الأمر المطلق بالأهم على كلّ حال ؛ للزوم اجتماع الحب والبغض في المهم ـ إذا كان مانعاً عن الأهم بنفسه ـ أو مقتضيه وهو محال حتى بنحو مشروط. وبهذا يعرف أنّ سقوط الأمر بالضدّ أو وقوع التعارض بين دليلي الأمر بالضدين إنّما يترتب بناءً على القول بالاقتضاء فيما إذا قلنا بالنهي النفسي عن الضد ـ ولا قائل به ـ أو قلنا بأنّ قوام الحكم التكليفي وروحه بالحب والبغض ـ وقد عرفت عدم صحّته ـ فلا أثر ولا ثمرة للبحث عن مسألة الاقتضاء ، والله الهادي للصواب.

ص ٣٣١ قوله : ( ثانيهما : أن لا يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضده ).

اتضح مما سبق عدم لزوم هذا الشرط ، لأنّ النهي الغيري لا يكون مانعاً عن صحّة الأمر الترتبي ؛ لأنّه لا محركيّة له أكثر من محركية التكليف النفسي المترشّح منه ، ولا تضادّ بين الأمر والنهي إلاّبلحاظ محركيّتهما لا بلحاظ الحبّ والبغض ؛ لعدم كونهما قواماً للحكم.

نعم ، من يرى تقوّم الحكم بالحبّ والبغض يلزمه هذا الشرط في إمكان الترتب ، إلاّ انّه حينئذٍ لابدّ له من انكار الحبّ والبغض الغيري للمقدّمة والضد العام للواجب ، ولا يكفي منع التمانع بين الضدين بالبراهين المتقدّمة كما هو ظاهر جملة من الأعلام ومنهم السيد الشهيد قدس‌سره ؛ لأنّه لا يدفع التضاد بلحاظ مقتضي الضد الواجب فيحصل التعارض بين الأمرين كما شرحنا ذلك فيما سبق.

٣١٦

ص ٣٣٢ قوله : ( الجهة الثانية ... ).

يتعرض في هذه الجهة إلى مقدار التقييد اللازم في الخطاب المزاحم بخطاب آخر أهم أو مساوٍ على كلا القولين من استحالة الترتب وامكانه ، فهذا هو عنوان هذه الجهة.

فيقال : على القول بامكان الترتب يتقيد التكليف بعدم امتثال الضد الواجب المساوي أو الأهم ، وهذا التقييد سوف نثبته على القاعدة بنفس قيد القدرة العقليّة المأخوذ في كل خطاب ، بلا حاجة إلى دليل من الخارج ، وبلا تعارض بين اطلاقي الخطابين أصلاً.

وبهذا يكون الخطاب الأهم أو المساوي وارداً على الآخر بامتثاله ، والورود ليس من التعارض ، وقد شرح السيد الشهيد أقسام الورود ، وهذا واضح.

وامّا على القول باستحالة الترتب فهذا المقدار لا ينفع بل لابد من تقييد أكثر لاطلاق الخطاب المزاحم بالأهم أو المساوي ، وهنا مطلبان ذكر السيد الشهيد أحدهما :

١ ـ في مقدار التقييد فهل يقيد بعدم واقع الخطاب الآخر الأهم مثلاً كما في موارد الاجتماع بناءً على الامتناع أو يقيد بعدم تنجزه وإن كان ثابتاً واقعاً.

٢ ـ انّ هذا التقييد هل يمكن تخريجه على القاعدة بنفس قيد القدرة المأخوذة لبّاً في كلّ خطاب فيكون الخطابان في موارد التزاحم من ورود أحد الخطابين على الآخر ولكن بتنجزه لا بامتثاله ، فيرتفع التعارض من البين حتى بناءً على امتناع الترتّب أم لا.

٣١٧

أمّا البحث الأوّل والذي تعرض له السيد الشهيد فقد أفاد ما محصله : انّ التنافي هنا ليس في المبادىء بل في مقتضيات الحكم أي التحريك ، حيث لا يمكن التحريك نحو الجمع بين الضدين لكونه غير مقدور وحينئذٍ إن لم تكن القدرة قيداً في التكليف أصلاً. فلا موضوع لهذا البحث حيث يبقى الخطابان على اطلاقيهما ، ولهذا جعلنا ذلك شرطاً في البحث عن الترتب ، وإن كان قيداً للخطاب فإن كان بحكم العقل من باب قبح الالجاء في المخالفة والعصيان أو اللغوية فهذا من الواضح انّه يكفي فيه التقييد بعدم تنجز الآخر ، حيث لا عصيان في فرض عدم التنجز فلا إلجاء كما لا لغويّة.

وإن كان من باب مقيدية الظهور في التحريك والبعث الذي هو غرض تكويني للمولى من وراء الجعل والخطاب فهذا الغرض لو اريد به التحريك الفعلي المطلق ـ الاحتمالان الأوّل والثاني ـ فهو غير معقول نحو الضدين ، إلاّ انّ هذا غير محتمل ؛ للزوم عدم توجّه المولى إلى أنّ العاصي والجاهل لا يتحركان بالفعل من الخطاب ، أو تخصيص الخطاب بالمطيع والعالم ، فلابد وأن يكون المقصود من داعي التحريك للمولى التحريك الاقتضائي اللولائي ، أي لو وصل إليه وتنجز عليه وكان مطيعاً لمولاه لتحرك ، وصدق القضية الشرطية لا تستلزم صدق طرفيها ـ وهذا هو المراد من الاحتمال الثالث ـ وهذا النحو من التحريك لا ينافي التحريك نحو الضدين إذا كان أحدهما غير منجز عليه ، وهذا يعني انّه يكفي تقييد الخطاب المزاحم بعدم تنجز الآخر لا عدم واقعه.

وقد ذكر السيد الشهيد هنا نحواً خامساً لداعي الانبعاث وهو انبعاث كل مكلف حسب درجة انقياده ، فإذا كان ينقاد من احتمال التكليف غير المنجز مع ذلك كان المولى من غرضه بعثه وتحريكه ، وهذا المعنى لا يمكن أن يكون نحو

٣١٨

الضدين وان لم يتنجز أحدهما عليه إذا كان بنحو من الاحتمال الذي يتحرك منه المكلف لأنّه يلزم منه التحريك نحو الضدين وهو غير ممكن.

إلاّ انّ هذا الداعي للانبعاث مضافاً إلى انّه غير صحيح في الخطابات المجعولة بنحو القضايا الحقيقية أي على جميع المكلفين بنحو واحد لا يمنع عن إطلاق الخطاب المهم لحال عدم تنجز الأهم غير الواصل ، لأنّ أصل وجود الخطاب الأهم مشكوك للمكلف بحسب الفرض ، فلا لغوية في أن يريد المولى تحصيل الخطاب والملاك المعلوم فعليته في قبال ما يكون مشكوكاً أصل ثبوته وإن كان أهم على تقدير وجوده.

وإن شئت قلت : انّ المكلّف في فرض عدم وصول الأهم إليه ووصول المهم لا يتحرك إلاّنحو المهم ، ففعلية المهم في هذا الحال أيضاً لا تنافي محركية الأهم الاقتضائي اللولائي. هذا كلّه في البحث الأوّل.

وأمّا البحث الثاني فقد يقال : إذا أمكن تقييد الخطاب المهم بعدم تنجز الأهم بنحو يكون من الورود بالتنجز وأمكن تخريج ذلك من خلال تفسير قيد القدرة بالنحو المتقدم فيخرج التزاحم عن باب التعارض حتى على القول باستحالة الترتب لأنّه بوصول الأهم أو تنجزه ترتفع القدرة ـ بعد تعميمها لما يشمل المانع الشرعي واعتبار الأهم مانعاً شرعياً فيكون عدمه لا محالة مأخوذاً قيداً لبياً في الخطاب كما سيأتي ذلك على الترتب أيضاً ، وبه نرفع التعارض بناء عليه ـ ومع عدم تنجزه لا مانع من إطلاق خطابه فلا تعارض على القاعدة فلماذا جعل عدم التعارض من ثمرات القول بامكان الترتب ، فيكون الصحيح في البحث في الجهة الاولى جعل الثمرة ما فعلته مدرسة المحقق النائيني من صحة الضد العبادي

٣١٩

والاجتزاء به أو الأعم منه ومن التوصلي بناءً على الترتب لا المعارضة بين الخطابين.

والجواب : أوّلاً ـ انّ هذا لا يتم في الخطابين المتساويين فلا محالة يقع التعارض بين اطلاقيهما إذ لو كان قيد القدرة بمعنى عدم تنجز الأهم لزم فعلية الخطابين المتساويين عند وصولهما معاً فيلزم طلب الجمع بين الضدين وإن كان القيد عدم وصول الأهم أو المساوي يلزم ارتفاعهما معاً.

وإن شئت قلت : يلزم الدور وانّ كلا منهما يكون مشروطاً بعدم الآخر وتنجزه وهو في نفسه محال فيلزم التعارض لا محالة ، وهذا بخلافه على القول بالترتب.

وثانياً ـ لا يصحّ أصل هذا الكلام حتى في الخطابين الأهم والمهم ؛ لأنّ التقييد بعدم القدرة الشرعية أي عدم المانع الشرعي ، وهو الأمر بالضد الأهم قيد زائد بحاجة إلى مقيّد خاص ، وإلاّ فاطلاق كل خطاب ينفيه ، وهذا بخلاف التقييد بالقدرة العقلية التكوينية ، فإنّ الخطاب لا يمكن أن ينفيه ، بل بالعكس كل خطاب مقيّد لبّاً به.

ويترتّب على ذلك أنّه بناءً على إمكان الترتّب يكون إطلاق كل خطاب بالضد منافياً مع إطلاق الخطاب الآخر لحال الاشتغال بالآخر لا مع أصله ـ أي حتى إذا لم يشتغل به ـ فامّا أن يحكم بتساقط الاطلاقين معاً بالتعارض ـ كما سيأتي عن المحقّق النائيني قدس‌سره ـ فيثبت الترتّب من الجانبين أو يحكم بسقوط إطلاق خصوص الخطاب المهم أو غير محتمل الأهمية للقطع بسقوطه دون إطلاق الأهم ومحتمل الأهمية فيؤخذ به ، أو يقال من أوّل الأمر بأنّ المقيّد اللبّي بالدقة

٣٢٠