أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

شرائط الوجوب بمقتضى التبعية والترشحية (١).

وهذا المقدار من البيان الاشكال على مبانيه واضح ، حيث انّه ظهر عدم استحالة التقييد بالموصلة كما انّ الاهمال الثبوتي غير معقول وأنّ التقييد إذا استحال تعيّن الإطلاق لأنّ التقابل بينهما تقابل السلب والايجاب ، وهذا كلّه قد تقدّم.

ثمّ فرّع على ذلك الميرزا قدس‌سره انّه على القول بالاختصاص كما هو مقالة صاحب الفصول تكون المقدمة المحرمة حصتها غير الموصلة محرمة مطلقاً بلا ترتب وحصتها الموصلة واجبة بالوجوب الغيري بلا تزاحم ولا تعارض ولا ترتب ، وامّا على مقالة صاحب الحاشية فقد ذكر صاحب الحاشية انّ المقدمة إذا كانت محرمة فسوف يقع التزاحم بين حرمتها ووجوبها فيحكم بحرمتها على تقدير عدم الايصال بنحو الترتب على عصيان الواجب ، وعدم الاتيان بالمقدمة الموصلة.

وأشكل عليه الميرزا قدس‌سره بأنّ الترتب لا يعقل بين الخطابين المتعلقين بموضوع واحد ، وهما في المقام حرمة المقدمة ووجوبها من حيث الايصال ، وإنّما يعقل الترتّب في المقام بناءً على هذه المقالة بين الوجوب النفسي لذي المقدمة وحرمة المقدمة فتحرم المقدمة بنحو الترتب على تقدير عصيان الواجب النفسي الأهم أو المساوي.

واعترض عليه السيد الخوئي قدس‌سره على ما في تقريرات الوالد قدس‌سره (٢) بايرادين :

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٣٥٠ ، ط ـ مؤسسة صاحب الأمر.

(٢) دراسات في علم الاصول ١ : ٣٤١.

٢٨١

١ ـ انّه مبني على القول بالشرط المتأخر بأن يكون عدم الايصال شرطاً لحرمة المقدمة والايصال شرطاً لجوازها.

٢ ـ انّه يلزم منه أن يكون جواز المقدمة مشروطاً بالايصال أي بفعل ذي المقدمة لأنّ أحد الحكمين الضدين إذا تقيد بشرط تقيد ضده بنقيض ذلك الشرط لا محالة. فيلزم ما تقدم من صاحب الكفاية من أن يكون وجوب ذي المقدمة المشروط بامكان مقدمته شرعاً وعقلاً مشروطاً بفعل الايصال فيكون تحصيلاً للحاصل ، وأيضاً يلزم جواز تركه ورفع موضوعه حيث لا يجب تحقيق موضوع الوجوب.

وفي تقريرات الفياض جعل الاشكال بنحو آخر حاصله :

انّه لا يعقل الترتب في المقام حتى بين الوجوب النفسي وحرمة المقدمة رغم تعدد متعلقهما ؛ لأنّ حرمة المقدمة إذا كانت مشروطة بعصيان الوجوب النفسي لذي المقدمة فبطبيعة الحال يكون وجوبها مشروطاً بعدم عصيانه واطاعته لاستحالة كون شيء واحد في زمان واحد واجباً وحراماً معاً.

وإن شئت قلت : انّه لا يعقل أن يكون وجوبها مطلقاً وثابتاً على كل تقدير مع كونها محرمة على تقدير عصيان الأمر بذي المقدمة ، كيف فإنّه من اجتماع الوجوب والحرمة الفعليين في شيء في زمن واحد ، فإذا كان وجوب المقدمة مشروطاً بعدم عصيان وجوب الواجب النفسي فعندئذٍ لابد من النظر إلى انّ وجوب الواجب النفسي أيضاً مشروط بعدم عصيانه واطاعته أم لا ، فعلى الأوّل يلزم طلب الحاصل لأنّ مردّ ذلك إلى انّ وجوب الواجب النفسي مشروط باتيانه واطاعته وهو مستحيل ، وعلى الثاني يلزم التفكيك بين وجوب المقدمة

٢٨٢

ووجوب ذيّها من حيث الإطلاق والاشتراط وهو غير ممكن على القول بالملازمة بينهما كما هو المفروض (١).

وكل هذه الكلمات مشوشة من جهات ، وتوضيح ذلك :

أوّلاً ـ ما ذكر من انّه على مقالة صاحب الفصول تحرم المقدمة غير الموصلة مطلقاً وتجب الموصلة بلا ترتّب إذا اريد به أنّ الحرمة لا تكون مشروطة بعصيان الواجب النفسي بل فعلية ولكن متعلّقها الحصة غير الموصلة فهذا صحيح ، إلاّ انّ هذا ليس بمعنى عدم الترتب فإنّ هذا التقييد للحرام بالحصة غير الموصلة هو نتيجة الترتب وكون خطاب الحرمة أيضاً مشروطاً بعدم الاشتغال بالأهم أو المساوي ، كما يكون الواجب النفسي أيضاً وجوبه مشروطاً بفعل الحرام إذا كانت الحرمة أهم أو مساوية في الملاك معه ـ كما تقدم ـ وامّا عدم كون الحرمة للحصة غير الموصلة مشروطة بل مطلقة ـ على تقدير أهمية الواجب أو مساواته للحرام ـ فنكتته انّ قيود الحكم دائماً توجب تقيد المتعلّق لذلك الحكم بها أيضاً ، سواءً في ذلك الوجوب أو الحرمة ، غاية الأمر في الوجوب لا يمكن أن يكون الوجوب فعلياً ومطلقاً من جهة ذلك القيد ؛ إذ يلزم وجوب تحصيل قيده عندئذٍ وهو خلف كونه شرطاً للوجوب ، بينما في طرف الحرمة لا مانع من إطلاق الحرمة وكون الحرام الحصة الخاصة أي ارجاع القيد إلى الحرام لا الحرمة ، فليس المقام خارجاً عن الترتب روحاً وحقيقةً ، وإنّما نتيجة التزاحم بين الحرمة والوجوب هذا النحو من التقييد ، وهو تقييد الحرام لا الحرمة بلا حاجة إلى الترتّب.

__________________

(١) محاضرات في اصول الفقه ٢ : ٤٢٤.

٢٨٣

وثانياً ـ بناءً على استحالة التقييد واستحالة الإطلاق وبقاء متعلق الوجوب الغيري مهملاً أيضاً لا نحتاج إلى الترتب بل تكون الحصة غير الموصلة محرمة وذات المقدمة مهملة واجبة بالوجوب الغيري ولا محذور في ذلك ؛ لأنّ اختصاص التحريم بغير الموصلة لم يكن فيه محذور وإنّما المحذور في اختصاص الوجوب بالموصلة كما انّ وجوب المهملة لا تنافي حرمة المقيدة وإنّما يكون التنافي لو كان متعلق الوجوب مطلقاً ؛ فلا فرق بين المسلكين في المقام ، إلاّإذا قيل بأنّ المهملة في قوّة الكلية وهو باطل.

وأمّا بناءً على كلام صاحب الحاشية من انّ الواجب ذات المقدمة لغرض الايصال ومن أجله ، فإذا لم يرجع هذا إلى التقييد في متعلّق الوجوب ولا الاهمال كان حاله حال مبنى صاحب الكفاية كما هو واضح.

وثالثاً ـ ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره من الاشكالات كلّها قابلة للدفع ؛ أمّا اشكال لزوم شرط المتأخر فدفعه بأخذ التعقب شرطاً ـ كما أشار إليه بنفسه أيضاً ـ أو ما عرفت من امكان أن يكون عدم الايصال قيداً في الحرام بدون ترتّب ولا محذور فيه ، وإنّما المحذور في أخذ الايصال قيداً في الواجب الغيري.

وأمّا اشكال صاحب الكفاية على تقدير أخذ الايصال شرطاً متأخراً للجواز فقد عرفت الجواب عليه فيما تقدم من انّه يعقل الأمر بذي المقدمة حتى إذا كان الايصال قيداً وشرطاً للجواز فضلاً عمّا إذا كان قيداً للجائز.

نعم ، قد يرد محذور اجتماع الأمر والنهي على الحصة غير الموصلة إذا كان متعلّق الوجوب الغيري مطلقاً ، ولكنه خلف مبنى الاهمال ، وأمّا ما ذكر في المحاضرات من انّ الوجوب الغيري إذا لم يكن مشروطاً بالايصال لزم اجتماع

٢٨٤

الأمر والنهي في الحصّة غير الموصلة وإن كان مشروطاً به لزم أحد المحذورين المذكورين فغير تامّ :

أوّلاً ـ لأنّه لا وجه لأخذ عصيان الوجوب النفسي شرطاً في الحرمة بنحو الترتّب ، بل يكفي تخصيص الحرمة بالمقدمة غير الموصلة بلا ترتّب مع وجوب المقدمة المهملة التي هي في قوّة الجزئية ، أي وجوب الموصلة منها ، فإنّه لا تنافي بينهما.

وثانياً ـ حتى إذا افترضنا اشتراط الحرمة بنحو الترتب بعصيان الواجب النفسي لم يلزم محذور أيضاً ؛ لأنّ قيود الحرمة قيود للحرام أيضاً ، أي تمنع عن إطلاق الحرام لفاقد القيد ، فلا يكون الحرام أكثر من الحصة غير الموصلة وحرمتها لا تنافي وجوب المقدمة المهملة.

ص ٢٦٠ الهامش.

ما جاء في الهامش الأوّل ليس بصحيح ، وما ذكر فيه إن صحّ فهو من جهة عدم الملازمة بين حرمة شيء وحرمة علته ، كما لا ملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته ، أمّا إذا قبلنا ذلك فلا فرق بين ما هو علّة للحرام النفسي أو الغيري.

وأمّا ما جاء في الهامش الثاني وما بعده من الهوامش المربوطة به فقابل للقبول ، والله الهادي للصواب.

ص ٢٦٣ قوله : ( ولذلك ناقش المحقق الاصفهاني قدس‌سره ... ).

هذا الذي ذكره هذا المحقق قدس‌سره لا يعدو أن يكون مجرد تفسير للمراد من

٢٨٥

الرفع في مصطلح الفلسفة بنحو بحيث يكون الفعل نقيض الترك والوجود نقيض العدم بمعنى رفعه به بالمعنى المفعولي ، ويتمّ عندئذٍ الفرق بين الفعل مع مطلق الترك والفعل مع الترك الخاص فيكون الأوّل نقيضاً ؛ لأنّه مرفوع به دون الثاني حيث انّ الفعل مرفوع بذات الترك دون دخل خصوصية الايصال فيه فيتم كلام صاحب الكفاية.

إلاّ انّه يمكن تقريب المطلب بنحو يخرج عن كونه مجرد تفسير للمصطلح بل يكون نكتة ثبوتية فنية للتفرقة بين الفعل مع مطلق الترك والفعل مع الترك الخاص ـ أي الموصل للازالة ـ وحاصله : انّ المراد بالرفع في قولهم نقيض كل شيء رفعه هو العدم والنفي وعندئذٍ يقال انّ الوجود والفعل نقيضه العدم والترك وامّا الترك والعدم فنقيضه الفعل والوجود لا عدم العدم أو ترك الترك لأنّ العدم لا يضاف إلى العدم بل يضاف إلى الماهية ، وكذلك الترك بالمعنى المقصود في المقام وإلاّ لزم وجود واسطة بين الوجود والعدم في الخارج أو يلزم وجود واجبين قديمين.

نعم ، يعقل تصوير مفهوم ذهني محض للعدم واضافة العدم إليه لكنه مفهوم ذهني لا واقعية له. راجع للتفصيل بحث الضد ، برهان الدور ، ومناقشة الأصفهاني فيه. وعليه فلا معنى لافتراض أن ينقض عدم شيء عدم عدمه أو ترك فعل ترك تركه ، وهذا واضح. فلا محالة يكون نقيض العدم والترك الوجود والفعل.

وأمّا الترك والعدم الخاص فحيث انّه اخذ فيه قيد وخصوصية بحيث يكون الملحوظ المقيد بتلك الخصوصية فلا محالة تكون هذه حيثية وجودية ولو اعتباريّة فيكون اضافة العدم إليه معقولاً فيكون نقيضه عدم الترك الخاص أو العدم الخاص لا الفعل ، وهذا يعني انّ الواجب لو كان مطلق الترك كان الفعل

٢٨٦

نقيضاً له وإذا كان الترك الخاص كان نقيضه عدم الترك الخاص ، وهو ملازم مع الفعل لا نفسه.

نعم ، البيان المذكور في ذيل هذا البحث من انّ المهم ملاحظة ملاك الملازمة واقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضدّه العام وانّ هذا الملاك جارٍ على كلا المبنين مطلب قابل للقبول ، بمعنى أنّ الفعل كما يناقض مطلق الترك كذلك يناقض الترك الخاص أي حصة من الترك بمعنى أنّ النفس البشرية إذا أرادت فعل شيء فلا يمكن أن تريد تركه أيضاً ، بل كأنّ ارادة الفعل يعني ارادة انتقاله من العدم إلى الوجود ، فهو يستبطن الابتعاد عن العدم وبغضه ، وهذا كما هو ثابت بلحاظ مطلق تركه كذلك ثابت بلحاظ حصة من تركه فهو يبغض تلك الحصة من الترك أيضاً ؛ لأنّ فيها عدم محبوبه على كل حال ، وكذلك الأمر حينما يريد الترك الخاص فهو لا يمكن أن يريد الفعل ؛ لأنّه مناقض مع الترك والعدم الذي يريده ولو مع خصوصية فيه ، إلاّ انّ هذا فرع قبول أصل الملازمة ، وسيأتي في مبحث الضد.

ص ٢٦٦ س ٢٠ قوله : ( هذا إذا كانت الدلالة على وجوب المقدمة التزامية لفظية ... ).

بل حتى إذا كانت لفظية فلا تعارض ، لأنّ هذه الدلالة اللفظية بنفس ملاك الملازمة المدعاة عقلاً لا أكثر ، غاية الأمر لبداهتها ووضوحها تكون عرفية أيضاً ، والمفروض انّ نكتتها لا تقتضي أكثر من كون المقدمة مقتضية للوجوب الغيري بحيث تتقيد بالمباحة مع وجود الحرمة لبعض أفرادها. ففرق بين كون الوجوب للجامع مدلولاً مطابقياً للفظ أو التزامياً قائماً على أساس نكتة مع وضوح نكتة الملازمة ، فكما انّ بداهة الملازمة تجعلها عرفية ومنشأ لتشكّل

٢٨٧

دلالة التزامية بيّنة لفظية ، كذلك بداهة نكتتها ، وكون هذه النكتة مقيّدة بما إذا لم تكن المقدمة محرمة ولها أفراد مباحة ، وإلاّ اقتضت وجوب الجامع بين أفرادها المباحة لا الجامع بينها وبين المحرمة تجعل الدلالة الالتزامية اللفظية أيضاً مقيدة بأن لا تكون بعض الأفراد من المقدمة محرّمة فلا تتشكل دلالة التزامية نافية للحرمة ليكون من التعارض ، ولا يقاس بالدلالة المطابقية للأمر النفسي بجامع الصلاة مع النهي عن الغصب. فالتعارض لا يثبت حتى على القول بالدلالة الالتزامية اللفظية ، إلاّإذا قيل باستحالة التقييد بجامع الأفراد المباحة ، أو بظهور دليل الوجوب في التعرّض للوجوب الفعلي لمقدمة الواجب النفسي وتجويز فعلها ضمن أيّة حصة ، وكلاهما بلا موجب ، فلا تتم الثمرة لا في هذا الشق ولا الشق الثالث ، أي لا في شق عدم الانحصار في المحرمة ولا في شق الانحصار فيها ، فتصوير هذه الثمرة بلحاظ وقوع التعارض بين دليل وجوب الواجب النفسي وحرمة المقدمة غير تام على المختار في الشقين معاً.

ثمّ انّ مراد من عبّر عن هذه الثمرة بدخوله على القول بالملازمة في باب الاجتماع ـ كصاحب الكفاية ـ هو تحقق التعارض بناءً على الامتناع ، فإنّ أحد وجوه وقوع التعارض هو القول بالملازمة والقول بالامتناع مطلقاً أو في خصوص المقام لتعلّق الوجوب الغيري بالمعنون ، فلا تغفل.

ومنه يظهر ما في كلمات بعض الأعلام من انّ الثمرة بناءً على الدخول في باب الاجتماع صحّة المقدمة بناءً على الجواز أو عدم الملازمة وبطلانها بناءً على الامتناع ؛ ولهذا لابد من فرض الثمرة في خصوص المقدمة العبادية لا التوصلية لسقوط الغرض المقدمي بها وإن كانت محرمة.

فإنّ هذا التحرير للثمرة غير فنّي فإنّه :

٢٨٨

أوّلاً ـ لا وجه للتخصيص ، بل المقدمة التوصلية أيضاً بناءً على الامتناع تدخل في التعارض ، فلو قيل بتقديم جانب الأمر ارتفعت الحرمة عنها ، وهي ثمرة فقهية كما هو واضح.

وثانياً ـ فساد المقدمة إذا كانت عبادة ، بناءً على حرمتها لا ربط له بالقول بالملازمة ، بل بناءً على عدمها أيضاً تفسد العبادة إذا كان التركيب اتحادياً ؛ لعدم امكان قصد التقرب.

نعم ، مع الجهل بالحرمة يتأتى قصد التقرب ويبقى البطلان من جهة عدم شمول الأمر له مع تعلّق النهي به واقعاً وصحة العبادة واجزائها بحاجة إلى شمول الأمر لها أيضاً.

إلاّ انّ هذه الثمرة أيضاً ترجع إلى مسألة التعارض بين دليل الحرمة ودليل الأمر بذي المقدمة ، فالثمرة لابدّ من تحريرها بلحاظ كبرى التعارض.

ص ٢٦٨ س ١ قوله : ( أو تعلّقهما بالمعنون الواحد ... ).

الصحيح أن يقال : أو تعلّق الوجوب الغيري بالمعنون فإنّه حتى إذا كانت الحرمة حينئذٍ متعلقة بعنوان آخر غير العنوان الواقعي للمقدمة كان من التعارض لا الاجتماع بلحاظ ما سيذكر في جواب ( إن قلت ) أي يلزم التنافي بلحاظ مقدمة المقدمة ، وهو ارادة المقدمة التي هي بضميمة عدم ارادة ذي المقدمة بمثابة العلة التامة لفعل الحرام ، وهو الاجتياز غير الموصل في المثال المعروف ، فيكون واجباً وحراماً ضمنياً وهو محال.

وكذلك الحال بناءً على امكان التخصيص بالموصلة إذا كانت الدلالة على الوجوب الغيري بالدلالة اللفظية.

٢٨٩

والجواب على هذه التفرقة بما في الهامش ، فإنّه صحيح ، فإنّ حرمة المجموع ليس بمعنى طلب تركهما معاً ، بل طلب ترك أحدهما وهو يجتمع مع طلب فعل أحدهما المعيّن كما سيأتي في محلّه.

ص ٢٦٩ الهامش.

ظاهر الحلقة الثالثة انّه إذا أصبح فعل واجب سبباً وعلة تامة لتحقق حرام ، فبناءً على عدم الملازمة وامكان الترتّب يقع التزاحم بين الواجب والحرام كما في سائر الموارد ، وأمّا بناءً على الملازمة فإذا كان الواجب أهم كان وجوبه مطلقاً وفعلياً ، والحرمة مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب ، فإذا لم يشتغل به المكلّف أصبحت الحرمة فعلية أيضاً ، فيلزم اجتماع الوجوب والحرمة في الواجب ، فيقع التعارض بين دليليهما.

وكأنّه إنّما خصّص ظهور الثمرة بفرض أهمية الواجب لأنّه لو كان مساوياً أو الحرام أهم فعدم الاشتغال بالواجب معناه امتثال الحرمة وترك الحرام وهو رافع لموضوع الوجوب ، فلا يلزم الاجتماع.

ويمكن افتراض انّ هناك فعلاً واحداً أو فرد من الحرام له علتان تامتان احداهما الواجب أو افتراض انّ الحرام بنحو صرف الوجود والجامع كما في الافطار العمدي ، فإنّه يتحقق بأوّل الوجود ، والفرد الثاني منه بعد الأوّل لا يكون مفطراً ، فلو كان حفظ شخص أو قوم من الغرق علّة للارتماس المفطّر كان مصداقاً لما ذكر ، بل يمكن افتراض حرمة الجامع بنحو الإطلاق الشمولي الانحلالي أيضاً ، فإنّ حرمة الجامع الشامل للحصة الحاصلة بالواجب مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب الأهم أو المساوي ، وإن كانت حرمة سائر أفراد الحرام

٢٩٠

وحصصه غير مشروطة بذلك ، وأثره حفظ كلا الغرضين وعدم تفويت الواجب لمن يريد ارتكاب الحرام بأن يرتكبه بالواجب ، فما في الهامش من لزوم عدم الانحلالية غير صحيح.

ولكن نلاحظ على هذه الثمرة أنّها غير تامة لا في فرض أهمية الواجب ولا في فرض تساويهما ، وإنّما يتم في فرض أهمية الحرام وإطلاق حرمته ، وتوضيح ذلك :

أمّا في الفرض الأوّل ـ والذي هو المذكور في الحلقة الثالثة ـ فلأنّ الحرمة سوف تكون مشروطة بعدم الاشتغال بالواجب ، وقد ذكرنا انّ قيد الحرمة قيد في الحرام ، وانّه في موارد التزاحم بين الحرام والواجب يتقيّد الحرام بالحصة غير المقرونة مع الاشتغال بالواجب مع بقاء الحرمة على اطلاقها ، وارتفاع الحرمة عن الحصة المقرونة بالواجب الأهم أو المساوي ، وبناءً عليه لا تكون الحصة من الحرام المتحققة بالواجب والمقرونة به محرّمة أصلاً لكي يلزم ـ بناءً على الملازمة ـ سريان الحرمة منها إلى الواجب. وكذلك الحال في فرض التساوي بين الحرام والواجب ـ الفرض الثاني ـ فلا تعارض بين الخطابين حتى بناءً على الملازمة ، فلا تظهر الثمرة في هذين الفرضين.

وأمّا في الفرض الثالث فتظهر فيها الثمرة ؛ لأنّ الحرمة فيه مطلقة وغير مقيدة لا بلحاظ نفسها ولا بلحاظ متعلقها ، أي الحصة المتولدة منه بالواجب أيضاً تكون محرمة فتسري الحرمة ـ بناءً على الملازمة ـ منها إلى الواجب إذا أصبح وجوبه فعلياً بعصيان الحرمة بفعل الحرام بنحو الشرط المتأخر فيلزم بناءً على الملازمة اجتماع الوجوب والحرمة ـ وهذا هو روح ما ذكرناه في الهامش ـ.

٢٩١

لا يقال : بالامكان النهي عن الجامع حتى مطلقاً والأمر بفرد منه بنحو الترتّب مشروطاً بعصيان حرمة الجامع ـ كما يشهد به الوجدان ـ إذ قد يكون مفسدة أهم في الجامع مع وجود مصلحة في أحد فرديه ، فإنّه في مثل ذلك للمولى أن ينهى عن الجامع مطلقاً ويأمر بالفرد مشروطاً لمن يريد ارتكاب الجامع.

وأثره أنّ المكلّف الذي يريد مخالفة النهي على كل حال ولكنه لا يريد مخالفة تكليفين سوف يرتكب الجامع من خلال الفرد الواجب فيحفظ المصلحة الأقل فيه للمولى كما هو في سائر موارد التزاحم.

فإنّه يقال : يلزم من ذلك اجتماع الوجوب والحرمة والحب والبغض في الفرد ؛ لأنّ حرمة الجامع انحلالية فتسري إلى الفرد فيكون مبغوضاً ومحبوباً ومطلوباً فعله وتركه في آن واحد ، وهذا محال حتى إذا قلنا بعدم سريان الوجوب في صورة العكس من الجامع إلى الفرد المبغوض ؛ لكون الواجب بدلياً ـ كما سيأتي في بحث الاجتماع ـ فالامتناع هنا مسلّم عند الجميع ، وما يفعله المولى في مورد الغرضين المذكورين إنّما هو تحريم الجامع وتحريم الفرد الآخر ـ غير الفرد الواجب لولا الحرمة ـ بحرمة اخرى نظير الأمر بالجامع وأمر آخر بحصّة منه لملاك زائد فيها على مصلحة الجامع ؛ لأنّه بحسب الحقيقة توجد مفسدة فعلية ومبغوضية في الجامع ـ ولو بعد الكسر والانكسار مع مصلحة الواجب الأقل ـ ومفسدة أكثر ومبغوضية أشد في الفرد الآخر ، وهذا يقتضي جعل حرمتين كذلك ، وتكون نتيجته نفس النتيجة ، أي من يمتثل تمام تكاليف المولى سوف لا يرتكب الجامع أصلاً ، فلا مخالفة له أصلاً ، ومن يريد ارتكاب الجامع ولكنه لا يريد مخالفة زائدة أي مخالفة تكليفين فسوف يرتكب الجامع من خلال الفرد الواجب ـ لولا النهي ـ فيحصل المولى على أحد غرضيه.

٢٩٢

وإن شئت قلت : لا يحصل على ضررين بل ضرر واحد ، كما في موارد الترتّب ؛ لاستلزام محذور امتناع الاجتماع المسلّم عند الكلّ ؛ لأنّ النهي وحرمة الجامع يسري قطعاً إلى الفرد لكونه انحلالياً ، فلا يمكن أن يجتمع مع الأمر والمحبوبية فيه.

نعم ، لو أنكرنا تقوّم الوجوب والحرمة بالحب والبغض وقلنا انّ روح التكليف من مقولة الفعل الاختياري للمولى ، وهو الارادة التشريعية والتصدّي المولوي لتحميل فعل أو ترك على ذمّة المكلّف ، سواء كان خلفه حب أو بغض أو لم يكن ، وإنّما المهم كون ذلك أفضل بحال المولى وأوفر تحصيلاً لأغراضه ، عندئذٍ يمكن أن يقال بأنّ المولى يمكنه أن ينهى عن الجامع ، أي يأمر بتركه مطلقاً ، ولكن على تقدير ارادة المكلّف للمخالفة وارتكاب الجامع يأمره في طول فرض عزمه على المخالفة على أن يأتي بالفرد الواجب ، فإنّ الوجدان قاضٍ بامكان الجمع بين هذين الجعلين والتصدّيين للمولى ، وليس من قبيل : أن يأمر وينهى عن فعل واحد في زمن واحد ، بل أمره في طول فرض مخالفة المكلّف لنهي المولى بنحو الشرط المتأخر وبنائه على المخالفة وجداناً ، فكأنّه يقول : إذا أردت المخالفة للجامع فخالفه من خلال هذا الطريق ، وهذا لا استحالة فيه.

إلاّ انّ هذا خلاف مباني المشهور ، بل لازمه انكار الملازمة ، فإنّه سوف يأتي انّ مدّعيها إنّما يدّعيها بلحاظ مبادئ الحكم من الحب والبغض لا بلحاظ الارادة التشريعية التي هي فعل اختياري للمولى ، فهذه الثمرة بناءً على الملازمة تامة ولكن في فرض أهمية الحرام لا أهمّية الواجب أو مساواته للحرام ـ كما هو مذكور في الهامش ـ.

ويلحق بنفس المثال ما إذا فرض وقوع واجب علّةً لترك واجب آخر أهم منه

٢٩٣

بناءً على انّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه العام ، كما إذا كان قد نذر الاغتسال ليلة شهر رمضان وكان اغتساله علّة لمرضه وتركه للصوم في نهار شهر رمضان ، فإنّه لا فرق بين كون الحرام المسبب عن الواجب نفسياً أو غيرياً في جميع ما ذكرناه.

فإذا كان واجب علة تامة لترك واجب آخر أهم فعندئذٍ بناءً على عدم الملازمة يكون من باب التزاحم بمعنى انّه يمكن أن يكون الواجب العلّة للحرام مأموراً به أيضاً بنحو الترتب على تركه للواجب الأهم فهو من التزاحم بلا تعارض في البين وامّا على القول بالملازمة فسوف يحرم ترك الواجب الأهم وتسري الحرمة من ترك الواجب الأهم إلى فعل الواجب العلة للترك فلا يمكن الأمر به حتى بنحو الترتب فيقع التعارض بين الجعلين.

وامّا إذا كان الواجب العلة هو الأهم أو المساوي مع الآخر فحرمة ترك الواجب الآخر تكون مشروطة بترك الأهم أو المساوي ، ومعه لا تسري الحرمة منه إلى فعل الأهم لأنّها مشروطة بتركه فيكون من قبيل شرائط الوجوب التي لا تسري اليها الوجوب الغيري ففي المقام ترك الأهم أو المساوي شرط في حرمة ترك المهم فلا يمكن أن يكون مطلوباً بها حتى على الملازمة كما لا يخفى.

وهذه الثمرة سواءً بالصيغة التي ذكرها الاستاذ قدس‌سره في الحلقة الثالثة أو بالنحو الذي ذكرناه نفس الثمرة التي ذكرها صاحب الكفاية بين القولين في وجوب المقدمة والتي ذكرنا هناك انّه لا فرق بين القولين في ذلك ؛ لأنّه إذا توقف كل من الضدين على عدم الآخر كان وجود كل ضد علّة تامة لعدم الآخر ، فبناءً على حرمة الضدّ العام تسري الحرمة إلى الضدّ العبادي فيفسد ، بل ويقع تعارض بين دليل الواجبين بناءً على الملازمة ، بلا فرق بين القولين.

٢٩٤

فهذه الثمرة نفس تلك الفرضية بعد تعديلها بافتراض وقوع واجب حقيقةً علّة تامة لحرام نفسي أو غيري هو ترك واجب آخر.

ص ٢٨٣ الهامش.

إجمالاً يمكن أن يقال : الوجدان شاهد على عدم وجوب المقدمة حتى بمعنى الحب والشوق ، ويشهد له ما ذكر في الهامش.

والظاهر انّ السبب في هذا الالتباس إنّما هو الخلط بين الارادة والحب والشوق ، فإنّ ما هو وجداني انّ الإنسان إذا أراد شيئاً وتوقف على مقدمة وعلم بها فسوف يريدها أيضاً للوصول إلى المطلوب النفسي ، إلاّ انّ الارادة ليست حباً وشوقاً مؤكداً كما قيل ، بل عبارة اخرى عن اعمال القدرة كما تقدم في بحث الطلب والارادة ، وفي الارادة التشريعية والتكاليف الارادة المولوية ليست إلاّ الطلب وهو ما يتصدى لتحصيله من العبد ودفعه إليه بقانون العبودية سواء بصيغة انشائية أو اخبارية ، وسواء كان وراءه حب وشوق في نفس المولى تجاه ذلك الفعل أم لا ، فإنّ هذا كلّه أجنبي عن حقيقة الحكم وروحه والطلب بهذا المعنى لا ملازمة بين تحققه تجاه فعل وتحققه تجاه مقدماته كما هو واضح.

وامّا وقوع التعارض ولو في المولى العرفي بين خطاب الأمر بذي المقدمة أو تحريم المقدمة بلحاظ المبادىء بناءً على الملازمة فجوابه ما في الهامش من وجدانية التزاحم بينهما كالضدين ، كما إذا فرض توقف واجب أهم على ترك واجب مهم ، وهذا يكشف امّا عن عدم الملازمة حتى في عالم الحب والشوق أو عدم كون الحب والشوق قوام الحكم وروحه بحيث يمكن للمولى أن يأمر بما هو مبغوض لديه لملاك ومصلحة ، وكلاهما صحيح.

٢٩٥

مبحث الضد

ص ٢٩٣ قوله : ( الضد الخاص ... ).

كان الأولى تقديم البحث عن الضد العام أوّلاً ـ كما فعله السيد الخوئي في الدراسات ـ لابتناء أدلّة اقتضاء الأمر بشيء للنهي عن ضده الخاص على ثبوت ذلك بالنسبة للضد العام في المرتبة السابقة.

والمراد من الضد مطلق ما لا يجتمع مع المأمور به ويمانع ، سواء كان بنحو التناقض والتقابل بالسلب والايجاب أو لا ، وسواء كان مصداقاً للتعريف الفلسفي أو المنطقي للضد أو لا ، فالفعلان أو التركان أو الفعل والترك اللذان لا يجتمعان في زمان واحد داخل في هذا البحث الاصولي وإن لم يكن التقابل بينهما بحسب مصطلح علم آخر تقابل التضاد.

وهذا البحث من أهم أبحاث الاستلزامات العقلية ـ غير المستقلات ـ من مسائل علم الاصول والتي يترتب عليها استنباط الحكم الشرعي بالتعارض أو التزاحم بين الأدلّة على ما سيأتي مفصلاً ، بل هذا البحث منشأ فتح باب التزاحم في علم الاصول ، وفرقه عن باب التعارض وأحكامه وقوانينه والتي لها آثار مهمّة في استنباط الأحكام الفقهية ، فالمسألة من امّهات المسائل الاصولية.

ومنه يظهر ضعف ما ذكره المحقّق العراقي قدس‌سره على ما في تقريرات بحثه من

٢٩٦

أنّه يمكن أن تكون مسألة الضد من المبادئ الاحكامية لعلم الاصول الراجعة إلى البحث عن لوازم وجوب الشيء ، وأنّه هل من لوازمه حرمة ضدّه أم لا ، فإنّه بعد الفراغ عن دلالة الصيغة على الوجوب اقتضت المناسبة البحث عن لوازمه بأنّه هل من لوازم وجوب الشيء هو حرمة ضدّه أم لا؟ أو وجوب مقدّمته أم لا كما تقدّم.

وأمّا احتمال كونها من المسائل الفرعية نظير ما قيل في مقدمة الواجب فبعيد جدّاً (١).

وجه الضعف ظاهر ، فإنّ ميزان المسألة الاصولية وضابطتها وقوع المسألة في طريق استنباط الحكم الشرعي في الشبهة الحكمية ، وقد ذكرنا مراراً أنّ الانتهاء إلى التعارض بين الأدلّة وعدمه من أهم موارد الانتهاء إلى استنباط الجعل الشرعي في الشبهات الحكمية ، ناهيك عن أبحاث باب التزاحم ومرجحاته وأحكامه المهمّة في الفقه ، المستنبطة من مبحث الضد.

وأمّا توهم كون المسألة فرعية فواضح البطلان ؛ إذ ليست الملازمة حكماً شرعياً ، وكأنّ هذه التعابير من رواسب المنهج القديم ، المنسوخ لطرح هذه المسائل الاصولية.

كما أنّ السبب في ادراج البحث عن الاستلزامات العقلية ضمن مباحث الألفاظ من علم الاصول عاملان عامل تاريخي وعامل فنّي.

أمّا العامل التاريخي فلأنّ البحث عن هذه الاستلزامات لم يكن منقّحاً تاريخياً

__________________

(١) نهاية الأفكار ١ ـ ٢ : ٣٥٩.

٢٩٧

كما هو اليوم ، وإنّما كانت تبحث بشكل آخر ، وهو البحث عن دلالة الأمر بشيء على وجوب مقدمته أو حرمة ضدّه بالدلالة الالتزامية ، فكأنّ البحث عن دلالة لفظية التزامية للأمر ، ولهذا كان يبحث عنه ضمن دلالات الأمر ومباحث الألفاظ.

إلاّ انّ هذا النحو من البحث الاصولي بالتدريج قد نسخ وصار البحث عن كبرى الملازمة الثبوتية بين وجوب شيء ووجوب مقدمته أو حرمة ضده أو إمتناع وجوب شيء مع حرمته ولو بعنوان آخر وهكذا ، سواء كان الدال على الحكم لفظاً أم لا ، ولكن بقي البحث في محلّه من مباحث الألفاظ وهذا هو العامل التاريخي.

وأمّا العامل الفنّي فلأنّ قواعد الاستلزامات العقلية ليست مستقلة ، أي تحتاج دائماً إلى ضمّها إلى دليل على الحكم الملزوم لكي يثبت بها حكم شرعي آخر أو ينتفي ، وهذا إنّما يظهر أثره ويتحقق في الأدلّة اللفظية ، حيث يوجب ضمّها اليها تحقق دلالة التزامية معارضة أو مزاحمة مع دليل حكم آخر.

وأمّا الأدلّة القطعية فلا يعقل التعارض فيما بين دليلين قطعيين وإنّما لا يوجدان ، كما أنّ الاصول العملية لا تكون لوازمها حجة ؛ ولهذا كان المناسب أن يبحث عن بحث الاستلزامات ضمن مباحث الألفاظ من علم الاصول ؛ لكون آثارها وثمراتها المهمة المفيدة في الفقه ، إنّما تظهر في الأدلّة اللفظية عادة.

ص ٢٩٣ قوله : ( وهناك مسلكان لاثبات حرمة الضدّ الخاص ... ).

قد طبق كل من المسلكين بنحوين ، أي تارة من ناحية نفس المأمور به ـ وهو إزالة النجاسة عن المسجد مثلاً ـ حيث انّه متوقف أو ملازم بنحو مساوي أو

٢٩٨

أخصّ مع عدم ضدّه ، واخرى من ناحية نقيض المأمور به وكونه ملازماً أو معلولاً لفعل الضد مع اشكال في تطبيق مسلك الملازمة بالتطبيق الثاني ، حيث قد لا يكون عدم المأمور به ملازماً مع فعل الضد إذا كان يوجد ضد ثالث ، والاجابة عليه بأجوبة عديدة ـ كما هو مذكور في الكتاب ـ.

وظاهر السيد الشهيد ابتناء كلا المسلكين وفي كلا التطبيقين على القول بحرمة الضد العام للمأمور به ـ ولو على مستوى مبادئ الحكم من الحب والبغض والإرادة والكراهة ـ.

ولنا هنا كلمات :

الأوّل : عدم الحاجة إلى مبنى حرمة الضد العام للمأمور به على كلا المسلكين. أمّا على مسلك الملازمة فلأنّ كلاًّ من الضدّين مستلزم ـ بنحو مساوي أو أخص ـ لعدم ضدّه الآخر ، وهذا يكفي لسريان الوجوب بناءً على الملازمة من كل منهما إلى عدم الآخر ومن الطرفين فيقع التنافي بينهما ، وهو من طلب النقيضين في الطرفين وهو محال ذاتاً ، أي لا ينفع فيه الترتب ، فيقع التنافي والتعارض بين الأمرين وهو المطلوب من حرمة الضد. وقد صرّح السيد الشهيد قدس‌سره بهذه النكتة في الحلقة الثالثة.

نعم ، في فرض الترتّب من الجانبين سوف يكون عدم كل منهما شرطاً في وجوب الآخر ، والوجوب إنّما يمكن أن يسري من أحد المتلازمين إلى ملازمه الآخر فيما إذا لم يكن شرطاً في ايجابه ، فإذا كان عدم الضد شرطاً في ايجاب الضد الآخر لم يسر الوجوب منه إلى عدم الضد الآخر حتى إذا قبلنا مسلك السراية فلا يلزم طلب النقيضين.

٢٩٩

إلاّ انّ هذا الإشكال مشترك الورود في الترتّب من الجانبين ، حتى إذا قلنا بحرمة الضد العام للواجب ، وحتى على مسلك المقدمية ؛ لأنّ مقدمة الواجب سوف تنقلب إلى مقدمة الوجوب ، كما أنّ فعل المانع سوف لا يكون علّة للحرام بل رافعاً للحرمة ، وسوف نورد هذا الإشكال في بحث الثمرة.

وأمّا على مسلك المقدمية فأيضاً لا نحتاج في التطبيق الأوّل له إلى حرمة الضد العام للواجب ؛ لأنّ عدم الصلاة إذا صار واجباً بالوجوب الغيري امتنع الأمر بالصلاة حتى بنحو الترتّب ولو لم تكن محرّمة ؛ لأنّه من طلب النقيضين وهو محال ، كاجتماع الأمر والنهي ـ على ما سنشرحه في بحث الضد العام ـ.

نعم ، التطبيق الثاني نحتاج فيه إلى حرمة الضد العام للمأمور به ؛ لأنّ الملحوظ فيه كون الصلاة علةً تامة لنقيض الإزالة المحرّم ، فلولا القول بحرمته بناءً على حرمة الضد العام لا يلزم محذور ؛ إذ الوجوب لا يسري من العلّة إلى المعلول ، وإنّما بالعكس ، فلا يلزم طلب النقيضين في طرف الإزالة ، كما كان في التطبيق الأوّل في طرف الصلاة ، وهذا واضح.

الثاني : انّنا حتى إذا قبلنا مقدمية عدم الضد لفعل الضد مع ذلك لا يتم التطبيق الأوّل لمسلك المقدمية ؛ لأنّ عدم الصلاة بناءً على المقدمية إنّما تجب الحصة الموصلة منه ، وهو عدم الصلاة المقرون مع إرادة الإزالة لا مطلق عدم الصلاة ، ولا مانع من وجوب عدم الصلاة المقرون مع إرادة الإزالة ووجوب الصلاة ؛ لأنّهما ليسا نقيضين بل ضدّان ، بل لو قيل بحرمة الضد العام أيضاً لا محذور من ذلك ، وما تقدّم في بحث المقدمة من انّ مجرد كون التقابل بينهما بالسلب والايجاب يكفي في استلزام البغض ممنوع ، كيف وأصل الاستلزام المذكور غير واقعي ، فلو فرض قبوله فهو مخصوص بموارد تعلّق المحبوبية بالنقيض مطلقاً

٣٠٠