أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

وامّا الشقّ الثالث فهو ملحق بالشق الأوّل ؛ لعدم احراز الملاك التعيني في الحصة الاختيارية ، فيكون التكليف خطاباً وملاكاً دائراً بين التعيين والتخيير.

وبهذا يظهر أنّه إذا أحرزنا عدم الاجزاء بملاك الوفاء بتمام الغرض من الواجب الاختياري كما لعلّه يستظهر مما ثبت في الفقه في الصلاة من عدم جواز إلقاء النفس في الاضطرار بسوء الاختيار وانّه يعاقب على تفويته للاختياري وإن كان مكلفاً بالاضطراري على كل حال فدار الأمر بين عدم الاجزاء أو الاجزاء بملاك التفويت فقط مع عدم رضا المولى به كان مقتضى الأصل العملي عدم الاجزاء أيضاً ، للعلم بوجوب الاختياري عليه تعييناً ، فيكون منجزاً عليه وإن كان فعل الاضطراري عليه أيضاً جائزاً في حقه كما تقدم ، أو لاستصحاب بقاء الوجوب التعيني بعد رفع الاضطرار ؛ لأنّه كان ثابتاً عليه في أوّل الوقت ، وإنّما يحتمل سقوطه بالاضطراري من أجل التفويت ، فهذا أيضاً وجه آخر لعدم الاجزاء ووجوب الاعادة في مثل هذه الموارد.

ص ١٥٣ قوله : ( الاعتراض الثاني ... ).

ويرد على الاستصحاب التعليقي المذكور أيضاً أنّه قضية تعليقية ليست هي المجعولة ، بل منتزعة بالملازمة عقلاً من خطاب وجوب الاختياري على المختار الذي لم يأت قبله بالفعل الاضطراري في حال الاضطرار.

وإن شئت قلت : انّه قضية تعليقية محققة للموضوع وليست حكمية ، فإنّ الاضطرار لو كان مرفوعاً قبل الفعل الاضطراري كان محققاً لموضوع من يجب عليه الاختياري تعينياً ـ مع قطع النظر عن الجواب الآخر الموجود في الكتاب ـ

٢٢١

أي كان محققاً لعنوان المختار الذي لم يأت بالاضطراري ، ومثل هذه القضايا التعليقية كالقضايا التعليقية في الموضوعات لا تكون جارية حتى عند من يقول بجريان الاستصحاب التعليقي.

ص ١٥٤ قوله : ( أمّا البحث في النقطة الاولى ... ).

إذا كان القضاء بالأمر الأوّل من باب تعدد المطلوب فلا إشكال في وجوب القضاء لاطلاق الأمر الأوّل المتعلّق بذات الفعل الاختياري ما لم نستفد من دليل الأمر الاضطراري داخل الوقت سقوط القضاء أو تعلّق الأمر الأوّل بالجامع بين الاختياري والاضطراري وتعلّق الأمر الثاني بايقاع متعلّق الأمر الأوّل في الوقت بنحو تعدد المطلوب.

وإذا كان القضاء بأمر جديد فإن كان موضوعه فوت الفريضة الفعلية على المكلّف في الوقت فلا فوت ، وإن كان موضوعه فوت الفريضة الأولية الواقعية فإن استفيد من دليل الأمر الاضطراري في الوقت انّ التكليف الأولي بالجامع بين الفريضتين ـ ولو في حق غير من أوقع نفسه في الاضطرار ـ فأيضاً لا فوت ، وإلاّ فإن كان الأمر بالأختياري فعلياً في الوقت خطاباً أو ملاكاً ، كما في حقّ من أوقع نفسه في الاضطرار عمداً صدق الفوت بالنسبة إليه في القضاء ، ما لم نستفد من الأمر الاضطراري الاجزاء وإن لم يكن فعلياً كالمستوعب عذره بلا سوء اختيار فأيضاً لا يصدق الفوت بالنسبة للخطاب ؛ لأنّ صدقه فرع فعلية الخطاب ، ومع العذر لا فعلية له ، فلا يصدق الفوت ، فلا يجب القضاء.

لا يقال : على هذا لا يجب القضاء لذوي الأعذار حتى إذا تركوا الوظيفة الاضطرارية في الوقت ، وهو كما ترى.

٢٢٢

فإنّه يقال : يمكن أن يكون الموضوع فوت أحدهما ، أي فوت ما كان مكلفاً به في الوقت ، وذوي العذر لو ترك الاضطراري أيضاً صدق في حقّه فوت ما كان مكلّفاً به في الوقت.

ثمّ انّ كلا هذين الاحتمالين مرجعهما إلى فرض واحد ـ كما في الكتاب ـ وهو انّ الموضوع هو الفوت أو ترك التكليف الذي يكون فعلياً في الوقت ، وهذا الفرض يلزم منه عدم وجوب القضاء على ذوي العذر عن أصل الصلاة كالنائم أو المغمى عليه أو الناسي في تمام الوقت أو فاقد الطهورين بناءً على سقوط الصلاة عنه ، مع انّه لا إشكال في وجوب القضاء فيها أيضاً ، ومن هنا قالوا : انّ الموضوع فوت أو ترك ما هو الفريضة ، بقطع النظر عن الأعذار الطارئة. إلاّ انّ هذا لازمه وجوب القضاء على المضطر الممتثل للأمر الاضطراري في الوقت كما في الكتاب.

نعم ، لو كان الموضوع فوت أو ترك الغرض فمع احتمال تحققه بالاضطراري لا يمكن التمسك بدليل الأمر بالقضاء ؛ لكونه شبهة مصداقية.

ويمكن فرض آخر : وهو أن يكون موضوع القضاء فوت ما هو الفريضة مع قطع النظر عن الأعذار بتمام مراتبه وأركانه ، فإذا كانت أركان الفريضة واجبة وأتى بها المكلّف كما في الوظيفة الاضطرارية فليس هذا فوتاً ولا تركاً للفريضة.

وأمّا فوت الملاك اللزومي فإن أحرزنا مع سقوط الخطاب الاختياري وجود ملاك لزومي فيه ، لا في الجامع بينه وبين الفعل الاضطراري ( وهذا يعني عدم وفاء الاضطراري بتمام الملاك ) وقلنا بكفاية فوت بعض الملاك في وجوب

٢٢٣

القضاء ثبت الفوت ووجوب القضاء أيضاً ، وإن لم نحرز وجود ملاك لزومي في الاختياري خاصة ، وإنّما احتملنا ذلك واحتملنا وفاء الاضطراري به والذي يعني وجود الملاك في الجامع بينهما ، فكما لا يحرز الفوت فلا يمكن التمسك بدليل القضاء ؛ لكونه شبهة مصداقية له ، كذلك لا يمكن أن يحرز عدم الاتيان به وتركه بالاستصحاب حتى إذا كان الموضوع للقضاء الترك وعدم الاتيان لا الفوت ؛ لأنّه لا يحرز وجود ملاك لزومي في الاختياري خاصة لكي يستصحب عدم الاتيان به ، فما في الكتاب من جريان هذا الاستصحاب غير تام.

لا يقال : إذا أحرزنا انّ القدرة ليست شرطاً للاتصاف ـ كما هو المفروض ـ فالغرض اللزومي في الفعل الاختياري الساقط خطابه بالعجز وعدم القدرة عليه ثابت على كل حال أوّلاً ويشك في تحققه بتمامه بالفعل الاضطراري وعدمه فيستصحب عدم تحققه ، كما كان قبل الاتيان بالفعل الاضطراري ، فينقح موضوع وجوب القضاء.

فإنّه يقال : هذا لا يكفي في المقام أيضاً لأنّنا نحتمل بحسب الفرض وفاء الفعل الاضطراري بتمام الغرض ، ونحتمل عدم وفائه إلاّببعض الغرض ، وهذا يعني أنّنا نعلم بوجود غرض في الجامع وقد تحقّق ، ونشك في وجود غرض زائد في الحصة الاختيارية من أوّل الأمر ، وهذا يكون من استصحاب الكلي من القسم الثالث إذا اريد استصحاب بقاء الجامع وكلّي الغرض الذي يكون في الاختياري ؛ لأنّ واقعه مردّد بين ما هو مقطوع التحقق ومقطوع الارتفاع وبين ما هو مشكوك الحدوث.

٢٢٤

ص ١٥٤ قوله : ( وامّا البحث في النقطة الثانية ... ).

وجه أوضحية الاجزاء بلحاظ القضاء إذا قلنا به بلحاظ الاعادة فلعدم احتمال كون المصلحة المتبقية في الفعل الاختياري غير قابل للتدارك في داخل الوقت مع امكان تداركه في خارجه كما انّ احتمال الفرق بين الفعل الاضطراري من مكلّف عذره مستوعب عمّن عذره غير مستوعب غير موجود أيضاً ، فإذا استفيد الاجزاء في الثاني بلحاظ الاعادة كان لازمه الاجزاء بلحاظ القضاء أيضاً حتى بالنسبة لمن عذره مستوعب فضلاً عن غير المستوعب.

ثمّ انّ الوجه الذي أضفناه في الاجزاء بلحاظ الاعادة يجري هنا حتى إذا لم يتم في المسألة السابقة وهو انّه لو استفيد من دليل الفعل الاضطراري تحقق القيد اللازم في الواجب بالعمل الاضطراري كالتيمم وحصول الطهور به حال الاضطرار أو استفيد سقوط الشرطية لا الأمر بالمشروط فهذا يتم في المقام ويثبت الاجزاء عن القضاء لعدم فوت الواجب الواقعي بل تحققه منه حقيقة بعدما كان قيد الواجب هو الجامع بين الوظيفتين ولا يقع تعارض بين دليلي تحقق القيد ـ كالطهور ـ بالنحو الذي كان في المسألة السابقة ؛ لأنّ المفروض استيعاب العذر هنا وشمول دليل الوظيفة الاضطرارية داخل الوقت دون الاختيارية جزماً ، وهذا واضح.

وكان ينبغي ذكر هذا الوجه في المسألتين.

اللهم إلاّأن يكون مقصود السيد الشهيد قدس‌سره من التقريب الثاني وهو إطلاق البدلية ما يعم هذا الوجه فإنّ البدلية تارة تكون بلحاظ أصل الواجب الاختياري والاضطراري واخرى بلحاظ الشرط والقيد ، فتدبر جيداً.

٢٢٥

ثمّ انّ الإطلاق المقالي هنا لعلّه أوضع منه في الاجزاء بلحاظ الاعادة ؛ لأنّ المكلّف المضطر داخل الوقت سوف يرتفع اضطراره في خارج الوقت عادةً ، فلو كان يجب عليه القضاء ولا يلتفت إليه عرفاً كان ينبغي على الإمام أن يذكره ، فسكوته عنه مع انّه تكليف تابع للأداء ومتمم له حتى إذا كان بأمر جديد يوجب انعقاد الإطلاق المقامي على نفيه ، وهذا بخلاف المضطر في أوّل الوقت والذي قد يرتفع عذره في الأثناء.

ثمّ انّ دليل الأمر الاضطراري للمستوعب عذره كالأخص بالنسبة لدليل القضاء ؛ لأنّه المتيقن من الأوامر الاضطرارية ، فهذا الوجه هنا أيضاً أوضح منه هناك ، كما أنّ الوجه الذي ذكره الميرزا قدس‌سره ( الوجه الاستلزامي ) يمكن تقريره بشكل آخر فني وهو انّ دليل الأمر بالبدل أو دليل نفي العسر والحرج والعذر مدلوله تقييد جزئية أو شرطية القيد المتعذر في فرض استيعاب العذر ، فيدل ولو بضم دليل الأمر بأصل المركب على انّ الفريضة في حقه هو الفعلي الاضطراري فيكون وارداً ورافعاً لموضوع دليل القضاء حتى إذا كان بالأمر الأوّل ، فتدبّر جيداً.

ص ١٦٠ قوله : ( وفيه أوّلاً ... ).

الورود في المقام معناه جعل الطهارة الواقعية لمشكوك الطهارة والنجاسة ـ كما احتمله صاحب الحدائق ـ إذ ليست الطهارة إلاّأمراً اعتبارياً محضاً كالملكية والزوجية ، فلو اعتبرت في مورد حقيقة بحيث تحقق مصداقه وجداناً ـ الذي هو الورود ـ كان معناه تخصيص دليل النجاسة الواقعية ، فلا يقاس بجعل العلمية والطريقية بنحو الحكومة الميرزائية التي هي نوع من الورود ، فإنّ فيه توسعة لمفهوم العلم لا لواقعه.

٢٢٦

ولعلّ هذا هو نكتة عدم قبول الميرزا قدس‌سره في المقام ذاك النحو من الحكومة والتي قبلها في باب الطرق والأمارات لتصحيح قيامها مقام القطع الطريقي والموضوعي معاً ، فتدبر جيداً.

وبهذا يندفع جواب السيد الشهيد على الاشكال الثاني للميرزا والسيد الخوئي قدس‌سره ، فراجع وتأمل.

ص ١٦٠ قوله : ( وثانياً : ... ).

الموجود في الهامش يغير إلى ما يلي :

حيث انّ حقيقة الحكم الظاهري انّه حكم مجعول بملاك التزاحم الحفظي بين الأحكام الالزامية الترخيصية المشتبهة وهذا لا يكون إلاّفي الأحكام والآثار المترتبة لا نفس الطهارة والنجاسة كحكم وضعي ، والجعل الظاهري فيه يكون استطراقاً بلحاظ آثاره التكليفية فلا محالة يتعيّن في دليل التنزيل بأي لسان كان أن يلحظ فيه تلك الآثار التكليفية المترتبة على الحكم الوضعي المنزل عليه محفوظة واقعاً ومتزاحمة تزاحماً حفظياً إذا كان يراد الجعل الظاهري في مورده ، وهذا نظر مناقض لا يجتمع مع فرض ارادة التوسعة الواقعية لآثار المنزل عليه.

فالحاصل : التهافت في كيفية لحاظ الأثر التكليفي المترتب على الطهارة بين فرض ارادة التوسعة الواقعية وفرض ارادة التوسعة والحكومة الظاهرية لا ينبغي انكاره ، فلا يمكن الجمع بينهما معاً في خطاب واحد.

لا يقال : هذا إنّما يلزم إذا اريد الجمع بين اللحاظين في أثر تكليفي واحد كالشرطية مثلاً ، فلا يمكن اعمال التوسعتين فيها للتهافت بينهما ، وامّا مع فرض

٢٢٧

تعدد الآثار وكون بعضها وهو المترتب على الطهارة كالشرطية ملحوظاً فيه التوسعة الواقعية وبعضها الآخر وهو المترتب على النجاسة كالمانعية وانتفائها في مورد الطهارة يكون ملحوظاً فيه التوسعة الظاهرية فلا يلزم اجتماع لحاظين متهافتين في حكم واحد.

فإنّه يقال : المفروض انّ كل أثر يكون مترتباً على الطهارة يراد ترتيبها وتوسعتها واقعاً في مورد مشكوك الطهارة وهذا لازمه كون القاعدة حكماً واقعياً صرفاً ، فلا موضوع ولا ملاك لاستفادة طهارة ظاهرية منها ليقال بأنّه بالملازمة يفهم انتفاء النجاسة أيضاً للتلازم بينهما حتى في مرحلة الظاهر ، فإنّ هذا التلازم فرع كون التوسعة بلحاظ أحكام الطهارة ظاهرية لا واقعية ، وأمّا إذا كانت واقعية امّا بجعل الطهارة الواقعية أو تنزيل مشكوك الطهارة والنجاسة منزلة الطاهر الواقعي في آثار الطهارة أي الشرطية ، فالأوّل يلزم منه انتفاء النجاسة الواقعية ويكون مفاد القاعدة ما اختاره صاحب الحدائق ، وهو خلف المفروض ، والثاني لو فرض انّ له لازماً فلازمه نفي آثار النجاسة الواقعية واقعاً ، كما في مورد المنزَّل عليه ، وهو الطاهر الواقعي ، فلا معنى حينئذٍ لاستفادة الحكم الظاهري من القاعدة إلاّبلحاظ الحكم الوضعي ، وهو غير معقول.

والحاصل : إذا كان الملحوظ في جعل الطهارة على مشكوك النجاسة والطهارة خصوص الآثار المترتبة على الطهارة وتوسعتها واقعاً فلا يستفاد من دليل القاعدة إلاّحكماً واقعياً واحداً حقيقته توسعة الشرطية لا الطهارة الظاهرية ، وإذا كان الملحوظ ترتيب تلك الآثار المترتبة عليها بل وعلى انتفاء النجاسة في موردها ظاهراً فهذا لا يجتمع مع فرض ارادة التوسعة الواقعية ؛ للتهافت بينهما ، وإن كان الملحوظ ترتيب آثار الطهارة الواقعيّة واقعاً ونفي آثار

٢٢٨

النجاسة الواقعية ظاهراً من باب الملازمة ، فهذا أيضاً غير صحيح ؛ لعدم وجه لهذه الملازمة

ص ١٦٢ الهامش.

ما ذكر فيه لا يكون صحيحاً على ضوء ما ذكرناه من انّ الورود غير معقول في المقام إلاّبتخصيص النجاسة الواقعية بموارد العلم بها ، ففرضية الورود خارجة عن المفروض أساساً ؛ ولعلّه لهذا لم يذكرها السيد الشهيد في جوابه وإنّما ذكر أنّه امّا أن نستفيد من دليل القاعدة الطهارة الواقعية وتخصيص النجاسة الواقعية بصورة العلم بها فهذا خارج عن موضوع بحث الاجزاء حينئذٍ تخصّصاً ، أو نستفيد منه الطهارة الظاهرية والذي يعني تنزيل المشكوك منزلة المعلوم ، وهذا إذا كانت توسعة واقعية كتنزيل الطواف منزلة الصلاة فهو مضافاً إلى كونه خلاف الظاهر في أمثال المقام ـ كما في الكتاب ـ فلا يمكن أن يستفاد منها طهارة ظاهرية لا بلحاظ آثار الطهارة الواقعية لأنّ المفروض التوسعة الواقعية بلحاظها ولا بلحاظ نفي آثار النجاسة ؛ لعدم دالّ على ذلك لا مطابقة ولا التزاماً ـ كما أشرنا ـ وإن كانت توسعة ظاهرية ـ كما هو الظاهر ـ لم يثبت الاجزاء.

ص ١٦٤ قوله : ( وفيه : انّ المصلحة السلوكية ... ).

المقصود انّ الأمر الأدائي وإن كان مباناً مع الأمر القضائي وكان مخصوصاً بداخل الوقت والذي سلوك الامارة أدّى إلى تفويته ـ خصوصاً إذا كانت سنخ مصلحة مغايرة مع ما يحققه القضاء خارج الوقت ـ إلاّ انّه مع ذلك يكون إطلاق دليل القضاء دالاًّ على فعلية الأمر على القضاء في حقه ؛ لأنّ موضوعه من فاته الفريضة الواقعية ، وهذا محفوظ وصادق على المكلّف الذي سلك الامارة داخل

٢٢٩

الوقت ؛ لأنّ فريضته لم يكن بالجامع بل بخصوص العمل الواقعي الذي لم يأت به وقد فاته وعندئذٍ يكون مقتضى التمسك بهذا الإطلاق انّ ما انجبر من المصلحة الفائتة ليس بأكثر من مصلحة الوقت وامّا مصلحة أصل الفعل فتنجبر بالقضاء سواءً كان من سنخها أم من غير سنخها ، أي استيفائية ـ فتكون روحاً وملاكاً من قبيل ما إذا كان القضاء بالأمر الأوّل ـ أو تداركية فإنّ المقيد اللبي لا يقتضي أكثر من هذا المقدار كما هو واضح.

وإن شئت قلت : انّ قبح التفويت لا يقتضي أكثر من وجود مصلحة سلوكية بالمقدار الذي تفوت من الملاكات الواقعية التي لا يمكن تحصيلها بوجه أصلاً ، وهي في المقام بمقدار مصلحة الوقت فقط لا المصلحة الموجودة في العمل الواقعي ، فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق الأمر الواقعي الأدائي في الوقت ، فتثبت فعليته في الوقت إن كان المكلّف معذوراً في تركه ومحصّلاً لمقدار من المصلحة فيه بالسلوك وهو مصلحة الوقت فقط ، مع احتمال بقاء مصلحة الفعل ولو بالمقدار الذي ينجبر بالقضاء عند فوته في الوقت ، وهذا لا يستلزم سقوط الأمر الأدائي والتصويب ، أي الأمر بالجامع بين الواقع والظاهر ، بل يكون الأمر بالعكس ، فإنّ احتمال ذلك موجب لصحة التمسك باطلاق الأمر الأدائي وفعليته في الوقت ، وبتبعه فعلية الأمر القضائي خارج الوقت الذي موضوعه فوت الأداء أو تركه ؛ لأنّ هذا هو مقتضى الخطابات الواقعية ، وإنّما يرفع اليد عنه بمقدار ما يحرز فيه التفويت بالسلوك ، وهذا غير محرز هنا ، فالاحتمال بصالح عدم التصويب وعدم الاجزاء.

وهذا هو مقصود السيد الشهيد قدس‌سره من أنّ المقيّد العقلي المذكور لا يقتضي أكثر من ذلك.

٢٣٠

ص ١٦٤ قوله : ( وفيه بالامكان فرض التخيير ... ).

بل يمكن فرضه قيداً للوجوب أيضاً ، ومع ذلك يدفع اشكال اللغوية بأنّه فرع عدم امكان تنجز التكليف بالجامع ، وهو ممكن بالعلم الإجمالي المنجز ، فإنّ المكلّف سوف يعلم ـ حتى بناءً على كون القيد للوجوب لا للواجب ـ بأنّه مكلّف في مورد الأمارة بالمؤدّى امّا لكونه الواقع المأمور به أو لكونه موضوعاً للتكليف بالجامع ، وهذا المقدار يكفي لدفع اللغوية.

ص ١٦٤ قوله : ( الثاني : انّ الجامع ... ).

لا ينبغي أن يكون المقصود عدم تقرّر الجامع المذكور تصوراً في نفسه لكي يقال في جوابه انّه مقرّر لامكان تصوّر الجامع بين حكم واقعي ومؤدّى امارة مخالفة له وانّ غاية الأمر انّه لا يمكن ايجاد أحد طرفيه خارجاً إلاّبعد تعلّق الأمر بالواقع تعينياً ، ويقال عندئذٍ بأنّ هذا في نفسه محال من جهة اخرى ، وهي امتناع انبثاق الارادة والأمر عن مصلحة في نفسها أو ما يترتب عليها.

وإنّما المقصود انّه لا يمكن أن يكون هذا الجامع متعلقاً للحكم الواقعي ؛ لأنّ تعلّق الحكم الواقعي به ووقوع هذا الجامع متعلّقاً له بنفسه تناقض وتهافت في اللحاظ في عالم الجعل ؛ إذ ليس لنا حكمان واقعيان ، بل حكم واقعي واحد وهو نفس هذا الأمر المتعلّق امّا بالجامع أو بالواقع التعيني ولا يمكن أن يكون متعلقاً بالجامع ؛ لأنّه في معنى الأمر بشيء لا يكون مأموراً بنفس هذا الأمر وهذا تهافت تصوري لحاظي ، فهذه استحالة وامتناع في عالم اللحاظ وتعلق الحكم لا عالم امتثال أحد طرفي الجامع خارجاً ، وهو المقصود من عدم التقرر ، أي عدم تقرر الجامع المتعلّق للأمر الواقعي بما هو متعلّق له وهذا صحيح.

٢٣١

كما انّ التعبير في الوجه الثالث بأنّه يلزم من وجوده عدمه أيضاً صحيح بلحاظ علام الفعلية وشمول الجعل للمؤدّى ، فإنّ شموله له يستلزم عدم شموله له ، فالجواب المذكور في الكتاب بعنوان الجواب الحلّي على الوجه الثالث والذي هو الجواب أيضاً عن الوجه الثاني غير تام.

فيكون وجه تعلّق الأمر الواقعي بالواقع التعييني لا الجامع رغم كون الملاك فيه لا في خصوص الواقع التعييني امتناع تعلّق الأمر الواقعي بمثل هذا الجامع ـ بخلاف ما إذا كان الملاك في مطلق مؤدّى الأمارة ـ وحيث انّه لابد للمولى من الأمر ، فلا محالة يجعله على العدل الذي يمكن تعلّق الأمر به ؛ لكونه محققاً لغرض المولى ، وليس فيه المحذور الذي ذكره السيد الشهيد قدس‌سره ؛ إذ ليس هذا التعلّق من أجل مصلحة في نفس الارادة بل في المراد وإنّما تعلّق بالمعين لعدم امكان أكثر من ذلك ، ففي خصوص المقام لابد وأن يتعلّق بالمعيّن ؛ لأنّه الطريق الوحيد لوصول المولى إلى غرضه بلحاظ كلا شقي الجامع ، فتأثير هذا الأمر التعيني في المقام بالخصوص لتحقيق مراد المولى في قوّة الأمر بالجامع من حيث محركيّته للمكلّف نحو ما فيه مراد المولى فيتعين ذلك حتى إذا كان يمكن الأمر بالجامع في نفسه ؛ لأنّه يفوّت على المولى غرضه بلحاظ الجامع.

والصحيح في الاجابة عن الوجه السابع أن يقال بأنّه لو اريد من وجود الملاك في مؤدّى الأمارة المخالفة للواقع الأمارة المخالفة لروح الحكم وهو الملاك والارادة فهذا الفرض بنفسه مستحيل ؛ لاستلزامه التناقض في اللحاظ ؛ إذ فرض وجود الملاك الواقعي في مؤدى الأمارة المخالفة مع نفس هذا الملاك تهافت لحاظي ، وإن اريد بالأمارة المخالفة للواقع المخالفة مع الحكم بمعنى الجعل والاعتبار بالخصوص فهذا معقول وممكن كما ذكرناه ، إلاّ انّه لا يدفع اشكال

٢٣٢

التصويب بلحاظ روح الحكم وإنّما يدفعه بلحاظ عالم الانشاء والاعتبار فقط ، وهو أيضاً تصويب باطل.

ص ١٦٧ قوله : ( فإنّه يقال : يمكن اختيار كلا الشقين ... ).

لا إشكال في عدم التصويب بناءً على الطريقية المحضة وكون المصلحة في نفس الجعل كما هو حال سائر موارد تفويت الواقع بالظاهر. وامّا على السببية ووجود مصلحة في مؤدى الامارة ـ أو في سلوكها ـ فقد يقال : انّ مجرد تعيينية المصلحتين المتضادتين لا يكفي لانتفاء التصويب ، إذ بعد فرض تساويهما في الأهمية مع التضاد بينهما يقع الكسر والانكسار بينهما لا محالة فيكون الأمر الشرعي لا محالة تخييرياً بينهما تماماً كما إذا كان المؤدى يستوفي نفس المصلحة الواقعية فكون المصلحة في المؤدّى استيفائية بمعنى انها من سنخ نفس المصلحة الواقعية أو تداركية من غير سنخها لا يؤثر في لزوم التصويب.

وما ذكر في الكتاب من عدم المحذور في بقاء الأمر بالواقع تعييناً لأنّه من التزاحم لا التعارض لا يكفي لدفع الاشكال ، لأنّ إطلاق الأمر بالواقع لحال ثبوت الحكم الظاهري بقيام الامارة لغو ، لأنّه صرف عن مصلحة إلى مصلحة اخرى مساوية لها في الأهمية وفعليّة بحسب الفرض ولا يقاس بالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة إلى المشروط بالقدرة الشرعية لأنّ اطلاقه يوجب عدم فوات شيء من الفرضين إذ بفعله يكون قد استوفى أحدهما وارتفع موضوع الآخر بخلاف المقام ، فإنّ المصلحة الظاهرية فعلية على كل حال ، فالمكلّف لو احتاط وترك العمل بالحكم الظاهري كالصلاة في مستصحب الطهارة يكون قد فوّت المصلحة في الحكم الظاهري مع فعليته بفعلية موضوعه.

٢٣٣

وأوضح منه الشبهة الحكمية كما إذا قام الحكم الظاهري على وجوب الجمعة وكان الواقع وجوب الظهر من حيث لغوية الأمر بهما معاً تعينياً ومطلقاً مع كون الملاك في كلّ منهما مقيداً بوقوعه قبل الآخر. وهذا معناه انّه لابد من التقييد في إطلاق الحكم الواقعي فيكون تخييرياً.

والجواب : انّ الخطاب والأمر الواقعي بالظهر مثلاً مقيد بعدم الاتيان بالجمعة التي قامت عليه الأمارة بقاءً ؛ إذ لا ملاك فيه بعد الاتيان بالجمعة ، وأمّا حدوثاً فاطلاقه لا يلزم منه المطاردة مع الأمر الظاهري بالجمعة لأنّه بوصوله يرتفع موضوع الأمر الظاهري كالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة إلى المشروط بالقدرة الشرعية فيكون الغرض من اطلاقه أن يصل ويرفع موضوع المصلحة الظاهرية ، فلا يكون فوات لشيء من المصلحتين تماماً كالمشروط بالقدرة العقلية بالنسبة للمشروط بالقدرة الشرعية ، فليس هناك ملاك فعلي في كل من الحصتين المقيدتين بالاتيان به قبل الآخر كما ذكر في الاشكال ، فإنّ هذا إنّما يصحّ في المشروطين بالقدرة العقلية لا ما إذا كان أحدهما مشروطاً بالقدرة الشرعية أو بعدم وصول الآخر وتنجّزه.

كما انّ ما ذكر من فعلية المصلحة في الحكم الظاهري عند ثبوته إنّما هو كفعلية مصلحة المشروط بالقدرة الشرعية عند عدم وصول أو تنجّز المشروط بالقدرة العقلية لا يمنع عن إطلاق المشروط بالقدرة العقلية واقعاً ؛ لأنّ الغرض من الإطلاق هو الصرف على تقدير الوصول والتنجيز وهو يوجب ارتفاع موضوع المصلحة في الخطاب المشروط بعدم وصول الآخر أو تنجزه أي بالقدرة الشرعية كما هو مذكور في هامش الكتاب ، ولعمري هذا واضح لا أدري كيف أوجب توهم هذه المناقشة.

٢٣٤

ص ١٦٧ قوله : ( وامّا إذا انكشف خلاف الحكم الظاهري بالتعبد ... ).

ينبغي أن يقسّم هذا البحث إلى قسمين :

١ ـ أن ينكشف الخلاف للحكم الظاهري مع كونه تاماً وفعلياً في وقته ، أي قبل انكشاف الخلاف. كما إذا تبدل تقليد المقلّد بعد موت مقلَّده الأوّل. أو مثال الامارة المذكورة في الكتاب بعد فرض جريان الاستصحاب قبل تحصيل الخبر حقيقة ؛ لأنّه كان قد استفرغ وسعه مثلاً ، أو كانت الشبهة موضوعية استصحب فيها الطهارة أو أجرى قاعدتها ثمّ قامت بيّنة أو خبر ثقة على النجاسة ، أو كان يجري فيه قاعدة الطهارة ثمّ حصل له يقين سابق فجرى فيه استصحاب النجاسة ، فإنّه في مثل هذه الموارد يكون انكشاف الخلاف للحكم الظاهري السابق بنحو التخطئة له لا بنحو الكشف عن عدم ثبوته وكونه تخيلياً ، وفي مثله يجري الوجهان السابقان لاثبات الاجزاء على تقدير تماميتها.

٢ ـ أن يكون انكشاف الخلاف بنحو الكشف عن الخطأ في أصل جريان الحكم الظاهري ، كما في الأمثلة الاخرى في الكتاب للانكشاف بالأصل ، ومنه بعض موارد تبدل رأي المجتهد في الشبهة الحكمية حينما يلتفت إلى خطأ في مدرك حكمه الأوّل لاشتباه في السند أو الدلالة أو نحوهما ؛ وهذا لا ربط له ببحث اجزاء الحكم الظاهري وإن كان ينبغي البحث في موطنه الفقهي عن وجوب الاعادة أو القضاء فيه أيضاً.

وحيث انّ الصحيح عدم تمامية شيء من البيانين في اجزاء الحكم الظاهري وانّ مقتضى القاعدة عدم الاجزاء من هنا لم يفكك بينهما السيد الشهيد قدس‌سره

٢٣٥

في مقام الأمثلة.

ثمّ انّ البحث عن الاجزاء ووجوب الاعادة والقضاء إنّما يرد فيما إذا لم يكن دليل الحكم الواقعي من أوّل الأمر قاصراً عن الإطلاق لمورد الحكم الظاهري أو التخيلي ـ الترك غير العمدي ـ امّا لعدم الإطلاق فيه أو لوجود مقيد له كما في مثل حديث لا تعاد. وإلاّ لم يكن موضوع للبحث عن الاجزاء والاعادة أو القضاء كما هو واضح ، فلا ينبغي جعل ذلك البحث من مصاديق بحث اجزاء الحكم الظاهري ، كيف والقصور في أدلّة الشرطية والجزئية في هذه الموارد لا تختصّ بموارد قيام حكم ظاهري على خلافها ، بل يعم موارد الجهل المركّب والنسيان وغيرهما كما هو محقّق في محلّه.

كما انّ البحث عن حصول اجزاء العمل بالاجتهاد الأوّل أو تقليد المجتهد الأوّل والأدلّة الخاصة التي ذكروها فيه موكول إلى بحث الاجتهاد والتقليد من الفقه ، وإن كان البحث الذي ذكره السيد الشهيد في المقام من حيث امكان اثبات الفوت وعدمه في الصور العديدة بالأصل أيضاً بحث فقهي لا اصولي ؛ ولعلّ الأولى أن يبحث كبرى عدم اجزاء الحكم الظاهري المتبدّل مطلقاً أو في خصوص باب التقليد أو اختلاف رأي المجتهد وتبدّله في المقام وتذكر أدلّته من قبيل الإجماع ونفي الحرج وسيرة المتشرعة ونحو ذلك كما فعل السيد الخوئي قدس‌سره وغيره هنا.

ص ١٧١ قوله : ( الرابعة إذا كان ... ).

ذكر هنا أنّه لا يجري خصوص الوجه الخامس مما تقدم في الصورة السابقة لاثبات وجوب القضاء ؛ لانحلال العلم الإجمالي بوجوب قضاء الأكثر عليه الآن

٢٣٦

أو وجوب الأقل عليه في زمن الفريضة القادم ، إذ وجوب الأقل في الزمن القادم معلوم تفصيلاً ، فلا يجري فيه الأصل الترخيصي ليكون معارضاً مع الأصل الترخيصي عن وجوب قضاء الأكثر عليه الآن.

وهذا صحيح ، وهو يوجب عدم جريان الوجه الثالث من الوجوه المتقدمة أيضاً ؛ لأنّ العلم الإجمالي داخل الوقت بأنّه يجب عليه الأقل داخل الوقت أو الأكثر خارج الوقت قضاءً إذا كان عازماً على ترك الأكثر في الوقت أيضاً علم إجمالي منحلّ بنفس البيان ، فكان ينبغي استثناؤه.

كما انّ البحث في هذه الصورة لابدّ وأن يكون عن وجوب القضاء خارج الوقت لمن لم يأت إلاّبالأقل داخل الوقت عمداً ، أي الفرض الأوّل من الصورة الثالثة ، لا عن وجوب الاعادة ؛ إذ لا اشكال فيه داخل الوقت مطلقاً ، أي حتى إذا حصل له هذا الشك المنجّز بعد الاتيان بالأقل طبقاً للحكم الظاهري الأوّل ؛ لأنّه شك في تحقيق الغرض وسقوطه أو سقوط أمره الذي كان فعلياً في حقه فيجب عليه الخروج عن عهدته بلا حاجة إلى شيء من الوجوه الخمسة ، وإنّما نحتاج إلى أحد الوجوه الخمسة بلحاظ وجوب القضاء لو لم يأت بالأكثر داخل الوقت سواء كان التبدّل المذكور حاصلاً له قبل العمل بالأقل أو بعده.

فما في الكتاب في هذه الصورة من قوله ( لاثبات الاعادة أو القضاء ) سهو ؛ لأنّ وجوب الاعادة في الوقت لا يحتاج إلى شيء من تلك الوجوه والمباني ، بل لابد من تخصيص البحث في الصورة الرابعة بالقضاء خارج الوقت لمن لم يأت بالأكثر داخل الوقت ، سواء كان التبدّل حاصلاً له في الوقت أو خارجه ، فتدبّر.

٢٣٧

مقدّمة الواجب

ص ١٨٠ قوله : ( وامّا بلحاظ عالم المجعول ... ).

يوجد بيان آخر للسيد الخوئي قدس‌سره في المقام لا بأس به ويمكن أن يرجع روحاً إلى ما ذكرناه ، حاصله : أنّ المعتبر أمر فرضي انشائي وليس حقيقياً وأمره بيد المعتبر ، فكما يمكنه أن يفرضه ويجعله على أمر مقدّر الوجود مقارن كذلك يمكن أن يجعل على أمر مقدّر الوجود متقدم أو متأخر زماناً ، فيكون المجعول منوطاً بتحققه.

ص ١٨١ قوله : ( وامّا بلحاظ عالم الملاك ... ).

ويمكن أن يكون الشرط المتأخر غير دخيل في الاتصاف بل في وجود المصلحة والفعل وإنّما اخذ شرطاً في الوجوب لكونه غير اختياري كما في اشتراط القدرة على آخر جزء من الواجب التدريجي الوجود فإنّها شرط متأخر لايجاب ذلك الفعل التدريجي من قبل ، وهذا واضح.

ص ١٨٥

من المناسب البحث في تقسيمات المقدمة عن المقدمة الداخلية أيضاً كما بحثها الاصوليون ، وقد بحثوا عنها في عدّة مقامات :

المقام الأوّل : في صدق المقدمة على الاجزاء ، وهذا بحث لفظي اصطلاحي ، فإنّه لو اريد بالمقدمة ما يكون سبباً وعلة لايجاد ذي المقدمة فهذا يقتضي التعدد

٢٣٨

في الوجود وهو مفقود بين الاجزاء ، والمركب الكل ؛ لأنّ الكل عين الاجزاء بالأسر ، وإن اريد بها التقدم الطبعي أي التوقف في الصدق والتجوهر فهو حاصل في الجزء ؛ لتوقف صدق الكل وتحققه على تحقق الجزء وصدقه دون العكس.

المقام الثاني : في دخول المقدمة الداخلية في محلّ النزاع ، أي وجوبها الغيري أيضاً على القول بوجوب المقدمة. واختار جملة من المحققين عدم دخولها في محلّ النزاع ؛ وذلك بأحد بيانين ودليلين : أحدهما : برهاني ، والآخر : وجداني.

ولابدّ وأن يُعلم انّ موضوع البحث في الاجزاء الخارجية للمركبات الاعتبارية أو الصناعية لا الاجزاء التحليلية العقلية للجواهر والأعراض من الأجناس والفصول ؛ لأنّها بسائط بلحاظ الوجود الخارجي وتركبها تحليلي واجزائها متحدة في وجود واحد خارجاً.

كما انّه ليس البحث فيما إذا كان المأمور به النفسي أمراً انتزاعياً أو اعتبارياً أو خارجياً متولّداً من الاجزاء المتركبة خارجاً كالطهور بناء على كون الغسل أو الوضوء محصلاً له لا متحداً معه ، فإنّ هذا يجعل تلك الأفعال كالغسلات والمسحات مقدمات خارجية لا داخلية كما هو واضح. والبرهان الذي يذكر كمانع عن وجوب المقدمة الداخلية يمكن تقريبه بأحد وجوه :

الأوّل : لزوم اجتماع المثلين وهو محال ؛ لأنّ الاجزاء واجبة بالوجوب النفسي الضمني ، فإذا كانت واجبة أيضاً بالوجوب الغيري لزم اجتماع الوجوبين على معروض وفعل واحد ، وهو محال.

ولا يقال : بأنّ متعلّق الوجوب الغيري عنوان المقدمة ومتعلّق الوجوب النفسي عنوان الفعل الواقعي.

٢٣٩

لأنّه يقال : بأنّ الواجب الغيري معروضه واقع المقدمة وعنوان المقدمية حيثية تعليلية للوجوب ، وقد يجاب بأنّ معروض الوجوب النفسي هو الكل والمركب ، بينما معروض الوجوب الغيري هو الجزء الملحوظ لا بشرط ، وهما لحاظان ذهنيان مختلفان ، فلم يلزم الاجتماع.

وفيه : الكل ليس إلاّالاجزاء بشرط الانضمام ، وهي نفس الاجزاء لا بشرط أي لا فرق بينهما إلاّفي حد اللحاظ والتصوّر لا المتصوَّر ، فالعنوان واحد فيهما ، على أنّه يكفي وحدة المعنونين لامتناع تعدد الوجوب فيه ؛ ولهذا يقال بالتأكّد في ( أكرم العالم ) و ( أكرم الهاشمي ) بالنسبة إلى العالم الهاشمي.

والصحيح في جواب الاشكال : انّه لا يلزم اجتماع المثلين المحال ، أمّا بلحاظ الوجوب بمعنى الاعتبار فلعدم التقابل بين الاعتبارات ، على أنّ الوجوب الغيري ليس وجوباً اعتبارياً انشائياً أصلاً كما سيأتي.

وأمّا بلحاظ روح الحكم ومبادئه وهو الارادة والشوق فللزوم التأكّد ، نظير تأكد وجوب اكرام العالم الهاشمي ، وتأكّد وجوب صلاة الظهر الواجب نفسياً وغيرياً للعصر بالنسبة إلى الذاكر ، ولا محذور فيه أصلاً.

الثاني : انّ تعدد الوجوبين يوجب اجتماع المثلين ووحدتهما على سبيل التأكد غير معقول في المقام ؛ لأنّ الوجوب الغيري في طول الوجوب النفسي ، ومترشح منه ، فهما في مرتبتين ، فلا يعقل وجوب الاجزاء بالوجوب الغيري.

واجيب عليه بأنّ المانع عن التأكد إنّما هو الطولية في عمود الزمان لا الرتبية.

وهذا الجواب غير فني ؛ لأنّه لو سلّمنا السببية بين الوجوب النفسي والغيري كما هو مفروض المستشكل كان التأكّد بينهما محالاً ؛ لأنّ التأكد يقتضي وحدة

٢٤٠