أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

الاجزاء

ص ١٣٥ قوله : ( الفصل الثالث ـ في الاجزاء ... ).

البحث عن الاجزاء لابد وأن يحرَّر على أنّه بحث عن دلالات الأمر الاضطراري والظاهري وأنّه هل يقتضي الاجزاء عن الأمر الاختياري أو الواقعي عند امتثالهما أم لا يقتضي ذلك ، وبذلك يتضح وجه ذكر بحث الاجزاء ضمن مبحث الأوامر من مسائل علم الاصول ، وعلى هذا الأساس يكون موضوع المسألة ومحلّ النزاع فيه ما إذا كان الأمر الاضطراري أو الظاهري فعلياً وشاملاً للمكلّف حين اتيانه بالعمل الاضطراري أو الظاهري لكي يعقل البحث عن اجزائهما ففرض عدم إطلاق الأمر الاضطراري واختصاصه بالمستوعب عذره لتمام الوقت ـ في الاجزاء بلحاظ الاعادة لا القضاء ـ وكذلك فرض العلم الوجداني غير المطابق للواقع أو موارد جريان الأصل العقلي دون الشرعي ـ كالبراءة العقلية على القول بها ـ ثم انكشاف الخلاف كلّها خارجة عن بحث الاجزاء موضوعاً.

وقد يحرَّر بحث الاجزاء بنحو آخر أوسع وهو اجزاء الفعل المأتي به بعنوان الوظيفة العملية في مقام الخروج عن عهدة التكليف الواقعي والاختياري فيعم اجزاء الفعل المأتي به بالقطع بكونه مطابقاً للواقع أيضاً أو بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وكذلك موارد توهم الأمر الاضطراري ، كمن يتصور استمرار عذره إلى آخر الوقت ثمّ ينكشف ارتفاعه في الأثناء ، أو حتى من أوّل الأمر فتدخل كل

٢٠١

تلك الفروض في مبحث الاجزاء فيبحث عن الاجزاء وعدمه تارة في فرض إطلاق دليل الأمر الاختياري والواقعي ، واخرى في فرض عدم اطلاقه وما يقتضيه الأصل العملي.

إلاّ انّ هذا البحث لعلّه واضح الحكم ، فإنّه مع فرض الإطلاق للأمر الواقعي والاختياري كما هو المفروض وعدم فعلية أمر ظاهري ولا اضطراري من الواضح والبديهي عدم الاجزاء وعدم موجب له. كما انّه مع فرض عدم إطلاق للأمر الاختياري في حق من صدر منه فعل اضطراري ولو لم يكن مأموراً به ، وكذلك عدم إطلاق الأمر الواقعي ـ وإن كان هذا مستلزماً للتصويب الباطل ـ من الواضح جريان الأصل العملي المؤمن فيه عن الأمر الواقعي أو الاختياري المشكوك بحيث لا يستحق البحث.

كما انّ الأنسب جعل أصل البحث عن اقتضاءات إطلاق الأمر الاضطراري وكذلك الظاهري من حيث الاجزاء وعدمه ، فإنّه المناسب مع مبحث الأوامر ، كما انّ نكات الاجزاء الثبوتية تكمن في دلالات الأمر الشرعي واقتضاءاته ، فمن مجموع ما ذكر أرى انّ الأجدر تحرير البحث بالنحو الأوّل وإن كان بالنحو الثاني البحث أوسع.

ثمّ إنّ إطلاق الأمر الاضطراري أو الظاهري في نفسه لا ينافي إطلاق الأمر الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الواقعي مع الظاهري فيجتمعان بلا محذور ، وهذا واضح.

والقول بالاجزاء مبتنٍ امّا على افتراض عدم اطلاقهما ـ أي الأمر الاختياري أو الواقعي ـ في حق من صدر منه الفعل الاضطراري أو الظاهري ، أو اثبات

٢٠٢

التنافي بين فعليتهما وفعلية الأمر الاضطراري أو الظاهري بحيث لابد من تقييد اطلاقهما أو التعارض والتساقط والرجوع إلى الأصل المقتضي للاجزاء فمنهج البحث انّ الأمر الاضطراري أو الظاهري في نفسه لا يقتضي الاجزاء ولا يستلزمه ما لم يضمّ إليه عناية وضميمة برهان واستلزام عقلي أو استظهاري أو شرعي يقتضي التنافي بين الأمرين والاطلاقين ، أو يفترض قصور إطلاق الأمر الاختياري أو الواقعي في حق من صدر منه الامتثال بالفعل الاضطراري أو الوظيفة الظاهرية.

كما أنّ بحث الاجزاء لا يتوقف على افتراض وجود امرين استقلالين بمركبين أحدهما الفعل الاختياري والآخر الفعل الاضطراري أو الظاهري ، بل يعم ما إذا كان هناك اطلاقان أحدهما في دليل القيد المتعذر والآخر في دليل بدله أو ما يدلّ على جواز تركه وكذلك في القيد المشكوك ، بحيث تكون النتيجة تعلّق أمر واحد استقلالي بالجامع بينهما ، فبعض الاشكالات والتعبيرات في جملة من التقريرات اشكالات لفظية لا دخل لها بأصل المطلب وروحه ، فراجع وتأمل.

ص ١٤١ قوله : ( ينكشف انّه لا أمر اضطراري واقعاً ليبحث عن اجزائه ... ).

ولكن يمكن البحث عن اجزاء الفعل الاضطراري فيه على مستوى الأصل العملي لو فرض عدم الإطلاق في دليل الأمر الاختياري أيضاً ، فلا ينبغي اخراج هذا الفرض نهائياً عن بحث الاجزاء.

إلاّ انّ هذا ليس مقصود الكتاب أيضاً ، بل مقصوده عدم مقتضي البحث عندئذٍ عن الاجزاء بلحاظ الأصل اللفظي ، امّا بحث الاجزاء بلحاظ الأصل العملي فهو مطلق متّجه على كلا فرضي إطلاق الأمر الاضطراري وعدمه كما سوف يأتي.

٢٠٣

ص ١٤٣ قوله : ( وثانياً ـ انّه من الجائز ثبوتاً ... ).

ما ذكرناه في الهامش لا غبار عليه إذا فرضنا وحدة الغرض من الفريضة وارتباطية مراتبه حيث لا يصحّ عندئذٍ الأمر بالجامع ، لأنّ لازمه صحة الاتيان به ضمن الفرد الاضطراري وحده بدون الاختياري اختياراً لوفائه بغرض لزومي سواءً جاء بالاختياري بعده أم لا. وهذا قد يقال انّه غير محتمل فقهياً واثباتاً.

وإن شئت قلت : على تقدير لزوم الاتيان بالاختياري آخر الوقت يعلم بأنّ الفعل الاضطراري في أوّل الوقت لا يكون وحده صحيحاً ومأموراً به ومحققاً لجزء من الفريضة ، فإنّ هذا غير محتمل اثباتاً لمكان الارتباطية ووحدة الفريضة ، بل امّا ليس فيه ملاك أصلاً أو إذا كان فيه ملاك فهو في فرض فعل الاختياري آخر الوقت معه ، وهذا يعني انّ الأمر بالجامع تخييري بين الفردين بنحو الأقل والأكثر وهو محال.

هذا مضافاً إلى ما في ذيل الهامش من مخالفته لظاهر الأمر الاضطراري فإنّه وإن لم يكن تعينياً في قبال الاختياري آخر الوقت إلاّ انّه على هذا التصوير يلزم أن يكون أمره مستقلاًّ عن الأمر بالحصة الاختيارية لأنّ الأمر بالجامع مستقل عن الأمر بالحصة وليس بدلاً عنه فلا يعقل الأمر التخييري به وبالحصة بنحو يكون عدلاً وطرفاً لها لا أمراً آخر مستقلاًّ إلاّبنحو التخيير بين المتباينين وهو يقتضي الاجزاء أو التخيير بين الأقل والأكثر وهو ممتنع بحسب هذا المنهج.

ص ١٤٣ قوله : ( الثاني ـ انّ غاية ... ).

لأنّ النسبة بين أدلّة الأمر الاختياري والاضطراري عموم من وجه ؛ لعدم شمول دليل الاختياري للعذر المستوعب امّا لفظاً كما في مثل الأمر بالطهور

٢٠٤

المائي لواجد الماء وغير المريض ، أو لبّاً لأخذ قيد القدرة في كل خطاب عقلاً بمثابة القرينة والقيد المتّصل ، وعدم شمول الاضطراري للمختار في تمام الوقت ، فالاشكال بأنّ دليل الأمر الاضطراري كالأخص عرفاً غير صحيح ما لم نرجع إلى احدى النكات الاستظهارية.

نعم ، يمكن أن يقال في دفع هذا الاشكال عن السيد الخوئي قدس‌سره بأنّ مقصوده اسقاط إطلاق الأمر الاختياري بعد رفع العذر في الوقت المقتضي لعدم الاجزاء ولو بالتعارض ، وبعده يرجع إلى الأصل العملي المقتضي للاجزاء.

فالحاصل : المهم هو التخلّص عن الإطلاق المقتضي للاجزاء بوجه استلزامي عقلي ، وهذا حاصل بالمنهج الذي سلكه السيد الخوئي قدس‌سره.

ص ١٤٣ قوله : ( الثالث ... ).

التخيير بين الأقل والأكثر تارة يقال بعدم امكانه لأنّه بتحقيق ذات الأقل يتحقق الامتثال فيسقط الأمر فلا يقع الزائد امتثالاً.

واخرى يقال بعدم إمكانه لأنّه يلزم منه لغوية الأمر الضمني بالزائد لأنّه أمر بالجامع بين شيئين أحدهما قهري التحقق فيكون من تحصيل الحاصل.

والمحذور الأوّل هو الذي يندفع بأخذ طرفي التخيير الأقل بحدّه ، أي بشرط لا عن الزيادة والأكثر بحدّه ، أي بشرط الزيادة حيث يكونان من المتباينين لا محالة فلا يكون ذات الأقل ضمن الأكثر امتثالاً.

إلاّ انّ هذا المحذور في المقام غير موجود من أساسه لأنّه إنّما يكون إذا كان الأقل متحققاً قبل الأكثر كما في مثال التسبيحة الواحدة والأكثر ، وامّا إذا كان

٢٠٥

بالعكس كما في المقام ومثال العتق للرقبة الكافرة حيث يكون الأقل هو الاختياري آخر الوقت أي بعد الفعل الاضطراري فلا موضوع لهذا الاشكال فيه.

إذ تكون الزيادة متحققة قبل تحقيق الأقل الذي به يتحقق الامتثال فيكون الامتثال متحققاً بالأكثر لا محالة.

وإن شئت قلت : انّ الامتثال بذات الأقل ضمن الأكثر لا يعقل في هذه الفرضية لكي يسقط به الأمر فلا تقع الزيادة امتثالاً بل دائماً يتحقق الامتثال بالأقل بحده أو بالأكثر ، ولعلّه لهذا تصوّر السيد الخوئي بوجدانه إمكان التخيير في مثال عتق الرقبة الكافرة أو الأعم المؤمنة أو عتق المؤمنة ابتداءً إلاّ انّه جعله خلاف الظاهر.

وامّا المحذور الثاني فجوابه ما ذكرناه في الهامش لص ١٤٤ فإنّه متين.

ص ١٤٤ قوله : ( امّا المنهج الاستظهاري ... ).

ويرد على التقريب الثاني أيضاً : انّ إطلاق البدلية بلحاظ الملاكات غير عرفي. نعم ، لو اريد من هذا التقريب الحكومة بمعنى تحقيق الشرط وهو الطهور فذاك رجوع إلى تقريب آخر سنذكره.

كما يرد على التقريب الثالث ( وهو للمحقّق العراقي قدس‌سره ) أيضاً : أنّ الظهور الوضعي المزعوم فيه في طول إطلاق الأمر الاضطراري لغير مستوعب العذر فتكون النتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين.

على انّ الأمر الاضطراري لا اشكال في كونه موسعاً وتخييراً في مورد الكلام على كل حال ؛ إذ لا يحتمل عدم جواز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت والاتيان بالاختياري فيه ، فأصل هذا التقريب لا أساس له.

٢٠٦

ويرد على التقريب الرابع ( وهو للمحقّق الأصفهاني قدس‌سره ) أيضاً انّه يوجب التعارض لا التقديم ، إلاّأن يكون مقصوده التساقط والرجوع إلى الأصل في اثبات عدم الاجزاء ، فإنّ المهم اسقاط الأمر الاختياري المقتضي لعدم الاجزاء ولو بالمعارضة.

ويمكن اضافة تقريبات اخرى :

منها ـ ما في أجود التقريرات : من انّ الأمر بالاضطراري إذا كان شاملاً وثابتاً في حقّ من اضطرّ في أوّل الوقت ولو ارتفع عذره في آخره فهو يقتضي الاجزاء لا محالة للاجماع على عدم وجوب صلاتين في وقت واحد ، والمفروض انّه جاء بصلاة واجبة فلا تجب الاخرى جزماً.

وفيه : أوّلاً ـ انّ الإجماع على عدم أكثر من واجباً واحد لو سلّم فنسبته إلى الاطلاقين في دليلي الأمر الاضطراري والاختياري لمن كان في أوّل الوقت مضطراً وفي آخره مختاراً على حدّ واحد فلا موجب لترجيح الإطلاق الأوّل على الثاني بل يقع التعارض بينهما لا محالة.

نعم ، قد يثبت الاجزاء بالأصل العملي حيث انّ المهم اسقاط الإطلاق في الأمر الاختياري الموجب لعدم الاجزاء ولو بالمعارضة.

وثانياً ـ انّ القائل بعدم الاجزاء أيضاً لا يقول بوجوب أكثر من صلاة واحدة وإنّما يقول بوجوب الجامع بين الصلاة الاختيارية في آخر الوقت فقط أو الاضطراري مع الاختياري ، فلا تجب صلاتان في وقت واحد تعييناً ، وهذا ليس خلاف الإجماع المذكور لأنّ الإجماع ينفي وجوب صلاتين تعينيين في وقت واحد.

٢٠٧

وثالثاً ـ لو سلّمنا ذلك أيضاً فهذا مخصوص بباب الفرائض اليومية لا غيرها من الواجبات الاختيارية والاضطرارية.

ومنها ـ ما ذكره المحقق الاصفهاني قدس‌سره في حاشيته على نهاية الدراية المطبوعة أخيراً ـ وتبعه بعض المعاصرين في تقريرات بحثه ـ من أنّ دليل الأمر الاضطراري لو كان محققاً للشرط المأخوذ في الأمر الاختياري في حال الاضطرار كان دالاًّ على الاجزاء لا محالة بملاك تحقق المأمور به الواقعي حقيقة ، كما إذا فرض انّ الشرط في الصلاة هو الطهور ، وقد دلّ الدليل على انّ التيمم بالتراب عند عدم وجدان الماء طهور فاطلاق الأمر الاختياري لمن كان مضطراً في أوّل الوقت لا ينافي مفاد دليل الأمر الاضطراري ولا يعارضه في هذه الحالة أصلاً ، وهذا وإن لم يكن من أجزاء أمر عن أمر آخر وإنّما هو من باب اجزاء المأمور به عن شخص أمره. إلاّ انّ بحث الاجزاء أعم من ذلك.

ولعلّ ظاهر أدلّة طهورية التيمم والتراب من هذا الباب بأن يكون الشرط في الصلاة الطهارة لا الوضوء أو التيمم ، غاية الأمر تتحقق الطهارة مع وجدان الماء بالوضوء لا التيمم ، ومع فقدانه بالتيمم فإذا كان دليله مطلقاً شاملاً لمن اضطر في أوّل الوقت فقط كان دالاًّ على تحقق الطهارة به ما دام مضطراً وإن فرض زوالها بزوال العذر.

ومثل هذا البيان دعوى انّ دليل الأمر الاضطراري يرفع شرطية الشرط الاختياري في حال الاضطرار لا أصل الأمر بالمشروط.

والجواب : أوّلاً ـ انّ المفروض انّ دليل الشرط الاختياري موضوعه مطلق أيضاً يشمل المتمكن الواجد للماء ولو في بعض الوقت فيدلّ لا محالة على

٢٠٨

الشرطية وعلى انّ الطهارة لا تتحقق إلاّبالغسلات والمسحات مثلاً فيقع التعارض.

فالحاصل : المفروض في موضوع هذه المسألة تمامية الإطلاق لدليل الوظيفة الاختيارية لمن صلّى أوّل الوقت بالوظيفة الاضطرارية ؛ لأنّه متمكن في الوقت على الشرط الاختياري بالنسبة للواجب وهو صرف الوجود بين الحدّين ، فسواء كان مفادهما الأمر بأصل المركب أي الأمر بالمشروط ، أو الإرشاد إلى الشرطية ، أو إلى تحقق الشرط وهو الطهارة ، وقع التعارض بينهما ، بلحاظ ذاك المفاد لا محالة ما لم نقدم أحدهما على الآخر بالحكومة ونحوها ، فهذه الخصوصيات لا تغيّر المسألة شيئاً ما لم نرجع إلى أحد التقريبات الاخرى.

نعم ، تتحقق المعارضة عندئذٍ بين إطلاق دليل مطهرية التيمم للمتعذر في أوّل الوقت وإطلاق دليل مطهرية الغسل أو الوضوء للمتمكن من الماء ولو في آخر الوقت ( بعض الوقت ) فليس حال هذين الاطلاقين كالاطلاقين للأمرين بالمركب الاضطراري في أوّل الوقت والاختياري بلحاظ آخر الوقت ، حيث يمكن فعليتهما معاً بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، أو الأمر بالجامع والحصة بلا تعارض ، بخلافه هنا حيث انّ الطهور لمن يتمكن في بعض الوقت يكون بالماء ، فلا يكون التيمم في حقّه أوّل الوقت محققاً للطهور أصلاً ، فتكون النتيجة الاجزاء امّا لكون إطلاق الأمر الاضطراري حينئذٍ مقيداً أو حاكماً على الاختياري أو لكونه معارضاً معه ، وبعد التساقط تكون النتيجة الاجزاء بالأصل العملي.

٢٠٩

نعم ، لو فرض ورود دليل على انّ فاقد الماء لابد وأن يفحص أو ينتظر لو كان يحتمل حصوله عليه ولو في آخر الوقت ـ كما لا يبعد استفادته من بعض الروايات ـ كان ذلك مقيداً بحسب الحقيقة لاطلاق الأمر الاضطراري في المقام ، وذاك بحث متروك إلى محلّه من الفقه.

وكذلك لو قلنا بأنّه بناءً على شرطية الطهور عند التعارض يكون مقتضى الأصل الاحتياط ولزوم احراز الشرط ، وهو لا يكون إلاّبالفعل الاختياري. إلاّ أنّه بلا موجب أيضاً ، لما هو محقق في الفقه من انّ الطهور منطبق على نفس الوضوء والتيمم لا انّه حالة مسببة عنهما ، فيرجع الشك إلى كون الأمر الضمني متعلقاً بالوضوء تعييناً أو الجامع بينه وبين التيمم حال الاضطرار ، وهو من الدوران بين التخيير والتعيين الذي تجري فيه البراءة عن التعيين ، وهكذا يتضح انّ منهج البحث يختلف في مثل هذه الأوامر الاضطرارية.

وثانياً ـ انّه لا يتمّ في الوظائف الاضطرارية التي ليس لها بدل محقّق لقيد الواجب ، بل يكون مرجعها إلى الأمر بالمركب الناقص كالصلاة من جلوس أو من دون سورة ونحوها لما دلّ على انّ الصلاة لا تسقط بحال أو قاعدة الميسور أو نحو ذلك.

ودعوى : انّ المأمور به في هذه الموارد أيضاً عنوان واحد وهو الصلاة ، ودليل الأمر الاضطراري يدلّ على انّ المركّب الناقص مصداق للصلاة المأمور بها خصوصاً بناءً على امكان الوضع للجامع الصحيح.

مدفوعة : بأنّ هذا لا يوجب التعارض بين إطلاق الأمر الاضطراري وإطلاق الأمر الاختياري ؛ إذ بناءً على امكان التخيير بين الأقل والأكثر أو الأمر بالجامع

٢١٠

والحصة يكون كلا الفعلين صحيحين ومصداقين للصلاة المأمور بها ، وهذا بخلاف دليل طهورية الماء والتيمم ، فإنّ ظاهرهما الطهورية لفعل واجب واحد لا لفعلين ، فتدبر جيداً.

وثالثاً ـ لا يتمّ هذا البيان حتى في دليل الطهور وبدلية التراب عن الماء ؛ لأنّ مفاد أدلّة بدلية التراب عن الماء قضية شرطية هي انّه كلما كانت الصلاة في وقت مأموراً بها بأمر تعييني أو تخييري أو تعييني ثانوي كالاضطرار بسوء الاختيار ولم يكن المكلّف واجداً للماء كان التراب طهوراً له ، وهذا لا ينافي عدم الاجزاء ؛ إذ لعلّ الأمر بالفعل الاضطراري تخييري بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على امكانه أو بنحو الأمر بالجامع والحصة.

وليس مفاد دليل مطهرية التراب توسعة الطهور في دليل الواجب المقيّد به بحيث يكون القيد هو جامع الطهور الأعم من الماء أو التراب في حال فقدان الماء ليكون دالاً على الاجزاء بملاك وحدة الأمر بالجامع ـ وهو الملاك الأوّل من ملاكي الاجزاء ـ لأنّ لازمه امكان ايقاع الإنسان نفسه في الاضطرار بصبّ الماء مثلاً فيتيمّم ويصلّي من دون أن يكون عاصياً ـ كما في صلاة التمام والقصر ـ مع انّه لا إشكال في عدم جوازه وكونه عاصياً. كما لا إشكال في انّه بعد عصيانه وتفويته للصلاة مع الطهور المائي يكون التراب طهوراً له أيضاً كالمضطر لا بسوء الاختيار ، وهذا يعني أنّ بدلية التراب بدلية طولية وليست عرضية ، أي في طول سقوط الأمر بالوضوء. وحينئذٍ امّا أن يحمل ذلك على انّ موضوعه فرض سقوط الأمر بالمبدل فلا إطلاق للأمر بالبدل إلاّفي حق المستوعب عذره في تمام الوقت ؛ لأنّه الفرض الذي يسقط فيه الأمر بالمبدل ، وهذا خروج عن الفرض ، أو يفرض له إطلاق للمضطر في بعض الوقت ولكنه لا بمعنى توسعة الشرط المبدل

٢١١

في عرضه ، بل بمعنى انّه كلّما كان أمر أولي أو ثانوي بالصلاة في وقت وزمان ولو بنحو موسّع تخييري ولم يمكن امتثال ذاك الأمر بالطهور المائي كان التيمم طهوراً لذلك الأمر ، ومثل هذا الأمر لا يمكن أن يستفاد من اطلاقه لمورد إلاّ مشروعية تلك الصلاة وأصل الأمر بها ، أمّا انها بنحو التوسعة للأمر الأوّل وجعله على الجامع بين الفعلين أو بنحو أمر آخر بالجامع أو بنحو التخيير بين الأقل والأكثر كل ذلك محتمل ، ومثل هذا الإطلاق لا يستلزم الاجزاء.

ومنها ـ ما في نهاية الدراية من انّ مقتضي إطلاق الأمر الاضطراري من جهتين ارتفاع العذر في الوقت وعدم تقييد الأمر بالتخيير كما هو ظاهر الأمر عند اطلاقه الاجزاء وعدم الاعادة. وجوابه واضح. وقد تفطن له بنفسه في حاشيته على الحاشية فإنّ الظهور في التعيينية في الأمر الاضطراري في أوّل الوقت غير محتمل بل الأوامر الاضطرارية ليست تعيينية في قبال الاختياري داخل الوقت لو كان ممكناً لوضوح امكان ترك الاضطراري إلى الاختياري آخر الوقت ، أي هي أوامر موسّعة لا مضيّقة.

ثمّ انّه يمكن أن نقسّم الأوامر الاضطرارية إلى ثلاثة أقسام من حيث ما هو الواقع فقهياً لا على سبيل الحصر العقلي.

١ ـ أن يكون ثبوت الوظيفة الاضطرارية بأدلّة العذر أو رفع التكليف العامة كلا حرج ولا ضرر وانّ الله أولى بالعذر ونحو ذلك بعد ضمها إلى ما يدل على عدم سقوط أصل الواجب بتعذّر قيد من قيود المركبات الواجبة من قبيل قاعدة الميسور أو الصلاة لا تسقط بحال.

وهذا الطريق لثبوت الأمر الاضطراري من الواضح عدم امكان اثبات الاجزاء

٢١٢

به ، بل يثبت فيه وجوب الاعادة داخل الوقت باطلاق دليل التكليف الاختياري لو فرض إطلاق فيه ؛ لأنّ الدليل على الاضطرار فيه مشروط بتعذر الاختياري في تمام الوقت ، وإلاّ لم يصدق العسر أو الحرج أو العذر أو الضرر بلحاظ ما هو الواجب وهو صرف الوجود ، فلا موضوع للأمر الاضطراري مع عدم تعذّر صرف الوجود.

٢ ـ أن تكون الوظيفة الاضطرارية ثابتة بما يدلّ على عمل آخر بدلاً عن قيد الاختياري عند تعذره كما في الأمر بالتيمم بدلاً عن الوضوء عند عدم وجدان الماء.

وهذا النحو من الأوامر الاضطرارية لو فرض إطلاق في دليل الأمر الاضطراري فيها لمن كان عذره في أوّل الوقت فقط ، وعدم وجود مقيّد له في الأخبار البيانية ، فلا يبعد ثبوت الاجزاء به بأحد التقريبات الاستظهارية المتقدمة ، ولا أقل من الأولين منهما حيث انّ ظاهر دليل البدلية النظر إلى مقام الاجتزاء عمّا هو الواجب المشتغل به ذمة المكلف فيكون حاكماً على إطلاق الأمر الاختياري لو فرض شموله لآخر الوقت.

٣ ـ أن تكون الوظيفة الاضطرارية ثابتة بلسان الأمر والحثّ ابتداءً على العمل الفاقد لبعض القيود في الواجب الاختياري لمصلحة ونكتة فيها كما في أوامر التقية الواردة في باب الصلاة ـ لا أدلّة التقية العامة التي هي ظاهرة في مجرد نفي التكليف كأدلّة العذر الاخرى ـ فإنّ تلك الأوامر ظاهرة في الحثّ والترغيب والتأكيد ابتداءً على أن يصلّي المؤمن معهم وانّ من صلّى خلفهم كان كمن صلّى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصفّ الأوّل. ومثل هذا اللسان يستفاد منها الاجزاء ،

٢١٣

فإنّ التقريب الأوّل ـ وهو الإطلاق المقامي ـ تام فيها جزماً ، مضافاً إلى تمامية التقريب الثاني وهو دعوى النظر إلى الخروج عن عهدة الفريضة ومقام الاجتزاء منها. بل مثل هذا الحثّ والأمر والترغيب منافٍ عرفاً مع فرض كونه مجرّد تظاهر بحيث يجب بعد ذلك الاعادة والذي لعلّه أسوأ نتيجة من عدم الصلاة معهم أصلاً ، فمثل هذه الأوامر واضحة الدلالة على الاجزاء والاكتفاء بالفعل الاضطراري ، بل أجدريته وأولويته من الاختياري.

ص ١٥٠ قوله : ( وقد ذكر صاحب الكفاية قدس‌سره انّ مقتضى الأصل العملي هو الاجزاء ... ).

حيث انّ السيد الشهيد قدس‌سره يرى جريان البراءة عن التعيين عند الدوران بينه وبين التخيير ، كما انّ الاستصحاب التعليقي سوف يأتي عدم صحته ، فهو موافق مع صاحب الكفاية في انّ مقتضى الأصل العملي هو الاجزاء والبراءة عن وجوب الفعل الاختياري بعد الاتيان بالاضطراري.

إلاّ انّ هذا على اطلاقه غير تام ، بل لابد له من استثنائين :

١ ـ إذا كان المكلّف في أوّل الوقت قادراً على الفعل الاختياري ولكنه لم يأت به لكون الواجب موسعاً ، فعرض عليه الاضطرار في الأثناء فجاء بالاضطراري ثمّ ارتفع عذره قبل خروج الوقت ، فإنّه سوف يشك في الاجزاء وعدمه ، وهنا مقتضى الأصل عدم الاجزاء ؛ لأنّ الفعل الاضطراري كان متعيناً عليه أوّل الوقت وفعلياً ، غاية الأمر لو كان تأخير الامتثال منه لتصور انّه يبقى قادراً فهو معذور ، إلاّ أنّ تكليفه الاختياري تعييني واقعاً ؛ ولهذا لو كان يعلم بطروّ العذر كان يجب عليه البدار ويحرم عليه تفويت الاختياري ، وهذا معناه أنّ الوظيفة الاختيارية

٢١٤

كانت متعيّنة عليه حدوثاً والشك في سقوطه بالفعل الاضطراري ، وعدم سقوطه به فيستصحب بقاؤه ، وهذا استصحاب تنجيزي حاكم على البراءة.

لا يقال : نحتمل انّ من لا يعلم بأنّه سوف يبتلي بالاضطرار في أثناء الوقت من أوّل الأمر مكلّف بالجامع ؛ لأنّ تفويته للفعل الاختياري ليس بسوء الاختيار.

نعم ، من يعلم بذلك ومع ذلك لم يصلّ عمداً حتى عرض عليه الاضطرار ففاته الاختياري بسوء الاختيار يكون عاصياً ومعاقباً ، وهذا يعني فعلية الأمر الاختياري عليه تعييناً في أوّل الوقت ، فإذا ارتفع اضطراره بعد ذلك مجدداً وكان قد صلّى مع الاضطرار جرى في حقه الاستصحاب المذكور ، فالاشكال لابدّ من تخصيصه بهذا الفرض فقط ، وفي هذا الفرض لا يكون احتمال الاجزاء إلاّبملاك التفويت.

فإنّه يقال : أوّلاً ـ التفويت بسوء الاختيار تام ومنجز مع الشك أيضاً واحتمال زوال الاختيار ، ولا يجدي استصحاب بقاء القدرة والاختيار كما قلناه في استصحاب الحياة في المستقبل ، بل لابدّ من الاطمئنان بذلك.

وثانياً ـ هذا يعني اختصاص التكليف التخييري بالجامع بمن لا يفوّت الفعل الاختياري المتمكّن منه في أوّل الوقت بسوء اختياره ، وهو من يعلم خطأً أنّه ليس مضطراً إلى آخر الوقت ، وهو غير محتمل فقهياً وهو غير مفيد له ؛ لأنّه يعلم انّه مكلّف بالحصة الاختيارية تعييناً ، بل فيه محذور اللغوية ؛ لأنّه ما لم ينكشف له الخلاف يكون لغواً في حقه.

٢ ـ من أوقع نفسه في أوّل الوقت في الاضطرار بسوء الاختيار فصلّى

٢١٥

اضطراراً ثمّ ارتفع الاضطرار في الوقت ، فإنّه ينكشف انّ الأمر الاختياري التعييني كان فعلياً عليه واقعاً ، ويحتمل سقوطه بعد الفعل الاضطراري بتفويت الملاك فيستصحب بقاؤه كما لا يخفى.

ص ١٥١ قوله : ( ولنا على كلّ من الفرضين كلام ... ).

ينبغي تغيير تقرير البحث والاشكال بالنحو التالي :

تارة يفرض انّ الأمر الاضطراري له إطلاق شامل للفعل المذكور ، واخرى يفرض عدمه ؛ للاجمال أو للتعارض مع إطلاق الأمر الاختياري.

فعلى التقدير الأوّل ـ والمفروض عدم استفادة الاجزاء منه ـ يكون الأمر التخييري محرزاً ، وإنّما الشك في أمر تعييني آخر بالاختياري أو الدوران بين التخيير بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، أو التخيير بين المتباينين وفي كلاهما تجري البراءة حتى عند من يرى الاحتياط في موارد الدوران بين التعيين والتخيير ؛ إذ على الأوّل يكون من الشك في تكليف تعيني زائد ، وعلى الثاني يكون من الدوران بين الأقل والأكثر ؛ لأنّ أصل الأمر التخييري معلوم والشك في كونه بنحو التخيير بين المتبائنين أو الأقل والأكثر ، ولا شك انّ الثاني أكثر من الأوّل ، فيكون أقل وأكثر.

وأمّا على التقدير الثاني فالحق مع العراقي عندئذٍ ؛ لأنّ احتمال عدم الاجزاء وبطلان العمل الاضطراري رأساً وارد بحسب الفرض ، فيكون التكليف المعلوم بالاجمال مردداً بين التخيير والتعيين ، سواء كان يحتمل وجود أمرين ( بالجامع والحصة ) أو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على امكانه ـ أم لا ، فإنّ وجود احتمالات غير منجزة لا تشفع ولا تنفع في دفع التنجيز من ناحية احتمال التعيين

٢١٦

في الأمر الواحد المعلوم بالاجمال على كلّ حال ، وهذا واضح.

ولعلّ السيد الشهيد يفترض التقدير الأوّل ، وعندئذٍ إن قلنا بامكان الأمر بالجامع والحصة أو التخيير بين الأقل والأكثر ـ بناءً على عدم الاجزاء ـ لم يتمّ مقالة العراقي ؛ لعدم كونه من الدوران بين التعيين والتخيير لاحراز الأمر التخييري وإن قلنا بعدم امكان ذلك ـ كما هو مبنى السيد الخوئي قدس‌سره ـ لابد من فرض التعارض بين الإطلاق الاضطراري والاختياري لتصل النوبة إلى الأصل العملي ، وإلاّ كان مقتضى إطلاق الأمر الاضطراري الاجزاء ، وبعد التعارض يكون من الدوران بين التعيين والتخيير.

ص ١٥٢ ( الهامش ... ).

الاشكال المذكور فيه وارد ، فإنّ الوضيفة الاضطرارية في أوّل الوقت ان افترض مشروعيته وتعلّق الأمر به بعنوان الفريضة كما هو مقتضى إطلاق دليله ، فهذا لا يتم على مسلك مدرسة المحقق النائيني قدس‌سره إلاّمع الاجزاء ـ كما تقدم في المنهج العقلي ـ وإن فرض الشك في ذلك كما إذا فرض عدم الإطلاق في دليل الأمر الاضطراري أو كان فيه إطلاق إلاّ انّه لم يكن مفاده أكثر من أصل مشروعيته ولو كعمل مستحب لا ربط له بامتثال الواجب الفريضة نظير الاعادة جماعة مثلاً ، فعندئذٍ يتم ما ذكر على المسلك المزبور ولكنه لا يتم ما ذكر على المسلكين الاخريين إذ لا يحرز فيه أصل الأمر بالجامع أو الأمر التخييري بل يكون من الشك في وجود تكليف تخييري ـ على الاجزاء ـ أو تكليف تعييني بالاختياري أو تكليفين أحدهما بالجامع والآخر بالفرد أو تكليف تخييري بين الأقل والأكثر ـ على عدم الاجزاء ـ وهذا الشك حاله حال الشك بين التخيير والتعيين من حيث عدم جريان البراءة عن التعيين بناءً على مسلك صاحب الكفاية كما هو واضح.

٢١٧

ثمّ انّه ينبغي تغيير وتصحيح كيفية الاشكال على المحقّق العراقي قدس‌سره بالنحو التالي :

إذا فرض احراز مشروعية الفعل الاضطراري وتعلّق الأمر الموسّع به ـ بنحو لا يستفاد منه الاجزاء ـ فمن الواضح عدم كون الشك من الدوران بين التعيين والتخيير ، بل الأمر التخييري محرز على كلّ تقدير ، ويشك في أمر آخر تعيني بالحصة الاختيارية أو كون التخيير بين الأقل والأكثر والذي يكون الفعل الاختياري لازماً فيه ، وكلاهما ليسا من الدوران بين التخيير والتعيين ، بل الأوّل من الشك في تكليف تعيني زائد ، والثاني من الدوران بين الأقل والأكثر كما شرحناه سابقاً.

وإذا فرض عدم احراز الأمر بالفعل الاضطراري فهنا شقوق ثلاثة :

١ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بملاك الوفاء بالملاك وعدمه.

٢ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بملاك التفويت وعدمه.

٣ ـ أن يدور الأمر بين الاجزاء بأحد الملاكين وعدمه.

ففي الشقّ الأوّل لا إشكال على العراقي قدس‌سره إلاّمن حيث المبنى ؛ لأنّه من الدوران بين التعيين والتخيير ، ومجرّد احتمال ومعقولية الأمر بالجامع والحصة أو التخيير بين الأقل والأكثر بناءً على عدم الاجزاء لا يغيّر الموقف ؛ لأنّ البراءة عن احتمال تعيين التكليف المعلوم بالاجمال غير جارٍ امّا في نفسه ـ بناءً على العلية ـ أو للمعارضة مع البراءة عن أصل التخيير المحتمل والذي هو طرف للعلم الإجمالي ـ بناءً على الاقتضاء ـ وهذا واضح.

٢١٨

فالترديد الموجود في الكتاب بين المسالك بلا وجه إلاّإذا اريد فرض العلم بأنّه على تقدير عدم الاجزاء يكون بنحو الأمر بالجامع والحصة ، أو بنحو التخيير بين الأقل والأكثر ، ولكنه بلا وجه ؛ إذ يحتمل عدم الملاك في الفعل الاضطراري أصلاً.

وفي الشق الثاني ـ والذي لعلّه اشكال بنائي من العراقي حتى على القائلين بجريان البراءة عن التعيين حيث أراد ابراز منجّز آخر وهو الملاك اللزومي المحرز والشك في القدرة على تحصيله ـ يرد عليه :

أوّلاً ـ إذا فرض احتمال الأمر بالاضطراري ولو لوجود مصلحة اخرى فيه جابرة للمصلحة اللزومية الفائتة فهذا رجوع إلى الشقّ الأوّل لبّاً وروحاً ؛ إذ لا يراد بالملاك إلاّالغرض النهائي بعد الكسر والانكسار وهو هنا في الجامع.

وثانياً ـ إذا فرض احتمال الأمر بالاضطراري بملاك الترخيص في التفويت ورفع الحظر العقلي ، فمثل هذا الملاك لا يكون منجزاً لما قيل سابقاً من انّ الملاك الذي يرخص المولى في تفويته لا يكون منجزاً فلو احتمل ذلك في المقام لم يكن الملاك المحرز في الاختياري منجزاً.

وثالثاً ـ إذا فرض العلم بعدم رضا الشارع بالتفويت على تقدير مفوتيّة الفعل الاضطراري فهذا معناه عدم احتمال المشروعية أو الأمر بالاضطراري حتى تخييراً وانّ التكليف والملاك اللزومي في خصوص الحصة الاختيارية غاية الأمر يشك في كونه في خصوص الحصة المقيّدة بعدم سبق الاضطراري أو في مطلق الفعل الاختياري ، وهذا من الدوران بين الأقل والأكثر بلحاظ هذا القيد والذي يجري فيه البراءة حتى عند المحقّق العراقي والخراساني قدس سرهما ، وفي هذا الفرض

٢١٩

يكون تنجيز الحصة الاختيارية لمن جاء بالفعل الاضطراري سابقاً ليس من باب الشك في القدرة على تحصيل الملاك اللزومي فيه ، كيف وهذا ليس من الشك في الامتثال ولا في القدرة على الامتثال بل من الشك في كون الملاك في الحصة والفعل المقدور أو في الحصة والفعل غير المقدور ـ وهو الاختياري غير المسبوق بالاضطراري ـ وهذا من الشك في التكليف ومصبه ، سواء اريد بالتكليف الخطاب أو الملاك ، فلا تتم مقالة العراقي حتى هنا.

وإنّما الوجه في عدم جريان البراءة عن وجوب الحصة الاختيارية لمن جاء بالفعل الاضطراري مع احتمال سقوطه بالتفويت من جهة منجزية العلم الإجمالي بوجوب الاختياري امّا مطلقاً أو مشروطاً ومقيداً بعدم سبق الاضطراري بنحو قيد الواجب ، وهذا العلم كسائر موارد الدوران بين الأقل والأكثر ينجّز الأقل ، وهو ذات الفعل الاختياري.

هذا ، مضافاً إلى جريان استصحاب بقاء التكليف الأعم من الضمني أو الاستقلالي المتعلّق بذات الفعل الاختياري ، وهذا استصحاب منجّز ؛ لأنّ متعلقه وهو الفعل الاختياري لم يتحقق ، فلا يقاس باستصحاب بقاء وجوب الأقل لمن فعل الأقل والذي ليس منجزاً ؛ لكونه مردداً بين ما يكون ممتثلاً وساقطاً بالامتثال وما يكون باقياً ـ كما ذكرناه في بحث الأقل والأكثر ـ وهذا الاستصحاب ينفع للمكلّف الذي كان يقطع ببقاء عذره أو يستصحب بقائه في أوّل الوقت بحيث لم يتشكل له ذلك العلم الإجمالي الدائر بين الأقل والأكثر ، وإن كان ثبوت هذا العلم الإجمالي للفقيه في الشبهة الحكمية ـ كما هو المفروض في هذا البحث ـ أيضاً كافياً لتنجيز فتواه بحق المكلّفين مطلقاً ، فتدبر جيداً.

٢٢٠