أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

كما انّه لا ينبغي الشك في انحفاظ الفرق بين الجملة الانشائية والاخبارية بلحاظ مرحلة المدلول التصوري بناءً على ما هو الصحيح من انّ المداليل التصديقية خارجة من المداليل الوضعية والاستعمالية ، ولهذا نجد وجداناً الفرق بين الجملتين حتى إذا سمعناهما من لافظ غير ذي شعور.

ولا اشكال أيضاً في عدم صحّة الانشائية بالمعنى الأوّل أي ايجاد المعنى باللفظ لا في المعاني التكوينية ولا التشريعية ، فإنّ اللفظ ليس من مبادىء شيء منهما.

ولا يصحّ أيضاً تفسير الانشائية بلحاظ ما سيتولد في طول الكلام من مصداق المعنى خارجاً سواء كان تكوينياً كالطلب أم اعتبارياً كالعقود والايقاعات ؛ لأنّ هذا المصداق إنّما يوجد في طول الاستعمال للفظ في معناه متأخراً عنه فلابد من ثبوت المعنى المستعمل فيه في المرتبة السابقة وهو معنى اخطاري لا محالة وليس ايجادياً ومجرد العلم بأنّه سيوجد مصداق له خارجاً في طول اخطاره في ذهن المخاطب لا يخرجه عن الاخبارية والاخطارية كما إذا علم انّه في طول اخطار معنى سيوجد مصداق له في الخارج أيضاً ، على انّ هذا المعنى لا يتم في جميع المعاني الانشائية وإنّما قد يتم في مثل الطلب والعقود.

وعليه فلابد من تفسير للانشائية يجمع كل هذه الوجدانات.

والذي يخطر ببالي القاصر : انّ الذهن له وظيفتان كلتاهما في مرحلة المدلول التصوري :

١ ـ وظيفة التصور للمفاهيم والمعاني في نفسها سواء كانت افرادية أو نسبية

١٠١

ناقصة أو نسبية تامة بالمعنى المتقدم لها.

٢ ـ وظيفة التوجه والتعامل الذهني مع المدرك التصوري من تصديق واذعان به أو استفهام عنه أو ترج أو تمنٍ أو طلب أو الفات ونداء ونحو ذلك ، فإنّ هذه الأعمال والفعاليات الذهنية لحاظية ، أي مفهومة وملحوظة تصوراً من قبل النفس ، لكن لا بلحاظ تصوري مستقل بأن تنطبع صورتها في الذهن ، بل بأن يتحقق واقعها فيه ، فهو حاضر لديه وملتفت إليه بالعلم الحضوري.

وإن شئت قلت : انها من خصائص النسبة التصورية المنطبعة عن الخارج في الذهن أو نحو من وجودها فيه ، والغرض اللغوي يقتضي الوضع بأزائها أيضاً ، فالتجرد عن أدوات الانشاء أو لفظة ( است ) و ( استين ) في اللغات الاخرى موضوعة للدلالة على الفعالية الذهنية الاولى أعني الإخبار عن تحقق النسبة التصادقية وواقعيتها والأدوات الاخرى الانشائية كل منهما موضوعة لواحدة من تلك الفعاليات وهذه الفعاليات بعضها تتعلّق بالنسبة التصورية ـ التصادقية ـ كالاخبار والاستفهام والترجي والتمني ولهذا تدخل عليها ، وبعضها لا تحتاج إلى النسبة التصادقية أو متعلق بالنسبة الفعلية أو المفهوم الافرادي كالنداء والطلب.

ولعلّ هذا هو روح مقصود السيد الشهيد قدس‌سره فيما سيأتي من انّ الاختلاف راجع إلى وعاء التحقق والطلب والاستفهام ونحوه بقرينة قوله في الذيل ( وإن شئت قلت حصص مختلفة من النسبة التصادقية في الذهن ... ) فالانشائية والاخبارية راجعتان إلى كيفية لحاظ النسبة التصورية في الذهن وكونها في موقع التصديق بها أو الاستفهام عنها أو نحو ذلك.

١٠٢

وإن شئت قلت : انّ الاستجابة الذهنية التصورية الحاصلة بأدوات الانشاء تختلف عن الاستجابة الذهنية الحاصلة بأدوات الاخبار ، ففي مورد الطلب مثلاً يحس السامع ذهنياً باستجابة الدفع والارسال كما لو دفعه شخص ، وفي مورد النداء استجابة النداء والترجي والرجاء وهكذا ... ومن هنا قيل انها ايجاد المعنى باللفظ ، وفي موارد الاخبار تكون الاستجابة استجابة ارائة شيء في الواقع والحكاية عنه ، وكل هذه الاستجابات الذهنية في مرحلة التصوّر ، أي ليست متقوّمة بوجود مدلول تصديقي ؛ ولهذا تحصل في الذهن حتى إذا سمعت الجملة الخبرية أو الانشائية من الجدار.

ويتضح ممّا تقدم امور :

منها ـ انّ الاخبار أيضاً ايجاد للحكاية الذهنية عن الخارج تصوّراً ، إلاّ انّه حيث انّ متعلقه تحقق النسبة التصادقية والتصديق بها فيقبل أن يتصف متعلقه بالصدق والكذب ، وهذا بخلاف المعاني الانشائية الاخرى.

ومنها ـ انّ هذا المعنى محفوظ حتى مع عدم الجدية لأنّ هذه الفعاليات الذهنية تحصل قهراً في مواردها بأي داعٍ كان ايجادها في الذهن كما هو واضح.

ومنها ـ الفرق بين الجملة الانشائية الطلبية أو الندائية والجملة الانشائية الاستفهامية ونحوها من أدوات الانشاء التي تدخل على النسبة التصادقية ، فإنّ هذا ملحوظ تصوراً أيضاً باعتبار انّ النداء والطلب لا يتوقف على ملاحظة نسبة تصادقية بخلاف مثل الاستفهام والترجي والتمني.

١٠٣

ومنها ـ انّ الجملة الخبرية المستعملة في مقام الانشاء خارجة عن ذلك المعنى للانشاء رأساً وإنّما هي نظير الإخبار عن انّه يأمره فعلاً حيث يتحقق به مصداق الأمر حقيقة في الخارج فهو يخبر عن انّه يبيع مثلاً لأنّه متحقق به فهذا سنخ آخر من الانشاء وبلحاظ التقسيم المتقدم للاخبار والانشاء هو اخبار في الحقيقة يتحقق به مصداق له.

ومنها ـ انّ نقصان النسبة التصادقية حينما تدخل عليه أدوات الانشاء كالاستفهام والترجي والتمني أو الطلب ليس بلحاظ المدلول التصوري وانقلابها إلى نسبة ناقصة ولهذا لا يصحّ جعل نسبة وصفية أو اضافية في محلها مدخولاً لأدوات الانشاء ، بل بمعنى عدم لحاظها في وعاء التحقق وموقع الإخبار عنها الذي كان مفاداً بالدال العدمي وهو التجرد عن أدوات الانشاء أو بلفظة ( است ) و ( استين ) في بعض اللغات الاخرى ، ولهذا لا توجد مجازية ولا تصرف في مدلول الجملة لأنّ الدالّ على ذلك الوعاء واللحاظ إنّما هو دالّ آخر لا نفس الجملة ونفس الشيء يقال في الجملة الشرطية ، فإنّ أدوات الشرط تدلّ على أنّ النسبة التصادقية لا يراد الإخبار عنها بالفعل كما لو جاءت مجردة عن أداة الشرط وإنّما الملحوظ التلازم بين صدقها وتحققها وصدق جملة الجزاء.

ومنها ـ انّ ما ذكره الاصوليون في المقام وصوروه من أنحاء من النسب كالنسبة الاستفهامية والطلبية ونحوها مما لا يرجع إلى محصل ، إذ مضافاً إلى ما ذكره السيد الشهيد قدس‌سره من انّ هذه المعاني أو النسب خارجية فلا يمكن أن تكون في الذهن نسب تامة بل ناقصة تحليلية.

١٠٤

أقول : زائداً على ذلك يرد عليه انّ الاستفهام والترجي والطلب معان عرضية ذاتية وليست نسباً أي ليست عين الربط والنسبة كالظرفية والابتدائية وإنّما هي وجودات في نفسها ولكنها عرضية تعرض على النفس كالأعراض الاخرى كالعلم مثلاً والحب والبغض ، ومجرد كونها ذات اضافة وتعلق لا يجعلها نسبة ووجوداً ربطياً كما هو واضح.

فما ذكر في كلمات الأعلام والسيّد الشهيد قدس‌سره أنّها موضوعة للنسبة الارسالية أو الاستفهامية أو نحو ذلك لا يمكن المساعدة عليه ، وكأنّهم صاروا إلى اختيار ذلك باعتبار تصور انّ كل مدلول غير اسمي لابد وأن يكون نسبياً ، وهو غير تام. والله الهادي للصواب.

ص ٣٠٦ قوله : هيئة الفعل ... الخ.

الذي يخطر بالبال انّ مفاد الجملة الفعلية ليس هو النسبة التصادقية والتي مفادها اتحاد المحمول مع الموضوع أو صدقه فيه بل نسبة اخرى ولنسميها بالنسبة التحققية بمعنى انّ الذهن يتصور منها تحقق الحدث وخروجه إلى الفعلية ومن العدم إلى الوجود والحدوث ـ بأنحائه المختلفة من الحلول أو الصدور أو الوقوع أو غيرها ـ ولا ضير في أن تكون هذه النسبة التحققية كالتصادقية نسبة تامة ـ خلافاً لما في الكتاب ـ إذ ليس المراد أخذ مفهوم التحقق بل واقعه وليس واقعه تحصيصاً في المفهوم بل كالتصادق والصدق أمر مربوط بكيفية افناء المفهوم ولحاظه في خارج الذهن ، فما ورد في الكتاب من انّ النسبة الصدورية لابدّ وأن تكون ناقصة ثمّ التفتيش عن كيفية ذلك كله مما لا مأخذ له.

ثمّ انّ الظاهر انّ هذه النسبة التحققية التامة مفاد هيئة الفعل نفسها فإنّها

١٠٥

تدلّ على التحقق في الماضي أو الحال والمستقبل لا أنّها مفاد هيئة الفعل والفاعل والدليل على ذلك مضافاً إلى الوجدان القاضي بتبادر التحقق من نفس هيئة الفعل بمجرد سماعه بلا انتظار إلى سماع الفاعل ما نجده من أخذ التقدير للفاعل كلما لم يكن ظاهراً ، مما يعني انّ هيئة الفعل بنفسها تقتضيه أي تدلّ على معنىً تقتضي فرض فاعل بالدلالة الالتزامية ، فتكون الفرضية الثانية في الكتاب هي الأوفق بالوجدان اللغوي مع التطوير الذي ذكرناه ، ويمكن ابطال الفرضية الاولى باشكالات اخرى لا داعي إلى التطويل فيها ، فراجع وتأمل ، والله الهادي للصواب.

ص ٣١٤ قوله : ( هيئة المصدر ... ).

وقع البحث عندهم في ما اشتهر من انّ المصدر أصل في الاشتقاقات بعد افتراض انّ المراد معناه لا لفظه وهيئته فإنّها لا تكون محفوظة في المشتقات جزماً ، فذهب بعض ـ كالميرزا قدس‌سره ـ إلى انّ المصدر أيضاً ليس بالدقة أصلاً ؛ لأنّ فيه مادة وهيئة لكل منهما معناه وكذلك اسم المصدر فهما في عرض سائر الاشتقاقات ، وإنّما الأصل هو المادة السيالة السارية في جميع المشتقات ، وهي كالقوة والمادة الفلسفية التي لا تتحقق إلاّبالصورة النوعية ، فكذلك المادة هنا لا تكون إلاّضمن هيئة معينة. ومن هنا وقع البحث في وضع هيئة المصادر وأسمائها لمعنى زائد وعدمه.

والمصدر واسم المصدر قد يكون لهما صيغتان كالغُسل والغسل وكثيراً ما يكونان بصيغة مشتركة.

ويمكن أن يكون المقصود من كون المصدر أصلاً انّه بلفظه أصل ولكن

١٠٦

لا بمعنى الهيئة الخاصة الموجودة في المصدر بل الأعم منه ومما في المشتقات أي مطلق الحروف الثلاثة في الضرب مع كون الضاد منها قبل الراء والراء قبل الباء سواءً مع الفصل بحروف اخرى كما في سائر الاشتقات أو بدونه فتكون الحروف الثلاثة بهذه الهيئة المشتركة في جميع المشتقات موضوعة للحدث.

ولعلّ هذا هو المقصود من المادة أيضاً في كلمات الاصولي.

ص ٣١٦ قوله : ( ٤ ـ .... مع الغض عن كونه خلاف الوجدان والذوق العرفيين ... ).

يمكن أن يكون الوجه في كونه خلاف الوجدان والذوق العرفي انّه لا يناسب طريقة تعدد الدالّ والمدلول العرفية لأنّ المصدر عندئذٍ لا يدلّ سماعه على شيء بل لابدّ من الانتظار ليرى هل يأتي مستقلاًّ أو مضافاً فيكون استقلاله واضافته جزء الدال على المعنى ، وهذا خلاف طريقة تعدد الدال والمدلول.

وبتعبير آخر : انّ دلالة المصدر على النسبة يستلزم دلالته التزاماً على طرفها أيضاً لأنّ النسبة بلا منتسبين لا يتصور ، وحيث انّ الكلام في المدلول التصوري وحيث انّ النسبة الناقصة تحليلية لابد وأن ترجع إلى صورة ذهنية واحدة لا محالة ، فإذا كانت الهيئة دالّة على النسبة الناقصة فلا محالة هناك دلالة تصورية على طرفها أيضاً وهو الذات المبهمة لا محالة فيرجع المحذور المبين في الاشكال الثاني ـ المفارقة الثانية ـ.

وهذه نكتتة كلية حاصلها : انّه لا يمكن أن تكون الهيئة دالّة على النسبة بلا طرفها في النسب الناقصة.

نعم ، يمكن أن تكون الهيئة مع المضاف إليه المصدر دالّة على النسبة إليه

١٠٧

بنحو تعبد الدالّ والمدلول وتكون الهيئة مجردة دالّة على ذات الحدث بلا انتساب.

إلاّ انّ هذا معناه أنّ الدال على النسبة إنّما هو هيئة المصدر مع الاضافة أي مجموع الهيئتين مع كون احداها موضوعة لذلك فيكون لغواً ، بل على خلاف الطريقة العرفية في وضع هيئات المفردات لمعاني في موادها مع قطع النظر عن الهيئة التركيبية التامة أو الناقصة لأكثر من مفردة. بل بناءً على ما هو التحقيق من انّ الدلالة الوضعية تصورية وانها عبارة عن أمر تكويني ينشأ من القرن الذي هو أيضاً أمر تكويني لا يعقل ذلك لأنّ هيئة الاضافة مطلقاً إذا كانت موضوعة أي بمثابة العلّة لتصور النسبة التقييدية الناقصة فجعل هيئة المصدر لنفس المعنى غير معقول لأنّ جعلها مطلقاً خلف المفروض وجعلها مقيدة بهيئة الاضافة معناه وضع الخاص مع كون العام موضوعاً وهو أشبه باجتماع علتين على معلول واحد.

ص ٣١٨ قوله : ( وهذا الوجه لو تم لكفى في أداء حقه ... ).

الظاهر انّ هذا الجواب هنا خطأ ومحله الجواب على الوجه الثاني القادم تحت عنوان ( ومنها ـ انا نرى الفرق عرفاً ... ).

ص ٣١٨ قوله : ( فالبيان المذكور ينفع لتصوير الفرق بين مدلول المصدر ومدلول اسم المصدر لا لبيان انّ هيئة المصدر لها مدلول قد وضعت لافادته ).

يعني : لعلّ الفرق المذكور بلحاظ أخذ الخصوصية في مدلول المادة المشتركة بين المصدر وبين سائر المشتقات ، فالمصدر كسائر المشتقات يدلّ على المبدأ بما هو حدث صادر من فاعله بخلاف اسم المصدر لا انّ هيئة المصدر موضوعة لمعنى زائد.

١٠٨

ص ٣١٨ قوله : ( إلاّأن يقال انّ مرجع هذا إلى ذاك ).

يعني أنّ هذه الزيادة لابد وأن تكون مأخوذة في الهيئة لا المادة المشتركة بين المصدر واسم المصدر وسائر المشتقات وإلاّ لزم التناقض والتهافت في اسم المصدر لثبوت المادة السارية فيه أيضاً ، فلابد وأن تكون المادة في ضمن هيئة المصدر وسائر المشتقات دالّة على ذلك ، وهذا معناه دلالة الهيئة ضمناً على خصوصية فيكون اسم المصدر أقل مدلولاً من المصدر وسائر المشتقات ، ولهذا يكون أسبق على ما سنشير إليه.

ص ٣١٩ قوله : ( والاخراج بازاء نفي خاص منه وهو الخروج التحميلي ... ).

بل تحميل الخروج وهو فعل آخر غير نفس الخروج ومن هنا يكون فاعله المخرج لا الخارج بخلاف الخروج.

ص ٣١٩ قوله : وفيه : انّا بيّنا آنفاً ... الخ.

أي انّ الخروج موضوع لحدث الخروج الذي فاعله القابل له وامّا الموجب لخروج الغير فهو فاعل حدث الاخراج.

ص ٣١٩ وهكذا يتضح ... الخ.

لم يتضح لي الفرق بين المصدر واسم المصدر بالنحو المذكور الذي وافق عليه السيد الشهيد قدس‌سره ، والفرق بين الغَسل والغُسل لا يبعد أن يكون من ناحية انّ الأوّل لوحظ بما هو حدث وصفة للغاسل ـ الفاعل ـ بينما الثاني لوحظ بما هو صفة للقابل فأكثر من هذا المقدار لا أفهم فرقاً بين المصدر واسم المصدر بل قد لا يكون معقولاً ثبوتاً ، والله العالم بالحقائق.

١٠٩

ص ٣٢٠ قوله : ( ٣ ـ هيئة المشتقات ... ).

هذا المبحث منشأ البحث المنطقي بين صاحب الحاشية على شرح المطالع ـ المحقق الهمداني ـ وشارحه وهو كما في الكتاب بحث منطقي لا ربط له بالبحث الاصولي اللغوي التحليلي ، ولم يكن ينبغي مزج أحدهما بالآخر كما فعله الأصحاب ، فإنّ البحث هناك عن الماهيات والطبايع والفعل الحقيقي لا معاني الألفاظ وما وضعت له ولا ملازمة بينهما كما أنّ البحث المنطقي أو فهم المناطقة لا دخل له باسلوب البحث اللغوي أصلاً ، وهذا كله واضح ، فينبغي ايراد البحث بالشكل اللغوي الأصيل. والاستدلال على النفي أو الاثبات فيه حسب مناهج البحوث اللغوية وبأدلتها من التبادر والوجدان اللغوي وغير ذلك معرضين تماماً عن كلمات الدواني واشكالات صاحب الفصول وأجوبة اشكالات صاحب الكفاية على الفصول ونحو ذلك.

وتحرير محل البحث أنّ المشتقات المشتملة على هيئة ومادة يقع البحث في تركيبها وبساطتها في عالم المفاهيم المدلولة لها. وعلى كل من التقديرين أيضاً يبحث انّ مركز الثقل في جريها وانتزاعها هل هو الذات المتلبسة بالمبدأ أو المبدأ المنتسب إلى الذات ، فالصور أربعة عقلاً كما انّ الأقوال كذلك كما في الكتاب.

وقبل البحث عن أدلّة الطرفين وتهذيبها ينبغي تحرير النزاع في المراد من البساطة والتركيب ، فقد ذكر السيد الخوئي وتابعه الشهيد الصدر أنّ المراد من التركيب ليس هو التركيب والتعدد في المفهوم والتصور الذهني ؛ إذ لا يتبادر من المشتقات إلاّمفهوم وحداني لا مفاهيم متعددة.

١١٠

وقد حلّلها السيد الشهيد بأنّ النسب الناقصة الخارجية الواقعية تحليلية في الذهن وليست واقعية وإلاّ كانت تامة ، ولا إشكال انّ المشتقات على القول بالتركيب نسبها ناقصة وخارجية فتكون في الذهن تحليلية.

فمدعي التركيب ـ ومنهم السيد الخوئي والشهيد ـ يدعي التركيب التحليلي العقلي لا التركيب في الوجود الذهني التصوري ، وصاحب الكفاية المدعي للبساطة أيضاً يدعي انّ القائل بالبساطة يدعي البساطة بحسب المفهوم واللحاظ الذهني لا بحسب التعمّل والتحليل العقلي ، كيف والأسماء الجامدة أيضاً مركبة من الجنس والفصل بحسب التحليل العقلي.

ومن هنا ذكر السيد الخوئي أنّ مدعى الخراساني بحسب الحقيقة لا ينافي القول بالتركيب وانّ ما يدعيه من البساطة مسلم لا نقاش فيه عند أحد ، وأنّه قائل بالتركيب واقعاً ويسميه بساطة بلحاظ الوجود الذهني.

إلاّ انّ الظاهر انّ التركيب الذي يدعي صاحب الكفاية امكانه وعدم منافاته مع البساطة التي اختارها غير التركيب الذي يدعيه السيد الخوئي والسيد الشهيد قدس‌سره ، إذ مراد الكفاية من التركيب التركيب الثابت في تعريف الطبايع وتحليل الماهيات من حيث هي ماهيات ، ولا ربط لها بالمعاني والمداليل أصلاً ، بينما التركيب الذي يدعيه العلمان وقبلهما المحقق الاصفهاني قدس‌سره إنّما هو التركيب بحسب المفهوم ، ومن هنا يرون مرادفة المشتق مع قولنا ذات لها المبدأ. أو أيّة نسبة وصفية ناقصة ، وهذا ينكره الخراساني قدس‌سره ويدعي بساطة مدلول المشتقات في عالم المفهوم كالجوامد ، فتدبر جيداً.

١١١

ص ٣٢٥ قوله : ( وهذا الاعتراض لا مأخذ له نقضاً وحلاً ... ).

محصّل الاشكال : انّ ما أفاده السيد الخوئي من انّه مع التعدد في الوجود لا يصح العمل بمجرد كيفية لحاظ المفهوم وإن كان صحيحاً ، إلاّ انّ ما أفاده من انّه مع الاتحاد وجوداً يصح الحمل ولا يمنع عنه كيفية لحاظه غير تام للنقض بالمصادر الجعلية المنتزعة عن موجود واحد ، فالانسان والانسانية وجود واحد في الخارج وإنّما الاختلاف في كيفية اللحاظ ، وكأنّ الذهن يحلّله إلى شيء له الانسانية فينتزع المصدر الجعلي في هذه المرحلة والتي من خلالها يرى شيئين فلا يصح الحمل لا محالة.

ص ٣٢٦ قوله : إلاّ انّ الالهام الفطري للانسان ... الخ.

ويمكن الاجابة بجواب آخر حاصله : انّه حتى إذا قبلنا وحدة الوجود الخارجي للعرض ومعروضه إلاّ انّ الميزان في وحدة المفهوم وتعدده وحدة منشأ انتزاعه وتعدده ، فإذا كان الوجود الواحد في الخارج ينتزع الذهن منه انتزاعين من جهتين مختلفتين لم يصح حمل أحدهما على الآخر وكان المفهومان متباينين مفهوماً وصدقاً وانّ اتحدا وجوداً ، والمصدر والمشتق كذلك ، إذ الأوّل منتزع عن الحدّ والكيفية فيكون بأزاء العرض بينما المشتق منتزع عن المحدود والذات فيكون بأزائه فلا يصح حمل المصدر على ما انتزع من الذات.

والدليل عليه المصادر الجعلية التي يقبل الالهام الفطري وحدة الوجود الخارجي فيها ، فلا ينبغي ربط المسألة بتعدد الوجود الخارجي للعرض وموضوعه أصلاً ، كيف والحمل والاشتقاق ليس مخصوصاً بالأعراض

١١٢

الوجودية الخارجية أصلاً بل هما جاريان في الاعدام والأعراض الانتزاعية والاعتبارية الواقعية النفس الآمرية كالامكان والامتناع للماهية أو الوضعية كالطهارة والزوجية والملكية.

ص ٣٢٦ قوله : ( والصحيح في مناقشة هذا التفسير للابشرطية ... ).

أجوبة أدلّة الميرزا على نفي التركيب واضحة ، كما أنّ اشكالات السيد الخوئي على البحث الاثباتي لمدعى الميرزا واضحة المناقشة كما في الكتاب. إلاّ أنّ روح الاشكال على القسم الاثباتي لمدعى الميرزا والذي يفهم من كلمات السيد الخوئي والسيد الشهيد أنّ الوجدان الفطري يرى تعدد المبدأ والذات المحمول عليه المشتق امّا في الوجود كما في الأعراض الخارجية أو في منشأ الانتزاع والادراك بحيث لا يرى اتحادهما وهذا ثابت حتى في المصادر الجعلية المنتزعة عن الجوامد.

نعم ، هذا المطلب لا يثبت التركيب بل ينسجم مع قول صاحب الكفاية بالبساطة المنتزعة عن الذات لا المبدأ.

والسيّدان يدعيان التركيب على أساس الوجدان وأضاف السيد الشهيد بأنّ المفهوم البسيط المنتزع إن كان الانتزاع فيه بمعنى الادراك لما في الواقع خارج الذهن فمن الواضح وجود ذات ومبدأ ونسبة فيه ، وهو معنى التركيب وإن كان الانتزاع بمعنى اختراع مفهوم وحداني بسيط والباسه للذات في الخارج فهذا خلاف الوجدان القاضي بأنّ المشتقات طبايع خارجية وليست اختراعية ذهنية فلابدّ من القول بالتركيب من ذات مبهمة لها المبدأ.

١١٣

ويمكن أن يستدل أيضاً على مدعي التركيب بوضوح تعدد وضع الهيئة والمادة في المشتقات أي لا إشكال في اللغة العربية على الاستفادة من وضع الهيئات والمواد بالوضع النوعي لمعانيها المختلفة ، وهذا لا يناسب القول بالبساطة بل لازمه التركيب ووجود ثلاث مداليل ـ ولو تحليلية كما في الحروف ـ وهي المبدأ والنسبة والذات ، ويضيف السيد الشهيد قدس‌سره في ذيل هذا البحث : انّ المشتق الاصولي ـ لا النحوي ـ كالسيف والزوج والحر أيضاً معناه مركب ، إلاّ انّ المأخوذ فيه مصداق الشيء لا مفهومه ، أي الطبيعة الخاصة ، فالسيف للحديد المجعول بنحو خاص ، والزوج أو الحر للانسان المتصف بالوصف الخاص ، وهكذا.

إلاّ انّ هذا الوجدان المدعى من قبلهم يقابله الوجدان الذي يدعيه الخراساني على البساطة ، بمعنى الفرق بين قولنا : ( عالم ) و ( ذات لها علم ) فإنّهما يختلفان حتى بلحاظ المرئي والمحكي والمتصوّر ، وإن كان وجودهما في الذهن واحداً ، فإنّ ( عالم ) ليس في محكيه إلاّعنوان ومحكي واحد ، بخلاف ذات لها العلم فإنّها محكيّات ثلاثة ولو ضمن صورة ذهنية واحدة.

بل وهناك أمر آخر لا يمكن تفسيره على القول بالتركيب ، وحاصله : أنّه لو كان معنى ( عالم ) ( من له العلم ) وكانت المادة دالّة على المبدأ والهيئة على النسبة فأين الدال على الذات؟ وهذه نقطة هامّة سنحلّلها عند بيان قول الخراساني قدس‌سره فانتظر.

كما أنّ دعوى التركيب في مثل الزوج والحر والسيف غير قابل للقبول ، فإنّها كأسماء الجوامد الاخرى ، بل لو كان كما ذكر السيد الشهيد كان لابدّ من

١١٤

الاحساس بالتكرار في قولنا : ( الإنسان حرّ ). أي انسان له الحرية مع وجدانية عدم ذلك.

ص ٣٢٧ قوله : ( القول الثاني ومناقشته ... ).

لا وجه لحصر دليل هذا القول في هذا الوجه الذي يكون توجيهاً للجهة الاثباتية من مدعى النائيني قدس‌سره ، بل ينبغي طرحه مستقلاًّ والاستدلال عليه.

ويمكن الاستدلال له عليه تارة : بما في الكفاية في ذيل مناقشاته مع صاحب الفصول من انّ القول بتركيب معنى المشتق إذا اريد به تركبه من واقع الشيء الذي له المبدأ يلزم استفادة التكرار في مثل قولنا : ( الإنسان كاتب ) أي الإنسان انسان له الكتابة ، وهو خلاف الوجدان. وأضاف السيد الخوئي بامتناع ذلك لأنّ الذوات التي يجري عليها المشتق متنوعة غير متناهية فكيف يمكن أخذها جميعاً.

وهذا البيان لا ينفي التركيب الذي يدعيه المحقق الاصفهاني والسيد الخوئي والشهيد الصدر من أخذه ذات مبهمة في المشتقات.

واخرى : يمكن أن يستدل عليه بأنّ أخذ مفهوم الذات أو الشيء الذي له المبدأ يلزم منه الاشتراك اللفظي في المشتقات بلحاظ جزء معانيها وهو الشيء أو الذات وهو أيضاً خلاف الوجدان.

ويمكن أن يجاب بالمنع عن كونه خلاف الوجدان ، كيف والوجدان يشهد بأنّ المشتقات كلها تجري على الذوات وأوصاف لها وإنّما الاختلاف في المبادىء والنسب المفاد عليها بالمادة والهيئة وهما مختلفان من مشتق لآخر.

١١٥

وثالثة : يمكن أن يستدل على مدعى صاحب الكفاية بوجدانية الفرق بين قولنا من له العلم وقولنا عالم حيث يتصور الذهن في الأوّل مفهوماً مركباً من قبيل ( غلام زيد ) الذي يلحظ فيه ( غلام ) و ( زيد ) مستقلاًّ ذهنياً رغم كون النسبة بينهما ناقصة خارجية. بينما في الثاني لا يتصور الذهن إلاّمفهوماً واحداً بسيطاً منتزعاً عمن له العلم.

وهذا الوجدان لا ينبغي إنكاره ، فإنّ الالهام الفطري للانسان يشهد وجداناً أننا نتعامل مع المشتقات كما نتعامل مع الأسماء الجامدة ، بمعنى أننا نجدها في عالم الذهن والتصور مفاهيم وحدانية منطبقة على مصاديقها الخارجية كانطباق الإنسان والحيوان على مصداقهما الخارجي ، أي عناوين منتزعة عن المصاديق الخارجية ومجعولة في الذهن لنفس تلك الوجودات ، غاية الأمر يختلف عن الجوامد في انّ انتزاع الجامد كأنّه انتزاع مطلق عن تلك الذات ، وليس بلحاظ جهة طارئة عرضية بخلاف المشتق حيث يكون هذا الانتزاع فيه بلحاظ وجود المبدأ الذي هو أمر عرضي زائل مع انحفاظ الذات ، فكأنّها عناوين منتزعة ما داميّة لا مطلقة ، بخلاف الجوامد إلاّما يكون منها كالمشتقات كالسيف والزوج.

والحاصل الذات والنسبة والمبدأ في جملة من له العلم الناقصة ملحوظ مستقلاًّ بخلافه في العالم فإنّه ليس كذلك وجداناً وإنّما يتبادر منه إلى الذهن تصور الموجود الخارجي للعالم كالانسان والحجر. نعم ، مبدأ العلم ملحوظ أيضاً بما هو حالة خاصة وحيثية تعليلية لانتزاع العنوان الاشتقاقي المنطبق على الذات التي لها العلم.

١١٦

وهذا هو الذي جعل كلاًّ من العلمين النائيني والخراساني ومن تبعهما يتفقان على البساطة ولكنهما اختلفا في كيفية تحليله.

فالميرزا لاحظ المبدأ بما هو حالة عارضة فعبر عن المشتق بأنّه موضوع للمبدأ لا بشرط من حيث الحمل ، أي بما هو يعكس ويظهر موصوفه ومعروضه ، والخراساني لاحظ الذات ولكنه لم يأخذه كمفهوم عرضي في مدلول المشتق ، بل ادّعى انّ المشتق منتزع من الذات المتلبسة بالمبدأ على حد انتزاع الأسماء الجامدة من معانيها ، إلاّانّها منتزعة بلحاظ ذاتها ومطلقاً بينما المشتقات تنتزع بلحاظ المبادئ العارضة وما دامت كذلك.

ومنه يظهر أنّ مفهوم الذات أيضاً لم يؤخذ في المشتقات وإنّما المشتقات كالجوامد منتزعة عن مصاديقها الواقعية في الخارج أي عن الوجود العيني الخارجي وليس هذا بمعنى أخذ مفهوم الوجود العرضي في مدلولها ، فكما لا يكون مفهوم الوجود العرضي مأخوذاً في الجوامد كذلك لا يكون مفهوم الذات مأخوذاً في المشتقات وإنّما هي كالجوامد منتزعة عن الوجود العيني الخارجي المتصف بالمبدأ ما دام متصفاً لا أكثر.

وممّا يؤكد ذلك وجدانية البساطة في المشتق الاصولي أي الزوج والحر والسيف ، فإنّه كأسماء الجوامد من حيث البساطة مع أنّ خصوصية المشتق ثابتة فيه.

ويمكن أن يستدل أو يذكر كمنبّه وجداني على نفي التركيب أيضاً أن المشتق لو كان مركباً من ذات لها المبدأ فلماذا لا دال على الذات فيه حيث انّ الهيئة لا إشكال في وضعها ـ بناءً على التركيب ـ للنسبة والمادة للمبدأ فأين الدال

١١٧

على الذات.

ودعوى الدلالة الالتزامية قد عرفت في الكتاب عدم معقوليتها في المعاني النسبية ، فإنّها متقومة بالطرفين تقرراً وذاتاً ، فلا يمكن أن يتحقق تصور لها قبل تقرر طرفيها ذهناً ، لكي تتشكل له دلالة التزامية. على أنّ الدلالات اللفظية الوضعية تصورية لا تصديقية والتلازم المذكور تصديقي لا ربط له بالمقدم.

ويمكن أن يقال : انّ هذا الاشكال يواجه القائل بالبساطة أيضاً بنحو آخر إذ لا إشكال أنّ الهيئة لها وضع نوعي وكذلك المادة ، وأنّ المشتقات من باب تعدد الدال ، وهذا لا يمكن أن يجتمع مع القول ببساطة معنى المشتق بل يساوق التركيب.

والتحقيق أن يقال : بأنّ هيئات الأسماء المشتقة ليست موضوعة للدلالة على النسبة ، بل للدلالة على الذات المتلبسة بالمبدأ وكيفية التلبس هيئة وحالة للذات المتلبسة ، وهي تختلف باختلاف أنحاء التلبس ، وقد وضعت هيئة فاعل للذات التي لها حالة صدور أو حلول المبدأ منه ومفعول للذات الواقع عليها المبدأ ، وهكذا.

وهذا يمكن أن يكون بنحو الانتزاع البسيط بل لابد وأن يكون كذلك وإلاّ كان أحد الأجزاء لا دال عليه ، ولا ينافي ذلك تعدد الوضع والدلالة في المادة والهيئة للمشتق لأنّ الهيئة لما كانت صالحة لدخولها على المواد المختلفة فلتسهيل الوضع استفيد من الوضع النوعي فيها وفي المادة وتكون المادة الدالة على المبدأ حيثية تعليلية لانتزاع وادراك المفهوم البسيط وهو على حد الطبائع في أسماء الجوامد.

١١٨

وإن شئت قلت : كما انّ الذهن يضع الاسم الجامد لمفهوم الإنسان والحجر والحيوان المنتزع من الوجودات الخارجية المعنية كذلك يضع مفهوم عالم عادل قائم ... الخ لمفهوم يأتي إلى الذهن من تصور الموجود الخارجي في حالة القيام أو العالمية والعادلية وهكذا من دون فرق بينهما إلاّمن ناحية التوسعة في الوضع من ناحية أنّ الهيئة يمكن وضعها النوعي بالاضافة إلى المواد المتنوعة التي يمكن أن تدخل فيها والتي هي حيثيات تعليلية لحالة المتلبس بها ، وهذا لا يستلزم التركيب ، ففرق بين مفهوم ذات لها القيام ومفهوم قائم كالفرق بين مفهوم ذات لها الانسانية أو الشيئيّة وانسان أو شيء من حيث تركب الأوّل وبساطة الثاني. وبهذا نستطيع أن نجمع بين الوجدانات العرفية المتعددة في المقام ، فتدبر جيداً.

ص ٣٣٠ س ١٠ قوله : ( وقد وضعت المشتقات بحسب النوع بأزاء هذا المعنى وإن كانت قد تدخل على ما يكون ذاتياً بحسب الدقة كالممكن مثلاً ، ولعلّه باعتبار عرضيته بحسب الفهم العرفي ).

أقول : الواقع انّ الوضع اللغوي للمشتقات ليس مربوطاً بحيثية عرضية المبدأ أو ذاتيته للموضوع ، بل مربوط بما ذكرناه من اختلاف جهة انتزاع المفهوم ، فالذهن قد ينتزع مفهوماً عن الحد والكيفية وقد ينتزعه عن الشيء الذي له الكيفية سواءً كانت تلك الكيفية في الواقع أو بحسب مصطلح الفيلسوف ذاتياً أم عرضياً مستقلاًّ في الوجود أو متحداً ، فكل هذا النهج الفلسفي من البحث أجنبي عن الوضع اللغوي للمشتقات والمبادىء. وعلى هذا الأساس لا فرق بين الامكان والممكن أو البياض والأبيض من هذه الناحية.

١١٩

ص ٣٣٥ قوله : ( التحقيق انّ أنحاء التلبس ... ).

هذا الاشكال لا ربط له بأصل البحث فإنّ مفاد هيئة المشتق مدلول حرفي لا بأس بالالتزام فيه بالوضع العام والموضوع له الخاص وليس هو خارجاً عن متحد المعنى ، ولهذا لا يقال في الحروف بأنّها من المشتركات فيعقل أن يؤخذ جامع التلبس الاسمي عنواناً مشيراً من أجل الوضع لتمام أنحاء مصاديقه.

والجهة الأصلية للبحث هي تحقيق أنّ التلبس المأخوذ في مدلول المشتق هل اخذ بنحو لابد وأن يفترض فيه الاثنينية بين المبدأ والذات مفهوماً ووجوداً ـ كشرط زائد فيه ـ وهذا هو مختار صاحب الفصول ونتيجته مجازية إطلاق المشتقات على ذات الباري تعالى لعدم الاثنينية فيه.

أو لا يشترط فيه أكثر من الاثنينية بين الذات والمبدأ مفهوماً وإن لم يتعددا وجوداً ، وهذا هو مختار صاحب الكفاية ـ وهو لا يتنافي مع قوله ببساطة المشتق لأنّه يرى انّ ذلك المفهوم البسيط لا ينتزع إلاّعن الذات المتلبسة ، فالتلبس لابد منه عنده أيضاً لتصحيح الانتزاع ، فيقال بأنّه لا يشترط لصحة الانتزاع أكثر من التلبس ولو كانا بوجود عيني واحد ـ فيكون الصدق على الباري تعالى حقيقياً.

أو لا يشترط هذا المقدار من الاثنينية أيضاً فيمكن أن يصدق المشتق على نفس المبدأ في مثل البيان أبيض والسواد أسود والضوء مضيء. وهذا هو مختار المحقق الاصفهاني قدس‌سره وتابعه عليه السيد الخوئي قدس‌سره بدعوى انّ التلبس المأخوذ في مدلول المشتق مطلق الواجدية التي تصدق على وجدان الشيء لذاته ، فإنّه آكد من وجدانه لعرضه المفارق إذ الأوّل ثابت له بالضرورة.

١٢٠