أضواء وآراء - ج ١

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

أضواء وآراء - ج ١

المؤلف:

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-2730-73-5
ISBN الدورة:
978-964-2730-72-8

الصفحات: ٦٩٤

١
٢

٣
٤

تعليقات على

الجزء الأوّل والثاني والثالث

« مباحث الدليل اللفظي »

البحوث اللفظية التحليلية

مبحث الأمر

مبحث النهي ـ المفاهيم ـ العام والخاص

٥
٦

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد :

من نعم الله سبحانه وتعالى ومِنَنه عليَّ أن وفقني للتعليق على كتابنا

( بحوث في علم الاصول )

الذي هو تقرير لأبحاث استاذنا الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمّد باقر الصدر قدس‌سره ، وذلك خلال اشتغالي بتدريسها وإلقائها على طلاّبنا الأفاضل ضمن دورتين اصوليتين في الحوزة العلمية بقم المقدّسة ، فرأيت أن أجمعها والحقها في دراسة مخصّصة بالأجزاء السابقة من ( بحوث في علم الاصول ) فتكتمل هذه الموسوعة الاصولية عشرة أجزاء.

وقد حاولت أن تكون مشتملة على توضيح ما هو مغلق من عبارات التقرير

٧

واضافة ما ينبغي اضافته من أقوال واستدلالات وما خطر ببالي من نكات أو مناقشات.

ولا شكّ أنّ ما أحرزته المدرسة الاصولية الحديثة في الفقه الإمامي اليوم يعتبر من الانجازات البديعة والتطوّرات الهائلة لمسائل هذا العلم وبحوثه ممّا أعطته مكانة سامية بين العلوم وجعلت منه علماً له طبيعته ومنهجه المتميّز والمستقل رغم تنوّع مسائله واختلاف موضوعاته من بحوث لغوية تحليلية إلى مسائل عقلية نظرية أو عملية وقواعد تشريعية ، إلاّأنّها جميعاً ترتبط بمحور واحد أساس ، وهو الأدلّة والعناصر المشتركة في عملية الاستنباط الفقهي ، واستخراج الأحكام ومعطيات الشريعة الغرّاء.

ومن هنا صار هذا العلم اليوم مفتاحاً لسائر علوم الشريعة ومنطقاً لعلم الفقه على وجه الخصوص ، يوزن به مدى سلامة عملية الاستنباط الفقهي واستنتاج أحكام الشريعة ومعطياتها عن مصادرها وأدلّتها التفصيليّة.

وقد كان لسيّدنا الشهيد الصدر قدس‌سره من بين فقهائنا وأعلامنا المعاصرين الدور الأمثل في توسيع نطاق هذا العلم وتوضيح معالمه ومناهجه ودوره وتأثيره على علم الفقه وعلوم الشريعة الاخرى.

فقد استطاع بنبوغه وفكره العملاق أن يجدّد كثيراً من نظريات هذا العلم ، ويطوّر من بحوثه ومسائله في المضمون والمنهج وطريقة العرض ، بما لا يمكن اليوم أن يستغني عنه كل من يقصد الورود إلى مباحث هذا العلم ويمارس تعليمه أو تعلّمه أو التأليف فيه.

ولا غرو إذا قلنا انّ الحواضر والحوزات العلمية اليوم تتطلّع إلى نظريات وآراء

٨

سيدنا الشهيد الاصولية بشوق بالغ ، وتطالب الأساتذة بعرضها في بحوثهم ومحاضراتهم وتعتبرها أعمق وأحدث ما وصلت إليه المدرسة الاصولية المعاصرة في فقه أهل البيت عليهم‌السلام.

وقد كان هذا أحد الأسباب لاحساسي بضرورة الشرح والبسط لما قرّرناه من بحوث استاذنا الشهيد رغم ما طبع بعد ذلك من تقريرات اخرى ولكنّها ليست بكاملة ولا وافية بأداء آخر ما انتهى إليه الفكر الاصولي للسيد الشهيد قدس‌سره.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمّد استاذنا الشهيد بوافر رحمته ويسكنه الفسيح من جنّاته مع أجداده الطاهرين المعصومين ، وأن يوفقنا للسير على نهجه القويم في خدمة الإسلام والمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين.

قم المقدّسة

السيّد محمود الهاشمي الشاهرودي

شهر رمضان المبارك ١٤٣٠ ه‍

٩
١٠

تعليقات على الجزء الأول

البحوث اللفظية التحليلية

الدلالة اللفظية

نظرية الاستعمال

علامات الحقيقة والمجاز

الحقيقة الشرعية

الصحيح والأعم

الحروف

الهيئات

المشتق

١١
١٢

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

ص ٢١ قوله : ( إلاّأنّ هذا ليس تصحيحاً موفقاً ... ).

أضف إلى ذلك أنّ الوظيفة العملية هي نفس القاعدة الاصولية الشرعية أو العقلية لا ما يستنبط منها.

ومنه يعرف أنّ ما صنعه السيد الخوئي على ما في بعض تقريرات بحثه من جعل الانتهاء إلى الوظيفة العملية أو تحصيل العلم بها هو التعريف ؛ لكونه جامعاً بين موارد العلم بالحكم أو بالوظيفة غير تام أيضاً.

ص ٢١ قوله : ( وهذه المحاولة صحيحة في التغلّب على الاعتراض الأوّل ... ).

وليس البحث في المدلول اللغوي للاستنباط لكي يقال أنّ ارادة هذا المعنى منه خلاف ذلك ، وهذا واضح.

ثمّ إنّ جملة من الأعلام الآخرين حاولوا علاج هذا الاعتراض بحذف كلمة الاستنباط عن التعريف وتبديلها بالحجة ، فالمحقّق الاصفهاني قدس‌سره عرّف الاصول بأنّه ( ما يبحث فيه عن القواعد الممهِّدة لتحصيل الحجة على الحكم

١٣

الشرعي ) (١). والمحقّق الايرواني عرّفه : ( بالعلم الباحث عن الحجة على الحكم الشرعي ) (٢).

إلاّأنّ التعريف المشهور أحسن وأولى منهما ؛ إذ الحجة على الحكم الشرعي نفس القاعدة الاصولية لا النتيجة المستحصلة منها ، كما أنّ المقصود من العلم الباحث عن الحجة لو كان البحث عن كبرى الحجّية فقط خرجت مباحث الدلالات اللفظية ؛ لأنّها تبحث عن صغرى الحجة على الحكم ـ وهو الظهور ـ لا كبراها ، فلا يكون التعريف جامعاً من هذه الناحية.

على أنّ تعريف المشهور فيه دلالة على عملية الاستنباط الفقهي وانّ القاعدة الاصولية تقع في طريقها بنحو الكبرى أو الصغرى ، وهذه حيثية مهمة لابد من الاحتفاظ عليها في التعريف ، وسيأتي أهمّيتها أيضاً في دفع سائر الاعتراضات على التعريف بينهما لا يحفظ ذلك بوضوح في التعريفين المذكورين.

وإن شئت قلت : انّ علم الفقه أيضاً يبحث عن الحجّة على الحكم الشرعي ؛ لأنّه العلم بالحكم الشرعي عن أدلّتها التفصيلية ، والذي يعني تحصيل الأدلّة والحجة على الحكم الشرعي ، وهذا بخلاف التعريف المشهور بعد تعديله بما سيأتي.

ولعلّ صاحب الدرر أيضاً كان يريد دفع الاعتراض الأوّل أيضاً عن التعريف عندما غيّره فعرّف الاصول ( بالقواعد الممهّدة لكشف حال الأحكام ـ الكلية ـ

__________________

(١) نهاية الدراية ١ : ٤٢.

(٢) الاصول في علم الاصول ١ : ٦.

١٤

الواقعية المتعلّقة بأفعال المكلفين ) (١).

ويلاحظ عليه : انّ كشف الحال مبهم ، فإنّ القواعد الاصولية تثبت نفس الحكم الكلي تنجيزاً أو تعذيراً ، لا أنّها تكشف حالة فيه ، على أنّ الأحكام المستكشفة تنجيزاً أو تعذيراً بالقواعد الاصولية لا يشترط فيها أن تكون واقعية ، بل يمكن أن تكون ظاهرية أيضاً ، كما أنّه لا يشترط فيها أن تكون متعلّقة بأفعال المكلّفين ، بل يمكن أن تكون أحكاماً وضعية متعلقاً بالأعيان الخارجية كالطهارة والنجاسة.

وكلّ هذه المحاولات لا داعي لها ، بل لا سلاسة ولا وضوح فيها ، كما في التعريف المدرسي المشهور بعد التوجّه إلى ما يراد من الاستنباط فيه كما شرحناه ، والأمر سهل.

ثمّ إنّه ورد في بعض التقريرات انّه لا موجب لأخذ الحكم الكلّي في التعريف وتخصيص المسألة الاصولية بما يثبت الحكم في الشبهة الحكمية لا الشبهة الموضوعية ؛ لأنّ الوجه في أخذه في تعريفات القوم هو التحرّز عن دخول كثير من المسائل الفقهية في علم الاصول ؛ إذ لولا أخذه وكون المسألة الاصولية مما يتوصل بها إلى حكم شرعي كليّاً كان أو جزئياً يلزم دخول أكثر موارد الفقه في الاصول للتوصل بالقواعد الفقهية إلى أحكام جزئية ، كوجوب الصلاة ونحوه ، وبزيادة قيد التوصل إلى الحكم الكلّي تخرج هذه المسائل.

ولا يخفى أنّ هذا المحذور لا يتأتى على ما ذكرناه من ضابط المسألة كما هو

__________________

(١) درر الفوائد ١ : ٢.

١٥

ظاهر جدّاً ، فلا موجب لأخذ الوصول إلى الحكم الكلّي في ضابط المسألة الاصولية.

والضابط الذي ذكره أنّ المسألة الاصولية ما كان نظرها إلى رفع التردد والحيرة في مقام العمل لا إلى الواقع المحتمل وما يرفع التحيّر والتردّد في مقام العمل ، امّا أن يرفعه ابتداءً كالاصول العملية أو يرفع منشأه وهو الاحتمال كالامارات أو الاستلزامات العقلية المستلزمة للقطع بالحكم ، وهذه مسائل اصولية ، وما يكون نظره إلى الحكم المحتمل نفسه بمعنى انّ مفادها نفس الحكم المحتمل تكون قاعدة فقهية (١).

ويلاحظ على ما ذكر :

أوّلاً ـ انّ تخصيص القواعد الاصولية بما يقع في طريق اثبات الحكم الكلّي في الشبهة الحكمية لا الحكم الجزئي أو الموضوعات في الشبهة الموضوعية ليس من جهة عدم ورود النقض بالقواعد الفقهية أصلاً ، بل من أجل انّ علم الفقه هو العلم بالأحكام والجعول الشرعية الكلية لا احراز موضوعاتها في الخارج ، ومن الواضح انّ اصول الفقه هي أدلّة الفقه وقواعدها المشتركة ، وهذا واضح.

وثانياً ـ ما ذكر في ضابط المسألة الاصولية غير صحيح ، فإنّ ما يرفع التردد إن اريد به رفعه حقيقة بأن يعلم بالحكم الشرعي وجداناً فهذا هو الذي ذكر في أصل الاعتراض الأوّل أنّه لا يعمّ جميع المسائل الاصولية ؛ لأنّ اثبات الحكم بالقواعد التعبدية ليس اثباتاً وجداناً ، وإن اريد به رفعه تعبداً وبالحجة أي تنجيزاً

__________________

(١) منتقى الاصول ١ : ٣٢.

١٦

وتعذيراً ، فهذا نفس الجواب المتقدم ـ من أنّ المراد من الاستنباط الاثبات التنجيزي والتعذيري لا خصوص الاثبات الوجداني ـ فلماذا هذا التمحّل والتغيير في التعريف.

وثالثاً ـ رفع التحيّر والتردد لا يختصّ بالمسائل الاصولية ، بل المسائل الفقهية أيضاً ترفع التحيّر والتردّد كالقواعد الاستظهارية الخاصة ببعض الأبواب الفقهية ، بل تحديد ما هو ظاهر ، وكلمة الصعيد أيضاً يرفع التحيّر في الحكم ، وكذلك علم الرجال والحديث فإنّها تشكّل صغرى قياس الاستنباط الذي يرفع التحيّر ككبرى حجّية الظهور وخبر الثقة ، وهذا واضح.

ص ٢٢ قوله : ( وأمّا الاعتراض الثاني فقد ذكر في مقام دفعه وجهان ... ).

وقبل هذين الوجهين عن السيّد الخوئي قدس‌سره ذكر الشيخ والميرزا وجهاً آخر للفرق بين القاعدة الفقهية والاصولية ، بأنّ المسألة الاصولية تطبيقها بيد المجتهد ولا تنفع العامي ؛ لأنّه لا يتمكن من تشخيص صغراها ، بخلاف الأحكام والمسائل الفقهية فإنّها تلقى إلى المقلّدين فيطبقونها على موضوعاتها الخارجية (١).

وهذا الجواب واضح الضعف ـ كما أشار إليه السيّد الخوئي قدس‌سره نفسه في بعض كلماته ـ فإنّه مضافاً إلى انّه لا يبرز نكتة موضوعية وفنّية لضابط المسألة الاصولية ، انّ من القواعد الفقهية ما لا يمكن القائها إلى المقلّدين كقاعدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ) ، بل وحتى قاعدة ( ما يضمن وما لا يضمن ) فضلاً عن

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٣٠٩. أجود التقريرات ٢ : ٣٤٥.

١٧

مثل ظهور الأمر بالغسل في الارشاد إلى النجاسة ، كما أنّ من القواعد الاصولية ما يمكن القائها إلى المقلّدين ولو في الشبهات الموضوعية كالبراءة والاستصحاب في الشبهات الموضوعية ، بل وحتى الحكمية كما في أصالة الاحتياط في موارد العلم الإجمالي بالتكليف فإنّ المقلّد أيضاً يمكنه تطبيقها على نفسه قبل التقليد ؛ لأنّه يعلم إجمالاً بوجود تكاليف في الشريعة ، وهذا يعني انّ اصولية المسألة ليست مربوطة بهذه النكتة ، بل بالنكات الاخرى التي ستأتي في الأجوبة الاخرى.

ص ٢٤ قوله : ( الأوّل : ما ليس قاعدة بالمعنى الفني ... ).

قد يقال : انّ الوحدة الاثباتية أو العنوانية كافية لصيرورة المسألة قاعدة ولا مبرّر ولا داعي لاشتراط أكثر من ذلك.

وإن شئت قلت : انّ هنا أيضاً توجد نكتة واحدة ثبوتاً وهي أنّ الشارع على أساس ملاك التسهيل والارفاق بالعباد لا يجعل الأحكام الضررية والحرجية ، وهذه كمصلحة التسهيل في الترخيصات الظاهرية الشرعية نكتة وملاك ثبوتي واحد وكالملازمة والاقتضاء في بحث الاستلزامات. نتيجتها نفي إطلاق مجعولات أو جعول متعددة ، فهذا المقدار يكفي لدرجها ضمن القواعد الاصولية لكونها نكتة ثبوتية واحدة يستند الفقيه اليها لنفي تلك الأحكام الشرعية المتنوعة في الشبهات الحكمية ، وإلاّ لاتّجه النقض بمثل أصل البراءة التي هي أيضاً تجميع لرفع إطلاق جعول عديدة ـ ولو ظاهراً وبمعنى رفع ايجاب الاحتياط والاهتمام بها ـ فلا تكون قاعدة بالمعنى المصطلح.

والجواب : المقصود أنّ مثل قاعدة ( لا ضرر ) إن كان مفادها حرمة الاضرار

١٨

فهذه قاعدة فقهية كأي حكم كلّي فقهي تحريمي آخر ، وإن كان مفادها نفي الأحكام الضررية كما هو كذلك في ( لا حرج ) فهذا مضمون ومفاد اخباري بحسب الحقيقة مرجعه إلى أخذ قيد وشرط في الأحكام الشرعية الالزامية ، نظير قيد البلوغ والقدرة وعدم الاضطرار أو الاكراه أو التقية ، فكما يشترط البلوغ والقدرة وعدم الاضطرار والاكراه في كل تكليف كذلك يشترط عدم لزوم الحرج أو الضرر منه ـ عدا ما خرج بالتخصيص ـ فليس هذا المفاد لا حكماً واقعياً آخر غير تلك الأحكام ولا حكماً ظاهرياً أو قاعدة لفظية أو عقلية تكشف عن حكم شرعي آخر ، فحالها حال سائر أدلّة القيود العامة كدليل رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، أو المجنون حتى يفيق ، أو رفع الاضطرار والاكراه وما لا يطيقون وأمثال ذلك ، فكما لا تكون أدلّة تلك القيود العامة قواعد اصولية بل وليست قاعدة ثبوتاً وإنّما القاعدة نفس الأحكام الشرعية الكلية المقيّدة بقيودها العامة والخاصة ، فكذلك قاعدة ( لا ضرر ) و ( لا حرج ).

ومنه يظهر اندفاع النقض بقاعدة البراءة الشرعية ، فإنّها حكم ظاهري وحداني مجعول شرعاً ، وهو غير التكليف الواقعي المشكوك الذي يرفعه تنجيزاً وتعذيراً ، وهذا واضح جدّاً.

ويمكن ارجاع جواب السيد الشهيد هنا إلى جوابين :

أحدهما : أنّ ( لا حرج ) و ( لا ضرر ) ليست قاعدة ؛ لأنّها لا وحدة ثبوتية لها ، وإنّما لها وحدة اثباتية ، أي في مقام التعبير والابراز ، أبرزت قيد التكاليف والأحكام المتعددة بمبرز واحد ، وهذه ليست قاعدة.

والثاني : انّه لو فرض وجود وحدة ثبوتية ولو بلحاظ ملاك النفي وكفاية ذلك

١٩

في تسميته بالقاعدة فهذا ليس حكماً آخر غير تلك الأحكام الواقعية المقيدة ، فتكون نسبتها إلى نفي الوجوب الحرجي والضرر مثلاً نسبة التطبيق لا التوسيط ، أي الحكم المستنبط مجعول نفس هذا الجعل لا جعل آخر.

ثمّ إنّ السيّد الشهيد قدس‌سره قد ذكر في دورته الاولى وجهاً آخر لخروج قاعدة نفي الضرر والحرج عن علم الاصول ، وقد عدل عنه في الدورة الثانية.

وحاصل ذاك الوجه : انّ قاعدة نفي الضرر والحرج قد اخذ فيها مادة معينة من مواد الفقه ، وهي الضرر والحرج ، فتكون كالأحكام المخصوصة بالمواد الخاصة في الأبواب الفقهية كالطهارة والصلاة والصوم ، غاية الأمر تلك المواد عناوين أولية ، وعنوان الضرر أو العسر والحرج عناوين ثانوية ، وسيأتي انّ المقصود من القواعد الممهدة في التعريف القواعد العامة السيَّالة في الفقه غير المختصّة بباب دون باب ، وبمادة غير مادّة ، فخروج مثل هذه القواعد عن علم الاصول يكون بنفس النكتة التي سيأتي ذكرها لاخراج مثل قاعدة الطهارة عن علم الاصول.

إلاّأنّ هذا الوجه غير تام ؛ لأنّه إنّما يصحّ إذا كان مفاد قاعدة ( لا ضرر ) حرمة الاضرار كعنوان ثانوي ، وأمّا إذا رجع إلى نفي جعل الحكم الضرري والحرجي ـ كما هو متعين في قاعدة ( لا حرج ) وهو الظاهر والمشهور في قاعدة ( لا ضرر ) ـ فلا يتمّ فيه هذا الجواب ؛ إذ لا إشكال في انّ هذا المفاد والمضمون السلبي والنافي للحكم الضرري والحرجي سيّال في تمام الأبواب الفقهية والتكاليف الالزامية ، ويكون الثابت بها رفع كل تلك الأحكام المختلفة موضوعاً ومحمولاً في الأبواب الفقهية المتنوّعة ، والميزان تنوّع وسيولة الأحكام المستكشفة بالقاعدة في الأبواب الفقهية وعدم اختصاصها بمادة أو باب فقهي معيّن ، وهذا محفوظ في ( لا حرج ) و ( لا ضرر ) كما هو واضح.

٢٠