توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

كما قال الشيخ ابن سيناء على ما نقل صاحب الشوارق : ثم نقل اسم القبل الى الاشياء الاخر فجعل الفائق والفاضل والسابق أيضا ولو فى غير الفضل متقدما انتهى ولعلهم اكتفوا بذكر الشرف لآبائهم عن ذكر مقابله.

تنبيه اخر : ان التقابل بين التقدم والتأخر تقابل التضايف وبين كل واحد منهما والمعية تقابل التضاد لان التقدم يستدعى التأخر وبالعكس ولا يستدعى شيء منهما المعية ولكن المعية بنفسها يستدعى الطرفين كل منهما متصف بمعية وهى تفارق التقدم والتأخر أيضا من جهة اخرى هى انها من الاضافات المتشابهة الاطراف كالاخوة وانهما من الاضافات المختلفة الاطراف كالابوة والبنوة والعلية والمعلولية.

قول الشارح : اذا نظرت الى الماهية ـ مراده بها ذات المتقدم والمتاخر مع قطع النظر عن الملاك.

قوله : او مغاير ـ اى واما غيرهما.

قوله : لا يفتقران ـ اى لا يلزم ان يكون كل حادث حادثا فى زمان وكل قديم قديما فى زمان لان نفس الزمان خارج عن هذه الكلية لانه سواء كان قديما كما يقول به الحكماء او حادثا كما يقول به المتكلمون لا يمكن ان يكون فى الزمان للزوم التسلسل فيه.

قوله : واما القدم والحدوث بالمجاز ـ ويقال لهما الاضافيان.

قوله : ما لا يستطال زمانه ـ اى لم يكن طول زمانه فى جانب الماضى بقدر القديم لو أخذ المبدأ الحال كالاب والابن فان الابن حادث بالإضافة الى الأب لقصر زمانه بالنسبة إليه وان كان كلاهما حادثين بالمعنى الحقيقى.

قول المصنف والحدوث الذاتى متحقق ـ سواء قلنا بقدم العالم او حدوثه لان الحدوث الذاتى سواء فسر بمسبوقية الوجود بالعلة او بالعدم الذاتى لا ينافى سبق العدم المقابل على وجود العالم ولا عدم سبقه.

قول المصنف : وتصدق الحقيقية منهما ـ لو أخذ كلاهما ذاتيين او زمانيين او اضافيين واما لو اخذا بالتركيب فامكن الجمع والخلو اما الجمع فكما اذا اخذ

٨١

القديم زمانيا والحادث ذاتيا او اخذ القديم اضافيا والحادث ذاتيا او اخذ الحادث زمانيا والقديم اضافيا واما الخلو فكما اذا اخذ القديم ذاتيا والحادث زمانيا او اخذ القديم ذاتيا والحادث اضافيا هذا على ما عليه الحكماء واما المتكلمون حيث لم يكن عندهم الا الزمانى منهما والاضافى فعلى مذهبهم يؤخذ التركيب منهما فيجتمع القديم الاضافى مع الحادث الزمانى.

المسألة الخامسة والثلاثون

( فى خواص الواجب )

قول المصنف : ومن الوجوب الذاتى والغيرى ـ هذا عطف على ما قبله وتقديره : وتصدق الحقيقية من الوجوب الذاتى والوجوب الغيرى اى كما تصدق المنفصلة الحقيقية فى تلك القضية بجعل الموجود مقسما الى القديم والحادث كذلك تصدق الحقيقية فى هذه القضية بجعله مقسما الى الواجب بالذات والواجب بالغير وذكر هذه مع انه تكرار لما سبق اذ علم سابقا فى المسألة السابعة والعشرين ان الوجوب اما بالذات واما بالغير لاشتراكها مع ما قبلها فى المقسم الّذي هو الموجود بخلاف المنفصلة الحقيقية بين الواجب والممكن والممتنع فان المقسم فيها المعقول كما مر فى المسألة الرابعة والعشرين هكذا قال صاحب الشوارق.

ان قلت : قول المصنف فى المسألة السابعة والعشرين : والوجوب شامل للذاتى وغيره عين هذا المضمون والمقسم فيما هناك وفيما هنا هو الوجوب قلت : ليس كذلك اذ هناك جعل الوجوب مقسما الى الذاتى والغيرى وهنا جعل الموجود مقسما الى الواجب بالذات والواجب بالغير كما فعله الشارح العلامة لان كلام المصنف هنا ليس نفس المنفصلة الحقيقية بل هو اشارة الى ما تنعقد منه لان من فى كلامه نشوية ابتدائية وتقدير كلامه : ان القضية المنفصلة التى مقسمها الموجود تنعقد وتصدق من الوجوب الذاتى والغيرى ويقال : الموجود اما واجب بالذات او واجب بالغير.

والشارح القديم احتمل ان يكون القسمان فى القضية القديم بالذات والقديم

٨٢

بالغير فقال : ويمكن ان يكون المراد بالذاتى والغيرى القدم الذاتى والقدم الغيرى وحينئذ ينبغى ان تحمل الحقيقية على القسمة الحقيقية وهى التى لا يمكن ان يتبدل احد القسمين بالآخر ليستقيم لان القدم الذاتى والغيرى لا يكون بينهما انفصال حقيقى لجواز ارتفاعهما فى الحادث الزمانى اللهم الا ان يجعل مورد التقسيم القديم لا الموجود انتهى وانما ابدأ هذا الاحتمال مع ان الذاتى والغيرى نعتان للوجوب المذكور فى المتن فلا يتطرق هذا الاحتمال لان الشرح القديم كالشوارق ليس فيه لفظ المنعوت اعنى الوجوب.

اقول : وهاهنا احتمال ثالث وهو ان لا يكون هذا الكلام عطفا على ما قبله بل تكون الواو للاستيناف ومن الوجوب خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخرا وتقدير الكلام : والوجوب منه ذاتى ومنه غيرى وهذا وان كان تكرارا لما فى المسألة السابعة والعشرين بعينه ولكن كرره توطئة لما بعده من قوله : ويستحيل صدق الذاتى على المركب الخ وما فعل الشارح رحمه‌الله من قطع هذه الجملة عما قبلها ودرجها فى المسألة التالية يدل على كون الواو للاستيناف الا ان جعلها واحدة من خواص الواجب عجيب جدا لان كون الشيء اذا كان شيئا مخصوصا استحال ان يكون غيره ليس يختص بالواجب بالذات ولا فائدة فى ذكره والشاهد على ذلك انه يمكن ان نعكس الامر ونجعله من خواص الممكن ونقول : ان الشيء الواحد اذا كان واجبا لغيره استحال ان يكون واجبا لذاته وانه لم يعد احد من الشراح والمحشين ذلك من خواص الواجب بل ذكروا استحالة صدق الذاتى على المركب وعدم كونه جزء من غيره وعدم زيادة وجوده عليه الّذي جعله الشارح العلامة مسألة برأسها خواص ثلث للواجب ولعل ما حمله رحمه‌الله على ذلك لزوم التكرار وقد سمعت توجيهه بوجوه ثلاثة.

قول الشارح : لان كل مركب مفتقر الى اجزائه الخ ـ قياس من الشكل الاول ينتج ان كل مركب ممكن فلو كان الواجب مركبا لكان ممكنا وهذا خلف ويمكن ان يرتب القياس من الشكل الثانى ويقال : ان كل مركب مفتقر الى اجزائه ولا شيء من الواجب الذاتى بمفتقر لان الافتقار مطلقا ينافى الوجوب فلا شيء من المركب بالواجب

٨٣

الذاتى وهذا الاستدلال على ما ترى كظاهر كلام المصنف ينفى التركيب من الاجزاء عن الواجب مطلقا سواء كانت الاجزاء خارجية او عقلية لان افتقار الشيء فى اى جهة من جهاته كان يستلزم امكانه لان الواجب بذاته واجب من جميع جهاته فلا وجه لما صنع صاحب الشوارق من صرف كلام المصنف عن ظاهره الى نفى التركيب من الاجزاء الخارجية عن الواجب وجعل نفى التركيب من الاجزاء العقلية من فروع الخاصة الثالثة فى كلامه اى عدم زيادة وجوده عليه الّذي جعله الشارح العلامة مسألة برأسها.

قوله : على ما يأتى ـ فى المسألة الثالثة من الفصل الثانى.

قوله : قال بعض المتاخرين ـ هو الفخر الرازى قال فى الفصل الثالث من الباب الاول من إلهيات المباحث المشرقية بعد ذكر هذا الدليل : وقال بعضهم البرهان لم يدل الا على موجود تنقطع عنده سلسلة الحاجة ومن المعلوم ان الموجود المركب من امور يمتنع ارتفاع كل واحد منها يكون أيضا ممتنع الارتفاع فحينئذ يكون صالحا لان تنقطع عنده سلسلة الحاجة فنقول فى جوابه ان كل واحد من اجزائه لو كان واجبا لذاته لكان واجب الوجود لذاته اكثر من واحد وقد ابطلنا ذلك فاذن واجب الوجود منها جزء واحد وباقى الاجزاء ممكن فالمجموع الحاصل من تلك الاجزاء الممكنة أيضا ممكن فيكون واجب الوجود على كل حال ممكنا هذا خلف.

قوله : لافتقاره الى الاجزاء الواجبة ـ لان استغناء كل جزء لا يستلزم استغناء المجموع من حيث هو مجموع والواجب المفروض هو المجموع من حيث هو هو

قول المصنف : ولا يكون الذاتى جزء من غيره ـ اى جزء واقعيا لا اعتباريا اقول : كل مركب لا بدّ ان تكون اجزائه متمايزة حتى يكون مركبا والتمايز اما فى العقل فقط فهو المركب العقلى او فى الخارج فهو المركب الخارجى وان كانت الاجزاء فى التركيب الخارجى أيضا قابلة للتصور والمراد بالتمايز الخارجى هو كون الاجزاء بحيث يكون لكل واحد منها ثبوت على حياله فى الخارج والتمايز

٨٤

العقلى ما لا يكون كذلك بل يكون الثبوت فى الخارج لجزء والجزء الاخر يكون ثابتا بذلك الجزء كالكلى الطبيعى الثابت بثبوت الفرد والماهية المتحققة فى الخارج بتحقق الوجود.

ثم التركيب على انحاء وسيأتي بيانها فى الفصل الثانى فى المسألة الرابعة والواجب بالذات لا يكون جزء من مركب باى نحو كان من انحاء التراكيب الا الاعتبارى المحض وهو اعتبار المجموعية لاعداد موجودات يكون احدها الواجب كما فى قوله تعالى : ( ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ) وكما فى قولنا : الموجودات باسرها.

والشارح العلامة ذكر هاهنا قسمين من التركيب الاول : التركيب الّذي يكون فى المركب العنصرى بسبب انفعال كل من العناصر عن الاخر حتى يحصل مزاج كما فى المعدن والنبات والحيوان وهذا ظاهر الانتفاء عن الواجب تعالى لان الانفعال يستلزم التغير والتأثر وهما مستحيلان عليه فلو كان الواجب جزء من المركب هذا التركيب لزم انفعاله عن الاجزاء الاخر وهذا مراد الشارح العلامة بالمركب الحسى وان كان الحسى اعم منه لانه شامل للاعتبارى والمركب من الموضوع والعرض الثانى : التركيب من الجنس والفصل والواجب يستحيل ان يكون جنسا لشيء او فصلا لشيء لان الجنس يحتاج الى الفصل فى التحصل والفصل يحتاج الى الجنس فى التقوم والاحتياج مطلقا ينافى الوجوب الذاتى.

واما استحالة كون الواجب جزء من غيره مطلقا فلانه لو كان جزء خارجيا غير اعتبارى لزم ان يكون حالا فى الجزء الاخر او محلا له كما فى المركب من المادة والصورة والمركب من الموضوع والعرض وكلاهما مستحيلان فى الواجب لما يأتى فى المسألة الثالثة عشرة والمسألة السادسة عشرة من الفصل الثانى من المقصد الثالث ولو كان جزء عقليا جنسا او فصلا لزم افتقار الواجب كما مر آنفا او جزء عقليا ماهية لزم افتقاره أيضا لان الماهية مفتقرة فى التحقق الى الوجود او جزء عقليا

٨٥

وجودا لشيء لزم ان يكون الواجب امرا اعتباريا لان الوجود الّذي هو جزء المركب من الماهية والوجود امر اعتبارى اذ هو ليس بحسب الخارج جزء لشيء اذ فى الخارج اما وجود لا غير على القول باصالته او ماهية لا غير على القول باصالتها فالواجب ليس جزء من غيره مطلقا.

المسألة السادسة والثلاثون

( فى ان وجود الواجب تعالى ووجوبه نفس حقيقته )

قوله : المسألة السادسة والثلاثون ـ الانسب جعل هذه من تتمة المسألة السابقة كما فى سائر الشروح لانها خاصة ثالثة للواجب.

قول المصنف : ونسبته ـ اى نسبة الوجود الى الواجب التى هى الوجوب.

قوله : عليه ـ متعلق بيزيد.

قوله : والا لكان ممكنا ـ ناظر الى الجميع اى لو كان الواجب الذاتى مركبا او جزء مركب او زائدا عليه وجوده او وجوبه لكان ممكنا وهذا خلف.

قوله : فيما سلف ـ لم يذكر هذا المطلب الا اشارة فى المسألة السابعة والعشرين بقوله : الوجوب قد يكون ذاتيا الخ وفى المسألة الحادية والثلاثين بقوله : الوجوب هو تاكد الوجود وقوته.

قوله : هذا جواب من استدل الخ ـ استدل الفخر الرازى فى المباحث المشرقية فى الفصل الخامس من الباب الاول من الامور العامة بهذين الدليلين على ان وجود الواجب ليس نفس حقيقته واتى هناك بدليلين آخرين لم يذكر هما المصنف رحمه‌الله هنا والاعتراضان مذكوران أيضا فى كلام الفخر الرازى فى ذلك الفصل من كتابه ومنشأ غلطه فى الكل عدم الفرق بين الوجود الخاص والوجود العام المشترك المنتزع نعم لو قال احد بان الوجود العام عين حقيقة الواجب كان كل ما قال الفخر الرازى فى جوابه حقا ولكن لم يقل به عاقل.

واما مذهبه ومذهب كثير من المتكلمين فان للواجب ماهية

٨٦

مجهولة الكنه والوجود زائد عليها كالممكنات ويرده ان تلك الماهية المجهولة لو كانت حقيقة الوجود فالنزاع لفظى لان الحكماء معترفون أيضا بان الوجود العام زائد على حقيقة الواجب ولو لم تكن ذلك فحقيقة الواجب محتاجة الى الوجود فيكون ممكنا كما اشار إليه المصنف فى كلامه وشرحه الشارح العلامة فى ذيله بقوله : لو كان وجود واجب الوجود لذاته زائدا الخ.

قوله : وتقرير الدليل الخ ـ حاصل الاستدلال انه ليست حقيقة الواجب تعالى معلومة بالبرهان والاتفاق ووجوده تعالى معلوم فليست حقيقته عين وجوده لان ما لم يكن معلوما غير ما هو معلوم وحاصل الجواب البحث فى الكبرى لان المراد بالوجود الماخوذ فيها ان كان العام لم يقل احد انه عين حقيقة الواجب وان كان الخاص فهو غير معلوم لنا أيضا.

قوله : لا نهاية لها بالقوة ـ اى ليست تلك الانواع الغير المتناهية موجودة بالفعل بل هو كالجسم الممتد الواحد له شأنية ان يتجزى الى جزءين ما يبقى منه شيء ولا يقف الى حد لم يكن له شأنية ذلك وكالعدد فانه لا يقف الى حد لا يمكن فيه ان يفرض عدد فوقه وان كان الموجود منه فى الخارج متناهيا ويقال لها اللانهاية اللايقفية فكما ان كل مرتبة من مراتب العدد نوع خاص كذلك كل ما يفرض بين طرفى التضاد من مراتب الالوان نوع خاص مغاير لما هو قبله وما هو بعده وان لم يكن له اسم خاص بل الاسم الخاص لعدة من تلك الانواع فان الحمرة مثلا اسم لانواع كثيرة من الالوان واما ان كل مرتبة من مراتب الحمرة مثلا وكذا سائر الالوان نوع مباين لمرتبة اخرى فسيأتي بيانه فى المسألة السادسة من مبحث الكيف فى الفصل الخامس من المقصد الثانى إن شاء الله تعالى.

قوله : ويكون ذلك المعنى ـ اى معنى البياض والحمرة والسواد مثلا.

قوله : التى لا اسماء لها بالتفصيل ـ صفة للوجودات بل الاسماء انما وضعت للماهيات لا لوجوداتها.

قوله : فى شرح الاشارات ـ فى اواسط النمط الرابع فى ضمن مقدمات

٨٧

مسألة التوحيد.

قول المصنف : على ما سلف ـ فى المسألة السابعة عشرة.

قول الشارح : عن السؤال الثانى ـ اى الاعتراض الثانى الّذي اورده الخصم على دليل الحكماء.

قوله : العلة القابلية للوجود ـ المراد بها الماهية التى تقبل الوجود من حيث هى هى فان الخصم قايس بينهما وقال : كما ان الماهية من حيث هى هى قابلة للوجود فلتكن من حيث هى هى فاعلة له لان العقل كما يحكم بتقدم الفاعل على المفعول يحكم بتقدم القابل على المقبول فحيث لا يكون تقدم الماهية القابلة للوجود على الوجود بالوجود لاستلزامه المحالات المذكورة لا يكون تقدم الماهية الفاعلة له عليه به أيضا فلا يلزم المحالات والجواب ان الماهية القابلة للوجود ليست كسائر القوابل فى وجوب تقدمها على العوارض المقبولة فان العقل لا يحكم بتقدم الماهية على الوجود اذ ليس الوجود الا كون الماهية وحصولها كما مر فى المسألة الخامسة بل ليس فى الواقع قبول وانما هو فى العقل بعد تحليل الموجود الى الماهية والوجود

قوله : الممكن المعدوم ـ فى هذا التعبير مسامحة والمراد به الماهية من حيث هى هى التى يلزمها العدم الذاتى.

قوله : قال والوجود من المحمولات الخ ـ كان ينبغى ان يجعل هذا وما بعده الى المسألة اللاحقة مسألة برأسها لانه مطلب على حدته.

قول المصنف : والوجود من المحمولات العقلية ـ اى ليس صفة خارجية كالبياض وقوله فيما بعد : وهو من المعقولات الثانية لازم ذلك اذ كل محمول عقلى معقول ثان وكل معقول ثان محمول عقلى ويأتى بيانه عن قريب.

قوله : لامتناع استغنائه عن المحل اشارة الى انه ليس بجوهر والمراد به الوجود العام لا الخاص فلا يرد النقض بوجود الواجب الخاص المستغنى عن المحل فان حكم الوجود العام من حيث هو هو غير حكم الخاص واما امتناع استغنائه عن المحل فلانه عارض زائد على الماهيات كلها والمراد بالمحل هو الماهية لكنها فى العقل.

٨٨

قوله : وحصوله فيه ـ اى ولامتناع حصوله فى المحل الخارجى وهذا اشارة الى انه ليس عرضا خارجيا لما ذكره الشارح العلامة رحمه‌الله فاذا لم يكن جوهرا ولا عرضا خارجيا فهو عرض ذهنى والعرض الذهنى محمول عقلى.

قول الشارح : من المحمولات العقلية الصرفة ـ اى ليس كبعض المحمولات يوجد فى الخارج ويوجد فى العقل بل هو انما يوجد فى العقل وللعقلية الصرفة معنى آخر يجيء بيانه قريبا.

قوله : وتقريره الخ ـ لو اسقط هذا التفصيل وقال : لو كان ثابتا فى الاعيان فهو اما ان يكون جوهرا واما ان يكون عرضا الخ لكان اولى لانه لو كان نفس الماهية لكان أيضا اما جوهرا واما عرضا اللهم الا ان فائدته التنبيه على غلط القائلين بالعينية بانه كيف يكون عين الماهية والماهية اما جوهر واما عرض وهو ليس بجوهر ولا عرض.

قوله : فلما تقدم ـ فى المسألة الثالثة.

قول المصنف وهو من المعقولات الثانية ـ اعلم ان المعقول الثانى عرف بتعاريف اسدها هو المفهوم الّذي لا يمكن ان يكون له فرد فى الخارج ويلزم هذا ان لا يكون حقيقة جوهرية بل عرضية ويكون عروضه فى العقل لا فى الخارج لان الجوهر اخذ فى حده امكان الوجود فى الخارج والعروض الخارجى يستلزم ان يكون لمفهوم العارض فرد فى الخارج.

ثم ان المفهوم اما ان يكون ذاتيا للمصداق كالانسان لزيد والحيوان للانسان والعلم لعلم زيد واما ان لا يكون كذلك وهذا اما منضم إليه انضماما سواء كان لازما كالحرارة للنار والشكل للجسم او عارضا كالبياض للجسم واما منتزع من صميم ذاته كالامكان من الماهية والوجود من الموجود واللزوم من النار والحرارة والكلية من طبيعة الحيوان وغير ذلك وهذا الاخير لا يمكن ان يعقل الا بعد تعقل ما ينتزع منه ويقال له منشأ الانتزاع لان العقل لا يعقله الا بعد انتزاعه ولا ينتزعه الا بعد ان يعقل منشأه وهذا هو المعقول الثانى اى المعقول المتاخر عن المعقول الاخر قبله ثم انه

٨٩

يحمل بالاشتقاق على منشأه ويقال له المحمول من صميمه اى المحمول المنتزع من صميم موضوعه كما ان القسم الثانى يحمل على الموضوع أيضا بالاشتقاق ويقال له المحمول بالضميمة اى المحمول المنضم الى الموضوع واطلاق المصداق على الموضوع فى القسم الثانى والثالث انما هو باعتبار صدق المفهوم عليه بالاشتقاق وفى الحقيقة ليس مصداقا لان المصداق هو الفرد من حقيقة المفهوم.

ثم ان منشأ الانتزاع اما ان لا يوجد الا فى العقل كالكلى المنتزع منه الكلية وطبيعة الحيوان المنتزع منها الجنسية وطبيعة الانسان المنتزع منها النوعية واما ان يوجد فى الخارج كما يتصور فى العقل كالشيء المنتزع منه الشيئية والواحد المنتزع منه الوحدة واللازم المنتزع منه اللزوم ومعلوم ان الاتصاف والعروض كليهما فى الطائفة الاولى فى العقل واما فى الطائفة الثانية فالعروض فى العقل والاتصاف فى الخارج لما بينا فى اخر المسألة الثالثة وعلى ذلك فالمعقول الثانى لا يوجد الا فى العقل وليس له فرد موجود فى الخارج والفلسفى يبحث عن الطائفتين جميعا والمنطقى يبحث عن الاولى فقط ويطلق على الاولى المحمولات العقلية الصرفة لان موضوعاتها أيضا هى فى العقل وتبين من ذلك كله ان كل معقول ثان محمول عقلى وكل محمول عقلى اى كل محمول لم يكن له فرد فى الخارج معقول ثان.

قول الشارح : وليس الوجود ماهية خارجية ـ اى ليس له فرد فى الخارج لان الوجود الحقيقى فى الخارج على القول باصالته ليس فردا لمفهوم الوجود بل منشأ لانتزاعه.

قوله : هو وجود او شيء ـ اى شيء من حيث هو هو والشيء من حيث هو هو انما هو الشيئية فلا يرد ان فى الكلام تناقضا.

قوله : من معقولية ذلك ـ اى من معقولية الحجر وغيره فى الخارج يلزم ان يعقل وجوده وبعبارة أخرى اذا لاحظ العقل حجرا او شجرا فى الخارج انتزع منه عنوان الوجود.

قوله : والمشروطة ـ اى الوجوب والامتناع بالغير.

٩٠

اعلم ان الوجوب والامكان كالوجود من الطائفة الثانية اى من المعقولات الثانية التى يكون اتصاف الشيء بهما فى الخارج وعروضهما فى الذهن واما الامتناع فكالعدم عروضه فى الذهن واما اتصاف الموضوع بهما فقد توهم انه أيضا فى الذهن لعدم تحقق الموضوع فى الخارج لكنه ليس كذلك بل اتصاف الماهية بهما يكون باعتبار الخارج لان الممتنع والمعدوم اذا تصورهما العقل فباعتبار انهما فى العقل لا يحمل عليهما الامتناع والعدم بل العقل عند تصورهما يفرضهما فى الخارج ويحكم عليهما بالامتناع والعدم فما مر فى اخر المسألة الثالثة من ان مناط الاتصاف فى الخارج وجود المعروض فيه فقل فيه بالتعميم من جهة كون المعروض موجودا فى الخارج واقعا او فرضا ثم يلزم ذلك ان لا يكون الموضوع موجودا فيه بحسب الواقع فهما كالثلاثة الاولى من الطائفة الثانية.

قوله : قد سبق البحث فيه ـ فى المسألة السادسة والعشرين.

قوله : وكذا الماهية أيضا الخ ـ اعلم ان الماهية لها مصاديق كالانسان والحيوان والعلم والحجر والشجر وليست هذه المصاديق معقولات ثانية بل العقل اذا لاحظ حقيقة الانسان مثلا وقاسه الى افراده يرى انه يقع جوابا اذا سئل عن حقيقة زيد وعمرو وبكر مثلا بما هو فكون الانسان ماهية لافراده وصف عقلى زائد على حقيقة الانسان يعرض عليها عند قياس العقل ذلك القياس وهذا الوصف هو المراد بالماهية هاهنا وهو معقول ثان من الطائفة الاولى.

المسألة السابعة والثلاثون

( فى احكام متعلقة بالوجود والعدم باعتبار الذهن )

قول المصنف : وللعقل ان يعتبر الخ ـ اعلم ان مناط التناقض ثبوت شيء فى ظرف ولا ثبوته فيه سواء كان الظرف الخارج او الذهن فان ثبوت صورة فى الذهن ولا ثبوت تلك الصورة فيه تناقض كثبوت شيء فى الخارج ولا ثبوته فيه فلا وجه لتخصيص التناقض بالوجود الاصيل كما يتراءى من كلام صاحب الشوارق رحمه‌الله

٩١

والعقل يحكم باستحالة ذلك كله بالبديهة وفى هذا الحكم لا بدّ للعقل ان يحضر الطرفين معا اى الثبوت واللاثبوت حتى يحكم باستحالة الاجتماع بينهما فاستشكل بان حضورهما عند العقل معا هو اجتماعهما فكيف يحكم باستحالته والجواب ان اجتماع صورتى النقيضين ليس باجتماع النقيضين والمستحيل هو الثانى الّذي هو ثبوت شيء فى ظرف ولا ثبوته فيه لا الاول الّذي هو ثبوت صورة شيء فى الذهن وثبوت صورة نقيضه فيه فان الثبوتين ليسا بمتقابلين لان انتقاش مفهوم الثبوت فى الذهن لا يزاحم انتقاش مفهوم اللاثبوت فيه بل التقابل بين انتقاش مفهوم فيه ولا انتقاش ذلك المفهوم بعينه.

ثم ان احضار صورة الثبوت وصورة اللاثبوت اما ان يكون باعتبار الثبوت واللاثبوت فى الخارج بان يحكم العقل بان ثبوت هذا الشيء فى الخارج ولا ثبوته فيه لا يجتمعان واما ان يكون باعتبارهما فى الذهن بان يحكم بان ثبوته فى الذهن ولا ثبوته فيه لا يجتمعان والى الاول اشار الشارح رحمه‌الله بقوله : فيتصور صورة ما الخ والى الثانى بقوله : وقد يتصور الذهن صورة ما الخ.

قول الشارح : بل بالاعتبار الّذي ذكرناه ـ اى اعتبار نفس الامر الشامل للخارج والذهن الّذي هو اعتبار نفس الثبوت واللاثبوت لا اعتبار حضور صورتيهما فى الذهن.

قول المصنف : وعدم العدم بان يمثل فى الذهن وبرفعه الخ ـ هذا جواب شبهة معروفة بشبهة العدم المطلق فان القوم قالوا : العدم المطلق لا يصح الحكم عليه فاستشكل عليهم بان هذا الكلام حكم عليه فيناقض مضمونه فاجيب بان العقل يمثل صورة العدم المطلق فى الذهن فيحكم عليه بعدم صحة الحكم عليه بمعنى ان هذا الثابت فى الذهن محكوم بعدم امكان الحكم عليه اذا رفع عن الذهن فالحكم عليه فى هذا الكلام باعتبار انه ثابت فى الذهن وعدم امكان الحكم عليه باعتبار رفعه عن الذهن وتصور هذا الرفع هو تصور عدم العدم المصحح لذلك الحكم والحاصل ان معنى قولنا : العدم المطلق يمتنع الحكم عليه ان هذا المفهوم المتمثل فى الذهن

٩٢

لو لم يكن متمثلا فيه لامتنع الحكم عليه.

ان قلت : ان هذا لا يختص بالعدم المطلق فان كل شيء لو لم يكن متمثلا فى الذهن امتنع الحكم عليه باى شيء فرض لان الحكم من الامور الذهنية يستدعى تمثل الطرفين فيه قلت : ان المراد بامتناع الحكم عليه انه ليس له فى نفس الامر حكم ولا يمكن ان يكون له لان العدم المطلق ليس له نفس الامرية غير تمثل مفهومه فى الذهن حتى يثبت له فى نفس الامر حكم بخلاف الموجودات فان احكامها النفس الامرية ثابتة لها فى صقع الحق ولو لم يكن ذهن فى الوجود.

قوله : وهو ثابت باعتبار قسيم باعتبار يعنى ان العدم ثابت باعتبار انه متمثل فى الذهن وقسيم للثابت اى غير ثابت باعتبار انه مرفوع عن الذهن هذا هو الظاهر من كلام المصنف والملائم لان يكون جوابا عن تلك الشبهة ويحتمل بعيدا ان يرجع ضمير هو الى عدم العدم يعنى ان عدم العدم ثابت باعتبار انه متصور وقسيم للثابت باعتبار انه سلب للثابت فى الذهن وسلب الثابت قسيم للثابت والشارح العلامة ذهب فى الشرح الى هذا الاحتمال.

قول الشارح : ويمكنه ان يقيسه الى جميع الماهيات ـ اى ويمكن العقل ان يضيف العدم المطلق الى جميع الماهيات ويقيده بكل ماهية والمراد بالماهية ما هو بالمعنى الاعم الشامل للواجب والممكن.

قوله : فيمكنه ان يلحظه باعتبار نفسه ـ اى فيمكن العقل ان يلحظ العدم مضافا الى نفسه ومقيدا بها.

قوله : ويكون ثابتا باعتبار تصوره ـ يعنى ويكون رفع تلك الصورة اى صورة العدم ثابتا باعتبار انه متصور.

قوله : يتصور ـ خبر لان اى ان رفع الثبوت يتصور.

قوله : لما ليس الخ ـ هذا الجار متعلق بيتصور يعنى يتصور الرفع مضافا الى العدم الّذي ليس بثابت ولا متصور اصلا لا فى الذهن ولا فى الخارج بعد اضافة الرفع إليه

قوله : وهو ثابت باعتبار الخ ـ اى الرفع ثابت باعتبار انه متصور فى الذهن

٩٣

وقسيم لمطلق الثابت باعتبار انه سلب للعدم المتمثل الثابت فى الذهن.

قوله : ولا استبعاد فى ذلك ـ اى فى ان يكون شيء قسما لشيء وقسيما له باعتبارين.

قوله : والحكم على رفع الثبوت المطلق الخ ـ اى على العدم المطلق اذ رفع الثبوت هو العدم والمطلق نعت للرفع وهذا اشارة الى جواب تلك الشبهة.

قول المصنف : ولذا يقسم الموجود الخ ـ يعنى ولان العقل له ان يتصور عدم جميع الاشياء يقسم الموجود الى ثابت فى الذهن وغير ثابت فيه.

اعلم ان هذا أيضا جواب عن شبهة اوردت على قولهم : الموجود إما ثابت فى الذهن او غير ثابت فيه وهى ان هذه القضية شرطية منفصلة والحكم بالانفصال بين شيئين يستلزم تصورهما وثبوتهما فى الذهن فيلزم ان يكون ما ليس بثابت فى الذهن ثابتا فيه وهذا تناقض والجواب ان العقل حيث ان له ان يتصور عدم جميع الاشياء فله ان يتصور عدم ما وجد فيه فصورة غير الثابت الحاصلة فيه قسم من الثابت باعتبار حصولها فيه وقسيم له اى غير ثابتة فيه باعتبار انها مرفوعة عن الذهن لتصور العقل عدمها فهذه القسمة بعد تصور العقل عدم هذه الصورة عن الذهن.

قول الشارح : هذا استدلال الخ ـ يعنى ان المصنف استدل بهذه القسمة على ان العقل يتصور عدم جميع الاشياء.

اقول : ظاهر كلام المصنف عكس ذلك لانه استدل بتصور العقل عدم جميع الاشياء على هذه القسمة لمكان اللام الداخلة على اسم الاشارة الى تصور العدم والعجب انه فى بيانه جرى هذا المجرى.

قوله : فقد تصور الذهن الخ ـ جواب عن الشبهة.

قوله : من حيث انه سلب لما فى الذهن ـ الحق ان يقال : من حيث انه مسلوب عن الذهن لتصور العقل رفعه عن الذهن.

قول المصنف : واذ احكم الذهن على الامور الخارجية بمثلها ـ يعنى اذا كان الموضوع والمحمول كلاهما من الموجودات الخارجية.

٩٤

اعلم ان القسمة بحسب التصوير الى الاربعة ولكن كون الموضوع من الامور الذهنية والمحمول من الامور الخارجية غير متحقق اصلا لان المحمول الموجود فى الخارج يستدعى الموضوع الموجود فيه فلذا ذكر الشارح العلامة رحمه‌الله اقسامها الثلاثة.

قوله : وجب التطابق فى صحيحه ـ اى وجب التطابق بين النسبة الذهنية والنسبة الخارجية فى صحيح الحكم وسيأتي المراد بالحكم قريبا وهذا مناط صحة القضية وصدقها اذا كان الحكم فيها بالامور الخارجية على الامور الخارجية وكون النسبة خارجية باعتبار وجود طرفيها فى الخارج.

قوله : والا فلا ـ اى وان لم يكن الحكم كذلك بان يكون من القسمين الاخيرين المذكورين فى كلام الشارح فلا يجب مطابقة النسبة الذهنية لما فى الخارج بل لا يمكن ذلك ويكون مناط الصحة والصدق مطابقتها لما فى نفس الامر.

قوله : باعتبار المطابقة لما فى نفس الامر ـ اقول : هاهنا بحثان الاول : ما معنى نفس الامر؟ والثانى : ما معنى المطابقة لما فى نفس الامر؟

اما نفس الامر : فمعناه ذات الشيء من حيث هو هو مع قطع النظر من ان يدركه مدرك او بقام عليه برهان او يوجد فى ظرف فما يقع فى مدرك من المدارك ويتصور بآلة من آلات التصور فاما ان يكون له نفسية غير حيثية كونه واقعا فى ذلك المدرك كقولنا : الجسم متشكل والانسان ممكن والامكان لازم للممكن والاربعة زوج فان تشكل الجسم وامكان الانسان ولزوم الامكان للممكن وزوجية الاربعة وامثالها من الواقعيات هى امور لها فى حدودها نفسيات يمكن ادراكها واقامة البرهان عليها واما ان لا يكون له نفسية غير تلك الحيثية كوجوب الانسان بالذات وزوجية الخمسة وعدم لزوم الامكان للممكن والعدم المطلق فانها ليس لها فى حدودها نفسيات ولا يمكن اقامة البرهان عليها ولا ادراكها من نفس الامر بل هى فى الذهن ليس الا بالفرض وبعبارة اخرى ان نفس الامر فى مقابل الفرض فان امكان الممكن وان كان يكون وجوده فى العقل بالاعتبار والانتزاع ولكن نفسيته اى ماهيته بالمعنى

٩٥

الاعم فى مرتبتها محفوظة بحفظ الحق ازلا وابدا من دون ان يفرضه فارض فى صقع الفرض او يدركه مدرك بخلاف زوجية الخمسة ووجوب الانسان وامثالهما فانها ليست كذلك بل ليس لها نفسية الا مفروضيتها من فارض فى ذهنه ومصنوعيتها من شيطان المتخيلة فما كان له نفسية واقعية سواء كان من الموجودات الخارجية او الموجودات الذهنية بمعنى انه لم يكن له وجود الا ذهنا كالامكان والانسان والحيوان والنسبة بينهما فله حيثيتان اذا وقع فى ذهن من الاذهان : الحيثية النفس الامرية وحيثية كونه فى الذهن كقولنا : الاربعة زوج بخلاف ما لم يكن له نفسية واقعية كقولنا : الخمسة زوج فانه ليس له إلا حيثية كونه مفروضا فى الذهن فمعنى المطابقة لنفس الامر هو تطابق الحيثيتين بان يكون ما فى الذهن واجدا لهما كما فى قولنا : الانسان ممكن والانسان جسم والامكان كيفية النسبة وعدم المطابقة فيما نحن فيه هو السلب بانتفاء الموضوع اى لم يكن له حيثيتان حتى تتطابقا فقولنا : الانسان ممكن له نسبتان نسبة ذهنية ونسبة نفس الامرية واما قولنا : الانسان واجب بذاته فليس له الا نسبة ذهنية.

واعلم انه قد مضى منا فى اواخر المسألة الثالثة ان الامر الذهنى غير الامر الكائن فى الذهن فان الاول اخص من الثانى فاذا تذكرت ذلك فالنسبة بين الامر الذهنى وما له نفس الامر عموم من وجه اذ بعض الامور الذهنية ليس له نفس الامر كزوجية الخمسة ووجوب الانسان وبعض ما له نفس الامر ليس من الامور الذهنية بل الخارجية كبياض الجسم وكل حقيقة فى الخارج وبعض الامور الذهنية له نفس الامر كامكان الانسان ، والنسبة بين الامر الكائن فى الذهن وما له نفس الامر عموم من وجه أيضا اذ بعض ما له نفس الامر لا يقع فى الذهن كحقيقة الواجب وبعض ما يقع فى الذهن ليس له نفس الامر كزوجية الخمسة وبعضه له نفس الامر كامكان الانسان ، والنسبة بين ما له نفس الامر والامر الخارجى عموم مطلق لان كل ما هو فى الخارج فله نفس الامر وبعض ما له نفس الامر ليس فى الخارج كالامور الاعتبارية ، واما النسبة بين الامر الذهنى والخارجى فهى التباين الكلى لان الامر الذهنى قد اخذ

٩٦

فى حده عدم وقوعه فى الخارج ، واما النسبة بين الامر الكائن فى الذهن والخارجى فعموم من وجه لان بعض الكائن فى الذهن لا يكون فى الخارج كالمواد الثلاث وسائر الامور الاعتبارية وبعض ما فى الخارج لا يقع فى الذهن كحقيقة الواجب تعالى فانها لا تقع فى مدرك من المدارك وبعض الكائن فى الذهن يكون فى الخارج كالانسان.

تحقيق وتوضيح : ان ما ذكر من معنى نفس الامر يرجع فى الواجب الى حقيقته وفى الممكنات الى مرتبة ماهياتها بمعنى انها مع قطع النظر عن الوجودين لها تقرر ونفسية فى مرتبة الماهية بخلاف زوجية الخمسة والعدم المطلق وقدم العالم مثلا فانها لا ماهية ولا نفسية لها الا بحسب وجوده فى الذهن بالفرض ولا كلام لنا الآن فى معنى تقرر الماهية فان الحكماء والمتكلمين والصوفية اختلفوا فيه فكل قوم ذهبوا الى مذهب وبالذى ذكرنا صرح صاحب الشوارق حيث قال : بل نقول مرتبة تقرر الماهية سابقة على تقرر الوجود مطلقا فادراكنا الاربعة زوجا مسبوق على كون الاربعة زوجا فى حد ذاتها الا ترى انه يصح ان نقول انما حكمت بكون الاربعة زوجا لان الاربعة فى حد ماهيتها زوج وليس الزوجية بالقياس الى الخمسة كذلك انتهى.

ثم يمكن ان يقال : ان لنفس الامر معنى اخر وهو الاحاطة العلمية الواجبية تعالى بالكائنات كما يقال : ان كذا كان فى علم الله لان له حقيقة وكذا لم يكن فى علم الله لانه ليست له حقيقة فنفس الامر هو عيبة علمه تعالى بالكائنات فالنسبة الذهنية ان طابقت لما فى علمه تعالى فصادقة وإلا فكاذبة.

لا يقال : ان الكواذب التى تقع فى الاذهان لا يمكن ان لا تكون فى علمه تعالى لانه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا فى كتاب مبين كاذبة كانت او صادقة لانا نقول : ان نفس الكواذب لا تكون فى علمه تعالى بل الّذي فى علمه تعالى هو ان هذه الكاذبة فى هذا الذهن وهذا لا يستلزم ان تكون نفس هذه الكاذبة فى علمه تعالى لو لا هذا الذهن فيه فتامل.

ثم ان للعقل الفعال احاطة علمية بما دونه من الكائنات فيمكن ان يقال : ان نفس الامر بالنسبة إليها هو العقل الفعال من حيث انه محيط بها احاطة علمية فالنسبة

٩٧

الذهنية ان طابقت لما فيه فصادقة والا فكاذبة وهذا المعنى انسب وأليق بكلام المصنف رحمه‌الله حيث قال : باعتبار المطابقة لما فى نفس الامر ولم يقل : باعتبار المطابقة لنفس الامر لان هذه العبارة تفيد ان نفس الامر شيء وما فيها شيء اخر فيستقيم ان يقال : ان النسبة الذهنية مطابقة لما فى نفس الامر بخلاف المعنى الاول فان النسبة الذهنية مطابقة لنفس الامر لا لما فيها اللهم الا ان يراد بنفس الامر جملة النفسيات الواقعية وبما فى نفس الامر النسب النفس الامرية الواقعة فى تلك الجملة ويصير تقدير كلام المصنف : باعتبار مطابقة النسبة الذهنية للنسبة النفس الامرية التى هى فى ضمن جملة النفسيات الواقعية فيستقيم الكلام على المعنى الاول أيضا.

وهاهنا اشكالات :

الاول : ان هذه الكلمة اى نفس الامر لا دلالة لها على العقل الفعال الا على وجه بعيد وهو ان يجعل الامر هاهنا فى مقابلة الخلق ويراد به عالم المجردات والجواب ان اطلاق نفس الامر على العقل الفعال لعله اصطلاح بمناسبة ولا مشاحة فيه او يكون باعتبار ان منه فيضان كل حقيقة فيما دونه او باعتبار انه وعاء نفسيات الاشياء فى مرتبة تقرر ماهياتها.

الثانى : ان المغايرة واجبة بين المطابق والمطابق وحيث ان مناط الصدق والصحة هو المطابقة لما فى نفس الامر ونفس الامر هو العقل الفعال فنفس ما فى العقل الفعال من الاحكام الثابتة فيه يتعذر ان يتصف بالصدق والصحة لعدم تحقق المغايرة المذكورة والجواب ان ما فيه مطابق لما فى علم الله فيتم مناط الصحة والصدق مع ان الاتصاف بالصدق لا يتأتى حيث لا يتأتى الاتصاف بالكذب كعلم الله تعالى لانه الحق المحض.

الثالث : ما اورد الشارح العلامة على المصنف رحمهما الله وهو ان الاحكام الكلية الكاذبة كالصادقة قد تنمحى عن الذهن ثم تعود وقد تنمحى ولا تعود والاول هو السهو لها والثانى هو النسيان لها وقال الحكماء : ان سر العود فى صورة السهو ان العقل الفعال خزانة للنفس الناطقة يعيد الاحكام الكلية إليها بشرط بقاء استعدادها لها فاذا كان

٩٨

العقل الفعال خزانة للاحكام الكلية مطلقا صوادقها وكواذبها وكان المطابق لما فيه صادقا كانت الاحكام الكاذبة الحاصلة فى الذهن أيضا صادقة والجواب ان التصديق صفة تحصل للنفس بحصول صورة وقوع النسبة فى الذهن بعد اقامة البرهان او شبهه بل ان شئت فقل : ان التصديق هو نفس تلك الصورة فاذا حصلت حصل التصديق فهو نوع من التصور فحصول التصديق بحصول التصورات الاربعة تصور الموضوع والمحمول والنسبة وتصور وقوع النسبة لا اقول تصور مفهوم الوقوع بل تحقق نفس وقوع النسبة فى الذهن لكن هذه الاربعة لا تكفى فى حصول التصديق كيفما حصلت بل لا بد لوقوع النسبة من اضافة ما وهى اضافة حصول وقوع النسبة من البرهان او شبهه لانها لو حصلت فى ذهن من لم يقم عنده البرهان او شبهه عليه لم يكن مصدقا ومذعنا بالنسبة فحصول التصديق بحصول هذه الاربعة لمن قام عنده البرهان او شبهه ، اذا تبين هذا فان العقل الفعال انما هو خزانة للتصورات الاربعة فقط اذا كان الحكم كاذبا لانه لم يقم عنده برهان او شبهه بمعنى ان العقل الفعال لا يكون مصدقا بذلك الحكم وبعبارة اخرى ان العقل الفعال لم يتحقق فيه نفس وقوع النسبة من جهة البرهان او شبهه بل تحقق فيه ان نفس وقوع النسبة متحققة فى ذهن زيد مثلا نظير ما مر فى جواب الاشكال المذكور قبل هذه الاشكالات فحينئذ نقول : ان كل مطابق لما فى العقل الفعال لا يكون صادقا لان الصدق مشروط بالمطابقة وبقيام البرهان القائم عند المصدق او شبهه عند العقل الفعال والبرهان على ذلك الحكم الكاذب مفقود عند العقل الفعال وكذا عند المصدق وهو لا يعلم وشبه البرهان أيضا مفقود عند العقل الفعال لانه ليس عنده خطاء وبطلان وان كان عند المصدق موجودا هذا.

ويمكن ان يقال فى الجواب : ان العقل الفعال ليس خزانة للكواذب بل خزانتها جوهر شيطانى بل نفس الشيطان فانه يلقى الكواذب والاباطيل فى قلوب بنى آدم ويحفظها ويعيدها إليها وللجواب الثانى شواهد من اخبار اهل البيت سلام الله عليهم.

قوله : لامكان تصور الكواذب ـ مراده التصور المطلق المحقق فى ضمن

٩٩

التصديق ولعله لما قلنا فى الجواب عن الاشكال الثالث من ان العقل الفعال لا يكون مصدقا بالكواذب عبر بهذا ولم يقل لامكان التصديق بالكواذب لان هذا التصديق لا يكون تصديقا فى الواقع وهذا الكلام تعليل لوجوب المطابقة لما فى نفس الامر لانها لو لم تعتبر وليست المطابقة لما فى الخارج فيما لم يكن الحكم بالامور الخارجية على الامور الخارجية متحققة لكان كل نسبة ذهنية بالمعنى الاخص صحيحة صادقة والتالى باطل لوجود النسبة الذهنية الكاذبة كقولنا : الخمسة زوج بيان الملازمة ان مطابقة النسبة الذهنية ولا مطابقتها لا يمكن ان تعتبرا وتقاسا الى نفسها ولا الى النسبة الخارجية لانها فيما لم يكن الحكم بالامور الخارجية على الامور الخارجية منتفية لانتفاء الطرفين فى الخارج ولا الى النسبة اللفظية لانها كما يأتى قريبا هيئة القضية الملفوظة وهى حاكية عنها فلا يدل تطابقهما على الصحة الواقعية ولا عدم تطابقهما على اللاصحة فلو لم تعتبر المطابقة واللامطابقة الى ما فى نفس الامر لم يكن فى البين شيء تعتبرا بالنسبة إليه حتى يميز بين كاذبتها وصادقتها فلم يبق فرق بينهما ولا يمكن ان يقال هذه كاذبة وتلك صادقة فلا بد من الحكم بصدق جميعها لحصولها فى الذهن.

قول الشارح : الاحكام الذهنية قد تؤخذ الخ ـ اعلم ان النسبة اما لفظية وهى هيئة القضية الملفوظة واما نفس الامرية وهى ثبوت المحمول للموضوع باعتبار تحقق ذلك الثبوت فى نفس الامر وقد مر فى بيان معنى نفس الامر ان الامور التى ليست بفرض الفارضين سواء كانت من الموجودات الخارجية أم من الموجودات الذهنية لها واقعيات ونفسيات فى حدود انفسها فى صقع الحق فاذا كان بعضها محمولا على بعض تحقق بينهما ثبوت نفس الامرى هو النسبة النفس الامرية ثم اذا خرجت تلك الامور الى هذا الوجود فان كانت المحمولات والموضوعات من الموجودات الخارجية تحقق بينهما النسبة الخارجية وان كانت المحمولات فقط او كلتاهما من الموجودات الذهنية تحقق بينهما النسبة الذهنية فالنسبة الخارجية هى ثبوت المحمول للموضوع باعتبار الخارج والنسبة الذهنية هى ثبوت المحمول للموضوع باعتبار الذهن وهذه هى النسبة الذهنية بالمعنى الاخص وهاهنا نسبة ذهنية بالمعنى الاعم

١٠٠