توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

فيهما الا الى اللفظ لان مدركهما واحد ، وهو اخباره بانه تعالى يقبل التوبة عن عباده ، وهذا كالعفو والشفاعة وغيرهما من اوصاف كرمه مما اخبر فى كتابه او على لسان اصفيائه ، فسواء قلنا انه تعالى يتفضل بذلك او يجب عليه بحسب وعده ، واما الاستدلال على ذلك باستقلال العقل فمشكل.

المسألة الثالثة عشرة

( فى باقى المباحث المتعلقة بالتوبة )

قول المصنف : والعقاب يسقط بها ـ سقوط العقاب بنفس التوبة يتصور على وجهين : الاول ان لا يكون على التوبة ثواب واثر غير سقوطه ، الثانى ان يكون عليها ثواب على حدته غير سقوط العقاب ، والادلة الثلاثة فى كلام المصنف ظاهر اولها الوجه الثانى وظاهر الآخرين الوجه الاول ، والحق كما يستفاد من الآيات والاخبار الوجه الثانى.

قول المصنف : لا بكثرة ثوابها ـ سقوط العقاب بكثرة ثواب التوبة يتصور أيضا على وجهين : الاول ان يتحابط كثرة ثوابها وعقاب الذنب الّذي تاب منه ، الثانى ان يكون كثرة الثواب له بحالها مزيدة على سقوط العقاب بها ، والقائلون بالتحابط من المعتزلة لا بد ان يكونوا على الوجه الاول ، وحجة المخالف المذكورة هنا ساكتة عن ذلك ، بل تنطق بان سقوط العقاب ليس لذات التوبة.

قول المصنف : والاختصاص ـ اى وانتفى الاختصاص.

قول الشارح : اختلف الناس ـ المراد بالناس هنا المعتزلة ، قال القوشجى : القول الاول لاكثرهم والثانى لبعضهم.

قول الشارح : لا على معنى الخ ـ اى من دون شروطها ، وهذا ناظر الى جواب حجة المخالف ، ويأتى.

٨٦١

قول الشارح : امر زائد ـ هو كثرة الثواب فى سقوط العقاب سواء قلنا انها حاصلة للتائب أم لا.

قول الشارح : الاول ان التوبة الخ ـ هذا قياس استثنائى صورته ان سقوط العقاب لو كان بكثرة الثواب لم تقع التوبة محبطة ( بصيغة المفعول ) ومعنى كونها محبطة وقوعها بلا ثواب ، لكن التالى باطل لوقوع التوبة من الخارجى كذلك لان توبته مفيدة لسقوط العقاب ولا ثواب له عليها ، ففى هذه الصورة سقط العقاب وليس سبب سقوطها كثرة الثواب لان المفروض انها منتفية بل لا ثواب له عليها اصلا ، والخارجى من خرج على الامام العادل كخوارج نهروان.

اقول : فى كون توبته مقبولة حتى يسقط بها عقاب زناه مثلا نظر لان التوبة من العبادات ، وشرط قبولها الولاية والمودة لاهل البيت عليهم‌السلام وذلك مفقود عند الخارجى ، نعم ان تاب من خروجه فهو كالكافر التائب من كفره.

قول الشارح : ولو صح ذلك لكان الخ ـ هذا بيان بطلان التالى ، وفيه منع لان من الممكن ان يقال : ان التوبة انما تسقط المعاصى السابقة بكثرة ثوابها ، اما الكفر او الفسق الحادث بعد التوبة فلا ارتباط له بها لان التوبة انما هى توبة اذا تحققت بالندم على ما ارتكبه التائب ، فحصل الفرق بين التوبة اللاحقة والسابقة بالارتباط وعدمه بخلاف سائر الطاعات فانها لا يلزم بينها وبين المعاصى هذا الارتباط.

قول الشارح : الثالث لو اسقطت الخ ـ يأتى فيه المنع الّذي قلنا فى الوجه الثانى بعينه.

فالحق ان العقاب يسقط بنفس التوبة مع زيادة الثواب عليها كما هو ظاهر الآيات والاخبار لا بهذه الادلة.

قول الشارح : على القبيح لقبحه ـ هذه هى الصفة التى بها تؤثر فى اسقاط العقاب ، واما شروطها فهى العزم على ترك المعاودة والخروج عن عهدة حق الله تعالى وحق الناس.

٨٦٢

المسألة الرابعة عشرة

( فى عذاب القبر والميزان والصراط وغير ذلك )

قول المصنف : للامكان ـ لان النفس من حيث انها مدركة بنفسها او بآلاتها وهى لا تفنى بانسلاخ البدن عنها بالموت امكنها ان تلتذّ او تتألم بامور فى عالم البرزخ بنفسها او بآلة ، والتألم والتلذذ من مقولة الادراك او مسبب عنه فى المحل القابل.

قال المفيد فى اوائل المقالات : القول فى تنعيم اصحاب القبور الى ان قال : ان الله تعالى يجعل لهم اجساما كاجسامهم فى دار الدنيا ينعم مؤمنهم فيها ويعذب كفارهم فيها وفساقهم دون اجسامهم التى فى القبور يشاهدها الناظرون ، تتفرق وتندرس وتبلى على مرور الاوقات وينالهم ذلك فى غير أماكنهم من القبور ، وهذا يستمر على مذهبنا فى النفس ومعنى الانسان المكلف عندى هو الشيء المحدث القائم بنفسه الخارج عن صفات الجواهر والاعراض ، ومعى به روايات عن الصادقين من آل محمد صلوات الله عليهم ، ولست اعرف لمتكلم من الامامية قبلى فيه مذهبا فاحكيه ، ولا اعلم بينى وبين فقهاء الامامية واصحاب الحديث فيه اختلافا.

قول الشارح : نقل عن ضرار الخ ـ نقل القوشجى انكار عذاب القبر عن ضرار بن عمرو وبشر المريسى واكثر المتأخرين من المعتزلة ، وقال شارح المقاصد : اتفق الاسلاميون على حقيّة سؤال منكر ونكير فى القبر وعذاب الكفار وبعض العصاة فيه ، ونسب خلافه الى بعض المعتزلة ، قال بعض المتأخرين منهم : حكى انكار ذلك عن ضرار بن عمرو ، وانما نسب الى المعتزلة وهم برآء منه لمخالطة ضرار اياهم ، وتبعه قوم من السفهاء من المعاندين للحق ، انتهى ، وعلى كل فالآيات والاخبار دالة على سؤال القبر وعذاب البرزخ ونعيمه ، راجع سادس البحار المطبوع حديثا.

اقول كأنّ ضرارا كان يسكت عن تنعم القبر والبرزخ ولم ينكره الا ان ما نقل

٨٦٣

من استدلاله يعمه وعذاب القبر ، وعلى كل فلا بأس بذكر ما تمسك به والجواب عنه ، وهو امران :

الاول قوله تعالى : ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى ) ، تقرير الاستدلال بها انه تعالى حصر الموت فى الجنة لاهلها فى موتة واحدة هى الموتة الاولى ، ولو عذبوا فى القبر لزم ان يحيوا فيه ثانية لان الميت لا يحسّ الم العذاب ولا يصدق عليه انه معذب ، ولو حيّوا ثانية فى القبر لذاقوا موتتين لانهم لا يبقون فى القبر احياء الى يوم القيامة ، والتالى باطل لان الآية تنفى عنهم الا موتة واحدة ، فلا يحيون ثانية فى القبر حتى يعذبوا فيه.

والجواب عنه أولا ان الاستثناء فى الآية منقطع لانه لو كان متصلا لزم ان يكون الموتة الاولى فى الجنة لان المستثنى منه هو الموت فى الجنة ، والاستثناء المنقطع لا يفيد الحصر كما يقال : ما جاءنى القوم الا حمارا فانه ينفى المجىء عن القوم ويثبته للحمار لا انه ينفى المجىء عن جميع القوم ويثبته للحمار فقط ، وكما يقال : ما رأيت احدا من اهل البصرة الا رجلا من اهل الكوفة فانه يثبت الرؤية على رجل من اهلها ولا ينفيها عن غيره من اهلها ، فمعنى الآية انهم لا يذوقون الموت فى الجنة اصلا ابدا لكنهم ذاقوا الموتة الاولى التى هى فى الدنيا ، ولعل الوجه فى هذا الاستدراك التنبيه على ان الحياة الابدية الخالصة فى الجنة لا يحصل للانسان الا بعد رؤية هموم الدنيا وغمومها واهوال الموت فيها والسير فى عقبات الآخرة والمرور عليها.

وثانيا لا يلزم ان يحيى البدن ثانية للعذاب فى البرزخ ، بل يمكن ان يعذب العذاب العقلى بالنفس والعذاب الحسى بتعلقها بالجسم البرزخى فلا يتحقق الا موتة واحدة.

اقول : فى هذا الوجه اشكال ، وهو ان ظواهر بعض الاخبار فى الكافى وغيره ان الروح تلقى فى الميت للمساءلة فى القبر ، فالمساءلة بهذا البدن بعد تعلق الروح به ، فتنزع منه ثم تجعل فى جنة البرزخ او جحيمه فيحصل الموتتان.

وثالثا ان الاولى لها ثانية لاقتضاء معنى الاضافة فيها ذلك والا فلا وجه لوصف الموتة بها ، بل الوجه لو لا ذلك ان يقال : الا موتة واحدة.

٨٦٤

ورابعا ان ذلك لاهل الجنة ولا يثبت بذلك وحدة الموت لاهل النار ، فلعلهم يحيون ثانية ويعذبون فى القبر وهو مورد كلام الخصم ، وقوله تعالى : ( قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا ) فهل الى خروج من سبيل حكاية مقالة اهل النار ، لكن لا قائل فى المسألة بالفصل بين اهل الجنة واهل النار.

الثانى انا نرى من يصلب وبقى مصلوبا الى ان يذهب اجزاؤه ، ومن اكله السباع والطيور وتفرقت اجزاؤه فى بطونها وحواصلها ، ومن احرق بالنار فصار رمادا وذرى بالرياح ، ونعلم عدم احيائهم ومسائلتهم وعذابهم بالضرورة ، والقول بذلك مع هذا سفسطة ظاهرة.

والجواب أولا ان المدعى ليس عموم ذلك لكل احد ، بل من محض الايمان محضا ومن محض الكفر محضا ، وثانيا يمكن ان يكون ذلك بالبدن البرزخى ، وثالثا ان ذلك ممكن لهذا البدن وان كان فى الهواء كما ورد فى الحديث : انه سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر؟ فقال عليه‌السلام : ان رب الارض هو رب الهواء ، فيوحى الله عز وجل الى الهواء فيضغطه ضغطة اشد من ضغطة القبر.

قول الشارح : فانه لا استبعاد فى ان يعجل الخ ـ مسألة عذاب القبر من جزئيات مسألة تعجيل العذاب قبل يوم القيامة فلذا تعرض لامكانه ليثبت الخاص فى ضمن العام.

قال المفيد فى اوائل المقالات : القول فى ثواب الدنيا وعقابها وتعجيل المجازاة فيها ، ان الله تعالى جل اسمه يثيب بعض خلقه على طاعتهم فى الدنيا ببعض مستحقهم من الثواب ، ولا يصح ان يوفيهم اجورهم فيها لما يجب من ادامة جزاء المطيعين ، وقد يعاقب بعض خلقه فى الدنيا على معاصيهم فيها ببعض مستحقهم على خلافهم له وبجميعه أيضا لانه ليس كل معصية له يستحق عليها عذابا دائما كما ذكرنا فى الطاعات ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ، وقال : فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا ، فوعدهم بضروب من الخيرات فى الدنيا

٨٦٥

على الاعمال الصالحات ، وقال فى بعض من عصاه : ومن اعرض عن ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ، وقال فى آخرين منهم : لنذيقنهم عذاب الخزى فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اخزى ، لهم عذاب فى الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة اشق وما لهم من الله من واق ، وجاء الخبر مستفيضا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : حمى يوم كفارة ذنوب سنة ، وقال : صلة الرحم منساة فى الاجل ، وهذا مذهب جماعة من اهل العدل ، وتفصيله على ما ذكرت فى تعجيل بعض الثواب وكل العقاب وبعضه مذهب جمهور الشيعة وكثير من المرجئة.

اقول : ان الخاص يثبت فى ضمن العام بعنوانه العام لا بعنوانه الخاص كما اذا اثبت للانسان امكان الحركة فلا يثبت له امكان الحركة الى السماء ، فامكان تعجيل العذاب للانسان لا يستلزم امكانه فى القبر ، فلا بد من التعرض لاثبات امكانه وقد مر منا ما يفيد ذلك ، ولا يبعدان يكون مراد الشارح رحمه‌الله القياس والتنظير بان يقال : كما ان العذاب فى دار التكليف ممكن ولا ينافى التكليف فكذلك العذاب فى القبر لان ما يتصور من المانع هو التعجيل فى العقاب فيهما وهذا لا استبعاد فيه ، ولكنك عرفت ان انكار ضرار لذلك ليس من جهة استبعاد تعجيل العقاب كما مر ذكره ، فتأمل فى الكلامين

قول الشارح : واذا كان ممكنا ـ اذا هذه جوابية ناصبة ، لا شرطية ، اى وان كان العذاب فى دار التكليف ممكنا فاذا كان عذاب القبر ممكنا.

قول الشارح : وقع فيه الكلام ـ اى وقع كلامهم فى الاحياء الثالث وهو فى يوم القيامة ، فلهم احياء فى الدنيا ثم إماتة ثم احياء فى القبر ثم إماتة فيه ثم احياء فى يوم القيامة لا بعده موت.

قول الشارح : غير الحى لا يتكلم ـ اى لا يمكن ان يكون كلامهم حال الموت لان غير الحى لا يتكلم فلا بد لهم من الاحياء الثالث.

قول الشارح : الاحيائين اللذين عرفوا الخ ـ اى الاحياء الثانى والثالث لا الاول الّذي هو فى الدنيا ولم يعرفوا فيه ربهم والثانى ، وعلى كل يبطل قول ضرار بهذه الآية.

٨٦٦

قول المصنف : من الميزان ـ الميزان فى القيامة هو العدل ، قال عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) ، والقسط فى الآية عطف بيان للموازين ، وبهذا يرد قول شيوخ المعتزلة ويصرف اللفظ عن حقيقته عندنا الى ما يراد به ، والقائمون بالقسط الذين قام بهم هم حججه عليهم‌السلام.

فى سابع البحار المطبوع حديثا عن الاحتجاج : روى هشام بن الحكم : انه سأل الزنديق أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : او ليس توزن الاعمال؟ قال : لا ان الاعمال ليست باجسام ، وانما هى صفة ما عملوا ، وانما يحتاج الى وزن الشيء من جهل عدد الاشياء ولا يعرف ثقلها وخفّتها ، وان الله لا يخفى عليه شيء ، قال : فما معنى الميزان؟ قال : العدل ، قال : فما معناه فى كتابه : فمن ثقلت موازينه؟ قال : فمن رجح عمله ، الخبر.

وفيه عن الكافى ومعانى الاخبار : سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ) ، قال : هم الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام.

اقول : جمع الموازين باعتبارهم ، والحاصل ان ميزان عقائد العباد واعمالهم هو العدل فيهما القائم بهم عليهم‌السلام ، فمن هو اقرب منهم واشبه بهم من حيث العقائد والاعمال فهو ثقيل الميزان ، ومن هو ابعد منهم واقل شبها بهم فهو خفيف الميزان حتى يصل الى من هو فى الخفة الحقيقية وغاية البعد منهم صفرا عما عندهم من المعارف والاعمال فلا يقام له يوم القيامة وزن اصلا ، وهم اهل الشرك كما ورد فى الحديث : اعلموا عباد الله ان اهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين ، وانما يحشرون الى جهنم زمرا ، وانما نصب الموازين ونشر الدواوين لاهل الاسلام.

قال المحدث الكاشانى رحمه‌الله فى تفسير الصافى : ان لكل معنى من المعانى حقيقة وروحا وله صورة وقالب ، وقد تتعدد الصور والقوالب بحقيقة واحدة ، وانما وضعت الالفاظ للحقائق والارواح ، ولوجودها فى القوالب تستعمل الالفاظ فيها على الحقيقة لاتحاد ما بينهما ، مثلا لفظ القلم انما وضع لآلة نقش الصور فى الالواح من دون ان يعتبر فيها كونها من قصب او حديد او غير ذلك ، بل ولا ان يكون جسما ، ولا كون النقش

٨٦٧

محسوسا او معقولا ، ولا كون اللوح من قرطاس او خشب ، بل مجرد كونه منقوشا فيه ، وهذا حقيقة اللوح وحدّه وروحه ، فان كان فى الوجود شيء يتسطر بواسطته نقش العلوم فى الواح القلوب فاحق به ان يكون هو القلم ، فان الله تعالى قال : علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم ، بل هو القلم الحقيقى حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحدّه من دون ان يكون معه ما هو خارج عنه ، وكذلك الميزان مثلا فانه موضوع لمعيار يعرف به المقادير ، وهذا معنى واحد هو حقيقته وروحه ، وله قوالب مختلفة وصور شتى بعضها جسمانى وبعضها روحانى ، فما يوزن به الاجرام والاثقال مثل ذى الكفتين والقبان وما يجرى مجراهما ، وما يوزن به المواقيت والارتفاعات كالاسطرلاب ، وما يوزن به الدوائر والقسىّ كالفرجار ، وما يوزن به الاعمدة كالشاغول ، وما يوزن به الخطوط كالمسطر ، وما يوزن به الشعر كالعروض ، وما يوزن به الفلسفة كالمنطق ، وما يوزن به بعض المدركات كالحسّ والخيال ، وما يوزن به الكل كالعقل الكامل ، وبالجملة فميزان كل شيء هو المعيار الّذي به يعرف قدر ذلك الشيء ، فميزان الناس يوم القيامة ما يوزن به قدر كل انسان وقيمته على حسب عقيدته وخلقه وعمله لتجزى كل نفس بما كسبت ، وليس ذلك الا الأنبياء والأوصياء إذ بهم وباتباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترك ذلك وبالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار الناس وقدر حسناتهم وسيئاتهم ، فميزان كل امة هو نبى تلك الامة ووصى نبيها والشريعة التى اتى بها ، فمن ثقلت حسناته وكثرت فاولئك هم المفلحون ، ومن خفّت وقلت فاولئك الذين خسروا انفسهم بظلمهم عليها من جهة تكذيبهم للانبياء والأوصياء او عدم اتباعهم ، ففى الكافى والمعانى عن الصادق انه سئل عن قول الله عز وجل : ( وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ ) قال : هم الأنبياء والأوصياء ، وفى رواية اخرى : نحن الموازين القسط.

قول المصنف : والصراط ـ فى ثامن البحار باب الصراط عن معانى الاخبار بالاسناد الى مفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصراط ، فقال : هو الطريق الى معرفة الله عز وجل ، وهما صراطان : صراط فى الدنيا وصراط فى الآخرة ، فاما الصراط الّذي فى الدنيا فهو الامام المفروض الطاعة ، من عرفه فى الدنيا واقتدى

٨٦٨

بهداه مرّ على الصراط الّذي هو جسر جهنم فى الآخرة ، ومن لم يعرفه فى الدنيا زلت قدمه عن الصراط فى الآخرة فتردى فى نار جهنم.

اقول : الصراط هو ما يصل به السائر الى مقصد سيره ، ومقصد سير الانسان هو الجنة ، والامام المفروض الطاعة هو موصل الانسان الى ذلك المقصد ، وان صراط الآخرة جسر على جهنم تمثيل وتصوير للامر الاخرى فى صورة الامر الدنيوى ، وليسا مثلين فى الحقيقة ، فان العابرين على الجسر كما يعبر بعضهم سالما الى مقصده وبعضهم لعدم تحفظ نفسه يهوى فيما عليه الجسر فكذلك السائرون فى الآخرة بعضهم يقطع المسير الى الجنة وهو الّذي سار فى الدنيا على العقائد الصحيحة والاعمال الصالحة ، وبعضهم ينقطع دون المقصد ويهوى فى نار جهنم وهو الّذي كان على خلاف ذلك ، ووصف الصراط فى بعض الروايات بانه احدّ من السيف وادقّ من الشعر كناية عن عدم تمكن السائر من السير عليه بنفسه الا ان يتمسك بحبل الله المتين ، وفى بعض الاحاديث ان الله عز وجل يجعله على المؤمنين عريضا وعلى المذنبين دقيقا ، وفى احاديث كثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انه لا يجوز على الصراط احد إلا من كان معه كتاب فيه براءة بولاية على بن ابى طالب عليه‌السلام ، وفى الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اثبتكم قدما على الصراط اشدكم حبّا لاهل بيتى.

قول المصنف : الحساب ـ ان هاهنا مطالب :

الاول الحساب فى اللغة هو العدّ والاحصاء ، والحساب يوم القيامة هو عدّ اعمال العباد واحصاؤها ليتعين الجزاء فى قبالها ان خيرا فخير وان شرا فشر ويوفى لهم على قدر استحقاقهم بحسب اعمالهم ، وقال المفيد فى اوائل المقالات : ان الحساب هو موافقة العبد على ما امر به فى دار الدنيا ، انتهى ، اى موافقته فى الجزاء على ذلك.

الثانى ان الحساب خاص لا عام كالسؤال ، قال تعالى : ( فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) ؛ واما قوله تعالى : ( فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ ) : وقوله تعالى : ( وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ) فعن ذلك اجوبة مذكورة فى التفاسير : فراجع : لكنى اقول : عدم السؤال هذا خاص بالذنوب وهذا لا ينافى السؤال عن غيرها من العقائد

٨٦٩

والحقوق ، وخاص أيضا ببعض العباد كما يدل عليه الاخبار ، والدليل على كون الحساب خاصا قوله تعالى : ( يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) فى مواضع ، وقوله تعالى : ( إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ ) ، وفى احاديث : ان اهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين ، وانما ذلك لاهل الاسلام.

وفى سابع البحار باب محاسبة العباد عن أمالي الصدوق بالاسناد عن الصادق عليه‌السلام ، قال : اذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب كلاهما من اهل الجنة : فقير فى الدنيا وغنى فى الدنيا ، فيقول الفقير : يا ربّ على ما اوقف؟ فوعزتك انك تعلم أنك لم تولنى ولاية فاعدل فيها او اجور ، ولم ترزقنى مالا فأؤدى منه حقا او امنع ، ولا كان رزقى يأتينى منها الا كفافا على ما علمت وقدرت لى ، فيقول الله جل جلاله : صدق عبدى خلوا عنه يدخل الجنة ، ويبقى الاخر حتى يسيل منه من العرق ما لو شربه اربعون بعيرا لكفاها ، ثم يدخل الجنة فيقول له الفقير : ما حسبك؟ فيقول : طول الحساب ، ما زال الشيء يجيئنى بعد الشيء يغفر لى ، ثم اسأل عن شيء آخر حتى تغمدنى الله عز وجل منه برحمة والحقنى بالتائبين ، فمن انت؟ فيقول : انا الفقير الّذي كنت معك آنفا ، فيقول : لقد غيرك النعيم بعدى.

الثالث روى فى كتاب العقل والجهل من الكافى بالاسناد عن ابى جعفر عليه‌السلام ، قال : انما يداقّ الله العباد فى الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول فى الدنيا.

اقول : ان الّذي يعتبره العقل ويدل عليه كثير من الاخبار ان استحقاق الثواب والعقاب فى الآخرة على قدر العقل ، ولا يبعد ان يكون المداقة لاجل ظهور الاستحقاق لذلك.

الرابع ان الله تعالى سريع الحساب ، ذكر فى التفاسير له وجوه ، والاقرب ما فى نهج البلاغة : سئل عليه‌السلام : كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم ، فقال عليه‌السلام : كما يرزقهم على كثرتهم.

الخامس ان معنى سوء الحساب وشدة الحساب ان لا تقبل حسناتهم لعدم الاتيان

٨٧٠

على وجهها ويؤاخذون بسيئاتهم فلا يشملهم العفو والشفاعة ، ويسر الحساب على عكس ذلك.

السادس روى فى التهذيب بالاسناد عن ابى بصير ، قال سمعت أبا جعفر يقول : اوّل ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها ، وفى الحديث : اوّل ما يسأل عنه العبد حبنا اهل البيت.

السابع الكلام فى المحاسب ، ففى القرآن : وكفى بنا حاسبين ، وكفى بالله حسيبا ، وان حسابهم الاعلى ربى ، ثم ان علينا حسابهم ، وفى الاحاديث : إلينا اياب هذا الخلق وعلينا حسابهم ، وفى بعضها : اذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا إلينا ، وفى القرآن : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، فوجه الجمع ان الحساب بالحق الاصالى لله تعالى ، والائمة عليهم‌السلام شهداء الخلق يتولونه باذنه تعالى كسائر ما بايديهم من الامور فى الدنيا والآخرة بولايتهم من قبل الحق تعالى ، وفى تفسير العياشى عن ابى عبد الله عليه‌السلام فى قوله تعالى : ( اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) ، قال : يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتى كانه فعله تلك الساعة ، فلذلك قالوا : يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصيها.

قال المفيد فى اوائل المقالات : القول فى الحساب وولاته والصراط والميزان : ان الحساب هو موافقة العبد على ما امر به فى دار الدنيا ، وانه يختص باصحاب المعاصى من اهل الايمان ، واما الكفار فحسابهم جزاؤهم بالاستحقاق ، والمؤمنون الصالحون يوفون اجورهم بغير حساب ، واقول : ان المتولى لحساب من ذكرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وامير المؤمنين عليه‌السلام والائمة من ذريتهما عليهم‌السلام بامر الله تعالى لهم بذلك وجعله إليهم تكرمة لهم واجلالا لمقاماتهم وتعظيما على سائر العباد ، وبذلك جاءت الاخبار المستفيضة عن الصادقين عليهم‌السلام عن الله تعالى ، وقد قال الله عز وجل : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ، يعنى الائمة عليهم‌السلام على ما جاء فى التفسير الّذي لا شك فى صحته ولا ارتياب ، وان الصراط جسر بين الجنة والنار تثبت عليه اقدام المؤمنين وتزلّ عنه اقدام الكفار الى النار وبذلك جاءت أيضا الاخبار ،

٨٧١

واما الميزان فهو التعديل بين الاعمال والمستحق عليها ، والمعدلون فى الحكم اذ ذاك هم ولاة الحساب من ائمة آل محمد صلوات الله عليهم ، وعلى هذا القول اجماع نقلة الحديث من اهل الامامة ، واما متكلمهم من قبل فلم اسمع لهم فى شيء منة كلاما.

قول المصنف : وتطاير الكتب ـ هو نشر الصحف ، قال تعالى : ( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ).

فى تفسير البرهان عن بستان الواعظين : روى عن النبي ، قال : الكتب كلها تحت العرش ، فاذا كان يوم القيامة بعث الله تبارك وتعالى ريحا تطيرها بالايمان والشمائل اوّل حرفه : اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.

قول الشارح : احوال القيامة ـ هذه المذكورات وغيرها من مواقف القيامة ، واتيان جهنم ، وصفوف الناس ، وحملة العرش ، واحوال المؤمنين والكافرين ، ودخول بعض الاولياء فى عرصة المحشر راكبا ، وحشر الوحوش ؛ والسؤال ؛ واحتجاج الله تبارك وتعالى على العباد ؛ وانطاق الجوارح ؛ وكون الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام شهودا ، والوسيلة ومنزلة نبينا واهل بيته صلوات الله عليهم ، والاخذ بالحجزة ، واللواء ، ودعاء كل اناس بامامهم ، والحوض وساقيه ، واوصاف الجنة والنار ، والاعراف واهلها ، وذبح الموت ، والخلود ؛ وخروج من يخرج من النار ؛ واحوال اهل الجنة واهل النار بعد الدخول فيهما ؛ وحسرة الخلق وندامتهم ؛ واهوال اهل الموقف ؛ والنداء بالتتارك والتصالح ، ودرجات الجنة ودركات النار.

قول الشارح : وقال عباد ـ قال الكيلانى فى ذيل الملل والنحل هو عباد بن سليمان الضمرى من الطبقة الثالثة من المعتزلة ، يظن انه توفى فى حدود سنة ٢٥٠ ، وعده الشهرستانى صاحبا لهشام بن عمرو الفوطى من شيوخ المعتزلة ؛ وذكره الاشعرىّ فى مقالات الاسلاميين ونقل آراءه.

قول الشارح : فذهب جماعة الى الاول ـ قال المفيد رحمه الله تعالى فى اوائل المقالات : القول فى خلق الجنة والنار : ان الجنة والنار فى هذا الوقت مخلوقتان و

٨٧٢

بذلك جاءت الاخبار وعليه اجماع اهل الشرع والآثار ، وقد خالف فى هذا القول المعتزلة والخوارج وطائفة من الزيدية ، فزعم اكثر من سمّيناه ان ما ذكرناه من خلقهما من قسم الجائز دون الواجب ووقفوا فى الوارد به من الآثار ، وقال من بقى منهم باحالة خلقهما واختلفوا فى الاعتلال ، فقال ابو هاشم بن الجبائى : ان ذلك محال لانه لا بدّ من فناء العالم قبل نشره وفناء بعض الاجسام فناء لسائرها وقد انعقد الاجماع على ان الله تعالى لا يفنى الجنة والنار ، وقال الآخرون وهم المتقدمون كأبي هاشم : خلقهما فى هذا الوقت عبث لا معنى له والله تعالى لا يعبث فى فعله ولا يقع منه الفساد.

وقال الشهرستانى فى سرد آراء هشام بن عمرو الفوطى من مشايخ المعتزلة : ومن بدعه ان الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن اذ لا فائدة فى وجودهما وهما جميعا خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما ، وبقيت هذه المسألة منه اعتقادا للمعتزلة

قول الشارح : احتج ابو هاشم الخ ـ توضيح ما ذكره الشارح هنا انه لا قائل بوجود إحداهما وعدم الاخرى ، بل القول قولان : وجودهما او عدمهما ، فان ثبت عدم الجنة الآن ثبت عدم النار بالاجماع ، والدليل عليه ان الجنة لو كانت الآن مخلوقة لوجب هلاكها وفناؤها فى القيامة حين يفنى الاشياء كلها ، والدليل على الملازمة قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) ، والتالى باطل لقوله تعالى : ( أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها ).

والجواب أولا ان دوام الاكل لا ينافى هلاكها لان المراد به دوامه بالنوع بخلق امثاله فالهلاك يرجع الى اشخاص المأكولات والدوام الى كل نوع منها ، وهذا الهلاك والدوام لا يختصان بوقت دون وقت ، بل فى كل وقت الى الابد يفنى مأكولات الجنة باكل اهلها فيخلق تعالى امثالها ، وثانيا ان هلاك كل شيء بحسبه ، فهلاك الجنة هو خروجها عن الانتفاع عند فناء المكلفين ، فلا ينافى الهلاك بهذا المعنى دوامها ، وثالثا يخصص الهلاك فى الآية بغير الجنة والنار جمعا بين الادلة ، ورابعا ان المراد بالهلاك الهلاك الذاتى اللازم للممكن ، وخامسا ان دوام الاكل لا يستلزم ان يكون ابتداؤه من الآن ، بل يبتدأ من حين نزول اهل الجنة فى الجنة ، فالآن موجود من دون الاكل

٨٧٣

فاذا حصل اكلها دام من دون انقضاء وانتهاء.

اقول : ان لكل موجود معلول وجهين : وجها واجبا إلهيا غير هالك ، ووجها ممكنا نفسيا هالكا ، فاذا وصل الموجود الى فناء نفسيته فى وجه الله تعالى التحق بوجهه فى بقائه وابديته ولا يهلك ابدا ولا يموت سرمدا ، فالوصول بهذا المقام هو نهاية سير الموجود « ان الى ربك المنتهى » وهو جنته الباقية يتنعم فيها ، واما الواقع فى اسفل سافلين والمقيم فيه بنفسيته مع قرنائه وما يناسبه من اهل السجين وغير ذلك من الامور السيئة فهو الّذي لم يتوجه الى وجه الله تعالى فيتعذب فى جهنم الى ما شاء الله تعالى ، اذا عرفت ذلك فالجنة موجودة بوجهه تعالى ، والعوالم السابقة على آدم ابى البشر على نبينا وآله وعليه السلام وصلوا إليها ، وهم فيها متنعمون ونحن إن شاء الله بهم لاحقون ، وكذا نار الله الموقدة التى تطلع على الافئدة وقع فيها ما وقع من المدبّر منهم عن وجهه تعالى ، فالجنة والنار ليستا لبنى آدم فقط ، بل لجميع الخلائق من الاولين والآخرين سابقين فلاحقين الى ابد الآبدين ، وهما لا تفنيان ولا تهلكان لانهما نهاية السير ، والسائرون يهلكون ليصلوا الى الاقامة فى مقام الوجه الالهى او الاقامة فى مقام الوجه النفسى.

المسألة الخامسة عشرة

( فى الايمان والاحكام )

قول الشارح : والاحكام ـ المراد بها احكام فرق المسلمين على الفاسق بانه مؤمن او متوسط بين الايمان والكفر او منافق او كافر نعمة او كافر كما يأتى فى كلام الشارح.

قول الشارح : اختلف الناس فى الايمان الخ ـ هذه المسألة اكثر المسائل اختلافا بين الفرق فان كل فرقة انشعبت فيها الى اقوال ، وجملتها ان الايمان هل هو

٨٧٤

المعرفة والمحبة والخضوع او المعرفة فقط والتصديق او الاقرار او العمل او اجتناب الكبائر او بعض منها مركبا ثنائيا او ثلاثيا ، راجع فى تفاصيلها مقالات الاسلاميين للاشعرى وغيره من كتب المذاهب.

قول الشارح : عبارة عن التصديق الخ ـ ليس الايمان فى الشرع هو التصديق القلبى والاقرار اللسانى فقط ؛ بل هو التصديق بالله وبرسوله على معرفة توجب الرضا بما يقضى والتسليم لما يأتى ، قال الله تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) ؛ وروى ثقة الاسلام الكلينى رحمه الله تعالى بالاسانيد فى كتاب الايمان والكفر من الكافى عن الائمة عليهم‌السلام : واما ما فرض على القلب من الايمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا ؛ والايمان هكذا لا ينفك عنه الاقرار باللسان والعمل بالاركان لو لا مانع التقية ؛ فلذلك اخذ الامام عليه‌السلام الاقرار والتسليم جزءا منه ؛ بل فى احاديث كثيرة ان الايمان مبثوث على جميع الجوارح فللقلب حظ منه وللسان حظ منه ولسائر الجوارح حظوظ ، راجع فى ذلك الكافى والبحار وغيرهما فان استيفاء البحث فى ذلك يستدعى رسالة مفردة ،

قول الشارح : فاثبت لهم المعرفة والكفر ـ فلو كان المعرفة فقط ايمانا لم يثبتها لهم مع الكفر لان الكفر والايمان متقابلان لا يجتمعان.

قول الشارح : لقوله تعالى قالت الاعراب الخ ـ ان الآية تدل على ان الايمان غير الاسلام ؛ وفى روايات كثيرة عن ائمتنا عليهم‌السلام ذلك وان الايمان اخص من الاسلام ؛ ونقل المفيد رحمه الله تعالى فى اوائل المقالات اتفاق الامامية على ذلك وموافقة المرجئة واصحاب الحديث معهم فيه ؛ وذلك لان المنكرين لخلافة اهل البيت عن النبي عليهم‌السلام وجدوا فى انفسهم حرجا مما قضى فى ذلك ولم يسلموا له تسليما ؛ فهم مسلمون لا مؤمنون بالمعنى الّذي فى الآية.

قول الشارح : بان يعتقد فساد الخ ـ اى بان يكذب بما تصديقه شرط فى تحقق الايمان.

٨٧٥

قول الشارح : فيما دون الكفر ـ اى لا يكون ترك الطاعة بحيث يستلزم انكار ما ثبت بالضرورة فى الشرع.

قول الشارح : فقالت المعتزلة ان الفاسق الخ ـ نفى الايمان عن الفاسق مضمون كثير من اخبارنا عن الائمة عليهم‌السلام لكن مقيدا بوقت الاشتغال بالمخالفة ؛ فان تاب عاد الى الايمان ؛ ومع ذلك يمكن ان يحمل على الايمان الكامل او طروّ الغطاء على نور الايمان لا زواله بالمرة.

قول الشارح : انه كافر نعمة ـ اطلق الكافر فى الآيات والاخبار على من ترك امر الله تعالى او ترك شكر نعمته ؛ لكن لا بالمعنى المقابل للايمان.

المسألة السادسة عشرة

( فى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر )

وجه ذكر هذه المسألة فى الكلام مع انها من الفروع ارتباطها بفعل القبيح والاخلال بالواجب المستلزمين لاستحقاق العقاب المبحوثين فى بعض المسائل الماضية.

قول الشارح : باليد واللسان والقلب ـ فى القسم الثالث من النهج تحت العدد ٣٧٣ : ايها المؤمنون انه من رأى عدوانا يعمل به ومنكرا يدعى إليه فانكره بقلبه فقد سلم وبرئ ، ومن انكره بلسانه فقد اجر وهو افضل من صاحبه ؛ ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هى العليا وكلمة الظالمين هى السفلى فذلك الّذي اصاب سبيل الهدى وقام على الطريق ونور فى قلبه اليقين.

وفى كلام آخر له يجرى هذا المجرى : فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه فذلك المستكمل لخصال الخير ، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ومضيع خصلة ، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الّذي ضيع اشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة ، ومنهم تارك

٨٧٦

لانكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت الاحياء ، وما اعمال البرّ كلها والجهاد فى سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهى عن المنكر الا كنفثة فى بحر لجّى ، وان الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يقربان من اجل ولا ينقصان من رزق ، وافضل من ذلك كله كلمة عدل عند امام جائر.

قول الشارح : فان كل واجب عقلى الخ ـ هذا بيان اللزوم ، ووجه الوجوب هو المصلحة الداعية الى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر.

قول الشارح : ولو وجبا عليه تعالى الخ ـ هذا بيان بطلان التالى ، وبطلانه ممنوع لان الله تعالى قد فعل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر تشريعا وخطابا ، واما حمل المكلفين على المعروف ومنعهم عن المنكر بالجبر فهو خلاف حكمته ، وهو تعالى لا يقاس بالحاكم الّذي ذلك وظيفته فى بعض المواقع ، فالحق ان العقل يحكم بالوجوب لما يرى فى تركهما من المفاسد الاجتماعية الدينية.

قول الشارح : شرائط الامر الخ ـ الظاهر من الكلام انتفاء الوجوب بانتفاء احد هذه الشروط ، ولكن يمكن مع انتفاء الوجوب ثبوت احد الاحكام الاربعة الاخر.

تم المقصد السادس

وله الحمد أولا وآخرا وصلى الله على رسوله واهل بيته دائما

٨٧٧

ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون

قال الباقر عليه‌السلام : جاء رجل الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ما حق العلم؟ قال : الانصات له ، قال : ثم مه؟ قال : الاستماع له ، قال : ثم مه؟ قال : الحفظ له ، قال : ثم مه؟ قال : ثم العمل به ، قال : ثم مه؟ قال : ثم نشره.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تجلسوا عند كل داع مدّع يدعوكم من اليقين الى الشك ، ومن الاخلاص الى الرياء ، ومن التواضع الى الكبر ، ومن النصيحة الى العداوة ، ومن الزهد الى الرغبة ، وتقربوا الى عالم يدعوكم من الكبر الى التواضع ، ومن الرياء الى الاخلاص ، ومن الشك الى اليقين ، ومن الرغبة الى الزهد ، ومن العداوة الى النصيحة ، ولا يصلح لموعظة الخلق الا من خاف هذه الافات بصدقه ؛ واشرف على عيوب الكلام ، وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى.

قال الصادق عليه‌السلام : الخشية ميراث العلم ، والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ؛ ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان شق الشعر فى متشابهات العلم ، قال الله عز وجل : ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) ، وآفة العلماء ثمانية اشياء : الطمع ، والبخل ، والرياء ؛ والعصبية ؛ وحبّ المدح ، والخوض فيما لم يصلوا الى حقيقته ، والتكلف فى تزيين الكلام بزوائد الالفاظ ؛ وقلة الحياء من الله ؛ والافتخار ، وترك العمل بما علموا.

٨٧٨

قال امير المؤمنين عليه‌السلام :

قوام الدين بأربعة : بعالم ناطق مستعمل له ، وبغنىّ لا يبخل

بفضله على اهل دين الله ، وبفقير لا يبيع آخرته بدنياه ،

وبجاهل لا يتكبر عن طلب العلم ، فاذا كتم العالم علمه ، و

بخل الغنىّ بماله ، وباع الفقير آخرته بدنياه ، واستكبر الجاهل

عن طلب العلم رجعت الدنيا الى ورائها القهقرى ، فلا تغرّنكم

كثرة المساجد واجساد قوم مختلفة ، قيل : يا امير المؤمنين

كيف العيش فى ذلك الزمان؟ فقال : خالطوهم بالبرانيّة ـ

يعنى فى الظاهر ـ وخالفوهم فى الباطن ، للمرء ما اكتسب ،

وهو مع من احبّ ، وانتظروا مع ذلك الفرج من الله

عزّ وجلّ.

٨٧٩

٨٨٠