توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

وقد مرّ الكلام فى مذهبهم عن قريب.

قول الشارح : اختلف المعتزلة على أربعة الخ ـ اعلم انه لا شبهة ولا خلاف فى ان الثواب والعقاب يقعان فى الآخرة ، قال امير المؤمنين عليه‌السلام : اليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل ، والثواب والعقاب بعد الحساب ، وما يصل الى المؤمن والكافر من البلايا والعطيات فى الدنيا ترتبا على بعض الاعمال او ابتداء ليس بثواب الايمان والصالحات وعقاب الكفر والسيئات ، وان امكن ان يكون عقابا للمؤمن على سيئاته او بعضها وعطاء للكافر على خير او خيرات صدرت منه ، وقد ورد فى اخبار ان الله يبتلى عبده المؤمن فى الدنيا حتى يخلص له الثواب فى الآخرة ويعطى الكافر فى الدنيا عطايا حتى يخلص له العذاب فى الآخرة ، ولا شبهة ان مقتضى العقاب والثواب انما هو فى هذه الدار ، ولا شبهة انه ليس علة تامة والالم ينفكا عنه ، بل مقتض للاستحقاق.

ثم اختلفوا فى ان الاستحقاق متى يحصل؟ وهل له شرط او مانع أم لا؟ بعد الاتفاق على ان مقتضيه الطاعة والمعصية.

فالاشاعرة بمعزل عن هذا البحث ، فانهم لا يوجبون شيئا ولا يقولون بالاستحقاق ولا بوجوب شيء من الثواب والعقاب عليه تعالى ، بل يقولون : له اثابة العاصى وعقاب المطيع كما صرح به الشارح القديم فى شرحه.

وطائفة من المعتزلة قالوا : ان الاستحقاق يحصل حال الموت ، وآخرون منهم قالوا : يحصل فى الآخرة ، والعبد قبل ذلك لا يستحق ثوابا ولا عقابا ، وعلى هذين المذهبين فان مات العبد على الايمان والطاعة فلا معنى لاشتراط استحقاق الثواب بشيء ولا يتصور له مانع اذ خرج من دار الاختيار ، وان مات على الكفر فكذلك ، وان مات على العصيان بلا توبة منه فمن الممكن ان يمنع من استحقاق عقابه مانع من عفو الله تعالى بالشفاعة او بدونها ، ولكن هذا ليس من مذهب المعتزلة ، ويأتى ذكره فى مسألة العفو والشفاعة.

وطائفة اخرى من المعتزلة كأبي على وابى هاشم الجبائيين قالوا : ان الاستحقاق

٨٢١

يحصل فى وقت وجود الطاعة والمعصية لانهما علتان تامتان لذلك من دون شرط ومانع ، ولكن استحقاق الثواب واستحقاق العقاب ضدان ، ايهما حصل متأخرا ينتفى به المتقدم او مطلقا على ما يأتى تفصيله فى المسألة السابعة إن شاء الله عز وجل ، وهذا هو القول بالاحباط والتكفير

وجمهور الامامية وبعض من اصحاب الاعتزال قالوا : ان الاستحقاق يحصل فى حال الطاعة والمعصية ، ولكن بقاؤه فى الظاهر مشروط بالموافاة ، واما فى الواقع فهو الى علم الله تعالى ، فان كان فى علمه تعالى انه يوافى الى حال الموت حصل الاستحقاق بالطاعة او المعصية وان كان فى علمه تعالى انه لا يوافى لم يحصل من اوّل الامر ، ومعنى الموافاة هو ان لا يأتى المكلف بشيء اختيارا قبل الموت يرتفع به الاستحقاق كالتوبة عن الكفر والمعصية التى ترفع استحقاق العقاب والارتداد الّذي يرفع استحقاق الثواب.

قول الشارح : الى حال الموت او الآخرة ـ الترديد لا يأتى فى موافاة الطاعة اذ بالموت تظهر الموافاة ، وان لم يواف يظهر ذلك قبل الموت ، ويصح فى موافاة المعصية اذ يمكن زوال الاستحقاق فى البرزخ او القيامة بعفو الله تعالى.

قول الشارح : قبل الموافاة ـ هكذا فى كثير من النسخ ، والصحيح قبل الوفاة.

قول الشارح : وبهما استدل المصنف ـ كذا فى كثير من النسخ ، والصحيح بهما واستدل المصنف ، والجارّ متعلق بلم يستحق.

قول الشارح : وتقريره ان نقول الخ ـ اعلم ان حبط العمل فى آيات القرآن علق على الشرك او الكفر او النفاق او الارتداد ، وفى آية واحدة فى سورة الحجرات علق على رفع الصوت فوق صوت النبي صلوات الله عليه وآله والجهر له بالقول ، وذلك يرجع الى ايذائه واهانته ، فهو يكشف عن النفاق.

ومن المفسرين من قال : ان معنى الحبط كون العمل واقعا على خلاف الوجه الّذي يستحق عليه الثواب ، ومنهم من قال : معناه بطلان العمل الّذي استحق عليه الثواب ،

٨٢٢

والآيات اذا تدبرتها بتأييد آيات اخرى واحاديث عرفت انها بصدد بيان ان العمل الّذي صدر من العبد بلا شدّه بحبل الايمان ولا ارتباط بمبدإ الحق فى الواقع وان كان صورته كصورة عمل اهل الايمان فانما يقع بلا تأثير فى سعادة فاعله ، وهذا ينطبق على المعنى الاول.

قول الشارح : كون العمل باطلا من اصله ـ بناء على حصول الاستحقاق عند الموت او فى الآخرة لان العمل ما لم يستحق عليه الثواب باطل سواء ارتدّ قبل الموت أم لا ، ثم بالموت مع عدم الارتداد يخرج من البطلان ويتصف بالصحة والقبول واستحقاق الثواب عليه ، وهذا باطل لان بطلان العمل وحبطه معلق على الشرك والارتداد فكيف يكون باطلا مطلقا ، ولان الكلام شرط وجزاء اى الشرك والحبط وهما انما يقعان فى مستقبل العمل فكيف يكون العمل باطلا قبلهما ، فالاستحقاق حاصل حين العمل ولو فى الظاهر.

قول الشارح : او ان الثواب يسقط بعد ثبوته ـ بناء على حصول الاستحقاق حال العمل من دون الاشتراط بالموافاة ، وهذا قول بالتحابط ، ويبطل بالذى ذكره أولا من اشتراط الموافاة.

قول الشارح : او ان الكفر ابطله ـ اى ابطله فى الواقع ويكشف عن بطلانه وحبطه حين الارتداد وظهور الكفر ، وهذا على القول باشتراط الموافاة ، وهذا حق لما يأتى من بطلان التحابط المستلزم لبطلان القول بعدم اشتراط الموافاة.

المسألة السابعة

( فى الاحباط والتكفير )

قول المصنف : والاحباط باطل ـ ظاهره بطلان الاحباط وعدم التعرض لبطلان التكفير ، والمشهور بطلانهما ، وقد يطلق الاحباط على الاعم منهما ؛ ولا يبعد

٨٢٣

إرادة المصنف له كما ان الشارح كذلك فهمه ، وفيهم من يخالف الجمهور فيهما وفى التكفير فقط.

قول الشارح : فقال ابو على الخ ـ نسب الى ابى على هذا القول بصورتين ، الاولى ان المتقدم يحبط بالمتأخر مطلقا وهو يبقى بحاله ، وهذا باطل لوجوه :

الاول انه يستلزم ان احدا لو اطاع ايام دهره ثم تكلم بكذبة او شرب قطرة خمر فى آخر عمره كان كمن لم يطع ربه طرفة عين ، وهذا ظلم ببداهة العقول ، ولا يستقيم على طريقة العدلية ، وهذا الوجه لا يجرى فى التكفير.

الثانى لزم ان لا يكون عند الانسان حين موته الا الحسنة او السيئة ، وهذا باطل للآيات والاخبار الدالة على ان من العباد من خلط بين الصالح والسيئ من الاعمال وان الله تعالى يعذبهم القيامة او يتوب عليهم.

الثالث لزم ان يكون ايجاب التوبة لغوا.

الرابع قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ) الآية ، وهى تدل على ان كل خير او شر يجازى عليه وما يقع محبطا لا يجازى عليه فلا شيء من خير او شر يقع محبطا.

الصورة الثانية وذكرها الرازى فى الاربعين هى ان المتأخرة تحبط المتقدمة بمقدارها لا مطلقا وتبقى بحالها ، فان من اتى بحسنتين ثم سيئتين انحبطت الحسنتان وبقيت السيئتان بحالهما وكذا العكس ، ومن اتى بعشر حسنات او سيئات ثم اتى بخمس عشرة حسنة او سيئة انحبطت العشرة وبقيت الخمس عشرة بحالها ، ومن اتى بالاكثر او لا انحبط منه بمقدار الاقل المتأخر وبقى المتاخر بحاله مع فضل المتقدم.

ويرد على هذه الصورة أيضا تلك اللوازم الباطلة ، لكن فى بعض الموارد.

وحاصل كلام ابى على فى الصورتين ان المتأخر يؤثر فى اسقاط المتقدم لا العكس بخلاف قول ابى هاشم.

قول الشارح : لان من اساء واطاع الخ ـ هذه الفروض تأتى على قول ابى هاشم

٨٢٤

فى جميع الموارد ، لا على قول ابى على إلا في بعض الموارد.

قول الشارح : مساويا لمن يصدر ـ كذا فى النسخ التى عندى ، والصحيح مساويا لمن لم يصدر.

قول الشارح : والايفاء بوعده الخ ـ قد مرّ فى المسألة الرابعة عدم وجوب الايفاء بالوعيد ، بل العفو حسن ان لم يعارضه امر آخر.

قول المصنف : ان كان الاخر ضعيفا ـ كذا فى النسخ ، والصحيح ضعفا بكسر الضاد.

قول الشارح : قول ابى هاشم بالموازنة ـ حاصل قوله قياس حسنات المؤمن وسيئاته واخذ فضل الاكثر على الاقل ، فان كان الفضل لسيئاته انتفت حسناته فيخلد فى النار ، والعكس بالعكس ، وان تساوتا فالامر الى الله تعالى.

قول الشارح : ليس اسقاط احدى الخ ـ جواب لاذا ، وكذا الامر فى سائر فروض الضعف كالاربعة والاثنى عشر والخمسة والعشرين ، وكذا فيما ليس ضعفا كالاربعة والستة ، والخمسة والسبعة ، وبالجملة فى صورة عدم التساوى.

قول الشارح : فان تقدم اسقاط الخ ـ هذا الوجه يجرى فى غير المتساويين أيضا لان الخمسة المتأخرة مثلا اذا اسقطت خمسة من السبعة المتقدمة فالاثنان الباقيان ان كانا مؤثرين فصيرورة المغلوب غالبا تأتى فى ثلاثة من الخمسة الساقطة والا ففى جميعها ، وكذلك فى فرض تقارن التأثير.

ثم اورد على الوجهين ان ذلك يلزم لو كان التأثير فى الاسقاط بالعلية الذاتية ، وليس كذلك بل الامر فى الآخرة على سبيل المجازاة العرفية.

تتميم وتحقيق

لا خلاف بين الامة فى ان الكفر ينفى الايمان المتقدم وكذا الايمان ينفى الكفر المتقدم سواء قلنا بالتحابط أم لا ، فانما يظهر ثمرة النزاع فى المؤمن الّذي عمل صالحا

٨٢٥

وآخر سيئا ، ويظهر من المفيد رحمه‌الله ان الايمان ان كان حقيقيا مستقرا فالموافاة حتم لا ينقلب الى الكفر ، ومن مات على الكفر لم يكن مؤمنا وان كان اظهر الايمان فى حياته.

قال فى اوائل المقالات : القول فى الموافاة ، اقول : ان من عرف الله تعالى وقتا من دهره وآمن به حالا من زمانه فانه لا يموت الا على الايمان به ، ومن مات على الكفر بالله تعالى فانه لم يؤمن به وقتا من الاوقات ، ومعى بهذا القول احاديث عن الصادقين عليهم‌السلام ، وإليه ذهب كثير من فقهاء الامامية ونقلة الاخبار ، وهو مذهب كثير من المتكلمين فى الارجاء ؛ وبنو نوبخت رحمهم‌الله يخالفون فيه ويذهبون فى خلافه مذاهب اهل الاعتزال ، انتهى.

اقول : الحق ما قاله رحمه‌الله فان المؤمن اذا كان ايمانه يقينيا مستقرا على الوجه الّذي ارتضاه الله تعالى وذاق طعم هذا الايمان واتى بالطاعة على الوجه المامور به فلا معنى لزوال ايمانه فلا يتصور اشتراط استحقاقه لثواب الطاعة بشيء لانه اتبع هدى الله تعالى ومن اتبع هداه فلا يضل ولا يشقى ؛ وعكس نقيض هذه القضية ان من ضل وشقى لم يكن يتبع هدى الله تعالى ، ومن لم يتبع هدى الله تعالى لم يؤمن ولم يأت بالطاعة على وجهها وان كان ظاهر حاله ذلك ؛ وذلك ليس يخفى على الله عز وجل ؛ فيصح ان يقال : ان الاستحقاق لم يحصل فى الواقع لان الله تعالى يعلم ان ما أتى به ليس على وجهه اذ اتاه بلا ايمان واقعا ؛ ويظهر مشهودا ولو على نفسه يوما من مستقبل عمره انه لم يكن على ما ينبغى فى مقام العبودية ؛ وأيضا يصح ان يقال : ان الاستحقاق حصل فى الظاهر مشروطا بالموافاة ؛

والحاصل ان الحق الحقيق بالتصديق ان الطاعة علة تامة لاستحقاق الثواب ويحصل فى وقتها اذا اتى بها على الوجه المرضى عند الله عز وجل ؛ ولا ينتفى هذا الاستحقاق بطريان الضد اذ لا ضلالة بعد هدى الله تعالى ؛ واما اذا لم تكن على الوجه المذكور فلا استحقاق الا فى الظاهر ؛ وهذا الظاهر ينتفى لا بطريان الضد اذ لا واقع له ؛ بل بظهور انتفاء الحقيقة الى آخر الامر وحين لقاء ربه ؛ هذا فى الايمان والطاعة

٨٢٦

واما الكفر فالمطبوع منه على القلب الّذي علم الله تعالى انه لا ينسلب عنه ابدا فاستحقاق العقاب عليه وعلى القبائح المفعولة حاصل فى الحال اذ لا موجب لتأخير الاستحقاق ، واما الّذي ينسلب عنه فالله تعالى لا يخترمه حتى ينسلب ، واستحقاق العقاب عليه وعلى اعماله لم يتحقق فى الواقع لان نور الايمان الّذي غطى عليه ولما يظهر ويظهر بعد ذلك مانع عن ان يحق عليه العذاب بحسب الواقع وفى علم الله عز وجل ، واما فى الظاهر فالكلام فيه كالكلام فى الايمان الظاهرى.

واما المعصية من المؤمن الّذي ارتضى الله تعالى ايمانه فاستحقاق العذاب عليها حاصل فى الحال لان المعصية علة تامة له ، لكن يزول بطريان الضد لا الضد الّذي يقوله المعتزلة ، بل احد الامور التى تستجلب عفو الله تعالى عنه من نار ندم التوبة او حرقة القلب لمحبة اولياء الله تعالى او مس من العذاب او البلاء فى الدنيا او فى البرزخ او فى القيامة لا فى نار الجحيم الحاطمة ، وللشفاعة شأن عظيم فى هذا الموقف.

هذا ما استنبط من الآيات والاخبار فى هذا الباب ويساعده اعتبار العقل ، وعلى ذلك فالاحباط بمعنى بطلان العمل المستحق عليه الثواب باطل ، والتكفير بمعنى رفع استحقاق العذاب بالمعصية عن المؤمن ببعض الامور التى تستجلب عفو الله تعالى حق.

ان قلت : ما الفرق بين الكافر الّذي يؤمن انه لا يحق عليه العذاب بكفره واعماله والمؤمن العاصى الّذي قلت ان عصيانه علة تامة لاستحقاق العذاب حتى ينتفى بطريان الضد فليكن كفر الكافر علة لاستحقاقه للعذاب وينتفى بايمانه ، قلت : الفرق ان الكافر هكذا شاك فى الحق والشاك ليس عليه شيء لا سيما من كان على سبيل التحقيق والفحص واما المؤمن فهو على يقين من امره فى مخالفة ربه.

المسألة الثامنة

( فى انقطاع عذاب اصحاب الكبائر )

قول المصنف : والكافر مخلد ـ يظهر مما فى دعاء كميل رحمه‌الله ان التخليد

٨٢٧

يخصّ بالمعاند ، ولا فرق فيه بين ان يكون داخلا فى الاسلام او خارجا منه ، والمعاند هو الّذي علم الحق وجحده او اهمل وقصر وامتنع عن الفحص مع الامكان ، وغير المعاند هو الّذي لا يتمكن من الفحص مع ارادته او يفحص ولا يبلغ الحق وان كان فرضهما بعيدا او يقصر فكره ويضعف عقله عن ذلك اصلا.

قول الشارح : اجمع المسلمون كافة الخ ـ مع اختلافهم فى تفسير الكفر ، وتكفير فرق المسلمين بعضهم بعضا ، واتفاقهم على ان الناجية منهم فرقة واحدة ، ودعوى كل فرقة انها هى ، وورود النص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى ان الناجى من كان على منهاج على بن ابى طالب عليه‌السلام.

قول الشارح : فالوعيدية على انه كذلك ـ الوعيدية تطلق على الذين زعموا ان وعيده تعالى بدخول النار والخلود فيها عام للكفار ولمرتكبى الكبائر من اهل الاسلام وان من دخل نار جهنم لا يخرج منها ابدا ، وهذا المذهب نسب فى كتب المذاهب الى الخوارج والزيدية والبكرية والمعتزلة ونسب الشارح هنا الى طائفة كثيرة منهم ، لكن هؤلاء الفرق لا يكفرون مرتكب الكبيرة الا الخوارج ، وان المعتزلة يقولون : ان مرتكب الكبيرة ان لم ينحبط ما ارتكبه ولم يتب منه يدخل النار خالدا فيها ، واما العفو فهم فيه مختلفون سيأتى الكلام فيه فى المسألة التاسعة إن شاء الله تعالى ، راجع فيما ذكرناه مقالات الاسلاميين والتبصير فى الدين والملل والنحل واوائل المقالات واربعين الرازى.

قول الشارح : فتقال على وجوه ـ حاصل هذه الوجوه ان الكبر والصغر حيث انهما من مقولة الاضافة فلا بد من ان يضاف موصوفهما الى شيء ، فكبر كل معصية او صغرها اما بالإضافة الى طاعة او معصية اخرى او الى ما عند فاعلها من الثواب ، والكبر والصغر يأتيان فى الطاعة أيضا ، لكن القوم انما تكلموا فى المعصية لان لها احكاما فى الكلام والفقه من حيث الكبر والصغر دون الطاعة.

قول الشارح : او هى اصغر من الخ ـ الظاهر ان الترديد تخيير فى التعبير.

٨٢٨

قول الشارح : وحصول الاختلاف الخ ـ مبتدأ وخبر ، اى حصول الاختلاف بنقصان ثواب طاعة او زيادته بحسب الاوقات حتى ينقص من عقاب معصية فى وقت ويزيد عليه فى وقت آخر ليس لنفس الوقت والزمان لان الزمان لا اثر له فى ذلك ، بل بامور تقترن بالطاعة والمعصية من ضعف الاسلام وقوته وزيادة معرفة الفاعل ونقصانه وكون المنفق عليه وليا من اولياء الله تعالى او مؤمنا من عامة المؤمنين وغير ذلك مما لا تحصى كثرة ولو بالقياس الى شخص واحد :

قول الشارح : ينقص فى كل وقت عن الخ ـ فى هذا الوجه يجرى أيضا حصول الاختلاف بحسب اقتران امر بكل من المعصيتين.

قول الشارح : بالإضافة الى ثواب فاعله ـ هذا الوجه يتفرع على القول بالتحابط ، وحاصله ان العبد فى اى وقت ارتكب معصية فاما ان يكون له مقدار من الثواب او العقاب واما ان لا يكون ، فان كان له ثواب قيس الى عقاب تلك المعصية ، فان كان العقاب نقص من الثواب فتلك المعصية صغيرة وان كان الامر على العكس فهى كبيرة.

قول الشارح : اطبق العلماء عليه ـ اى علماء المعتزلة ، قال الطبرسى رحمه‌الله فى المجمع ذيل قوله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) الآية : وقالت المعتزلة : الصغيرة ما نقص عقابه عن ثواب صاحبه ، ثم ان العقاب اللازم عليه ينحبط بالاتفاق بينهم ، انتهى ، اى يقع التحابط بينه وبين الثواب الّذي لصاحبه حين ارتكاب المعصية ان كان عنده ثواب.

اقول : ان فى الكبر والصغر اعتبارات :

الاول ان الكبر والصغر وان كانا من مقولة الاضافة لكنهما لا يكفيان فى التعين ، بل لا بد للحكم بان هذا كبير او صغير من واحد لوحظ معيارا للحكم ، فمن قال مثلا : ان هذا الدار او الباب كبير فليس حكمه هذا بالقياس الى دار او باب اصغر منه ، بل بالقياس الى ما هو المتعارف عند الناس من الباب او الدار ، نعم الحكم بالاكبرية والاصغرية يكون غير ملحوظ بهذا الاعتبار ، فطرفا الاضافة فى الكبر والصغر هما الكبير

٨٢٩

والمتعارف او الصغير والمتعارف بخلاف الاكبرية والاصغرية فان الاكبر والاصغر طرفاها.

الثانى ان الحكم بهذه الاضافات سواء كان فى المحسوسات او المعنويات انما يصح بين شيئين من حقيقة واحدة ، فلا يصح ان يقال : هذا الكتاب صغير وذاك الجبل كبير او انه اصغر منه الا من حيث انهما جسم ، واما من حيث انه كتاب وان ذاك جبل فلا يصح المقايسة بينهما.

الثالث ان كون الشيء كبيرا او صغيرا قد يكون بالقياس الى ما معه من الاشياء الاخر كما يقال : ان هذا الباب كبير لهذه الدار او ان هذا الحذاء كبير لهذه الرجل ، وكذا فى جانب الصغر ، ومرجع المعنى الى عدم اللياقة والانبغاء والمناسبة بينهما.

الرابع قد يقال للشىء : انه كبير او صغير باعتبار آثاره وتبعاته كما يقال : هذه الفتنة كبيرة اى يتبعها شرور كثيرة ، وهذا الرجل كبير اى له آثار عظيمة فى المجتمع ، وكقوله تعالى : ( فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ ) اى قليل الاثر حقير الخطر ، ويتصف الشيء بالاكبرية والاصغرية بهذا الاعتبار حتى اذا بلغ مرتبة اللاحدية بحيث لا يمكن وصفه فى ذلك ، فيقال له : اكبر بقول مطلق كقولنا : الله اكبر اى اكبر من ان يوصف كما ورد فى أحاديثنا.

اذا عرفت هذه فاعلم ان الامامية على ما صرح به المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات والشيخ الطوسى رحمه‌الله فى التبيان والطبرسى رحمه‌الله فى المجمع ذيل قوله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ) الآية اجمعوا على ان المعاصى كلها كبيرة ، وهذا المعنى صحيح بالاعتبار الثالث فان المعصية كائنة ما كانت كبيرة بالقياس الى مقام عبودية العبد لرب الارباب وخالق الاشياء فانها لا تناسبه ولا تليق به ولا تنبغى له.

وقد ورد فى الروايات عن الفريقين عدّ بعض المعاصى كبيرا وبعضها صغيرا ، وذلك بالاعتبار الرابع فان آثار بعض المعاصى من العذاب والبعد من الله تعالى اكثر واشد من آثار بعض آخر ، ولذلك اختلف الاخبار فى عدد الكبائر :

٨٣٠

قال الشيخ الطوسى فى التبيان ذيل تلك الآية : والمعاصى وان كانت كلها عندنا كبائر من حيث كانت معصية لله تعالى فانا نقول : ان بعضها اكبر من بعض ، ففيها أيضا كبير بالإضافة الى ما هو اصغر منه ، وقال ابن عباس كل ما نهى الله عنه فهو كبير ، انتهى.

ثم ان الاقوال والاختلافات فى البحث عن الكبائر والصغائر كثيرة مذكورة فى التفاسير وغيرها ، والطالب يراجع ، وفيما ذكرنا كفاية لمن يستبصر ، وله الحمد.

قول الشارح : الاول انه يستحق الثواب الخ ـ هذا قياس استثنائى صورته : لو خلد المؤمن المرتكب للكبيرة فى العذاب لزم ان لا يثاب بايمانه ، واللزوم ظاهر بعد الاجماع على ان تقدم الثواب بدخول الجنة ثم الدخول فى النار باطل لدلالة الآيات والاخبار الصريحة على ان الداخل فى الجنة خالد فيها ابدا ، واما بطلان التالى فلان الخير وان كان مثقال ذرة وعد الله تعالى عليه الثواب ، والايمان اعظم الخيرات ، بل خير دائم ثابت مع العبد ان مات عليه ، لا يزول عنه ابدا ، فوجب ان يكون ثوابه كذلك.

ثم ان مقدمات هذا الدليل كما عرفت سمعية حتى استحقاق الثواب بالايمان ، والمصنف لم يدّع ان دليله هذا عقلى ، فلا معنى لان يقال كما فى بعض التآليف : ان المدعى ثابت بدليل السمع لا بدليل المصنف.

قول الشارح : والجمع محال ـ اى ان يعذب وينعم معا لان عذاب الآخرة فى جهنم ولا نعيم هناك ، ونعيم الآخرة فى الجنة ولا عذاب هنا.

قول الشارح : الثانى يلزم ان يكون الخ ـ هذا أيضا قياس استثنائى صورته : ان المؤمن المرتكب للكبيرة لو لم ينقطع عذابه لزم تساويه مع الكفار والمشركين فى الآخرة ، واللزوم ظاهر ، والتالى باطل لقبح ذلك عند العقلاء بالضرورة لا سيما اذا كان مرتكبا لكبيرة واحدة مع رعايته لسائر الوظائف والقربات والحرمات ، والقبيح لا يصدر عنه تعالى.

٨٣١

ان قلت : لا يلزم تساويهما فى الآخرة لان دركات النار مختلفة من حيث شدة العذاب وخفته ، قلت : لزوم التساوى من حيث الخلود فى العذاب يكفى فى القبح.

ثم ان عمدة الادلة فى هذا المطلب الروايات الصريحة ، راجع فيها ثامن البحار المطبوع حديثا.

قول الشارح : الى غير ذلك الخ ـ كقوله تعالى ؛ بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ، وقوله تعالى : ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) ، وقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) ، وقوله تعالى ؛ ( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ ).

ثم الجواب عن الآيات من وجوه :

الاول تخصيصها بالكفار كما تدل عليه الاخبار الواردة فى تفسيرها ، بل التخصيص واجب نظرا الى آيات المغفرة والعفو والشفاعة والالم يبق لها مورد ، بل اكثر هذه الآيات ينطبق بالمفهوم على الكفار فان المتعدى جميع حدوده تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا بما هو مؤمن ومن احاطت به خطيئته والّذي كسب جميع السيئات كافرون لا محالة :

الثانى ان الخلود فى اللغة والعرف يأتى بمعنى مطلق البقاء والبقاء المتطاول ، وهذا لا ينافى الانقطاع ، فلذلك قيد فى كثير من الآيات بالتأييد لعدم دلالة الخلود عليه وهذه الآيات لم تقيد به الا آية فى سورة الجن ، هى ومن يعص الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا ، لكنها بقرينة ما قبلها وبعدها يراد بها المشركون كما ان سائر الآيات أيضا لا يخلو من قبيل هذه القرائن ، فقول الشارح : واما بتأويل الخ فان

٨٣٢

اراد بالتأويل ارجاع الكلام الى معناه ومغزاه فلا بأس ، وان اراد به صرف الكلام عن ظاهره فليس بمكان.

الثالث انا لو اخذنا بإطلاق هذه الآيات واغمضنا عن سائر القرائن فى الكتاب والاحاديث فاطلاقها معارض بإطلاق الآيات الدالة على ان من آمن وعمل صالحا دخل الجنة ، والترجيح معها اذ لا يمكن صرف الايمان والعمل الصالح عن ظاهر معناهما ، ويمكن حمل العصيان وارتكاب السوء على الشرك والكفر والنفاق.

قول الشارح : فما تقدم من الخ ـ فى المسألة السادسة ، وقد مر بعض الكلام هناك فراجع.

قول الشارح : بان دوام العقاب الخ ـ قد بينا فى المسألة السادسة ان دوام العقاب انما هو بحسب الاستحقاق فلا ينافى عدمه او انقطاعه باحد الاسباب.

المسألة التاسعة

( فى جواز العفو )

قول الشارح : فى جواز العفو ـ الاولى ان يقال : فى وقوع العفو ليوافق عنوان المصنف.

قول المصنف : والعفو واقع ـ هذه قضية مهملة فى قوة الجزئية ، اثبتها المصنف بما ذكر من الادلة فى قبال من نفى وقوع العفو كليا الا عن الصغائر او بعد التوبة ، فلا انه بصدد ايجاب العفو عليه تعالى ولا اثباته لجميع آحاد العاصين من المسلمين وغيرهم.

ثم ان العفو والمغفرة مترادفان فى الاصطلاح وهو اسقاط العقاب عمن استحقه ، ولكنّ بينهما فى اللغة فرقا بان العفو محو والمغفرة ستر.

ثم العفو قد يكون بشفاعة الشافعين ويأتى بحث الشفاعة فى المسألة اللاحقة ،

٨٣٣

وقد يكون بغيرها مع التوبة وعن الصغائر وهو قول الخصم من المعتزلة ، او بدونها وعن الكبائر أيضا وهو قول الامامية والاشاعرة والبصريين من المعتزلة.

قول المصنف : لانه حقه تعالى الخ ـ هذا دليل على جواز العفو ذكره مقدمة للاستدلال على وقوعه ، ولكن الشارح لم يفرق بينه وبين ما بعده من الادلة على الوقوع.

قول المصنف : مع ضرر النازل به ـ اى مع تضرر العبد الّذي ينزل به العذاب لو لا العفو ، وفى شرح البهشتى : مع ضرر العبد به ، وفى شرح القوشجى : مع ضرر المكلف به ، وفى الشرح القديم : مع ضرر التارك به خطاء.

قول المصنف : فحسن اسقاطه ـ هذا نتيجة القياس الّذي كبراه كل حسن منه تعالى واقع ان لم يمنعه مانع من الحكمة ، ولا يتصور للمانعية الا الكفر لان المؤمن الّذي اتى بالصالحات وبكبائر من السيئات يضعف اقتضاء ما يعمله منها للعذاب فى جنب ايمانه وصالحات اعماله ، والمقتضى الضعيف لا يؤثر فى قبال المقتضى القوى ، فالعفو واقع منه تعالى عن سيئاته.

ان قلت : على هذا فلا يعذب اصحاب الكبائر اصلا فى الدنيا ولا فى البرزخ ولا فى القيامة ولا فى النار ، قلت : ان اصحاب الكبائر على مراتب ، من المحتمل بل المعلوم ان يعذب بعضهم ببعض العذاب فى بعض تلك المراحل حتى يصفو عن دنس الخطايا والسيئات ، لكن آخر الامر يؤثر ايمانه وصالحاته اثرها ويدركه العفو ، وعلى هذا فالعفو قطعى للمؤمن ولو بعد ان يعذب حينا كما بين فى المسألة الثامنة ان صاحب الكبيرة من المؤمنين ان عذب فعذابه منقطع ، لكن المدعى هاهنا وقوع العفو من دون تعذيب وهو ثابت فى الجملة كما قلنا ، فان من المرتكبين للكبائر من لا يلتفت فى القيامة الى سيئاته لعظم صالحاته ورفعة ايمانه وقوة عرفانه.

ثم اعترض الخصم على هذا الدليل بان المانع من العفو موجود عقلا وشرعا ، اما المانع العقلى فان المذنب اذا علم انه يعفى ولا يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرا له على الذنب وتقريبا له منه وذلك ينافى اللطف الواجب عليه تعالى لان اللطف على

٨٣٤

ما بين فى المسألة الثانية عشرة من الفصل الثالث من المقصد الثالث هو تقريب العبد من الطاعة وتبعيده عن المعصية ، واما المانع الشرعى فان ذلك تبديل للقول لانه تعالى اوعد العاصين فى كتابه بالعذاب فان لم يعذب العاصى كان ذلك تبديلا لقوله ، وقد قال تعالى : ( ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ).

فالجواب عن الاول ان الايمان بعفوه تعالى يوجب رجاء الشخص العاصى فيه لا انه يوجب العلم بوقوع العفو له واجبا عليه تعالى لان المؤمن العاصى يكون فى خوف على ايمانه انه لا يزول بعصيانه فيزول منه مناط غفرانه لان قوله تعالى : ( ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ ) نصب عينيه ولانه يرى التنافى بين العصيان والايمان الّذي هو محبوب عنده ، فيحافظ على نفسه لئلا يقع فى ورطة المعاصى ، فاذا اتفق ذلك يرجو عفوه لايمانه بعفوه ، فلا ييأس من روح الله تعالى ، والحاصل ان المؤمن حيث لا يطمئن على بقاء ايمانه الى موته ان تورط فى معاصى ربه ويرى ان مضعفه ومزيله هو العصيان لا يميل إليه ، فكيف بان يغرى عليه ، فان عصى احيانا يرجو غفرانه لا انه يجترى عصيانه.

وعن الثانى ان الآية خاصة بوعيد المشركين بشهادة ما قبله من الآيات ، وابقاؤها على العموم يستلزم عدم النسخ والبداء وعدم تبدل الكائنات واجابة الدعوات وعدم تنهية المقضيات الى نهايات ازمانها لان فى ذلك كله قول لديه تعالى مع انه يبدل تبديلا ، وقد جاء الحديث فى تفسير الآية بان ما فعل المشركون والكفار من السيئات لا تبدل حسنات كما يبدل الله سيئات المؤمنين حسنات وكان الله غفورا رحيما.

قول المصنف : ولانه احسان ـ بالغير كما انه حسن فى نفسه ، وكل احسان كالحسن فى نفسه واقع منه تعالى ان لم يمنعه مانع من الحكمة ، ولقرب هذا الوجه من سابقه لم يتعرض له الشارح.

قول الشارح : وغير جائز سمعا ـ استدل هؤلاء بآيات الوعيد على عدم جواز العفو بان ذلك يستلزم تبدل القول فيها ، وقد مر جوابه آنفا.

قول الشارح : فجاز تركه ـ نتيجة للمتقدمتين ، والكبرى وهى كل حق له

٨٣٥

تعالى جاز تركه غير مذكورة لوضوحها.

قول الشارح : على مستحقه ـ اى على الله تعالى الّذي يكون العقاب حقا له.

قول الشارح : واما ان تركه الخ ـ لان خلف الوعيد بخلاف خلف الوعد حسن يستحسنه العقلاء ويعدّ عندهم من الكرم ، وهو تعالى اكرم الاكرمين ، والكرم هو ايصال النفع الى احد او دفع الضرّ عنه من دون استحقاق ، وفى هذا المطلب كلام ذكره العلامة المجلسى رحمه‌الله فى سادس البحار المطبوع حديثا فى آخر باب عفو الله تعالى وغفرانه فراجع.

قول المصنف : وللسمع ـ استدلوا بآيات واخبار تدل على انه تعالى عفوّ يعفو عن السيئات ، غفور يغفر الذنوب والخطايا ، رحيم يرحم العباد ، فانها مطلقة لا تتقيد بالتوبة ولا يكون المعصية صغيرة ، وتقييدها بذلك كما عليه المعتزلة لا وجه له ، نعم ان الايمان شرط للعفو والمغفرة من دون التوبة كما هو ظاهر كثير من الآيات ، وان الكافر لا يغفر حتى يتوب عن كفره.

قول الشارح : يجب غفرانها ـ وجوبا سمعيا خلافا للمعتزلة فعندهم يجب عقلا.

قال المفيد رحمه الله تعالى فى اوائل المقالات : القول فى التوبة وقبولها ، واتفقت الامامية على ان قبول التوبة بفضل من الله عز وجل وليس بواجب فى العقول اسقاطها لما سلف من استحقاق العقاب ، ولو لا ان السمع ورد باسقاطها لجاز فى العقول بقاء التائبين على شرط الاستحقاق ، ووافقهم على ذلك اصحاب الحديث ، واجمعت المعتزلة على خلافهم وزعموا ان التوبة مسقطة لما سلف من العقاب على الوجوب.

المسألة العاشرة

( فى الشفاعة )

الكلام فى الشفاعة ما هى ، وممن هى ، ولمن هى ، وفيما هى ، والى من هى ،

٨٣٦

فالشفاعة فى اللغة من الشفع وهو جعل شيء قرينا لآخر منضما إليه ، وفى الاصطلاح هى طلب النجاح او الفلاح لاحد ممن بيده نفعه وضرّه ، والمناسبة بينه وبين المعنى اللغوى ان الشافع يضم بطلبه الى المشفوع له ما يتيسر به له ان ينال النجاح بمنفعة او الفلاح عن مضرّة لو لا الشفاعة لا يتيسر له ذلك بنفسه وحده.

واما الشافعون فهم الأنبياء والأوصياء والاولياء والعلماء والملائكة والشهداء والصالحون والمؤمنون والاخيار كما ورد بذلك كله الاخبار.

واما المشفوع لهم فلا احد يوم القيامة الاله نصيب من الشفاعة بترفيع الدرجة او دخول الجنة بغير حساب او تعجيل الحساب او ازاحة هول الموقف او تخفيف العذاب او اسقاطه رأسا او خروجه من النار بعد ما كان فيها ، وفى كل ذلك وردت اخبار ، واقل مراتب الشفاعة تعجيل الحساب لاهل الموقف عموما ، فقد روى ان نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله يشفع عند الله فى ذلك ويخلصهم من هول الموقف وشدتها الى عرصة الحساب.

واما ما فيه الشفاعة فهو ما عددناه من ترفيع الدرجة الى آخر ذلك.

واما المشفوع إليه فهو الله الكريم عز وجل فانه تعالى يقبل شفاعة الشفعاء فى كل حق لان كل حق له فان كان له تعلق بعبد فالكريم تعالى يرضيه بعطائه حتى يتجاوز عن الظالم ان كان محلا للشفاعة.

قول المصنف : والاجماع على الشفاعة ـ بل هى كالعفو من ضروريات الاسلام ، ولما كان اصل العفو والشفاعة ثابتا ولا يمكن لمسلم انكاره ذهب الخصم الى ان العفو عن الصغائر وعن الكبائر بعد التوبة والشفاعة لزيادة المنافع والثواب ، وحصرهما فيهما باطل لما مضى وما يأتى.

قول المصنف : ويبطل منافى حقه ـ اى ويبطل الشفاعة منّا فى حق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا على ما فسره الشارح العلامة والشارح القديم والقوشجى اشارة الى دليل ابطال الشفاعة فى زيادة المنافع ، وهذا الدليل مدخول لما سنقول عليه عند قول الشارح : لو كانت فى زيادة الخ.

٨٣٧

واحتمل المولى احمد الاردبيلى رحمه‌الله فى حاشيته على شرح القوشجى ان يكون هذا الكلام تتمة مقول القيل بان يقول الخصم : انها لزيادة المنافع ، ولكن لا يصدق منا الشفاعة فى حقه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث نطلب له من الله تعالى علوّ الدرجات بالصلاة والسلام عليه لان علوّ الرتبة فى الشفيع بالنسبة الى المشفوع له شرط فى صدق الشفاعة ، فطلبه من الله تعالى زيادة المنافع لنا شفاعة ، وطلبنا له ذلك ليس بالشفاعة ، وعلى هذا الاحتمال فالكلام جواب من الوعيدية عن الاستدلال الّذي نقله الشارح بان يقولوا : لا نسلم استلزام كون الشفاعة فى زيادة المنافع ان نكون شافعين للنبى عليه وآله السلام لان طلب زيادة المنافع شفاعة اذا طلبها العالى للدانى ، لا انه اشارة الى الاستدلال المذكور.

واخذ الشارح البهشتى الأسفراييني يبطل من الابطال ، وما بعده اسم فاعل من المنافاة ليكون فاعلا ليبطل ، وقدر له مفعولا هو هذا القول ، واخذ لفظ حق مضافا الى ضمير صاحب الكبيرة ، فتقدير الكلام : ويبطل هذا القول منافى حق صاحب الكبيرة ، وفسر المنافى بارتكاب الكبيرة من دون التوبة وفسر الحق بزيادة المنافع ، وتوضيح مقاله ان الخصم يعترف بالشفاعة فى زيادة المنافع للمؤمن المستحق للثواب وصاحب الكبيرة مؤمن مستحق له فيلزم ان يكون له شفاعة فى زيادة المنافع ، ولكن لا شفاعة له فيها لان ارتكابه للكبائر من دون التوبة ينافى ان يكون له نصيب فيها ، فانتقض كلية قول الخصم : ان الشفاعة فى زيادة المنافع للمؤمنين المستحقين للثواب ، والحاصل انه حمل هذا الكلام على ابطال كلية هذا القول ، وغير خفى على الناظر تكلفه.

اقول : من المحتمل ان يكون يبطل من البطلان ، ومنافى اسم فاعل من المنافاة والضمير المجرور فى حقه راجعا إليه تعالى ، ويكون الكلام اشارة الى بطلان دليل اقامه الخصم على مدعاه من انحصار الشفاعة فى زيادة المنافع كما ان قوله بعد ذلك : ونفى المطاع الخ اشارة الى بطلان دليل آخر اقامه عليه ، وصورة استدلاله ان الشفاعة لو كانت فى اسقاط العقاب لزم منافى حقه تعالى لان العذاب حقه واسقاطه ينافيه ، واجاب المصنف بان لزوم المنافاة من الشفاعة فى اسقاط العذاب لحقه تعالى باطل لان الشفيع

٨٣٨

فى ذلك لا يطلب بشفاعته خروج المولى عن مقام مولويته وربوبيته ولا خروج العبد عن مقام عبوديته ومملوكيته حتى يلزم منافى حقه تعالى ، بل هو يتمسك بصفة عزّ المولى وغناه عن عذاب العبد وصفة ذل العبد وافتقاره الى رحمة المولى فيطلب منه العفو له ، فعفوه تعالى عن عبده من توابع جلاله سواء كان برأفته عليه او بشفاعة ولى من اوليائه او توبة العبد بنفسه ، فاسقاط العذاب الّذي هو حق له تعالى لا ينافى حقه لانه يسقطه باختياره وكرمه.

قول الشارح : ويدل عليه قوله تعالى الخ ـ راجع فى الآيات والاخبار الواردة فى الشفاعة ثامن البحار المطبوع حديثا.

قول الشارح : قيل انه الشفاعة ـ الاكثر على ذلك ، ووردت اخبار كثيرة فسرت المقام المحمود بها.

قول الشارح : قالت الوعيدية ـ هم الذين اخذوا آيات الوعيد على عمومها فى الكافر وغيره ، وقالوا : صاحب الكبيرة ان خرج من الدنيا من غير توبة فهو من اهل النار خالد فيها ، لكن عذابه اخفّ من عذاب الكافر ، وهم المعتزلة والخوارج ، وعلى هذا المسلك ذهبوا الى ان الشفاعة ليست لاهل الكبائر لانهم ان شملهم العفو فبالتوبة والا فهم من اهل النار ، وقالوا : ان الشفاعة فى زيادة المنافع.

قول الشارح : وذهب التفضلية ـ انهم فى قبال الوعيدية ، يقولون : ان الله تعالى يتفضل على عباده يوم القيامة من غير استحقاقهم ، وهم الاشاعرة والامامية وطوائف من سائر الفرق ، لكن الاشاعرة يقولون : ان كل ما للعبد يوم القيامة وفى الجنة تفضل ليس له استحقاق رأسا ، والامامية يقولون : انه تعالى يتفضل على عبده زائدا على استحقاقه ، فانه تعالى أعد لهم اجرا كريما وان لهم من الله فضلا كبيرا.

قول الشارح : وابطل المصنف الخ ـ جريا على مسلك القائلين ببطلان الشفاعة فى زيادة المنافع ، والا فالحق عنده صدق الشفاعة فيهما لعدم تمامية هذا الاستدلال

قول الشارح : لو كانت فى زيادة الخ ـ يرد على هذا الاستدلال ان اللزوم

٨٣٩

ممنوع اذ لا يلزم من طلبنا له صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله تعالى علوّ الدرجات كوننا شافعين له لان الشفاعة لا تصدق اذا كان الطالب ادنى درجة من المطلوب له كما نبّه على ذلك فى بيان بطلان التالى بان الشافع اعلى من المشفوع فيه اى المشفوع له فاذا لم يكن الشافع اعلى منه لم يتحقق الشفاعة.

قول الشارح : لا غير ـ لا دخل لهذا القيد فى الاستدلال ، ولذا لم يأت به سائر الشارحين ، لكنه اشارة الى مذهب الخصم من حصر الشفاعة فى زيادة المنافع

قول الشارح : حيث نطلب له الخ ـ حيث نصلى ونسلم بقولنا : صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او بعبارات اخرى وردت فى الادعية والاخبار.

وهاهنا بحث وهو ان طلبنا هذا بعد العلم بانه مقبول عند الله تعالى هل هو منفعة لهم اولنا اولهم ولنا ، والحق ان ذلك منفعة لنا لا لهم صلوات الله عليهم لانه تعالى اكمل كرامته عليهم صلوات الله عليهم قبل خلق الخلق فلا يكون دعاء العباد سببا لكرامة عليهم ، فطلبنا الصلاة عليهم يوجب رحمة تنزل عليهم ثم تصل إلينا لانهم وسائط فيضه والى ذلك يومى ما نقله البحرانى رحمه‌الله فى تفسيره ذيل الآية عن الكافى عن محمد بن يحيى عن احمد بن عيسى عن صفوان بن يحيى ، قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فعطس فقلت : صلى الله عليك ، ثم عطس فقلت : صلى الله عليك ، ثم عطس فقلت : صلى الله عليك ، وقلت له : جعلت فداك اذا عطس مثلك نقول له كما يقول بعضنا لبعض : يرحمك الله ، او كما تقول؟ قال : نعم ، أليس تقول : صلى الله على محمد وآل محمد ، قلت : بلى ، قال : قلت : ارحم محمدا وآل محمد؟ قال : بلى وقد صلى الله عليه ورحمه ، وانما صلاتنا رحمة عليه لنا وقربة ، وذلك سرّ تعدية اللفظ بعلى لا باللام المفيدة للنفع.

قول الشارح : نفى الله تعالى قبول الخ ـ الصحيح فى التعبير ان يقال : نفى الله تعالى ان يكون للظالمين شفيع ، وهذا كبرى قياس صغراه الفاسق ظالم.

قول الشارح : والجواب انه تعالى الخ ـ هذا الجواب والّذي بعده مأخوذان من الشيخ الطوسى ، قال فى تبيانه ذيل الآية الكريمة : نفى من الله ان يكون للظالمين

٨٤٠