توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

اعرفوا ما قد عرفتموه وشهر بينكم لانه لو جاز ذلك لجاز ان يقول قائل : ابن اخى اب النبي ليس بابن عمه ، فيقوم النبي فيقول : فمن كان ابن اخى ابى فهو ابن عمى ، وذلك فاسد لانه عيب وما يفعله الا اللاعب السفيه ، وذلك منفى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونقله المجلسى رحمه‌الله فى السابع والثلاثين من البحار ص ٢٢٨ عنه ، وقد سبق المامون العباسى فى هذا الجواب فى مجلس احتجاجه على الفقهاء بحديث الغدير ، راجع فى ذلك اوّل الغدير ط ٢ ص ٢١٠.

قول الشارح : ان عمر قال له الخ ـ وكذا ابو بكر ، راجع فى ذلك اوّل الغدير ط ٢ ص ٢٧٠ ـ ٢٨٣ ، والسابع والثلاثين من البحار.

قول الشارح : ان مقدمة الحديث الخ ـ راجع فيها وفى غيرها من القرائن المعينة للمطلوب اوّل الغدير ط ٢ ص ٢٧٠ ـ ٣٨٣ ، والسابع والثلاثين من البحار ص ٢٣٥ ـ ٢٥٣.

قول الشارح : منكم بانفسكم ـ هكذا فى النسخ ، والمطابق للآية وما ورد فى الاحاديث بكم من انفسكم.

قول الشارح : ومنها ـ اى من مواضع كثيرة.

قول الشارح : فى ذى الثدية ـ مر تفصيل قصته فى اخباره بالغيب.

ثم ان اردت الوقوف على فضائله عليه‌السلام فراجع فى ذلك الغدير والبحار واحقاق الحق المطبوع حديثا وغيرها ترشدك الى ما الّفه الفريقان فى فضائله عليه‌السلام.

قول الشارح : عن مسيرها ـ اى مسيرها الى البصرة تاييدا لطلحة والزبير على امير المؤمنين عليه‌السلام.

قول الشارح : ابى سعيد الخدرى ـ هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن خدرة الابجر ، وهو من خزرج ، مقبول عند الفريقين ، مات على منهاج امير المؤمنين عليه‌السلام ولم يغير ولم يبدل ، مات بعد وقعة الطف بالمدينة.

قول المصنف : ولانتفاء سبق كفره ـ هذا مما شاة مع الخصم ، والا فهو

٧٦١

عليه‌السلام اصل الدين والايمان والاسلام والسنة والسلام والسبيل والصراط والميزان والنور والهدى والتقى والفضل والرحمة والنعمة كما وردت بذلك احاديث كثيرة ، راجع الخامس والثلاثين من البحار.

قول الشارح : اكثر من نفعهم بغيره ـ غيره من الامراء والرؤساء لم يكن منهم فى الاسلام والمسلمين الا الضر والشر ، وان ما لحق المسلمين من المفاسد والمضار والانحطاط والشرور انما لحقهم من اساس اسسه الاولون وصدوا به الناس عن باب الولاية الّذي فتحه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لهداية الامة.

قول الشارح : ختنا لرسول الله ـ زوّج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنتيه زينب « أمّ كلثوم » ورقية إحداهما من عتبة بن ابى لهب والاخرى من ابى العاص بن الربيع قبل البعثة ، فلما بعث فرق بينهما وبين ابنتيه ، فمات عتبة على الكفر واسلم ابو العاص فردها إليه ، ثم زوجهما بعد موت ابى العاص من عثمان بن عفان ثانيتهما بعد موت الاولى ، فظلمهما عثمان وقتلهما بالاذى والعذاب ، ولعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك ، وبات عثمان متلحفا بجاريته ليلة وفات أمّ كلثوم فمنعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطريق التعريض من تشييع جنازتها وحضور دفنها ، راجع فى ذلك ثامن الغدير ط ٢ ص ٢٣١ ، والثانى والعشرين من البحار باب عدد اولاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وباب مطاعن عثمان من البحار.

قول الشارح : والنفس الزكية ـ هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب صلوات الله على النبي وآله وذريته ، هو واخوه ابراهيم خرجا ايام الدوانيقى فقتلا ، راجع فى تفاصيل ما جرى عليهم البحار باب احوال اولاد الحسن بن على عليهما‌السلام.

قول الشارح : ابو يزيد البسطامى ـ هو طيفور بن عيسى بن آدم بن عيسى الصوفى الزاهد المشهور ، وفى كونه سقاء لدار الصادق عليه‌السلام اشكال من جهة عدم توافق زمانه زمانه عليه‌السلام ، راجع فى ذلك الكنى والالقاب.

قول الشارح : ومعروف الكرخى ـ هو ابو محفوظ معروف بن فيروز الصوفى

٧٦٢

المعروف الّذي اعتقده الصوفية عظيما. كان نصرانيا فاسلم على يد الرضا عليه‌السلام ، ثم اسلم ابواه بسببه ، توفى سنة ٢٠٤ ببغداد ، قبره بها مشهور يزار.

قول الشارح : فان مالكا ـ هو مالك بن انس بن ابى عامر الاصبحى المدنى احد الائمة الاربعة السنية صاحب كتاب الموطّأ احد الصحاح الستة ، توفى سنة ١٧٩ بالمدينة ودفن بالبقيع ، والعجب انه كان خاضعا مادحا للصادق عليه‌السلام وناقما على امير المؤمنين عليه‌السلام ، وروى انه كان فى اوائل عمره مغنّيا يغنى فى الاعراس والمجالس فمنعته أمه عن ذلك وقالت له : ان المغنى اذا كان قبيح الوجه لم يلتفت الى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه فانه لا يضر معه قبح الوجه ففعل ، رواه صاحب الاغانى كما فى قاموس الرجال عن الحسين بن دحمان الاشقر ، فراجع.

قول الشارح : ابى حنيفة ـ النعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفى احد الائمة الاربعة لاهل السنة ، كان جده زوطى من اهل كابل ، توفى سنة ١٥٠ ، وقبره ببغداد مزار لمريديه ، راجع فى شرح احواله خامس الغدير ط ٢ ص ٢٧٧ ـ ٢٨٨.

المسألة الثامنة

( فى إمامة باقى الائمة عليهم‌السلام )

قول الشارح : وقد نقل المخالفون الخ ـ نقلهم وان لم يصل الى حد التواتر يفيد العلم بالصحة اذ لا يعقل اختلاق المخالف ما يكون حجة عليه مع ان نقلهم أيضا متواتر من طرقهم.

قول الشارح : عن مسروق ـ هو ابو عائشة مسروق بن الاجدع بن مالك الهمدانى الكوفى ، قيل : انه سرق وهو صغير ثم وجد فسمى مسروقا ، وفى جامع الاصول : انه اسلم قبل وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان احد الاعلام والفقهاء ، وهو ابن اخت

٧٦٣

عمرو بن معديكرب ، وكانت عائشة بنت ابى بكر تبنّته ، وشهد مع على عليه‌السلام حرب الخوارج ، روى عنه الشعبى وابراهيم النخعى وابو وائل ، مات بالكوفة سنة ٦٤ ، وقيل : ٦٢.

اقول : لا ريب انه من رجال العامة وان شهد مع امير المؤمنين عليه‌السلام حرب الخوارج ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن عائشة وخباب بن الارتّ ، وروى عنه أيضا ابو الضحى وسفيان ومسلم وعامر.

قول الشارح : قد بينا ان الامام الخ ـ فى المسألة الثانية.

قول الشارح : وقد بينا استحالته ـ فى المسألة الاولى حيث اثبت ان نصب الامام واجب على الله تعالى.

المسألة التاسعة

( فى احكام المخالفين )

قول المصنف : ومخالفوه فسقة ـ الّذي يدل عليه اخبارنا عن الائمة عليهم‌السلام انهم فسقة يعامل معهم معاملة المسلمين فى الدنيا ، واما فى الآخرة فمن خالف منهم مع العلم بالحق وكتمان ما انزل الله من البينات والهدى يكون مع الكفار فى النار ، والمستضعفون منهم الذين عندهم مودة فى القربى يرجى لهم النجاة برحمة الله تعالى وفضله ، وكذا من خالف احدا من الائمة ، والسلام على من اتبع الهدى.

تم المقصد الخامس فى الامامة

٧٦٤

المقصد السادس

فى المعاد والوعد والوعيد

وما يتصل بذلك

٧٦٥

قول المصنف : فى المعاد ـ هو يأتى فى اللغة مصدرا واسم زمان ومكان ، والعود فى اللغة رجوع الشيء الى ما كان أولا بعد مفارقته عنه كقوله تعالى : ( لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) ، ويأتى أيضا بمعنى صيرورة الشيء الى مكان او حالة او غيرهما لم يكن فيه كقول العرب : عاد من فلان مكروه اى صار منه إليّ ، وفى الاصطلاح مأخوذ من المعنى الاول لتعلق النفس بالبدن بعد مفارقتها عنه ، ويمكن ان يكون مأخوذا من الثانى لان الانسان يصير الى الدار الآخرة ، وهذا المعنى يستقيم على القول بالمعاد الروحانى والجسمانى والمعادين معا على ما يأتى تفصيله إن شاء الله تعالى ، واما المعنى الاول فلا ينطبق على القول بالروحانى فقط وعلى كل فالاقرب انه المصدر فى استعمال الباحثين وان احتمل اسم مكان.

قول المصنف : والوعد والوعيد ـ هما مصدران فى اصل اللغة بمعنى واحد ، هو ان يقول احد لاحد انى سأفعل لك كذا سواء كان جزاء أم لا ، ولكن فى العرف اختص الاول بفعل الخير والثانى بفعل الشرّ كالموعد والايعاد.

قال الشاعر :

وانى اذا او عدته او وعدته

لمخلف ايعادى ومنجز موعدى

وفى الاصطلاح اخباره تعالى بان الثواب فى الآخرة للمطيعين وان العذاب فيها للعاصين كقوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ ) الخ ، وقوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ ) الخ.

قول المصنف : وما يتصل بذلك ـ من امكان خلق عالم آخر ، وفناء العالم ، ووجوب البعث ، وما يستحق به الثواب والعقاب ، ووجوب دوامهما ، وبطلان التحابط ، وانقطاع العذاب عن المؤمن المرتكب للكبيرة ، ووقوع عفو الله تعالى ، والشفاعة ، ومباحث التوبة ، وعذاب القبر ، والميزان ، والصراط ، والحساب ، وتطاير الكتب وتفسير الايمان والكفر ، ووجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٧٦٦

المسألة الاولى

( فى امكان خلق عالم آخر )

قول الشارح : واعلم ان ايجاب الخ ـ ان مرادهم بالعالم مجموع الافلاك التسعة والكرات الاربع بما فيها على ما فصل فى الفصل الثانى من المقصد الثانى ، والحكم بان العالم ذلك انما هو على حسب ما شوهد من الحركات المختلفة ، وهذا لا ينفى ان يكون وراء الفلك التاسع محيطات كثيرة الى ما شاء الله تعالى كما اعترف به بعضهم وان كان الطريق الى العلم بها الآن لنا مسدودا الا مجملات تستفاد من بعض الاحاديث ، كما لم يجزموا بان العقول الكلية عشرة لا اكثر ، بل جزموا بانها ليست باقل من هذا العدد كما صرح به فى النمط السادس من شرح الاشارات.

ثم ان اثبات المعاد لا يتوقف على امكان خلق عالم آخر مثل هذا العالم بعينه كما هو ظاهر المصنف لان ما اعتقده المليون هو اعادة الخلائق وحشرهم ومحاسبتهم وغيرها من الامور التى نطقت بها آيات الكتاب والسنة الاخبار ثم دخولهم فى الجنان الموصوفة او النيران الموصوفة ، ومعلوم ان ذلك لا يستدعى فلك الافلاك وفلك الثوابت والافلاك السبعة والكرات الاربع ، بل الآيات والاخبار تدل على ان هذا العالم يفنى وينقلب يوم القيامة عما هو الآن ، فلا حاجة الى وجود هذا العالم يوم القيامة ولا الى مثله.

فالحق ان اثبات امكان المثل لهذا العالم غير محتاج إليه فى اثبات المعاد ، نعم يتوجه الى القول بالمعاد الجسمانى السؤال عن مكان الجنة والنار ومكان حشر الخلائق ، هل هو خارج عن هذا العالم أم فى داخله لان الاجسام لا تنفك عن الاماكن ، والمنكرون يستشكلون على التقدير الاول بالمحذورات المذكورة فى هذه المسألة وعلى التقدير الثانى بامور اخرى ، وسنذكرها إن شاء الله تعالى مع اجوبتها فى المسألة الرابعة.

٧٦٧

ثم ان العالم الامكانى اى ما سوى الله تعالى هو ذلك المذكور بالترتيب والنضد الكذائى فى كتب القوم لا يخلو عن النظر.

قول الشارح : وخالف فيه الاوائل ـ مراده بالاوائل وكذا القدماء حيث ذكره فى هذا الكتاب الفلاسفة ، واطلاق الاوائل عليهم باعتبار تقدمهم وتقدم آرائهم على اصحاب الآراء من المسلمين وان تبعهم فى آرائهم كثير من المسلمين.

قول الشارح : اما العقل فنقول الخ ـ توضيح هذا الدليل ان هذا العالم موجود وكل موجود ممكن ليس بممتنع فهذا العالم ممكن ، ومعلوم انه ممكن بالامكان الخاص المقابل للوجوب الذاتى والممتنع الذاتى لانه ليس بممتنع ذاتا لوجوده ولا بواجب ذاتا لتركبه ، ومعنى الامكان الخاص هو تساوى الوجود والعدم للماهية ، وكل ماهية يراها العقل هكذا يحكم بالضرورة على افرادها بتساوى الوجود والعدم من دون فرق بينها فلماهية العالم افراد ممكنة وان كان الخصم يقول : ان الموجود منها الآن واحد.

واعترض على هذا الدليل بانه انما يثبت الامكان الذاتى لغير هذا الفرد من ماهية العالم ، وهذا غير منكر ، لكن مطلوبكم فى هذا المبحث اثبات الامكان الوقوعى ، والخصم يقول : ان وقوع فرد آخر من ماهية العالم فى الخارج ممتنع للزوم المحال وملزوم المحال محال وقوعا وان كان ممكنا ذاتا ، والجواب ان لزوم المحال ممنوع على ما يأتى عند قوله : والكرية الخ ،

قول الشارح : واما السمع ـ الدليل السمعى اجماع اصحاب الديانات الاربع تبعا لانبيائهم عليهم‌السلام والآيات الناطقة بالدار الآخرة واليوم الاخر والجنة والنار والاخبار النظيرة للآيات.

قول الشارح : فقوله تعالى : ( أَوَلَيْسَ ) الخ ـ وجه دلالتها على المطلوب ان الآية تدل على ان خلق مثلهم يتعلق به القدرة وكل ما يتعلق به القدرة يمكن وقوعه فخلق مثلهم يمكن وقوعه.

واعترض عليه بان ضمير مثلهم يرجع الى المنكرين للبعث لا الى السماوات والارض كما فى قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى

٧٦٨

أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً ) ، فالمعنى ان الخالق لهذه السماوات والارض التى خلقها اكبر من خلق الناس قادر على ان يخلقهم تارة اخرى ، فالآية مسوقة للتنبيه على ان خلق الناس ثانيا بعد فنائهم سهل هين على من خلق السماوات والارض ، واقامة مثل مقام ما يضاف إليه من فنون البلاغة يؤتى به فى الكلام لاغراض ، وقد اتى به فى الآية لافادة هون المقدور بجميع افراده على الفاعل كما يقال : مثل هذا العمل لا يثقل على وانا الّذي فعلت كذا وكذا ، والقرينة الآيات السابقة الناطقة بحكاية انكارهم للخلق الجديد ، فالآية بمعزل عن الدلالة على امكان خلق عالم آخر مثل هذا العالم.

قول المصنف : والكرية الخ ـ تقرير هذه الشبهة على وجه ابسط ان المعاد لو كان جسمانيا استلزم مكانا للحشر ومكانا لتنعم المطيعين ومكانا لتعذب العاصين ، وبالجملة فذلك اما فى عالم آخر جسمانى خارج عن هذا العالم واما فى هذا العالم ، فعلى الاول لزم الخلأ للزوم الكروية ولزم اختلاف المتفقات وانخراق الافلاك ، وكل ذلك محال على ما بين فى الفلسفة.

اما لزوم الخلأ فلان العالم الاخر كرة لان الشكل الطبيعى للجسم لو لا قسر قاسر كروى ، فان تلاقت الكرتان بنقطة او انفصلتا حصل الخلاء بينهما ، والجواب انا لا نسلم وجوب الكرية فى الجسم بطبعه لشهادة الارض ، فان قال قائل : ان الارض كانت فى اوّل تكوينها كروية ثم حصل لها هذه التضاريس من الجبال والوهاد بالقسر قلنا : فليكن العالم الاخر كذلك ، فيخلق عالم آخر ويجعل بالقسر احد اطرافه منبسطا على بعض سطح الفلك التاسع ، فلا يلزم بينهما خلأ.

اقول : قد بينا فى المسألة العاشرة من الفصل الاول من المقصد الثانى ان غاية برهان الحكماء على امتناع الخلأ انه ممتنع فى المكان ، واما فى اللامكان فلا ، وعلى فرض وجود عالم آخر جسمانى كروى كهذا العالم يكون الخلأ بينهما فى اللامكان.

واما لزوم اختلاف المتفقات فلان العالم الاخر مثل هذا العالم فيه العناصر الاربعة ،

٧٦٩

فان لم تطلب امكنة عناصر هذا العالم ولم تقتضها بطباعها لزم ان يكون المتفقات فى الطباع مختلفة فى الاقتضاء ، وهذا محال لان حكم الامثال واحد ، وان طلبتها لزم ان تكون فى تلك الامكنة بالقسر دائما ، وقد بين فى محله ان القسر الدائمى او الاكثرى محال ، والجواب انه لا يجب ان يكون العالم الثانى متفقا فى الحقيقة لهذا العالم كما ان اجسام هذا العالم ليست متفقة فى الحقيقة والاقتضاء ، فان قيل ، فعلى هذا ينتفى المماثلة بين العالمين قلنا : يكفى المماثلة فى حقيقة الجسمية ولا تلزم فى انواعها ، وعلى تسليم المماثلة فى النوعية يجوز ان يكون المكانان طبيعيين لكل فرد من نوع العنصر الواحد بان يقتضي كل ارض مثلا فى كل عالم مركز عالمه وكل نار فى كل عالم تحت فلك قمره وهكذا ، مع ان القسر الدائمى واقع فى كل جزء من اجزاء الارض لانه يقتضي الوصول الى نقطة المركز ولا يحصل له ابدا.

واما لزوم انخراق الافلاك فظاهر لان صعود الابدان الى خارج هذا العالم غير ممكن الا بخرق الافلاك.

اقول : اورد نظير هذا الكلام فى معراج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببدنه الشريف ويأتى الجواب فى المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى.

وعلى الثانى ( اى حصول مكان الجنة والنار وحشر الخلق داخل هذا العالم ) لزم الانخراق ان كان فى ضمن السماوات ، وخلاف ما ثبت بالكتاب من ان الجنة عرضها السماوات والارض وعرضها كعرض السماء والارض ان كان تحت فلك القمر.

اقول : يأتى الجواب وبيان امكنة الحشر والجنة والنار فى المسألة الرابعة إن شاء الله تعالى.

ثم ان صاحب الاسفار واقرانه من اصحاب الحكمة المتعالية والقائلين بعالم المثال مع اعترافهم بالمعاد الجسمانى ينكرون ثبوت المكان للدار الآخرة على هذا الوجه الّذي فى هذه الدار لان موجودات تلك الدار ليس لها مادة هذه الدار فلا تحتاج الى هذا المكان ، وطالب التفصيل يراجع كتبهم.

٧٧٠

قول الشارح : واحاطة المحيط ـ الاحسن ان يقال : او احاطة محيط كما ذكرنا.

قول الشارح : فان طابقت ـ الصحيح فان طلبت كما فى بعض النسخ ، وان امكن تصحيح هذا بالتكلف.

المسألة الثانية

( فى صحة العدم على العالم )

قول الشارح : الا من شذ ـ هؤلاء فلاسفة الاسلام الذين اتبعوا الاوائل فى ان الامتناع بالغير والكرامية والجاحظ واتباعه ، فانهم كانوا يؤولون ظواهر الآيات والاخبار الكثيرة الدالة على فناء الاشياء من السماوات والارض وغيرهما ، وسنذكر ان شاء الله تعالى تلك الآيات والاخبار فى المسألة الآتية.

قول الشارح : فذهب قوم منهم ـ هم الطبيعيون الدهريون المتشبهون بالحكماء المنكرون للمبدإ الحق القاصرة انظارهم على نشأة الطبيعة القائلون بان التكون ليس الا باسباب سماوية وقوابل مادية وحركات معدة واستحالات وانقلابات زمانية ، فهم بمعزل عن هذه المباحث ومنكرون للاصول رأسا ، فعدّ قولهم فى هذه المسألة احد الاقوال ليس من حيث انهم احدى الفرق القائلة بالمعاد ، بل لانهم احدى الفرق القائلة بامتناع العدم على العالم.

قول الشارح : وبرهنا على حدوثه ـ فى المسألة السادسة من الفصل الثالث من المقصد الثانى ، وكل حادث ممكن وكل ممكن يجوز عدمه كوجوده.

قول الشارح : وذهب الآخرون الى الخ ـ هؤلاء هم الفلاسفة الاولون قبل الاسلام المعترفون بالمبدإ الاول والذين اتبعوهم من الحكماء الاسلاميين ، وهذا الاختلاف بينهم وبين المتكلمين من فروع الاختلاف فى حدوث العالم وقدمه ، فانهم يقولون :

٧٧١

العالم قديم لان فاعله تام فى الفاعلية فلا يتصور تخلف معلوله عنه ، وما ثبت قدمه امتنع عدمه على ما مر فى المسألة السابعة والاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول ، والمتكلمون يقولون : ان المؤثر فى العالم قادر مختار على ما مر فى المسألة الاولى من الفصل الثانى من المقصد الثالث والقادر المختار يمكنه الايجاد والاعدام لاثره فى كل حال.

قول الشارح : وذهب الكرامية والجاحظ الخ ـ حاصل كلامهم ان عدم العالم لا بد له من سبب لان الشيء لا يفنى من قبل ذاته كما لا يوجد من قبل ذاته ، والاسباب الثلاثة التى قال بها الفرق الثلاثة القائلة بجواز طريان العدم على العالم من انه يفنى باعدام الفاعل بلا واسطة او يفنى بوجود الضد او يفنى بانتفاء الشرط ليست باسباب ، وسيأتى إن شاء الله تعالى تفصيل هذا الكلام فى المسألة الآتية.

قول الشارح : ولا بالفاعل لان شأنه الخ ـ اى ليس سبب فناء العالم فاعله كما قال المصنف وامثاله لان الفاعل من حيث هو فاعل شأنه الايجاد وان يفعل ، ومعنى ذلك انه يصدر منه اثر فى الخارج ، وحيث ان العدم ليس اثرا فى الخارج فلا يصدر منه ، ان قيل : ان الاعدام ليس هو ترتب اثر على الفاعل فى الخارج هو العدم ، بل هو انقطاع ترتب اثر هو الوجود ، وبعبارة اخرى ان الاعدام ليس انه يفعل العدم ، بل هو انه لا يفعل الوجود ، قالوا فى جوابه : لا فرق فى العقل بينهما.

قول الشارح : ولا ضد للاجسام الخ ـ اى ليس سبب عدم العالم وجود ضده الّذي هو صفة الفناء على ما ذهب إليه اكثر المعتزلة اذ لا ضد للاجسام لان الجوهر لا ضد له كما مر بيانه فى المسألة الثالثة من الفصل الاول من المقصد الثانى ، ولو فرضنا له ضدا ليس اعدام الضد الّذي وجد حادثا للعالم اولى من انعدام الضد به لان التضاد من الطرفين فكلما وجد ضد للعالم يمكن ان ينعدم الضد به ، وانما قلنا ليس اولى لان الاولوية اما من جهة السبب الّذي اوجد العالم ويوجد ضده فهذه الاولوية باطلة لان تعلق كل من العالم وضده بالسبب مشترك فلا اولوية ، واما من جهة تعدد الضد ووحدة العالم فان تعدده فيما نحن فيه باطل لان اثنين من الضد وهو اقل مراتب الكثرة والتعدد

٧٧٢

مثلان ، لو حلاّ فى العالم معا لينعدم العالم بعروضهما لزم اجتماع المثلين فى محل واحد وهو محال ، فالاولوية على هذا الفرض أيضا باطلة ، واما من جهة لزوم الجمع بين النقيضين ، وبيان ذلك ان وجود الضد مع وجود العالم يستلزم اجتماع النقيضين فى كل منهما لان الوجود والعدم نقيضان ووجود كل من العالم وضده يستلزم عدم الاخر لان هذا حكم الضدين ، فوجودهما يستلزم اجتماع الوجود والعدم فى كل منهما ، وهذا اجتماع النقيضين ، فاذا انعدم العالم بوجود ضده لم يلزم ذلك ، وهذه الاولوية أيضا باطلة لعدم لزوم الجمع بين النقيضين ان قلنا : ان الضد لا يدخل فى الوجود لوجود العالم المضادّ له.

قول الشارح : ولا بانتفاء الشرط الخ ـ عطف على قوله : ولا بالفاعل لان شأن الخ ، اى ولا ينفى العالم بانتفاء شرط من شروط وجوده كما ذهب إليه الاشاعرة لانا ننقل الكلام فى ذلك الشرط ، هل يفنى بذاته ، او بالفاعل ، او بالضد ، او بانتفاء شرط له أيضا ، ويتسلسل الكلام.

قول الشارح : وهو خطاء ـ شروع فى الجواب.

قول الشارح : فان الاعدام يستند الخ ـ جواب على مسلك المصنف الّذي هو ان عدم العالم بالفاعل عن قولهم : اذ لا فرق فى العقل الخ ، فان كل عاقل يفرق بين ايجاد العدم وعدم الايجاد فان الاول محال والثانى ممكن.

قول الشارح : لكن لم لا يجوز الخ ـ جواب على مسلك اكثر المعتزلة الّذي هو ان عدم العالم بوجود الضد الّذي هو صفة الفناء عن قولهم : لانه بعد وجوده ليس اعدامه الخ.

قول الشارح : وان كان سبب الاولوية مجهولا ـ اى ليس اسباب اولوية انعدام العالم بحدوث ضده الّذي هو الفناء وجهاتها منحصرة فيما ذكرتم ، وليس باب الاحتمال مسدودا ، مع ان ما قلتم فى نفى الاولوية ليس بتام بل يقبل المناقشة ، ولكن هذا المسلك فى الجواب ليس مرضيا عند المصنف ، وسيبطله فى المسألة الآتية بقوله : واثبات الفناء غير معقول الخ.

٧٧٣

قول الشارح : لكن لم لا يجوز اشتراط الخ ـ جواب على مسلك الاشاعرة عن قولهم : ولا بانتفاء الشرط الخ ، فانهم قالوا : العالم يفنى بانتفاء العرض الّذي هو شرط لوجوده على اختلاف بينهم فى ذلك العرض ، وهذا المسلك أيضا ليس مرضيا عنده ، وسيبطله عند قوله : واثبات بقاء الخ.

قول الشارح : وهو انا بينا ان العالم الخ ـ فيما قاله فى صدر المسألة ، وصورة هذا الدليل ان العالم ممكن وكل ممكن يجوز عدمه كما يجوز وجوده فالعالم يجوز عدمه.

واعترض عليه النافون لجواز العدم بان الامكان ثابت للعالم نظرا الى ذاته ولا نزاع فيه ، انما كلامنا فى جواز طريان العدم على العالم ووقوعه ، ولا ريب فى ان وقوع الوجود او العدم قد يمتنع على الممكن الذاتى بالعرض وبالنظر الى الغير كوقوع الظلم منه تعالى ، ووجود المعدوم ثانيا ، ووجود الفرد الثانى من نوع المجرد ، ووجود عالم مثل هذا العالم ، ووجود المعلول مع عدم تمامية علته ، وعدمه مع علته التامة ، وما نحن فيه من قبيل الاخير ، والحاصل انا نمنع الامكان الوقوعى لا الذاتى ودليلكم يثبت جواز العدم نظرا الى ذات العالم ، واجيب بان امتناع وقوع العدم مع العلة التامة انما يسلّم فى العلة الموجبة ، واما فى المختار فلا لان الاختيار الّذي هو من ذات الفاعل يجعله بحيث يتساوى إليه الايجاد والاعدام لكل ممكن ذاتى.

المسألة الثالثة

( فى وقوع العدم وكيفيته )

قول الشارح : وكيفيته ـ الاقوال فى كيفية عدم العالم ثلاثة : الاول ما عليه المصنف وامثاله من ان الفاعل يعدمه باختياره كما اوجده باختياره ، وهذا اختيار القاضى ابى بكر الباقلانى فى بعض كتبه على ما حكى فى الشرح القديم ، والثانى ما

٧٧٤

قال اكثر المعتزلة من ان انعدام العالم بحدوث ضد له هو الفناء ، والثالث ما عليه جمهور الاشاعرة وبعض من غيرهم من ان انعدامه بانتفاء شرط لوجوده ، ويأتى بيان ذلك كله واختلافهم فيه.

قول المصنف : والسمع دل عليه ـ اى على العدم ووقوعه على العالم. واما العقل فيحكم باللاوقوع فى غير الكائنات الفاسدات على مسلك الفلاسفة وبالوقوع فيها لاجل التركيب من المتضادات الداعية الى الانحلال والفساد.

ثم ان الادلة السمعية على فناء العالم هى الاجماع والآيات والاخبار.

ومن الآيات قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ) ، وجه الدلالة ان معنى اوليته انه تعالى كان ولم يكن معه شيء ثم خلق الاشياء ، فمعنى آخريته انه يفنى الاشياء فيبقى وحده ليس معه شيء ، كما قال امير المؤمنين عليه‌السلام فى النهج فى الخطبة ١٨١ : وان الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات وزالت السنون والساعات ، فلا شيء الا الواحد القهار الّذي إليه مصير جميع الامور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع دام بقاؤها.

ومنها قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) ، وهذا ظاهر فى العموم ، والهلاك هو الفناء كما فى قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) ، واختصاص الحكم فى هذه الآية بمن فى الارض لا ينافى عموم الآية الاولى.

ومنها قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) فى مواضع من القرآن ، فان بدء الخلق واعادتها لا يتصوران الا بتوسط فناء بينهما ، ولذا عطفها عليه بثم ،

ومنها قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ، ومن اسمائه تعالى الوارث وخير الوارثين ، والميراث فى اللغة هو ما يخلفه احد لاحد ، ومعلوم ان وراثته ليست بالملك الاعتبارى ، ولا الحقيقى أيضا لان له ذلك على كل حال لا بسبب الوراثة ،

٧٧٥

فالمعنى ان الفيض الفائض منه الى الموجودات يرجع إليه ، وذلك يتصور بعد بطلان حدودها وفناء هويتها.

ومنها قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ) ، فان تبدل الارض والسماوات وحصول ارض بدل هذه الارض وسماوات بدل هذه السماوات انما يكون بعد فنائهما.

ومنها قوله تعالى : ( ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) ، فان نهاية اجل الخلقة فناؤهما.

ومنها الآيات الدالة على خراب خصوص السماء او الارض او الجبال او البحار او الكواكب او الشمس او القمر او هلاك ما على الارض.

واما الاخبار فمنها ما ذكر ذيل الآية الاولى.

ومنها ما فى الباب الثانى من توحيد الصدوق عن على بن مهزيار ، قال : كتب ابو جعفر عليه‌السلام الى رجل بخطه وقرأته فى دعاء كتب له ان يقول : يا ذا الّذي كان قبل كل شيء ، ثم خلق كل شيء ، ثم يبقى ويفنى كل شيء الخ.

ومنها ما فى الخطبة ١٨١ من النهج : هو المفنى لها ( اى الاشياء ) بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها.

ومنها ما فى البحار فى الجزء السادس والعاشر عن الاحتجاج عن هشام بن الحكم فى خبر الزنديق الّذي سأل الصادق عليه‌السلام عن مسائل الى ان قال : أيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ، قال : بل هو باق الى وقت ينفخ فى الصور ، فعند ذلك تبطل الاشياء وتفنى ، فلا حس ولا محسوس ، ثم اعيدت الاشياء كما بدأها مدبرها ، وذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق ، وذلك بين النفختين.

تتميم وتنبيه

ان المنكرين لجواز الفناء على العالم خصوا ذلك بما عدا الكائنات الفاسدات التى منها البشر ، فلا يلزمهم انكار المعاد على بنى آدم.

٧٧٦

ثم ان علماء الاسلام مختلفون فى بقاء النفس الناطقة وفنائها كالاختلاف فى نفسها ، ففرقة وفاقا للحكماء الى تجردها وبقائها ابدا كسائر المجردات ، وفرقة الى انها تبطل وتعود يوم البعث كالبدن كخلافهم فى الفلك التاسع المسمى بالعرش المحدد للجهات هل هو يفنى كغيره أم لا ، فعلى هذا فلا اجماع لاهل الملة على فناء العالم باسره وان كان ظواهر الآيات والاخبار ذلك ، ثم انهم اختلفوا فى ان فناء العالم هل هو ببطلان الذوات وزوال الهويات ورجوعها الى العدم الصرف كما كانت من قبل ، أم بتفرق الاجزاء وزوال الاعراض والاوصاف وبقاء اصل منها الى يوم النشور حتى يكون مناط الوحدة بين الفانى والمعاد ، فالذاهب الى امتناع اعادة المعدوم كالمصنف فلا بد له من الالتزام بالثانى وانكار الاول كما صرح هاهنا بقوله : ويتأول فى المكلف الخ ، وقد قلنا فى المسألة الاربعين من الفصل الاول من المقصد الاول : وقوم آخرون من المتكلمين قالوا بجواز اعادة المعدوم زعما منهم ان المعاد متوقف عليه وليس كذلك ، وذلك لتصحيحه بهذا التأويل المذكور هاهنا.

قول الشارح : وسيأتى البرهان الخ ـ فى المسألة الرابعة.

قول الشارح : وذلك ظاهر المناقضة ـ لان القول بامتناع اعادة المعدوم لا يجامع القول بالمعاد ، لكن هذا بحسب بادى النظر لان عدم مجامعة القولين انما هو على تفسير الانعدام ببطلان الذوات وزوال الهويات ، والمصنف لا يقول بذلك فى المكلف الّذي يجب الايمان بعوده يوم القيامة ، واما غير المكلف فساكت عنه ، وان كان بعض الآيات والاخبار يدل على عود الحيوانات يوم القيامة كما مر ذكرها فى المسألة الرابعة عشرة من الفصل الثالث من المقصد الثالث.

قول الشارح : يصدق عليه انه هالك ـ جواب عن دخل مقدر ، هو ان الفناء المدلول عليه بالسمع لا يصدق على تفرق الاجزاء ، فاجاب بانه يصدق باحد هذين الاعتبارين.

قول الشارح : بالنظر الى ذاته ـ اقول : بهذا الاعتبار لا يلزم تفرق الاجزاء أيضا كما اوّلوا الحكماء الآية الى ذلك.

٧٧٧

قول الشارح : فلا يوجد اذ لا وجود الخ ـ اى فلا يوجد الممكن بالنظر الى ذاته لان الموجود اما واجب بذاته واما واجب بغيره وهو الممكن ، فالممكن اذا وجد بذاته خرج عن كونه ممكنا واجبا بغيره ، فالحاصل ان الممكن هالك معدوم اذا نظر الى ذاته ، موجود اذا نظر الى غيره الّذي هو علته.

قول الشارح : ويدل على هذا التأويل الخ ـ ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ ) الخ ، وقوله تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ ).

قول الشارح : لا يحيى الموتى فى دار التكليف ـ اى لا يحيى لإيفاء الثواب الّذي وعده ولعذاب الّذي اوعده ، لكن يحيى بعض الموتى بعد ظهور صاحب الامر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، وقد احيا بعضهم فى الازمنة السالفة لحكم اخرى على ما يدل عليه الآيات والاخبار ، والف محمد بن الحسن الحر العاملى رضوان الله عليه كتابا فى الرجعة سماه بالايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ، جمع فيه كثيرا من رواياتها.

قول المصنف : واثبات الفناء غير معقول الخ ـ اى كون الفناء امرا يوجد فى الخارج فيفنى به الشيء لتضاده له غير معقول ، فهذه دعا وثلاث للخصم : الاولى ان الفناء يوجد فى الخارج ، والثانية انه مضاد للاشياء ، والثالثة انه يفنى به الشيء ، وهذا المطلب قد مر فى المسألة الثالثة من الفصل الاول من المقصد الثانى ، فان قوله هنا كعكس نقيض لقوله هناك : والمعقول من الفناء العدم ، لكن هناك لم يستوف البحث لان محله هنا.

ثم ان المصنف اقام ادلة ثلاثة على بطلان هذا المطلب : مفاد الاول ان الفناء على فرض ان يوجد فى الخارج سواء كان جوهرا او عرضا لا يضاد الاشياء حتى تفنى به ، ومفاد الثانى انه على فرض ان يكون مضادا لها لا يكون انعدامها به اولى من انعدامه بها ومفاد الثالث ان الفناء يمتنع ان يوجد فى الخارج اصلا ، فهذا الاخير يدفع الدعاوى الثلاث.

٧٧٨

قول المصنف : لانه ان قام بذاته الخ ـ اى ان كان الفناء جوهرا لا يضاد الجوهر وان كان عرضا لا يضاد محله ، بل يمكن ان يضاد عرضا آخر حالا فى ذلك المحل لان التضاد كون الامرين الوجوديين بحيث لا يجتمعان فى موضوع واحد ويتعاقبان عليه ، والجوهر لا موضوع له ، فهو يختص بالعرضين ، لا يعقل بين جوهرين ولا بين عرض وجوهر.

ان قلت : هذا احد الاطلاقين فى التضاد ، وقد يطلق على بعض الجواهر باعتبار وحده المحل الّذي هو اعم من الموضوع كما صرح المصنف به فى تلك المسألة ، فان الصورة الهوائية مثلا جوهر تضاد الصورة المائية وتعاقبها على المادة ولا تجتمع معها فيها ، فمراد القوم بالتضاد لعله هذا المعنى ، فاذا قالوا : ان الفناء جوهر اذا وجد فى الخارج بطلت صور الجواهر وان لم يكن بينهما تضاد بذلك المعنى فما الجواب عنه ، قلت : أولا ان الجواب ثالث الادلة فى كلام المصنف ، وثانيا ان الحكماء حصروا الجوهر فى خمسة والمتكلمون قالوا : ليس الجوهر الا الجسم ، وبعضهم قائل بالنفس المجردة ، والفناء ليس احدا منها بالبديهة ، وثالثا انهم لم يصرحوا بان الفناء جوهر ، ولو قال قائل منهم فهو مردود بالدليل الثانى أيضا.

قول الشارح : فذهبوا الى ان الاعدام الخ ـ اى الى ان انعدام الشيء ليس باعدام الفاعل اياه الّذي هو تفريق الاجزاء فيما يجب الحكم عليه بالعود يوم القيامة بل اعدام كل شيء بخلق ضد له هو الفناء ، واصحاب هذا المذهب بعد اتفاقهم على ان انعدام الجوهر بخلق الفناء اختلفوا اختلافات اكثر مما نقله الشارح هاهنا ، لا تليق بالذكر لان اقوالهم كاقوال الاشاعرة القائلين باثبات البقاء او غيره على ما يأتى تفصيله كلها خرافات وخبالات ، من اراد الاطلاع عليها يراجع مقالات الاسلاميين وغيره من كتب المذاهب.

قول الشارح : قال ابن الاخشيد الخ ـ قال ابن النديم فى الفهرست هو ابو بكر احمد بن على بن معجور الاحشاد ، من افاضل المعتزلة وصلحائهم وزهادهم ، وكانت له ضيعة منها مادته ، وكان نصف اكثر ما يحمل إليه منها الى العلم واهله ، ومع ذلك كان

٧٧٩

حسن الفصاحة ، وله معرفة بالعربية والفقه ، وله فى الفقه عدة كتب ، ومنزله فى سوق العطش فى درب يعرف بدرب الاحشاد ( ببغداد ) وكان من محبته للعلم وورعه يقول لوكيل له فى ضيعته : لا تحدثنى بشيء من امر ضيعتى ، وتعمد ما يقم رمقى ولا غنى بى عنه ، ودعنى أتوفر على العلم وعلى امر الآخرة ، وتوفى ابو بكر يوم الاحد لثمان بقين من شعبان سنة ستّ وعشرين وثلاثمائة ، وله من الكتب الى آخر ان عدّ كتبه.

ثم ان كلام هذا الرجل غير معقول مضافا الى ما اورده المصنف على اصل مذهبهم لان كل ما يحصل فى جهة فهو اما جسم او قائم به ولو بالواسطة كالنقطة.

قول الشارح : ابن شبيب ـ هو محمد بن شبيب البصرى ، قال الكوثرى فى ذيل التبصير فى الدين : نسب الى جده ، وهو ممن جمع بين البدعتين : الارجاء ونفى القدر ، غير مرضى عند الفريقين وكان من اصحاب النظام ، فيكون من رجال منتصف القرن الثالث ، انتهى ، والشهرستانى ذكره فى اصحاب النظام.

قول الشارح : وعلى كلا التقديرين يستحيل الخ ـ لما مر فى المسألة الثالثة من الفصل الاول من المقصد الثانى من عدم التضاد بين الجواهر وكذا بينها وبين غيرها.

قول الشارح : امران ـ كلا الامرين فى بيان انتفاء الاولوية ، احدهما على تقدير ان يكون الفناء عرضا قائما بالجوهر ، والثانى على تقدير ان يكون جوهرا قائما بذاته.

قول الشارح : دليل ثان على امتناع الخ ـ جعله دليلا على ذلك مع ان كلا الامرين فى بيان انتفاء الاولوية لانه مقتضى فرض الفناء عرضا حالا كما جعل الامر الثانى بيان دليل على انتفاء الفناء لانه مقتضى فرضه جوهرا.

قول الشارح : بل كان انتفاء الخ ـ هذا الاضراب والارتقاء حق ، لكن لا يستفاد من كلام المصنف.

قول الشارح : بمعنى منعه الخ ـ ان قلت : ليس كل ضد يمنع الاخر عن

٧٨٠