توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

هى عدم جواز انفكاك المحمول عن الموضوع فالضرورة الذاتية هى عدم جواز انفكاكه عن ذات الموضوع كالانسان حيوان والوصفية هى عدم جواز انفكاكه عنه حال كونه متصفا بوصف هو مناط الضرورة كالجسم متغير حال كونه متحركا والوقتية هى عدم جواز انفكاكه عنه فى وقت من الاوقات كالسماء متغيم وقت نزول المطر فإن انفكاك الحيوانية عن ذات الانسان والتغير عن الجسم المتحرك والتغيم عن السماء وقت نزول المطر غير جائز ويقال لهذا المعنى الامكان الاخص لانه اخص من المعنى الثانى اذ هو سلب الضرورة باعتبار ذات الموضوع وهذا باعتبار ذاته مع اوصافه واوقاته والمثال الجامع لسلب الضرورات الثلاث الانسان كاتب او متكلم فان التكلم والكتابة ليس شيء منهما ضروريا للانسان لا ذاتا ولا وصفا ولا فى وقت الا بشرط المحمول اى حال كونه كاتبا او متكلما ويقابل هذا الامكان الضرورة بحسب احدى الثلاث وجودا فيكون وجوبا اعم من الوجوب الذاتى لان نقيض الاخص اعم من نقيض الاعم او عدما فيكون امتناعا اعم من الامتناع الذاتى لذلك.

اعلم ان المعنى الثانى والثالث وان كان كل منهما بحسب المفهوم خاصا بالنسبة الى ما قبله ولكن اطلاق الامكان عليهما ليس باعتباران كلا منهما مندرج تحت ما فوقه كاطلاق الحيوان على الانسان والانسان على زيد بل باعتبار وضع خاص مستقل للفظ الامكان على كل منهما كما يوضع لفظ الاسود على انسان اسود وضعا مستقلا فوقوع الاسود عليه ليس باعتبار انه فرد من افراد السودان بل لانه سمى بالاسود وان كان بحسب الحقيقة فردا منهم وهذا بحث وضعى لغوى قال الشيخ فى النهج الرابع من منطق الاشارات وقد يقال ممكن ويفهم منه معنى ثالث فكانه اخص من الوجهين المذكورين وهو ان يكون الحكم غير ضرورى البتة ( اى بحسب الذات ) ولا فى وقت كالكسوف ولا فى حال كالتغير للمتحرك بل يكون مثل الكتابة للانسان وقال المحقق الطوسى رحمه‌الله فى شرحه : وانما قال فكانه اخص من الوجهين ولم يقل فهو اخص من الوجهين لان الاعم والاخص هما الذان يدلان على معنى واحد ويختلفان بان احدهما اقل تناولا من الاخر اما اذا دل احدهما على بعض

٦١

ما يدل عليه الاخر باشتراك اللفظ فانه لا يقال انه اخص من الاخر الا بالمجاز وذلك كما يسمى واحد من السودان مثلا بالاسود فلا يقال ان الاسود يقع عليه وعلى صنفه بالخصوص والعموم والممكن هاهنا يقع على المعانى المذكورة بل على الاخير بجميع المعانى بالاشتراك اللفظى فلذلك قال كانه اخص انتهى.

اقول : اخر كلامه يدل على ان ذلك لا يختص بالمعنى الثالث بالنسبة الى المعنى الثانى بل يكون فى المعنى الثانى أيضا بالنسبة الى المعنى الاول وهذا يجرى فى المعانى الباقية أيضا.

الرابع : سلب الضرورة بالنسبة الى الاستقبال باحد المعانى الثلاثة الماضية بان يعتبر الموضوع فى الاستقبال مع قطع النظر عن حاله فى الماضى والحال وهذا احق باسم الامكان من تلك الثلاثة لان ما ينسب الى الماضى او الحال خرج الى الوجود او العدم وحصلت له ضرورة ما بخلاف ما نسب الى الاستقبال فانه باق على صرافة الامكان من دون اتصافه بالوجود او العدم نظرا الى جهلنا وعدم احاطتنا بالكائنات وان كان متعينا له الوجود او العدم بحسب نفس الامر وفى علم الله تعالى ويقابل هذا الامكان ما يقابل احد المعانى الثلاثة مع التقيد بالاستقبال.

وقول المحقق الطوسى رحمه‌الله فى النهج الرابع من منطق الاشارات : وينبغى ان يكون هذا الممكن ممكنا بالمعنى الاخص مع تقيده بالاستقبال لان الاولين ربما يقعان على ما يتعين احد طرفيه لضرورة ما كالكسوف فلا يكون ممكنا صرفا ليس معناه ان المعنيين الاولين اى الامكان العام والخاص لا يجوز تقيدهما بالاستقبال لان هذا ظاهر الفساد بل مراده ان تقيدهما به مناف لغرض من وضع هذا القسم من الامكان لان غرضه ان يعتبر ممكنا يكون فى صرافة الامكان والاولان ربما يكون لهما ضرورة بحسب الوصف او الوقت كالكسوف فلا يكونان فى صرافة الامكان ويشهد بذلك قوله : وينبغى دون يجب أو لا يجوز وتعليله بقوله : لان الاولين ربما الخ وقوله فى منطق الاشارات قبل هذه العبارة المنقولة بقليل : وانما اعتبر هذا الامكان من اعتبره لكون ما نسب الى الماضى والحال من الامور الممكنة اما موجودا واما

٦٢

معدوما فيكون انما ساقها من حاق الوسط الى احد الطرفين ضرورة ما والباقى على الامكان الصرف لا يكون الا ما نسب الى الاستقبال من الممكنات التى لا يعرف حالها أتكون موجودة اذا حان وقتها أم لا تكون انتهى ويسمى هذا المعنى بالامكان الاستقبالى.

الخامس : سلب ضرورة الوجود والعدم معا عن شيء باعتبار صدوره عن شيء اخر كالمشى والكتابة والتكلم مثلا بالنسبة الى الانسان الّذي يكون فاعلا لها فانها لا ضرورة لها من حيث الصدور واللاصدور بالنسبة الى الانسان فهى ممكنة بحسب الصدور واللاصدور عن الانسان وهذا الامكان هو مناط قدرة الفاعل ويأتى ذكره فى المسألة الثالثة والعشرين من مبحث الكيف فى الفصل الخامس من المقصد الثانى ويقابله الضرورة بحسب الصدور كالحرارة للنار فتكون وجوبا او بحسب اللاصدور كالطيران للحجر فتكون امتناعا ويسمى هذا بالامكان الفاعلى والنسبي والصدورى والممكنات الذاتية كلها ممكنة لله تعالى بهذا الامكان وهذا معنى ان الله على كل شيء قدير.

السادس : سلب ضرورة الوجود والعدم عن شيء بالقياس الى شيء اخر كالحرارة بالقياس الى الماء لعدم ارتباط بينهما بالتلازم وجودا او عدما فانها بالقياس إليه باقية على حد امكانها ليس لها وجوب ولا امتناع ويقابله ضرورة الوجود لشيء بالقياس الى وجود شيء اخر كوجوب التحيز للجسم فانه واجب بالقياس اليه وان كان فى ذاته ممكنا وضرورة العدم لشيء بالقياس الى عدم شيء اخر كامتناع المعلول عند عدم العلة وان كان فى نفسه ممكنا ولا بأس بان نسميه بالامكان القياسى ومقابله بالضرورة القياسية وجودا او عدما وهذه هى التى سماها الحكيم السبزوارى رحمه‌الله فى منظومته فى الحكمة فى مبحث المواد الثلاث بالامكان والوجوب والامتناع بالقياس الى الغير وقال ان الفرق بين الوجوب بالغير والوجوب بالقياس الى الغيران الثانى اعم من الاول لان الاول يختص بالمعلول بالنسبة الى علته والثانى يشمل هذا والّذي فى العلة بالنسبة الى المعلول وفى احد المعلولين لعلة واحدة بالنسبة

٦٣

الى الاخر فان للعلة وجوبا بالقياس الى المعلول وله بالقياس الى علته ولاحد المعلولين لعلة واحدة بالقياس الى المعلول الاخر وكذا الفرق بين الامتناع بالغير والامتناع بالقياس الى الغير فان الاول يختص بعدم المعلول بالنسبة الى عدم العلة والثانى يكون فيه وفى عدم العلة بالنسبة الى عدم المعلول وفى عدم احد المعلولين لعلة واحدة بالنسبة الى عدم الاخر واما الامكان اذ ليس بالغير فانما هو بالقياس الى الغير ومثل للممكن بالقياس الى الغير بالواجبين المفروضين فان كل واحد منهما ممكن بالقياس الى الغير اى لا ارتباط بينهما بالتلازم وجودا ولا عدما بحيث لا يأبى كل منهما عن وجود الاخر ولا عن عدمه حين ما يقاس إليه والحاصل ان الممكن القياسى ما لا يكون بينه وبين ما يقاس إليه تلازم وجودا ولا عدما والواجب القياسى ما كان بينه وبينه تلازم وجودا والممتنع القياسى ما كان بينه وبينه تلازم عدما.

السابع : الامكان الوقوعى امكانا عاما وهو سلب ضرورة العدم عن الشيء للزوم ممتنع من وجوده كوقوع الاشياء التى تقع خارجا ويقابله الامتناع الوقوعى وهو ضرورة العدم للشىء للزوم ممتنع من وجوده كوقوع الظلم من الواجب تعالى الّذي يلزم من وجوده الجهل او الاحتياج الممتنعان فى ذاته وان كانا فى انفسهما ممكنين وكوقوع المعلول عند عدم علته التامة المستلزم للتناقض فى العلة وان كان المعلول فى نفسه ممكنا والفرق بين هذا الامتناع والامتناع بالغير هو ان فى ذلك يقاس امتناع المعلول الى عدم العلة التامة وفى هذا يقاس امتناع الشيء الى عدم العلة او وجود ضد او مناف لنفسه او لغيره فهذا اعم من ذلك وهذا الامكان العام اخص من ذلك الامكان العام الماضى ذكره لان ذلك سلب الضرورة مطلقا وهذا سلب ضرورة العدم للزوم ممتنع من وجوده فلا يشمل سلب ضرورة الوجود ولا سلب ضرورة العدم عن الشيء نظرا الى ذاته كليا اذ كل ما لا يلزم من وجوده ممتنع فهو ممكن بالذات وليس كل ممكن بالذات لا يلزم من وجوده ممتنع فعمومه لشموله الواجب وبعض الممكنات الخاصة وسيأتى الاشارة الى هذا فى المسألة الثالثة من الفصل الثالث

٦٤

من المقصد الثالث.

الثامن : سلب ضرورة الوجود والعدم مأخوذا مع ما هو خارج عن ذات الماهية وذاتياتها ويقال له الامكان الاستعدادى وهو مختص بالماديات وسيأتى تفصيله فى المسألة الثانية والثلاثين إن شاء الله تعالى.

تتمة : ان بعض المفاهيم فى نفسه ممكن وبالإضافة الى امر يصير ممتنعا كالاجتماع اذا اضيف الى النقيضين والرؤية اذا اضيفت الى الواجب تعالى والكبر اذا اضيف الى جزء الشيء بالنسبة إليه وامثال ذلك.

قول الشارح : التى لا تقابله ـ اى لا تقابل الامكان العام بل مندرجة تحته.

قول المصنف : ولا يشترط العدم الخ ـ اى لا يشترط فى امكان الوجود فى ـ الاستقبال العدم فى الحال وإلا لزم اشتراط الوجود فى الحال فى امكان العدم فى الاستقبال واجتمع النقيضان.

قول الشارح : قالوا لانه لو كان الخ ـ هذا استدلال الخصم على اشتراط العدم فى الحال لامكان الوجود فى الاستقبال تقريره ان امكان الممكن لا يقيد بزمان دون زمان بل المقيد بالزمان هو وجوده وعدمه ولكنه فى حال وجوده واجب وفى حال عدمه ممتنع فوجوده فى الحال المستلزم لوجوبه ينافى امكانه الصرف فى الحال فاذن لا يبقى له امكان صرف فى الاستقبال أيضا لعدم تقيد الامكان بالزمان.

قوله : لان الوجود ان اخرجه الخ ـ هذا جواب بالنقض اى ان الوجود فى الحال ان اخرجه الى الوجوب اى ان اخرجه من الامكان الصرف اخرجه العدم فى الحال من الامكان الصرف وعلى اى حال لا يبقى له امكان صرف فى الاستقبال.

قوله : وأيضا اذا اشترط الخ ـ هذا أيضا نقض بتعبير آخر.

قوله : وأيضا العدم فى الحال الخ ـ اشارة الى الجواب بالحل اى كما ان العدم فى الحال على قول الخصم لا ينافى الوجود فى المستقبل ولا امكان الوجود فى الحال فبالاولوية لا ينافى الوجود فى الحال امكان الوجود فى المستقبل وحاصل الحل ان الامكان فى جميع الازمان والاحوال صرف لا يشوبه غيره الا ان الممكن فى حال

٦٥

وجوده او عدمه يكون مع امكانه وجوب بالغير او امتناع بالغير وهذا الوجوب او الامتناع منسلخ عن الامكان فى المستقبل بحسب علمنا سواء كان فى الحال موجودا او معدوما وهذا هو المراد بالامكان الصرف.

المسألة السادسة والعشرون

( فى ان الثلاثة اعتبارية )

قول الشارح : الاول ان هذه الامور الخ ـ هذا قياس استثنائى صورته انها لو كانت ثابتة فى الاعيان ولم تكن اعتبارية لم تصدق على المعدومات والتالى باطل لان المعدوم الممتنع يصدق عليه انه ممتنع الوجود وانه واجب العدم وانه غير ممكن والمعدوم الممكن يصدق عليه انه ممكن الوجود والعدم وانه غير واجب ولا ممتنع فالمقدم مثله بيان الملازمة ان المحمول الثبوتى فى الاعيان يستلزم الموضوع الثبوتى لان ثبوت شيء لشيء فى ظرف يستلزم ثبوت المثبت له فى ذلك الظرف فاذا لم يكن الموضوع ثابتا فى الاعيان فالمحمول أيضا ليس بثابت.

قوله : الثانى انه يلزم التسلسل ـ انما يلزم اذا ادعى ان الجميع متحقق فى الخارج واما اذا كان احدها اعتباريا امكن ان يقال ان التسلسل فى الباقيين ينقطع بانتهائهما إليه فلا يثبت اعتبارية الجميع بهذا الوجه.

قوله : فبين انه ليس ثبوتيا ـ الكلام فى الوجوب بعينه الكلام فى الوجود فان الوجوب من حيث الحقيقة ثابت فى الخارج بل هو الوجود الحقيقى الغير المحدود الّذي يتنزه عن صمات الاعدام والامكانات كلها وينتزع من تلك الحقيقة امر يؤخذ فى المحمول على ذات الواجب بالاشتقاق نعم من حيث المفهوم غير الوجود ومن حيث انه امر منتزع ليس بثابت فى الخارج.

قوله : واما الثانى فالاوائل الخ ـ يأتى بيان حقيقة الامر فى الامكان الاستعدادى وانه هو الامكان الخاص مع تقيد ما والفرق بينه وبين الاستعداد فى المسألة الثانية والثلاثين إن شاء الله تعالى.

٦٦

قول المصنف : والفرق بين نفى الامكان الخ ـ قد مضى تفسير نفى الامكان والامكان المنفى فى المسألة الحادية عشرة.

قول الشارح : ولا يستدعى الفرق الثبوت ـ اى لا يستدعى الفرق ثبوت الامكان فى الخارج لان الفرق حاصل ذهنا كما بين فى المسألة الحادية عشرة.

المسألة السابعة والعشرون

( فى بعض احوال المراد الثلاث )

قول الشارح : المطلقة ـ لا يكون للامكان قسمان بالذات وبالغير حتى يتصف بالإطلاق من هذه الجهة فالاطلاق صفة للوجوب والامتناع.

قوله : الى نفس الماهية ـ المراد بها الماهية بالمعنى الاعم اى ما به الشيء شيء ليشمل الواجب تعالى.

قول المصنف : لما تقدم ـ فى المسألة الرابعة والعشرين من عدم امكان انقلاب كل ذاتى من هذه الثلاثة الى الاخر فلو كان الممكن بالغير لزم انقلاب الواجب الذاتى او الممتنع الذاتى الى الممكن على ما بينه الشارح رحمه‌الله.

قول الشارح : كل ممكن بالغير ممكن بالذات ـ جملة حالية اشارة الى سبر وترديد فى المسألة وهو ان امكان الممكن لو كان بالغير فهذا الممكن بالغير من حيث ذاته اما واجب او ممكن او ممتنع والتالى باقسامه الثلاثة باطل لان الواجب والممتنع بالذات لو صارا ممكنين بالغير وجب ان ينقلبا عما هو ذاتهما لان الممكن سواء كان بالغير او بالذات هو ما لم يكن فيه ضرورة العدم ولا الوجود فصيرورة الواجب او الممتنع ممكنا اما مع بقاء ما هو ذاته أو لا والاول يستلزم اجتماع النقيضين لان الضرورة وسلبها متناقضان والثانى هو انقلاب الشيء عما هو ذاته وهو محال بالبديهة.

ان قلت : كما لا استحالة فى اجتماع الامكان الذاتى مع الوجوب الغيرى او الامتناع الغيرى وليس ذلك باجتماع النقيضين فليجتمع الوجوب الذاتى او الامتناع الذاتى مع الامكان الغيرى من دون لزوم محال قلت : هذا القياس مع الفارق لان

٦٧

حيثية الامكان هى اللااقتضاء فلا يأبى عن قبول اقتضاء الغير واما الوجوب والامتناع الذاتيان حيثيتهما الاقتضاء فيا بيان عن قبول المنافى لاقتضائهما وببيان آخر ان سلب الضرورة بالذات لا ينافى الضرورة بالغير بخلاف الضرورة بالذات فانها تنافى سلب الضرورة بالغير لان عروض سلب الضرورة بالغير على الواجب او الممتنع ان اوجب فيه تساوى الطرفين فهو انقلاب الشيء عما هو ذاتى وان لم يوجب فلا معنى لعروضه فالواجب او الممتنع بالذات يستحيل صيرورته ممكنا بالغير واما الممكن بالذات لو صار ممكنا بالغير لزم تحصيل الحاصل اذا مكان الذات يغنى عن اتصاف الممكن بالامكان بالغير فثبت ان الممكن بالغير غير ممكن.

المسألة الثامنة والعشرون

( فى عروض المواد الثلاث للماهية )

قول الشارح : فان الماهية اذا اخذت الخ ـ يظهر من هذا الكلام ان للماهية الممكنة الموجودة وجوبين احدهما بالنظر الى وجود الماهية والثانى بالنظر الى وجود علتها وان للماهية الممكنة المعدومة امتناعين احدهما بالنظر الى عدم الماهية والثانى بالنظر الى عدم علتها ويأتى بيانهما فى المسألة الحادية والثلاثين إن شاء الله تعالى.

قوله : الممكن قد يكون الخ ـ اعلم انه كما ان الوجود يكون فى نفسه ولغيره كذلك الامكان المضاف إليه يكون فى نفسه ولغيره والثانى هو الامكان الاستعدادى لوجوب الاستعداد فى ذلك الغير لوجود هذا الممكن الثابت للغير ويأتى توضيحه فى المسألة الثانية والثلاثين.

قوله : فقد يكون الشيء ممكن الثبوت فى نفسه الخ ـ اعلم ان معنى الثبوت فى نفسه هو ان لا يحتاج الموجود فى موجوديته الى شيء يوجد فيه بل اما قائم بنفسه من غير احتياج الى الجاعل أيضا كالواجب تعالى واما محتاج فى موجوديته الى الجاعل فقط يوجده ويقوم فى نفسه كالعقول المفارقة والهيولى الاولى ومعنى الثبوت لغيره

٦٨

هو ان يحتاج الموجود فى موجوديته الى شيء يوجد فيه بمعنى ان وجوده فى نفسه هو لغيره كالصور والاعراض الحالة فى المواد والموضوعات وهذا القسم وان كان كالقسم الاول ممكنا فى نفسه الا ان ثبوته يجب ان يكون لغيره بمعنى امتناع ثبوته لو لا ذلك الغير كامتناع الممكن لو لا العلة الموجدة كما ان القسم الاول يمتنع ان يكون ثبوته لغيره وليس فى الموجودات قسم ثالث يكون ممكنا فى نفسه وممكنا لغيره امكانا خاصا بان يكون هاهنا موجود لا يمتنع ان يكون لغيره ولا يجب ان يكون لغيره بل قد يكون لغيره وقد لا يكون لغيره كما ان الممكن فى نفسه قد يكون موجودا وقد يكون معدوما اذا علمت هذا فان معنى قول المصنف : وكل ممكن العروض ذاتى هو ان كل ممكن العروض اى الحلول بالامكان العام المنطبق على الواجب العروض ممكن ذاتى اذ ما يجب ان يكون لغيره ليس ممتنعا فى نفسه لانه موجود ولا واجبا فى نفسه لانه يحتاج الى الغير وليس كل ممكن ذاتى ممكن العروض لغيره بل فى الممكنات الذاتية ما يمتنع ان يكون لغيره كالعقول المفارقة والهيولى الاولى وانه لا وجه لما يستفاد من ظاهر كلام الشارح العلامة رحمه‌الله من جعل الاقسام ثلاثة ممتنع الثبوت لغيره واجب الثبوت لغيره ممكن الثبوت لغيره امكانا خاصا مع انه لم يأت بمثال له ولن يؤتى ابدا وان امكن توجيهه على وجه بعيد ينطبق على ما هو الصحيح.

المسألة التاسعة والعشرون

( فى ان علة احتياج الممكن الى المؤثر هو الامكان )

قول المصنف واذا لاحظ الذهن الممكن الخ ـ جعل سائر الشراح كلام المصنف رحمه‌الله وجوها ثلاثة وهو اصح.

قول الشارح : وقال آخرون هما معا ـ قد اخذ بعض هؤلاء الحدوث شرطا وبعضهم شطرا

قوله : ولو فرضنا حادثا الخ ـ هذا ثانى الوجوه على ما فى سائر الشروح

٦٩

ذكره الشارح طبقا لما فى المتن ولم يعده ثانيا.

قوله : الثانى ان الحدوث الخ ـ هذا ثالث الوجوه على ما فى سائر الشروح وانما اتى المصنف هذا الوجه بثم دون الاولين لانهما متقاربان دونه لان معنى الوجه الثانى ان العقل قد يلاحظ الممكن الحادث مع قطع النظر عن امكانه والغفول عن حدوثه فلا يطلب له العلة ولعل الشارح رحمه‌الله عدهما وجها واحدا لذلك.

ان قلت : هذا الوجه يعارض بان الامكان أيضا متأخر عن الوجود ولكن بمرتبة واحدة لانه نسبة بين الماهية والوجود والنسبة متأخرة عن الطرفين فلا يكون علة الافتقار المتقدم على الوجود بمراتب قلت : الامكان متأخر عن الوجود من حيث هو هو لا من حيث هو وجود الماهية بمعنى ان العقل اذا لاحظ الماهية الممكنة وقاسها الى الوجود ينتزع منها الامكان ولكن الماهية يلحقها الوجود بعد الامكان فوجود الماهية متأخر عن امكانها واما الحدوث فمتاخر عن الوجود من حيث هو وجود الماهية اذ ما لم يلحقها الوجود لم تتصف بالحدوث والممكن يفتقر الى العلة فى وجوده لا انه يفتقر إليها فى الوجود من حيث هو هو.

اعلم ان المسألة الثلاثين مذكورة أيضا بعد المسألة الثانية والاربعين ولعل ذكرها هنا سهو من قلم الشارح العلامة رحمه‌الله لانها ليست مذكورة هنا فى سائر الشروح بل هناك ولكن ذكرها هنا او هناك ليس على ما ينبغى لانها مما يتوقف عليه المسألة التاسعة والعشرون لان البحث عن علة الاحتياج انما هو بعد الفراغ عن اصل الاحتياج فذكرها قبلها كان انسب.

المسألة الحادية والثلاثون

( فى نفى الاولوية عن الممكن وان له وجوبين )

قول المصنف : ولا يتصور الاولوية الخ ـ اعلم ان الماهية الممكنة بالنظر الى الوجود والعدم لها حالات ثلاث لا رابعة لها ، الاولى : ان يلاحظها العقل من حيث هى هى مع قطع النظر عن العلة فانها فى هذه الحالة لا يترجح لها الوجود ولا العدم

٧٠

بحيث لو فرضنا العدم فى المرتبة الواحدة والوجود فى المرتبة المائة فهى فى المرتبة الخمسين ، الثانية : ان يلاحظها نظرا الى وجود علتها فهى فى المرتبة المائة ، الثالثة ان يلاحظها نظرا الى عدم علتها فهى فى المرتبة الواحدة فالمراد من الاولوية هو وقوعها فى بعض المراتب التى يكون بين الواحدة والخمسين او بين الخمسين والمائة وهذا مستحيل لان الاولوية اما من نفس ماهية الممكن ويقال لها الاولوية الذاتية او من امر خارج عن نفسها ويقال لها الاولوية الخارجية وكلاهما محالان اما الاولى فالبديهة تشهد بذلك بعد ما ثبت ان الماهية ليست من حيث هى هى الا هى فلذا لم يأت المصنف رحمه‌الله بدليل عليه واما الثانية فلان الامر الخارج اما ان يحصل بسببه الوجوب اى وقوع الماهية فى المرتبة المائة أو لا فالاول وجوب لا اولوية بهذا المعنى والثانى وقوع الماهية فى المرتبة الخمسين لان ذلك الامر الخارج ليس علة تامة لها حتى ينظر حال الماهية بالنسبة إليها فلم يحصل للماهية بعد غير نفسها شيء فهى بعد هى فهى فى المرتبة الخمسين وهذا معنى قول الحكماء الشيء ما لم يجب لم يوجد ويقال الاولوية أيضا لوقوع الماهية فى المرتبة المائة وتقيد بالبالغة وهى أيضا محالة بالنظر الى نفس الماهية وممكنة بالنظر الى امر خارج هو العلة التامة فالاولوية اما ذاتية او خارجية وكل منهما اما بالمعنى الاول واما بالمعنى الثانى وليس الممكن منها الا الخارجية بالمعنى الثانى والمصنف اشار الى الذاتيتين فى قوله : ولا يتصور الاولوية الخ والى الخارجية بالمعنى الممتنع فى قوله : ولا تكفى الخارجية والى الخارجية بالمعنى الممكن فى قوله : فلا بد من الانتهاء الى الوجوب اى الوجوب بالغير وهو الاولوية الخارجية بالمعنى الثانى.

ثم ان هذا الوجوب هو المعبر عنه بالوجوب بالغير وهو الحاصل للموجود الممكن نظرا الى وجود علته فان العقل فى انتزاع هذا الوجوب ينظر الى علة الممكن ويحكم بضرورة وجود معلولها ويلحق هذا الوجوب وجوب آخر وهو المنتزع من الموجود الممكن بالنظر الى نفسه فان العقل يحكم بضرورة وجود الشيء ما دام موجودا ويقال لها الضرورة بشرط المحمول وهذا الوجوب كما انه متأخر عن

٧١

الوجوب الاول متأخر عن وجود المعلول أيضا لانه كما يأتى كيفية للنسبة الواقعة فى القضايا الفعلية والنسبة متأخرة عن المحمول وكذا كيفيتها فوجود المعلول واقع بينهما فلذا قالوا كما يأتى ان وجود المعلول محفوف بوجوبين وعدمه محفوف بامتناعين وقيل : الشيء ما لم يجب من علته لم يوجد فاذا وجد فهو واجب ما دام موجودا وللقائلين بالاولوية بمعنى وقوع الماهية فى المراتب المتوسطة مقالات لا ينبغى ذكرها وذكرها صاحب الشوارق فراجع.

ان قلت : اليس كلما كان اجزاء العلة التامة والشرائط اكثر فى الوجود والموانع اقل فيه كان المعلول الى الوجود اقرب والعكس على عكس ذلك قلت : ان كثرة الشرائط وقلة الموانع ما لم يبلغ الى العلة التامة لم يوجب فى الماهية شيئا حتى ينتقل الماهية من مرتبتها الى غيرها فاذا بلغت العلة الى التمام فالماهية فى المرتبة المائة فلا واسطة بين المرتبتين والحاصل انه ليس فى التكوينيات الا مرتبة الوجوب والاباحة التى هى تساوى الطرفين والحرمة التى هى مرتبة الامتناع فمرتبة الاستحباب والكراهة انما هما فى الشرعيات.

قول الشارح : ترجيح من غير مرجح ـ لان ما فرضناه ليس مرجحا لوقوع الطرف الاولى لان الطرف الغير الاولى أيضا يمكن وقوعه فى هذه الحالة فلذا قال المصنف لان فرضها والا ليس فى الواقع اولوية ولا مرجح يوجب هذه الاولوية.

قوله : فقد ظهران الاولوية ـ اى الاولوية المفروضة.

قوله : فانه محفوف بوجوبين ـ كان ينبغى ان يقول او امتناعين لان الموجود محفوف بوجوبين والمعدوم محفوف بامتناعين نظرا الى عدمه وعدم علته ويحتمل ان يكون لفظ او معدوم زائدا من الناسخ.

قوله : سبقا ذاتيا ـ اى ليس سبق احد الوجوبين على الاخر بالزمان بل زمانهما واحد كما ان وجود العلة التامة ووجود المعلول زمانهما واحد ويأتى اقسام السبق واللحوق والمعية فى المسألة الثالثة والثلاثين إن شاء الله تعالى.

قوله : فيما سلف ـ فى المسألة الرابعة والعشرين من ان هذه الثلاثة لا يمكن

٧٢

انقلاب بعضها الى بعض.

قوله : بشرط لا مطلقا ـ اى بشرط ان لا يزول الامكان الذاتى عن الماهية بسبب عروض الوجوب سواء كان وجوبا سابقا او لاحقا والا يلزم الانقلاب المحال.

او المراد ان وجوبه ليس بحسب الذات بل بشرط وجود العلة التامة وهذا اظهر

قول المصنف : ونسبة الوجوب الى الامكان الخ ـ التمام حقيقى واضافى وكذا النقص والتمام الحقيقى ما لا يكون فيه شوب نقص والاضافى على خلافه والنقص الحقيقى ما لا يكون فيه شوب تمام والاضافى بخلافه فالتمام الحقيقى هو الوجوب الذاتى والاضافى هو الوجوب الغيرى والنقص الحقيقى هو الامكان نظرا الى نفسه والاضافى هو هو نظرا الى الغير.

المسألة الثانية والثلاثون

( فى الاستعداد والامكان الاستعدادى )

قول المصنف : والاستعدادى قابل الخ ـ وفى بعض النسخ وسائر الشروح الاستعداد من دون ياء النسبة وهو الصحيح لما يأتى.

اقول : ان من الامور المدركة لكل احد قابلية بعض الاشياء لبعض كقابلية النطفة للعلقة والعلقة للمضغة والمضغة للعظم وقابلية الماء للهواء وقابلية النواة للشجر فههنا ثلاثة اشياء القابل والمقبول والقابلية وغير خفى ان القابل ليس صورة النطفة مثلا بل مادتها لان آثارها لا تبقى بعد حلول صورة العلقة فهى من حيث هى هى غير باقية والقابل لا بدّ من بقائه مع المقبول والا لم يكن قابلا وان المقبول هو الصورة الواردة فالمادة فى كلتا الصورتين واحدة والصورتان تتعاقبان عليها والقابلية تنبئ عن كيفية جسمانية فى القابل تهيئه لافاضة الفاعل حقيقة المقبول وهذه الكيفية توجد فى المادة بعد ان لم تكن فيها وتعدم عنها اما بفساد المادة واضمحلالها او بفعلية المقبول ولها الشدة والضعف كما مثل به الشارح رحمه‌الله وهذه الكيفية موجودة فى الخارج لا دخل للاعتبار فيها لان مادة النطفة القابلة مثلا اذا لم يكن فيها شيء له مناسبة مع صورة العلقة المقبولة كانت هى وغيرها متساويتين بالنسبة إليها فلم يكن

٧٣

ترجيح للنطفة على غيرها فى ان يفيض الفاعل الصورة عليها لا عليه كما ان الفاعل أيضا لا بدّ ان يكون له ما يناسب الاثر المفعول فلذلك يمتنع ان يكون كل شيء فاعلا لكل شيء او قابلا له.

ثم ان هذه الكيفية توجب لا محالة فى ذات القابل قوة وجود المقبول وبفعليته تنتفى لامتناع اجتماع القوة والفعل فتحصل لذات القابل اضافة الى ماهية المقبول فى ظرف عدم المقبول وهذه الاضافة امر عقلى يعتبره العقل بعد قياس ذات القابل الى ماهية المقبول وليست موجودة فى الخارج لان احد طرفيها وهو ماهية المقبول لم توجد بعد فيه فههنا كيفية وقوة ليست هى الا شأنا من شئون تلك الكيفية واضافة منشأ اعتبارها هو الكيفية المذكورة.

ثم ان ظاهر بعض عبارات القوم تسمية تلك الكيفية بالاستعداد وظاهر بعضها الاخر تسمية تلك القوة به وظاهر بعضها الاخر تسمية تلك الاضافة به والانسب نظرا الى المفهوم اللغوى والى التعريف الّذي ذكروه للاستعداد وهو تهيؤ الشيء لصيرورته شيئا آخر هو تسمية الاضافة به اذ باعتبار هذه الاضافة يقال للقابل المستعد ولماهية المقبول المستعد له وان كان منشأ هذه الاضافة تلك الكيفية والقوة ويظهر من بعض العبارات اخذ هذه الثلاث شيئا واحدا.

ثم ان وجود المقبول ليس مرسلا على ماهيته بل حصوله لها مشروط بذات القابل وزمان كما بين فى محله بمعنى ان كون المقبول انما هو فى ذات القابل فامكانه أيضا مشروط بها بحيث لو لم يكن فى البين ذات القابل كان المقبول ممتنعا فالموجود الحاصل فى المادة ليس امكانه مرسلا كوجوده بل مقيد بمادة وزمان وهذا الامكان الذاتى المقيد بهذا القيد هو الامكان الاستعدادى فلذلك قال صاحب الشوارق : ان الامكان الاستعدادى امكان ذاتى مأخوذ مع تحقق بعض الشرائط وارتفاع بعض الموانع فيغايره مغايرة الكل والجزء انتهى وفى بعض العبارات ان الاستعداد والامكان الاستعدادى شيء واحد وهو ذلك التهيؤ والاضافة يكون بالنسبة الى المستعد استعدادا وبالنسبة الى المستعد له امكانا استعداديا وفى عبارات كثير

٧٤

منهم ان تلك القوة هو الامكان الاستعدادى فيقال : ان المادة حاملة لامكان ما يحل فيها ولا يخفى ان كلمات القوم حول هذه المسألة مجملة وبظاهرها متضاربة ولكنك تقدر بعد النظر فيما كتبته على ان تطبق ما تفهم منها على الحق الواقع.

ثم ان القابلية والمقبولية معنيان منتزعان اضافيان كالعلية والمعلولية والقابل اما مادة تقبل صورة كالامثلة الماضية او موضوع يقبل عرضا كقبول الثمرة على الشجرة للالوان والطعوم والروائح وهذان المقبولان حالان فى المادة والموضوع او بدن يقبل نفسا كبدن الانسان وهذا المقبول ليس حالا فى البدن بل يتعلق به تعلق التدبير بحيث اذا فسد البدن لم ينتف بفساده وهذا كله مبرهن فى محاله.

قول الشارح : للممكنات ـ اى الممكنات المادية لان الممكنات المجردة ليس وجودها ولا امكانها مقيدين بل هما مرسلان وفى كثير من النسخ للمركبات وهذا اصح.

المسألة الثالثة والثلاثون

( فى القدم والحدوث واقسام السبق ومقابليه )

قول المصنف : والموجودان اخذ الخ ـ وفى سائر الشروح والوجودان اخذ وهذا انسب لان المتصف بالقدم والحدوث أولا هو الوجود وباعتباره يتصف الموجود بهما لان الماهية من حيث هى هى ليست الا هى.

اعلم ان العدم للممكن اما ذاتى واما واقعى والذاتى هو لا اقتضائية الذات للوجود وهذا العدم يقال له الذاتى لانه كالامكان بل هو هو لا ينفك عن ذات الممكن كائنا ما كان اذا الممكن فى اى حال من الاحوال كان لا اقتضاء له بالنسبة الى الوجود ابدا ويقال له أيضا العدم المجامع لانه يجامع الوجود الّذي يحصل من العلة وسمى الشيخ هذا العدم ليسا مطلقا فقال فى الفصل الثالث من المقالة السادسة من إلهيات الشفا : فان للمعلول فى نفسه ان يكون ليس ويكون له عن علته ان يكون ايس انتهى والعدم الواقعى هو ما يطرده الوجود وهو الواقع على الممكن من جبة عدم العلة ويقال له

٧٥

العدم المقابل لانه يقابل الوجود تقابل السلب والايجاب ولا يجامعه والعدم الزمانى أيضا لان من شانه ان يقع فى الزمان ويحتمل ان يكون تسميته بالواقعى لوقوعه فى الزمان.

اذا تمهد هذا فكل من القدم والحدوث اما ذاتى واما زمانى فالقدم الذاتى الّذي هو مختص بالواجب تعالى هو كون الشيء غير مسبوق بالغير والمراد بالغير العلة او العدم المجامع او كلاهما والقدم الزمانى هو كون الشيء غير مسبوق بالعدم الزمانى والحدوث الذاتى هو كون الشيء مسبوقا بالغير الّذي هو العدم المجامع او العلة او كلاهما والحدوث الزمانى هو كون الشيء مسبوقا بالعدم الزمانى هذا على اصطلاح الحكماء واما المتكلمون فلم يصطلحوا فى العدم الا على المعنى الثانى وهو العدم المقابل كما هو مفهومه العرفى أيضا فان العرف لا يفهم من لفظ العدم الا هذا ولم يقسموا القدم والحدوث الى الذاتى والزمانى بل هما ليسا عندهم إلا زمانيين فقالوا : القدم كون الشيء غير مسبوق بالعدم اى الزمانى والحدوث كون الشيء مسبوقا بالعدم اى الزمانى فالقديم عندهم هو الواجب تعالى والحادث هو العالم وذلك لان مبناهم ان العالم حادث بمعنى مسبوقيته بالزمان بخلاف الحكماء فانهم حيث قالوا بالقدم الزمانى والحدوث الذاتى للعالم اصطلحوا فى العدم على المعنيين حتى يتم امرهم.

والمصنف رحمه‌الله اشار بقوله : بالغير الى تعريف القدم الذاتى وبقوله : بالعدم الى تعريف القدم الزمانى على ما عليه الحكماء وتقدير كلامه : الوجود ان اخذ غير مسبوق بالغير فقديم ذاتى او بالعدم فقديم زمانى والا اى وان لم يؤخذ غير مسبوق بل مسبوقا بالغير فحادث ذاتى او بالعدم فحادث زمانى على ان يكون المراد بالعدم هو الزمانى المقابل للوجود وهذا الكلام كله ينطبق على الاقسام الاربعة التى ذكرها الحكماء وظاهر الشارح العلامة رحمه‌الله ان قول المصنف : بالغير اشارة الى تعريف الحكماء وقوله : بالعدم اشارة الى تعريف المتكلمين وعلى هذا فيؤخذ الغير اعم من العلة والعدم المجامع والعدم المقابل حتى يشمل تعريف الحكماء كلا القدمين

٧٦

وكلا الحدوثين ويكون تقدير الكلام : الوجود ان اخذ غير مسبوق بالغير فقديم ذاتى او زمانى وإلا فحادث ذاتى او زمانى او اخذ غير مسبوق بالعدم فقديم والا فحادث.

قول الشارح : وكذا اصناف التأخر والمعية ـ اما اقسام التأخر فقد ذكرت فى ضمن الامثلة واما اقسام المعية فالمعية بالعلية كالمعلولين لعلة واحدة او العلتين على معلول واحد بالنوع كالشمس والنار اذا اوجدتا حرارة واحدة بالنوع فان امتناع اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد يختص بما اذا كان المعلول واحدا بالشخص والمعية بالطبع كجزئى العلة اذا لم يكن لاحدهما تقدم على الاخر كاجزاء المعاجين والمعية بالزمان كزيد وعمرو اذا ولدا فى زمان واحد والمعية بالرتبة الحسية كالمأمومين فى صف واحد بالنسبة الى الامام والعقلية كالخاصتين لحقيقة واحدة لم تكن احداهما تابعة للاخرى كالشهوة والغضب لنفس الحيوان والمعية بالشرف كالمتعلمين عند معلم واحد.

قوله : ومثلوا بتقدم الامس على اليوم ـ والحكماء ادرجوا هذا فى التقدم بالزمان لان التقدم بالزمان عندهم هو كون المتقدم بحيث لا يمكن اجتماعه مع المتاخر بكمال حصوله واجزاء الزمان بعضها بالنسبة الى بعض كذلك ولا يلزم ان يكون للزمان زمان لان المتقدم بالزمان اذا لم يكن نفس الزمان فيحتاج الى الوقوع فى الزمان واما الزمان فمتقدم بعض اجزائه على بعض هذا التقدم بنفسه كالوجود الحقيقى فانه موجود بنفسه وغيره موجود به.

قوله : وهذا الحصر استقرائى ـ زاد المتاخرون على تلك الاقسام الخمسة ثلاثة اقسام اخر : التقدم بالماهية ويقال له التقدم بالتجوهر أيضا والتقدم بالحقيقة والتقدم الدهرى او السرمدى وتفصيلها يطلب من مظانها.

المسألة الرابعة والثلاثون

( فى مقولية التقدم ومقابليه بالتشكيك وبعض احكام القدم والحدوث )

قول المصنف : فى انواعه ـ ارجع الشارح العلامة رحمه‌الله والشارح القديم

٧٧

والقوشجى الضمير الى التشكيك وصاحب الشوارق ارجعه الى السبق وتقدير الكلام على الاول : ان الاضافة التى بين القسمين من السبق تكون محفوظة ثابتة بين القسمين من التأخر الذين هما المضافان للقسمين من السبق فى جميع انواع التشكيك وعلى هذا فالظرفان اى بين وفى متعلقان بتتحفظ وتقديره على الثانى : ان الاضافة الحاصلة فى انواع السبق اى بين النوعين من انواعه محفوظة بين النوعين من انواع التأخر الذين هما المضافان للنوعين من انواع السبق وعلى هذا فبين متعلق بتتحفظ وفى متعلق بالإضافة والمال واحد بحسب المعنى الا ان الاول انسب باسلوب الكلام اذ على التقدير الثانى كان ينبغى تقدم قوله : فى انواعه على قوله : بين المضافين.

قول الشارح : وهو ان كل واحد من المتقدم الخ ـ هذا المعنى الّذي ذكر اشتراكه بين التقدم بالعلية والتقدم بالطبع هو بعينه ذلك المعنى الّذي ذكر اشتراكه بين الاصناف الخمسة فلا وجه لتكراره فلو لم يكن قوله : فان كل واحد الى قوله : دون العكس كان الكلام تاما لان علة الخطاء مذكورة بعد ذكر مذهب آخرين.

قوله : وقال آخرون انه مقول بالتشكيك ـ اى اطلاق التقدم على هذه الانواع ليس على سبيل الاشتراك اللفظى بل هو معنى مشترك بينها لكنه مقول عليها بالتشكيك.

قوله : بما هو متقدم له شيء ـ هذا الشيء زيادة توجب الفضل للمتقدم على المتاخر فى وصف مشترك بينهما ويأتى تفصيله عند قول المصنف : والتقدم دائما بعارض الخ.

قوله : فى كتاب الاسرار ـ لم اظفر على هذا الكتاب وانه كثيرا اتى باسمه فى هذا الكتاب وغيره ولعل البحث ان مفهوم التقدم كيف يقال بالتشكيك اذا حمل على اقسامه لان الموضوع فى هذا الحمل هو نوع من التقدم وهو ليس الانفس التقدم مع قيد فنسبة التقدم الى انواعه نسبة الذاتى الى ذى الذاتى فحمله عليها لا يكون بالتشكيك.

قول المصنف : التقدم دائما بعارض الخ ـ اعلم ان التقدم والتأخر من

٧٨

الامور الاضافية المنتزعة العقلية ينتزعهما العقل من امور هى بالنسبة إليهما بمنزلة الاركان ليس لهما تحقق الا بها كسائر الانتزاعيات التى تحققها بمناشئ انتزاعها.

الاول : ذات المتقدم وذات المتاخر فان العقل يحمل التقدم والتأخر بالاشتقاق على الذاتين الموجودتين بعد كمال تلك الامور وانتزاعهما منها وقبل ذلك ليست الذات متقدمة ولا متأخرة.

الثانى : وصف لا بدّ ان يكون كل من المتقدم والمتاخر متصفا به وهو الزمان فى السبق بالزمان والمكان فى السبق بالرتبة الحسية والمراتب العقلية فى الرتبة العقلية والفضيلة المحققة للشرف فى السبق بالشرف كالعلم والرئاسة والشجاعة والوجوب فى السبق بالعلية والوجود فى السبق بالطبع ويقال لهذا الوصف ما فيه التقدم فان العلة متقدمة على المعلول فى الوجوب وجزء العلة متقدم عليه فى الوجود والمعلم مثلا متقدم على المتعلم فى العلم والجنس مثلا متقدم على ما تحته فى المرتبة والقريب من صدر المجلس متقدم على البعيد منه فى المكان وزيد المتولد قبل عمرو متقدم عليه فى الزمان وفى بعض العبارات اطلاق ملاك التقدم والتأخر على هذا المعنى واخذه مع ما فيه التقدم شيئا واحدا.

الثالث : مبدأ تؤخذ نسبة المتقدم والمتاخر إليه وهو فى السبق بالزمان حد من حدوده فى الماضى او الحال او الاستقبال وفى السبق بالرتبة الحسية موضع قريب او بعيد من المتقدم او المتاخر كصدر المجلس او محراب المسجد او اوّل الصف او باب الدار او مقصد السير او غيرها وفى السبق بالرتبة العقلية بداية المراتب كالجنس العالى ان اخذ من الاعم او النوع الاخيران اخذ من الاخص وفى السبق بالشرف نفس تلك الفضيلة من حيث هى هى كالعلم فانه من حيث هو هو ونفس حقيقته ينتسب المتقدم فيه والمتاخر فيه إليه ومن حيث اتصافهما به يكون ما فيه التقدم وقد يكون المبدأ فى هذا القسم من السبق واللحوق منشأ انتزاع تلك الفضيلة ان كانت هى من الامور الاعتبارية الانتزاعية كالرئاسة فان الاختيارات والتصرفات التى هى منشأ انتزاع الرئاسة مبدأ تؤخذ نسبة المتقدم الرئيس والمتاخر المرءوس إليه فان من كان له

٧٩

تلك الاختيارات والتصرفات أولا واكثر هو المتقدم الرئيس ومن كان له تلك ثانيا واقل هو المتاخر المرءوس وفى السبق بالطبع نفس الوجود من حيث حقيقته وفى السبق بالعلية نفس الوجوب من حيث حقيقته حذو ما مر فى السبق بالشرف.

الرابع : انتساب المتقدم والمتاخر الى ذلك المبدأ اذ لو لم يعتبر هذا الانتساب لم يستقم امر التقدم والتأخر فان المتقدم والمتاخر بالزمان او المكان لا بدّ ان ينتسبا الى حد من حدود الزمان او موضع من المواضع حتى يقال للاقرب منه المتقدم وللابعد منه المتاخر وان المتقدم والمتاخر بالرتبة العقلية لو لم يعتبر نسبتهما الى بداية المراتب من فوق او من تحت لم يمكن الحكم على احدهما بانه متقدم وعلى الاخر بانه متأخر وان المتقدم والمتاخر بكل من الشرف والطبع والعلية لا يمكن ان يحصل لهما عنوان التقدم والتأخر الا بالانتساب والقياس الى اصل الفضيلة او الوجود او الوجوب.

اذا علمت هذا فمراد المصنف بالعارض امر يحصل للمتقدم والمتاخر من اعتبار هذه الامور الثلاثة اى الوصف والمبدأ والانتساب إليه وهو الوقوع فى الزمان المحدود المنتهى بالمبدإ المفروض او الوقوع فى المراتب الحسية او العقلية فى التقدم والتأخر بالزمان او الرتبة والتفاضل الحاصل بين المتقدم والمتاخر فى السبق بالشرف وتاثير المتقدم فى المتاخر فى السبق بالعلية وحاجة المتاخر الى المتقدم فى الوجود فى السبق بالطبع ولك الخيار فى ان تسمى مجموع تلك الامور الثلاثة بملاك التقدم والتأخر او هذا الامر الحاصل منها.

ولا يخفى ان فى تفسير الشارح العلامة وغيره العارض بما ذكرنا فى الامر الثانى من الزمان والمكان وغيرهما تسامحا وخلافا لمراد المصنف اذ لم يقل : بعارض هو زمان او مكان او غيرهما بل قال بعارض زمانى اى منسوب الى الزمان وكذا غيره وفى كلام صاحب الشوارق ان المعنى المشترك بين انواع التقدم هو الّذي يسمونه ملاك التقدم وما فيه التقدم خطا ظاهر وان خالف هو نفسه فى كلامه الاخر.

تنبيه : ان نوع السبق بالشرف لا يختص بالفضائل بل يأتى فى الرذائل أيضا

٨٠