توضيح المراد - ج ١

السيد هاشم الحسيني الطهراني

توضيح المراد - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني الطهراني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المصطفوي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٩٠٢

ظلموا انفسهم بترك اتباعه وانكار النصوص التى ذكر فى الكتاب بعضها.

واعلم ان هذه المسألة وان كانت فرعا على مسألة وجوب نصب الامام عليه تعالى ، لكن العمدة فى هذا المقصد لاثبات المذهب هى النصوص الواردة الصريحة الكثيرة فى اعلى مراتب التواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والآيات الدالة على خلافة امير المؤمنين عليه‌السلام ووصايته وإمامته وولايته.

ثم انى لا اطيل الكلام فيها ولا اتعرض لشبهات المخالفين والجواب عنها ، بل اوضح من الكتاب ما يحتاج الى الايضاح وافسّر منه ما ينبغى له التفسير احالة البسط والتفصيل الى تأليفات علمائنا رضوان الله عليهم لا سيما كتاب الغدير الّذي الفه العلم الحجة آية الله الباهرة عز الاسلام ومفخر اهل الايمان مولانا العلامة الامينى ادام الله عمره وكثر عزه فانه لم يترك فى هذا الباب لذى عقل عذرا واتم على كل مسلم الحجة ، فليس رائجا عنده ما يؤلف ولا بديعا ان يؤتى بمثله بعده.

قول المصنف : وسيرته عليه‌السلام ـ عطف على العصمة ، اى سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تقتضى النص أيضا ، ويظهر من شرح البهشتى الأسفراييني ان سيرته مبتدأ خبره محذوف ، هو « عليه » بارجاع الضمير المجرور الى النص حيث قال : اى طريقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت على النص فى الامور الدينية ، وعلى كل فهما دليلان على ان الامام يجب ان يكون منصوصا عليه ، وانما لم يقل : والعصمة وسيرته تقتضيان النص لئلا يتوهم رجوع ضمير التثنية بعده إليهما لانه راجع الى العصمة والنص.

ولا يخفى انه لا ينحصر الطريق عند الامامية الى تعيين الامام المرضى عند الله عز وجل إمامته فى النص وان كان ائمتنا عليهم‌السلام منصوصا عليهم ، بل له طريق آخر هو الاعجاز كاثبات النبوة ، وكان لكل منهم صلوات الله عليهم معاجز مذكورة فى كتب السير والتواريخ.

قال المفيد رحمه‌الله فى اوائل المقالات : اتفقت الامامية على ان الامامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها الا بالنص على عينه والتوقيف ، واجمعت المعتزلة والخوارج

٧٠١

والزيدية والمرجئة والمتسمون باصحاب الحديث على خلاف ذلك ، واجازوا الامامة فى من لا معجز له ولا نص عليه ولا توقيف.

وقال الشارح العلامة فى نهج الحق : المبحث الثالث فى طريق تعيين الامام ، ذهبت الامامية كافة الى ان الطريق الى تعيين الامام امران : النص من الله تعالى او نبيه او امام ثبتت إمامته بالنص عليه او ظهور المعجزات على يده لان شرط الامام العصمة وهى من الامور الخفية الباطنة التى لا يعلمها الا الله تعالى.

قول الشارح : او الميراث ـ اى يكون ممن ثبت له حق الوراثة وان لم يكن ذا سهم لمانع ممن فى الطبقة السابقة ، وغرضهم اثبات حق الامامة للعباس ليجرى فى اعقابه.

قول الشارح : او الدعوة الى نفسه ـ بشرط ان يكون عالما زاهدا شجاعا قائما بالسيف من ولد فاطمة سلام الله عليها ، والزيدية هم اتباع زيد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب عليهم‌السلام ، افترقوا خمس فرق : الجارودية ، السليمانية ، البترية ، النعيمية ، اليعقوبية ، ولهم مقالات مختلفة مذكورة فى كتب المذاهب.

اقول : ان زيدا سلام الله عليه كان ممدوحا عند الائمة عليهم‌السلام ، عارفا بحقهم ، مرضيا عندهم ، مأذونا منهم فى الباطن للخروج ، قاصدا لردّ الامر الى صاحبه ان ظفر عليه ، ماقتا لمن تقدم على امير المؤمنين عليه‌السلام فى الخلافة ، وما نسب إليه فى بعض الآثار من منعه اصحابه عن الطعن فى الشيخين ان صح فانما كان للتقية ، وما روى فى بعض الاخبار من المعارضة والاعتراض على الامام الصادق عليه‌السلام ان صح كان احتيالا لئلا يظهر موافقته اياه للخروج حتى يحفظ عليه‌السلام عن تعرض السلطان ، وما اشتهر من الزيدية من العقائد والفتاوى المخالفة لمذهب الائمة عليهم‌السلام انما حدث بينهم من بعده كاختلافهم وتفرقهم فرقا ، وان صح بعضها عنه كان للتقية ، وما ذكر الشهرستانى فى الملل والنحل من ان زيدا سلام الله عليه تلمذ فى الاصول لواصل بن عطاء الغزال الالثغ رأس المعتزلة ورئيسهم فاقتبس منه الاعتزال وصارت اصحابه كلهم

٧٠٢

معتزلة ، وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الافضل الى آخر ما ذكر فيه من امثال هذه كذب وافتراء عليه ، نعم حدث بين الزيدية بعده بعض آراء العامة ، لكنه لم يكن منه ، رضوان الله عليه ، والدليل على ما قلنا اخبار كثيرة مذكورة فى كتب الاحاديث والرجال مادحة له ناطقة بانه سلام الله عليه كان مرضيا عند الائمة عليهم‌السلام قولا وفعلا واعتقادا ، فراجع.

قول الشارح : او اختيار اهل الخ ـ لكنهم اختلفوا فى عدد من ينعقد الامامة باختيارهم الى ستة اقوال ، راجع مقالات الاسلاميين

المسألة الخامسة

( فى ان الامام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل على بن ابى طالب عليه السلام )

قول الشارح : وقد بينا بطلان الخ ـ كان قبل هذا الكلام سقطا ، وفى بعض النسخ قبله : والثانى المشترطون.

قول المصنف : للنص الجلى الخ ـ اى النصوص الجلية المتواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنقولة من طرق الفريقين على إمامته وخلافته تدل على انهما مختصان به ، اما النص عليه بالامامة فهو مفاد تلك النصوص ، واما انه المعصوم دون ابى بكر والعباس فلان تلك النصوص تدل على انه عليه‌السلام امام من قبل الله عز وجل ولا واحد ممن نصبه الله تعالى للامامة غير المعصوم لما مر فى المسألة الثانية ، وأيضا الدليل على عصمته دونهما الادلة السمعية كآية التطهير ، وان فرق الاسلام حصروا الامامة بعد النبي صلوات الله عليه وآله فى امير المؤمنين عليه‌السلام والعباس وابى بكر وكفرهما قبل دخولهما فى الاسلام قطعى مسلم فينحصر العصمة فيه عليه‌السلام بعد اثبات اشتراط الامامة بها.

٧٠٣

( تلخيص )

اعلم ان جملة الوجوه التى ذكرها المصنف فى هذا المقصد على ان الامام الحق المرضى عند الله إمامته بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل هو امير المؤمنين عليه‌السلام سبعة :

الاول ان من شروط الامامة العصمة ولا معصوم ممن ادعى إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الا امير المؤمنين عليه‌السلام بالاجماع ، ولكن الصغرى مختلف فيها ، وقد مر الاستدلال على صحتها.

الثانى انه تعالى نص فى كتابه فى مواضع على إمامته وولايته ووجوب طاعته بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل من هو كذلك فهو الامام الحق بعده.

الثالث ان النصوص المتواترة دلت على انه عليه‌السلام وصيه وخليفته وامام امته من بعده وكل من هو كذلك فهو الامام بعد النبي دون غيره.

ولا شبهة ولا خلاف من احد فى كبرى هذين ، انما الكلام فى صغرا هما ، فالشيعة قاطبة على حقّيّتها ، والعامة خصومهم على خلاف ذلك بالمناقشة فى دلالة الآيات ، وفى اسناد النصوص من جهة التواتر تارة وفى دلالتها اخرى.

اقول : انى حسب ما اشترطت على نفسى من قبل لا اتعرض لمناقشات الخصوم وجوابها فى هذا المقصد لان الغدير الّذي هو من منن الله تعالى فى هذا العصر على اهله بحر يستقى منه كل مؤالف ومخالف ما يكفيه ويرويه من دون حاجة الى غيره مما الف او يؤلف فى هذا الباب ، ولكنى اقول كلمة لمن يتذكر ، إلا وهي : ان من طلب الحق واراد سلوك طريقه فى اى باب من الابواب فعليه ان يجد فى نفسه أولا حقيقة ما قال امير المؤمنين عليه‌السلام من وصف المتقين : عظم الخالق فى انفسهم وصغر ما دونه فى اعينهم لان كل حق لا بد ان ينتهى إليه تبارك وتعالى والا لم يكن حقا ، ومع الغفلة عن عظمته تعالى كيف يمكن انهاء كل حق إليه ، فكيف يكون المنقطع

٧٠٤

عن الّذي هو مبدأ كل حق حقا ، فان من اختار لنفسه إماما وزعم انه الامام الّذي رضى الله تعالى ان يكون امام عباده فقد كان صغيرا فى نفسه خالقه وحقيرا فى نظره قدر رسوله الّذي ارسله الى الخلق داعيا إليه لان فى حاق نفسه يقول هذا العبد المجترى : لا فرق بينه تعالى وبين عباده فى اختيار امام يقود الخلق الى خالقه ، بل يقول : ليس من شانه ولا من مقتضى حكمته ان يعين من يتوسط بينه وبين خلقه لان هذا الامر الخطير العظيم من شاننا وواجب انظارنا ، وعليه تعالى ان يتقبل ويرضى بكل من اجتمعنا حوله ونصبناه علما للطاعة ، فهل العاقل المنصف الموحد يقول ذلك او يظن ان طاعة ذلك المنصوب طاعة الله عز وجل والعبادة التى تؤتى بامره هى عبادة الله تعالى ، هذا ذكر وان للمتقين لحسن مآب.

الرابع ان عليا عليه‌السلام افضل الامة جميعا فى جميع الفضائل وكل من كان كذلك فهو المستحق للخلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لان إمامة المفضول على الافضل قبيحة عقلا وشرعا فعلى عليه‌السلام هو المستحق لها دون غيره.

ان صغرى هذا القياس غير قابلة للانكار لان فضائله عليه‌السلام ملأ محيط الوجود وافواه المسلمين وغيرهم فضلا عن العلماء وتآليفهم ، وذلك الجأ كثيرا من علماء العامة الى الاعتراف بها وانكار الكبرى ، والعاقل يعلم انه قبيح ، واما الّذي يقول : انى لا افهم الحسن والقبح عقلا ولا اتعقل الميز بينهما فهو بمعزل عن كل بحث.

الخامس ان امير المؤمنين عليه‌السلام ظهرت على يده المعجزات وادعى الامامة والخلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل وكل من هو كذلك فهو مصدق فى دعواه كالنبى لان اجراء المعجز من الله تعالى على يد الكاذب قبيح.

قد مر فى المسألة الخامسة من المقصد الرابع جواب المانعين من اظهار المعجز على غير الأنبياء ، وانكار ادعائه عليه‌السلام للامامة والخلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل مكابرة حمقاء.

السادس ان الامة اجمعوا اجماعا بالغا بحيث لم يشذ منه احد على ان حق الامامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنين عليه‌السلام او العباس او ابى بكر بمعنى

٧٠٥

ان الامام الحق المرضى عند الله تعالى إمامته بعده واحد منهم ، وهذا الاجماع حق يجب اتباعه على الكل بحيث يحكم بكفر من يقول بخلافة غيرهم عنه بلا فصل ، ولكن الله تعالى قد حكم فى كتابه بقوله : لا ينال عهدى الظالمين على بطلان إمامة العباس وابى بكر وانها ليست منه ولا مرضية عنده لانهما لسبق كفرهما كانا متلبسين بالظلم فلا ينالهما عهد الامامة من الله تعالى فأمير المؤمنين هو الامام الحق بعده ، والى هذا الوجه اشار المصنف بقوله : ولسبق كفر غيره الخ.

السابع ان الامة اجمعوا كالاجماع السابق على ان امير المؤمنين عليه‌السلام امام ، ولكن اختلفوا فى صلوح الامامة للثلاثة الذين تقدموه وعدم صلوحها لهم ، والشيعة على الثانى ، وغيرهم على الاول ، فاذا ثبت عدم صلوحها لهم لما ذكره الشيعة ثبت ان الامام الحق بعده هو امير المؤمنين عليه‌السلام ، والى هذا الوجه اشار المصنف بقوله : ولان الجماعة الخ ، فهذا الوجه غير الوجه السابق ، فلا وجه لقول القوشجى هنا : هذا تكرار لما سبق آنفا فكانه من طغيان القلم.

قول الشارح : نقلا شائعا ذائعا ـ بل متواترا منهم أيضا ، راجع الغدير ، ويأتى التصريح به من الشارح أيضا ، ولا يبعد ان يكون مراده بالشيوع والذيوع التواتر ، والاختلاف فى التعبير تفنن.

قول الشارح : أبا طالب عليه‌السلام ـ كذا فى النسخ ، والموجود فى الاخبار على بن ابى طالب عليه‌السلام.

قول الشارح : فيكون كذلك بعد التركيب ـ هذا مذهب بعض اهل الاصول ، والمشهور بين اهل العربية ان هذه الكلمة مركبة من ان وما الكافة تتضمن معنى ما والا ، راجع الباب الخامس من المطول ، فالدليل القطعى هو اجماع اهل العربية على ان معناها الحصر.

قول الشارح : ولا يصح توارد هما الخ ـ حاصل مراده ان انما فى الآية تثبت الولاية وتنفيها ، وليس النفى والاثبات فى محل واحد للزوم التناقض ، ولا نفى الولاية عن المذكورين فى الآية واثباتها لغيرهم للاجماع من اهل العربية وغيرهم

٧٠٦

على ان انما لا تفيد النفى والاثبات هكذا ، فليس الا اثبات الولاية للمذكورين ونفيها عن غيرهم ، وليس الحصر الا ذلك.

قول الشارح : الثانية ان الولى الخ ـ الولى وكذا المولى كما فى حديث الغدير وان ذكروا له معالى تبلغ فوق العشرين لكنه لا ينفك عن معنى الاولوية فى جميع استعمالاته ، راجع الاول من الغدير.

قول الشارح : للاجماع الحاصل الخ ـ حاصل كلامه الى آخره ان هنا ثلاث اجماعات كل منها على مطلوبنا ، الاول اجماع الذين خصوا بالآية بعض المؤمنين فانهم اجمعوا على ان ذلك البعض هو على عليه‌السلام ، فمن قال انه غيره فقد خرق اجماع الكل الى قول ثالث لان علماء الامة بين قائل بالبعض هو على عليه‌السلام وقائل بان المراد بها جميع المؤمنين ، الثانى اجماع الكل على ان عليا عليه‌السلام اما بعض المراد بالذين آمنوا فى الآية ان حملناها على العموم واما كل المراد بهم ان حملناها على الخصوص ، فاذا بطل العموم لما بينه بقى الخصوص وهو ليس الا عليا عليه‌السلام للاجماع الاول ، الثالث اجماع المفسرين بل والمحدثين على ان الآية نزلت فى على عليه‌السلام ، ولا يخفى ان ذكر الاجماع الثانى وابطال قول القائلين بالعموم يغنى عن الاول والثالث.

قول الشارح : تفيد الاولى ـ اى وضعت لفظة مولى للاولى الّذي هو اسم التفضيل فلا يلزم ان يكون على صيغته ، والاولى من جهة مادته يستلزم تعلقه بالباء ومن جهة هيئته يستلزم تعلقه بمن الا ان المولى يستفاد كلا التعلقين باضافته الى شيء ، فالمولى اذا اضيف الى شيء فهو موضوع بمنزلة الاولى بالشيء من الشيء كما يقال : زيد مولى عمرو ، اى هو اولى بعمرو من نفس عمرو ، فالمعنى بقرينة مقدمة الحديث اى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الست اولى بكم من انفسكم : من كنت اولى به من نفسه فعلى اولى به من نفسه ، وقوله صلوات الله عليه وآله : الست الخ مأخوذ من قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) ، ويستفاد من اطلاق الكلام انه صلى‌الله‌عليه‌وآله اولى بهم من انفسهم فى كل شيء ، فيشمل الاولوية فى التصرف فى الامور

٧٠٧

الراجعة الى جامعة الاسلام فيثبت المطلوب ، وهذا الّذي اتى به فى الكتاب احسن مما قال فى نهج الحق : والمولى يراد به الاولى بالتصرف اذ لم يثبت للمولى معنى الاولى بهذا القيد الخاص على ما احصى معانيه الحجة الامينى فى الغدير ، بل الاولى بالشيء ، والّذي يسهل الخطب ان ذلك الشيء لا يخلو فى الاكثر من لزوم معنى التصرف.

قول الشارح : لان مقدمة الحديث تدل عليه ـ وذلك ان قلنا ان لفظة المولى مشتركة بين معان كما يصرح به عن قريب بقوله : ولانها مشتركة الخ ، واما ان قلنا انها حقيقة فى معنى الاولى كما يشير إليه بقوله : ولان عرف اللغة يقتضيه وكذا الاستعمال الخ ، واذا استعمل فى معنى غيره فانما يستعمل بعناية معنى الاولوية كما صرح به الحجة الامينى وبينه فى الجزء الاول من الغدير بقوله : ان الّذي نرتئيه فى خصوص المقام بعد الخوض فى غمار اللغة ومجاميع الادب وجوامع العربية ان الحقيقة من معانى المولى ليس الا الاولى بالشيء ، وهو الجامع لهاتيك المعانى جمعاء ، ومأخوذ فى كل منها بنوع من العناية ، ولم يطلق لفظ المولى على شيء منها الا بمناسبة هذا المعنى الخ فلا احتياج الى قرينة مقدمة الحديث ولا قرينة اخرى متصلة او منفصلة على كثرتها المذكورة المفصلة فى الغدير.

قول الشارح : ولانه اما كل المراد الخ ـ اى ولان الاولى اما كل المراد بلفظ المولى دلالة مطابقية فهو المطلوب ، او بعض المراد به دلالة تضمنية فيثبت مطلوبنا أيضا ، ولا يجوز خروج معنى الاولى عن الإرادة بلفظ المولى لانه حقيقة فى الاولى ، ولم يثبت إرادة غير الاولى بلفظ المولى اى لم يثبت له فى جميع موارد استعمالاته معنى خال عن الاولى بان يراد بلفظ المولى معنى لا يكون معنى الاولى أو لا يشتمل على معنى الاولى ، ومراده رحمه‌الله ان لفظة المولى فى الحديث باى المعانى التى ادعاها الخصم من المحب والناصر وغيرهما اخذت لا تنفك عن معنى الاولى فيثبت مطلوبنا ، وبيان ذلك ما افاده الحجة الامينى فى الجزء الاول من الغدير ص ٣٦٢ بقوله : نظرة فى معانى المولى ، ذكر علماء اللغة الخ.

قول الشارح : وتقرير الاستدلال به الخ ـ توضيحه ان المراد بالمنزلة

٧٠٨

المضافة الى هارون اما واحدة من منازله او بعضها او جميعها ، والثالث يستلزم المطلوب لان من جملة منازل هارون من موسى كونه خليفته وامام امته عند غيبته وعدمه فيهم ، والقول بالفرق بين غيبة موسى عن امته فى حياته وبين غيبته عنهم بموته لو عاش هارون بعده تحكم بارد ، واما الاول فباطل لبطلان الاستثناء من الواحد كما يقال : جاءني واحد الا زيدا ، والثانى أيضا باطل لوجوه : الاول الاستثناء الّذي هو اخراج ما لو لا الاستثناء لوجب دخوله كما لو قال احد : له على عشرون الا واحدا اخذ منه تسعة عشر ولولاه اخذ منه جميع العشرين ، فلو كان الخصوص مرادا لكان الاستثناء لغوا لخروج المستثنى من دون الاستثناء ، الثانى ان الاصل عدم اشتراك النكرة المضافة بين العموم والخصوص فهى للعموم للقطع بانها ليست للخصوص فقط ، الثالث انه لا قائل بافادتها الكثرة من دون العموم فاذا ثبت ان الاستثناء يستلزم الكثرة لزم ان تكون تلك الكثرة عموما ، الرابع لو لا العموم لما فهم مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا الكلام ، ولا فائدة فى هذا الخطاب المجمل فلا يصدر من المتكلم الحكيم ، ويمكن ان يقرر الدليل بوجه أخصر واحسن ، وهو ان يقال : انه صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل عليا عليه‌السلام بالنسبة الى نفسه فى مقام هارون بالنسبة الى موسى ، وهذا ظاهر من الكلام لا شبهة فيه ، ولا ريب ان مقام هارون الى موسى ونسبته إليه اقوى من جميع اصحابه وامته لمكان نبوته واخوته ولقول موسى : لا املك الا نفسى واخى ، فان انقطع موسى عن امته ( وان لم ينقطع ابدا ) فالواجب ان يكون هارون فى مقام موسى بالنسبة الى امور امته ، فعلى عليه‌السلام هارون هذه الامة حين غيبة نبيها ، على ان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : افلا ترضى يا على ان تكون منى الخ كما يأتى عن قريب يومى الى منزلة الخلافة وان لم يكن العموم مرادا لانه اشارة الى قوله تعالى : ( وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) الخ.

قول المصنف : ولاستخلافه الخ ـ هذا استدلال بنفس الاستخلاف مع قطع النظر عن مراجعة امير المؤمنين إليه صلوات الله عليهما وآلهما وقوله له : كذبوا انما خلفتك الخ ، وان كان هذا الكلام متضمنا على الدليل السابق أيضا ، فانه صلى الله عليه

٧٠٩

وآله قال له عليه‌السلام هذا القول فى شتى المواقف.

قول الشارح : للاجماع ـ اى لاجماع الامة على ان من ثبت خلافته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة ثبت خلافته على غيرها لعدم القائل بالفصل.

قول الشارح : لا يقال قد استخلف الخ ـ اى فعلى هذا الاجماع يجب ان تقولوا بخلافة كل من استخلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة ولا تقولون بذلك ، والجواب ان غير على عليه‌السلام انعقد الاجماع على عدم إمامته ، وهذا الاجماع وارد على ذلك ، فمرجع الاستدلال الى ان من استخلفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على المدينة ولم يعزله الى آخر عمره ولم يقم الاجماع على عدم إمامته فهو الامام والخليفة بعده ، ومن بهذه الخصوصية ليس الا امير المؤمنين عليه‌السلام.

قول الشارح : على ما تقدم ـ ذيل قول المصنف : للنص الجلى إلخ فى ضمن حديث الدار حديث بدء الدعوة النبوية عند نزول قوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ).

قول الشارح : على ما يأتى ـ فى المسألة السابعة.

قول المصنف : وللسمع على ما تقدم ـ للسمع عطف على عقلا ، وما تقدم من الدليل السمعى هو قوله تعالى المذكور فى المسألة الثالثة : أفمن يهدى الى الحق احق الخ.

قول الشارح : ولا معصوم غير على الخ ـ اى من بين الذين اجمع الامة على إمامة احدهم وان ليس الخلافة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل خارجة عنهم وهم امير المؤمنين عليه‌السلام والعباس وابو بكر.

قول المصنف : ولقوله تعالى واولى الامر منكم ـ قد رويت نصوص كثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باسمائهم والقابهم وخصائصهم وان اولهم على بن ابى طالب عليهم‌السلام وثانى عشرهم من هو باسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكنيته ويظهر ويملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

٧١٠

المسألة السادسة

( فى الادلة الدالة على عدم إمامة غير على عليه السلام )

قول الشارح : وقد تقدمت : ـ اى الآية قبل عشرة سطور.

قول المصنف : بخبر رواه ـ ان قلت : نظير هذا الخبر مروى من طرق الخاصة كما فى البحار فى اوّل ابواب العلم عن أمالي الصدوق وثواب الاعمال وبصائر الدرجات عن القداح عن الصادق عن ابيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا الى الجنة ، وان الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضا به ، وانه ليستغفر لطالب العلم من فى السماء ومن فى الارض حتى الحوت فى البحر ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر ، وان العلماء ورثة الأنبياء ، ان الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكن ورثوا العلم ، فمن اخذ منه اخذ بحظ وافر ، قلت : ان التوريث يقتضي مفعولين والمفعول الاول فى الكلام محذوف لكونه معلوما من الجملة السابقة ، وتقدير الكلام ان الأنبياء لم يورثوا العلماء الذين هم ورثتهم من حيث هم انبياء دينارا ولا درهما ولكن ورثوهم العلم ، وحاصل المراد ان العلماء لهم ميراث من الأنبياء هو العلم ، وليس لهم ميراث منهم من سنخ مواريث الاموال ، وهذا لا ينافى توريث الأنبياء اولى ارحامهم اموالهم ان تركوها بل هو ثابت بعموم الكتاب وخصوصه والاخبار كما ذكر الشارح ، بخلاف ما اختلقه ابو بكر لاثبات ما ادعاه ظلما وعلوا فانه اراد بذلك نفى ميراث المال عن ذوى قربى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قول الشارح : ونازع العباس الخ ـ الواو للاستيناف او عطف على بين رسول الله هذا الحكم ، وقصة منازعة العباس على ما فى البحار فى الجزء الثانى والاربعين ص ٣٢ عن مناقب ابن شهرآشوب عن جابر الانصارى قال : جاء العباس الى على عليه

٧١١

السلام يطالبه بميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : ما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء يورث الا بغلته دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه وعمامته السحاب ، وانا اربأ بك ان تطالب بما ليس لك ، فقال : لا بدّ من ذلك وانا احق ، عمه ووارثه دون الناس كلهم ، فنهض امير المؤمنين عليه‌السلام ومعه الناس حتى دخل المسجد ، ثم امر باحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة فاحضر ، فقال للعباس : يا عم ان اطقت النهوض بشيء منها فجميعه لك ، فان ميراث الأنبياء لاوصيائهم دون العالم ولاولادهم ، فان لم تطق النهوض فلا حق لك فيه ، قال : نعم فالبسه امير المؤمنين عليه‌السلام الدرع بيده والقى عليه العمامة والسيف ، ثم قال : انهض بالسيف والعمامة يا عم ، فلم يطق النهوض فاخذ السيف منه وقال له : انهض بالعمامة فانها آية من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاراد النهوض فلم يقدر على ذلك وبقى متحيرا ، ثم قال له : يا عم وهذه البغلة بالباب لى خاصة ولولدى ، فان اطقت ركوبها فاركبها ، فخرج ومعه عدوى ، فقال له : يا عم رسول الله خدعك على فيما كنت فيه فلا تخدع نفسك فى البغلة ، اذا وضعت رجلك فى الركاب فاذكر الله وسمّ واقرأ « ان الله يمسك السماوات والارض ان تزولا » قال فلما نظرت البغلة إليه مقبلا مع العباس نفرت وصاح صياحا ما سمعناه منها قط ، فوقع العباس مغشيا عليه ، واجتمع الناس وامر بامساكها فلم يقدر عليها ، ثم ان عليا عليه‌السلام دعا البغلة باسم ما سمعناه ، فجاءت خاضعة ذليلة ، فوضع رجله فى الركاب ووثب عليها فاستوى عليها راكبا ، فاستدعى ان يركب الحسن والحسين عليهما‌السلام فامرهما بذلك ثم لبس على الدرع والعمامة والسيف وركبها وسار عليها الى منزله وهو يقول : هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر انا وهما أم تكفر انت يا فلان.

ان قلت : كيف ادعى العباس ميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع انه عمه وكان له بنت حين وفاته ، ولم يردعه امير المؤمنين عليه‌السلام بحكم المسألة ، قلت : اما لحسبانه ان له حقا فى ذلك ، ومنشأ حسبانه ما روى كما فى الكافى باب ما عند الائمة من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومتاعه عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال :

٧١٢

لما حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وامير المؤمنين عليه‌السلام فقال للعباس : يا عم محمد تاخذ تراث محمد وتقضى دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه فقال : يا رسول الله بابى انت وامى انى شيخ كثير العيال قليل المال ، من يطيقك وانت تبارى الريح ، قال : قال : فاطرق صلى‌الله‌عليه‌وآله هنيئة ثم قال : يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضى دينه ، فقال : بابى انت وامى أني شيخ كثير العيال قليل المال وانت تبارى الريح ، قال : اما انى ساعطيها من يأخذها بحقها ، ثم قال : يا على يا اخا محمد اتنجز عدات محمد وتقضى دينه وتقبض تراثه ، فقال : نعم بابى انت وامى ذاك على ولى الخ ، فحسب انه يمكنه ان يجرى على ما عرض عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته بالشرط ، واما لجهله بالحكم اصلا ، وامير المؤمنين عليه‌السلام لم يردعه ببيان الحكم ليأتى بما هو احسن تأثيرا فى النفوس واقوى فى ردعه عما ادعاه ، او كانت منازعته فى الصورة رجاء ان يرتدع الظالمون عما ارتكبوا لمشاهدة تلك الآيات.

قول الشارح : لم يجز لهم ذلك ـ اى لم يجز لفاطمة عليها‌السلام ادعائها لها وقولها : أترث اباك ولا إرث ابى لقد جئت شيئا فريا ، ولا لعلى عليه‌السلام امساك تلك الاشياء ، ولا للعباس المنازعة.

قول الشارح : وذلك يدل على انه الخ ـ لانه تمسك تارة لمنعها عليها‌السلام عن ارثها بان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما تركناه صدقة ، واخرى بانه قال : ما تركه كان لولى الامر بعده ، وهذان متنافيان.

قول الشارح : مع انها معصومة ـ لآية التطهير وغيرها ، ولا يطلب من المعصوم شاهد لادعائه مع ان العصمة اسد واقوى من شهادة العدول لانها يعتريها احتمال الخطاء والعصمة لا يعتريها.

قول الشارح : ومع علمه بانها من اهل الجنة ـ اظن ان هذه العبارة راجعة الى أمّ ايمن رضوان الله عليها ، وحقها ان تذكر بعد قوله : واستشهدت عليا وأمّ ايمن ، وقدمها الناسخ خطاء ، لان شأن فاطمة سلام الله عليها اجل من ان يقال فى حقها هذا

٧١٣

الكلام لانها سيدة نساء العالمين ، وروى ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حق أمّ ايمن كما فى الانساب للبلاذرى فى الجزء الاول ص ٤٧٢ عن شقيق بن عقبة قال : كانت أمّ ايمن تلطف برسول الله صلى الله عليه وسلم وتقوم عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره ان يتزوج امرأة من اهل الجنة فليتزوج أمّ ايمن ، فتزوجها زيد فولدت له اسامة.

ثم انها رضى الله عنها كانت مولاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورثها عن أمه ، وقيل عن ابيه ، وكان اسمها بركة فاعتقها وزوجها عبيد بن عمرو بن بلال الخزرجى بمكة فولدت له ايمن فمات عبيد فزوّجها من زيد فولدت له اسامة ، وكانت حاضنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان يسميها « امى » كما فى الجزء الاول من الانساب ص ٩٦ ، وشديدة الحب له ولاهل بيته ، وشامخة العرفان به وبهم صلوات الله عليه وعليهم كما تشهد بذلك الاخبار والآثار ، وهى التى ذكر فى مناقبها انها قد غلبها العطش بين مكة والمدينة واشرفت على الهلاك فتضرعت الى الله تعالى ودعته بالنبى وآله صلوات الله عليه وعليهم فنزل عليها دلو من السماء فيه ماء فشربت منه ، فلم يكن يعقل لمثل هذه المرأة ان تكذب على رسول الله فى شهادتها وان وقعت عليها السن الخيانة والتصغير لعظمة المقامات الايمانية بان شهادتها لا تقبل لانها مراة عجمية.

قول الشارح : واستشهدت عليا وأمّ ايمن ـ وروى ان أمّ سلمة رضى الله عنها أيضا شهدت بذلك كما سيأتى فى كلام عمر بن عبد العزيز ، وشهد به رباح مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا كما فى الجزء السابع من الغدير ص ١٩١ عن فتوح البلدان للبلاذرى ص ٣٨ ، ورويت شهادة الحسنين عليهما‌السلام وشهادة اسماء بنت عميس بذلك كما فى البحار المجلد الثامن ص ١٠٥ عن كشكول العلامة رحمه‌الله عن المفضل ابن عمر عن الصادق عليه‌السلام.

قول الشارح : عرف عمر بن عبد العزيز ـ هو ابو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن ابى العاص بن امية ، يعرف باشج بنى امية لضربة من دابة فى وجهه ، قال الكتبى فى فوات الوفيات : كانت وفاته بدير سمعان لعشر بقين من شهر رجب سنة

٧١٤

احدى ومائة ، سقاه بنو أمية السم لما شدد عليهم وانتزع كثيرا مما فى ايديهم ، وصلى عليه يزيد بن عبد الملك ، وكانت خلافته سنتين وخمسة اشهر وأربعة عشر يوما ، ونقش خاتمه عمر يؤمن بالله ، وهو الّذي بنى الجحفة ، واشترى ملطية من الروم بمائة الف أسير وبناها ، وروى له الجماعة ، انتهى ، ثم ذكر ابياتا قالها فيه الشريف الرضى رضي‌الله‌عنه.

قال العلامة المجلسى فى ثامن البحار ص ١٠٧ : روى مرفوعا ان عمر بن عبد العزيز لما استخلف قال : ايها الناس انى قد رددت فدك على ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وولد على بن ابى طالب عليه‌السلام فكان اوّل من ردها ، وروى انه ردها بغلاتها منذ ولى فقيل له : نقمت على ابى بكر وعمر فعلهما وطعنت عليهما ونسبتهما الى الظلم والغصب ، وقد اجتمع عنده فى ذلك قريش ومشايخ اهل الشام من علماء السوء ، فقال عمر بن عبد العزيز قد صح عندى وعندكم ان فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ادعت فدك وكانت فى يدها وما كانت لتكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع شهادة على وأمّ ايمن وأمّ سلمة ، وفاطمة عندى صادقة فيما تدعى وان لم تقم البينة وهى سيدة نساء الجنة ، فانا اليوم ارد على ورثتها اتقرب بذلك الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وارجو ان تكون فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام يشفعون لى يوم القيامة ، ولو كنت بدل ابى بكر وادعت فاطمة كنت اصدقها على دعواها ، فسلمها الى الباقر عليه‌السلام.

اقول : من عجيب امر فدك انها وقع عليها الغصب فالرد مرارا بايدى الخلفاء من ابى بكر الى المقتدر بالله العباسى على ما ذكر فى ثامن البحار ص ١٠٨ وسابع الغدير ص ١٩٥.

قول الشارح : او يعطيها اياها بالميراث ـ بتقدير ان الناصبة عطف على إنحالها.

اقول : هل ادعت سلام الله عليها امرين : نحلة فدك من ابيها صلوات الله عليه وآله ، وميراثه الّذي لا يحتاج الى البينة والشهود فمنعوها عنهما كما هو ظاهر الكتاب ، او

٧١٥

ادعت امرا واحدا هو ملك فدك فتارة بالميراث وتارة بالنحلة فدفعت عنها كما ذكر الحجة الامينى فى ثامن الغدير ص ٢٣٧ نقلا عن شرح النهج لابن ابى الحديد ، ثم ان إنحال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اياها مقطوع به على حسب الروايات الكثيرة الواردة فى تفسير قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ ) ، وادعاؤها صلوات الله عليها اياها بعنوان النحلة واستشهادها أيضا كذلك ، ويظهر من رواية خطبتها الغراء المعروفة المروية من طرق الفريقين طلبها لفدك ميراثا ، وروى العلامة المجلسى فى ثامن البحار ص ١٠٨ عن الحسن بن على الوشاء قال : سألت مولانا أبا الحسن على بن موسى الرضا عليهما‌السلام هل خلف رسول الله غير فدك شيئا ، فقال ابو الحسن عليه‌السلام : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلف حيطانا بالمدينة صدقة وخلف ستة افراس وثلاث نوق العضباء والصهباء والديباج ، وبغلتين الشهباء والدلدل وحمارة اليعفور ، والشاتين حلوبتين ، واربعين ناقة حلوبا ، وسيفه ذا الفقار ودرعه ذات الفضول وعمامته السحاب ، وحبرتين يمانيتين وخاتمه الفاضل وقضيبه الممشوق وفراشا من ليف وعباءتين قطوانيتين ومخادّ من آدم صار ذلك الى فاطمة عليها‌السلام ما خلا درعه وسيفه وعمامته وخاتمه فانه جعله لامير المؤمنين عليه‌السلام ، ويظهر من هذه الرواية ان غير فدك لم يصل إليه يد العضب ، فيمكن الجمع بين الروايات بانها صلوات الله عليها ادعت فدك أولا بعنوان النحلة كما كانت هى كذلك ، وبعد ان ردت تلك الشهادة الالهية ادعتها بعنوان الميراث فاختلق ابو بكر تلك المقالة من نفث قرينه فمنعها حقها صلوات الله عليها ولعنة الله على اعدائها.

فبذلك يندفع تعجب العلامة المجلسى حيث قال فى ثامن البحار ص ١٠٧ بعد ذكر حديث طلب فدك وقول ابى بكر : هاتى بالبينة : اقول هذا الحديث عجيب فان فاطمة عليها‌السلام كانت مطالبة بميراث فلا حاجة بها الى الشهود فان المستحق للتركة لا يفتقر الى الشاهد الا اذا لم يعرف صحة نسبه واعتزائه الى الدارج وما اظنهم شكوا فى نسب فاطمة عليها‌السلام وكونها ابنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان كانت تطلب فدكا وتدعى ان اباها نحلها اياها احتاجت الى اقامة البينة ولم يبق لما رواه ابو بكر

٧١٦

من قوله : نحن معاشر الأنبياء لا نورث معنى ، وهذا واضح جدا فتدبر.

قول الشارح : غيظا عليه الخ ـ فان مثل فاطمة المعصومة عليها‌السلام لا تغتاظ على الامام الحق ولا تمنعه عن الثواب ، فهو كان باطلا فى إمامته.

قول الشارح : اظهر ـ لانه كذب على نفسه والامام الحق القائم مقام النبي الاعظم سيد الرسل صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يكذب على نفسه ، ولم يكن المقام مقام هضم النفس ولا معنى له لعظم الامر وخطره.

قول الشارح : احد الرجلين ـ هما ابو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال وعمر بن الخطاب.

روى فى حديث عبد الرحمن بن عوف ان أبا بكر عند موته قال له : انى لا آسى على شيء من الدنيا الا على ثلاث فعلتهن وددت انى تركتهن ( هى كشف بيت فاطمة صلوات الله عليها واحراق الفجاءة السلمى وقبول الخلافة فانه كان يود قذفها فى عنق احد الرجلين يوم السقيفة ) وثلاث تركتهن وددت انى فعلتهن ( هى قتل الاشعث بن قيس يوم اسر واقامته بذى القصة حين تسيير خالد بن الوليد الى اهل الردة وتوجيه عمر بن الخطاب الى العراق ) وثلاث وددت انى سألت عنهن رسول الله ( هى لمن هذا الامر وهل للانصار فى هذا الامر نصيب وميراث ابنة الاخ والعمة ) راجع سابع الغدير ص ١٧٠.

قول المصنف : وخالف الرسول فى الاستخلاف عندهم ـ اى خالفه فى جعله عمر خليفة عند العامة لانهم زعموا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف احدا ، فكان الواجب عليه ان يتبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله تعالى : ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي ) ، وقوله تعالى : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً ) ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اما استخلف وإما لا ، فعلى الاول يثبت ما ادعيناه لانه ان استخلف لم يستخلف الا عليا امير المؤمنين عليه‌السلام بالاجماع ، وقول القوشجى : عند الاشاعرة انه استخلف أبا بكر كذب على انفسهم ، وعلى الثانى انه ترك اتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واسوته مع خطر الامر ،

٧١٧

فلم يكن ممن يحب الله ولا ممن يرجو الله واليوم الآخر فلم يكن خليفة حقا.

قال ابن ابى الحديد : احضر ابو بكر عثمان وهو يجود بنفسه فامر ان يكتب عهدا ، وقال : اكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد به عبد الله بن عثمان الى المسلمين اما بعد ، ثم اغمى عليه ، فكتب عثمان : قد استخلفت عليكم ابن الخطاب ، وافاق ابو بكر فقال : اقرأ فقرأه فكبر ابو بكر ، قال : اراك خفت ان تختلف الناس ان مت فى غشيتى ، قال : نعم ، قال : جزاك الله خيرا عن الاسلام واهله ، ثم اتم العهد وامره ان يقرأ على الناس ، فقرأ ، ثم اوصى الى عمر بوصايا.

اقول : انظر ايها العاقل كيف كان ابو بكر وعثمان واخوانهم خائفين مشفقين ان تختلف الناس ان لم يتعين خليفة على الامة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن عندهم بهذه الفكرة فجعل الناس حيارى مختلفين بعده ولم يجعل لهم علما يلتجئون إليه ويهتدون به عند حيرتهم واختلافهم ، ثم خالفوه فى الاستخلاف ، وهذا تسفيه له صلى‌الله‌عليه‌وآله ولعن الله اعاديه فى هذا الامر عملا كما صنع الثانى ذلك قولا فيما رواه الفريقان انه لما قرب وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال حين اجتمعوا عليه عدة من الاصحاب وفيهم عمر : ايتونى بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدى ، فقال عمر : ان الرجل ليهجر حسبنا كتاب الله ، وفى رواية البخارى : انه قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله ( وهذا ابلغ لانه افادة ذاك المعنى بعلته ) وكثر اللغط والتنازع ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوموا عنى لا ينبغى عندى التنازع ، وكان ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

اقول : كفى بهذا الكلام كفر القائلة وانه احب ضلالة العباد الى يوم القيامة ، ولاى شيء لم يقل عمر ذلك حين امر ابو بكر عثمان بكتابة العهد عند ما كان يجود بنفسه ، هل راى ان كتاب ابى بكر ينفع الاسلام وكتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يضره ، أم تغير كتاب الله عن الكفاية بزعمه ، أم لا ذاك ولا ذاك ، بل اوجس فى نفسه ان كتابه ينفيه عن التغلب على امور المسلمين وعرف ان كتاب ابى بكر يقرّه على ذلك.

٧١٨

قول الشارح : فى استخلاف من عزله النبي الخ ـ حق الكلام ليوافق المتن ان يقول : فى تولية من عزله النبي الخ ، لكنه عبر به لان أبا بكر ولى عمر امور المسلمين باستخلافه اياه ، ففى استخلافه المستلزم لتوليته مخالفتان لرسول الله صلى الله وآله : إحداهما الاستخلاف وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يستخلف احدا بزعمهم ، والثانية توليته عمر وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله عزله عن التولية كما ذكر الشارح ، فالحاصل ان من استخلفه هو من ولاّه وان كان الاستخلاف عنوانا والتولية عنوان آخر لازم له وكان فى ذلك مخالفتان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والشروح متوافقة فى هذا ، ولكن فى المتن ظهور فى انه غيره ، وانى لم اجد فيما تفحصت اثرا لذلك.

قول المصنف : مع علمهم لقصد البعد ـ اى مع علم الثلاثة لقصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدهم عن المدينة لئلا يثيروا تلك الفتنة الهائلة ، فاللام للتقوية عاملها علمهم واضافة القصد اضافة المصدر الى مفعوله ، وفى شرح القوشجى : مع علمهم بقصد التنفيذ اى مع علمهم بمقصوده من التنفيذ وهو بعدهم عنها لئلا يتوثبوا الخ ، فالمصدر بمعنى المفعول والاضافة بمعى اللام من نوع اضافة المسبب الى السبب ، وفى الشرح القديم وشرح البهشتى الأسفراييني : مع علمهم بقصد العدو ، والظاهر انه تصحيف ، والعدو هم الذين جهز جيش اسامة الى قتالهم.

قول الشارح : جيش اسامة ـ هو ابو محمد اسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى ، قيل : كنيته ابو زيد ، أمه بركة أمّ ايمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحاضنته ، توفى اسامة بالمدينة ايام إمامة الحسن بن على عليهما‌السلام ، وكفنه الحسن عليه‌السلام ببرد حبرة.

قال الشهرستانى فى الملل والنحل : الخلاف الثانى فى مرضه انه قال : جهزوا جيش اسامة لعن الله من تخلف عنه ، فقال قوم : يجب علينا امتثال امره واسامة قد برز من المدينة ، وقال قوم : قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالة هذه فنصبر حتى نبصر اى شيء يكون من امره.

اقول : لم تكن قلوبهم تسع مفارقة التوثب على الخلافة وإلا فهم فارقوه فرارا

٧١٩

من الزحف وغيره فى مواطن ، ثم لا معنى عند المسلم لترك المفارقة وغايته من حيث هو هو الندب مع امره المؤكد بلعن المتخلف.

قول الشارح : فيكون هو افضل الناس كافة ـ لان عليا عليه‌السلام افضل من اسامة بالاجماع ، وهو افضل من الثلاثة بدليل توليته عليهم فهو عليه‌السلام افضل منهم ، فاذا ثبت انه عليه‌السلام افضل منهم ثبت انه افضل من الناس كافة لان الثلاثة افضل الناس عندهم ولم يول على امير المؤمنين عليه‌السلام احدا ، ثم انا لا نحتاج الى هذا البيان لاثبات تفضيله عليه‌السلام على غيره لما يأتى فى المسألة السابعة.

قول الشارح : وامره بالحج بالناس ـ اى امره بان يكون فى الموسم امير الحاج غير ان يقرأ سورة براءة على الناس ، فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله عزله عنهما بامره تعالى ، والقصة معروفة مروية من الفريقين بالتواتر ، وكان ذلك فى سنة تسع من الهجرة فى اوّل ذى الحجة بعد سنة الفتح.

قال البحرانى فى البرهان : قال ابن شهرآشوب : الاستنابة والولاية من رسول الله لعلى فى اداء سورة براءة ، وعزل به أبا بكر باجماع المفسرين ونقلة الاخبار ، ورواه الطبرى والبلاذرى والترمذي والواقدى والشعبى والسدى والثعلبى والواحدى والقرطبى والقشيرى والسمعاني واحمد بن حنبل وابن بطة ومحمد بن اسحاق وابو يعلى الموصلى والاعمش وسماك بن حرب فى كتبهم عن عروة بن زبير وابى هريرة وانس وابى رافع وزيد بن نفيع وابن عمر وابن عباس واللفظ له : انه لما نزل براءة من الله ورسوله الى تسع آيات انفذ النبي أبا بكر الى مكة لادائها فنزل جبرئيل ، قال : انه لا يؤديها الا انت او رجل منك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنين عليه‌السلام : اركب ناقتى العضباء والحق أبا بكر وخذ براءة من يده ، قال : ولما رجع ابو بكر الى النبي عليه‌السلام جزع وقال : يا رسول الله انك اهلتنى لامر طالت الاعناق فيه فلما توجهت له رددتنى عنه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الامين هبط الى عن الله تعالى انه لا يؤدى عنك الا انت او رجل منك ، وعلى منى ولا يؤدى عنى الاعلى ، راجع لزيادة التحقيق سادس الغدير ، ط ٢ ، ص ٣٣٨ ـ ٣٥٠.

٧٢٠